ـ 'السفير'
إلهو ـ قراطية .. الربيع المضحك!
كمال بن حمادة كمال بن حمادة (كاتب ليبي باللّغة الفرنسيّة) ـ ترجمة: دنيز يمين
أيقظت الشّرارات المنبثقة من جسدٍ استنزفه الألم واستهلكه اليأس، أغصانا جفّفها البؤس وأضعفها النّسيان مشتّتةً في وسط أدغالٍ بشريّة مجمّدة في رؤية استسلامية للتّاريخ وفي الخضوع لإرادة الله وممثّليه وكلاب صيدهم..
هي شعلة ساحرة باندلاعها ومسار تجوّلها. شرارات لم تكن متوقعة. أشعلت بنارها الكرامة المستعادة. نشأت من حروق التعاسة الشاقة. حروق لا توصف، تلألأت لتشعّ على مخلوقاتٍ تتوق إلى التجسّد في الإنسان المتضامن والمتعدّد الوجوه وإلى استعادة ذلك الشّعور بالذّات، إلا أنّها تحوّلت تدريجيّاً إلى براكين مخرِّبة بفضل كيمياءٍ قديمةٍ غادرة عنوانها امتزاج رهانات السّلطة والمال.
هل يكفي تحريك رايات الثورة وتحدّي نظام سياسي قائم، دون ان نطوّق في الوقت نفسه آثار هذا النّظام العنيد الذي أُرْسِيَ، بشكل وثيق، بفضل اشتباكات خطواتنا المظلمة وتضعضعها؟عجز معظم المثقفين الليبيين في هذا الفضاء العربي والذين تعرّضوا للنّفي في شتّى أنحاء العالم لمدة عقود، وغالبيّة متمرّدي الدّاخل في ليبيا، عن القيام بنقدٍ لبنيتهم الدّينيّة وخبرتهم الثّقافيّة، لأنّهم فشلوا في تصوّر كتاب القرآن الكريم كموضوع دراساتٍ علمانيّة معتبرين أنفسهم نتاج تعليمٍ مبنيّ على تناول النص القرآني كما هو، فكانوا حذرين من روح التّحليل والتّشكيك في كلّ ما يتعلّق بالتّراث العربي ويمسّ من قريبٍ أو بعيد بالإسلام الرّسمي السنّي المالكي.يُضاف إلى ذلك في الوضع اللّيبي، إقصاء طبقةٍ كاملة من المثقّفين من النّسيج المجتمعيّ الليبيّ وإبادة كل نيّة للفكر الاستقلالي بواسطة قوّة مطلقة قابضة على الحقيقة الوحيدة (الكتاب الأخضر) التي فتحت بالتّالي المجال بدون تبصّر، أمام مسوّقي قراءةٍ أبويّة، عقائديّة، علنيّة وجماعيّة للكتاب الوحيد الموثوق به (القرآن) حيث بُنِيَ إيمانٌ مطمئنٌ قائم على الـ&laqascii117o;نحن"، الموروث عن حقيقةٍ منزّهة يجب الحفاظ عليها، مقابل الـ&laqascii117o;أنتم" الداعية إلى الانشقاق والتفسخ، والتي يجب التّنديد بها وتوقّيها ونبذها.
تخرج صيغة &laqascii117o;الرّبيع العربي" من أساطير عالم غربي لا يصغي، ولا ينتظر سوى رؤية صورته في ضوء حاجته الماسّة للتّمركز في وسط العالم، متوسّعاً نحو &laqascii117o;الجنوب" باقتراح ديموقراطيّةٍ أفرغتها الوقائع من مثاليّتها (كان يفترض أن تكون هذه الديموقراطية موضع تضمين للتميز والغيرية والتعدد، إلا انها لا تفرز في الواقع سوى سياسة الاستبعاد والإقصاء التي تدفع بخطاب الابادة الخاص بها نحو الأمام). أما النتيجة المباشرة فتكون: ليبراليّة متأزّمة تنتج عدم مساواة واستعباد عصريين، وحاجة ماسة للذّهب الأسود تقيّد كلّ التّسويات وتتحالف مع &laqascii117o;الله - قراطيّة" المنتشرة والمتصاعدة، فتذكي بالتالي فصلاً جهنّمياً يحمل معه الطوفان الجديد.
ـ 'الأخبار'
صفقة التبادل ومنعة المقاومة
يحيى دبوق:
قيل الكثير في صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين الـ1027. التعليقات والتغطية الإعلامية، والتصريحات المشيدة والمباركة لا تحصى. وما قيل، إسرائيلياً، وجد طريقاً معبّدة في وسائل الإعلام العربية. رغم ذلك، تُظهِر المتابعة أن التعليق العربي لم يولِ اهتماماً كبيراً لإحدى أهم دلالات صفقة التبادل، التي من شأنها أن تكشف رؤية تل أبيب وتقديرها للتحوّلات في الساحات العربية، وإمكاناتها، وواشنطن، في صدّها واحتوائها وحرف نتائجها المقدرة.
