قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الخميس 3/11/2011

- 'الأخبار'
الله، حريري، طريق الجديدة... تحوّلات قلب العاصمة [3].. منطقة بزعامات كثيرة حـتى يكبر سعد
 زياد عيتاني:

بنى أهل طريق الجديدة أحلاماً كبيرة على زعيمهم سعد الحريري. لكن النكسات المتلاحقة للشاب القادم الى عالم السياسة حديثاً أحبطتهم. رغم ذلك، فإن أرض &laqascii117o;الزعماء" و&laqascii117o;الفهود" أبقت لواء الزعامة معقوداً له وفاء لرفيق الحريري. أهلها يبررون للرئيس الشاب أخطاءه ويمضون أيامهم بانتظار أن يكبر سعد
يهوى خالد، &laqascii117o;الميكانيكي الصغير"، ورفاقه لعبة البلياردو ليلاً، وهم يتأنّقون ليل السبت للسهر داخل سيارتهم التي يقودونها بين ملاهي الجميزة، محاولين استمالة الراقصات على أنغام &laqascii117o;الليدي غاغا"، بمواويل جورج وسوف القديمة وهي تصدح من مذياع السيارة الذي زودوه بتقنية خاصة حتى ترتج المنطقة من حولهم. ورغم احتفاظ خالد ورفاقه بكل تقاليدهم المتبعة يومي السبت والأحد، إلا أنهم أصبحوا، بقدرة قادر، &laqascii117o;فهود طريق الجديدة" وحماة السنّة والمدافعين عن المنطقة من خطر الروافض.
هذه المفاهيم التي غزت طريق الجديدة خلال أشهر قليلة لم تأت، بالطبع، من خلال سلسلة حلقات تثقيف سياسي أو ديني مكثّف قام بها تيار المستقبل. التيار الذي انهمك رموزه في المنطقة في إنشاء مركز &laqascii117o;سيكيوريتي بلس" في كاراج درويش، وغيره، ,الذي تمكن من تعيين زعماء شوارع من الوجوه القديمة في المنطقة، كانت اهتماماته تنصب على العمل الميداني ورفع الأعلام اللبنانية وصور الشيخ سعد والرئيس الشهيد، وبالطبع رجل المرحلة &laqascii117o;سنياً" فؤاد السنيورة.
سال حبر كثير على مقولة إن السنّة يفتقدون زعيماً على مستوى رجالات دولة، كصائب سلام أو رشيد كرامي، لكن طريق الجديدة، مطلع عام 2008، كان لها مجموعة زعماء &laqascii117o;ضربة واحدة": فؤاد السنيورة زعيم، وسعد الحريري زعيم، ووليد جنبلاط زعيم، وكذلك طارق الدنا و&laqascii117o;قبضايات" شوارع وزعماء أحياء وقادة مجموعات ومقاه. باختصار: كل من يرفع صوته في وجه حزب الله زعيم، وكل من يبتكر &laqascii117o;تسجيلاً صوتياً" على الهواتف المحمولة فيه تهكم على حزب الله مبدع، وكل من يكتب على جدران شوارعها شعاراً ضد 8 آذار يكاد يكون أديباً.
تمكنت الشوارع الضيقة في طريق الجديدة من ساحاتها. باتت الأحياء الأكثر فقراً هي الأشهر. شهرة حي الطمليس لم تعد ببؤسه. حفر حي الجزار باتت خنادق &laqascii117o;القبضايات". زواريب الفاكهاني التي يتخرج منها عشرات العاطلين من العمل، باتت تخرّج &laqascii117o;الفهود".
وليد هو الآخر زعيم. صحيح أنه واحد من شباب حي التنك العاطلين من العمل، لكن والدته ترى الشبان يلتفون حوله. الشاب الذي يصفه إخوته بالـ&laqascii117o;مشكلجي"، بات يملي على أصدقائه طريقة &laqascii117o;المناوبة" في الحراسة. يدخل منزله على عجل لتناول سندويشات اللبنة، ويتأكد من وصول &laqascii117o;صندوقَي الإعاشة" بعدما قام بواسطة &laqascii117o;شخصية"، على طريقته، لتنال عائلته صندوقاً إضافياً. يسأل والدته عن الأدوية التي تريد، ويعطيها اسم أحد العاملين في مستوصف أرض جلول لتسهيل أمرها هناك. يطمئن أباه إلى أن الوضع &laqascii117o;تحت السيطرة". يضبط مسدسه الجديد على خاصرته. يحمل هاتفه الخلوي الحديث ليخاطب أحدهم على الخط الآخر: &laqascii117o;شو رومل كيف الوضع بعفيف الطيبي؟ في شي صوب بربور؟". يغلق الباب خلفه، فتهرول أخته الكبرى الى الشرفة لترى دراجة بانتظاره يقودها شاب فتي يقول لوليد: &laqascii117o;مشي الحال معلم... منمشي؟".
كغيره من الشبان، فوجئ وليد بمشكلة جامع عبد الناصر، صبيحة يوم السابع من أيار عام 2008. هرول فتيان الحي الى قصقص ووقفوا عند مشارف أوتوستراد الحرش، ينتظرون حركة ما باتجاههم. أربعة شبان عكاريين يسألون عن اتجاه بربور. يركبون سيارة أحد أبناء المنطقة. يصلون الى طلعة أبو شاكر. ويشاركون الفتية في الركض نحو جامع عبد الناصر.
يقف محمد مع زملائه أمام كلية الهندسة. يضبط جعبته وينتظر خلف جدران موقف الجامعة العربية برشاشه. يأمر أحدهم بإطفاء الإنارة في الشوارع المحيطة، فينزل أحد المقاتلين الى غرفة الكهرباء العمومية، ليفصل التيار الكهربائي عن الأعمدة المحيطة بموقف السيارات. أطفأت طريق الجديدة أنوارها، لكن أعداد المسلحين كانت ضئيلة جداً قياساً بـ &laqascii117o;الحركة الليلية" التي شهدتها المنطقة منذ أكثر من عام. وجوه كثيرة اختفت. سلاح ثقيل حكي عنه لم يظهر. أرقام مسؤولين في تيار المستقبل مقفلة. العكاريون اختفوا بعد إذاعة أخبار سقوط مركز رأس النبع وغيره.
الغضب لإقالة الحريري لم يرق الى مستوى التوقعات
لم تكن هناك وجوه غريبة عن المنطقة. في طرقاتها، وقف محمود وخالد ووليد ومحمد، أولاد طريق الجديدة، فيما وقف أهلهم على الشرفات ينظرون باتجاه المداخل، ينتظرون عدواً يتوعده أبناؤهم بالثأر لكل المراكز التي أُحرقت، ولكل المناطق التي سقطت. يتخوف كبار السن من مجزرة إذا قرّر حزب الله الدخول الى طريق الجديدة. ينبلج الصباح، وطريق الجديدة تنتظر عدواً لم يأت.
بس يكبر سعد
عاد سعد الحريري من اتفاق الدوحة بخارطة طريق توصله الى رئاسة الحكومة. اعتقد موالوه من ساسة وإعلاميين وقواعد أمنية وشعبية أن رئاسة الحكومة ستعيد ثقة طريق الجديدة بتيار المستقبل. المنطقة شهدت أحد أصعب أيامها على الإطلاق يوم سلمت مراكز الأمن التي كان تيار المستقبل قد أنشأها، ليس حباً بطاولات &laqascii117o;الطرنيب" طبعاً، ولا بالصور الضخمة وطبعات &laqascii117o;فهود طريق الجديدة"، ولا أسفاً على الشبان العكاريين الذين اختفوا بين من سلّم نفسه للجيش ومن قفل عائداً الى بلدته في الشمال. كان يكفي، بعد أيام قليلة من 7 ايار، أن ينظر المرء الى دموع شبان يتجاوزون الثلاثين من عمرهم وهم يشتمون سعد الحريري وتياره. يشتمون من أشعرهم بالضعف وهم ليسوا كذلك، وبالعجز وهم اعتقدوا أن لحمتهم كانت تكفيهم. كانوا يشتمون من فرض عليهم هزيمة في معركة لم يخوضوها.
كل الإنجازات التي جرب تيار المستقبل أن يحققها في الأيام اللاحقة، من انتخابات عام 2009 النيابية، أو تأمين حشد لائق لذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط، قامت تحت تأثير 7 أيار وإحساس سكان المنطقة بالعجز الذي خلّفته سياسات المستقبل وزعيمه. لذلك لم يسمع الحريري أصوات المفرقعات النارية حين كلف بتأليف الحكومة بعد نجاحه في الانتخابات النيابية، على عكس ما ناله سلفه السنيورة حين تفرد بالحكم. ولم يهتز حين أُقصي إلا بضعة فتية خرجوا من الزواريب الضيقة ليشعلوا إطارات غضب مكبوت في وجه قوى 8 آذار، لا غضب محبّ لتيار المستقبل.
ظن البعض أن قوة تيار المستقبل هناك مستمدة من ولاء سكان المنطقة لسعد الحريري، لكن قوة تيار المستقبل الحقيقية هناك هي &laqascii117o;غضب الأهالي" من 7 أيار. كبير جداً هو ذاك الإحساس الذي ولّدته تلك الأحداث في نفوس وليد وخالد ومحمد وغيرهم.
وُسمَت فترة 1990 ـــــ 2005 بـ &laqascii117o;الإحباط الماروني"، لكن، منذ عام 2005 ولغاية الآن، هي فترة إحباط طريق الجديدة، التي فقدت رفيق الحريري، ثم دخلت تجارب ابنه لتتلقى النكسة تلو الأخرى.
المشاريع الإنمائية انعدمت كلياً مع الحريري الابن. فمنذ بُنيت المدرسة الرسمية أمام سوق صبرا أيام رفيق الحريري، لم تشهد المنطقة ضربة مسمار. شحّت الإعاشات. تقلص دور السلاح الذي بيع معظمه من كبار أزلام قريطم في المنطقة. البطالة الى ازدياد، والفقر يتمدد من الأحياء الفقيرة الى الساحات العامة. الحركة التجارية في الملعب البلدي ومحيطه تعاني كثيراً &laqascii117o;القطيعة" التي نشأت بين طريق الجديدة والضاحية.
زعامة آل الحريري لتلك المنطقة اليوم ليست نتيجة الحنكة السياسية لسعد الحريري بالطبع، ولا بفضل الإعاشات ومشاريع الإنماء، ولا بفعل تلفزيون &laqascii117o;المستقبل"، الذي لا يزورها الا في الانتخابات أو في أي حدث أمني. اختارت طريق الجديدة أن توالي الحريري الابن من باب &laqascii117o;النكاية" فقط. ومتابعة أخبار الشيخ سعد ثانوية جداً، فالتعليقات على خطاباته تكاد لا تذكر، أمام سيل الشتائم والردود على أي خطاب لميشال عون أو نبيه بري أو حسن نصر الله.
أمام المدينة الرياضية كُتب على جدران موقف الجامعة العربية من الناحية الغربية: &laqascii117o;اخرس يا عون"، الى جانب كلمة &laqascii117o;يا عمر"، وبالطبع &laqascii117o;الله، حريري، طريق الجديدة". كتبة هذه الشعارات ليسوا من تيار المستقبل، ولا هم فهود خرجوا للذود عن عرين ما. هم فتية ممن شعروا بالقهر في أيار الشهير، تماماً مثل الذين رفعوا لافتات تأييد للمتهم بالعمالة لإسرائيل طارق الربعة في ساحة الملعب البلدي، رداً على دفاع العونيين عن فايز كرم.
بالنسبة إلى سكان طريق الجديدة، سعد الحريري هو ابن رفيق الحريري. أحبوه لهذا السبب قبل كل شيء، كأنهم عاهدوا أباه بمناصرته، يسعدون لسماعه كأنه ربيبهم، أو المراهق الذي يطمئنون في كل فترة على أخباره، على أمل أن يتحسن أداؤه السياسي قليلاً. ينتظرون هفواته في الخطابة، فيسأل أحدهم الآخر: &laqascii117o;شو اليوم أحسن ما هيك؟ ما غلّط كتير".
بعد بث حلقات &laqascii117o;الحقيقة ـــــ ليكس"، جلس سبعيني من طريق الجديدة في أحد المقاهي أمام رجل يصغره بعقد، سبق له أن عمل مع رفيق الحريري خلال مواجهة الحملة التي تعرض لها قبيل انتخابات عام 2000. ووسط دخان النرجيلة، ونظرات الخيبة مما سمعاه عن لسان &laqascii117o;زعيم السنّة" بادر العجوز بسؤال رفيقه: &laqascii117o;ألا تظن أن هذا الشاب أساء إلى أكبر سلطة سنية بالبلد؟". وسرعان ما أجابه الرجل، بابتسامة الخبير ببواطن الأمور: &laqascii117o;ولو يا حج. هاي حرب عليه متل ما عملوا بأبوه. طيب الله يرحمه لا كان متعامل مع أميركا، ولا استعان بأوروبا، وما كان عنده محكمة دولية، وما حمل حدا معو سلاح، وركض من هون لهون كرامة حزب الله بنيسان، وما حط إيدو بإيد جعجع. وبتتذكر كيف طلّعوه صهيوني وما خلو فيه كلمة؟... طيب ما هيي هيي... القصة ممنوع ترفع راسك وبس".
هكذا تبرر طريق الجديدة للرئيس الشاب أخطاءه وتمضي أيامها بانتظار أن يكبر سعد، أن يشبه أباه، من دون أن يطفئ أحد النار التي أشعلها في صدور أبنائها وشبابها، التي يتدفأ منها المنتفع و&laqascii117o;الأمني" والكثير من مسعري المذهبية هناك، من لحى تجوب شوارعها ليلاً من دون أي تأثير يذكر، مستنيرة بكراهية خلفتها الأيام الخوالي.
كل قلوب طريق الجديدة اليوم تشبه جدران &laqascii117o;حي الجزار". هي زرقاء تماماً. هذا الحي يحكي قصتها كل يوم. عشرات الشبان العاطلين من العمل، ومئات الأسر التي تكد ليلاً ونهاراً للحصول على قوت يومها. طرقاته محفرة وأنابيب الصرف الصحي لها أكثر من مكان للتصريف على الإسفلت. في الحي الناس &laqascii117o;الطيبين". وفيه &laqascii117o;المشكلجي" و&laqascii117o;السلفي"، وفيه السلاح، وفيه ما لا عين دولة رأت، ولا أذن أمن داخلي سمعت.
&laqascii117o;أم عماد" حاجة تخطت حاجز الثمانين من العمر، وما زال منزلها القديم الأرضي يطل على المارة مباشرة من شرفة تتساقط فيها قشور البويا على &laqascii117o;درابزين" يطليه ابنها الصغير سنوياً باللون الأزرق، منذ اغتيال رفيق الحريري. واكبت أم عماد ثورة 1958. وجيرانها في الحي يروون كيف كادت تشج رأسها بجرة غاز حين سمعت خبر وفاة عبد الناصر، وآخرون يروون كيف رقصت الدبكة الفلسطينية وهي ترفع بندقية &laqascii117o;كلاشنيكوف". يتحدث البعض أنه إبان حرب التحرير العونية كان الجيران يلجأون إلى منزلها الأرضي فتشغل البنات منهم بتحريك المفتقة، وعند سقوط القذائف كانت تهدئ خوفهم بالقول: &laqascii117o;إن شاء الله بيقبروا بعضهم، بس بعيد عن طريق الجديدة". أم عماد قالت بعد تحرير الجنوب إنها اشتمت في السيد حسن نصر الله رائحة جمال عبد الناصر، وهي اضطرت إلى أخذ حبوب الضغط والسكري بإيقاع أسرع عند اغتيال الحريري.
تواظب أم عماد على جلب تلك الأدوية من أحد مستوصفات الحريري بأسعار رمزية، وقد بسطت أرضية &laqascii117o;التتخيتة" عندها بعلب كرتون كتب عليها &laqascii117o;رفيق الحريري"، وضعت فوقها الزيت وما لا يزال يصلح من المعلبات والزيوت من صناديق الإعاشة. في حرب تموز، أرسلت &laqascii117o;بقجة" فيها بعض المكسرات إلى أولاد نازحين كانوا قد لجأوا الى المدرسة الرسمية بمحاذاة بيتها، وما انفكت تقول لابنها حينها: &laqascii117o;قوم عيب... هول الولاد ما خصهن... السياسة شي بس هلق إسرائيل بالدق. ما تخلط شعبان برمضان".
أثناء أحداث الجامعة العربية، شاهدت شباناً يهرولون باتجاه المدينة الرياضية، فسألت أحدهم: &laqascii117o;لوين يا خالتي... لك شو في؟"، فأجابها: &laqascii117o;أمل و حزب الله عم بيرموا علينا أحجار. معقول هلق صرنا يهود؟". بثوبها الأبيض الذي احتفظت به منذ حجتها الأخيرة قبل أكثر من 15 عاماً (على نفقة رفيق الحريري)، وباليدين اللتين ترك عليهما قفل حنفية خزان المياه المهترئ العديد من الجروح الصغيرة، وقفت أم عماد صارخة: &laqascii117o;حجر؟ حجر ع طريق الجديدة؟ لشو الحجر. وحق الله عيب. من منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر".
بدنا صورة &laqascii117o;هوي وعابس"
عاشت طريق الجديدة مرحلة تبدل في شعاراتها وصورها. جدرانها تلونت بوجوه رجالات وزعماء تناقضت مشاريعهم السياسية، الا ان الولاء لزعيمين تاريخيين كجمال عبد الناصر ثم ابو عمار حاز على القدر الاكبر من عمرها. فلعبد الناصر صوره وشعارته ابان فترة حكمه حيث كانت عبارتا &laqascii117o;وحدة عربية اشتراكية" و&laqascii117o;ارفع راسك يا اخي فقد مضى عهد الاستعمار" هما عنوان يافطات المنطقة، قبل ان تستقر منظمة التحرير فيها بمكاتبها الرئيسية وترتفع رايات فتح تحت شعار &laqascii117o;ثورة حتى النصر"، ليأتي دور المرابطون وتختم جدارنها بعبارة &laqascii117o;ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة".
مع ظهور الحريرية السياسية تبدلت لهجة &laqascii117o;التحدي". فالثورة اصبحت &laqascii117o;لعيونك"، والزعيم العربي اصبح زعيما سنيا و&laqascii117o;بمون"، و ما أُخذ بالقوة اصبح تحت &laqascii117o;السما الزرقا". لكن طريق الجديدة لم تعد تكتب شعارات يرفعها رجالات سياسة، بل اختارت ان تهدي سعد الحريري الولاء بلسان &laqascii117o;اهل المنطقة" كما يدون اسفل كل يافطة، واهل المنطقة هؤلاء باتوا يستيقظون فجاءة على يافطات &laqascii117o;وقعوها".
قبل يوم من ذكرى الرابع عشر من اذار من العام الحالي، قام بضعة شبان بتجهيز صور ويافطات ولاء لسعد الحريري. ارتفعت صورته ضاحكا على احدى الاعمدة ، قبل ان يصرخ خمسيني فيهم: &laqascii117o;يا خيي ما في هيبة هوي وعم بيضحك... بدنا وحدة عابس فيها".
الحماية من &laqascii117o;الروافض"
كانت أيام معدودة قد انقضت على أحداث الجامعة العربية عندما كانت الحاجة أم فؤاد، في حيّ أبو سهل، تهم بدخول المصعد في المبنى الذي تقيم فيه. سمعت صوتاً يناديها بلكنة غريبة عن طريق الجديدة: &laqascii117o;حاجّة. حاجّة. الله يرضى عليكي بس لحظة".
كان شاباً حليق الشاربين، وقد أرخى لحية طويلة. تابع حديثه: &laqascii117o;الله يطول عمرك. ممنون. أنا طالع ع السطح بالإذن منك".
نظرت العجوز الى الشاب نظرة غريبة. دفعها فضولها، هي التي تقيم منذ 30 عاماً في هذه المنطقة، الى سؤاله: &laqascii117o;يا ابني انت مش من هون... ولهجتك طرابلسية".
ابتسم الشاب بخجل، وقال: &laqascii117o;صحيح. يطوّل عمرك. نحنا ولاد الشيخ الرفاعي وأنصاره. نحن معكن أهل سنّة وجماعة. نزلنا من عكار لنحمي بيروت من الروافض".
أجابته الحاجة: &laqascii117o;روافض؟ مين هول...؟"، فقاطعها: &laqascii117o;ولو يا حاجة... الروافض، يعني الذين يشتمون ويلعنون سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان".


- 'السفير'
تعقيباً على وثيقتي الأزهر: أين فلسطين؟
نصري الصايغ:

I ـ الأزهر يتكلم مثلنا
هذا حلم جميل. الأزهر يتكلم مثلنا تقريباً. هذا حلم أنجزته الثورة الديموقراطية العربية، عندما أسقطت الاستبداد والطغاة في تونس ومصر وليبيا، فحررت المؤسسة الدينية العريقة، من الفقه الخشبي، والتبعية الجبانة للسلطة.
لولا شباب مصر وتونس وليبيا، وأشقاؤهم في ميادين المواجهة الدامية، لظلت المؤسسات الدينية، ظلاً للمؤسسات السياسية المنحرفة، وخدماً للتسلط الفاجر، خائفة على نفسها من بلطجية الإعلام والأمن الذي تربى على لعق نعال السلطة.
لثورة أعادت للدين حلته الإنسانية، وفتحت للفكر رحابة النظر والتفكر والمتابعة والابداع، اجتهاداً وتحليلاً وإبداعاً، وضخت في عروق، كان الظن ينبئ بتصلبها، جرأة لا مثيل لها.
هذا حلم جميل. الأزهر يتكلم مثلنا تقريباً. اقترب من الحداثة الجديدة. صار ينظر إلى الأمور برحابة ليبرالية، منفلتة من التزمت، متحررة من التعصب، منفتحة على التجديد. لغتها، حتى في تركيبها، حداثية مطعمة بآيات تؤيد إنسانيتها وتفوقها القيمي.
كان الدين، قبل الوثيقتين في غربتين اثنتين: غربة السلطة الفاجرة، وغربة السلفية المتحجرة. الشباب حرروا الأزهر، وقربوه من الجوهر، وأبعدوه عن الشكلانية المفرطة. أعادوه إلى استلهام روّاده المجددين، ممن استلهمهم في كتابة وثيقته، &laqascii117o;حسن العطار، رفاعة الطهطاوي، محمد عبده وتلاميذه، والمراغي، وسواهم من المجددين الرواد. إضافة &laqascii117o;إلى كبار المثقفين المصريين الذين شكلوا العقل العربي الحديث في الفلسفة والقانون والأدب والفنون والمعارف".

II ـ المبادئ الحديثة بقراءات جديدة

عندما أعلن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب &laqascii117o;الوثيقة المصرية" الأولى، أشار في المقدمة إلى ان الوثيقة نتاج جلسات حوار شارك فيها الإمام بذاته وعدد من المثقفين والمفكرين، &laqascii117o;على اختلاف انتماءاتهم الدينية". ولم يوضح ما إذا كان بين المثقفين والمفكرين المشاركين في الإعداد، أقباط مسيحيون.
أكدت الوثيقة على مبادئ أساسية في غاية الوضوح.
أـ تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديموقراطية الحديثة. يضمن نظام الحكم فيها الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قاعدة المساواة.
ب ـ اعتماد النظام الديموقراطي الحر القائم على الانتخاب الحر المباشر.
ج ـ الالتزام بالحريات الأساسية.
د ـ احترام حقوق الإنسان والمرأة والطفل.
هـ ـ اعتبار المواطنة قاعدة للانتماء وعدم التمييز على أساس الدين أو النوع أو الجنس.
و ـ تجنب التخوين والتكفير، وتأثيم استغلال الدين واستخدامه لبث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين، واعتبار التمييز الديني والنزعات الطائفية والعنصرية جريمة في حق الوطن.
لقد تأسس كل ذلك، في لحظة تاريخية خارقة مرت بها مصر بعد ثورة 25 يناير التي هدفت وفق الوثيقة الى: &laqascii117o;حرية الشعب وكرامته والمساواة والعدالة الاجتماعية".
غير أن التباسات عديدة لا تزال تشوب مسائل سياسية ودستورية وشرعية، هي مثار اختلاف ونزاع، وهي لا تستجيب لمبدأ المساواة، ركيزة المواطنة وأساس العدالة وقاعدة الكرامة.

III ـ مصر، بلد إسلامي... ماذا نفعل بالأقباط؟

جاء في نص الوثيقة ما يلي: الأزهر &laqascii117o;منارة هادية يستضاء بها ويحتكم إليها (بماذا؟ في الدين أم في السياسة أم في التشريع؟) في تحديد علاقة الدولة بالدين وبيان أسس السياسة الشرعية الصحيحة التي ينبغي انتهاجها، ارتكازاً على خبرته المتراكمة وتاريخه العلمي والثقافي الذي ارتكز على: ... بعد فقهي، طبقاً لمذهب أهل السنة والجماعة الذي يجمع بين العقل والنقل. (أين فقه أهل الشيعة؟ أليس فقها غنيا ومختلفا؟).
هل الأزهر هنا، مرجعية مستقلة عن المرجعية الدستورية؟ من يحتل المرتبة الأولى، الشرع، وفق المنظور الأزهري، أم القانون الوضفي، وفق منطق الديموقراطية، التي يتم عبر مؤسساتها فقط، إنتاج الاقتراحات وسن القوانين. ما حرية المشترع في ظل هذا الفهم وما مدى استقلاليته عن الفقه الشرعي الأزهري؟
المسألة مسألة مبدأ.
ماذا لو أن النص السالف، صدر عن الكنيسة القبطية؟
هل سيكون ذلك مقبولاً؟ بالطبع لا. لأن مرجعية كل مؤسسة دينــية هو دينها لا دين غيرها. والمرجعية التشريعية للمجــتمع برمته وليــس لمسلمين من جهة ومسيحـيين أقبــاط من جهة ثانـية، يلزم أن تكون المجتمع بكامله، والمؤلف من مواطنين، يدينون بدين الإسلام ومواطنين متساوين يدينون بالمسيحية.
إن إعطاء أفضلية إسلامية في مجتمع متعدد ستقود إلى التمييز، وهو مدان وفق نص الوثيقة.
لقد أعطى الأزهر لنفسه الحق في &laqascii117o;تحديد المبادئ الحاكمة لفهم علاقة الإسلام بالدولة (...) في إطار استراتيجية توافقية ترسم شكل الدولة العصرية ونظام الحكم فيها (تحول ديموقراطي، عدالة اجتماعية، إنتاج المعرفة والعلم، توفير الرخاء. الحفاظ على القيم الروحية والإنسانية) حماية للمبادئ الإسلامية التي استقرت في وعي الأمة (...) وصوناً لها من استغلال مختلف التيارات المنحرفة بعيدة عن نهج الاعتدال والوسطية". وقد أفضى مثل هذا التحديد للمبادئ، &laqascii117o;التوافق على تحديد طبيعة المرجعية الإسلامية (...) بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب، بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح. من يحدد هذا المفهوم؟ من يفتي بصحته؟ من هو صاحب العصمة؟ أليس هذا احتكاراً واستئثاراً؟ أليست الجماعة هي صاحبة القرار، عندما تمارس حقها في الانتخاب بحرية؟ أليست هي المرجعية؟ مرجعية الأمة ليست نصوصها بل شعوبها.
وتضيف الوثيقة بأن الإسلام في تشريعاته وحضارته لم يعرف الدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت على الناس. غير ان الوثيقة تستدرك عندما تقرر أن &laqascii117o;الإسلام ترك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، شريطة ان تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية، هي المصدر الأساسي للتشريع". على أن يكون مضمونا التشريع في قضايا الأحوال الشخصية فقط لأتباع الديانات الأخرى.
أن مبادئ الشريعة الإسلامية، مصدر للتشريع العام للدولة والمجتمع، ومصدر تشريع للخاص بما له علاقة بالأحوال الشخصية. أما مبادئ المسيحية، فهي مصدر تشريع خاص. وليس في ذلك مساواة.
أما القول بأن تاريخ الإسلام لم يعرف دولة دينية كهنوتية، فهذا صحيح. إنما، من قال ان الدولة الدينية لها شكل واحد، هو شكل الكهنوت؟، فالدولة قد تكون دينية في التشريع، أو في السلطة، أو في الانتماء، أو في أكثر الوجوه حساسية: جهاداً وسلماً.

IV ـ الدين في بطن السياسة.. يفسد

الدولة، لا دين لها. لا في الإسلام النصي ولا في المسيــحية. وبرغـم ذلك الانتفاء، كانت الدولة أحيانا إسلامية وأحيانا مسيحية. وقد جنت على نفسها وعلى الدين، عندما يدخل الدين السياسة، يتحوّل إلى سلعة سيئة السمعة. مثله، مثل المبادئ السياسية التي أنتجتها عقائد وفلسفات ذات طبيعة أحادية.
عندما يحشر الدين نفسه في بطن السياسة يفسد. ويضطر المتعاطون معه، بما في السياسة من منزلقات ومنعطفات ومفاجآت ومغامرات ومصالح وفساد، إلى استغلال الدين، وشهر سيف التكفير والتخوين والعزل. تاريخ الدول الدينية، ملوث بالدماء والفساد والإفساد.
وتحاول الوثيقة، لتبرئة الذات من البدع، أن تعيد كل تجــديد ورد فيها، إلى السلف الصالح. فالديموقراطية والانتخاب تعود إلى نظام البيــعة والشورى، في العهد الراشدي. علماً أن الخلفاء الراشدين جاؤوا الخلافة بطرق مختـلفة غير متشابهة، لا هي بيعة انتخاب ولا اقتراع. ووفق ما جــاء في قرارة الشيخ عبد الله العلايلي للخلافة الراشـدة، فإن استخلاف أبي بكر، في السـقيفة، والذي جاء بعد شحنـاء كادت تتطور إلى فتنة دامية، تمت عنوة وبالقوة، لفقدان النص الديني لما يمت لهذا الموقع بحرف. وحصلت خـلافة عـمر بالتعيين، وتنبه عمر لضرورة تأمين الخلافة بعده عبر الانتخاب &laqascii117o;الأرستقراطي"، أما خلافة علي بن أبي طالب فقد تمت على الطريقة اليونانية: البيعة الشعبية المباشرة.
ان التجديد لا يفترض دائما لي ذراع التاريخ، لتأصيل الحديث وتبرير القبول به. فالوقائع كالآيات. والمجتمع يوحي، والعقل يكتشف. ولا يضير الدين ان يضاف إليه. ان تناول النص الديني اتباعاً أو امتثالاً اوحياة، هو إضافة. النص الديني وحده عاقر. يولد معناه من خلال العقل ومن خلال الممارسة، فلماذا لا يفك أسر الآيات من جمودها النصي وتعاد إلى رحابة التاريخ الذي عايشها بطرق مختلفة وشديدة التمايز؟
هذا كلام قليل، عن موضوع جليل، لا بد من فتحه للنقاش مراراً. والاستفادة من رحابة الأزهر ورجالاته، خاصة أن شبح التكفير، قد انزاح، بعد معاناة مديدة، مع أي رأي مختلف.

V ـ أين فلسطين؟

البيان الثاني للأزهر، تخطى مصر، لوضع قواعد ومبادئ وتــبيان مواقف الأزهر من الثورات العربية. لا شك بأن في الوثيقة ما يشبه لاهوت التحرير. وكملاحظة أولى، نشير إلى أن وجـوه الشــبه في الديانات ليست نصوصــها فــقط، بل كيفية قراءتها. فهناك قراءات سلفية لدى الاثنين، وقراءات وسطية أو متطرفة أو متحررة.
الكنيسة الكاثوليكية تحــررت بعدـما هزمت. نـجت من مآلاتـها النـهائية، بعدما خسرت معاركها في السياسة والسلطة. كانت كلما خـسرت في مواقـع ليست أرضا صالحة لها، تكـسب في مدياتها الصالحة لانتشارها. والأزهر الكلاسيـكي والأزهـر التـبعي هزم، حـررته الثـورة الديمـوقراطية. &laqascii117o;وحيه الجديد"، جاءت آياته البينات، من خلال إعجـاز قاطع: الشعب يريد إسقاط النظام. يريد الحرية. يريد العدالة. يريد الخبز. يريد الكـرامة. يريد حقوق الإنسان. ولما أتم الشباب صنع المعجزة، حضر الجميع إلى وليمة الحرية... ومنها الأزهر.
بيان الأزهر التحريري أكد على ان شرعية السلطة الحاكمة تعتمد &laqascii117o;على رضا الشعوب واختيارها الحر، من خلال اقتراع علني... فالأمة مصدر السلطات ومانحة الشرعية وسالبتها عند الضرورة"... والمعارضة حق أصـيل للشعوب لتقويم الحكام وترشيدهم وهؤلاء لا يعدون من قبيل البـغاة. &laqascii117o;انما البـغاة هم الذين تحددت أوصافهم فقهياً بامتلاك الشـوكة والانعزال عن الأمة ورفـع الأسلـحة في وجه مخالفيهم والإفساد بالأرض بالقوة". المعارضة هي من صميم حقوق الإنسان في الإسلام. وعليه: لا شرعية للاستـبداد، &laqascii117o;ومن حق الشـعوب المقـهورة أن تعمل على عزل الحكام المتسلـطين وعلى محاسبتهم، بل تغيير النظـام بأكمله، مهما كانت المعاذير من حرص على الاستقرار أو مواجهة الفتن والمؤامـرات. فانتـهاك حرمة الدم المعصوم هو الخط الفاصل بين شرعية الحكم وسقوطه في الإثم والعدوان".
مانيفستو ثوري بالوسائل السلمية، يضع الأزهر ثقله المعنوي لمناصرة الثورة &laqascii117o;التي انتصرت في تونس ومصر وليبيا ولا تزال محتدمة في سوريا واليمن" (لماذا تم إسقاط البحرين؟ ليست المسألة سهواً ابداً. هذا موقف منحاز غير جائز أبداً) فالاستبداد في البحرين أخ بالرضاعة والقتل والنهب والسلب، لغيره من أنظمة الاستبداد.
ان هذا الانحياز مفهوم بالسياسة، ولكنه غير مبرر بالثقافة والشرعية الدينية. فالظلم المتشابه مدان، والثورة عليه مباركة. فلماذا الاستثناء؟ هل هذا تبرير لخلو الوثيقة الثورية من أي كلمة من أنظمة استبداد مشرشة في المنطقة وتحديداً في دول الخليج السنية، سلطة وسياسة وتحالفاً؟
من حق الأنظمة أن تختار الثورة التي تناسبها لتحصن نفسها من ثورة ما قادمة. انما، ليس من حق الأزهر ان يسقط ثورة بكل معنى الكلمة، تنطبق عليها مواصفات النص في الوثيقة، وان يوفر نظاماً طاغياً ومستبداً، تنطبق عليه الشروط الشرعية للثورة عليه.
جاء في الوثيقة الأولى، في الفقرة الخامسة، &laqascii117o;الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية". هذا أمر مفهوم في السياسة، أما في الدين والثقافة، فهذا موضع التباس.
الخشية أن يكون المطلوب من هذا الموقف، العبور إلى الاعتراف الدولي، بإسلام وسطي وسلفي ليبرالي، ينتشر في البلاد العربية، ويحكم فيها، عبر الانتخاب الحر، وتكون أميركا راضية عنه، ومباركاً من أوروبا.
لماذا إذاً غابت فلسطين؟.
انها تتعرض لاحتلال واستيطان وقمع وسجن وسحل وحرب وعدوان، وشعبها ضحية الضحايا، وهو معلق على صليبه منذ وعد بلفور وقرار التقسيم. ألا يستحق من وثيقة الأزهر موقفا حاسماً. يتخطى الاعتبارات السياسية المحلية والإقليمية والدولية؟
إن تغييب فلسطين شبهة. ان عدم ذكرها إلغاء لها وفقدان لبوصلة الثورة. نتمنى وثيقة ازهرية مختصة بفلسطين وشعبها. لدينا في لبنان وثيقة ممهورة بالدم. هي وثيقة المقاومة المكتوبة بنص من دماء لبنانيين وفلسطينيين، قوميين ويساريين وعلمانيين وإسلاميين. ألا تحتاج مصر إلى وثيقة تعيد فلسطين إلى العروبة، بعدما نبذتها واضطهدتها أكثرية أنظمة الاستبداد؟
لقد جنح الأزهر إلى الثورة، وهذا أمر مبارك، فمتى يجنح إلى فلسطين والمقاومة؟ المسألة ليست للإحراج، الثورة ضد الاستبداد تستكمل بالمقاومة ضد الاحتلال. لا يجوز التخلف عن واحدة، ولا بد من عقد قران ثقافي وسياسي بين الثورة والمقاومة.


- 'السفير'

لحظة الحقيقة في سوريا
جيمس زغبي:

عندما علّقت الجامعة العربية عضوية ليبيا ومررت قراراً يدعم فرض منطقة حظر جوي عليها قبل أشهر، بدا أن الأمر يتعلق بحالة خاصة وفريدة من نوعها لن تتكرر. ذلك أن القذافي كان قد سعى على مدى عقود إلى تحويل نفسه إلى شخص منبوذ.
فهل يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى؟ هل من الممكن أن يتصرف زعيم عربي آخر على نحو سيئ إلى درجة يصبح معها عبئاً إقليميّاً وتهديداً للاستقرار في المنطقة؟ في ذلك الوقت، بدا الأمر مستبعداً، إذ لم يكن يبدو أن ثمة مرشحاً منطقيّاً من بين الزعماء العرب الحاليين.
بيد أن نتائج استطلاع حديث للرأي أفرج عنها المعهد العربي الأميركي هذا الأسبوع تشير إلى أن حكومة الأسد قد تكون في طريقها إلى تقلد هذا الدور باعتبارها النظام المعزول الجديد في المنطقة. قام استطلاع الرأي الذي أجري أواخر أيلول/سبتمبر وأوائل تشرين الأول/ أكتوبر باستطلاع آراء أكثر من 4 آلاف عربي في ستة بلدان هي المغرب ومصر ولبنان والأردن والسعودية والإمارات. وما يستخلص من نتائج هذا الاستطلاع هو إلى أي مدى أصبحت حكومة الأسد السورية معزولة ويُنظر إليها باستياء عبر العالم العربي. إنه تحول لافت! فقبل ثلاثة أعوام فقط، طلب استطلاع مماثل للرأي في البلدان الستة، أجري لحساب جامعة مريلاند، من المستجوَبين الإشارة إلى اسم زعيم، ليس من بلدهم، يكنون له أكبر قدر من التقدير والاحترام، فحصل الأسد حينها على أعلى عدد من النقاط مقارنة مع أي زعيم عربي آخر. وقد أتى هذا التحول على نحو دراماتيكي في استطلاعنا لهذا العام.
وفي ما يلي بعض مما استخلصناه. أولا وقبل كل شيء، وجدنا أن الأغلبية الساحقة من العرب، في الدول الست التي شملها استطلاع الرأي، يقفون إلى جانب السوريين الذين يتظاهرون ضد الحكومة (إذ يتراوح الدعم لهم ما بين 83 في المئة في المغرب و100 في المئة في الأردن). وعندما سئلوا حول ما إن كان الأسد يستطيع الاستمرار في الحكم، فإن أعلى المعدلات التي ردت بالإيجاب في البلدان الستة التي شملها الاستطلاع لم تتعد 15 في المئة في المغرب و14 في المئة في مصر، في حين أن المعدلات الأخرى متدنية ولا تتجاوز الرقمين.
ولعل الأكثر دلالة وتعبيراً هو الدعم الضئيل الذي يحظى به الزعيم السوري في لبنان.
وهناك ملاحظات مهمة أخرى تُستخلص من هذه النتائج، وفي مقدمتها حقيقة أن تدخلات تركيا في الموضوع السوري تحظى بدعم الأغلبية في كل بلد عربي حتى الآن. كما يُنظر إلى دور السعودية إيجابا في كل بلد ما عدا لبنان. أما البلد الذي حصل على أدنى معدل عبر المنطقة بخصوص دوره في سوريا، فهو الولايات المتحدة (تليها إيران مباشرة).
ان سوريا ليست ليبيا، وذلك على رغم السلوك العنيف للنظام وعزلته الإقليمية المتزايدة. إنها ليست ساحة حيث يمكن لـ&laqascii117o;الناتو" أن يتدخل، لأن مثل هذا التدخل لن يؤدي إلا إلى خلق مزيد من التوترات، وربما الحروب خارج حدود سوريا.
ان أكثر ما يبعث على القلق اليوم هو الخوف من تصاعد النزاع وتحوله، في ظل لجوء منشقين عن الجيش السوري ومعارضين محتجين آخرين إلى العنف، إلى حرب أهلية شاملة يمكن أن تؤدي إلى تضاعف حصيلة القتلى الحالية بعشرات المرات أو أكثر. فالعواقب قد تكون وخيمة، ليس بالنسبة لسوريا فحسب، بل بالنسبة للمنطقة برمّتها.
ومما لا شك فيه أن مبادرة الجامعة العربية، والجهود الإقليمية الرامية إلى إنهاء إراقة الدماء والقمع، وبدء مفاوضات جدية تفضي إلى عملية انتقالية تفتح الطريق أمام سوريا حرة وديموقراطية تحترم حقوق كل شعبها وتحميها، ينبغي أن تحظى بدعم دولي واسع.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد