ـ 'الجمهورية'
8 آذار لميقاتي: لن يمرّ التمويل وغير مسموح الرحيل
أسعد بشارة:
أن يحتمل رئيس حكومة نتائج الوضع في سوريا عليه وعلى طائفته، وأن يوضع في مواجهة المجتمعين العربي والدولي، وأن يبدأ الاستعداد لمرحلة ما بعد عدم التمويل، فهذا كثير على رجل واحد حتى لو كان كالرئيس نجيب ميقاتي بما يتميز به من قدرة على الصبر والتحوّط والمناورة.
أراد الرئيس ميقاتي من يوم الجمعة المقبل 'ساعة حقيقة'، محاولا بما يمتلك من أوراق محدودة أن يخيّر حلفاءه بين التمويل أو الرحيل. فهل سيكون رد حزب الله: ممنوع التمويل والرحيل، أم أن الحزب سيلعب لعبة شد الحبال مع ميقاتي حتى الدقائق الأخيرة، ليفرج عن التمويل، وليعطي الحكومة بعضا من أسباب الاستمرار.
بالانتظار، فإنه لا يوجد منطقيّا ما يدعو الى افتراض أن الحزب سيضحي بمقياتي او سيحشره الى درجة الاستقالة، وذلك نظرا لغياب البديل.
فالحزب يتطلع الى استمرار هذه الحكومة، وطموحه ان تدير الانتخابات النيابية المقبلة والمشهد الاقليمي والداخلي لا يُنبىء بأن خيارا آخر سيكون مفيدا، فهذه الحكومة هي الغطاء الشرعي للانقلاب، ورئيسها تبرّع لأن يكون في الواجهة. وصحيح ان طموحه كان مرتفعا عند التكليف، وكاد يصل الى حد القضاء على الحريرية السياسية، لكنه تضاءل بعد يومين من التكليف بعد اندلاع الثورة المصرية، وأخذ بالتلاشي بعد اندلاع الثورة السورية، ليَصِل الى مستوى احتساب الايام قبل سقوط النظام السوري، واحتساب الخسائر السياسية قبل تلقّي المزيد منها.
وانطلاقا من حرص الحزب على حكومة كهذه، فإنّ اكثر من مراقب يرى أنّ الرئيس ميقاتي لم يكن ليحدد موعد جلسة إقرار التمويل، من دون ان يكون قد قاس اتجاه حلفائه وإمكانات المناورة لديه، في ظلّ اتضاح الرؤية في الملف السوري الذي لا يخطئ أصدقاء النظام أو خصومه التقدير بأن يتجه الى مرحلة اللاعودة.
وبالتالي، فإنّ رئيس الحكومة في ساعة الحشرة قد يكون أمّن موضوع التمويل، بغضّ النظر عن الصيغة التي سيمر بها داخل مجلس الوزراء، وعن بوانتاج التصويت على سلفة الخزينة لصالح وزارة العدل، التي لم يوقّع عليها وزير العدل.
من حيث المبدأ، يفترض بسيناريو التمويل أن يحصل كالآتي: يطرح رئيس الحكومة او رئيس الجمهورية بندا على جدول أعمال مجلس الوزراء يتضمن تمويل المحكمة بسلفة خزينة، ويحصل التصويت، فإذا نال البند النصف زائدا واحدا يصدر بقرار من مجلس الوزراء، ولكن لا ينفذ التمويل عمليّا إلا بعد توقيع وزير العدل وهو ما يرجّح عدم حصوله، بسبب رفض العماد عون. وقد لا يضطر الوزير قرطباوي لاستخدام سلاح التوقيع في حال سقطت السلفة بالتصويت داخل مجلس الوزراء.
هذا السيناريو يقود الى القول إنّ حزب الله الذي يمسك بالأكثرية داخل الحكومة، سيكون هو صاحب الكلمة الفصل، وبناء على قراره بالتصويت او بعدمه سيتحدد موقف الرئيس ميقاتي، فإمّا أن يختار البقاء مع تحمّل المزيد من الاستنزاف، وفي هذه الحالة لن يمكنه الادّعاء بشَرف تصويته شخصيّا ووزراءه مع التمويل، وإمّا أن يقرر الرحيل ما يعني الدخول في فترة الاستشارات وتصريف الاعمال. وطبعا، فإنّ ذلك يؤشر الى مرحلة نهاية حكومة حزب الله وبداية مرحلة ليس سهلا من الآن تحديد معالمها.
لا تتوقع قوى 8 آذار ان يستقيل الرئيس ميقاتي اذا سقط التمويل داخل الحكومة، وهذا يعود برأي هذه القوى الى ان ميقاتي ليس لديه ادعاء الإجابة على معادلة 'الى أين'، فالخيارات برأي هذه القوى ضئيلة بالنسبة لرئيس الحكومة، كما ان القول إنّ خيار الرحيل يمكن ان يكون أسهل من القبول بعدم التمويل، هو كلام لا ينطبق على الواقع، لانه قد يفسر من حلفاء رئيس الحكومة بأنه هروب ونقض للالتزامات، في توقيت حرج ليس فيه مكان للترف او للمزاح، إلّا إذا قرر الرئيس ميقاتي أن يستمع لنصيحة أحد الأقطاب المسيحيين في المعارضة، والذي دأب منذ أيام على نصحه بالاستقالة. وعندها، يكون قد حَدّ من بعض خسائره، ونقل المشكلة إلى ملعب خصومه وحلفائه في آن معا.
ـ 'النهار'
لأن لبنان لم يعد يتحمّل حروباً على أرضه
هل يطلق سليمان وبري وميقاتي مبادرة لإنقاذه؟
إميل خوري:
إذا كان اللبنانيون بوفاقهم واتفاقهم جنّبوا بلدهم الدخول في حرب عربية – اسرائيلية في عهد الرئيس شارل حلو فنعموا بالهدوء والاستقرار والازدهار، فهل يتوافقون اليوم على تجنيبه تداعيات ما يجري في المنطقة ولا سيما في سوريا؟
الجواب عن هذا السؤال يتوقف على قوى 8 آذار وتحديداً على حلفاء سوريا في لبنان وفي طليعتهم 'حزب الله' لان في يدهم قرار السلم والحرب كونهم يملكون السلاح. اما قوى 14 آذار فترى ان يدخل لبنان في الوقت الراهن مرحلة الترقب والاخطار كي يبنى الشيء على نتائج الصراع على النفوذ في المنطقة وبما تقضي به مصلحة لبنان، ذلك ان دخوله في هذا الصراع لن يغير في هذه النتائج شيئاً سوى انه يلحق بلبنان الخسائر البشرية والمادية من دون طائل.