التقدير الإسرائيلي، كما هو معروف، هو تقدير كاشف عن وجهة المخططات والإمكانات في المحور الآخر، الذي يضم إلى جانب إسرائيل، كلاً من الولايات المتحدة ومعظم العواصم الغربية، ودول &laqascii117o;الاعتدال" العربي، والملحقين والتابعين لهم في لبنان.وإذا كانت المواقف والتصريحات الإسرائيلية المعلنة، قد تحمل تحريفاً وكذباً مقصودين، إلا أن الحراك العملي الإسرائيلي، كصفقة تبادل الأسرى مع حماس، هي دليل كاشف وفعلي، قد يُضاف إلى إشارات أخرى، ومن شأنه أن يُبين الموقف والتقدير الحقيقيين، لما تراه تل أبيب للمرحلة الحالية والمقبلة في المنطقة. وهذا التقدير، سيكون حاضراً وحاكماً على طاولة اتخاذ القرار في إسرائيل، باتجاه منعها أو تحفيزها، لشن اعتداءات مبادر إليها ضد أعدائها، بما يشمل الساحة اللبنانية.
السؤال المرتبط بإقرار الصفقة، إسرائيلياً، والكاشف لموقفها، هو الآتي: هل كان صاحب القرار في تل أبيب يقدم على الرضوخ لصفقة تبادل، مليئة بالآلام، بحسب تعبير رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وتؤسس وتحفز لعمليات أسر إضافية، بحسب التعليقات الإسرائيلية، أو تؤكد ضعف إسرائيل وصحة نظرية &laqascii117o;بيت العنكبوت" للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، لو لم تكن تل أبيب ترى أن المقبل عليها هو الأسوأ، قياساً بالسوء الواقع حالياً عليها؟ هل كانت إسرائيل لترضخ لصفقة تبادل أسرى، كما هي عليه، لو كانت تدرك أن الوضع الإقليمي سيتغير لمصلحتها؟
أما في التفصيل، فيأتي سؤالان: لو كانت إسرائيل ترى، أو أنها ما زالت ترى، أن مسارات الأزمة في سوريا تتجه إلى تعقيد إضافي حيال النظام، أو أنها ما زالت ترى إمكان نجاح ما يحاك له، وبالتالي تراجع وضعف قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، فهل كان من المعقول أن توافق على صفقة التبادل، كما هي عليه؟ والأمر نفسه ينسحب إزاء ما تراه تجاه مستقبل الساحة المصرية، والقدر المتيقّن حتى الآن، الذي يمكن الجزم به، أن إسرائيل تعيش بالفعل حالة من عدم اليقين، في أحسن الأحوال، حيال مستقبل مصر، ما يدفعها إلى اتخاذ قرارات وتجاوز خطوط حمراء كانت حتى الأمس القريب من المحرمات المرتبطة بالأمن القومي الإسرائلي. لو كانت إسرائيل ترى إمكان نجاح محاولات الاحتواء الأميركية للساحة المصرية، وبالتالي إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لما كانت بالتأكيد تقدم على القبول بصفقة تبادل الأسرى، وتلجم اعتداءاتها في أكثر من ساحة، رغم كل ما لديها من دوافع.
الواضح، من إقرار الصفقة وغيرها من الإشارات، أن إسرائيل تقدّر أن المرحلة المقبلة ستشهد منعة واقتداراً لحماس ولقوى المقاومة عموماً، وإلا ما كانت الصفقة لتبصر النور.
كيف يرتد ذلك على لبنان؟ الأرجح أن ارتداداته ستكون إيجابية، من دون ارتباط بصحة تقديرات إسرائيل أو خطئها. فالوضع السيئ الذي تتجه إليه المنطقة، من ناحية إسرائيل، سيعني انكفاءها عنه، وإلا فستكون في موقع المقامر، وقد تسبب تعجيل ورفع مستوى السلبية لتداعياته عليها، وأيضاً على حلفائها والمتقاطعين معها في المصلحة، في لبنان، وفي المنطقة عموماً. عدم انفصال لبنان عن المشهد الإقليمي، واضح جداً. الاتجاهان الغالبان في هذا البلد، مع اختلاف قدرات كل منهما، يتحركان ويتفاعلان مع أي مؤشر وحادث، وينتظران النتيجة النهائية للصراع بين المحورين الكبيرين في المنطقة. في هذا السياق، تقول إسرائيل وتقرّ، لنفسها ولحلفائها، من خلال صفقة التبادل وإشارات دالة أخرى، إن حماس وقوى المقاومة عموماً، تتجه نحو مزيد من المنعة والصلابة.