- 'الأخبار'
الجيوبوليتيك والديموقراطية في البحرين
عباس بوصفوان:
تتحرك الانتفاضة الشعبية البحرينية ضمن إطار محلي ومحيط إقليمي ودولي، يؤثر بالضرورة في مساراتها، وقد يحسم نهاياتها. إنّه الواقع الذي يفترض أن يأخذ بالاعتبار مقاربة أكثر شمولية للخيارات أو النهايات التي تنتظر الحدث السياسي البحريني الراهن. بدايةً، من المهم القول، إنّ انتفاضة البحرين حدث داخلي بامتياز: شكوى مريرة من الاستئثار بالسلطة وسيطرة الحكم الأحادي، وما يفرزه ذلك تلقائياً ـــــ كأي حكم دكتاتوري ـــــ من فساد وغياب للقانون وسيطرة أجهزة الأمن على القرار السياسي. وفي البحرين، يغذي ذلك تمييز يزداد رسوخاً ومنهجية ضدّ المواطنين الشيعة، الذين لا يزالون يمثلون أغلبية الثلثين على الأقل، رغم عمليات التجنيس غير القانونية التي تقوم بها السلطة.ويعكس تجدد التوتر الداخلي، واستمراره حوالى قرن، على الأقل، مدى عمق الأزمة وديمومتها، إذ يطالب البحرينيون منذ الثلاثينات ببرلمان منتخب ونظام ينظر إلى المواطنين وفق القانون.وأزعم أنّ الجيوبوليتيك قد تكون رسخت الأوضاع غير الديموقراطية في جزر البحرين الصغيرة، وربما تسهم في استمرارها إلى حين. وعلى الأقل، فإنّ مواصفات السلطة البحرينية، ونموذج الاقتصاد الريعي فيها، يؤجل الانتقال الديموقراطي، ويسهم المعطى الجغرافي في تأخير زعزعة بنية الدولة القبيلة. كيف ذلك؟ هنا محاولة سريعة للإجابة.
الجيوبوليتيك أو &laqascii117o;الجغرافيا السياسية، هو العلم الذي يبحث في تأثير الجغرافيا على السياسة، أي الطريقة التي تؤثر بها المساحة، والتضاريس والمناخ في أحوال الدول والناس". وهو يهدف إلى &laqascii117o;تفسير تطورات السياسة العالمية من منظور جغرافي. وبما أنّ المساحة الجغرافية للعالم محدودة، تتصارع الدول في ما بينها للحصول على الثروات التي تراها ضرورية لبقائها وقوتها".
تقع البحرين وسط محيط إقليمي مضطرب، لم تغادره الحروب منذ نشأت الدولة الحديثة تقريباً. في هذا الإقليم (السعودية ودول الخليج)، تحكم قبائل شبيهة بقبيلة آل خليفة التي تحتكر القرار السياسي والثروة القومية في البحرين منذ 230 عاماً. ولا ترتاح تلك الدول، بل لا تقبل حصول تحولات ديموقراطية عميقة، تحيل الشعب حاكماً فعلياً.
وتعد السعودية البحرين حديقة خلفية لها، ونفوذها فيها لا يمس، وحين شعرت بأنّه مهدد بسبب التظاهرات التي عمت المنامة بين منتصف شباط/فبراير وآذار/مارس الماضيين، تدخلت عسكرياً، في سابقة هي الأولى على هذا النحو الفج. ويزداد التشدد السعودي في الحالة البحرينية بالنظر إلى الخسائر التي تسجلها الرياض على صعيد مناطق أخرى. ويزيد وجود أغلبية شيعية في المنطقة الشرقية في السعودية، من التحفظ الإقليمي والغربي على التحوّل الديموقراطي في المنامة، الذي سيؤدي تلقائياً إلى زيادة النفوذ الشيعي في البحرين، بالنظر إلى الأكثرية الشيعية فيها.
ولطالما تطلع بعض الناشطين البحرينيين، ولا يزالون إلى نشاط في المنطقة الشرقية يربك الجارة الكبرى. بيد أنّ ذلك هو بالضبط ما يجعل السعودية حريصة على لجم الحراك البحريني السلمي، والمتطلع إلى آفاق تخيف الحكم السعودي. ويسهم وجود العراق ضمن المحيط البحريني، في المحصلة، في حالة من التردد الدولي في قبول تحوّل ديموقراطي جاد في البحرين. وينظر المحيط الإقليمي والإطار الغربي إلى عراق ما بعد صدام على أنّه عراق شيعي. فيما يرى بعض دعاة التغيير في البحرين أنّ العراق قادر على المساهمة في دور إيجابي في دعم الحراك المطلبي الداخلي البحريني، ودون شك، فإنّ ذلك صحيح، والتعاطف الشعبي العراقي مع الحدث البحريني يحوّله مسألة عراقية. بيد أنّ العراق المرهق قد لا يكون قادراً على أن يقدم دعماً يفوق المال والإعلام للانتفاضة الشعبية في المنامة، المحاصرة عالمياً. من دون أن ننسى أنّ العراق الدكتاتوري لم يكن يرحب أصلاً ببحرين ديموقراطية، يراها تلقائياً شيعية ومعادية. ومع ذلك، فإنّ العراق يمكن أن يؤدي أدواراً ما لتقريب وجهات النظر بين آل خليفة والمعارضة، وكذا بين ايران والسعودية، اللتين تعدان البحرين امتداداً لهما.
إذاً، فالعراق في الجوهر مكسب للحركة الديموقراطية البحرينية، ولا يمكن تجاهل وجود رأسمال بشري وسياسي وتاريخي للدولة العراقية على إرباكاتها. وفي تلك الحالة فإنّ الجيوبوليتيك تخدم الرأي العام المنتفض في المنامة، بيد أنّ كون العراق شيعياً يعزز من القلق الإقليمي والغربي من زيادة التطلعات الشيعية في المنطقة.
أما النفوذ الإيراني المتنامي إقليمياً وفي الشرق الأوسط، فإنّه يمثل هو الآخر مزيداً من القلق من وجود قرار وطني في البحرين، يظل ينظر إليه على أنّه شيعي، ذلك أنّ أيّة ديموقراطية حقيقية في البحرين، ستحيل الشيعة قوة فعلية. بيد أنّ إيران هي الأخرى تمثل داعماً للحراك الديموقراطي في البحرين...
كما يتضح، فإنّ الصراع الإقليمي يبدو محتدماً بين رؤيتي العراق وإيران، ودول الخليج بقيادة السعودية. وذلك بالضبط ما يعطي الدور الأميركي مركزية في الحدث البحريني. وتعد واشنطن لاعباً حاضراً في الخليج، وفي البحرين خصوصاً، حيث ترابط قيادة الأسطول الخامس الأميركي.
ويرى خبراء أميركيون، على نحو لافت، أنّ البحرين قد تكون أكثر أهمية استراتيجياً من القاهرة، في ظل وجود منابع النفط في الخليج والقلق الأميركي من إيران الواقعة على طول ضفته الشرقية. ويأخذ القرار الذي يرسمه البيت الأبيض عن كيفية التعاطي مع الحالة البحرينية بعين الاعتبار الصورة التي تبدو السعودية وإيران في مركزها. لذا تجد القرار الأميركي مؤيداً للسلطة البحرينية القائمة، انتصاراً للأسر الحاكمة في الخليج والحكم المطلق ضد الشعوب، وللدكتاتوريات ضد الربيع العربي، لكن أيضاً انتصاراً للسعودية ضد إيران.
ويدرك الرئيس باراك أوباما أنّ تأييداً أكثر صراحة لمطالب الشعب البحريني المشروعة قد يعدّ في الداخل الأميركي تأييداً للنفوذ الإيراني في البحرين، بالنظر إلى الثقاقة السائدة في واشنطن وغيرها، لأسباب عدة، عن وجود رابط بين إيران الشيعية، والشعب البحريني بأكثريته الشيعية.
لا يغيّر ذلك من طبيعة الإشكال الداخلي المعقد أصلاً، لكنّه يزيدها تعقيداً، حين يرتب على الجمهور المنتفض أعباءً قد تكون اكبر من طاقته، أو على الأقل تفرض عليه توسيع أفق الصراع، إقليمياً ودولياً.
إن أبرز التحديات التي تواجه الحراك الشعبي البحريني غير المسبوق هو هذا الذي يسمى في العلم الحديث &laqascii117o;الجيوبوليتيك"، والذي يكاد يكون العامل الأكثر تأثيراً في تعطيل وصول الجماهير البحرينية إلى مبتغاها في الديموقراطية وتداول السلطة.
ماذا يفرض ذلك على الرأي العام البحريني المنتفض؟
إنّه يتطلب إدراكاً متنامياً لعقدة الجيوبوليتك، بما يحتاج إليه، من ذلك تقديم تطمينات إلى دول الخليج والولايات المتحدة وبريطانيا، وكل دول العالم، عن حقيقة المواقف السياسية للشعب المنتفض، وعن أنّه يؤكد على علاقات شقيقة واستراتيجية مع الدول الخليجية، فيما المصالح الأميركية والبريطانية ستكون مصونة إذا ما كتب للقطاعات الشعبية أن تنال حقها في أن تحكم نفسها بنفسها. الوصول إلى توافق بين عائلة آل خليفة والشعب، يحتاج أيضاً إلى توافق إقليمي ودولي للدور الذي سيؤديه الشيعة في البحرين.
وإذا كان الجهد المعارض، منصباً على الداخل البحريني، واستمر في بعض خطابه غير مدرك للحساسيات الخليجية والأميركية، فإنّ ذلك يعكس عدم إدراك طبيعة الجغرافيا التي تعيق المطالب الشعبية البحرينية. ودون شك، فإنّ الأساس هو مطالب عادلة، معتدلة، منطقية، وقانونية. وحراك شعبي سلمي، مستمر، وذو نفَس طويل. بيد أنّ ذلك غير كاف لتحقيق انتصارات تاريخية، لذا يراد أن يضاف إليه جهد شعبي إقليمي ودولي يوصل الفكرة الحقيقية عن العقيدة التي تتبناها الجماهير المنتفضة على الظلم السائد.
ويجدر إبراز أنّ تلك الجماهير كما هي حقيقتها مؤمنة بالسلام والتنمية، والعيش المشترك، ومدركة لإقليمها الخليجي، العربي، الإسلامي، والتزاماتها الاستراتيجية في الأمن الدولي.
ويبدو ذلك الجهد مطلوباً أكثر بالنظر إلى أنّ السيرورة التاريخية تؤشر إلى أنّ الوضع في البحرين قادم على تغيير، ولو بعد حين، ذلك أنّ الأسس التي تبنيها العائلة الحاكمة تقوّض الحكم فيها، كما يقوّض الدكتاتوريون سلطاتهم عادة.
- 'الأخبار'
هل تستطيع دمشق استعادة المبادرة؟
سعد الله مزرعاني:
خلافاً لما اعتقده كثيرون، ولا سيما المقرّبون من النظام السوري (ممّن تصرّفوا على عادة اللبناني في أن يكون ملكياً أكثر من الملك)، تبدو الأمور في سوريا متجهة نحو مزيد من التأزّم. فالوضع السوري، بسبب التناقضات الداخلية، السياسية والاجتماعية، يتغذّى بمزيد من عناصر التوتر. والسلطة تحدّثت عن الحوار والإصلاح، لكن اختارت المعالجة الأمنية مدخلاً لذلك، مما ألقى بظلال كثيفة من الشكوك حول حقيقة قبولها للإصلاح، في المبدأ وفي الممارسة. في امتداد ذلك، دخل العامل الخارجي بقوّة على خط الأزمة السورية. ويتّضح مع كلّ طالع شمس أنّ ذلك الدخول لا يرمي إلى دعم المطالب الإصلاحية والتغييرية في الشقيقة الأقرب، بل هو يستهدف بعض سياسات النظام السوري المعترضة على عدد من جوانب المشاريع والخطط والسياسات الأميركية والإسرائيلية، حيال الصراع العربي ــ الإسرائيلي، وحيال محاولات زيادة التأثير الأميركي في المنطقة، التي تتمّ بكلّ الوسائل بما فيها القوة والغزو والاحتلال.
ويمثّل الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب لبحث الوضع في سوريا، الأحد الماضي، في القاهرة، عنصراً من عناصر التوتر المشار إليه. وهو يكتسب أهمية مضاعفة بسبب دلالاته وأهدافه والقرارات التي صدرت عنه. فالاجتماع الذي يبدو وكأنّه صحوة عربية متأخرة، أو محاولة ممارسة دور مفقود للجامعة العربية، ليس هو في الواقع كذلك. بكلامٍ آخر، لسنا أمام محاولة تعريب للأزمة السورية، يستهدف من خلال السعي إلى إيجاد حلّ لها، إعادة الحياة والاعتبار، أيضاً، للجامعة العربية. الصحيح أنّنا أمام استمرار محاولة تدويل الأزمة السورية، واستخدام الدور الرسمي العربي في محاولة تذليل العقبات التي تحول دون أن يكون ذلك التدويل مباشراً وفاعلاً، على غرار ما حصل ويحصل في ليبيا.
لسنا بحاجة إلى إعطاء براهين على أنّ دول مجلس التعاون الخليجي لا تتحرّك، حتى في الأمور الثانوية، بدون قرار من الإدارة الأميركية ومن حلفائها. ولسنا بحاجة إلى تذكير أحد، بأنّ الدول الأساسية في مجلس التعاون الخليجي (السعودية أوّلاً) لم تعمل يوماً من أجل الإصلاح، ولا مارسته، ولا قدّمت دعماً لدعاته. على العكس من ذلك، فتلك الدول، بمعظمها، تواصل أسوأ أنواع القمع والمنع والتمييز والتخلف في الداخل، وأسوأ أنواع التبعية والالتحاق بالخارج... ذلك على حساب كلّ القضايا العربية الأساسية: من قضية فلسطين، إلى قضية الثروات، إلى قضايا النمو والودائع والسلاح والأمن والاقتصاد والحريات...
ولقد كان الأجدى، طبعاً لولا أنّ الحرص على الإصلاح هو ما يحرّك قادة دول مجلس التعاون الخليجي، أن يبادر القادة الخليجيون إلى دعم الحوار في البحرين، بدل إرسال قوات &laqascii117o;درع الجزيرة" لإخضاع الشعب البحريني ولدعم الحكم المتهاوي في &laqascii117o;المنامة". وكان الأجدى، أيضاً، بالحلف الجديد بين سلطتي الرياض والدوحة تحت السقف والتوجيه الأميركي، أن يبادر إلى التحرّك لوقف المجزرة في اليمن، ليس فقط على قاعدة أنّ الأقربين أولى بالمعروف، بل لأنّ ما يعيشه اليمن من القتل والمجازر والانقسام والتدمير... إنّما هو أسوأ وأخطر بكثير مما تعانيه سوريا. على العكس من ذلك، استضافت قيادة المملكة السعودية الرئيس علي عبد الله صالح حتى شفائه تماماً، مزوّداً بعد لقاء الملك، بدعم عبّر عنه بالمزيد من استخدام القوة والعنف والإصرار على المناورة وكسب الوقت. إنّه يراهن على الموقفين الأميركي والسعودي للمضيّ في إرهاق الحركة الشعبية الاحتجاجية الهائلة والمدهشة، وفي دفع اليمنيين إلى الخيبة واليأس والتسليم بالأمر الواقع!
لا يتحرّك قادة دول &laqascii117o;مجلس التعاون الخليجي" إذاً من أجل الإصلاح: لا في سوريا ولا في اليمن ولا في البحرين ولا مصر ولا... في السعودية التي لا تزال سلطاتها تعتقل النساء البحرينيات اللواتي يتمرّدن على قرارات جاهلية، من نوع منع المرأة من مجرّد قيادة سيارة حتى لو كانت مع محرم من أفراد عائلتها!
ولا يتحرّك هؤلاء في الأمور العامة، إلا بقرار أميركي! ذلك هو الواقع الذي يحكم مبادرة دول &laqascii117o;مجلس التعاون الخليجي" في دعوتها إلى عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب لبحث الوضع في سوريا. إنّ مجلس التعاون يحاول أخذ المبادرة في رفع الغطاء الرسمي العربي عن النظام السوري. وهو يحاول إحراج كلّ من القيادة الروسية والصينية، والتمهيد لجولة جديدة من الضغوط الأميركية والغربية على دمشق، يتمكّن معها مجلس الأمن من اتخاذ قرارات &laqascii117o;حماية الشعب السوري"، ومن ترجمة تلك الحماية، إذا أمكن، بتدخل عسكري، في وقت لاحق.
ولو كان الأمر غير ذلك، لما صدرت قرارات المجلس الوزاري العربي وفق الصيغة التي أعلنت بعد الاجتماع. فالقرارات تستفزّ النظام السوري، إلى حدّ إعلان ممارسة وصاية عليه في مسائل المهلة القصيرة (أسبوعان)، وفي المكان (القاهرة)، وفي فرض المحاورين (دون تشاور معهم ومع السلطة) وفي رئاسة اللجنة المكلّفة التي تدير حرباً إعلامية فاضحة في انحيازها ضدّ النظام السوري...
ليس المشهد سوريالياً، بل هي سخريات القدر، أن يصبح &laqascii117o;مجلس التعاون الخليجي" بقيادة المملكة العربية السعودية، هو من يواصل معركة الإصلاح والحريات في العالم العربي. يعود &laqascii117o;فضل" أساسي في ذلك، للأسف، إلى ورثة مطلقي شعارات &laqascii117o;الوحدة والحرية والاشتراكية" في أواسط القرن الماضي. أما التتمة ففي تتابع حلقات الضغط على النظام السوري، في الداخل ومن الخارج، من أجل إسقاطه، بعدما إرهاقه وإغراقه في مشاكله الداخلية، طيلة ما يزيد على السبعة أشهر. ولن نتوقّع، إذاً، إلا المزيد من أشكال الضغط المنسّق السياسي، الأمني، العربي والدولي، على دمشق. وكذلك المزيد من الصراع الداخلي الذي يتجه سريعاً نحو العنف المسلّح المقرون بانقسامات عصبية هي أيضاً، أداة رئيسية، في مخطط تفتيت دول المنطقة لمصلحة المشروع الصهيوني &laqascii117o;اليهودي" في فلسطين!
لا بدّ من أن نلاحظ في سياق ذلك، نجاحات أميركية ــ خليجية، إضافية في مجال زيادة التأثير على الوضع العربي عموماً، والمصري، خصوصاً. يستخدم في ذلك المال والرشوة (كما في تونس ومصر). وتُستخدم المناورات والمرونة (كما في الأردن). كذلك تُستخدم التسويات (كما في صفقة تبادل الأسرى).. ذلك فضلاً عن الفبركات وحروب الاستخبارات سواء كان الإيراني مخطئاً ومستدرجاً، بريئاً ومظلوماً...
فهل، بعد ذلك، من خيارات أمام القوة المعترضة، جزئياً أو نسبياً على الخطة الأميركية. وهل يمكن، بالمقابل، كما يحاول الخصوم والأعداء، إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد؟ ذلك ما يجب أن تطرحه على نفسها وفي مداولاتها، أساساً، القيادة السورية. ونجاح أيّ استنتاج صحيح، مشروط، بعد ذلك، بالعودة إلى الحوار... إنّ سحب البساط من تحت أرجل المتربّصين، لا يمكن أن يتمّ إلا بالسعي الرسمي السوري نحو حوار حقيقي. ولن يحصل ذلك بغير &laqascii117o;جنوح" فعلي، لجعل الحوار أداة فورية لتوسيع المشاركة في هم معالجة الأزمة الوطنية في سوريا. يحصل ذلك، مثلاً، من خلال لجنة طوارئ مؤقتة، تتابع شؤون البلاد السياسية والأمنية. في الوقت نفسه، تنشأ أيضاً لجان جدية هي الأخرى، لمتابعة سريعة لملف الإصلاحات بعيداً عن المناورة والشكليات وكسب الوقت.
لن يتردّد خصوم النظام السوري في معركتهم لإسقاطه. سيستخدمون كلّ الوسائل و&laqascii117o;الأماكن" والقوى الضرورية لنجاح تلك المهمة. لا مخرج إلا بتصالح النظام مع القوى الإصلاحية السورية المستقلة والرافضة للتدخل الخارجي، وهي فعلاً، من يمثّل ضمير ومصالح أكثرية الشعب السوري. المردود ليس شكلياً: ولوج طريق الإصلاح وعدم التفريط بالاعتراض على الخطط الأميركية ــ الإسرائيلية في المنطقة واستعادة زمام المبادرة من القوى المعادية في داخل الوطن العربي وفي الخارج. تلك مهمة إنقاذية سورية وعربية في آن معاً!
- 'السفير'
جماعات 'الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف': اكرهوا بعضكم بعضاً
نصري الصايغ:
I ـ الكراهية المتبادلة بين مسلمين ومسيحيين
بعد أحداث ماسبيرو في القاهرة، وبعد &laqascii117o;ليلة القبض على الأقباط" بجرم التظاهر السلمي، واندفاع الإعلام المرئي المصري في تجريم المتظاهرين، وانحياز &laqascii117o;إسلاميين معتدلين" إلى صفوف &laqascii117o;المجلس العسكري الحاكم" واتهام المتظاهرين بالتسبب بالمجزرة، وبعد سقوط ضحايا وجرحى بالعشرات، ناهزت ما وقع في &laqascii117o;يوم الجمل"، على أيدي بلطجية حسني مبارك وتلميذه حبيب العادلي، طرحت أسئلة كثيرة حول مآلات الثورة الديموقراطية في مصر، والأخطار المتزايدة التي تهدّد مسار العملية السياسية الانتقالية، والمنزلقات التي تهدد وحدة الشعب المصري وتشرخه عمودياً بين أقباط ومسلمين.
تفردت مجلة &laqascii117o;روز اليوسف" المصرية في تمزيق الصمت الكاذب، وكشف المسكوت عنه، فسألت في عددها (الأسبوع الفائت) الأسئلة التالية: &laqascii117o;هل يكره المسلمون والمسيحيون بعضهم البعض؟". &laqascii117o;هل وصل الأقباط إلى العنف المسلح؟" &laqascii117o;هل تنقذ الحماية الأميركية الأقباط"؟. &laqascii117o;هل مصر على وشك حرب أهلية؟". &laqascii117o;هل تريد التيارات الإسلامية مصر بدون مسيحيين". وختمت الملف بإجابات للروائي نجيب محفوظ في &laqascii117o;رحلة ابن فطومة" وفي &laqascii117o;السكرية" وفي سواهما من الكتابات التي عالجت مسألة الاجتماع الديني في مصر.
إنما، قبل الدخول إلى عالم الجنون هذا، لا بد من التذكير بالأسئلة المستوحاة من أحوال البيئة العربية الشقية في تدينها السائد راهنا.
ففي لبنان مثلا يصح السؤال: هل يكره المسيحيون والمسلمون بعضهم؟ ربما الجواب يكون أقل وطأة مما هو متوقع من حجم الكراهية بين السنة والشيعة، فمنسوب الكراهية ملحوظ وقد بلغ حد الطلاق من دون إعلان. ويمكن أيضاً استدراج أسئلة عن أنماط الكراهية والاحتقار والتآمر، بين عديد من الطوائف اللبنانية، الصغرى والكبرى، ولا ينفع البتة تنزيه المجتمع اللبناني من التعصب، عبر ديباجة &laqascii117o;العيش المشترك" الفاسقة، و&laqascii117o;الوحدة الوطنية" المتهافتة... فلبنان الشعبي، يغلي بالكراهية والتعصب، وهو على ازدياد. وفضيلته الوحيدة انه مكتوم.
ويمكن ترحيل السؤال ذاته إلى العراق، بين سنة وشيعة ومسيحيين وأكراد و... ويمكن الاقتناع بالجواب عنه إذا نقلناه إلى السعودية، حيث &laqascii117o;التآخي السني الشيعي" مطعون إلى درجة ان الشيعة متهمون بولائهم لوطنهم، بعد تأثيمهم كـ&laqascii117o;رافضة"، وفق المعتقد الوهابي السعودي الرسمي.
لا تجدي أبداً استعادة نصوص كاذبة، عن الحوار الإسلامي المسيحي، والحوار الإسلامي السني الشيعي. فهذه نصوص لا تستر عورة الكراهية والتعصب. فالعربي يولد في بيت يلقن فيه دينه، وفق توجيه مؤسسات رابضة على العقيدة، ومؤدلجة لها، تعمم منها ما يفرق وما يكفّر وما ينبذ وما يحقّر وما يذمم وما هو في درجة الانحطاط الخلقي، مع استدعاء الموروث التاريخي الزاخر بالجرائم المتبادلة. وما ان يخرج العربي من بيته حتى يخضع لثمانين فضائية إسلامية وعشرين فضائية مسيحية، تبث إلى جانب الدعاء والصلوات والشروحات، ما يمكن تسميته الجنون الديني.
II ـ ثورات الشباب.. لا دين لها
في البدء، لا بد من تنزيه الثورة العربية الديموقراطية من لوثة الطائفية والمذهبية. فجيل الشباب الذي خرج من بيوته ومدارسه وجامعاته وأماكن عمله وأسواق البطالة، ليدك أنظمة الاستبداد والاستغلال والفساد والقتل والالغاء، كان منزهاً عن المذهبية والطائفية، وبريئاً من لوثة العنصرية أو الاستعلائية، ونقياً مثل شعار: الحرية والكرامة والرغيف.
ولا بد من تجديد الثقة بهذا الجيل، الذي تواصل في ما بينه بالفكر والمعاناة عبر شبكات لا رقيب عليها ولا قائد لها ولا حزب فوقها، ولا دين يفتي لها، ولا رجال فقه يمنعونها عن حلال باسم الحرام، ولا تتبع جماعة &laqascii117o;النهي عن المعروف والأمر بالمنكر"... فجيل الشباب هذا، من تونس إلى ميدان التحرير في القاهرة وشقيقاتها من المدن المصرية، إلى درعا وأخواتها الشاميات في سوريا، إلى صنعاء وتعز ومطارح القبائل المدججة بشهامة السلاح المحرّم في صفوف متراصة خلف أجيال يمنية بديعة النظام، إلى شباب وبنات ورجال دوار اللؤلؤة في البحرين، إلى بنغازي وأجيالها كافة، قبل وقوعها في قبضة &laqascii117o;الناتو" وبرنار هنري ليفي... جيل الشباب هذا، صنع المعجزة، عندما كسر المستحيل المتراكم، خوفا فوق خوف فوق رعب فوق هلع، وانطلق بكامل قبضته العارية ليقول للحاكم: ارحل، فرحل البعض، والآخرون على وشك الرحيل... جيل الشباب هذا، كان مؤمنا بالوطن والشعب والمستقبل. فالحرية لا دين لها، والعمل لا مذهب له، والخبز لا طائفة له.
من جاء بعد جيل الشباب، والتحق بالثورة، من دون أن يكون رائدها أو صانعها، حمل معه ثقافاته السياسية والدينية والحزبية، ووضعها في مسار الثورة، من دون ان يتخلى عن عصبيته الحزبية أو الدينية أو السلفية.
والأسباب الموجبة لكتابة سطور التبرئة هذه، محاولة بعض النخب السياسية والفكرية والاعلامية، اصطياد الثورة عبر وصمها تارة بأنها أداة للمؤامرة الخارجية، وطوراً عبر &laqascii117o;أسلمتها"، وأطواراً عبر جعل الصراع محمولا على بيئات متباينة دينياً ومذهبياً. فالثورة في البحرين، ليست شيعية في منطلقها ولا في شعاراتها، لكن أغبياء التعصب، وسموا هذه الثورة بالتشيّع مراراً، عبر احتضان شيعة العراق ولبنان وسوريا للثورة البحرينية، وبلغ الغباء درجاته القصوى (وللطائفية أنبياء أغبياء) ان استضافت بيروت مؤتمراً لدعم انتفاضة البحرين، بدعم من رمز العمالة في العراق، أحمد الجلبي. وهكذا، وقعت ثورة البحرين الديموقراطية والسلمية والنقية من التعصب في منطلقها، في قبضة التطيف، الذي كان السهم المسموم الذي وجهته السلطة البحرينية للحراك في دوار اللؤلؤة.
لولا الكراهية والتعصب لما حصل هذا الاختناق الموقت للثورات الديموقراطية. وليست البحرين شواذاً عن القاعدة، فالحراك في سوريا، في أساسه وصلبه ومنطلقه، حراك شبابي شعبي غير متمذهب ولا متطيف. ومع ذلك، فقد أصرّت السلطة على &laqascii117o;أسلمته" وعلى &laqascii117o;سلفيته" وعلى عنفه، برغم &laqascii117o;السلمية" الفاقعة التي طبعت بدايات الحراك. ان هتافات التكبير، أحيانا تعبير عن تعصب وأحياناً تكون تعبيراً عن حزن وأحياناً تعبيراً بدلالات وطنية أو دلالات مقاومة، كما هي الحال مع شعارات حزب الله في لبنان.
III ـ ديني ليس وطني
في العمق، يذهب السؤال في منحى آخر: لماذا هذه الكراهية؟ لماذا هذا العنف الطائفي؟ هل يكفي ان نقول، ان مشروع الهيمنة الأميركي، وسياسة اسرائيل البعيدة، يهدفان إلى تقسيم المنطقة وتفكيكها طائفياً واثنياً؟ ألا يعني ذلك تبرئة الذات من المسؤولية عبر رميها على الآخر؟ ألا يعني ذلك ان ما يريده الغرب ينفذه برغم إرادتنا ومن دون جماعات منا، أم اننا أدوات لذلك المخطط.
البحث عن أسباب أخرى، مشقة تصل إلى اتهام الذات، وإلى بلوغ ما يلي: &laqascii117o;أساسات الاندماج القومي في مصر، انتهى عمرها الافتراضي" (نبيل عبد الفتاح. سياسات الأديان). النظام الطوائفي في لبنان، يحرّض على ممارسة التعصب، ويعطيه مشروعية دائمة، ويضعه في مصاف الشرعية الطبيعية، عبر القول الدائم: &laqascii117o;هذا هو لبنان". أي ان لبنان طائفي، فما العمل. كأن ماهية الناس، مشوّهة وملعونة، والمسؤولية في ذلك تقع على &laqascii117o;الله" الذي خلقنا كذلك. وهذا كفر علمي وزندقة سياسية.
ويلعب الاستبداد دوراً في الغاء الجوامع المشتركة بين المواطنين، اذ يحيلهم إما إلى أعداء، أو إلى أتباع. وفي أجواء الحصار الخانق لقوى الفكر والسياسة والاجتماع، ولحركات العلمنة والديموقراطية والليبرالية، وفي أجواء سيادة الرأي الواحد والحزب الواحد والقائد الواحد، والنص الواحد... يلجأ الناس إلى مخابئهم الدينية والطائفية. إذ لا ملجأ آخر يحمي الناس من الاستبداد.
وفي العودة إلى الجحور الطائفية، تسود ثقافة دينية شعبية متزمتة. وفي الجحور الطائفية، يتربى العربي على ثقافة سلبية ازاء الآخر المختلف. ودين البيوت والصوامع والتكايا، الذي يتداوله &laqascii117o;المؤمنون"، يختلف عن الدين الاجتماعي، حيث يفترض استعمال لغة مهذبة، كاذبة، تخفي المضمر والمسكوت عنه.
ففي مصر مثلاً، استعيدت الذاكرة الفتنوية لدى الأقباط، واستحضرت حكايات الاتهام لدى المسلمين. مثلا: &laqascii117o;البابا شنوده يريد بناء دولة قبطية". و&laqascii117o;السادات قال في مؤتمر يعود إلى الستينيات: سوف أجعل الأقباط يسلمون أو يتحولون إلى ماسحي أحذية" (وقد يكون هذا القول مخترعاً من أساسه)، إلى سواهما من الكليشيهات التي تشبه ما يتداوله اللبنانيون إبان تأزمهم: &laqascii117o;مصر القبطية في مواجهة مصر الإسلامية" و&laqascii117o;المؤتمر القبطي من مواجهة المؤتمر الاسلامي"... الخ.
يحصل ذلك وسط سيادة ثقافة اسلامية سلبية تجاه الأقباط، وفقه نفطي مستورد، وتواجهه ثقافة تحاول الاستقواء بالخارج طلباً للحماية... ويمكن رصد عدد كبير من الظواهر المرضية، التي انتجتها عقود التهميش والتمييز، ومنها الاساءة إلى معتقدات المسلمين، ما يجعل الكنائس عرضة للإحراق والتدمير والتشهير.
إن السلفية ليست حكراً على بعض المسلمين... فبعض الأقباط سلفيون كذلك. فالتطرف يستدعي تطرفاً أشد.
هذه التراكمات، في مجتمع استبدادي واسلاموي، تكشف انعدام الحوار وكظم المظالم، كما تدل على ان النظام التعليمي والاعلامي والثقافي، فاشل، ولا ينتج إلا هذا التعصب.
وفي ظل هذا التناقض الصارخ، يمكن توقع الأسوأ دائماً.
IV ـ قليل من علم الاجتماع
لكل جماعة شخصية بالمثنى. لا جماعات، اثنية أو دينية أو مذهبية أو حزبية جامعة مانعة. في داخل كل شخصية جماعية، تياران: تيار الانعزال، وتيار الانفتاح. وهما في مغالبة دائمة. يفوز تيار الانعزال عندما تشعر الجماعة بأنها محاطة بخصوم أو بأعداء، أو عندما يكون المجتمع في حالة نزاع. وفلسفة الانعزال تقوى وتشتد عبر تظهير الخطر الخارجي، وشيطنة الآخر المختلف. فيسود التعصب ويوظف العنف وتستبد الكراهية، وتصل في بعض الحالات إلى المشاركة في القتال، قتلاً أو خطفا أو دعماً... أما تيار الانفتاح فيفوز، في مجتمع المساواة والعدالة وانعدام التمييز وانتفاء المظلومية. هنا، لا تعود الجماعة هي الحامية، بل الدولة، أمّ المجتمع، وناظمة أفعاله، وصائنة حقوقه وعمله و... الجماعات، في الدولة الديموقراطية العلمانية، لا تعود جماعات دينية خائفة ومخيفة، بل جماعات سياسية معارضة أو موالية. وتتحول الجماعات الدينية، إلى ممارسة طقوسية وحياة روحية، وهلم جراً من أفعال تتسق مع تقاليد الدين، كما هو حاصل في الدول التي تم فيها فصل الدين عن الدولة وعن السياسة.
ولأننا بعيدون عن هذا الهدف، فإن التوتر الطائفي والمذهبي سيبقى وقد يشتد، بسبب المرحلة الانتقالية، حيث تسعى الأحزاب الدينية إلى تديين الدولة والمجتمع، في مواجهة من يرغب في توطين الجميع، داخل الوطن، الذي لا يميز نظامه في شيء، بين مسلم ومسيحي وكردي و...
الخوف على الثورة، ليس من انعدام تجربة شبابها، أو من تعدد الهيئات فيها. الخوف هو من قوى الماضي، التي تريد أوطانا معبأة في آيات وعقائد... ليست محل إيمان مشترك، والتي تكسب معاركها، بمنطق الغريزة الدينية، واستثارة المشاعر والكراهية، وليس بمنطق العقل المدني الديموقراطي.
ماسبيرو... فتحت جرح الأسئلة في مصر. سبقها إلى ذلك، العراق ولبنان و... فمتى النهاية؟.
ـ 'الجمهورية'
اتهام واشنطن لطهران مقدمة لحرب، أم لفتنة؟
هل ماشى اوباما الرغبة الاسرائلية بضرب ايران؟
طارق ترشيشي:
يشهد الاتهام الاميركي لإيران بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير كثيرا من التفسيرات والتأويلات في هذه المرحلة، نظرا الى ما ينطوي عليه من ابعاد وخلفيات واهداف، من المرجح انها ستتكشف في قابل الايام والاسابيع المقبلة.فهذا الاتهام، جاء اولاً، بعد ايام على 'الفيتو' الروسي ـ الصيني الأخير الذي أسقط القرار الغربي ضد سوريا في مجلس الامن الدولي، وما تلاه من إنتقال دمشق من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم، خصوصا على الصعيدين السياسي والدبلوماسي. وجاء ثانيا، قبل شهرين ونيف تقريباً من موعد الانسحاب العسكري الاميركي من العراق بموجب الاتفاقية الامنية الموقعة بين الادارة الاميركية والحكومة العراقية. وجاء ثالثا، قبل سنة ونيف من انتهاء ولاية الرئيس الاميركي باراك اوباما في البيت الابيض. وجاء رابعا، في ظل المتغيرات الكبيرة التي يشهدها بعض دول العالم العربي بمشرقه ومغربه. وجاء خامسا، بعد التوصل الى صفقة تبادل الاسرى بين حركة 'حماس' واسرائيل، وما يمكن ان تكون لها من تفاعلات على الساحة الفلسطينية.ويلخص سياسيون مطلعون سيل التفسيرات لهذا الموقف ـ الهجوم الاميركي على إيران بالآتي:
ـ التفسير الاول: ان واشنطن قررت بعد 'الفيتو' الروسي- الصيني الذي حال دون فرض عقوبات دولية جديدة على دمشق كان يراد منها ان تكون توطئة لتدخل عسكري ضدها في مرحلة لاحقة، أن تمارس مزيدا من الضغوط على نظام الرئيس السوري بشار الاسد بغية إضعافه وانهاكه، عبر اضعاف، أو مشاغلة حلفائه وداعميه الاقوياء وفي مقدمهم ايران في خلافات، وربما صدامات، مع جيرانهم، فكان توجيه الاتهام اليها بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي في العاصمة الاميركية، الامر الذي من شأنه يفتح جبهة خلاف بينها وبين المملكة العربية السعودية خصوصا، وبينها وبين بقية دول الخليج العربي عموما، في ظل ازمتي البحرين واليمن اللتين لم تتوافر لهما الحلول اللازمة بعد.
التفسير الثاني: ان واشنطن ارادت من اتهام طهران التمهيد لتوجيه ضربة عسكرية اليها في وقت ليس ببعيد، بغية تقويض 'محور الممانعة' الذي تشكل إيران رأس حربته اقليمياً، فيما تشكل دمشق رأس حربته عربياً، إذ أن الادارة الاميركية، ربما تعتقد ان مثل هذه الضربة لن تسقط نظام الجمهورية الاسلامية، وانما تُضعفه، أو تشغله في معالجة آثار الضربة العسكرية، الامر الذي يحد من دوره وتأثيره في اوضاع المنطقة، وكذلك يحد من دعمه لحلفائه الاقليميين والدوليين، ما يؤدي بالتالي الى 'إنعاش' مشروع 'الشرق الاوسط الجديد' أو 'الكبير' الذي مُني بإخفاقات كثيرة في السنوات الماضية من جراء نجاح محور الممانعة في صده على جبهات عدة.
التفسير الثالث: ان واشنطن والقوى الدولية الحليفة لها تدرك اهمية الرياض وطهران وثقلهما وتأثيرهما في المنطقة عموما وفي العالم الاسلامي خصوصا، وان أي خلاف بينهما من شأنه ان يتطور الى فتنة مذهبية، وربما الى اكثر من ذلك، خصوصا وان الظروف مهيئة لمثل هذه الفتنة بعد كل ما جرى في العراق وغيره من مثل هذه الفتنة ومن احتقان مذهبي، ومن شأن هذه الفتنة ان تُسقط انظمة ولا سيما منها تلك العصية على السقوط حتى الآن، وفي مقدمها النظام السوري الذي يتحوط من ان القوى المعادية له بدأت تراهن على احداث فتنة مذهبية في سوريا من اجل تقويضه واسقاطه.
التفسير الرابع: ان الرئيس الاميركي، الذي يقف على مسافة سنة ونيف من انتهاء ولايته، راغب في ضمان الفوز بولاية رئاسية جديدة، ويبدو انه بدأ يعتقد ان طريقه الى ذلك هو مماشاة اسرائيل في 'رغبتها الجامحة' بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، وقد بدأ التفتيش عن الذرائع اللازمة لذلك، واتهامه لطهران بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي قد يكون أولى هذه الذرائع، وليس آخرها...
التفسير الخامس: ان الاتهام الاميركي لطهران، لا يستهدف ايران فقط، وانما يستهدف المملكة العربية السعودية ايضا، إذ ان واشنطن تريد من هذا الاتهام ممارسة ضغط مزدوج عليهما، فهي على الارجح تريد من طهران ان تسهّل تمديد بقاء القوات الاميركية في العراق، او على الاقل بقاء القسم الأكبرمن هذه القوات، وليس اربعة آلاف جندي فقط، على الاراضي العراقية، وذلك تحت عنوان 'التدريب' بما يعطي العسكريين الاميركيين الحصانة وصلاحية التدخل العسكري في الشأن العراقي اذا لزم الامر مستقبلا. وكذلك تريد واشنطن من طهران التوقف عن دعم النظام السوري في مواجهة الازمة التي يتعرض لها، آملة في أن يؤدي ذلك الى حصول مزيد من الاضطرابات على الساحة السورية في المرحلة المقبلة، بما يضعف النظام ويؤسس لتدخل خارجي على غرار ما حصل في العراق وليبيا وغيرهما.وفي المقابل تريد واشنطن من الرياض التدخل في الشأن السوري وان تتصدر الداعين الرئيس السوري الى التنحي، مثلما فعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ومثلما يفعل امير قطر الشيخ حمد بن خليفة، ولكن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز لم ينزلق الى هذا الامر، واكتفى بكلمته الشهيرة التي وجهها الى الاسد والشعب السوري ودعا فيها الى معالجة الازمة بالهدوء والحكمة بعيدا من منطق العنف، ثم سحب سفيره من دمشق كإشارة على رغبته في عدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية.
مرجع كبير
وفي ضوء هذه التفسيرات، يعتقد مرجع رسمي كبير ان الاتهام الاميركي لطهران بالتخطيط لإغتيال السفير السعودي في واشنطن، يستهدف اايران والسعودية اولا، ويستهدف سوريا ثانيا. وفي اعتقاده ان هذا الاتهام يراد منه إشعال نار الفتنة المذهبية بين السُنة والشيعة في المنطقة، ولذا ينبعي على طهران الرياض التنبه لهذا الامر وعدم الانزلاق اليه.ويبدو ان لهجة الطرفين قد إعتدلت عما كانت عليه من تشنّج غداة اطلاق الاتهام الاميركي، فإذ أبدت طهران استعداها للذهاب في مسار للتحقيق في هذا الاتهام طالبة من المعنيين إطلاعها على ما لديهم من معطيات، لم يوجه مجلس الوزراء السعودي أي اتهام رسمي مباشر لإيران بمحاولة إغتيال السفير الجبير، وإكتفى في جلسته الأخيرة بـ' شكر' الولايات المتحدة الأميركية على 'جهودها في الكشف' عن هذه المحاولة، وكذلك شكر 'ما عبّرت عنه الدول والمنظمات الدولية من استنكار لهذه المؤامرة الدنيئة ومن يقف وراءها'، داعيا 'الأُمتين العربية والإسلامية والمجتمع الدولي' إلى 'الاضطلاع بمسؤولياتهم أمام هذه الأعمال، ومحاولات تهديد استقرار الدول والأمن والسلم الدوليين'.ويعتقد المرجع نفسه أن كثيرا من المشكلات والأزمات التي تثار في المنطقة، انما الفاية منها التعمية عن ازمة حقيقية إقتصادية كبيرة تعانيها الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا، وهي مرشحة للتفاقم في قابل الايام، متوقعا ان تتصاعد وتيرة حركات التظاهر والاحتجاج التي تشهدها العواصم والمدن الكبرى في اوروبا وأميركا لتكشف مدى عمق تلك الازمة.وفي هذا السياق يتخوف سياسيون من ان تدفع تلك الازمات الاميركية والاوروبية بالعواصم الغربية الى تفجير ازمات في المنطقة والعالم بقصد القبض على مزيد من الثروات لتغطية تلك الازمات وجني مليارات جديدة من بيع الأسلحة والذخائر، وذلك على غرار ما كانت جنته من الحروب التي شهدتها المنطقة منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي على الاقل.
ـ 'الجمهورية'
بعد شاليط... هل يُكشف نهائيا لغز رون اراد؟
صبحي منذر ياغي:
تؤكد أوساط ديبلوماسية مطلعة في لبنان أن إطلاق الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي ظل محتجزا في قطاع غزة خمسة أعوام مقابل إطلاق 477 فلسطينيا في الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار عملية تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة 'حماس'، فتح الباب على مصراعيه أمام العودة للبحث في ملفات مفقودين وأسرى آخرين لدى الطرفين، وعلى رأس هؤلاء قضية الطيار الإسرائيلي رون اراد الذي فقد في لبنان عام 1986 عندما أُسقطت طائرته التي كانت تزرع الموت والدمار فوق منطقة شرق صيدا.ووفق معلومات خاصة لـ'الجمهورية' أن قضية رون اراد التي اختفت عن المسرح الإعلامي منذ أعوام كانت حاضرة دوما في كواليس اللقاءات والاجتماعات التي تواصلت بين جهات أمنيّة ألمانيّة وجهات إيرانية، وحتى سوريّة، في الوقت الذي ظلّت فيه المخابرات الإسرائيلية تسعى إلى معرفة مكان اراد ومصيره بوسائل متعدّدة، منها الاتصالات التي ما زالت مستمرة لليوم من خلال رسائل إلكترونية تدعو اللبنانيين إلى إعطاء معلومات قيّمة عن رون اراد مقابل عشرة ملايين دولار، كما أنّ إسرائيل جنّدت العشرات من الجواسيس والعملاء للعمل في هذا الإطار، وهذا ما كشفته التحقيقات التي أجريت مع عدد من عناصر عملاء الشّبكات الإسرائيلية التي تهاوت على أيدي مخابرات الجيش وفرع المعلومات في لبنان منذ عام 2009.
لقاءات في ألمانيا
وأشارت الأوساط الديبلوماسية المطلعة إلى أن لقاءات عدة عقدت أخيرا للبحث في مصير رون اراد بين جهات ألمانيّة وجهات إيرانيّة في برلين أواخر الصيف الماضي، وأن اللقاءات أثمرت عن تقدّم ملحوظ في هذا المجال، كون الألمان تمكّنوا من الحصول على معلومات حسّاسة من الممكن أن تكشف حقيقة هذا اللغز.ومنذ مدة، توقّفت أوساط حيال مقتل نجل أحد المسؤولين الحزبيّين في بيروت، والذي صُوّر وكأنّه عملية انتحار، كون والد 'الضحية' على معرفة بمصير رون اراد، وربما يحتفظ برفاته إذا كان مقتولا.ووفق المعلومات، إن رون اراد الذي كان محتجزاً خلال أسره عام 1986 في أحد المنازل في بلدة ميدون في البقاع الغربي، تمكّن من الإفلات بعد تعرّض البلدة لغارات كثيفة من الطيران الإسرائيلي عام 1988.وهذه الواقعة، أكّدها الشيخ أديب حيدر احد مسؤولي 'المقاومة المؤمنة' التي اتهمت إسرائيل مسؤولها الحاج مصطفى الديراني بخطف اراد، خلال لقاء معه في كانون الثاني 2005، في منزله في بلدة بدنايل البقاعيّة، إذ قال '... كل ما نعرفه أنّ اراد كان محتجزاً في احد المنازل في البقاع بعد نقله من الضاحية الجنوبية، وقد حدثت مواجهات عنيفة بين المقاومة والعدو الإسرائيلي، فانشغل حرّاس اراد باستطلاع ما يجري، وعندما عادوا إلى المنزل لم يجدوه، واختفى بطريقة غامضة...'
روايات متعدّدة
تعدّدت الروايات والمعلومات حول مصير اراد ومكانه بعد ذلك. فمنها ما أكد قيام الاستخبارات الإيرانية بنقله بتابوت خشبي، وهو تحت تأثير المخدّر إلى طهران، من طريق السفارة الإيرانية في بيروت، حتى تستخدمه إيران كورقة ضغط على إسرائيل، لمعرفة مصير الديبلوماسيّين الإيرانيّين الأربعة الذين فقدوا عند حاجز البربارة عام 1982، وتردّد أنّهم نُقلوا إلى إسرائيل. أما مصادر أخرى فأشارت إلى أنّ اراد أصبح في يد الاستخبارات الجوية السورية، لتستخدمه سوريا أيضاً ورقة مساومة لتسليمها احد طياريها بسام العدل الذي فرّ عام 1989 بطائرته الميغ 29 وحطّ بها في إسرائيل، بذريعة اللجوء السياسي. في الوقت الذي نفت فيه قيادة 'حزب الله' نفياً تاماً معرفتها مكان اراد ومصيره.إلّا أنّ مصادر حزبية لبنانية أكدت أنّ اراد بعد فراره من مكان احتجازه في 'ميدون' وقع في يد مجموعة تنتمي إلى حزب علمانيّ لبنانيّ كانت برئاسة (ع. ق) الذي سلّم اراد إلى مسؤول في الحزب أعلى منه رتبة وهو (م. ق)، ولكن التساؤل فيما بعد تركّز على معرفة ما إذا كان اراد حيّا أو ميتا، خصوصا أنّ عديدا من اللجان في الجيش الإسرائيلي شُكّلت للبحث في مصيره، وبحسب ما ورد في تقرير سرّي سرّبه 'الموساد' للصحف ووسائل الإعلام منذ عامين، 'إنه تم تشكيل لجنة إسرائيليّة خاصّة قبل أربعة أعوام برئاسة اهارون فركش رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي للبحث وجمع المعلومات عن رون اراد. وقد أكدت هذه اللجنة أنّ اراد كان على قيد الحياة حتى بداية عام 1995، وبعد هذا التاريخ توفّي نتيجة مرض في لبنان من دون ذكر طبيعة المرض، وقد حاولت إيران و'حزب الله' إخفاء الأمر والتنصل من الموضوع وكذلك عدم معرفة مكان جثته'.وحسب المصادر، إنّ المسؤول الحزبي (ع.ق) الذي لم يرضخ لضغوطات عليا من جهات حزبية لإعطائها معلومات عن مكان اراد، فُتح له ملف قضائي في فترة الوجود السوري، ما دفعه إلى مغادرة لبنان إلى دولة أوروبية وما زال هناك.
منظمة الزوبعة
عام 2004، وفي عزّ التفاوض حول اراد، ظهرت فجأة على الخط منظّمة تطلق على نفسها اسم 'منظمة الزوبعة' لتعلن في بيان أنّ اراد موجود لديها، ليتبيّن أنّ المسؤول الحزبي (م.ق) هو الذي يقف وراء هذه المنظمة، ونشر البيان في 23 شباط 2004 في عدد من الصحف اللبنانية.ثم عادت منظمة 'الزوبعة' إلى إصدار بيان آخر وفيه: 'إن الطيار الإسرائيلي رون اراد الذي أُسقط وطائرته فوق جنوب لبنان عام 1986 كان يرمي الحمم والقنابل على أبناء شعبنا، ولم يكن يرمي وروداً ورياحين... وكانت منظمة 'الزوبعة' قد سلمت إلى الجهة الألمانية عيّنات ومستندات للطيار اليهودي منذ أعوام، وأجريت الفحوص عليها من جانب العدو في حينه، لكنّ حكومة شارون ماطلت وناورت إلى حين خطف الجنود الثلاثة وأسر الضابط المتقاعد، ثم أسرعت إلى التفاوض لاسترجاع الحنان تننباوم لأسباب لم تعد خافية على احد، وقد ضجّت وسائل الإعلام بالعلاقة الشخصية التي تربط شارون بعائلة الحنان تننباوم والمصالح المشتركة بينهما تاركة ملف اراد عالقاً...'.وأضاف البيان: 'لا بد من القول إنه عندما تعثرت المرحلة الأولى من عملية التبادل، وادعت حكومة شارون إصرارها على حيازة معلومات عن الطيار اراد، في مقابل إتمام الصفقة والإفراج عن المناضل سمير القنطار، قدّمت المنظمة ما هو كاف لإفشال مزاعم العدو ودحضها، ولكنّ حكومة شارون استمرت في مناوراتها، طالبة المزيد من دون تنفيذ التعهد بإطلاق سمير القنطار...' وختم البيان: 'إنّ ما يدور في وسائل الإعلام عن عملية تبادل مع غير منظمة 'الزوبعة' هو خارج المكان والزمان...'.
اعتقال وتحقيقات
ومنذ مدة، عُلم أنّ المسؤول الحزبي 'م.ق' أخضع ومنذ عام 2006 لسلسلة من التحقيقات لدى أجهزة أمنيّة لبنانيّة حول مصير اراد أو مكان وجود الرفات، واعتُقل على خلفية اتّهامه بالاتصال مع العدو لهذه الغاية لفترة من الزمن قبل إطلاق سراحه ومداهمة منزله في إحدى البلدات الجبلية. وكانت صحيفة أسبوعية أشارت في عددها الصادر في 10/10/2011 إلى أنّ 'م.ق'، 'بما يملك من معطيات وتفاصيل وخرائط سمح (للأجهزة الأمنية) بالاهتداء إلى مكان دفن جثة رون اراد واسترداد هيكله العظمي.. وبعد فترة من خروج 'م.ق' وقعت حادثة مقتل نجله 'س.ق' في ظروف غامضة ربما كان ذلك انتقاما من الموساد كون والده احتفظ بجثة اراد طيلة هذه المدة أو انتقاماً من فريق آخر لعدم تسليم (م. ق) جثة أراد عبر المفاوضات لأي جهة محلية...'ومهما كانت التساؤلات والتحليلات، فإن الجهات الديبلوماسية ترى أنّ ملف اراد عاد بقوة للتداول وقد يتم الكشف نهائيا عن هذا اللغز الذي شغل الأوساط الأمنية المحلية والدولية طيلة الفترة الماضية، والمقابل سيكون ثمينا وثمينا جدا بكل تأكيد.
ـ 'المستقبل'
إيران 'قلقة'
فيصل سلمان:
قلت للسفير الايراني في بيروت غضنفر ركن ابادي ان البعض يرى ان الاتهامات