لقد ابلغ سياسيون مستقلون ورجال مال واعمال 'حزب الله' انهم لا يرون مصلحة لا للبنان ولا له في الدخول بلعبة الصراع على النفوذ في المنطقة، وهو صراع عربي واقليمي ودولي أكبر من قدرة لبنان على تغيير نتائجه، وان الحزب يكون قد أسدى خدمة كبرى للبنانيين وللبنان اذا قرر النأي به عن هذا الصراع والا دفع الحزب ولبنان الثمن غالياً، لان اي حرب جديدة ستكون مدمرة للبنان وتنتج هجرة واسعة، ولا تتحمل تركيبته الدقيقة ولا اقتصاده الهش مثل هذه الحرب، وستجعل اللبنانيين يبحثون عن وطن على ابواب الآخرين. وهذا الشعور بالخطر، جعل الرئيس نجيب ميقاتي يؤكد في حديث الى مجلة 'تايم ماغازين' عندما كلف تشكيل الحكومة: 'انني إذا رأيت ان ليس في استطاعتي حماية البلد فسوف اتنحى'...
وبما ان في يد 'حزب الله' قرار الحرب فان في يده أيضا قرار تعريض او عدم تعريض الاوضاع الاقتصادية والمالية لعقوبات دولية من خلال موقفه من تمويل المحكمة كأن يساعد على تحقيق توافق على ذلك خصوصا انه يحرج الرئيس ميقاتي ويدفعه الى الاستقالة اذا لم يكن الحزب مرنا وعاقلا في موقفه، مع الاشارة الى ان ميقاتي كان قد صرح بأن 'من يعتقد انني سألغي المحكمة لان فريقا رشحني لرئاسة الحكومة، فهو يحاكمني قبل ان يرى اعمالي، وكل ما احاول القيام به هو حفظ البلاد وانقاذها'.
الواقع ان قوى 8 آذار وتحديداً 'حزب الله' تتحمل مسؤولية ما يصيب لبنان من تداعيات لما يجري في المنطقة ولا سيما في سوريا، وهذه القوى تسجل على نفسها وللتاريخ موقفاً وطنياً اذا ساعدت على ابقاء لبنان في منأى عما يجري خارج حدوده فتجنبه الويلات والاضرار البشرية والمادية التي لا تعوض، والا فانها تتحمل مسؤولية كبرى أمام الله والتاريخ، كما تحملها من قبل من أدخلوا لبنان في حروب عبثية دامت 15 سنة، لأن فئة من اللبنانيين ناصرت المنظمات الفلسطينية المسلحة بدافع الحماسة لتحرير ارض فلسطين، فكانت النتيجة ان خسر لبنان جزءاً من ارضه بعدوان اسرائيلي.
ان المصلحة الوطنية تفرض على الجميع فك ارتباط لبنان بالمصالح والاهواء الخارجية، والخروج نهائياً من تجربة الانجرار في محاور، وحل الخلافات بالحوار وليس بالاقتتال والدم، وجعل الاولوية لاستراتيجية حماية لبنان من تدخلات كل خارج ومن التوترات الاقليمية لتبقى الدولة اللبنانية قادرة على حماية جميع ابنائها عندما يكونون موحدين وغير قادرة على ذلك عندما يكونون منقسمين ومتقاتلين.
لقد سبق للرئيس نبيه بري أن اكد في حديث له قبل سنة رفضه 'محاولة اثارة القلق من الشيعة في لبنان واعتبارهم متمردين على النظام واعتبار سلاحهم تهديداً لبقية الطوائف ولمشروع الدولة'. ونظراً الى دقة المرحلة وخطورتها فان الرئيس بري قادر على ان يقوم بدور انقاذي مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وهم اركان الدولة، بتحقيق الوفاق والتوافق بين اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم، وتحديداً بين قوى 8 و14 آذار على أن يجعلوا لبنان ينتظر نتائج ما يجري في المنطقة ولا سيما في سوريا وعدم استباق هذه النتائج ليبنوا معا على الشيء مقتضاه، خصوصاً ان لا دور للبنان في الصراع القائم على النفوذ في المنطقة وعلى تغليب مشروع على آخر قد يغير وجه المنطقة، سوى دور فتح ساحته لحروب الآخرين وقد حان لهم ان يتعلموا ويتعظوا من عواقب فتحها.
لذلك، فان الرئيس سليمان والرئيس بري والرئيس ميقاتي مدعوون للقيام بدور انقاذي يجنب لبنان تداعيات ما يجري في المنطقة، بحيث لا يكون لاعبا في لعبة اكبر منه، ولا ملعباً للآخرين. وهذا الدور الوطني يكون بالتوصل الى اتفاق وتوافق بين 8 و14 آذار او في اي اطار آخر على الموقف الذي ينبغي ان يكون للبنان في المرحلة الدقيقة والخطيرة التي تمر بها دول المنطقة، وهو موقف الترقب والانتظار فقط على ان يبنوا معاً موقفاً آخر في ضوء النتائج. فاذا كانت ارادة جميع من في هذه القوى حرة مستقلة، فلا شك في انهم يتوصلون الى وفاق واتفاق، اما اذا لم تكن حرة ومستقلة فلا سبيل الى ذلك، ويكون الاحتفال بالاستقلال ليس عيدا بل ذكرى عيد.
ـ 'النهار'
3 - تركيا وإيران تتقاسمان المنطقة... ولا تتصارعان عليها؟
سركيس نعوم:
الحرب المفتوحة التي يقول الرئيس السوري بشار الاسد، استناداً الى اصدقاء له صادقين، انه سيشنها في حال استمر التآمر العربي – التركي – الاميركي – الاسرائيلي – الدولي على نظامه لم يتحدث عنها تفصيلاً احد بعد، ولم يُحدَّد اطارها وساحتها وعنوانها وصفتها النهائية. لكن كل متمعّن في ما يجري داخل سوريا، ولا سيما منذ تحرّك مدينة حماه ضد النظام ومبادرة القوى الامنية والجيش الى تأديبها، يستنتج ان الحرب الاهلية قد تكون احد اوجه الحرب المذكورة وخصوصاً بعدما لم يعد هذا الموضوع مُحرَّماً إعلامياً. إذ باتت المعلومات عن التصفيات 'الاهلية' اكثر انتشاراً وبات الحديث عنها امراً عادياً داخل سوريا وخارجها. إلا ان النظام السوري يرفض طبعاً ان يعتبر نفسه جزءاً من هذا النوع من الحروب، لا بل انه يعتبر نفسه مستهدفاً بها. ولذلك فإنه يرفض اتهامه بالاشتراك فيها، ويعترف فقط بقمع الذين يقومون بها من المسلحين والمخرِّبين لمصلحة الاجنبي.
طبعاً هناك اوجه اخرى للحرب المفتوحة يمكن الحديث عنها مثل مبادرة النظام السوري الى شن الحرب على تركيا إذا باشرت عملاً عسكرياً ضده وعلى ارضه (المناطق الآمنة عمل عسكري)، ومثل مبادرة حلف شمال الاطلسي مجتمعاً او ممثلاً بتركيا الى شن حرب عسكرية على نظام الاسد، ومثل مبادرة اسرائيل الى شن حرب على النظام نفسه. وفي حالات حربية كهذه فان الاسد يعتقد، واستناداً الى اصدقائه المشار اليهم اعلاه، ان زلزالاً سيحصل جراء عدم تخلي حلفائه عنه. وأبرزهم ايران الاسلامية و'حزب الله' اللبناني. والاثنان سينخرطان حتماً في الدفاع عنه وعن بلاده، بل عن استراتيجيتهما، بالوسائل العسكرية. ومن شأن ذلك ارباك المنطقة والمجتمع الدولي. هذا فضلاً عن ان التقاتل الاهلي الطابع والطائفي ايضاً يمكن ان يتجاوز حدود سوريا الى لبنان والى دول اخرى. والعجز عن وقف كل ذلك لا بد ان يوقع المنطقة في اتون حرب مذهبية شاملة لا تسلم منها الشعوب ولا الانظمة.
إلا ان السؤالين اللذين يُطرحان هنا هما: هل ينجح النظام السوري في معركته؟ وهل يستطيع نظام وحده تدمير المنطقة؟ الجواب عن الاول ويقدمه خبراء في المنطقة بعضهم غير معادٍ له، يستبعد نجاحه في النهاية، لكن موعد هذه النهاية غير محدد. وهو على الارجح سيتأخر كثيراً لأنه يمتلك القوة العسكرية ولأن الانقسام المذهبي الحاد يمكِّنه من 'الصمود'. وعندما يحين اوان الفشل فإنه سيدفع الثمن، ولكن ستدفعه معه سوريا بكل مكوناتها وربما جيران لها وآخرون. اما السؤال الثاني فان الجواب عنه، الذي يقدمه الخبراء انفسهم، فهو ان قرار سوريا تدمير المنطقة ليس سهلاً تنفيذه. ذلك ان القوى الاخرى في المنطقة والعالم وتحديداً التي منها تناصره بالمال او بالسلاح او بالعناصر او بـ'الفيتو' في مجلس الامن، لن تتصرف إلا وفقاً لما تمليه مصالحها. فهي لن تنتحر ولن تضحّي بمصالحها الحيوية والاستراتيجية من اجله. لكنها طبعاً لن تتخلى عنه بسهولة، وستبقى معه الى ان تتأكد انه لم يعد قادراً على الاستمرار، او الى ان تحصل على ما يحفظ مصالحها.
وفي هذا المجال يعتقد الكثيرون من مؤيدي النظام السوري ورئيسه بشار الاسد داخل بلاده وفي لبنان ان ما يجري في سوريا هو في احد وجوهه صراع عليها بين تركيا 'حزب العدالة والتنمية' الاسلامي الحاكم فيها وبين الجمهورية الاسلامية الايرانية'. ويعتقدون ايضاً ان اميركا توظف هذا الصراع في مواجهتها لطهران ودمشق، وذلك نظراً الى تحالفها المزمن مع تركيا وسياستها القديمة والمستمرة لإضعاف طهران او لتطويعها او لضربها. والاعتقادان قد لا يكونان بعيدين من الصحة. لكن متابعي حركة حكومة تركيا ونظام ايران، وهم للمناسبة خبراء في اوضاع كل منهما، يستبعدون الاصطدام التركي – الايراني. ويؤكدون ان 'حواراً بناء' يجري بين انقرة وطهران رغم اختلافهما على امور كثيرة، وإن هناك تلاقياً للمصالح بينهما حول موضوعات عدة ابرزها المشكلة الكردية التي تؤرق الاثنتين. ويرجحون ان تبتعد طهران عن الضغط على انقرة كي 'تطرِّي' موقفها من دمشق رغم حلفها الاستراتيجي معها واعتبارها سقوط نظام الاسد خسارة استراتيجية لها. وبدلاً من الاقتتال التركي – الايراني يطرح هؤلاء سيناريو آخر هو تقاسم المنطقة بينهما او بعضها، طبعاً بموافقة دولية عندما يحين الوقت. والتقاسم يعني بشيء من التبسيط العراق المحكوم شيعياً لايران وسوريا التي قد تُحكم سنياً لتركيا. في اختصار الانتظار لمعرفة صلابة كل هذه النظريات افضل من التبنّي المتسرِّع لاحداها.
ـ 'النهار'
التدخّل مستبعد والضغط العربي يحرجها
روسيا تضطلع بدور مختلف مع النظام السوري؟
روزانا بومنصف:
تبدو روسيا من خلال المواقف التي يعلنها مسؤولوها الكبار في الموضوع السوري في ظل تشدد في الدفاع عن النظام السوري، على رغم زيارتين لموسكو لكل من مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون الاسبوع الماضي ورئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون، كأنها استعادت زمن الحرب الباردة في الشق المتصل بعلاقاتها في الشرق الاوسط. وهذا الانطباع اثاره في البدء الفيتو الذي استخدمته روسيا في مجلس الامن الى جانب الصين، او بالاحرى والصين الى جانبها باعتبار ان الصين لا تنفرد في فيتو من هذا النوع من دون روسيا، في الرابع من تشرين الاول الماضي رفضا لقرار يصدره مجلس الامن الدولي يدين فيه ممارسات النظام السوري واعماله ضد معارضيه ويهدد باجراءات محتملة ضده. يضاف الى ذلك الانطباع بأن روسيا خدعت من خلال القرار الدولي في شأن ليبيا من اجل حماية المدنيين الذين كان يستهدفهم الرئيس معمر القذافي والذي اعتبرته روسيا ذريعة لتدخل الناتو وفق ما حصل.
لكن روسيا لا تعارض تدخلا دوليا في سوريا لم يطرحه احد بعد على رغم خروج الرئيس السوري الى العلن باطلالتين صحافيتين بفارق ثلاثة اسابيع في ما بينهما من اجل تأكيد القول انه سيقف وسيقاتل في وجه اي تدخل اجنبي فحسب، بل هي تعارض حتى الان تنحي الرئيس السوري، كما تنتقد المعارضة لرفضها محاورته باستثناء ما اتصل بتسليم السلطة في ما يبدو وقوف روسيا في وجه الدول الغربية في هذا المطلب قبل موضوع التدخل الخارجي. وقد احرجت روسيا بالموقف الذي اتخذته الدول العربية بتعليق عضوية سوريا في الجامعة واعلنت رفضها له كونه يضعها في موقف صعب اذ يكاد يجعلها في موقع واحد مع ايران في الدفاع عن النظام، علما ان ايران لم تعد تجاهر بذلك بمقدار ما يفعل المسؤولون الروس. يضاف الى ذلك واقع ان الضغوط العربية ستجعل روسيا تبدو في موقع الخاسر ازاء الرأي العام العربي كما حصل بالنسبة الى ليبيا حين كانت في المقلب الاخر من التغيير الذي حصل هناك.
وتقول مصادر ديبلوماسية ان التدخل الاجنبي في سوريا غير وارد ولا احد يطرحه وهو غير موجود حتى لدى الاتراك على رغم الكلام الذي تورده الصحف في هذا الاطار. والرئيس السوري يعرف ذلك جيدا لكن وبما ان الشعب السوري بموالاته ومعارضته ضد التدخل الخارجي فهو يسعى الى تعزيز موقفه من خلال تصوير ما يحصل في سوريا كأنه يقود الى ذلك. وتكشف هذه المصادر انه في مقابل ذلك يتم العمل على مقاربات مختلفة لروسيا فيها الدور الاكبر وفق ما اظهرت زيارة اشتون وفيون لموسكو الاسبوع الماضي. فالاعتبارات التي تستند اليها روسيا، الى جانب مصالحها وعلاقاتها الخاصة مع سوريا، خوفها من الهجمة الغربية كما حصل في الموضوع الليبي الى جانب اقتناعها بان الاسد لن يتنحى بناء على اي طلب منه باعتبار انه ليس في وضع يدفعه الى ذلك مع استمرار وجود بعض الدعم له وليس ضعيفا الى الحد الذي يجبره على ذلك حتى الان بل هو يحاول ان يستمر وتاليا فان مطالبة روسيا له بالتنحي لن تؤثر في اعتقادها. يضاف الى ذلك خوف روسيا وفق ما عبرت عنه من حصول فوضى وربما بروز متطرفين لاحقا.
الا ان هذا الوضع غير مريح بالنسبة الى روسيا التي تدرك جيدا انها في وضع سيئ مع حرق اعلامها والتنديد بها وربما ستجد نفسها في الجانب الخاطئ من التاريخ لاقتناعها الى جانب محاولات اقناعها بان لا عودة الى الوراء في سوريا وانه لا بد من التغيير الديموقراطي الذي بات لا مفر منه مما يجعل روسيا خاسرة في نهاية الامر في حال بقيت على موقفها الممانع للضغوط الغربية ليس الا. ولذلك فان المقاربة الافضل تتم وفق المصادر الديبلوماسية المعنية من خلال حض موسكو على لعب دور لا يمكن سواها ان يقوم به خصوصا الدول الغربية او الولايات المتحدة الاميركية. اذ ان سوريا في مأزق وروسيا ايضا والدول الغربية في مأزق لعدم توافر الخيارات السحرية التي تدفع الاسد الى الرحيل. يضاف الى ذلك ان الدول العربية ايضا في مأزق كون المبادرة العربية ليست هي الحل ولا تتضمن حلولا والوضع نفسه ينسحب على تركيا التي لا تستطيع المجازفة باضطربات على حدودها وإن كانت تندفع في مواقف كلامية كبيرة.
وبحسب هذه المصادر قد يكون من باب المصلحة الروسية ألا تكون في موقع الخاسر كما بدت في ليبيا، في حين ان سوريا ربما تنزلق الى الحرب التي تتخوف منها روسيا، ومن مصلحة سوريا نفسها ايضا تجنب الحرب، ومن زاوية الحؤول دون ان يحصل التغيير عن طريق الغرب ان تلعب دورا فاعلا ومغايرا لذلك الذي تقوم به راهنا. ويمكن المجتمع الدولي ان يلحق بها لان لا احد يملك حلا مختلفا او سحريا بحيث تعمل على اقناع الاسد الذي يشكل عاملا اساسيا في هذه العملية باجراء عملية انتقال تؤدي الى تغيير النظام فينقذ سوريا ويوفر عليها جملة تداعيات خطيرة على صعد عدة لا مجال لذكرها.
وعلى ذمة هذه المصادر فإن الحل الذي يتم البحث عنه يرتكز الى هذه المقاربات.
ـ 'المستقبل'
علاقة الشيعة بالكيان اللبناني بين الماضي والحاضر
محمد صالح ابو الحمايل:
إنه حقل ألغام حقيقي، حين يرغب مواطن من طائفة أخرى أن يتصدى بالرأي والتحليل لموقع طائفة أخرى ودورها ونشاطها، ولي تجربة في هذا المجال، عندما كان الحديث في احدى الجلسات مع بعض الأصدقاء من الطائفة الشيعية، عن موقع الطائفة الشيعية ودورها في الكيان اللبناني، وعندما وصلت الى احدى مفاصل هذا الحديث، انتفض احدهم وهو يساري سابق، ليقول انه من الأجدى ان تقوم بنقد زعماء طائفتك، فتكتسب الصدقية بالنقد، بالرغم من ان هذا الصديق يعرف معرفة أكيدة أنني لا أنتمي إلى أي سياسات طائفية، وأن مناقشة قيادة الطائفة الشيعية بسياساتهم، انما تنبع من ان هذه الطائفة قد لعبت الدور الأكثر حركية في النشاط السياسي من دون الطوائف كلها على الخارطة الطائفية اللبنانية، منذ الثلثين الأخيرين من عمر الاستقلال، وهي ما زالت تعاني من سقطات هذا الحراك منذ العام 1975 تارخ تفجر الحرب اللبنانية أو قبلها بقليل، ما أريد أن أوضحه، هو أننا في هذه الظروف الصعبة من تاريخ لبنان لن يستطيع كاتب أو مفكر من خارج أي طائفة أن يدلي برأي حول طائفة لا ينتسب اليها على الرغم من أنني شخصيا وهذا بشهادة العديد من الأصدقاء من الطائفة الشيعية كنت شيعياً سياسياً ردحاً طويلا من الزمن، بالرغم من ذلك فاني أعتقد أنه بالرغم من هذا الاتهام الظالم الذي وجهه الى هذا الصديق، فانه لا بد لي من عرض تحليلي في هذا المجال، اعترافا بالدور الديموقراطي الذي لعبته الطائفة الشيعية في مرحلة ما عرف بالنضال الديموقراطي المطلبي، قبل تفجر الحرب الأهلية في سنة 1975، ومحاولة لسير حقيقة الواقع، وكيف آلت الأمور الى ماوصلنا اليه، مع الخطاب الديني والمذهبي الراهن.
كانت عملية التماس الأولى بين الطائفة الشيعية والنظام اللبناني الطائفي، بدأت على أثر النكبة الفلسطينية، التي دفعت بالفلسطينيين الى اللجوء الكثيف الى لبنان والدول العربية، ودفعت أيضاً سكان الجنوب اللبناني الى ما سمي بالنزوح الى الداخل اللبناني، وإلى العاصمة بيروت خاصة، وقد كان من مفاعيل نكبة ضياع فلسطين التي أهملت، تدمير الاقتصاد الجنوبي المستند الى علاقة وثيقة مع الاقتصاد الفلسطيني العربي، وإذا كان اللاجئون الفلسطينيون قد جرى تلقفهم بالمساعدات والاعانات من قبل الدول العربي وهيئة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فان اهل الجنوب قد تركوا ليواجهوا مصيرهم لوحدهم، وتحصيل معيشتهم بجهدهم الخاص، ومن ناحية أخرى، فاذا كانت قد طبقت قوانين صارمة بحق الفلسطينيين لمنعهم من العمل، فان الجنوبيين كانوا أحراراً في دخول سوق العمل وتحصيل معيشتهم منه بأنفسهم، وهذا ما سمح لهم بالانخراط في الحياة الاقتصادية والسياسية للمجتمع اللبناني، من ناحية أخرى، كانت عملية اللجوء الفلسطيني والنزوح الجنوبي، قد صبت دفعة واحدة في العاصمة بيروت التي كان قطاع الخدمات يتوسع فيها بشكل عامودي وأفقي دفعة واحدة، ولكنها لم تلبث أن اثقلت بالأعداد المتزايدة من النازحين الذين فاقت امكانات العمالة فيها القدرة على الاستيعاب على مر الأيام، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، كانت السلطة السياسية والنظام الطائفي في حال غيبوبة عن مواجهة هذا النزوح باقامة المشاريع التنموية البديلة لاستيعاب اليد العاملة النازحة الى المدينة في مواطنها الأصلية، وانقاذ البنية الاقتصادية في الجنوب، التي دمرها اغتصاب فلسطين من قبل العصابات الصهيونية. والحفاظ على هؤلاء المواطنين أعزاء في وطنهم وفي قراهم التي غادروها فأهملت من جهات عدة هم في طليعتها.
كان من مفاعيل هذا الاهمال المتعمد ان افتتح عهداً جديداً من العشوائيات العمرانية، وأسس لما بات يعرف فيما بعد بحزام البؤس المحيط بالعاصة، وكما حشر اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات حشر النازحون الجنوبيون في حزام بؤسهم، وهذا ما سوف يفسر طبيعة التحالف الذي سيقوم بين الطرفين في مرحلة قادمة، ومرة أخرى تواجه سلطة التحالف الطائفي للطائفتين المارونية والسنية 'نظرياً ولكن عملياً باستئثار صريح وواضح من قبل الطائفة الماروني' هذا الوضع بتجاهله وعدم التدخل في ضبطه عن طريق اقامة مساكن شعبية تليق بالحياة البشرية، فكان أن تحولت تلك العشوائيات وحزام البؤس، الى بؤرة للثورة والتمرد، ولكن من خارج النظام القائم وأدواته ومؤسساته، التي بات من المؤكد أنها لا تقدم على أي عمل لحل مشاكلهم المعيشية، هؤلاء المواطنون الذين فاجأوا المجتمع والسلطة السياسية القائمة أنهم مواطنون شركاء في هذا الوطن بحضورهم، وبخطابهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي الجديد، ونتيجة لشعور متزايد لدى هؤلاء بأنهم إنما يعيشون على هامش المجتمع، وأبواب النظام موصدة في وجههم، كان عليهم إقامة مؤسساتهم وتنظيم أنفسهم فيما عرف في الأنظمة الليبرالية بمؤسسات المجتمع المدني، من احزاب ونقابات، فشهدت الأحزاب اليسارية والقومية إقبالاً متزايداً من قبل هؤلاء النازحين، الذين ازدوجت معركتهم ضد النظام السياسي القائم، وضد زعاماتهم التقليدية التي اعتبرت متواطئة مع هذا النظام، ومن ناحية أخرى، جرى الخلط بين وظائف مؤسسات المجتمع المدني المستحدثة تلك، بشعاراتها الغربية، أوالمستغربة، من قبل قياداتها المثقفة والاغترابية التي غرقت في تفسيرات ايديولوجية صبيانية، كما يسميها لينين بمرض الطفولة اليساري، نتج عنها برامج بعيدة عن معالجة الواقع، فمن المعروف أن نشاط العمل الحزبي هو السياسة، اما النشاط النقابي فهو يسعى الى الارتقاء بوضع المهنة والعاملين فيها، لكن الذي حصل في هذا الوضع اللبناني المتميز ان السياسي والمهني كان شديد التداخل لحد الانصهار والتخريب، فكانت سيطرة الأحزاب على النقابات ما سهل دخول الدولة الى الجسم النقابي وتخريبه، في كل الأحوال وجدت الطائفة الشيعية ضالتها لممارسة نشاطها السياسي في مؤسسات المجتمع المدني تلك، وبمختلف التلاوين العقائدية والسياسية من شيوعية الى اشتراكية الى قومية، أما الخطاب السياسي لمختلف تلك الأحزاب فقد كان في ضرورة اسقاط النظام الطائفي، وإقامة نظام ديموقراطي علماني على انقاضه، وقد خاطب هذا الشعار، الطبقات الأكثر فقراً في الطوائف الأخرى المشاركة في السلطة واستقطب شرائح واسعة منها، كانت تتهاوى في السلم الطبقي يوماً بعد يوم، هذا الشعار الجامع لنشاط الطائفة الشيعية الموزعة بين تلك الأحزاب، كان هذا الشعار الجامع لتلك الأحزاب بالعمل على اسقاط النظام الطائفي يشير في حقيقيته الى ان الطائفة الشيعية المبعدة عن السلطة السياسي ذات المحاصصة الطائفية قد حسمت امرها في اسقاط النظام واستبداله بنظام غير طوائفي استناداً الى الشعارات والمطالب المرفوعة، ولكن من غير برنامج عملي واضح ومحدد
وبذلك تكون الطائفة الشيعية قد حملت لواء التغيير الديموقراطي ولكنها بأدواتها التنظيمية والأيديولوجية لم تستطع الوصول الى الهدف المرجو.
وصولاً الى الأزمة الوطنية والقومية الكبرى مع هزيمة العام 1967، في تلك اللحظة كان النظام الطائفي يتلمس حقيقة الأخطار المحيطة وجديتها، فسعى بشتى الطرق لاستيعاب هذه الحركة التي توجت بظهور الإمام موسى الصدر، كان أهم ما باشر به الإمام الصدر هو العمل على إقامة المؤسسات الدينية المستقلة للطائفة الشيعية، واستقطاب جماعات من كبار الملاك والتجار ورجال الدين الى حركته، أي أن سماحة الإمام الصدر قد أعاد رسم حدود الطائفة الشيعية 'كطائفة' بشكل مغاير لما تكرس في السابق بامتيازها أنها طائفة عابرة للطوائف وغير معترفة بها كطوائف انما كمواطنين منهم الرأسماليون والاقطاعيون والعمال والمزارعين، إذن فقد أعاد الإمام الصدر رسم حدود الطائفة كطائفة، استعدادا للدخول في جنة المحاصصة الطائفية، هذه الدعوة لاقت القبول من طرفين، أولاهما الطبقة الوسطى للطائفة التي بدأت تتكون نتيجة النزوح الكثيف الى بيروت، فقد تزايدت أعداد المتعلمين فيها بشكل هائل، وبدأت هذه الطبقة تضغط من أجل ايجاد الحل السريع لوضعها الذاتي بعيداً عن المهام الثورية التي لم تنتج أي شيء لسنوات طويلة، أما الطرف الآخر فقد كان تحالف السلطة القائمة التي رأت في حركة الإمام الصدر فرصة ذهبية لاستيعاب الطائفة، فمدت إليه يد العون والمساعدة، لتصبح الطائفة الشيعية هي الطائفة الثالثة المكونة للنظام السياسي الطائفي، وحصل محروموا الطائفة من الطبقة الوسطى على حقوقهم في الوظائف وامتيازات جنة الحكم، وأقفل على الشعار الذي رفع عن المحرومين، ولكن هل حقيقة حصلت الطائفة على حقوقها، الوقائع تقول أنه في الوقت الذي حلت فيه الطبقة الوسطى الشيعية مشكلتها، بقيت الطائفة بسوادها الأعظم تعاني من الفقر والتخلف، فبقاء حزام البؤس حول بيروت وموت الزراعة والصناعة والتنمية في الجنوب والبقاع، وهذا الكم الهائل من الخارجين على القانون، يشير الى أن المشكلة لم تحل بعد، على الصعيد الجماهيري هذا ما آلت الأمور إليه، أما على الصعيد السياسي فقد كانت الدعوة الى نبذ العنف وعدم الاحتكام الى منطق الثور هو ما أعطى للحركة بعدها السياسي وتصالح الطائفة مع النظام، وكان من أبرز المنظرين لهذا الاتجاه هو العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، الذي كان خير معبر عن برنامج الإمام السياسي، حيث كان يدعو الى الانخراط في النظام السياسي اللبناني بشكل خاص وبالأنظمة العربية بشكل عام، دون التطرق الى تغيير طبيعة هذا النظام الطائفي، بل والعمل على تغذيته بدم طائفي جديد وبرفده بقوى إضافية، سوف تؤدي الى إنقاذ هذا النظام من مصيره المحتوم الذي أصبح قام قوسين أو أدنى، بفضل الحراك الثوري والديموقراطي للقوى الشعبية الشيعية وطبقتها الوسطى، ومن هنا بدأت مرحلة جديدة في النشاط السياسي للطائفة الشيعية، وبدأ تبديل الشعارات، فبدلاً من شعار إسقاط النظام الطائفي برمته وتوحيد كافة الطوائف ومساواتها كمواطنين في السلطة السياسية وفي الحقوق والواجبات، رفع شعار 'طائفة المحرومين' فكان ردة واضحة وتخلٍ صريح عن الشعارات السابقة، وتقديم طلب دخول وانتساب الى النظام السياسي الطائفي القائم، بكل شروطه المكونة، ما لبث النظام القائم أن تلقف هذا النهج الجديد وبدأ التعامل معه كشريك محتمل في السلطة، فبدلا من إسقاط النظام برمته، وجد النظام نفسه أمام أهون الشرين بقبول شريك جديد في ناديه، الذي سوف تنفتح شهيته على المزيد من المشاركة وطلب المزيد في حصة السلطة.
'حزب الله' الدخول في الطائفة، الخروج من الوطن
انه من الواضح أن 'حزب الله' قد عمل على إخراج الطائفة الشيعية من الوطن بعد أن أدخلها الإمام الصدر فيه، والتي كانت تسعى إليه حتى في مرحلة ما قبل 'الصدرية'، والحقيقة أن عوامل عدة قد لعبت الدور الأساس في هذا الانقلاب على التاريخ وعلى التطور المنطقي والمفهوم للتحولات التي شهدتها الطائفة في السابق، العامل الأول هو تصاعد الدعوة الى العودة الى الدين والتدين بعد هزيمة العام 1967، فنبتت الجمعيات والأحزاب والحركات الإسلامية على مساحة العالم العربي والإسلامي، وأعيد انعاش شعار 'الاخوان المسلمين' 'الاسلام هو الحل'، كانت هذه الدعوة سنية بالدرجة الأولى، وإن كانت كذلك، فقد مهدت الأرضية الصالحة لتحقيق الثورة في إيران وأعطتها قوة دفع هائلة، وأوجدت لها حلفاء مهمين عند جمهور السنة، أما أصحاب شعار 'الاسلام هو الحل' فلم يخطر لهم التساؤل، أي اسلام يريدون؟ فرحوا بداية بانتصار الثورة الإيرانية ولكنهم ما لبثوا أن دخلوا في غياهب التاريخ والفتن والصراعات، هكذا كانت الثورة الإيرانية وجمهورها المستقطب في لبنان و'حزب الله' أبناء شرعيين لشعارات العودة الى الاسلام التي رفعتها الحركات السنية، العامل الثاني الذي لعب الدور الحاسم في إعطاء قوة في إعادة ترتيب الحكم في لبنان على قاعدة الطوائف، ولكن مع تبدل جوهري في هذا الاتجاه وهو الرغبة في أن تقمع الطائفة الجديدة التي هي الطائفة الشيعية باقي الطوائف المتمردة أو التي قد تفكر يوماً بالتمرد، من أجل ذلك كان لا بد من إعطاء قوة إضافية ساحقة لممارسة عملية القمع هذه لباقي الطوائف، إن هذا القول لا ينتقص ولو ذرة واحدة من حسن النوايا والإخلاص لقضية العرب المركزية في فلسطين، حيث أن هذه الجماهير التي تتموضع اليوم مع 'حزب الله' هي قد تموضعت دائماً الى جانب القضية الفلسطينية، وقدمت الغالي والنفيس من أجل القضية ولكن لعبة السياسة والوهم هو شيء خطير ومكلف.
ـ 'الأخبار'
برنار هنري ليفي يعلن الحرب على الأسد
باريس | في زاويته الأسبوعية بمجلة &laqascii117o;لوبوان"، كتب &laqascii117o;الفيلسوف" الفرنسي برنار هنري ليفي مقالة بعنوان &laqascii117o;نهاية اللعبة في سوريا"، كشف خلالها تفاصيل مثيرة عن لقاءاته ومفاوضاته مع العديد من رموز المعارضة السورية في الخارج، وختمها بما يشبه إعلان حرب رسمي على الرئيس بشار الأسد.
ليفي، الذي فاخر في كتابه الأخير بقوة تأثيره على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، واعترف بأن ساركوزي تواطأ معه في مؤامرة سرية لتهميش وزارة الخارجية الفرنسية، حتى لا تعرقل بمساعيها الدبلوماسية حرب حلف الأطلسي في ليبيا. وكشف، في المقالة، جوانب مثيرة من المساعي الخفية التي قام بها، خلال الأشهر الماضية، لاستمالة المعارضين السوريين لتأييد ما يسميه &laqascii117o;نظرية القذافي"، معتبراً أن سابقة تدخل الأطلسي لإطاحة الدكتاتور الليبي ستصبح &laqascii117o;قاعدة قانونية" في تاريخ القرن الواحد والعشرين، لسن نظرية جديدة للتخلص من الأنظمة الاستبدادية التي تطلق النار على شعوبها. ويجزم ليفي بأن النظام السوري سيُطاح وفق &laqascii117o;السيناريو الليبي" ذاته، قائلاً إنه في ما يتعلق بسوريا &laqascii117o;لم يبق سوى المشهد النهائي، الذي لم تكتمل كتابته بعد". هكذا، يكشف الفيلسوف الصهيوني صديق نتنياهو أن معركة الكواليس بدأت قبل ستة أشهر، بلقاء أوّلي في لندن جمعه بنائب الرئيس السوري الأسبق رفعت الأسد. ما يفسر الظهور المفاجئ لهذا الأخير في باريس، الأسبوع الماضي، للمطالبة بتنحي &laqascii117o;عائلة الأسد" التي يتحدّر منها، وإطلاق نداء إلى الشعب السوري من أجل رفع السلاح ضد النظام. ويكشف ليفي أيضاً جوانب مما دار خلال لقاءات أخرى بينه وبين معارضين وضباط منشقين سوريين (دون أن يذكر أيّاً منهم بالاسم)، ممن يقول إنهم يؤيدون &laqascii117o;التدخل الدولي". ومن جهة أخرى، يؤكد ليفي أن المبادرات الأخيرة للجامعة العربية بخصوص سوريا تقف وراءها &laqascii117o;قوة إقليمية وليدة اسمها قطر"، وأنها تندرج ضمن خطة مستوحاة من &laqascii117o;السابقة الليبية"، ما يعني أن مساعي الجامعة العربية بخصوص سوريا لا تهدف سوى لمنح شرعية عربية للتدخل الأجنبي، مثلما حدث في ليبيا. ويضيف: &laqascii117o;مثل ليبيا؟ نعم، مثل ليبيا. إنها &laqascii117o;السابقة الليبية" تتكرّر. القوة نفسها، بل القوى نفسها، ستفرز المفعول ذاته. كيف لا يدرك ذلك المعنيون بالأمر؟ أي &laqascii117o;توحّد" يمنع بشار الأسد من أن يفهم أن التحالف ذاته الذي أطاح القذافي هو الآن بصدد التشكل مجدداً من أجل إطاحته هو". أما المعلومة الأكثر إثارة في ما كشفته مقالة ليفي عن خفايا مفاوضاته مع المعارضين السوريين، فتتعلق بتحوّل مواقف غالبيتهم ـ كما يقول ـ نحو تأييد &laqascii117o;التدخل الدولي". ويضيف: &laqascii117o;لقد كان ذلك &laqascii117o;تابو" حتى الآن. &laqascii117o;التدخل" كان كلمة لا يمكن التلفظ بها. وكان هناك، حتى في فرنسا، معارضون (سوريون)، ممن التقيتهم أثناء الإعداد لتجمع تضامني مع المدنيين السوريين، قبل الصيف الماضي، قالوا لي آنذاك بأنهم يفضلون الموت على أن ينطقوا بكلمة &laqascii117o;تدخل" أو &laqascii117o;تدخل دولي". وهذا ما يفسر لماذا لم نقم في سوريا بمثل ما قمنا به في ليبيا. ليس ذلك من قبيل الكيل بمكيالين، بل كانت لهذه الفضيحة الأخلاقية (!!!) أسباب ومبررات عديدة، أولها أن (المعارضين) السوريين، بخلاف الليبيين، لم يكونوا يطالبون بالتدخل، بل كانوا في أحيان كثيرة يرفضون ذلك. وها قد بدأت مواقف هؤلاء تتغير. وهذا هو السبب الأخير الذي يجعل نظام دمشق محكوماً عليه بالانهيار. إن الحرب الآن قد أُعلنت ضد الأسد". وتجدر الإشارة إلى أن الجملة المشار إليها، بخصوص تفضيل الموت على النُطق بكلمة &laqascii117o;التدخل الأجنبي" كانت قد نُسبت خلال الصيف الماضي إلى الدكتور برهان غليون، وفق ما تم تداوله في أوساط المعارضة السورية في باريس. بالتالي يُفهم من كلام ليفي أن الدكتور غليون أصبح من مؤيدي &laqascii117o;التدخل الأجنبي" في سوريا!
ـ 'الديار'
بوتين 2011 يتقمّص دور اندربوف 1983
الموقف واحد: ممنوع اسقاط سوريا
انذار روسي تزامن مع وصول مدمّرات روسية قبالة السواحل السورية أوقفت الحرب
رضوان الذيب:
تبدلت شروط اللعبة في سوريا كلياً، ومن الخطأ المميت للبعض أن ينظر الى الملف السوري من خلال ما يجري في الداخل من تظاهرات واحتجاجات واشتباكات دون النظر الى اللوحة العالمية وما يجري فيها من صراعات. كل المؤشرات منذ اسبوعين كانت توحي بأن الحرب حتمية في سوريا، وتم اخراج المدافع والصواريخ التركية والخليجية من مستودعاتها وتم &laqascii117o;تزييتها وتنظيفها" استعداداً للحرب، بالتالي ذهبت الجامعة العربية وقطر الى رفض فكرة أي نقاش مع سوريا وبأن المطلوب فقط استسلام سوريا، على أن يتبع الحرب على سوريا اذا نجحت قيام الطائرات الاسرائيلية بقصف ايران تمهيداً لتدخل طيران الناتو، وبالتالي قلب الصورة جذرياً في المنطقة وضرب قوى الممانعة. وابلغ الكبار في العالم بهذا السيناريو وتحفظ البعض ورفض البعض الآخر ووافق الكثيرون. ولكن الحسابات الاوروبية والاميركية والاسرائيلية والخليجية والتركية اصطدمت بالموقف الروسي المتشدد الذي لم يكن في حسابات هذه الدول، وظهر بوتين 2011 متطرفاً عن اندربوف الرئيس الروسي السابق الذي خاض المواجهة مع الحلف الاطلسي في لبنان وقلب الطاولة على الجميع عبر ارساله الصواريخ والخبراء لدعم القوى الوطنية في لبنان، وابلغ بوتين الرئيس الاميركي اوباما بالانذار الروسي الرافض لأي حرب على سوريا مهما كانت الاعتبارات، وارفق رفضه بارسال مدمرات روسية الى شواطىء المتوسط قبالة السواحل السورية الاسبوع الماضي، رافضاً كل الاغراءات الاميركية بادخال روسيا الى منظمة التجارة العالمية مؤكداً للرئيس الاميركي بأن الحرب على سوريا ممنوعة وان أمن سوريا من أمن روسيا، كما أبلغت القيادة الروسية القيادة التركية بهذا القرار الحاسم وبارسال المدمرات الروسية الى شواطىء المتوسط وفهمت تركيا الرسالة جيداً. تقول المصادر المتابعة &laqascii117o;ان ايران ابلغت تركيا ايضاً بأن اي اعتداء على سوريا سيفجر المنطقة برمتها، وتقول معلومات ان اجراءات سورية اتخذت على الارض وتحديدا على المنطقة التي تم فيها التهديد باقامة منطقة عازلة من قبل تركيا حيث اتخذت سوريا اجراءات عسكرية في هذه المنطقة ومنعت الدخول والخروج منها الا باذن عسكري وتضيف المعلومات ان ضباطا سوريين كبار تفقدوا المنطقة برفقة جنرالات من دول صديقة لسوريا ففهمت تركيا الرسالة جيداً، وتراجع اردوغان عن خطواته باقامة منطقة عازلة بعد ان هدد بذلك صباح الخميس ليعود في المساء وليعلن ان الحرب على سوريا مستبعدة، رغم الحماس الذي ابدته قيادات في حزب العدالة والتنمية للحرب، حيث نقلت صحيفة صباح التركية كلاماً لمسؤولين في هذا الحزب دعوا فيها لاحتلال ولايات لبنان وسوريا والعراق التركية والعودة الى حكم الامبراطورية العثمانية، وهذا الكلام ترك ردود فعل لدى المعارضة التركية التي انتقدت هذا الكلام. وتضيف المصادر، ان التبدلات في المواقف الدولية والانذار الروسي سمحا بشروط لعبة جديدة ودفع سوريا الى رفض المبادرة العربية التي تتضمن شروطا تعجيزية، كما ان الجامعة العربية استبدلت خطتها بتأمين الغطاء العربي لتدخل عسكري في سوريا باستراتيجية جديدة تقوم على الحصار الاقتصادي ودعم المسلمين بالمال والسلاح والتخطيط والتدريب للقيام بعمليات عسكرية في الداخل السوري لارباك النظام، وان هذا الاجراء باعتقاد الدول العربية وتركيا يزيد من الشرخ والانقسامات ويؤدي الى اسقاط النظام. وهذا هو السيناريو المسموح به حتى الآن، فيما التصاريح والتهديدات ليست الا بالونات سياسية فقط، علماً ان التصريحات التركية والقطرية والعربية لا قيمة لها لان الحرب بالاساس هي بين قاسم سليماني قائد القوات الايرانية وبترليوس قائد القوات الاميركية، وهذا هو العنوان الاساسي للمعركة، فيما الاخرون كومبارس فقط لا يقدمون ولا يؤخرون كونهم ادوات فقط. وفي ظل هذا الواقع فان النظام السوري هو الاقوى وبالتالي ليس هناك من حرب أهلية مطلقا بل عمليات عسكرية من قبل المسلحين لضرب الهيبة السورية، وهذا ما حصل خلال العملية التي حدثت بدمشق امس الاول باتجاه مقر حزب البعث، حيث قام &laqascii117o;فان" للمسلحين باطلاق قذيفة صاروخية باتجاه مقر حزب البعث من مسافة بعيدة وانفجرت في الجو، وتم اعتقال الذين نفذوا الاعتداء من قبل قوات امن الدولة وبالتالي فان هذه العملية لا قيمة لها في العمل العسكري وهدفها الارباك فقط وكسر الهيبة الامنية في دمشق، وخلق الذعر لدى المواطن ويبقى قرار الجامعة العربية الخميس عبر فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية ودعم المعارضة السورية بالمال والسلاح. وهذا هو السيناريو حتى الان الا اذا حصلت تبدلات في المواقف خلال اليومين القادمين.