قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الجمعة 4/11/2011

- 'الحياة'
هزيمة أميركا في العراق والمنطقة
باتريك سيل:

يبدو أنّ مغامرة أميركا في العراق التي دامت تسع سنوات تقترب من نهاية مهينة. فقد أعلن الرئيس باراك أوباما أنّ &laqascii117o;آخر جندي أميركي سيغادر حدود العراق" في 31 كانون الأول (ديسمبر). وسيتنفس عدد كبير من العراقيين الذين صمدوا في وجه كابوس العقد الماضي الصعداء إلا أنّ بلسمة جراح بلدهم المدمّر لن تكون مهمّة سريعة ولا سهلة.
كما يبدو أنّ الولايات المتحدة لن تنسحب بالكامل من العراق. فقد يبقى 16 ألف موظف أميركي من ديبلوماسيين وخبراء في وزارة الدفاع ومدربين عسكريين ومدربين للشرطة وعدد كبير من المقاولين، علماً بأنّه سيتمّ تسليح 5 آلاف منهم لحماية السفارة الأميركية. كما أنهم يشكّلون أهدافاً جاذبة لكافة أنواع المقاتلين المناهضين لأميركا.
وقد يكون حكم التاريخ على حرب أميركا في العراق قاسياً. لم تُمنَ الولايات المتحدة بهزيمة عسكرية فحسب بكلّ ما للكلمة من معنى، بل لم يعد ممكناً إصلاح الضرر الذي لحق بسمعتها وبمكانتها المعنوية وبتأثيرها السياسي. وقد تتطلّب إعادة تصويب الأمور جيلاً كاملاً.
سيتمّ اعتبار حرب العراق نقطة تحوّل في انحراف الولايات المتحدة عن موقعها الذي كان بارزاً في المجتمع الدولي. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، باتت الولايات المتحدة قوة عظمى في العالم لا يمكن تحدّيها. أما اليوم وبعد عشرين سنة، فيبدو أنها انحرفت عن مسارها. وينظر إليها أصدقاؤها المقرّبون بازدراء ويتساءلون ما الذي حلّ بها.
تمّ شنّ غزو العراق على أساس معلومات ملفّقة. كما تمّت إساءة إدارة الاحتلال فيما بدت التكاليف البشرية والمالية هائلة. لقد قُتل حوالى 4500 جندي أميركي في العراق وجُرح عشرات الآلاف. وقدّرت التكاليف التي تكبّدها دافعو الضرائب الأميركيين بأكثر من700 بليون دولار. ورأى عالم الاقتصاد جوزيف ستيغليتز أنّ التكلفة النهائية ستصل إلى 3 تريليون دولار. ويبلغ عدد الضحايا العراقيين الذين سقطوا نتيجة الأعمال الحربية الأميركية مئات الآلاف فيما نزح بين أربعة إلى خمسة ملايين شخص أو أجبروا على الانتقال إلى الخارج كلاجئين. وقد يستغرق إصلاح الضرر المادي الذي لحق بالبلد بما فيه صناعة النفط عقوداً.
أطلقت حرب أميركا الغرائز الطائفية في العراق وتسبّبت بحرب أهلية بين الشيعة والسنّة. وساهم ذلك في تأجيج حدّة التوترات بين الطرفين وبين المتعاطفين معهما في بلدان مجاورة مثل سورية ولبنان والبحرين واليمن. ويبدو العراق الذي كان بلداً قوياً وموحّداً، ضعيفاً وتحوّل إلى بلد وحدته الداخلية هشة. لقد تحرّر الأكراد وباتوا يحظون بشبه استقلال في ظلّ حكومتهم الإقليمية الخاصة فيما هدّد العرب السنّة الذين غضبوا من التمييز العنصري الذي يتعرضون له على يد رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي بالانفصال في إقليم في الشمال يقع بالقرب من مدينة إربيل.
وكان من النتائج غير المقصودة للحرب الأميركية في العراق وصول الشيعة إلى السلطة في بغداد وفتح الباب أمام النفوذ الإيراني. وفي منطقة الخليج حوّل تدمير العراق توازن السلطة الإقليمي لمصلحة إيران. وبلغ الخلاف السعودي - الإيراني أوجه، فيما العلاقات بين المملكة العربية السعودية والعراق في هذه الفترة تقترب من القطيعة.

وبهدف تقليص حدّة التوترات اقترح رئيس وزراء قطر ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم الذي يعدّ وسيطاً بارزاً في النزاعات الإقليمية أن تُجري السعودية وإيران محادثات حول الاتهامات الأميركية المتعلّقة بالمؤامرة الإيرانية لاغتيال السفير السعودي في واشنطن. ويعلّق عدد قليل من الخبراء أهمية على الاتهامات الأميركية التي ساهمت في الإخلال باستقرار منطقة هشة أصلاً. وبدت التكاليف الجيوسياسية للحرب العراقية باهظة جداً.
أما العنصر المفاجئ الآخر في المغامرة العراقية فهو أنّ الولايات المتحدة لم تبذل جهوداً لمعرفة هوية المسؤول عن الكارثة. ولم يتمّ تحميل أحد المسؤولية.
ويجب تحميل الرئيس الأسبق جورج بوش الابن ونائب رئيسه ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد المسؤولية الأساسية. فبعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001 التي نفذّها تنظيم &laqascii117o;القاعدة" على الأراضي الأميركية، بات دافعهم الرئيسي يقوم على تلقين العرب درساً لن ينسوه حول القوة الأميركية. وقد حلم تشيني ربما بتوسيع نطاق سيطرة أميركا على نفط العراق فيما حلم رامسفيلد بإقامة قواعد أميركية في العراق تمكّنه من السيطرة على المنطقة.
إلا أنّ المهندسين الأساسيين للحرب العراقية ليسوا بوش ولا زملاءه المقرّبين بل المحافظين الجدد مثل بول وولفوفيتز ودوغلاس فيث في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وديفيد وورمسر الذي يعمل في مكتب نائب الرئيس وريتشارد بيرل الرئيس التنفيذي لمجلس سياسات الدفاع وعدد آخر من الموظفين في الإدارة وفي منظمات الأبحاث اليمينية. وفي إطار السعي إلى تدمير العراق كان هدفهم الأساسي هو حماية إسرائيل من أيّ اعتداء محتمل من الشرق.
ونشرت مجموعة دراسة برئاسة بيرل تضمّ فيث ووورمسر ورقة استراتيجية حول بنيامين نتانياهو قبل توليه رئاسة الوزراء عندما كان زعيماً لتكتل الليكود. وحملت الورقة عنوان &laqascii117o;بداية جديدة: استراتيجية جديدة لأمن العالم". وأوصت أن يقوم الهدف الإسرائيلي الأساسي على الإطاحة بصدّام حسين. ومن ثمّ اضطلع المحافظون الجدد بمهمّة دفع أميركا إلى القيام بهذه المهمّة.
وتمّ تلفيق معلومات استخبارية تفيد بوجود أسلحة دمار شامل في العراق. وحرّضت الحملة الدعائية المدروسة الرأي العام الأميركي لمصلحة الحرب. وتمّ اجتياح العراق واحتلاله ومن ثمّ إضعافه. كما تمّت تلبية مصالح إسرائيل إلا أنّ التكاليف البشرية والمالية والسياسية بالنسبة إلى الولايات المتحدة كانت فوق العادة.
وحين وصل الرئيس باراك أوباما إلى السلطة، بدا عازماً على الإطاحة بإرث جورج بوش الابن وتقويض المحافظين الجدد الموالين لإسرائيل وتغيير مجرى الأمور. وشكّل الخطاب الذي ألقاه في القاهرة في شهر حزيران (يونيو) 2009 دعوة لإقامة صداقة مع العالم العربي والإسلامي وتعهّد بتقديم الدعم الأميركي للفلسطينيين. وفي بداية شهر أيلول (سبتمبر) 2010، عبّر عن أمله في قيام دولة فلسطينية مستقلة في غضون سنة.
إلا أنّ الضغوط التي مارستها إسرائيل وداعموها الأميركيون أجبرته على التراجع عن هذا الخطاب. وتوجّب عليه الإطاحة بسياساته الخاصة. لقد تخلّى عن الدور البارز الذي أدّته أميركا في عملية السلام التي أخفقت وهي تعارض حالياً قيام دولة فلسطينية. وسمح لحكومة إسرائيل اليمينية أن تملي السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. ويعدّ ذلك خطأ استراتيجياً فادحاً ذات أبعاد تاريخية.
أضرّ ذلك بسمعة أوباما وأدى إلى عزل الولايات المتحدة. وفي هذا الأسبوع، تحدّى 107 بلدان الولايات المتحدة وصوّتوا إلى جانب حصول فلسطين على عضوية منظمة اليونيسكو. فسارعت الولايات المتحدة إلى تعليق تمويلها للمنظمة. إلا أنّ الانصياع للمستوطنين الإسرائيليين المتشدّدين وطموحاتهم التوسعية سيسرّع انهيار النفوذ الأميركي الإقليمي وسيجعل إسرائيل أقل أمناً.
هل يمكن أن تغيّر أميركا مسارها؟ من غير المرجح حصول ذلك. ويتوقع البعض أنه في حال فوز الجمهوري ميت رومني بالانتخابات الرئاسية المقبلة فسيعود المحافظون الجدد الموالون لإسرائيل إلى السلطة في واشنطن. وسيكون هدفهم هذه المرّة إيران.


- 'السفير'

أنقرة وطهران.. سوريا هي القضية والمشكلة
حبيب فياض:

يخضع الموقفان التركي والإيراني من الأزمة السورية لمبدأ التضاد الذي يعني منطقياً، التساوي في القوة والتعارض في الاتجاه، من دون أن ينفي ذلك رغبة ضمنية لدى الجانبين في إبقاء هذا المبدأ حصرياً في الحالة السورية، ومنع مطاولته العلاقات الثنائية والقضايا الأخرى التي تجمع بينهما.
في العلاقات الثنائية، ينطلق الجانبان من مقاربة عقلانية ثابتة، تقوم على تجاوز التوترات والمضي في مسار &laqascii117o;طبيعي" يحفظ المصالح &laqascii117o;القدرية" المشتركة، في ظل موانع مزمنة تحول دون الارتقاء بهذا المسار من حالته الطبيعية نحو ما هو أكثر ايجابية، لكن من دون السماح لهذه الموانع بالتأثير على ثبات هذه العلاقات المحكومة بمحددات التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والدين والقومية.
وكما هما في العلاقات الثنائية، هما كذلك في الكثير من القضايا المشتركة الأخرى، إذ لا اعتراضات تركية على مشاريع إيران النووية، لأن أنقرة تدرك أن هذه المشاريع تقف عند حدود البرنامج السلمي، وأن عليها أن تحذو يوماً حذو الإيرانيين في هذا المجال، أولاَ باعتبار ذلك من موجبات التحول الى قوة عظمى في الإقليم، وثانياَ تحت وطأة الحاجة الداخلية إلى الطاقة.
في المسالة الكردية الانفصالية، ورغم التفاوت الكبير بين نسختيها التركية (حزب العمال الكردستاني) والإيرانية (حزب الحياة الحرة)، يحاول الجانبان تحييد هذه المسألة عن دائرة التجاذب بينهما، ويفسح كل منهما المجال للآخر في التعامل مع خصمه الكردي كيفما يشاء، انطلاقاً من وعي الخطورة المشتركة للنزعة الكردية الانفصالية عليهما. أما في القضية الفلسطينية فلا يسع طهران سوى التعامل بإيجابية مع تحول أنقره تجاه هذه القضية، رغم كل ما يقال من ان هدف هذا التحول هو إزاحة إيران عن قضية العرب والمسلمين الأولى. طريقة التعامل هذه تسحب نفسها على قضايا أخرى تهم الجانبين، من قبيل آسيا الوسطى، أفغانستان، العراق، لبنان، مشكلة أرمينيا وأذربيجان...
وحدها الأزمة السورية أخرجت العلاقات الإيرانية - التركية عن طورها الرتيب وأوجدت حلبة صراع بينهما، مستترة ومكشوفة في آن، على زعامة الإقليم، في ظل سعي الطرفين إلى الفوز بالضربة القاضية وليس بالنقاط، وفي ظل التزامهما بأصول اللعبة وعدم تضاربهما من خارج الحلبة على قاعدة الشاطر بشطارته.
تركيا، التي تريد التعملق إقليميا على أنقاض النظام السوري، تدرك اليوم أن مفاعيل بقاء هذا النظام تتجاوز الحد من تمددها الاقليمي الى مجاورة خصم يمتلك كل مبررات، وربما إمكانات، الانتقام. فيما إيران على يقين بأن إمساكها بناصية معظم الإقليم، خاصة بعد الانسحاب الأميركي من العراق، مرهون بقدرة نظام الأسد على الصمود. كل ذلك في ظل تكافؤ الفرص والأدوار أمام الجانبين في تحديد مسار الأزمة السورية، فعلى قدر ما تستطيع أنقرة إلحاق الضرر بسوريا تستطيع طهران دعمها والوقوف إلى جانبها. وعلى قدر ما تريد الأولى ذهاب الرئيس الأسد، ولو عن طريق التدخل العسكري الأطلسي، تتمسك الثانية بالدفاع عنه ولو كلفها ذلك حرباً إقليمية شاملة.
على ذلك، لا تعود الجبهة السورية المشرعة بين الأتراك والإيرانيين على مواجهة مفتوحة مجرد صراع بينهما على خلفية إسقاط هؤلاء لخصم ودعم أولئك لحليف، بل يتعدى ذلك إلى حرب نفوذ، على صعيد الإقليم برمته. هذا النفوذ الذي تريده طهران لمواصلة العمل على إخراج الأميركي من المنطقة، استكمالاَ لما كانت قد بدأته في العراق، وأيضاَ لمواصلة مشوار دعمها للقضية الفلسطينية من دون أن يكون في حساباتها استفزاز أنقرة أو إيجاد عداوات معها، فيما تريد أنقرة من هذا النفوذ دوراً إقليمياً يتناسب مع حجمها وتاريخها من دون أن تذهب بالضرورة إلى حد العداء لطهران.


- 'النهار'

بانوراما سياسية وأمنية للمخاوف من التأثيرات السورية على الوضع اللبناني..
واشنطن مطمئنة واستخبارات غربية تحذّر من احتمال حدوث اغتيالات
هيام القصيفي:

تتقاطع معلومات زوار واشنطن، مع ما نقله مسؤولون لبنانيون التقوا اخيرا موفدين اميركيين اتوا الى بيروت، عن حالة الاطمئنان التي تعكسها الادارة الاميركية حيال الوضع اللبناني. وتتفرد واشنطن' عن غيرها من عواصم القرار في اشاعة جو ارتياح الى عدم انعكاس الاحداث السورية على الساحة اللبنانية، مما اثار استغراب المسؤولين اللبنانيين، وبعضهم لم يبد ارتياحا مطلقا الى هذه التطمينات واسبابها، فيما لا يتحدث اي مسؤول لبناني الا عن الوضع السوري وتداعياته الخطرة.
وبحسب هؤلاء يتعامل الاميركيون مع الوضع الاقليمي وفق روزنامة اولوياتهم، المتعلقة اولا وآخرا بانسحاب جيشهم من العراق. وفي انتظار ترتيب آليات الانسحاب ، لم تضع واشنطن بعد السيناريو النهائي لما سيكون عليه الوضع بعد انهيار النظام السوري. فسقوط الرئيس بشار الاسد، الثابتة الوحيدة في خطاب الاميركيين، من دون اي استراتيجية واضحة يصرّحون بها لسائليهم عن مرحلة ما بعد الاسد. اما بالنسبة الى لبنان، فان ثمة تقاطعا بين المطلعين على الموقف الاميركي على ان واشنطن لا تعتقد ان ثمة طرفا لبنانيا يمكن ان يلجأ الى تفجير الوضع الداخلي، تحت اي ذريعة، وان الطرف المسلح والاكثر قدرة على توتير الوضع وتفجيره، لا مصلحة لديه اليوم في الذهاب بالوضع اللبناني الى حافة الانفجار، ولو انكسرت احدى حلقات الثلاثي طهران – دمشق – 'حزب الله'. وعلى رغم ان بعض المحاورين اللبنانيين تحدثوا عن ان الحزب حاليا يعيش صراع جناحين حول مستقبل الاحداث السورية وكيفية ترجمة الانهيار السوري على ارض لبنان، ثمة من يرجح بشدة طغيان الجناح العاقل في الحزب ورغبته في عدم الذهاب بعيدا في توتير الوضع وتفجيره، ما دامت الحوارات غير المباشرة اساسا بين طهران وواشنطن لا تزال مستمرة، ولم تقفل ابوابها بعد.
ولا ينكر الاطراف اللبنانيون في احاديثهم الداخلية ومع محدثيهم الغربيين ان ثمة استعدادات امنية من الحزب تطول مناطق جغرافية معينة، ومعروفة بتقاطعاتها الطائفية، الا ان التعويل على عقلانية الحزب يبقى متقدما. ويضاف اليه ان الطرف المعارض ثابت في قراره عدم المواجهة الميدانية مع اي جهة داخلية لان ثمة مصلحة وطنية عليا تقضي بتحييد البلد عن اي صراع داخلي مدمر، ولا مجال لاي استفزاز يستدرج اي طرف الى الشارع. وكذلك فإن قوى سياسية لا تزال تؤكد دور الجيش، على رغم بعض المآخذ والاصوات التي تتردد من حين الى آخر، لكنها تظل في اطار المسموح والاخذ والرد المحليين. وقد ظهر في بعض المحطات الاخيرة ان قضايا امنية عولجت بعيدا عن الاضواء (كما في ترشيش) وسحبت ذرائع التوترات الداخلية بعد اعتراف المعنيين بان اخطاء ارتكبت، فيما البعض الآخر قيد المعالجة كملف لاسا. وهذا ما حصل ايضا في موضوع الخروق السورية التي يعترف الجيش اللبناني باثنين منها في مناطق بقاعية - شمالية تشهد عادة عمليات تهريب، اضافة الى التشابكات الجغرافية. وبحسب المعلومات تعالج الخروق عبر لجنة الارتباط التي توجه الضابط اللبناني المسؤول فيها في الساعات الاخيرة الى دمشق لمتابعة الاتصالات المستمرة منذ اللحظات الاولى للتطورات على الحدود.
وهنا ايضا تكمن اهمية القرار الذي اتخذ بتجميد رخص السلاح كافة، على خطين بعدما تفاقمت الاحداث الامنية وعمليات التهريب التي يقوم بها اشخاص يحملون رخصا بالسلاح. والقرار الذي جاء بناء على توصية من قائد الجيش العماد جان قهوجي، يهدف الى حصر تداعيات السلاح المرخص له والمنتشر بكثافة، مع العلم ان اعطاء الرخص كان سابقا من صلاحية مديرية المخابرات لكنه بات في الاعوام الاخيرة من صلاحية وزير الدفاع.
سلة تحديات
وتبعا لذلك، فإن ارتباط الملف الداخلي بسوريا يطرح امام الاطراف اللبنانيين ولا سيما الذين لا يشاطرون الاميركيين رؤيتهم ، جملة تحديات تختصر بعدد من الاحداث والنقاط، وكل طرف من وجهة نظره.
 اولا، ان الاميركيين يتحدثون عن تطمينات، فيما اعطى احد اجهزة الاستخبارات الاوروبية معلومات لجهاز امني لبناني عن احتمال حدوث اغتيالات. وتصل الى اجهزة امنية كمية من المعلومات من مصادر مختلفة يلقيها الامنيون معظم الاحيان في آلة فرم الورق، لفقدانها الصدقية. وخصوصا ان لبنان يعيش منذ عام 2005 تحت وطأة الضغط الامني الذي يرتفع منسوبه او ينخفض بحسب التوتر السياسي. ولا ينبغي التقليل من اهمية الحدث السوري بكل تشعباته، من هنا العتب على اثارة موضوع الاغتيالات في الاعلام واثارة البلبلة في وقت تعيش الساحة اللبنانية تقاطعا لكمية من المعلومات الامنية التي يجب العناية كثيرا بأسلوب التعامل معها والتدقيق فيها.
ثانيا، تؤشر تطورات اليوم الجمعة سوريًا، الى مستقبل المبادرة العربية ومستقبل سوريا معا في ضوء ما يمكن ان تشهده من تصعيد او تهدئة. وما حدث امس من سقوط قتلى لا يبشر بكثير من التفاؤل بان المبادرة تسلك سبيلا مطمئنا. والتجربة اللبنانية خلال الحرب وقرارات وقف النار ولجان التهدئة اكبر دليل على ان السلوك نفسه يتكرر، ولكن في غير ساحة. وهذا يعني ان ثمة مرحلة حساسة وخطرة في الاسبوعين المقبلين اذا تطورت الامور السورية نحو الاسوأ. والخطورة في نظر البعض اسرائيلية محض، في ظل وجهتي نظر لم تحسما بعد حيال موقف اسرائيل من النظام السوري، فهل تتدخل لانقاذه من خلال فتح حرب على جبهة لبنان كما كانت تفعل ايام والده الرئيس حافظ الاسد، ام تتفرج على سقوطه؟ وثمة رأي امني لبناني ان اسرائيل غير قادرة اليوم داخليا على قيادة حرب ضد لبنان.
ثالثا، ان الخوف لدى فريق معارض من انعكاس الوضع السوري يكمن في لجوء حلفاء سوريا، مع تمييز تام عن 'حزب الله'، في اثارة اي قلاقل امنية يمكن ان توتر الوضع من دون ان تفجره، وذلك في محاولة لاستخدام لبنان ساحة خلفية للضغوط، في المخيمات او في بعض الجزر الامنية المعروفة.
رابعا، يكمن الخوف المقابل في تطور الوضع في سوريا طائفيا. وقد وردت معلومات مفصلة الى معنيين عن الاحداث الاخيرة في حمص، وجنوحها نحو تطورات امنية مذهبية . وخطورة حمص وامتداداتها الى لبنان قد تشكل حالة متقدمة عن غيرها من المناطق السورية، وخصوصا في ضوء ما يحكى عن نصائح اعطيت للاقليات فيها بمغادرتها سعيا من النظام السوري الى سحب الذرائع المذهبية. الا ان فوز المعارضة في حمص يعني حكما انتصارا لخصوم سوريا في لبنان.
خامسا، تخشى اوساط من غير المعارضة ان يشكل هذا الانتصار تفعيلا للحالة السنية الاصولية، التي اذا عبرت عن نفسها بقوة، يمكن ان تستدرج خصومها اللبنانيين الذين لن يقفوا بطبيعة الحال مكتوفي الايدي، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف الى بلبلة امنية لا تحمد عقباها. ولا يزال هاجس الاصولية السنية يؤرق البعثات الديبلوماسية التي لا تنفك في اي اجتماع امني تسأل عن تأثيراتها. وقد تضاعفت الاسئلة مع دخول اللاجئين السوريين لبنان.
سادسا، يطرح ملف العمال السوريين مشكلة امنية في ذاتها في ضوء الخلافات المتفاقمة في صفوفهم، حيث يعملون ويقيمون، الامر الذي يشكل تدريجا مشكلة قائمة في ذاتها، ومعظم هؤلاء له خبرة عسكرية وامنية. وبحسب معلومات امنية، وبرغم التحفظات عن اقامة كل فريق ' ادارة امنية' مستقلة في معالجة اوضاع العمال في مناطق نفوذه، وما يسببه ذلك من توترات سياسية انعكست في مداخلات نواب المعارضة اخيرا، تجرى اتصالات على مستويات متعددة بين القوى الامنية والبلديات لضبط الاوضاع حيث يمكنها ان تعمل، على ان تقوم القوى الامنية بعمليات دهم حيث تدعو الحاجة الامنية، اي حيث هناك مشكلات وخلافات عنيفة كما حصل اخيرا في عدد من احياء بيروت، مع العلم ان ثمة مسؤولية على الاجهزة الامنية المولجة مراقبة اوضاع العمال الاجانب، كالامن العام مثلا.
سابعا، تتخوف الاوساط الامنية من انفجار موضوع اللاجئين السوريين في شكل مطرد، ويستطلع الديبلوماسيون الغربيون كل يوم آفاق هذا الدخول، وكيفية تعامل لبنان معهم ، سواء لجهة التدقيق في هوياتهم او عدم التضييق على حرياتهم. لكن ذلك يطرح مشكلة امنية كبيرة، في ضوء احتمال دخول عناصر اصولية او مخربة او مطلوبة، وهذا في ذاته يفاقم المشكلة اللبنانية الداخلية.
في المقابل، يتفاقم خوف فريق من المعارضة على حياة المخطوفين السوريين وحرية اللاجئين السوريين ، ولا سيما لجهة احقية اي فريق حزبي مسيحي او اسلامي في التدقيق في هويات القاطنين او العمال وحصر الموضوع في الاجهزة الرسمية. وهذا الفرز الطائفي او المناطقي يؤسس لحالات شبيهة بالادارات الحزبية خلال الحرب.


- 'النهار'
وسط شكوك في انتظار مرحلة الاختبار.. ورقة الإبرهيمي تستعاد بنسخة سورية
تحليل إخباري:

لم تختلف الانطباعات اللبنانية حيال التطور المفاجئ الذي تمثل بموافقة النظام السوري على خطة الجامعة العربية لوقف العنف في سوريا وسحب الوحدات العسكرية السورية من الشارع، عن معظم الانطباعات التي سادت العالم العربي والغربي. فالشكوك في حقيقة ما يضمره النظام السوري تغلب على الآمال في نجاح هذه الخطة، وفي أفضل الاحوال لا بد من فترة انتظار لأسبوعين او ثلاثة كفسحة اختبار ميدانية وعملية لمعرفة ما اذا كان من تحول جدي لدى النظام لتغيير نمط الحل الامني القمعي ام ان الأمر لا يعدو كونه مناورة تهدف الى شق المعارضة بشطريها الداخلي والخارجي وتخدير الضغوط الدولية عليه ومحاولة توظيف هذه المناورة سياسياً وديبلوماسياً عبر 'هدنة' أمنية عابرة.
ويبدو مثيراً للاهتمام في هذا المجال ما تسوقه أوساط لبنانية عايشت حقبات الوساطات العربية على مشارف نهاية الحرب بين أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن الماضي، أي عشية ابرام اتفاق الطائف، اذ انها ترى وجوه تشابه عدة في المقارنة بين التجربتين اللبنانية والسورية على رغم الاختلاف الكبير في ظروف كل منهما. وتلفت هذه الاوساط الى ان لبنان عرف في تلك الحقبة انهيارات متعاقبة للوساطات العربية التي تمثلت تباعاً بلجنة سداسية عربية شُكلت على اثر تشكيل الحكومة العسكرية الانتقالية برئاسة العماد ميشال عون ومن ثم وساطة الامانة العامة للجامعة العربية التي كان يشغلها الاخضر الابرهيمي وصولا الى اللجنة العربية الثلاثية التي ضمت السعودية وسوريا والجزائر، وأضحت 'القابلة' العربية التي استولدت اتفاق الطائف. ولان النظام السوري يشكل العامل الثابت المستمر بين التجربتين، تلمح الاوساط نفسها الى امكان استعادة الورقة الشهيرة التي قدمها الاخضر الابرهيمي عام 1989 من نقاط عشر لوقف ما سمي بـ'حرب التحرير' بين العماد عون والقوات السورية. والتي افضت الى اطلاق مكوكية تفاوضية ديبلوماسية بين موجات تصعيد عسكري وهدنات متقطعة اسست لاحقاً لانعقاد مؤتمر الطائف. ولا ترى ضيراً في مقارنة خطة الجامعة العربية حيال الازمة السورية الآن بخطة الابرهيمي، مع فارق جوهري اساسي هو اختلاف الظروف العربية والدولية راهناً اختلافاً جذرياً عن تلك الحقبة، ناهيك بأن موضوع الوساطة العربية هذه المرة يتعلق بصراع داخلي سوري وليس بصراع لبناني – سوري.
ومع انه يبدو مبكراً سوق توقعات مسبقة ثابتة في شأن المبادرة العربية الحالية، تضيف الاوساط نفسها ان حظوظ صمود هذه المبادرة ونجاحها تتوقف على عاملين: اولهما إثبات جدية الجامعة في ملاحقة تنفيذها بحذافيرها من دون ان تتحول عنواناً لتشريع إفراغ مطالب المعارضين السوريين من مضمونها وتعويم وضع النظام على حساب الثورة، وثانيهما التزام النظام وقف دورة القمع الامني والعسكري وقفاً نهائياً مقترناً بجدول زمني واضح للمرحلة الانتقالية السياسية لئلا تغدو الهدنة المحتملة التي تعمل الجامعة العربية على إحداثها مسبباً لعنف اكبر وتفجير اوسع نطاقاً مما حصل حتى الآن. وتشير الاوساط السياسية اللبنانية الى ان تجربة الوساطة العربية في لبنان، وان كانت افضت الى التأسيس لمؤتمر الطائف الذي وضع حداً نهائياً للحرب، اقترنت بأكلاف باهظة لا شيء يضمن تكرار استعادات مشابهة لها في الوساطة الحالية في سوريا. ذلك ان هذه الوساطة توفر للنظام السوري مواجهة الضغوط الدولية بالعباءة العربية التي يمكنه رفعها في وجه الدول الغربية في كل مرة تحاول هذه ممارسة الضغط عليه لمحاولة حمله على التنحي عن السلطة. وفي مقابل هذا الغطاء سيتعين على الجامعة العربية ان تحذر خطورة سقوط دورها وصدقيتها في وقف دورة العنف ان اعتبرت المعارضة ان وساطتها ستتحول الى مطية لضربها وتشتيتها وتشريع مقلب جديد من الأزمة بحيث تطبخ مشاريع حلول على حساب بعض قواها في الداخل والخارج، تماماً كما حصل في لبنان حيث خرج اطراف بعد الوساطة العربية واتفاق الطائف من دائرة الحل وشكلوا مبعث اثارة مستمرة للأزمات والنزاعات حتى يومنا الحاضر. وتضيف هذه الاوساط ان الاسابيع المقبلة تتسم بأهمية حاسمة للحكم على مجمل الصورة المرتسمة غداة قبول النظام السوري بالمبادرة العربية، اذ انها لن تضع النظام ومعارضيه وحدهم امام محك مصيري لتبين الاتجاهات التي ستسلكها الازمة في سوريا، بل انها ستضع ايضا الجامعة العربية ووساطتها وكل ما علق عليها من حسابات وتقديرات وآمال على محك أصعب، بحيث ان اي استئناف لهذه الوساطة سيغدو اصعب بكثير في حال انهيارها وتجدد العنف على نحو اقسى من السابق، خصوصاً ان طرفي الازمة لن يسلّما تكراراً بها، كما ان المجتمع الدولي لن يسمح تكراراً بفترة سماح ثانية لها متى تبين انها لم تكن اكثر من هدنة يفيد منها النظام لإعادة لملمة اوضاعه.
اما انعكاسات ذلك على لبنان، فلا تبدو راهناً في مقدم الاولويات لان الوضع اللبناني يبدو اقرب الى التوقف عند مشارف الانتظار وملء الوقت الضائع بالملفات الداخلية أو بعضها في حين ان اي حسم للتوجهات على المدى المتوسط والبعيد باتت كلها برسم معرفة اتجاهات الرياح في سوريا.


- 'النهار'
الأسد والانقلاب العربي
عبد الكريم أبو النصر:

'وافق نظام الرئيس بشار الأسد على تطبيق الشق الأمني من المبادرة العربية لأنه أدرك انه يواجه تهديداً جدياً بأن يفقد الحماية العربية الرسمية الشرعية لكنه لم يقبل الى الآن الشق السياسي من هذه المبادرة الذي يشكل جوهرها ويدعو الى اجراء حوار جدي في ظل رعاية عربية بين النظام وممثلي المحتجين والمعارضة الحقيقية من أجل ضمان الانتقال الى نظام ديموقراطي تعددي. والواضح ان المجموعة العربية تريد اعطاء فرصة للنظام السوري لتنفيذ التزاماته لكنها ليست متأكدة تماماً من انه سيوقف كل أعمال العنف ويطلق المعتقلين ويزيل المظاهر المسلحة من المدن والأحياء ويسمح بأن يتحقق ذلك في ظل مراقبة الجامعة العربية ووسائل الاعلام العربية والدولية، لذلك قررت ابقاءه تحت الرقابة وطالبت بأن يتم تطبيق هذه الاجراءات فوراً وأعلنت تمسكها بالمبادرة العربية أساساً لحل الأزمة، كما قررت مواصلة مهمتها واتصالاتها ورعايتها العملية بكاملها وابقاء مجلس الجامعة في حال انعقاد دائم قبل الانتقال الى مرحلة الحل السياسي'. هذا ما قالته لنا مصادر ديبلوماسية عربية وأوروبية في باريس وثيقة الاطلاع على هذه القضية. وأوضحت ان الأسد منزعج فعلاً من الشق السياسي من المبادرة العربية للأسباب الرئيسية الآتية:
أولاً - ان المبادرة تمنح الانتفاضة الشعبية السورية ومطالبها شرعية عربية وتتعامل مع المحتجين على أساس انهم شركاء أساسيون في حل الأزمة ويجب التحاور مع ممثليهم وليس قمعهم وقتلهم. ويرى الأسد ان المبادرة تنتقص من سيادة بلده ومن صلاحياته وتتعامل معه على أساس انه عاجز عن وقف الصراع الداخلي اذ تطرح حلاً سياسياً عربياً وبمشاركة عربية لتسوية المشكلة وترفض الحل الأمني السوري وترفض ترك النظام يتصرف بالسوريين كما يريد.
ثانياً - ان تطبيق المبادرة بكل بنودها يؤدي الى اشراك المعارضة الحقيقية في السلطة وانهاء النظام بتركيبته وطبيعته وتوجهاته الحالية الأمر الذي يشكل انقلاباً عربياً عليه ليس ممكناً السماح به. ويرفض الأسد المبادرة، أيضاً، لأنها تحمّله مسؤولية وقف المواجهات الدامية مع السوريين اذ انها تطلب منه انهاء كل أعمال العنف ضد المدنيين وسحب كل المظاهر العسكرية من المدن وتعويض المتضررين واطلاق جميع المعتقلين السياسيين قبل بدء الحوار بين النظام وممثلي المعارضة الحقيقية والمحتجين من أجل التحول 'من النظام القديم الى نظام ديموقراطي تعددي بديل'.
ثالثاً - ان هذه المبادرة جزء من عملية عربية - اقليمية - دولية لانهاء حكمه من دون تدخل عسكري وتفكيك التحالف السوري - الايراني وتغيير طبيعة الدور الاقليمي لسوريا وان المطلوب منه التعاون مع المجموعة العربية والتفاوض مع المعارضة لتحقيق هذا الهدف. ويرفض الرئيس السوري كلياً قبول هذا المشروع.
وأبلغنا مسؤول عربي معني مباشرة بالقضية 'ان المجموعة العربية ترفض تقديم أي دعم لنظام الأسد ولضمان بقائه بتركيبته وتوجهاته الحالية وترى ان هذا النظام فقد الكثير من شرعيته لأنه استخدم القوة المسلحة ضد المحتجين المسالمين وترى أيضاً ان البند الأول في أي مشروع حل هو وقف أعمال القمع والقتل والسماح بحرية التعبير والتظاهر السلمي لجميع المواطنين'. وقال 'ان الأسد يريد اجراء اصلاحات شكلية بالتشاور مع أنصاره والمقربين منه لضمان بقاء النظام، لكن الاصلاح لن يكتسب شرعية ودعماً داخلياً وخارجياً ما لم يكن حقيقياً وجذرياً وما لم يتم التفاهم على مضمونه مع المجلس الوطني السوري وممثلي المحتجين والمعارضة الحقيقية وما لم يضمن قيام نظام جديد ديموقراطي تعددي. كما هو الحال في مصر وتونس ولبنان وتركيا ودول أخرى. وترى المجموعة العربية ان الخطر الحقيقي الذي يهدد سوريا ليس اجراء الاصلاح الجذري بل استخدام القوة المسلحة المفرطة وقتل المدنيين من أجل ضمان بقاء النظام الحالي'.
وخلص المسؤول العربي الى القول: 'يريد الأسد الالتفاف على المبادرة العربية وتجاوزها، لكن المجموعة العربية تتمسك بها وبمضمونها وجوهرها. ويرتكب الرئيس السوري الخطأ الأكبر اذ يرفض منح السوريين حق تقرير المصير من طريق انتخابات حرة وشفافة ويسعى الى الانتصار على شعبه المحتج والحاق الهزيمة به ودفعه الى الرضوخ لارادته. وهذا الأمر لم يعد ممكناً في مرحلة الانتفاضات الشعبية العربية والدعم الاقليمي والدولي الواسع لها'.


- 'السفير'
ماذا تتوقع أميركا في مصر؟
سمير كرم:

من بين كل العوامل المؤثرة خارجياً في احتمالات تطور الثورة المصرية للخروج من حالة الاضطراب الراهنة التي تمر بها، قد تكون &laqascii117o;العلاقات الاستراتيجية" مع الولايات المتحدة هي اهم هذه العومل. والأمر الوحيد المؤكد بشأن هذه العلاقات، هو ان الولايات المتحدة لم تتوقع ابداً حدوث ثورة في مصر تطيح بحسني مبارك من الرئاسة وبنظامه من الحكم. لقد اعتبر إخفاق المخابرات الاميركية، والاسرائيلية معها، في توقع الثورة في مصر واحداً من أكبر إخفاقاتهما.
مع ذلك فإن هذا الإخفاق لم يكن يعني بأي حال من الاحوال ان الولايات المتحدة لم تكن قبل وقوع ثورة 25 كانون الثاني/يناير الماضي منشغلة بأمر المصير الذي ينتظر نظام مبارك. كانت بالفعل مشغولة سياسيا ومخابراتيا ودبلوماسيا بأمر مصير رئاسة مبارك تحت وطأة امرين اساسيين: الاول مرض مبارك وتقدمه في العمر، والثاني ميل النظام المصري الى التوريث - توريث جمال مبارك الحكم - كحل لهذه المعضلة.
ولقد تبين هذا الانشغال الاميركي باحتمالات مصر قبل الثورة في تقرير بالغ الأهمية اصدره قبل ايام &laqascii117o;معهد الدراسات الاستراتيجية" التابع لكلية الحرب الاميركية، التابعة بدورها لوزارة الدفاع (البنتاغون). ولهذا التقرير قصة جديرة بأن تحكى. ففي ربيع العام الماضي كلف المعهد احد باحثيه - وهو غريغوري افتاندليان - بوضع تقرير عن &laqascii117o;سيناريوهات الخلافة الرئاسية في مصر وأثرها على العلاقات الاستراتيجية الاميركية - المصرية". وانتهى الباحث من المهمة في ختام العام الماضي وأعدّ التقرير للنشر، وقبل الانتهاء من طباعته كانت ثورة 25 يناير المصرية تقع وتغير احتمالات عديدة في الرؤى الاميركية بشأن العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة. وقد قرر المعهد المضي بنشر التقرير وكتب له مدير المعهد مقدمة أضفت اهمية اكبر على مادة التقرير.
تقول مقدمة التقرير، التي كتبها دوغلاس لافليس مدير معهد الدراسات الاستراتيجية: &laqascii117o;إن مصر حليف وثيق للولايات المتحدة منذ اواخر السبعينيات من القرن الماضي، حينما غير الرئيس الراحل انور السادات انتماءه في الحرب الباردة (إشارة الى تغيير اتجاه السياسة المصرية من التحالف مع الاتحاد السوفياتي الى الولايات المتحدة) وبدأ عملية السلام مع اسرائيل التي ادت الى اتفاقات كامب ديفيد في عام 1978 والى معاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية في عام 1979. وبالمقابل اصبحت مصر واحدة من اكبر متلقي المساعدة الاميركية، اذ اصبحت تتلقى 1,3 مليار دولار (سنوياً) كمساعدة عسكرية بالإضافة الى مبالغ كبيرة من المساعدة المدنية كل عام".
وتضيف المقدمة إنه &laqascii117o;منذ ذلك الوقت طورت المؤسسة العسكرية المصرية روابط وثيقة مع نظيرتها الاميركية، الامر الذي تمثل في مناورات عسكرية مشتركة وتدريبات للضباط المصريين في المعاهد العسكرية الاميركية، وشراء مصر معدات عسكرية اميركية. وقد ساعد هذا التعاون بين العسكريين (المصريين والاميركيين) اهداف الولايات المتحدة الاستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط، اذ تلقت الولايات المتحدة العبور السريع لسفنها البحرية (العسكرية) عبر قناة السويس وكذلك حقوق التحليق الجوي للطائرات العسكرية الاميركية. وبالإضافة الى هذا هناك التعاون الوثيق بين الحكومتين المصرية والاميركية في مسائل مكافحة الارهاب. ويكفي ان نقول إن الولايات المتحدة اعتمدت على مصر فيما يتعلق بالتعاون الاستراتيجي لأكثر من ثلاثة عقود، بما في ذلك المساعدة الحيوية في مسائل عملية السلام العربية - الاسرائيلية".
وتنتقل مقدمة التقرير الى ما بعد وقوع الثورة المصرية لتقول: &laqascii117o;أياً كان نمط الحكومة التي تخلف (نظام مبارك) في السلطة في مصر فإن المرجح ان الرئيس بعد مبارك سيملك سلطات قوية، يحتمل ان لا تكون الى الحد الذي كان يتمتع به مبارك، لتشمل هذه السلطات بقاءه قائداً اعلى للمؤسسة العسكرية".
ويجدر بالذكر ان مؤلف التقرير - وكان قبل التحاقه بجهاز باحثي المعهد المذكور محللا للشؤون المصرية بوزارة الخارجية الاميركية - انما وضعه كجزء من برنامج المنتسبين الخارجي الذي يشجع الباحثين الأكاديميين على كتابة دراسات عن المسائل الاستراتيجية الدقيقة التي تواجه الولايات المتحدة في مناطق العالم المختلفة ... وهو يتفحص بوضوح شراكة مصر مع الولايات المتحدة وأهميتها للأهداف الاستراتيجية الاميركية في المنطقة وبنية السلطة في مصر والسيناريوهات الممكنة العديدة للخلافة الرئاسية. كما انه يتفحص كيف يمكن لكل سيناريو منها التأثير على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ويعطي توصيات واضحة لصناع السياسة الاميركيين.
ويذكر مدير المعهد في مقدمته في هذا الصدد أسماء لشخصيات دخلت اطار المرشحين لتولي الرئاسة المصرية منهم عمرو موسى، الذي يذكر كاتب المقدمة صفته كوزير سابق للخارجية المصرية ويتجاهل صفته اللاحقة كأمين عام لجامعة الدول العربية (ومن العسير التأكد مما اذا كان هذا التجاهل مقصوداً أو عفوياً)، ومنها محمد البرادعي الذي يصفه بأنه من زعماء المعارضة. لكنه يصف هذين المرشحين بأنهما &laqascii117o;لا يحتمل ان يؤثرا تأثيراً سلبياً على جوهر العلاقات المصرية - الاميركية ككل، لأن كليهما من شخصيات المؤسسة (الحاكمة) على الرغم من ان الولايات المتحدة ينبغي ان تتوقع من اي منهما الابتعاد بقدر ما عن بعض سياسات الولايات المتحدة في المنطقة".
ويضيف واضع المقدمة لهذا التقرير انه &laqascii117o;يتعين على الولايات المتحدة - خلال فترة خلافة رئاسية ان يفهم صانعو السياسة الاميركية ان الانتقال سيتم بناء على احداث وعمليات داخل مصر وليس بناء على احداث وعمليات في واشنطن. يتعين على المسؤولين الاميركيين ان يتجنبوا مرشحاً معيناً للرئاسة الاميركية وأن يتحدثوا بدلاً من ذلك عن التزام بحكم القانون والدستور المصري. اما في حالة استيلاء العسكريين (على السلطة) - حتى ولو لفترة قصيرة - فإنه يتعين على المسؤولين الاميركيين ان يركزوا على الحاجة للعودة الى الحكم المدني بأسرع ما يمكن".
ولعلّ من أهم ما يذكره التقرير - في جزئه الاخير الذي يضع التوصيات السياسية للمسؤولين الاميركيين بشان الخلافة الرئاسية المصرية - هو ما يذكره من ان حالات الخلافة الرئاسية في مصر في الماضي تكشف لدارسها عن انها في كل الحالات تمت من دون اي تأثير من جانب اي من القوى الخارجية، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، ولا يتوقع احد ان يتغير هذا الوضع في المرة القادمة. ولهذا &laqascii117o;ينبغي ان تمتنع الولايات المتحدة عن اعلان اي تفضيل لمرشح من بين المرشحين للرئاسة المصرية". ويشير التقرير في هذا الصدد الى حادث 4 شباط/فبراير الذي ضغطت خلاله بريطانيا - قوة الاحتلال في مصر - على الملك فاروق في عام 1942 كي يكلف مصطفى النحاس زعيم حزب الوفد والأغلبية بتشكيل حكومة جديدة وسط ازمة سياسية معقدة. وهددت بريطانيا وقتها بإطلاق المدافع على القصر الملكي في وجود فاروق اذا امتنع عن تنفيذ هذا الطلب. وقد رضخ الملك فاروق للضغط البريطاني، الامر الذي اعتبره المصريون بمثابة &laqascii117o;إذلال وطني". واعتبر التقرير اي تفضيل من جانب الولايات المتحدة لمرشح رئاسة مصري في الظروف الحالية سيكون بمثابة إذلال وطني مماثل، بالنسبة للمواطنين المصريين.
وأوصى التقرير المسؤولين الاميركيين بأن لا يكتفوا بالاهتمام بالعلاقات الاستراتيجية مع مصر النظام ومصر القوات المسلحة إنما توسيع هذا الاهتمام ليشمل الشعب المصري، او على الأقل النخبة من المتعلمين المصريين لكي تبقى صورة العلاقات المصرية الاميركية على حالها. وحتى اذا ما جاء الى الرئاسة المصرية رئيس يتخذ موقفاً اكثر انتقاداً للولايات المتحدة مما كان مبارك، فإنه يتعين على المسؤولين الاميركيين ان يتجنبوا إثارة خلافات من وراء مثل هذا الموقف.
والتقرير يعود الى التأكيد بانه لا يتوقع حدوث اي تغيير في طبيعة او مستوى العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ومصر. ويذكر انه من المتوقع ان يحرص الرئيس المصري القادم على هذه العلاقات على الأقل لكي يرضي قادة القوات المسلحة المصرية.
بل تذهب توصيات التقرير الى انه ينبغي على الولايات المتحدة ان لا تبدو مؤيدة لانقلاب عسكري في حالة وقوعه في مصر، لأن هذا الموقف يظهرها بمظهر تأييد حكم غير ديموقراطي. وفضلا عن ذلك فإن الكونغرس الاميركي سيميل في هذه الحالة الى عدم الاستمرار في تقديم المساعدات العسكرية والمدنية لبلد يحكمه انقلابيون عسكريون. ويرجح التقرير انه اذا حدث تأثير سلبي على المساعدات العسكرية لمصر فإن قادة الانقلاب العسكري لن يكونوا مستعدين لتمديد فترة حكمهم الى حد غير مرض للشعب المتطلع الى نظام ديموقراطي.
وفيما عدا ذلك فإن توصيات تقرير معهد الدراسات الاستراتيجية الاميركي يرى ان باستطاعة الولايات المتحدة ان تظهر اهتماما واضحا بالحكم الديموقراطي في مصر أياً كان الرئيس القادم الى حكم مصر، وان تظهر اهتماما واضحا باستقرار طويل الامد في هذا البلد الذي يهم الولايات المتحدة ومصالحها الاستراتيجية اكثر من اي بلد آخر في المنطقة. لهذا سيتعين على واشنطن ان تعارض إجراءات من نوع تزوير الانتخابات او قمع الحريات العامة او قمع الحريات الاعلامية او اعتقال متظاهرين سلميين لا يلجأون الى العنف.
اما اذا تولت السلطة مجموعة متطرفة مثل الإخوان المسلمين وقررت إنهاء العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة فإنه سيتعين على الحكومة الاميركية ان تتصرف على نحو يحقق عزلة هذه الحكومة المصرية، وذلك باللجوء الى كافة الأساليب التي من شأنها إضعاف هذا النظام. في الوقت نفسه يتعين على الولايات المتحدة ان توصي اسرائيل بان لا تتخذ إجراءات تتسم بالعنف &laqascii117o;ما لم تدرك الولايات المتحدة ان ضرراً سيقع بالمصالح الوطنية لاسرائيل نتيجة لسياسات مثل هذه الحكومة المصرية".
ويبدو التقرير في النهاية على درجة عالية من الثقة بأن أي حكومة تأتي الى السلطة في مصر، حتى اذا كانت من الاخوان المسلمين، لن تميل الى قطع كامل للعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، على الاقل بسبب اعتماد مصر على التسليح الاميركي للقوات المسلحة المصرية. &laqascii117o;وينبغي ان نتذكر ان اميركا ربطتها بمصر علاقات تراوحت بين البرودة والعداوة طوال عهد ناصر، ولكن جاء الرئيس انور السادات من النظام نفسه واتبع سياسات ادخلت الدفء على العلاقات".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد