قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الخميس 6/10/2011

ـ 'النهار'
تقسيم ؟ أي تقسيم ؟  
هشام ملحم:  

أثار البطريرك الماروني مار بشارة الراعي في تصريحاته الأخيرة عن الانتفاضة السورية ما وصفه بالمخططات الغربية لتفتيت المنطقة الى دويلات طائفية، من دون تقديم أي دليل على ذلك أو شرح الفوائد التي ستجنيها هذه الأيدي الخفية من تقسيم المنطقة. ليس الهدف هنا الدخول في مناظرة مع البطريرك الراعي، بل محاولة معالجة هذه التهمة القديمة - الجديدة التي لها أسس تاريخية حقيقية (اتفاق سايكس - بيكو) وان يكن استخدمها ولا يزال يستخدمها في السنوات الأخيرة أولئك الذين يبررون إخفاق سياسات الأنظمة العربية من خلال التلويح بنظرية المؤامرة.
في العام الماضي لوّح الأمين العام لـ'حزب الله' السيد حسن نصر الله برسالة مفبركة نسبت الى وزير خارجية الولايات المتحدة سابقاً هنري كيسينجر تدعو الى تقسيم لبنان. وحتى بعد التأكد من ان كيسينجر لم يكتب مثل هذه الرسالة، لم يصدر أي ايضاح عن السيد نصر الله، ولا أحد يتوقع أي اعتذار منه، حتى لجمهوره. هذه الاتهامات غير الصحيحة تذكّر باتهامات مماثلة وجهت الى واشنطن في بداية النزاع الاهلي في لبنان أنها أبلغت القادة المسيحيين أنها مستعدة لإرسال سفن لترحيلهم الى الغرب.
خلال الحرب الانفصالية في اليمن عام 1994، وقفت الولايات المتحدة الى جانب وحدة اليمن وضد انفصال الجنوب، وهو موقف تعارض مع موقف حليفتها القديمة السعودية. التعاطف الأميركي التقليدي مع أكراد العراق يتوقف عن حدود الانفصال، اذ تصرّ واشنطن على وحدة العراق. ولو دعمت واشنطن دولة كردية في شمال العراق لكانت وحدة العراق مهددة فعلاً، لأن كل كردي عراقي يحلم بالاستقلال (وهو محق في ذلك). مسؤولية تقسيم السودان تقع على عاتق حكامه منذ الاستقلال ومنذ نشوب حروبه الأهلية والحركة الانفصالية (المشروعة) وتحديداً النظام العسكري الحالي.
لا شيء في مواقف الولايات المتحدة من الانتفاضات العربية يوحي بأن واشنطن تسعى او يمكن ان تستفيد من تقسيم أي دولة في المنطقة بما فيها سوريا واليمن وليبيا الى دويلات طائفية او إتنية. هل يمكن تقسيم سوريا من دون حمام دم؟
واشنطن تعلم كل ما يعلمه كل سوري، من ان أي اقتتال داخلي يمكن ان يعبر الحدود الى لبنان والعراق وربما تركيا، وهي دول تريد واشنطن صون استقرارها. وكيف يمكن واشنطن ان تستفيد اذا قسمت سوريا الى كيانات طائفية؟ إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مدت يدها الى سوريا واعتقدت في بداية الانتفاضة ان نظام الأسد يمكن ان يبدأ بالاصلاحات.
عندما بدأت الانتفاضة السورية كل دول المنطقة بما فيها اسرائيل وتركيا كانت تريد بقاء الأسد في الحكم وصون 'استقرار' سوريا لأنها تفضل التعامل مع الحاكم المستبد وليس مع نظام ديموقراطي تمثيلي يخضع للمساءلة الشعبية.
ـ النهار : هل يكون الربيع العربي معركة أميركية جديدة تربحها إيران؟
بقلم مالك ابي نادر (قيادي في 'التيار الوطني الحر')
هل يمكن بوجود شبكات التواصل الاجتماعي والثورات التكنولوجية في الاتصالات ونقل المعلومات، حصر التفاعل مع الافكار التحريرية داخل حدود بلدان معينة وفي مجتمعات محددة؟ منذ الدخول الاميركي الى افغانستان عام 2002 مروراً باسقاط صدام والخلاف النووي مع ايران وصولاً الى 'الربيع العربي' ونتائج معظم هذه السياسات تاتي سلبيةً على صانعيها باستثناء واحدة فقط هي تسعير العداء السني – الشيعي الذي لاقى قبولاً ورواجاً في الشارعين: السني في الخليج والشيعي في ايران، ولكنهما لا يسعيان الى اشعال فتيل صراع قد يمتد لعشرات السنوات يعلم القلة منهما كيف يبدأ ولكن الكثيرين يعلمون انه سينتهي لمصلحة اسرائيل.  
فعلى اثر الدخول الاميركي الى افغانستان بردت الجبهة الافغانية – الايرانية. فالصراع السني السلفي والشيعي المتشدد كان جمراً تحت الرماد على الحدود التي تربط بين البلدين والتي تمتد مئات  الكيلومترات، الامر الذي اجبر نظام الملالي على ايلاء هذه الجبهة اهتماماً استثنائياً وجهوزيةً عسكريةً عاليةً  وكبده اكلافاً باهظة من اجل السهر على منع تسرب السلفيين السنة الى الداخل الايراني مع ما يولّده ذلك من مشاكل امنية وسياسيةٍ تعوّق خططه التي رُسمت بعد استيلاء المؤسسة الدينية الشيعية على السلطة، من اجل استعادة امجاد حضارةٍ فارسيةٍ بلبوس دينية ٍ مذهبيةٍ، تستعين بالاولى لمد خطوط اقتصادها مع الشرق الآسيوي حيث الاسواق الاستهلاكية والاقتصادات النامية، وتلتحف بالثانية لتحجز لها دوراً سياسياً في الشرق الاوسط حيث يحرك الدين عصبيات الامم وبراكينها الهامدة على جمر المذاهب والاتنيات والجغرافيات السياسية والاحتياطات النفطية.
اتت الخطوة الاميركية لتقفل للايرانيين نافذةً واسعةً من الاشكاليات والاحتمالات، فاقتصر بعدها الاهتمام الايراني في الملف الافغاني على دعم مالي لحكومة كرزاي الذي يخوض عنهم حرباً  في مواجهة سلفيي الملا عمر وبقايا 'القاعدة'.  
ولم تمض سنة او اكثر بقليل حتى عادت مجدداً اميركا لتخوض حرباً ضروساً بالواسطةِ عن ايران فانهت بأقل من شهر ما عجزت عنه ايران طوال عشر سنواتٍ وقدمت للايرانيين  وللشيعة العرب على طبقٍ من فضةٍ، اول دولةٍ عربيةٍ يحكمونها، فيما اقتصر وجودهم سابقاً على رعايا واقليات في محيطٍ سنيٍ افضل ما  ورثه عن العثمانيين نظرتهم الدونية الى الشيعةِ 'الروافض'، بالاضافة الى انها تعوم على ثالث احتياطٍ نفطيٍ في العالم.  
وهنا انتصرت البراغماتية الايرانية على 'واقعية الاميركيين'، الذين اعتقدوا او صدقوا بأن صراعاً فقهياً تاريخياً يدور بين اتباع الخميني الذي ينادي بولاية الفقيه وحزب 'الدعوة' الذي يقول بدور الامة في الامساك بالسلطة، الامر الذي سيقلل من الدور الايراني في الساحة العراقية لا بل سيخلق له ارباكات كثيرة  كفيلةٍ ببقائه بعيداً عن التأثير المباشر في السياسات العراقية الجديدة.
فخلال مدة قصيرة استطاع الايرانييون ان يتبينوا الطرف الشيعي العراقي الاقوى. فتخلوا بدايةً عن دعم مقتدى الصدر لا بل عملوا على ترويضه  لمصلحة المجلس الاعلى الاسلامي العراقي برئاسة عبد العزيز الحكيم ومن بعده نجله عمار الذي ما لبثوا ان اعرضوا عنه بعد ان تثبتوا من عدم قدرته على قيادة الحالة الشيعية العراقية، وعقدوا شراكةً متينةً ومصيريةً مع حزب 'الدعوة'، بالرغم من الخلاف  الفقهي الجوهري بينهما على اسس قيادة الدولة: فالخطر الاكبر لا يكمن في حكم العراق من قبل حزب 'الدعوة' الشيعي بل يكمن في الاحتلال الاميركي للعراق والتحكم بثرواته الطبيعية وموقعه الاستراتيجي وقربه من حدود ايران.  
فشاهد دافعو الضرائب في اميركا الايرانيين يقطفون ثمار معركةٍ ثانيةٍ خاضها الجيش الاميركي ليس في وجه النظام المتهالك للبعث العراقي فقط بل في مواجهة سياسية مع حلفائهم واخصامهم من الاتحاد الاوروبي الى روسيا والصين.
الى المعركة الديبلوماسية والاقتصادية الثالثة التي اعلنتها اميركا وحلفاؤها في الغرب في وجه احمدي نجاد على خلفية جهوزية ايران لدخول النادي النووي. فالمتشدد الذي وصل الى السلطة عام 2005 نتيجة صراع بين انصار خاتمي ورفسنجاني لم ينل ما ناله من اصوات الا لان انصار خاتمي اغدقوا عليه اصواتهم انتقاماً من رفسنجاني الذي استعمل مركزه في رئاسة 'مجمع تشخيص مصلحة النظام' لابعاد المئات من مرشحي خاتمي عن الانتخابات النيابية عام 2004، ولم يكن يتمتع بشعبية قوية ولكن استهدافه على خلفية تطوير ايران قدراتها النووية  اعطى للرجل وللنظام الذي يرأسه دفعاً شعبياً كبيراً واعاد لملمة القيادات والتيارات التي لطالما وقفت ضد الكثير من سياسات النظام الحاكم في العديد من الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الأمنية، من منطلق ان الاستهداف الاميركي والغربي يعني ان مؤامرةً تحاك للنيل من مقدرات الأمة الفارسية ومن دورها التاريخي، لأن القدرات النووية التي اكتسبتها ايران لم تكن من صنيعة نجاد بل هي نتيجة لسياسات فارسية اعتمدت منذ ايام الشاه واستكمل نظام الملالي بناءها وتطويرها في ايام رفسنجاني وخاتمي وصولا الى نجاد.
واستمرت المعركة، بالتدخل الواضح والعلني في الاحتجاجات والاعتراضات التي ظهرت بعيد الانتخابات الرئاسية عام 2009. وقد كان من نتائج هذه المعركة تشدداً اكثر على الصعيد السياسي في ايران ووضع الحركات الايرانية والشخصيات الداعية للديموقراطية في دائرة الاستهداف من قبل الرأي العام والنظام والولي الفقيه ما أعاد الامور الى نقطة الصفر في سعي قوى الاصلاح في المجتمع الايراني.
ألا يعتبر استهداف الملف النووي الايراني كأنه استهداف لقدراتها القومية؟ ألا يعتبر الدعم العلني ومحاولات التدخل في الداخل الايراني معركةً خاسرة في مجتمعٍ يعتبر العداء للسياسات الغربية احد عناوين توحده؟
واستمرت السياسات الاميركية في التصويب على الحالة الايرانية ولو بطريقة غير مباشرة أخيراً من خلال محاولاتها، التي باءت بالفشل، لفك تحالفها المحكم مع سوريا، فحاولت  استغلال الثورات  في بعض الدول التي كانت تدور في فلك الغرب وسياساته الشرق الاوسطية لاسقاط النظام السوري الذي اختار الانحياز لايران في صراعها المذهبي والاقتصادي والسياسي مع دول الخليج العربي وتركيا.
لا ينكر اي مراقب او محلل بأن ما تشهده سوريا حالياً يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتحالفها مع ايران وبتبنيها مقارباتها في العلاقات الاقتصادية التي تنسجها مع تجمع الدول الناشئة BRICS، والسياسية التي تعتمدها مع دول 'الاعتدال العربي' واسرائيل. ولكن الا يعتبر ذلك سيفاً ذا حدين تلوح به الدول الغربية من خلال اطلاق برامج وخطط لاشاعة 'الديموقراطية' في دول عربية دون اخرى؟  وهل يمكن، بوجود شبكات التواصل الاجتماعي والثورات التكنولوجية في الاتصالات ونقل المعلومات، حصر التفاعل مع الافكار التحريرية داخل حدود بلدان معينة وفي مجتمعات محددة؟ دون التفافها الى باقي المجتمعات العطشى لهذه الوصفات؟
وهل تستطيع تدابير القمع بقفازات حريرية المتبعة في دول الخليج العربي وتركيا ان تقف مستقبلاً حائلاً دون بروز تحركات شعبية تطيح الانظمة الديكتاتورية الاحادية التي تقوم على عائلات او ملكيات او امارات او حتى حركات دينية؟ ألا يمكن اعتبار عناوين التدخل الدولي في التركيبة السياسية السورية عناوين لثوراتٍ شعبيةٍ ستندلع عاجلاً ام اجلاً في 'الحديقة الخلفية الاميركية' في الخليج العربي؟ واخيراً الا يعتبر عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي في دول الخليج العربي، مصلحةً ايرانيةً عليا؟ لقد اثبت الفرس عبر التاريخ نجاحهم في الرهان على عامل الوقت واطالته. فهل ستكون عناوين التحريض الدولي ضد النظام السوري، سواء نجحت ام لم تنجح، 'القطنة' التي ستذبح بواسطتها ايران الانظمة الموالية للسياسات الاميركية في الخليج؟
 
 
ـ 'النهار'
رسالة إيرانية من القطيف؟!
راجح الخوري: 
 
لم تكن وزارة الداخلية السعودية في حاجة الى تسمية الأشياء بأسمائها. فما جرى مساء الاثنين الماضي عند دوّار الريف في العوامية بمحافظة القطيف، لم يكن أكثر من رسالة جديدة تحمل توقيع النظام الايراني، الذي تتهمه دول الخليج بالاستفزاز والتدخل السافر في شؤونها. عندما أشار بيان الداخلية الى ان 'دولة أجنبية تقف وراء الأعمال المخلّة بالأمن التي جرت في القطيف شرق المملكة'، كان واضحاً تماماً ان المقصود هو إيران. لكن 'ديبلوماسية الاحتواء والتبصر' التي تطبقها الرياض عادة في مواجهة المشاكل والاستفزازات التي تأتيها من الخارج، هي التي قضت بالاشارة الى 'دولة أجنبية'، في حين تحدثت الصحافة وأعمدة الكتّاب عن أعلام لإيران و'حزب الله' رفعها الذين تجمعوا عند دوار الريف في محاولة لاستمطار ما حصل من اضطرابات في دوار اللؤلؤة في البحرين.
لكن النظام الايراني يعرف جيداً، انه في القطيف لم يقطف سوى الخيبة. فقبل ستة أشهر ومع رياح التغيير التي هبّت في تونس ثم في مصر برز رهان إيراني على اشتعال الفوضى والشغب والشقاق في المنطقة الشرقية من السعودية حيث هناك كثافة سكانية شيعية، فجاءت النتائج مخيبة تماماً لأن الذين تحركوا بتشجيع منها، كما قيل كانوا أقلية، وفق كل التقارير التي نشرتها الصحف الغربية التي افترضت ان 'الدومينو' سينتقل من مصر الى السعودية. وعندما يتحدث بيان وزارة الداخلية السعودية عن إصابة تسعة من رجال الأمن بطلقات نارية وعن 'مثيري الفتنة الذين استخدموا الدراجات النارية حاملين قنابل المولوتوف، وقد شرعوا في أعمالهم المخلّة بالأمن بإيعاز من دولة أجنبية تسعى للمساس بأمن الوطن واستقراره وهو ما يعدّ تدخلاً سافراً في السيادة الوطنية'، فإن ذلك يذكّر بالبيان الذي أصدرته دول مجلس التعاون الخليجي على هامش أحداث البحرين متهمة إيران بالتدخل في شؤونها، وخصوصاً في الكويت ودولة الامارات. لكن الأمر تجاوز الحدود هذه المرة بدليل استعمال السلاح ضد رجال الأمن ورفع أعلام إيران وصور المرجعيات الإيرانية. ولهذا قال البيان السعودي في ما يشبه الإنذار: 'ان على مثيري الفتنة ان يحددوا في شكل واضح ولاءهم إما لله ووطنهم وإما لتلك الدولة ومرجعيتها'.
وما حصل في القطيف ليس الأول ولن يكون الأخير في مسلسل الاستفزاز الإيراني الذي يطل ساعة بأقنعة حوثية في اليمن وأخرى بالوجوه التي تتلبس سياسة طهران في المنطقة. لكن السعودية التي تتمسك بسياسة التصدي للفتنة المذهبية كما رسمها الملك عبد الله، تعرف كيف تواجه مثل هذه الأعمال. وإذا كان ما جرى في القطيف رسالة إيرانية ذات بُعد عربي وإقليمي ودولي، تتصل بتطورات الوضع في سوريا، الذي يهدّد بنسف الاستراتيجية الإيرانية إذا سقط نظام الأسد الذي يمثل قاعدة انقضاض على المتوسط، فإن طهران أخطأت العنوان، إذ ليس في دوار الريف إلا قطاف الخيبة!


ـ 'الحياة'
أسرى الحرية
زاهي وهبي حبر وملح:  

لوكان لآلاف الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الاسرائيلي فرصة الظهور الاعلامي المتاحة للسياسيين والمنظرين والمحللين ومنتحلي صفة الخبراء الاستراتيجيين في شؤون هذا الزاروب أوتلك الحارة في أزقة الطائفيات والمذهبيات والعصبيات القاتلة، لسمعنا كلاماً مختلفاً عن كل الكلام المُستهلَك والممجوج الذي تلوكه الألسن وتنفثه الشاشات تحريضاً وتفتيتاً وامعاناً في تقطيع الأواصر والأوصال. يعيش الأسرى الفلسطينيون والعرب في سجون الاحتلال الاسرائيلي ظروفاً صعبة قاسية ويتعرضون لشتى أنواع التعذيب والاذلال والمهانة، لكنهم في الوقت عينه يعيشون عالماً روحياً ومعنوياً وفكرياً ونفسياً أكثر صفاءً ونقاءً من كل الخداع والنفاق والرياء السياسي والطائفي الذي يمارسه الزعماء والمسؤولون وأتباعهم من المضللين ( بفتح اللام) والمضللين (بكسرها) تمسكاً بمنصب وكرسي أوطمعاً بجاه ومال أولحاقاً بغرائز لا تثمر سوى الموت والخراب.
لو كان هؤلاء الأسرى وهم آباء وأبناء وأخوة وأزواج وأمهات وبنات وأخوات وزوجات ينتمون الى أي عرق آخر غير &laqascii117o;العرق" العربي لكان العالم انشغل وشغلنا بهم ولكانت منظمات المجتمع الدولي - نعم المجتمع الدولي اياه – لا تكل ولا تمل وتسأم من طرح قضيتهم في كل محفل ومجال. لكن ما العمل اذا كان السجّان من &laqascii117o;الشعب المختار" والسجناء من &laqascii117o;الشعب المحتار" (بالاذن من الشهيد ناجي العلي)؟ أليس العالم المعاصر &laqascii117o;الحضاري" و &laqascii117o;المتمدن" مقسّماً الى مراتب ودرجات: عالم أول وثان وثالث... وهل نجلد أنفسنا اذا قلنا إننا بفعل تشظينا وانقساماتنا وعجز قياداتنا نكاد نصبح في الدرك الأسفل بين الشعوب والأمم؟ فيما ربيع الشعوب العربية يتلون بالدماء والدموع يتوقف &laqascii117o;ربيع العرب الأميركي" عند ابواب فلسطين، لا يجرؤ على تجاوز عتبة الاحتلال الذي يحاضر راعيه ليل نهار في &laqascii117o;عفة" الحرية لكنه متى وصل الى فلسطين وحق شعبها وأسراها ومهجريها في الحرية اياها عاد فوراً الى أصله: قحباء تزداد فصاحة كلما حاضرت في ما تفتقد اليه وتحاربه في ما هي تزعم زيفاً وزوراً أنها تناصره وتدعمه. ولا يخفى على لبيب السعار الأميركي المحموم لتحويل الربيع خريفاً والوقوف سداً منيعاً في وجه دورة الفصول وتعاقبها.
أكثر ما يحزّ في نفوس الأسرى وهم يخوضون صراعاً يومياً دفاعاً عن الكرامة والحرية هو التجاهل واللامبالاة اللذان يمارسهما مَن يفترض بهم حمل لواء الكرامة والحرية، وتزداد المرارة والأسى حين يقارن الأسرى بين حضور قضيتهم العادلة المحقة سياسياً واعلامياً وحضور قضية أسير اسرائيلي واحد هو جلعاد شاليط، اذ نادراً ما نجد محفلاً أممياً أو حقوقياً او اعلامياً لم يُطرح فيه موضوع شاليط، وهو الجندي المحارب في جيش يحتل أرض سواه، بينما تغيب كلياً قضية آلاف الأسرى العرب والفلسطينيين حتى عن بال أهلها وذويها! ولا عجب فالاعلام العربي مشغول بما هو أشد وأدهى ولا يجد مساحة ولو ضئيلة من بثه لهذه القضية النبيلة، والمثقفون العرب والمستعربون يأنفون من الاهتمام أو الكتابة عن مثل هذه القضايا &laqascii117o;التفصيلية" و &laqascii117o;الصغيرة" اذ أن أقلامهم &laqascii117o;منذورة" للغرائز والعصبيات مغمسة بحبر الطائفية والمذهبيات.
لا ربيع للعرب ولا من يحزنون ما لم يبدأ من فلسطين، ولا حرية حقةً وحقاً ما دامت فلسطين أسيرة. وهنا ينبغي الاستدراك سريعاً بأنه لا يجوز تحويل فلسطين مجدداً حجة أو ذريعة لتأجيل ارادة الشعوب أو تعطيلها، لكن في الوقت نفسه فإن هذه الارادة هي اليوم على المحك الفلسطيني وحين نقول &laqascii117o;تبدأ حرية العرب من فلسطين" فالمقصود ليس تعطيل حرياتنا بانتظار تحرير فلسطين كما جرى طوال عقود بل وضع فلسطين مرة أخرى على قائمة الأولويات لأن انتصارها يفتح الباب واسعاً أمام انتصارات أخرى آتية لا محالة.
يخوض أسرى الحرية في فلسطين &laqascii117o;معركة الأمعاء الخاوية" في مواجهة السجّان الاسرائيلي ومَن يقف خلفه تعطيلاً لحق الشعب الفلسطيني في دولته الحرة المستقلة، فيما الربيع العربي مهدد بالخواء بفعل الخريف الأميركي المهيمن على بلادنا في كل الفصول والذي ازداد شحوباً واصفراراً بعد خطاب أوباما الكارثي في الأمم المتحدة!


ـ 'السفير'

نبيل هيثم:
&laqascii117o;التيار الأزرق" ينتظر على الرصيف السوري ويعاني ازدواجية القيادة /عن الإربـاك السـياسـي المتمـادي في تيـار المسـتقبل؟

منذ أن فقد نعمة السلطة ونعيمها، عيّن تيار المستقبل نفسه قائداً للمعارضة التي &laqascii117o;ستعيد الحق إلى أصحابه" على حد التعبير الحرفي لزعيمه سعد الحريري. إلا أن &laqascii117o;كشف حساب" لما حققه &laqascii117o;التيار الأزرق" منذ إسقاط الحريري من رئاسة الحكومة، يظهر انه فشل في تحقيق ما وعد به، وانكفأ من الشعار الهجومي الذي رفعه للإطاحة بالسلطة الميقاتية الجديدة، إلى ارتداء حالة انتظاريّة قاعدتها الرهان على الحدث السوري لعله يصل الى تغيير جذري على مستوى النظام في سوريا، تتمخض عن ارتداداته اللبنانية حتمية عودة تيار المستقبل الى قيادة السلطة السياسية في لبنان.
على ان الحالة الانتظارية التي يعيشها تيار المستقبل لا تقف كما يبدو، على أرض ثابتة او صلبة، خاصة أنها تقترن بما يشبه &laqascii117o;النزيف الداخلي" في شرايين الحياة الأساسية للتيار ويتجلى ذلك بالآتي:
اولا، عدم قدرة المعارضة على أن تكون في موقع المبادرة السياسية وبالتالي انتقالها من موقع الهجوم الى موقع الدفاع.
ثانيا، &laqascii117o;ازدواجية قيادة" التيار، ذلك أن هناك قيادة مع وقف التنفيذ غائبة عن الساحة يمثلها سعد الحريري، والثانية تحاول جاهدة ان تسد الغياب وتملأ الفراغ بما تيسّر لها وعلى طريقتها ويمثلها فؤاد السنيورة، ولا شك في ان لتلك القيادة المزدوجة تداعياتها المباشرة وليس اقلها قضية مصطفى علوش وتجرؤه على مقاربة &laqascii117o;المحرمات".
ثالثاً، على مستوى الازمة المالية وتخبط سعد الحريري بديون داخلية وخارجية وبأرقام خيالية وآثار تلك الازمة ظاهرة للعيان في كل المؤسسات الحريرية وفي ارتفاع شكوى المستحقين والدائنين المطالبين بما هو متوجب لهم.
رابعاً: على مستوى التحوّل الواضح في موقف مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني.
ولكن برغم كل ما تقدم يحاول تيار المستقبل أن يخفي المنحى التراجعي الذي شاب حركته من خلال اظهار قدر من التماسك الداخلي، وقدرة على المواجهة برفع العناوين ذاتها والشعارات ذاتها، وحمل مجموعة &laqascii117o;بطيخات" في يد واحدة، وتوسيع مروحة الهجوم وفتح مجموعة جبهات في آن واحد، من معركة النفط الى معركة الكهرباء الى معركة القرار الاتهامي مع حزب الله الى معركة تمويل المحكمة الدولية، الى معركة اعادة النظر في بروتوكول المحكمة الدولية المنتظرة في آذار 2012، الى المعركة المفتوحة مع نجيب ميقاتي، والى معركة ما يحلو له ان يسميه &laqascii117o;التحاقه" بالثورة السورية، علماً ان له تجربة غير مشجعة مع الثورات، خاصة مع ما كان يسميها &laqascii117o;ثورة الأرز".
ولكن اذا تمّ الغوص في عمق تيار المستقبل، فإن الأمور تـُرى على حقيقتها، ذلك ان هناك من يشخـِّص الواقع بما يصفه &laqascii117o;قراءة واقعية وموضوعية" لفترة انتقال تيار المستقبل الى المعارضة منذ إسقاط سعد الحريري من رئاسة الحكومة منذ نحو عشرة اشهر. وتنطوي على صراحة وشيء من النقد الذاتي، وفيها:
- إقرار بأن تيار المستقبل، الذي تعوّد على السلطة، لم يبلع بعد مسألة خروجه منها، وبدل ان يدخل في معارضة بمعناها الفعلي، اصيب منذ البداية بانتكاسة حقيقية سببها غياب رأسه الرمزي ومشكلاته المالية. جعلت منه جسماً مشظى امام واقع سياسي محصّن.
- اعتبار ان التحاق تيار المستقبل بما يسميها الثورة السورية، هو التحاق مبرر يتوخى &laqascii117o;ربحاً اكيداً" سيتأتى من &laqascii117o;التغيير الحتمي في سوريا". وقد ادرج هذا الالتحاق تحت عنوان &laqascii117o;أننا لا نستطيع ان نقف مكتوفي الأيدي حيال ما يجري في سوريا ونتجاهل مطالب الشعب السوري"، لكنه في الحقيقة عنوان ظاهري يستبطن &laqascii117o;تعويض تقصير تيار المستقبل حيال ثورة الشعب المصري"، والرهان على ربح أكيد من" السقوط الحتمي لنظام بشار الاسد"، اذ ان ذلك سيؤدي في نظر المستقبليين الى احداث توازن في العلاقة مع سوريا، و&laqascii117o;توازن لبناني" يعيد تصحيح ميزان القوى المختل في لبنان. لكن اكثر دوافع الالتحاق قرباً الى الجدية، تنطلق من خلفية الحاجة الى &laqascii117o;ان نلمّ شارعنا، فلو لم نقم بذلك، لكانت التيارات الاسلامية تقدمت علينا في كل مكان، وتلك التظاهرة في طرابلس التي ضمت نحو مئتي شخص، لكانت اليوم تضم الآلاف"!
- وجود تمايز في الرأي حيال أمور عدة، فثمة من يطرح المواجهة القاسية مع الحكومة، وثمة في المقابل من يطرح التمهل والتروي وتأجيل المواجهة ريثما تنجلي صورة المشهد السوري او ريثما يصدر ملحق القرار الاتهامي قريباً وما قد يشمله من اسماء جديدة. وثمة ميل كبير للتعامل &laqascii117o;على القطعة" مع الحكومة بحسب المواضيع التي تتصدى لها وكل موضوع على حدة، كما حصل مع خطة الكهرباء وكما يمكن أن يحصل مع موضوعي المياه والأجور..
- إقرار بتمكن نجيب ميقاتي في إثبات حضوره دولياً وعربياً وكذلك في جزء كبير من &laqascii117o;بيئته"، وكان هذا الحضور ليكون أقوى في الشمال والعاصمة لولا الأحداث السورية.
- بروز أكثر من رأي حول كيفية التعاطي مع ملف تمويل المحكمة، بين متحمس لترك نجيب ميقاتي يتخبط في هذا الملف ربطاً بالتداعيات المرتقبة دولياً، وبين داع الى الزام حكومة ميقاتي في ما لو رفضت التمويل، بدفع المتوجب على لبنان للمحكمة، ويشجع اصحاب هذا الرأي ان يتقدم تيار المستقبل باقتراح قانون يلزم الحكومة تسديد حصة لبنان في المحكمة، مقابل من يعتبر ان التقدم باقتراح قانون ينطوي على مخاطرة، اذ ان الاكثرية النيابية قد تقرّ هذا الاقتراح في المجلس النيابي، ولكن ذلك قد يدفع الفريق الآخر الى الطعن به امام المجلس الدستوري، وستكون هناك مشكلة كبرى اذا ما قبل المجلس الدستوري الطعن، والغى القانون على قاعدة ان هذا القانون غير دستوري لأنه يتصل بمسألة لم تتم وفق الاصول الدستورية، وسيأخذ &laqascii117o;حزب الله" وحلفاؤه ذلك ممسكاً وسيعتبرونه شهادة من اعلى مرجعية قانونية دستورية ضد المحكمة، وأن الطعن بقانون التمويل معناه الطعن بالمحكمة والاتفاقية والبروتوكول، لذلك فليترك هذا الامر للحكومة، ولتتخبط فيه وحدها".
- اختلاف الرأي حول موقف نجيب ميقاتي من تمويل المحكمة الدولية، بين من يقدر له ذلك، وهم قلة، وبين من يعتبر ان ما يقوم به هو واجبه ومن واجبات حكومته، وبين مشككين يضعون توجّه ميقاتي في سياق مسرحيّة مزايدة يسعى من خلالها الى فتح الابواب الدولية المقفلة في وجهه، والى مخاطبة السنة في محاولة واضحة لتبييض صفحته حيال الخطأ التاريخي الذي ارتكبه بترؤسه حكومة بدلاً من سعد الحريري. ولكي يجنب نفسه الإحراج في ما لو تعذر على حكومته تمويل المحكمة.
- حذر واضح من وليد جنبلاط، وثمة كثيرون يرغبون في تلقف انعطافته، الا ان هؤلاء لا ينسون تخليه عن 14 آذار، ولكانوا بادروا في اتجاهه لولا انه عوّد الجميع على انه يتخذ مواقفه استناداً الى ميزان القوى ويميل معه حسب الهوى. ومما لا شك فيه ان في تيار المستقبل من يسجل لجنبلاط موقفه من الثورات العربية، ومن البيان الذي اصدره رداً على البطريرك بشارة الراعي ورفضه حلف الاقليات، ودعوته الى التدرج في استيعاب السلاح.
- دخول تيار المستقبل في الآونة الاخيرة في خلاف واضح مع حلفائه المسيحيين حول القانون الانتخابي، فطروحاتهم لا تنسجم مع طرحه، فهو يتمسّك بتقسيمات انتخابية قاعدتها الطائف وتنسجم مع العيش المشترك، بينما طرح حلفائه المسيحيين ينسف.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد