ـ 'الجمهورية'
الإسلام السياسيّ... المرجعيّة لمن؟
مرلين وهبة:
في ظلّ الأحداث في سوريا واحتمال انهيار النّظام متأثّرا بالربيع العربي، وعقب اندلاع الثورات في العالم العربي وبروز نجم تنظيم القاعدة الذي يعتمد أساليب الإرهاب في تحقيق الأهداف السياسية، ومقتل أسامة بن لادن كمعبر عن فكرة الجهاد الإسلامي، وبين انتشار الخطاب المتشنّج مذهبيّا بين السنّة والشيعة جرّاء الدور المضطرد إيرانيّا على الساحة الدولية ومحاولاتها الاستئثار بالدور الإسلامي عالميّا، وانعكاسه الشديد على الساحات العربية من العراق إلى البحرين وما بينهما لبنان، الذي شهد في 14 شباط 2005 جريمة العصر المتمثلة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كرمز سنّي إسلامي على مستوى الوطن العربي، وتقديم أدلّة عن تورّط مشتبه لـ'حزب الله'؛ هذا فضلا عن محاولة الحزب مصادرة القرار السياسي اللبناني والتأثير في الحياة السياسية اللبنانية، والقبض على المسار الديموقراطي، والذي أنتج توترا غير مسبوق بين الجمهور الإسلامي السني حيث تندرج أحداث 7 أيار وخطابات الترويع بالسلاح والقمصان السود، وصولا إلى إخراج الرئيس سعد الحريري لصالح خيار حزب الله ومصادرة القرار السيادي اللبناني عبر تشكيل حكومة تدور في فلك المصالح السورية الإيرانية المشتركة.
تأسيسا على ما تقدم، يبرز النقاش الدائر سياسيّا وفكريا بين الأوساط الإسلامية بمختلف مشاريعها الفكرية: وهابية، صوفية أو سلفية، خصوصا أنّ المدارس الفكرية تقوم على أمر المشورة والموعظة الحسنة. كما أن فكرة الحوار الإسلامي والهواجس المشار إليها، أنتجَت ظواهر إسلامية لملء الفراغ بين الجمهور المتأثر بالفكر الديني الإسلامي، وتحديدا في المدن الأساسية الحاضنة للإسلام السياسي مثل طرابلس وصيدا ومناطق عكار والضنية.
يقول قطب سياسي إسلامي في طرابلس لـ'الجمهورية': 'إنّ الحياة والطبيعة لا تحتمل الفراغ، ومن هنا بروز ظواهر إسلامية جديدة في لبنان عن طريق ما يسمّى الأطر الجديدة أو بروز دعاة للفكر الإسلامي السياسي انطلاقا من المساجد والحلقات الدينية'، ويشدد 'أنّ الجمهور السني سبق قياداته في شعارات الانتفاض على حالة الإحباط داخل البيئة السنية'، ويلفت إلى 'أنّ الأطر التنظيمية التقليدية في لبنان من الجماعة الإسلامية الى التيّارات السلفية التقليدية وغيرها، التي تتأرجَح بين وضعيتها السياسية والشعبية في لبنان والعالم العربي، وواقعها السياسي والتنظيمي الداخلي، وترددها بمواكبة الجمهور الإسلامي الداعي لمواجهة المشروع الفارسي والطموحات النووية الإيرانية، في غياب القادة التاريخيين على المستوى الإسلامي والذين بادروا لإرساء مفهوم الإسلام السياسي منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين على يد الداعية حسن البنا، انطلاقا من مصر حتى أصقاع العالم العربي والمغرب، وللدلالة على وضعيّة الإسلاميين في مصر وليبيا وسوريا والجزائر والمغرب وتونس وحتى ثورة مصر الشعبية التي أدّى الإخوان فيها دورا محرّكا ولافتا، وسرد هذه البلدان جميعها يحمل رمزية لافتة، حيث إنها انتفضت على حكامها رفضا للظلم والاضطهاد'.
أحمد الأسير : وأضاف القطب نفسه: 'أمّا الظاهرة الأبرز، فهي التي يقودها الشيخ أحمد الأسير انطلاقا من صيدا، ويدعو فيها لإعلاء شأن المسلمين السنّة في الحياة السياسيّة اللبنانيّة لمواجهة هَيمنة حزب الله على الحياة العامة في لبنان. وتفيد مختلف التقديرات بين أوساط المسلمين على قدرته الخارقة باستقطاب الجمهور السني في عاصمة الجنوب، وذلك خلافا للتنظيمات الإسلامية التي كانت تأخذ سابقا منحى قوميّا وعلمانيّا على غرار التنظيم الشعبي الناصري أو تيار المستقبل، وبالتالي فإنّ ظاهرة الداعية أحمد الأسير تنتشر كبقعة الزيت، ما دفع زعيم التيار السلفي داعي الاسلام الشهال لمواكبة الحالة الأسيرية ومَدّ حبال التواصل معها والتفاعل مع جمهورها'.
حزب التحرير : يبرز 'حزب التحرير' كمحرّك شعبيّ لافت بشعاراته الجذريّة، وهو يسعى وفق أدبيّاته الى استرجاع منطق الخلافة الإسلامية بعد انهيارها نتيجة أفول الامبراطورية العثمانية، وبالتالي يعمل على مواكبة المظاهرات الدائرة في سوريا من باحة المسجد المنصوري الكبير في طرابلس، ويعمد أنصاره الى توحيد الجهود الإسلامية تحت عناوين عودة الخلافة، وهم لا يحملون سوى أعلام الخلافة الإسلامية في الدول العربية، وتشير معطيات أولية عن انتشار واسع للحزب بين الأوساط الشبابية، طالما أنه يرفع شعار الإسلام هو الحل الوحيد لأزمات العالم العربي على رقعة العالم، كون القرار الإسلامي مغيّبا ومنقسما بين أطماع أميركا والغرب بالهيمنة ومطامع إيران من جهة أخرى. علما أنّ هذا الحزب يتحفّظ عن ذكر أسماء قادته، وهو محظور في البلدان العربيّة لأنّه يدعو الى زوالها، لأنّ الاستعمار أنشأها وهو يدعو الى الخلافة الإسلاميّة'.
الصحوة : رئيس هيئة علماء الصحوة الشيخ زكريا المصري له أسلوب خاص في استقطاب الجمهور السني عن طريق مواجهة المشروع الفارسي ودعم الثورة السياسية، فهو لم يتوقف منذ اندلاع أحداث سوريا عن تسيير المظاهرات الشعبية ظهر كلّ نهار جمعة، انطلاقا من مسجد حمزة في منطقة القبة في طرابلس وسط مُريديه الذين يقولون إنّهم يتبعوه لصدق عقيدته الإسلامية، وهو يقود حالة إسلامية خاصة كونها تقوم على العداء المطلق لسوريا وحزب البعث وإيران وحزب الله، علما أنّ علماء الصحوة والشيخ المصري يواجهون ضغوطا في عملهم، نتيجة الاتهامات بأنّهم متطرفون للغاية في طرح شعاراتهم، بما في ذلك مقاربتهم لأحداث في سوريا.
أهل الدعوة (الرحيل) : أمّا ما يسمى أهل الدعوة والشيخ أبو ابراهيم إمام مسجد طينال في طرابلس، فإنهم يعدون ظاهرة لافتة في الإسلام كونهم يدعون للدين فقط، ويبتعدون عن طرح الشعارات السياسية، ولهذا تجد مكانتهم عالية في الأوساط المؤمنة المحافظة في طرابلس، في مدينة اتّصفت أنها تقليدية بممارسة إيمانها الإسلامي من دون مَيل الى التطرّف. كما أنّ لـ'أهل الدعوة' أسلوب خاصّ باستقطاب الجمهور، القائم على النصيحة وتنمية الحسّ الملتزم إسلاميّا بالمكوث في المساجد وكـأنها منزل حقيقي لأتباعهم، ومن هنا أطلقت عليهم تسمية جماعة 'الرحيل'، حيث يهجر أعضاء الجماعة عائلاتهم ويكرّسون وقتهم وجهدهم للدعوة الإسلامية في لبنان والعالم العربي وحتى آسيا، كما ينظمون رحلات إيمانيّة الى آسيا وباكستان وحتى أوروبا وأميركا لحَثّ المسلمين على الإيمان، ولدعوة الآخرين للدخول الى الإسلام.
وعليه، هناك من يقول إنّ بروز هذه الظواهر في التنظيمات الإسلامية ناتج عن تحولات فكرية وسياسية عميقة تعجز الأطر المعروفة عن مواكبتها. كما ثمة من يتوقع بروز المزيد من الأفكار التنظيميّة المختلفة في ظلّ التحوّلات الكبرى التي تطرح أسئلة مصيريّة من قبيل الفكر الإسلامي والوزن السياسي للإسلام، بما فيها المصالح المتداخلة بين تركيا والسعودية ومصر، وغياب المرجعيّة الموحدة تاريخيّا للإسلام السياسي العالمي، لا سيّما بعد مقتل اسامة بن لا
ـ 'الأخبار'
أوان المصالحة التاريخيّة لم يَفُت
إبراهيم الأمين:
لم يفت أوان الخيار الثالث في سوريا. خيار يمنع الخارج الاستعماري والذيلي من جر الشام إلى حرب أهلية، ويسمح بآليات تغيير تزيد أهل سوريا منعة. المعارضون الوطنيون مدعوون للابتعاد عمن يريد استخدامهم لضرب بلادهم. اما النظام، فعلى عاتقه تقع مسؤولية تحصين سوريا، لا الدفاع عن بقائه وحسب
هل تجوز العودة الى ارشيف الأشهر الستة الاخيرة؟ طبعاً تجوز. بل إن الأمر ضروري، لا للمقارنة بين المواقف الخاصة بكل طرف، بل للإشارة الواضحة إلى أن ثمة ثلاث فئات تحكّمت بالمشهد السياسي والإعلامي السوري:
ــــ فئة حاقدة على كل سوريا، شعباً وحكومة ومؤسسات، تواظب منذ اليوم الاول لاندلاع الاحتجاجات على الحديث عن &laqascii117o;الثورة اللامتناهية" و&laqascii117o;الربيع الموعود" و&laqascii117o;الاحتضار السريع للنظام"، وعن &laqascii117o;السلمية" و&laqascii117o;وهم السلاح"، وعن الوحدة الوطنية و&laqascii117o;أوهام" التفرقة والخروقات الطائفية وخلافه.
هذه الفئة ستظل تكتب، الى يوم الدين، أن سوريا مريضة حتى تندمل هي تحت التراب لا حتى تندمل جراحها. أبطالها أهل التدخل الخارجي، لا يهتمون لأي حوار يمكن ان يقوم، لأنهم ضد محاورة احد لأحد. هم يريدون الفوضى والدماء والرصاص والنار، ولا يأبهون لأي أمر قد ينتج مما يجري من مواجهات. وجلّ هؤلاء عملاء صغار، يتقاضون مرتبات شهرية ومعونات دورية من وكالات استخبارات في أوروبا وأميركا، او يعملون غلماناً للنكاح الفكري عند بعض شيوخ ممالك النفط والموت الأسود. هؤلاء، لا يعترفون بأي معارضة لا تحظى برعاية فرنسا، او تنال رضى سيد البيت الابيض، أو بركة آل سعود. هم فئة لا تقرّ بشرعية معارض ما لم يعلن أنه مستعد لتدمير سوريا في سبيل اسقاط النظام.
ــــ ثمة فئة ثانية، كانت تجد في المشهد لوحة سوداء. لم ترد الاعتراف بمشكلة في واقع النظام السوري. فئة لا تقرّ بمعارضة حقيقية للحكم، بل رأت أن الاحتجاجات وليدة مؤامرة دُبّرت في ليل الانتفاضتين المصرية والتونسية. فئة تجد في فقراء درعا وإدلب وريف حماه، او مناضلي حارات الشام وحمص واللاذقية والرقة ودير الزور، مجرد صبيان مضلّلين لا يعرفون مصلحة بلدهم، ولا يحق لهم القيام بما يفعلون. ليس لهم الحق في الاعتراض على بقاء رئاسة الجمهورية في يد افراد عائلة واحدة منذ اربعين عاماً، ولا يحق لهم السؤال عن فساد مستشر في كل دائرة رسمية وخاصة، ولا يحق لهم الاعتراض على سلوك رجال أمن يعيشون على اذلال الناس وابتزازهم، ولا يحق لهم الاعتراض على قمع لا متناه لكل من يريد قول لا، أو رفض مشروع في الدولة. هذه الفئة تقول إن النظام يريد الاصلاح ويجب الوقوف الى جانبه، لكنها ترفض مناقشة النظام في آلية الاصلاح، او طبيعة المشاركة فيها، او برنامجها الزمني. هذه الفئة، لا تعارض ــــ عملياً ــــ القمع الذي تعرض له محتجّون ومواطنون، وهي لا تميز بين هؤلاء وبين أفراد عصابات يعملون بالاجرة عند جهات خارجية في سياق تهديم النظام ومؤسساته.
ــــ لكن ثمة فئة ثالثة كانت، ولا تزال، ترى الفرق بين الامرين. بين مشروعية نضالية توجب على النظام الدخول في مرحلة التحول الى نظام تعددي، تتقدم فيه وسائط القانون على وسائط الفساد في ادارة شؤون الناس، وتقام فيه المحاكم للذين عاثوا فساداً على مدى عقود، وتفتح فيه النوافذ والابواب لإزالة روائح القمع والكبت الكريهة، وتقفل فيه سجون الرأي والعقاب السياسي، وتنظم فيه الادارة بطريقة تتيح توسيع مشاركة الناس في بناء الدولة والمجتمع، وتضيق فيه هوامش الزعبرة والسرقة واستخدام النفوذ لمراكمة الثروات غير المشروعة. هذه مشروعية نضالية لا يمكن أحداً منحها او حجبها عن أصحابها. الناس في الشارع يعرفون المناضلين الحقيقيين، ويعرفون النصّاب والوصولي والعميل للخارج، كما يعرفون المخلص من ابناء الدولة الذي يريد اصلاحاً حقيقياً، ويعرفون المخبر الذي يقف خلفه أو الى جانبه يتلوى كالحرباء.
هذه الفئة قالت، من اليوم الاول، إن سوريا لا تشبه أي بلد عربي آخر، وإن بشّار الاسد لا يشبه حسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي، ولا ملك البحرين وملك آل سعود، ولا أميرَي قطر والكويت ولا أبناء زايد. هذه الفئة قالت إن لسوريا خصوصية، لا ترتبط فقط بواقعها الداخلي وتنوعها الطائفي والعرقي والسياسي، بل لأنها تمثّل منذ عقود نقطة الوصل في ملف الصراع مع اسرائيل، ومنذ عقد نقطة الوصل في ملف الصراع مع الاستعمار الغربي الجديد لبلادنا. وهي تمثل، منذ ما بعد حرب تموز العام 2006، نقطة الحسم في الصراع المفتوح مع اسرائيل والمتقدم نحو مرحلة بالغة الحساسية، شاء حلفاء اسرائيل او أبوا. وهي تمثّل اليوم، تحديداً، مركز الثقل في التحوّل المرتقب إثر تعثّر المشروع الاميركي في المنطقة، واضطرار الولايات المتحدة إلى سحب جيشها من العراق، وإعادة تنظيم وجودها العسكري في كل الخليج العربي بطريقة مختلفة، والى اعداد العدّة للفرار الآمن من افغانستان ايضا. وهي اللحظة التي يعرف الحكّام من حلفاء أميركا في المنطقة أن عليهم، هذه المرة، دفع الثمن للشعوب لا للمستعمر الاميركي فقط، وهي اللحظة التي تدرك فيها اسرائيل، أكثر من غيرها، ماذا يعني تماسك محور قوي يمتد من ايران الى العراق فسوريا ولبنان من ثم الى فلسطين.
هذه الفئة، دعت منذ اليوم الاول، النظام ومعارضيه، الى عدم المكابرة، والتنبّه من ان المواجهة المفتوحة في الشارع تعني الذهاب نحو حرب اهلية. كتبت هذه العبارات مرات عديدة، لكن خصوم النظام يريدون الآن تداولها لأنها باتت تحذيراً من الغرب الذي يريد الحرب الاهلية بديلاً عن الحرب الخارجية على النظام في الشام.
هذه الفئة دعت الى ابتداع آلية لمصالحة تاريخية تتيح لمعارضين شرفاء، ومعهم جمهور كبير منتشر على كل الاراضي السورية، اعلان بدء حصاد الاحتجاج، على شكل تغييرات في بنية الدولة، تقود الى انتخابات حرة تفتح الباب أمام تغيير حقيقي قوي، لا يستطيع أمن أو فساد وقفه. وهي المصالحة التي تتيح للنظام أن يساعد نفسه بنفسه على التخلص من الجانب الصعب من الإرث الذي رمي به على أكتافه، وتساعده على اعادة انتاج موقعه بطريقة تتيح له الاحتفاظ بعناصر القوة التي بنتها سوريا لنفسها خلال العقود الاخيرة، لكنها تفتح الباب امام مرحلة جديدة من النمو، السياسي والاقتصادي والثقافي، وتتيح بناء قاعدة حقيقية للموقف الداخلي الداعم لوطنية سورية لا تهزها تهديدات أميركا ولا حروب اسرائيل.
اليوم، ثمة فشل كبير أصاب قوى الغرب والعرب المعادية للنظام في سوريا. وهو الفشل المرتبط بإجبار معارضين سوريين على السير في حقل ألغام تفجّر بهم وشرذمهم وقطّعهم وحال دون أن يتحوّلوا الى معارضة وطنية. لقد وقع المعارضون في فخ الغرب، فما عادوا قادرين على اعلان موقف رافض للتبعية للخارج، وصارت مؤتمراتهم وتحركاتهم وبياناتهم تصدر بتمويل من الخارج الذي يريد استعمارهم بالقوة. وهؤلاء المعارضون، الذين يوجد بينهم حاقدون، لا يجيدون المراجعة، ولا النقد الذاتي لدورهم في ثمانينيات القرن الماضي، وهم يعتقدون بأن ساعة الانتقام قد دنت. ولا يرون أمامهم سوى الدماء معبراً للوصول الى مبتغاهم في سلطة اقصائية تقوم على سحل الآخر.
اليوم، ثمة محاولة اخيرة من الخارج لانتزاع قلب سوريا، من خلال حرب اهلية متنقلة، عنوانها التوتير الطائفي والمذهبي والسياسي واتهام النظام بالسعي الى ذلك، وأدواتها التحريض على منع التواصل ومنع الحوار ومنع المصالحة الوطنية، ووسائلها عمليات القتل المتواصلة، وبكل الاساليب، بغية إنهاك سوريا وجعلها في لحظة معينة، ضحية سهلة الافتراس لأي خارج يريد الانقضاض. هذه المحاولة تقودها مجموعة حكومات ودول وجماعات لا ترى امامها اي هدف آخر سوى التخلص من النظام، وهي لن تتوانى عن القيام بأي شيء، من تحطيم الدولة وتجويع الناس، الى تفجير البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، الى السعي لقتل رجالات النظام وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية كيفما كان، وإلى تبنّي روح الشيطان وأدواته من اجل تحقيق هذا الهدف.
في المقابل، لم يعد امام النظام سوى بناء الاسوار من حول بلده، وليس من حوله. في هذه اللحظة القاسية والمعقدة، تُنتظر منه مبادرة تاريخية تتيح دعوة الناس الطيبين الى الخروج من الشارع، من اجل تعقيد مهمة الخارج اللئيم، ومحاصرة عملائه في الداخل والخارج معاً... واذا كان العالم قد بات يدرك حجم المؤامرة على سوريا، فإن ذلك لا يمنع رؤية الجانب الحقيقي من المشكلة الداخلية، وعلى النظام التفكير من دون توقف في الطريقة الانسب لإطلاق هذه المبادرة، ولن يفوت الأوان!
ـ 'السفير'
سليمان في قلعة الاعتقال: إنها اللحظة المصيرية نفسها
داود رمال:
كما في كل عام، يختار رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قطاعا حيويا ليخاطب عبره اللبنانيين بمناسبة عيد الاستقلال، فمن الشباب الى الهيئات الاقتصادية والمالية الى الإعلام، يتوقف رئيس البلاد هذا العام في محطة معبّرة وهي راشيا، حيث يفتتح سوقها الاثري، لينتقل بعدها الى قلعتها التاريخية (قلعة الاستقلال) ليوجه منها رسالة الاستقلال وذلك من وحي راشيا حيث سجن رجالات الاستقلال، فيشدد على أهمية تحصين الاستقلال والميثاق الوطني والوحدة الوطنية في ظل المتغيرات المحيطة مع الاصرار المستمر على حتمية الحوار الوطني.
وسيتناول الخطاب عرضا لما تحقق في السنوات المنصرمة منذ اعتلاء الرئيس سليمان سدة الرئاسة، وسيركز على اهمية الاستقرار الذي ينعم به لبنان ووجوب المحافظة عليه ايا كانت الاعتبارات والتحديات، والاستحقاقات الدستورية التي حصلت في مواعيدها، ودخول لبنان في مرحلة اقتصادية جديدة تتمثل بقرب بدء التنقيب عن النفط والغاز والآفاق الاستثمارية التي ستفتح جراء ذلك، والتأكيد على التزام لبنان القرارات الدولية، وحقه المشروع في استرجاع وتحرير ارضه بكل الوسائل المشروعة والمتاحة، مع التركيز على أهمية تطبيق الانماء المتوازن والشروع في وضع كل البنود الاصلاحية التي نصّ عليها دستور الطائف موضع التنفيذ، وفي مقدمها قانون اللامركزية الادارية وإعداد قانون انتخابات يمثل كل الشرائح تمثيلا عادلا.
لماذا راشيا؟ في تلك اللحظة التاريخية (أي في مطلع الأربعينيات) برز الانقسام اللبناني بين المسيحي الذي يريد ان يكون جزءا من الغرب وبين المسلم الذي لا يريد الاستقلال ويفضّل ان يكون جزءا من سوريا الكبرى، &laqascii117o;وكل ما نتخبط به اليوم فيه شيء من هذا الانقسام وإن اختلفت العناوين التي يجري حولها الصراع. اذاً ما هو واجب علينا تحديد الخيارات، فإذا اردنا التمسك بالميثاق الوطني فهذا يحتم سيادة منطق الاعتدال، اما اذا اردنا التخلي عن الميثاق فعلينا البحث والتفكير بصيغة اخرى، من دون ان نضيع الوقت بل ان نحدد سلفا كلبنانيين ماذا نريد".
توافقنا على الميثاق الوطني عام 1943 فانتظمت الامور الى العام 1958 حينها كانت لعبة الدخول في المحاور وتحديدا الرئيس كميل شمعون الذي سار مع الولايات المتحدة وحلف بغداد، فاندلعت الحرب الأهلية، وجاء الرئيس صائب سلام وقال بصيغة &laqascii117o;لا غالب ولا مغلوب"، وعادت الامور لتستقر الى العام 1975 يوم تحالف جزء وازن من اللبنانيين مع منظمة التحرير الفلسطينية ورد جزء وازن بالذهاب الى خيار آخر وصل ببعضهم حد الاستعانة بالعدو الاسرائيلي، حينها ابتعد اللبنانيون كليا عن الميثاق حيث طرح التقسيم وقابله طرح الوحدة العربية لتندلع الحرب مجددا، فعدنا لتحديد الخيار والتزم الجميع به لتجنب المشكلة فكان إنجاز اتفاق الطائف واعتقد الجميع ان الامور محلولة، لكن الآن عدنا الى التخبط، فهل نحدد خياراتنا الوطنية بالحوار المسؤول والجدّي ام نخوض حربا جديدة اختبرنا بعضا منها في ايار 2008 فكان اتفاق الدوحة، ولكن علينا ان نضع في حساباتنا هذه المرة ان &laqascii117o;الجغراسيا" تتغير في المنطقة بما يهدد مستقبل الكيان!.
انها اللحظة المصيرية نفسها.. ولو كانت المسافة بين راشيا وراشيا، 68 سنة.
ـ 'اللواء'
أليوت إبرامز: خطة الولايات المتحدة وإسقاط سوريا
تقديم وترجمة: إبراهيم علوش*:
نقدم فيما يلي مشروع إسقاط النظام السوري وإشعال فتيل الدمار الداخلي في سوريا كما قدمه أليوت إبرامز في ?مجلس العلاقات الخارجية?، أحد أهم مراكز الأبحاث الأميركية المختصة بصنع السياسة الخارجية والمعروف بميوله الصهيونية والذي يصدر كل شهرين مجلة ?الفورن أفيرز? Foreign Affairs المعروفة&bascii117ll;
وأليوت إبرامز ليس فقط أحد أهم الباحثين المختصين بشؤون ?الشرق الأوسط? في ذلك المركز، بل يعتبر أحد أبرز رموز المحافظين الجدد، وهو يهودي، وأحد أبرز أعمدة اللوبي الصهيوني في الإدارة الأميركية&bascii117ll;? وهو ليس مجرد باحث أو كاتب صحفي يعبّر عن رأيه، بل سبق أن تسلم عدة مناصب رسمية رفيعة أسهم من خلالها بصنع السياسات الخارجية الأميركية، وهو يتمتع بعلاقات متينة مع اللوبي الصهيوني وصناع القرار الخارجي الأميركي حتى الآن، ويرشح أن يعود إذا عاد الجمهوريون للحكم في الولايات المتحدة عام 2012، وهو يمثل في جميع الأحوال وجهة النظر اللوبي الصهيوني إزاء الإستراتيجية الأميركية الواجب إتباعها إزاء سوريا، وبالتالي فإن مشروعه أدناه لا بد أن يشكل أحد مدخلات السياسة الأميركية إزاء سوريا في الأشهر القادمة&bascii117ll;
وقد تسلم أليوت إبرامز ملف ?الشرق الأدنى وشمال أفريقيا? في مجلس الأمن القومي الأميركي بين نهاية عام 2002 وبداية عام 2005، حيث أشرف من خلال ذلك الموقع على ما يسمى ?عملية السلام? و?المفاوضات الفلسطينية -الإسرائيلية?، واشتهر أبان ذلك بصهيونيته المتطرفة&bascii117ll; وانتقل بعدها فوراً ليصبح نائب مستشار مجلس الأمن القومي الأميركي لإستراتيجية الديموقراطية العالمية، أي لإثارة ?الثورات? الديموقراطية، خلال فترة بوش الابن الثانية، حتى تسلم أوباما للسلطة رسمياً&bascii117ll; وقد أدار عدة مناصب تتعلق بالديموقراطية وحقوق الإنسان والمنظمات الدولية وأميركا اللاتينية قبلها خلال فترة الثمانينات في ظل الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان&bascii117ll;?وفي بداية فترة حكم بوش الابن اتهم إبرامز رسميا بتدبير الانقلاب على تشافيز في فنزويلا عام 2002، ونشرت وزارة الخارجية الأميركية تحقيقاً رسمياً بالأمر برأته فيه طبعاً من التهمة الموجهة إليه&bascii117ll;? وكانت قد وجهت له قبلها اتهامات رسمية تتعلق بفضيحة إيران - كونترا في الثمانينات، وحكم عليه بغرامة 50 دولاراً كاملة عداً ونقداً ومئة ساعة خدمة مجتمع، حتى عفا عنه الرئيس بوش الأب عام 1992&bascii117ll;
مشروع إسقاط النظام السوري:
أهم ما في مشروع إبرامز أدناه لإسقاط النظام السوري هو أنه يكشف أننا لسنا إزاء ثورة شعبية ولا من يحزنون، بل إزاء مشروع أميركي - صهيوني لإسقاط النظام السوري بسبب دعمه للمقاومات العربية، كما يقول هو في نهاية مشروعه، لا نحن&bascii117ll; ويأخذ ذلك المشروع شكل مؤامرة واضحة المعالم لكل من يقرأ السطور أدناه، فالحديث عن ?مؤامرة ضد سوريا?، بالشكل العام المجرد، يجد تعبيراته الحسية الملموسة في اقتراحات إليوت إبرامز العسكرية والسياسية والاقتصادية المباشرة بصدد سوريا&bascii117ll;
ونلاحظ بالتحديد أن إليوت إبرامز يبني كل نظرته للمجتمع السوري من الزاوية الطائفية السنية - العلوية، وهو يستخدم خطاب طائفي فج في مهاجمته للقيادة السورية نرفض مساجلته من حيث المبدأ&bascii117ll; والمظاهرات المليونية التي خرجت مع الإصلاح والحوار وضد التدخل الخارجي في سوريا لم تخرج من بين صفوف العلويين فحسب، ولا المواطنون السنة أقل حرصاً على سيادة سوريا واستقلالها وعلى حمايتها من شر الفتنة من غيرهم، فهذه كلها أكاذيب وفتنة، ونرفض مبدأ التفريق بين سني وعلوي أصلاً، والمواطنون السوريون أخوة وشركاء في حرصهم على وطنهم وبلادهم، يشاركهم في ذلك كل المواطنين العرب، لكن إستراتيجية إسقاط القيادة السورية التي يقترحها إبرامز تقوم على إثارة ذلك التناقض المفتعل واستثماره وتصعيده للحد الأقصى، مع السعي لدفع ?المجلس الوطني السوري? ليظهر وكأنه يسمو فوق النقمة الطائفية، ونؤكد على تعبير ?ليظهر? الذي يستخدمه إبرامز تكراراً، من خلال موافقة ?المجلس الوطني السوري? على ?حماية دولية للأقليات في سوريا? مثلاً&bascii117ll;!?وتكسب الولايات المتحدة بهذا على الجهتين، جهة إسقاط النظام وجهة تقديم السياسة الأميركية كحامي للأقليات، في نفس الوقت الذي تقدم فيه نفسها كمدافع عن حق الطائفة السنية بتسلم الحكم، ويعيد بلاد الشام إلى عصر الوصاية والامتيازات الأجنبية، كما أنه يستند لتعزيز الدور التركي في سوريا وفي إسقاط الحكم، كما يقول إبرامز نفسه&bascii117ll;
وفي خضم مثل ذلك الخطاب الطائفي البغيض، لا يألو إبرامز جهداً في استخدام لغة دبلوماسية لتهديد الأقليات بالذبح والسحل إذا لم تقف مع مشروع إسقاط النظام، ويعدها بالحماية الدولية إذا وقفت مع ذلك المشروع&bascii117ll; وهذا الخطاب، فضلاً عن كونه بلطجة أميركية، فإنه يستهدف لا مفهوم السيادة السورية فحسب، بل مفهوم المواطنة نفسه، على غرار المشروع الصهيوني في كل الإقليم، فهو يعني إعادة إنتاج سيناريو العراق في سوريا، مع انقلاب الأدوار المسرحية حسب الحاجة: زعم الدفاع عن الشيعة في العراق في وجه صدام، وزعم الدفاع عن السنة في سوريا في وجه الأسد&bascii117ll;
ولا يتظاهر إبرامز أبداً بأن ما يجري في سوريا هو حراك سلمي، بل يبدأ فوراً بالحديث عن المعارك المسلحة بين ?النظام العلوي? والتمرد المسلح المستند إلى ?أغلبية سكانية سنية? حسب زعمه، بالتحديد، يتحدث إليوت إبرامز عن إسقاط النظام السوري عبر: 1) عزل النظام عن قواعده في الجيش والشعب، 2) تفجير حرب أهلية داخلية تتم تغذيتها عبر أطراف ودول ثالثة، بدون التدخل المباشر للولايات المتحدة، وصولاً لمناطق الحظر الجوي والملاجئ الآمنة، و3) وعبر تشديد العقوبات الاقتصادية من خلال تركيا والاتحاد الأوروبي&bascii117ll;
وكل هذا بتنا نرى آثاره في سوريا على الأرض اليوم&bascii117ll;? وهكذا يبدو واضحاً طبيعة المشروع ?الديموقراطي? الذي تدعو له الولايات المتحدة الأميركية في سوريا&bascii117ll;
نقطة أخيرة، قد لا تكون هناك حاجة للتذكير بها لولا حالة التفكيك التي بتنا نعيشها، ولولا النفس الطائفي المقيت في ورقة إبرامز أدناه&bascii117ll; نحن قوميون عرب نؤمن أن العرب كلهم مواطنون متساوون بالحقوق والواجبات، ونرى أن الهجمة اليوم تنصب على إزالة آثار المشروع القومي العربي بكل فروعه وتجلياته، وبأن الخارجين عن العروبة هم المتعاونون مع الناتو وأعوانه بغض النظر عن طائفتهم&bascii117ll;?
ونرى أن ما يراد لسوريا هو حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، وأن العاصم من ذلك الشؤم الكالح هو التمسك بمفهوم المواطنة السورية والحس القومي فوق أي اعتبارات طائفية أو عرقية&bascii117ll;?ونرى أن نافثي الشر ودعاة الفتنة ليسوا من العروبة أو الإسلام في شيء، وأنهم ليسوا أصحاب مشروع ديموقراطي بأي شكل، بل أصحاب مشروع دمار وعودة للاستعمار&bascii117ll; سوريا قوية، وليست لقمة سائغة، ولا هي دولة تنقصها المياه أو الأراضي الزراعية أو الصناعات أو تشكو من ضيق المساحة، وجيشها وشعبها وقواها الأمنية ليست بلا أنياب فتاكة، ولسوريا رصيد كبير في الشارع العربي مهما حاولت ?الجزيرة? و?العربية? والفضائيات الصفراء أن تحجمه، وقد بدأت تعود في الوطن العربيٌ كثير من الشخصيات والقوى إلى رشدها بعد انكشاف حقيقة مشروع ?الإصلاح? الأميركي، وحقيقة تورط التحالف الإخواني -الليبرالي فيه، وإليكم أدناه عينة واضحة منه لأولي الألباب&bascii117ll;
خيارات أميركية في سوريا مذكرة إبداع السياسات رقم 9 المؤلف: أليوت إبرامز الناشر: دار مجلس العلاقات الخارجية تشرين الأول 2011 يتصاعد مستوى العنف في سوريا شهراً بعد شهر&bascii117ll; وقد قتل نظام بشار الأسد اقل بقليل من ثلاثة آلاف مواطن حتى الآن، ومع تزايد حالات الارتداد من الجيش، يبدو أن السكان قد بدأوا يقاومون&bascii117ll; إن حرباً أهلية شاملة، فيما يقاتل نظام الأقلية العلوية دفاعاً عن حياته ضد تمرد مسلح من قوات تستند إلى أغلبية السكان السنية، تبدو بتزايد أمراً أكثر قابلية للتصديق&bascii117ll;
إن أهداف سياسة الولايات المتحدة الأميركية يجب أن تكون إنهاء العنف، إسقاط نظام الأسد، ووضع الأسس لنظام ديموقراطي مستقل، مع حماية الأقليات العلوية والكردية والمسيحية، وهو ما سيكون صعب المنال&bascii117ll;?فقد تخلت إدارة أوباما عن هدف إصلاح النظام، وعن وجه حق: فليس هنالك أساس في سلوك نظام الأسد لإحياء الأمل بأنه يمكن أن يقود انتقالاً إلى الديموقراطية&bascii117ll;?وعوضاً عن ذلك، فإن الهدف الأميركي والأوروبي والتركي بات نهاية حكم عائلة الأسد&bascii117ll; لكن كيف يمكن لصناع السياسة الأميركيين أن يحققوا ذلك الهدف بأقصر مدة ممكنة وأقل قدر إضافي من العنف؟
والجواب هو إستراتيجية تهدف في آنٍ لإضعاف قواعد دعم النظام ولتشجيع المعارضة على أن تظهر أنها تسعى لسوريا ديموقراطية غير طائفية&bascii117ll;
عزل عائلة الأسد يستند دعم النظام على الجماعة العلوية، قوات الأمن التي يقودها علويون، وعلى جماعة رجال الأعمال (السنة والعلويين)&bascii117ll; إن 74% من السكان السوريين مسلمون سنة، بينما نظام الأسد علوي ? والطائفة العلوية فرعٌ من الإسلام الشيعي غالباً ما تعتبر مارقة من قبل السنة المتعصبين&bascii117ll; والعلويون يشكلون فقط من 10 إلى 15 بالمئة من السوريين&bascii117ll;? لكن الفرق الأفضل تسليحاً وتدريباً في الجيش السوري علوية&bascii117ll;
لذلك فإن الهدف الأول للولايات المتحدة يجب أن يكون عزل عائلة الأسد وأقرب مقربيها عن بقية الجماعة العلوية التي لم تستفد إلا قليلاً جداً من الثروات التي وزعها الأسد لأقرب الداعمين&bascii117ll; ومع أن كل العلويين يخشون الثأر ضد كل جماعتهم إذا سقط الأسد، فإن بينهم تراوحاً في درجات الولاء لعائلة الأسد&bascii117ll; لذا يجب أن تستمر الولايات المتحدة بالضغط على المجموعات العديدة التي تعارض النظام الآن لكي تقدم واجهة متحدة، وقد شرعت المعارضة بتحقيق ذلك، مشكلةً ?مجلس وطني سوري? من 140 عضواً في بداية شهر تشرين الأول 2011&bascii117ll; وعلى ذلك المجلس أن يوضح للملأ نوع سوريا التي يتمنى بناءها، من خلال التأكيد تكراراً على التزامه بالتعامل المتساوي مع كل السوريين بدون اعتبار للطائفة أو المعتقد الديني، ومن خلال إدراج علويين وغير سنة بشكل بارز في صفوفه&bascii117ll; وعلى المجلس أن يرفع صوته عالياً وبشكل انفعالي في إدانته لأي عنف ضد المواطنين العلويين والجماعات العلوية، وهو الأمر الذي يرجح أن يزداد إذا تصاعدت المعارك المسلحة بين النظام والمعارضة&bascii117ll;? يجب أن يتعهد المجلس بحماية كل الأقليات في سوريا ما بعد الأسد ? من العلويين إلى الأكراد إلى الجماعات المسيحية المتوترة بشدة&bascii117ll;&bascii117ll; يجب أن يوافق المجلس الآن على دور دولي في تأمين تلك الضمانات والحماية للأقليات&bascii117ll; وكلما كانت تلك التعهدات أكثر تفصيلاً، وكلما نالت المزيد من الدعاية والدعم الدولي، كلما كانت أكثر إقناعاً داخل سوريا&bascii117ll;
أما بالنسبة للقوات العسكرية والشرطة، فإن المسؤولين الغربيين والأتراك يجب أن يضغطوا على الجنرالات العلويين في الجيش السوري لفرز أنفسهم عن النظام&bascii117ll; ويجب أن يحاجوا بأن أولئك الجنرالات يمكن أن ينقذوا مستقبل جماعتهم ما بعد الأسد، ومستقبلهم الشخصي، برفضهم الآن أن يقتلوا مواطنيهم&bascii117ll; العسكرية الأميركية ليست لها روابط مع أولئك الرجال، لكن يمكن الافتراض أن الأتراك والأردنيين، وربما الفرنسيين، لديهم قنوات لنقل مثل تلك الرسائل&bascii117ll; ?لماذا تضحون بأنفسكم من أجل مافيا الأسد التي انتهى أمرها على أية حال؟? هي الرسالة التي يجب التأكيد عليها، إضافة إلى رسالة: ?كن من الناجين من الخطر?&bascii117ll;? هنا يمكن أن تساعد بيانات من ?المجلس الوطني السوري?&bascii117ll;?فالمجلس يجب أن يوضح بأنه لن تكون هناك حملات تطهير بالجملة للضباط العلويين، ولكن سيكون هناك قصاص في سوريا وعبر المحكمة الجنائية الدولية للضباط المتورطين بقتل المتظاهرين السلميين&bascii117ll;
قلب المجتمع التجاري الخطوة الثانية يجب أن تكون قلب مجتمع رجال الأعمال ضد النظام&bascii117ll;?وحتى الآن، لا تزال قيادة رجال الأعمال، من سنيين ومسيحيين وعلويين، على الحياد&bascii117ll; وعلى الولايات المتحدة وشركائها أن يقودوا رجال الأعمال السوريين للنظر لعائلة الأسد كدين لا يمكن سداده سيجلب استمراره في السلطة مزيداً من الألم الاقتصادي الذي ما برحت تعانيه سوريا&bascii117ll; فحتى الآن هذا العام انخفض كلاً من الاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة لأكثر من النصف، والصادرات انخفضت بمقدار الثلثين&bascii117ll; وإذا بقيت عائلة الأسد في الحكم، يجب أن يفهم رجال الأعمال، فإن الأمر سيصبح أسوأ فقط&bascii117ll; أما الولايات المتحدة فقد مارست الحظر بالنسبة لسوريا حتى لم يعد لديها ما تفعله في هذا المجال&bascii117ll; فلا يوجد بينها وبين سوريا أي تجارة أو استثمار تقريباً&bascii117ll; الأمر الحاسم هو أن يقطع الاتحاد الأوروبي الاقتصاد السوري، وهو ما بدأ يحدث فعلاً&bascii117ll; فأوروبا تشتري عادة 95 بالمئة من صادرات سوريا النفطية، مزودةً النظام بذلك بحوالي ثلث عائداته من العملة الصعبة، ولكن الاتحاد الأوروبي بادر لحظر الواردات النفطية السورية وأي استثمارات جديدة في قطاع النفط السوري&bascii117ll; وكلما تحرك الاتحاد الأوروبي بشكل أقرب وأسرع نحو حظر كامل على التجارة مع سوريا، كلما كان ذلك أفضل، لأن الإشعار بحد ذاته والضرر الفعلي للنخب الاقتصادية السورية سيكون أعظم&bascii117ll;
التعامل مع العنف ستحتاج الولايات المتحدة لتبني سياسات للتقدم إلى الأمام حول ثلاث قضايا أكثر صعوبة&bascii117ll; الأولى هي كيفية معالجة الموقف إذا بدأ صراع عسكري جدي على شكل حرب أهلية&bascii117ll; وتتراوح التقديرات حول عدد الجنود الذين انشقوا من الجيش السوري وحول ما إذا كانت لديهم قدرة واقعية للالتحام مع القوات النظامية&bascii117ll; الولايات المتحدة يجب أن تشجع الانشقاقات لكنها لا يجب أن تشجع العنف بأي شكل&bascii117ll; لكن إذا بزغت إلى حيز الوجود معارضة مسلحة وقاتلت النظام، فإن الولايات المتحدة لن ترغب بأن ترى مثل تلك المعارضة وقد سحقت&bascii117ll; على هذا، فإن الولايات المتحدة يجب أن لا تثني حكومات أخرى عن تقديم الدعم للمتمردين إذا رغبت تلك الحكومات بذلك&bascii117ll; ولا يجب أن تحاول منع مجموعات أخرى ? مثلاً، القبائل السنية التي تعيش على طرفي مناطق الحدود السورية - العراقية ? من مساعدة أخوة لهم داخل سوريا&bascii117ll; أما إذا تفاقمت تدفقات اللاجئين والعنف بشدة، فإن الولايات المتحدة ستحتاج لمناقشة فرض مناطق حظر طيران أو ملاجئ آمنة على طول حدود سوريا، مع جيران سوريا وحلفائها في الناتو&bascii117ll;
مستقبل الأسد المسألة الثانية هي مستقبل عائلة الأسد نفسها&bascii117ll; يتوجب الافتراض أن الأسد سوف يقاتل حتى النهاية&bascii117ll; فلو استنتج عند نقطة ما أن استمراره بالحكم لا يمكن الدفاع عنه أو على الأقل موضع شك كبير، فقد يسعى لإيجاد ملجأ آمن لعائلته&bascii117ll; وقد يكون ذلك صعباً نظراً لوجود محكمة الجنايات الدولية، لكنه أمرٌ يستحق المتابعة&bascii117ll; فإذا عرضت دولة ما على الأسد ملجأً آمناً، يجب أن لا تحاول الولايات المتحدة الوقوف في الطريق، لا بل يجب أن تشجع الأسد على قبول مثل ذلك العرض&bascii117ll; وقد أظهرت حالات كثيرة أخرى بأن العدالة قد تتأخر كثيراً أو لا يتم الوصول أبداً&bascii117ll; لكن الشعب السوري بإمكانه أن يتقدم نحو أهدافه الخاصة، بالرغم من ذلك، في الوقت الحالي&bascii117ll;
المسالة الثالثة هي ما إذا كان يتوجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن تسعى أو توافق على نظام علوي بدون بشار الأسد على رأسه&bascii117ll; إن انقلاباً من داخل القصر يمكن أن يقدم للولايات المتحدة مثل ذلك البديل للوضع الراهن، لكن ذلك لا يجب أن يكون هدفاً أميركياً&bascii117ll; فلقد خسر نظام الأسد موافقة المحكومين، ومن الصعوبة بمكان أن يرى المرء كيف يمكن لنظام علوي بديل أن يستعيدها&bascii117ll; فسوف يكون مثل ذلك النظام بقيادة عدد أكبر من اللازم من المسؤولين المتورطين في انتهاكات النظام القديم، وسيبقى بالتعريف أقلية تحكم بلداً أغلبيته من السنة&bascii117ll; وبما أن مثل ذلك النظام لا يستطيع أن يكسب انتخابات حرة، فإنه سوف يحكم بالقوة، خاصة فيما الجمهور السني يصخب مطالباً بالمزيد من الحقوق وبات متورطاً في القتال من أجلها&bascii117ll; وهو ما سيعني اضطراباً وفوضى مستمرين في سوريا&bascii117ll; إن نظام علوي بديل يزيل عشيرة الأسد من السلطة ويكون بوضوح خطوة انتقالية نحو الديموقراطية يمكن أن يكون نافعاً في إنهاء العنف وفتح طريق إلى الأمام، ولكن فقط إذا كان محدوداً في الزمن والطموحات&bascii117ll; المسؤولون عنه يجب أن يظهروا حسن نواياهم، وجدولهم الزمني القصير، للجمهور وللتحالف الدولي الذي يعاقب سوريا وينتقدها اليوم، لكن ذلك لن يكون مستحيلاً&bascii117ll;?فإنهاء العنف الحكومي، وجداول زمنية لانتخابات، وإدراج قيادات المعارضة في الحكومة المؤقتة يمكن كله أن يظهر نوايا إيجابية&bascii117ll;
مكسب أميركي إن إنهاء نظام الأسد سيكون مكسباً كبيراً للولايات المتحدة&bascii117ll;? فذلك النظام ديكتاتورية دموية تحتضن حماس والمجموعات الفلسطينية الإرهابية الأخرى، وهو حليف إيران العربي الوحيد، والطريق الذي تتبعه إيران لتسليح حزب الله، وهو خطر دائم على سيادة لبنان وسلامه الداخلي&bascii117ll; وهو، فضلاً عن ذلك، متورط في مقتل العديد من الجنود الأميركيين وجرح عدد أكبر بكثير بفضل بذله أقصى جهده لمساعدة الجهاديين الساعين لمقاتلة الأميركيين في العراق&bascii117ll;
* ( كاتب وباحث فلسطيني)
ـ 'النهار'
أي مسار في حال الامتناع عن تمويل المحكمة؟
'نقطة أزمة' تبدأ من مجلس الأمن
روزانا بومنصف:
تكشف مصادر غربية واسعة الاطلاع ان عدم تمويل الحكومة اللبنانية للمحكمة الخاصة بلبنان قد يؤدي الى 'ازمة'، او كما عبر عنها وفق التعبير الغربي 'نقطة ازمة'، سيقرر على أثرها مجلس الامن الدولي الخطوات اللاحقة من دون ان يدخل في تفاصيل ما يعنيه بهذه العبارة تحديدا. ووفق مصادر معنية على صلة بوضع هيكلية المحكمة، فإن المجلس قد لا يتخذ على الارجح اجراءات مباشرة انما سيعلن في بيان سيصدره لهذه الغاية امتعاضه من تخلف لبنان وانزعاجه من عدم التزامه القرارات الدولية وتعهداته على هذا الصعيد. وهذا البيان بمضمونه المرتقب على هذا النحو سيوفر مبررات وذرائع للدول المؤثرة في مجلس الامن لان تتخذ اجراءات عقابية. وهذه الاجراءات ستتخذ بناء على الموقف الصادر عن مجلس الامن وفي ضوء موقف الحكومة اللبنانية التي وجه اليها عدد كبير من الدول تحذيرات مسبقة لا يمكن القول انها لم تكن على علم بها او انها ستفاجئها بل سيتحمل الافرقاء المعنيون الى جانب الحكومة المسؤولية الكاملة عن وصول الامور الى هذه الحال، هذا مع الاخذ في الاعتبار ان عدم مساهمة لبنان في تنفيذ التزاماته الدولية على هذا الصعيد لن توقف مسار التمويل ولا مسار المحكمة خصوصا ان ثمة انقساما داخل الحكومة نفسها بين اعلان رئيس الحكومة التزامه تمويل المحكمة ومعه رئيس الجمهورية والنائب وليد جنبلاط، الامر الذي من شأنه ان يحرج 'حزب الله' ويضعه في الواجهة من حيث ان رفضه تمويل المحكمة يمكن الطعن به كونه يعتبر فريقا معنيا من خلال إعلانه رسميا حماية المتهمين ورفضه تسليمهم الى المحكمة. ولا يعتقدن احد وفق ما تنقل هذه المصادر بأن هذا الرفض من طرف لا يحظى بتعاطف دولي ايا يكن موقعه المحلي ونفوذه ويحمي متهمين يمكن ان يجد اي صدى ايجابي، بل يمكن ان يخلق رد فعل عكسيا من اجل عدم السماح لتنظيمات من هذا النوع ان تتحكم بالقرارات المحلية للدول وبالقرارات الخارجية على حد سواء.
هذا المنطق يسري بالقوة نفسها على ما تردد من شائعات حول نية تأجيل بت تمويل المحكمة حتى النظر في الاتفاق الموقع مع الامم المتحدة لدى حلول اوان تمديده في اذار المقبل. وتعرب هذه المصادر عن اقتناعها القوي ان الامين العام للامم المتحدة بان كي مون لن يستشير لبنان على الارجح وفق ما يعتقد بقدرة لبنان الرسمي بحكومته الحالية على نسف هذا الاتفاق، اذ ان نص القرار 1757 الذي انشأ المحكمة وروح هذا القرار يفيدان بحتمية استمرار عملها ما دامت لم تنه هذا العمل بحيث يمكن ان يمدد ذلك لسنة او خمس سنوات او اكثر. اما في حال رغبت الحكومة اللبنانية في مراجعة او اعادة النظر في امر ما فقد يكون ذلك ممكنا لكن ليس لجهة وقف العمل بالاتفاق او لنسفه منعا للمحكمة من الاستمرار في عملها. يضاف الى ذلك عامل يتصل بكون الرافض او المتحفظ هو الحكومة اللبنانية ومرجعياتها الاساسية وليس احد افرقائها مع علامات الاستفهام الكبيرة التي يثيرها. وقد يكون صعبا على رئيس الحكومة تحمل تبني رؤية او وجهة نظر فريق في الحكومة يمكن ان يؤدي موقفه الى المس بصدقية لبنان وتعريضه لاجراءات تضر به خصوصا انه يحمل عنوانا لقبوله رئاسة الحكومة هو حماية لبنان والمحافظة على استقراره.
ولذلك ثمة مرحلة ترقب لما ستتخذه الحكومة اللبنانية من قرارات في هذا الشأن وفق ما اعلن الرئيس ميقاتي الذي قال بوضع موضوع التمويل قريبا على طاولة اعمال مجلس الوزراء اللبناني، والتزم ذلك امام السفراء العرب الذين التقاهم اخيرا على هامش شرح موقف حكومته من معارضة الاجماع العربي في مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة حول تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية. كما اكد هذا الالتزام لـ'النهار' ايضا بعد ايام. وبحسب مصادر مراقبة فان كل الاوراق الدولية والاقليمية باتت مكشوفة على هذا الصعيد من حيث ضرورة تقويم الحكومة اللبنانية وافرقائها اي خيار يعتمدون وما هي تبعات كل من هذه الخيارات على وضع الحكومة في الدرجة الاولى وكبار المسؤولين والمرجعيات وعلى الافرقاء اصحاب هذه الخيارات والضاغطين في اتجاهها. وازاء استحالة وجود قطب مخفية مفاجئة، فان الترجيحات لا تزال تبرز في ظل رفض الرئيس ميقاتي كشف ما يملك من عناصر لخوض معركة التمويل في الحكومة، مع الاخذ في الاعتبار المواقف المعلنة لقوى 8 اذار ممثلة بـ'حزب الله' وحلفائه في الحكومة محاولة ابقاء الحكومة نظرا الى حجم المكاسب التي يمكن تحقيقها من خلال وجودها في ظل حرص افرقائهاعلى استمرارها حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة من اجل ضمان استمرارية قوى 8 اذار كاكثرية. في حين ان عدم التمويل سيحرج الرئيس ميقاتي ومعه الرئيس ميشال سليمان بما لا يضمن قبولا خارجيا برعاية هذه الحكومة اجراء الانتخابات المقبلة، علما ان في كل هذه التوقعات، اي بقاء الحكومة ورعايتها الانتخابات، ثمة تجاهل كبير لما يجري حول لبنان من حيث افتراض بقاء الامور على حالها في حين يصرح اركانها في كل مناسبة ان لبنان يتأثر بمحيطه الاقرب وليس في منأى عن تداعياته.
ـ 'السفير'
مراسلات بين رئيس الحكومة ووزيري المال والعدل.. تسبق الإحالة إلى مجلس الوزراء
مشاورات مفتوحة بين ميقاتي و'حزب الله' لحسم التمويل
هناء شهاب:
تحمل &laqascii117o;قوى 14 آذار" &laqascii117o;قضية" المحكمة الدولية، على ظهرها، وتتخبّط فيها ولأجلها على درب &laqascii117o;الجلجلة السياسية". هي &laqascii117o;حارسة الهيكل"، تراشق من يتعرّض للمحكمة بجمراتها الكلامية. بالنسبة لـ&laqascii117o;الملائكة الآذارية"، تسديد لبنان حصته من التمويل &laqascii117o;لا يرتبط بحسابات ومصالح سياسية فئوية ضيقة"، بل هو &laqascii117o;مرتبط بوجود الكيان اللبناني". المحكمة إذاً، قضية وجودية لمن يجاهد في سبيلها، مثلما صارت إطاحتها وجودية أيضا، ومن &laqascii117o;منطلقات وطنية" على طريقة &laqascii117o;البيت اللبناني بمنازل كثيرة".
يبدو واضحاً أن تمويل المحكمة لم يكن بالنسبة للآذاريين، &laqascii117o;قضيةً بالفطرة"، ولكنهم اكتسبوها، أقلّه، في الآونة الأخيرة. ففي الأوّل من كانون الأوّل من العام 2010، لم تكن &laqascii117o;القضية الأم" قد ولدت بعد، حين أرسلت الأمم المتحدة رسالةً إلى رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري تطالبه فيها بدفع حصة لبنان في المحكمة الدولية، ممهلةً إياه شهراً كاملاً للدفع.