- 'السفير'
جدل حول اقتحام السفارة البريطانية في الصحف الغربية
بين متهم للسلطات الإيرانية بالوقوف وراء &laqascii117o;العمل التخريبي" وبين منبّه لبريطانيا بضرورة توخي الحذر في ردّ فعلها على الحادث، انقسمت الصحافة الغربية، والبريطانية تحديداً، حول قراءة الهجوم الذي تعرضت له السفارة البريطانية في إيران، أول أمس، على خلفية العقوبات التي فرضتها بريطانيا على البنك المركزي الإيراني. في وقت، فضّل البعض مقاربة الهجوم من منظار تاريخي أوسع، يرى أن السبب أبعد من العقوبات، إنما &laqascii117o;هو جزء من التاريخ الحافل الذي يدفع الإيرانيين إلى كره بريطانيا"، حسب ما قال الكاتب البريطاني روبرت فيسك. واستعاد فيسك، في مقال نشرته صحيفة &laqascii117o;إندبندنت" البريطانية، قصة هارفي موريس مراسل وكالة رويترز في طهران بعد الثورة، إذ طلبت منه وزارة الإرشاد الإسلامي مادة عن تاريخ الوكالة، فطلب من مكتب لندن الحصول على معلومات عن البارون فون رويتر، ليفاجأ بأن مؤسس أكبر وكالة أنباء عالمية بنى شبكة السكة الحديدية في بلاد فارس وحصل على أرباح فاحشة، وقال &laqascii117o;كيف يمكن أن أقدم هذا للوزارة؟ لقد اتضح أن البارون كان أسوأ من الشاه اللعين"، وقال فيسك &laqascii117o;طبعاً، كانت الوزارة الإيرانية على دراية بالموضوع". وقال فيسك إن بريطانيا اشتركت مع الاتحاد السوفياتي في غزو إيران عندما تقارب والد الشاه محمد رضا بهلوي مع النازيين في الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1953 ساعد البريطانيون الأميركيين على إسقاط حكومة محمد مصدق المنتخبة ديموقراطياً، على خلفيّة تأميمه الحصة النفطية البريطانية في إيران. وقال فيسك إن جهاز الاستخبارت الخارجية البريطانية &laqascii117o;أم آي 6" في طهران ساعد جهاز الاستخبارات الأميركي في إطلاق تظاهرات ضد الحكومة، سقط خلالها المئات وربما الآلاف. وختم فيسك قائلا &laqascii117o;لقد زجّنا الإيرانيون أمس في الزاوية، وكما قيل لنا فقد أخذوا مجموعة من وثائق السفارة البريطانية. ولن أنتظر كثيراً لقراءة محتوياتها، فمن المؤكد أنهم سينشرونها". أما المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في صحيفة &laqascii117o;الغارديان" البريطانية إيان بلاك فيرى أن ما حصل لم يخرج عن إطار نمط إيراني قديم للاحتجاج غير الدبلوماسي الذي ستتبعه فترة طويلة من الجفاء المتبادل، مشيراً إلى أن العلاقات البريطانية الإيرانية المتدهورة منذ ثورة 1979 تطبعها الريبة. ويختم بلاك مقاله قائلا إن &laqascii117o;إيران تتمتع بنفوذ في العراق، أما في المناطق الأخرى في الشرق الأوسط فهي في موقف دفاعي، إذ تهدد الانتفاضة السورية بتجريدها من حليفها الاستراتيجي في العالم العربي وإضعاف ارتباطها بحزب الله في لبنان، ولا ينتظر أن يؤدي الهجوم على سفارة غربية إلى تغيير ذلك". غير أن &laqascii117o;الغارديان" حذرت في افتتاحيتها من أن &laqascii117o;المسار الذي اتبعته بريطانيا في تعاملها مع برنامج إيران النووي عبر تسريع فرض عقوبات اقتصادية أكثر صرامة، لن يؤثر في دولة مثل إيران بحدودها التي يسهل اختراقها وبوجود الصين مشترياً جاهزاً لنفطها، كما أن مثل هذه العقوبات لن تعمل في ظل عدم وجود حافز إيجابي للحوار". من جهتها، اتهمت مجلة &laqascii117o;التايم" السلطات الإيرانية بالتواطؤ مع &laqascii117o;الرعاع" الذين اقتحموا السفارة، موضحة أن طهران ليست من المدن التي يمكن للمتظاهرين فيها احتلال مناطق مختلفة، من دون التعرض لخطر إطلاق النار عليهم، ما لم تكن السلطات قد وافقت على الأمر أو تواطأت مع المتظاهرين. أما &laqascii117o;الديلي تلغراف" فقد اعتبرت أن العداء الإيراني لبريطانيا ليس شيئاً جديداً... الإيرانيون يرون أن العالم يتحكم فيه ثالوث للشر يتمثل في &laqascii117o;الشيطان الأكبر" (الولايات المتحدة) و&laqascii117o;الشيطان الأصغر" (إسرائيل)، أما بريطانيا فتوصف بتهكم بأنها &laqascii117o;الماكر العجوز"، ولذا &laqascii117o;فهي بتاريخها الإمبريالي تبدو هدفاً سائغاً".
- 'النهار'
البحرين: 'لؤلؤة' المصالحة السنية - الشيعية... ولكن!
نديم قطيش:
لا يبالغ المرء كثيرا إذ يقول إن تقرير لجنة التحقيق البحرينية المستقلة في الأحداث الممتدة بين شباط وآذار الماضيين وتداعياتها، يشكل أول عملية توثيق جدية لواحد من أعقد مشاهد الإشتباك السني - الشيعي في المنطقة.
تقرير الصفحات الخمسمئة الذي اعدته لجنة يرأسها الديبلوماسي الأممي والحقوقي الأميركي من أصل مصري محمد شريف بسيوني صاحب الخبرة الطويلة في التحقيق في جرائم الحروب من يوغوسلافيا الى أفغانستان وغيرها، وُضع في الواقع بناء على طلب من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة. ومولت اللجنة المعدة للتقرير من موازنة المحكمة الملكية في البلاد بمبلغ 1.4 مليون دولار، الا أن نتائجه جاءت مخالفة لكل التوقعات التي تعتبر ان لجنة كهذه في العالم العربي لا بد وأن يأتي نتاجها مفصلاً على مقاسات من طلبوا تشكيلها.
لم ينتبه كثيرون الى أن إختيار بسيوني لرئاسة اللجنة كان يعني بما لا يدع مجالاً للشك أن الملك قرر سلفاً الوصول الى نتائج رصينة إذ يكفي أن تكون في سيرة الرجل الذاتية رئاسته للجنة الصياغة في المؤتمر الديبلوماسي في روما الذي إنبثق عنه تشكيل محكمة الجنايات الدولية. وعليه كان بديهياً أن يثير التقرير قلق المعارضة الشيعية قبل صدوره بقدر إثارته إستهجان السنة الموالين للحكومة بعد صدوره، في إشارة بالغة الدلالة على تمتعه بأعلى درجات الحياد والنزاهة.
نسف تقرير بسيوني حججاً رئيسة إستخدمها النظام لتبرير أعمال القمع الممنهجة التي مورست ضد المتظاهرين الشيعة، كما للتهرب من البدء في عملية إصلاح جادة وعميقة تستجيب لتداعيات الخلل المتمثل بإقصاء الأكثرية الشعبية الشيعية عن أي دور سياسي ذي معنى في البحرين. ولعل أبرز هذه الحجج القول إن الإنتفاضة في البحرين هي حصيلة تآمر إيراني على المملكة، الامر الذي يقول معدو التقرير صراحة إنهم لم يجدوا دليلاً عليه.
كما وجه التقرير إنتقادات شديدة القسوة للأجهزة الأمنية البحرينية متهماً إياها بممارسة العنف الممنهج ضد المتظاهرين الشيعة بكل أشكاله بالاضافة الى إشارته المهمة الى غياب ثقافة المحاسبة التي تسمح بأبشع أنواع الاستغلال لحق الدول والمنظات الدولتية في إحتكار أدوات العنف، مع ما يعنيه ذلك من نقد غير مباشر للقيادة السياسية في البلاد.
وإذ يسجل لملك البحرين شجاعته في تشكيل لجنة تقصي حقائق ومن ثم القبول بنتائج تقريرها الذي يدين جوانب أساسية من إدارته السياسية للأزمة، يبقى أن الكيفية التي ستنفذ بها توصيات التقرير ستقرر لا مستقبل البحرين السياسي فحسب بل ستؤثر عميقاً في الصراع الجيو- مذهبي المندلع بين السنة والشيعة في عموم العالم الاسلامي.
ولعل البحرين البلد العربي الوحيد الذي تتوافر فيه الظروف الموضوعية لإستيلاد دينامية سنية - شيعية جديدة على قاعدة المصالحة السياسية، لسبب رئيسي بين أسباب كثيرة، هو إنتفاء عنصر السلاح غير الشرعي من بين مكونات وأدوات الصراع القائم في البلاد. يضاف الى ذلك إنطواء كل من المعارضة والسلطة على عناصر معتدلة وأخرى متطرفة تسمح بالمناورة لتوسيع مساحة المشتركات السياسية تمهيدا لتسوية شجاعة وعادلة. في هذا السياق، كانت لافتة مسارعة جمعية الوفاق، أكبر فصائل المعارضة البحرينية، الى إبداء إستعدادها للعمل مع ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة لتطبيق توصيات تقرير بسيوني في الوقت نفسه الذي طالبت فيه بإقالة رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، الذي يعد أعتق سياسي غير منتخب في العالم.
كما ان تصريحات مسؤولي جمعية الوفاق للصحافة الدولية تشي بنضوج سياسي حول مستقبل العلاقة الأميركية البحرينية وإتصالها الوثيق بأساسيات الأمن القومي لمنطقة الخليج وليس البحرين وحسب كما قال القيادي في الجمعية جاسم حسين. وفي هذا تنبه حاذق لأبعاد الصراع الإيراني - الخليجي وتأثيراته العميقة على القضية السياسية للمعارضة البحرينية. وقد عبر أكثر من مسؤول في جمعية الوفاق في مقابلات مطولة مع وسائل إعلام غربية عن عدم رغبة الحركة في طلب مغادرة الأسطول الأميركي الخامس الذي يتخذ من البحرين مركزاً لقيادته.
من جهته الأمير سلمان، الذي كاد أن يصل بحواره مع المعارضة الى حلول للأزمة لولا نقطة تحول لا تزال غامضة في مصير الحركة الإحتجاجية وإندفاعها نحو المطالبة بإسقاط النظام، ادلى بتصريحات مشجعة لصحيفة 'واشنطن بوست' قال فيها 'إما نربح جميعاً وإما أن نخسر جميعاً... ما يقلقني حقاً هو هل لا يزال هناك شيء من التسامح'. ولعل الأهم أن الأمير سلمان تحدث عن 'تشارك المسؤولية عن الأحداث كسبيل وحيد لحصول تقدم على مسار حل الأزمة'.
النقطة الأخيرة التي تضع الكرة في الملعبين تملي على المعارضة البحرينية الشيعية ان لا تسقط في فخ الاستعلاء الاخلاقي من موقع الضحية الذي منحها اياه التقرير، للقفز ربما الى أجندات متطرفة بداخلها مثل الدعوات الى اسقاط النظام وتجييش الناس بدفع من جراحهم المعترف بها. ولعل اولى مهمات المعارضة البحرينية إشهار أكبر قدر ممكن من المسافة عن الأجندة الإيرانية في الخليج لا سيما في ضوء محاولات إيران الدؤوبة لإختطاف الثورة عبر تبرعها بمستويات عالية من الدعم اللفظي والاعلامي.
صحيح ان التقرير لم يعثر على ادلة حول ارتباط المعارضة بإيران، وهذا خبر جيد لشيعة البحرين قبل سنّتهم، الى ان الصحيح ايضا ان ايران تكمن في كل تفاصيل الوعي الجمعي والشعبوي الذي يحتك بملف الاشتباك السني - الشيعي. إن مثل هذا السلوك المقترح على المعارضة البحرينية يمكنه ان يبدد هواجس عميقة لدى ابناء البحرين السنّة. يفيد التذكر هنا ان هذه الهواجس لم تولد من فراغ. بعض متطرفي المعارضة رفع اعلام 'حزب الله' وآخرون رفعوا اعلاما بحرينية معدلة تستبدل المسننات الخمسة على العلم البحريني بإثني عشر مسننا في اشارة الى الامامة الاثني عشرية.
غير ان الحلول الجادة والمستدامة للبحرين لا يمكن الوصول اليها فقط بالتسامح وتشارك المسؤولية.
هذه الدولة الصغيرة تشكل من حيث يريد اهلها او لا يريدون خط تماس اسلامي متوتر على جبهة الصراع السني - الشيعي والايراني - الخليجي. وعليه فإن من مكونات نجاح المصالحة في البحرين إقتناع السعودية، التي قادت درع الجزيرة لقمع الإنتفاضة في هذا البلد، بوجود مصلحة أمن قومي فيها للمملكة هي مصلحة اعادة الاعتبار لهوية التشيع العربي بصفته مكونا 'طبيعيا' من مكونات امن المنطقة ومجتمعاتها وسلطاتها السياسية.
الدعم الصادق للمصالحة السياسية في البحرين ووضع البلاد على سكة الاصلاح، يعنيان تبديد الإنطباع الذي يقول إن الديموقراطية مرذولة حين تؤدي الى تمكين غير السنة، ويجدد ثقة الشيعة بإنتمائهم العربي.
شجاعة التحقيق، الكبيرة، في أحداث البحرين هي بعض الشجاعة المطلوبة للمضي قدما.
- 'الأخبار'
'حرب سفارات' إيرانية ــ أوروبية.. طهران: ما يجري مرتبط بما يحصل في سوريا والعراق وحتى لبنان
إيلي شلهوب:
عرفت إيران، في إطار مواجهتها مع الغرب، أنواعاً عديدة من الحروب، دعائية ونفسية وإعلامية واقتصادية واستخبارية وأمنية... ويبدو أن نوعاً جديداً قد دخل الميدان، أطلق عليه الإيرانيون تسمية &laqascii117o;حرب السفارات" التي تستهدف، على ما يقولون، نزع المشروعية عن محور المقاومة. الشارع في إيران في حال غليان، والمعنيون يتوعدون بردود مماثلة غير محدودة النطاق، في ظل أنباء عن توجه لدى دول الاتحاد الأوروبي جميعها لسحب سفرائها من طهران، على أمل إجبارها على توقيع تفاهم على &laqascii117o;سفر الخروج" من العراق، وتوقعات لكلمة شديدة للمرشد علي خامنئي اليوم، وثقة بمقولة شهيرة للإمام الخميني: &laqascii117o;الحمد لله الذي جعل أعداءنا من الحمقى"
&laqascii117o;حرب السفارات"، هي التسمية التي أطلقها الإيرانيون على حملة إغلاق البعثات الدبلوماسية واستدعاء السفراء الأوروبيين من طهران. حرب يرونها جزءاً من جهود &laqascii117o;الاستكبار العالمي" للحدّ من خسائره في المنطقة. خطوة جديدة في محاولة لجعل إيران تدفع ثمن الخسارة في العراق وأفغانستان. ارتقاء إلى مستوى أعلى من الضغوط لحمل الجمهورية الإسلامية على الجلوس إلى طاولة واحدة مع الولايات المتحدة للتفاوض على العراق ما بعد &laqascii117o;سفر الخروج" وعلى ترتيبات في المنطقة تحفظ توازناً من نوع ما بين الجمهورية الإسلامية وبين عرب أميركا. حرب يراها الحكم الإيراني &laqascii117o;استمراراً للحرب الإعلامية والنفسية التي رمت إلى شيطنة الرئيس محمود أحمدي نجاد والتصويب على الولي الفقيه ونزع المشروعية عن النظام". وتسمية تبدو مبررة؛ إذ في خلال ساعات فقط، أغلقت بريطانيا سفارتها في طهران وسحبت جميع دبلوماسييها منها إلى دبي، وأغلقت كذلك السفارة الإيرانية في لندن وأمهلت الدبلوماسيين الإيرانيين 48 ساعة لمغادرة البلاد. النروج تغلق سفارتها في العاصمة الإيرانية، وتستدعي كل من فرنسا وألمانيا وهولندا سفراءها من الجمهورية الإسلامية، حيث تتوقع السلطات أن تحذو جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حذو المملكة المتحدة. المعنيون في طهران يقولون إن الرؤية واضحة بالنسبة إليهم. الغرب يتعامل معهم على قاعدة ربط النزاعات في المنطقة، وهم بدورهم يردون وفق القاعدة نفسها. &laqascii117o;يريدون انتزاع تنازلات تحت النار"، يضيف هؤلاء، مشيرين إلى أن ما يجري &laqascii117o;مرتبط بما يحصل في سوريا وفي العراق، وحتى في لبنان"، في إشارة إلى الضغوط التي &laqascii117o;أجبرت" الرئيس نجيب ميقاتي على تمويل المحكمة الدولية بهذه الطريقة. &laqascii117o;الإجراءات التي اتخذت بحق البنك المركزي الإيراني والبنك المركزي السوري إعلان حرب اقتصادية، حتى لبنان لن يتمكن من النأي بنفسه عنها". &laqascii117o;يعتمدون سياسة مزدوجة: أقصى ما يمكن من الضغوط، وأقصى ما يمكن من الجهود لجر إيران إلى الدخول في المنظومة الدولية"، توضح المصادر نفسها متوقعة أن &laqascii117o;يزداد التصعيد الدبلوماسي في المنطقة كلما اقتربنا من يوم الانسحاب الكامل" من بلاد الرافدين. المعلومات الواردة من العاصمة الإيرانية تتوقع أن يتحول مقر البعثة الدبلوماسية البريطانية إلى شيء شبيه بما آل إليه مقر السفارة الأميركية. تقول إن أي عاصمة تتضامن مع لندن لن تكون في منأى عن رد الفعل الإيراني. وهي لا تستبعد أن تثير الهجمة الغربية الجديدة ردوداً في أكثر من مكان &laqascii117o;على أيدي أطراف من أصحاب ثقافة المقاومة من أصدقاء إيران وحلفائها"، مشيرة على وجه الخصوص إلى &laqascii117o;تطورات دراماتيكية يمكن أن تحصل في المنطقة، في اليمن والبحرين والسعودية". ولا تستبعد المعلومات نفسها أيضاً كلمة للمرشد علي خامنئي اليوم يستعيد فيها تجربة مماثلة حصلت مع الإمام الخميني في أواسط ثمانينيات القرن الماضي في أعقاب فتوى سلمان رشدي. وقتها، سحبت الدول الأوروبية كلها سفراءها من طهران، فكان رد الإمام الراحل &laqascii117o;اتركوهم. سيعودون إلينا مطأطئي الرؤوس". وهذا ما حصل، &laqascii117o;كانت عيونهم تغرف من الأرض، بينما كانت الكاميرات تلتقط لهم صور عودتهم". أوساط الحرس الثوري والتعبئة ومنظمات الطلبة ترى أن &laqascii117o;إيران ليست مستفيدة من سفارات تعمل أوكاراً جاسوسية، وخاصة البريطانية والفرنسية والإيطالية والألمانية التي أدت دور المحرض على الفتنة في انتخابات الرئاسة الأخيرة، ودفعت نحو عدم الاستقرار ونزع المشروعية عن العملية الانتخابية التي تجري منذ ثلاثة عقود من دون أي مشاكل خاصة". وتتحدث عن &laqascii117o;غليان في الشارع الإيراني"، وخاصة حيال بريطانيا التي &laqascii117o;حضنت قوى المعارضة أثناء فتنة 2009. الأدلة دامغة والموظف المحلي الذي كان يعمل في السفارة حسين الرسام أكبر شاهد. كان يدير شبكة من نحو 50 جاسوساً إيرانياً لدينا اعترافاتهم، وقد أطلقناه في بادرة حسن نية، علّ وكر التجسس يتوقف عن ممارسة هذه المهمة. لكن عبثاً". ولسخرية القدر، صادف يوم أول من أمس، يوم اقتحام السفارة، الذكرى السنوية الأولى لأول عملية اغتيال بحق عالم نووي إيراني يدعى مجيد شهرياري، تقول طهران إن لديها أدلة على أنها كانت عملية مشتركة لأجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية. وكان اقتحام السفارة هذا، ومعه قرار مجلس الشورى الإسلامي بخفض العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا إلى مستوى القائم بالأعمال، قد جاءا رداً على قرار بريطانيا بفرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني. وتقول أوساط اقتصادية إيرانية إن هذه العقوبات يمكن أن تكون الأكثر أذية لإيران؛ لأن جزءاً من معاملات بيع النفط الإيراني يمر عبر لندن، ولأن المصرف المركزي المذكور له حسابات في عاصمة الضباب. فعل ورد فعل قسما الساحة الإيرانية إلى فريقين: الأول متشدد، توقع هجمة شاملة، مستقرئاً ما يحصل من زاوية شاملة تضم المنطقة ككل. والثاني معتدل توقع &laqascii117o;كما عودتنا دائماً، أن تعود بريطانيا من الشباك كلما طردناها من الباب". الفريق الأخير نظر إلى العقوبات البريطانية على أنها عمل منفرد، ورأى أن أمام طهران حلين: &laqascii117o;أن نجلس لنرى ما يريده البريطانيون، وهذا يعني أن لندن سترفع سقف مطالبها وتعود وتطلب المزيد، وأصلاً هذا ليس من شيم إيران. أو نوجه لها رسالة شديدة وهذا ما حصل". وقدّر أن &laqascii117o;بريطانيا لن تقبل أن تكون كبش فداء للأوروبيين، كذلك فإنها ستخسر مادياً؛ إذ إن قيمة التبادل التجاري البيني تبلغ نحو 300 مليون دولار شهرياً لمصلحة المملكة المتحدة التي نستورد منها على وجه الخصوص المعدات الطبية، وهو ما يمكننا شراؤه من أي مكان آخر". مصادر متابعة في طهران لفتت إلى أن هذه الهجمة تأتي قبل نحو شهرين على الانتخابات التشريعية المقررة في الثاني من آذار المقبل و&laqascii117o;قد تكون ثغرة يحاول الغرب الدخول من خلالها للفصل بين الشعب والنظام السياسي عبر العمل على نزع المشروعية الدولية عن هذا الأخير".
- 'الأخبار'
المازوت مقابل السلاح
عفيف دياب:
في البقاع، يبيع البعض بنادقهم، فيكوّمها المهربون، لتصل إلى سوريا &laqascii117o;عكس ما يشتهي أصحابها"، لكن، في البرد، يصبح التخلي عنها أمراً مسوّغاً بحكم الحاجة، وتوضع العقائد في الأدراج عوضاً عنها. وحتى يحين الربيع، الأولوية للمازوت وكفى الله المؤمنين... &laqascii117o;شر الشتاء" .
البقاع | باع أحمد بندقيته عارفاً أنها ستهرب إلى سوريا. لا يملك البقاعي المال لشراء المازوت للتدفئة، وقد أغلقت جميع الأبواب في وجهه. صحيح أنه مقتنع بنظريّة &laqascii117o;المؤامرة" على سوريا ونظامها، لكنه والد لثلاثة أطفال أيضاً، والرابع &laqascii117o;على الطريق". أكبرهم في العاشرة. الشتاء قارس ولا حلول. هكذا، لم يجد إزاء واقعه الاقتصادي الموجع بديلاً عن بيع &laqascii117o;الأمانة" التي في عنقه منذ سنوات. تلك البندقية &laqascii117o;زينة" رجولته، لكونه رجلاً &laqascii117o;عقائدياً"، وتالياً، كان رشاش &laqascii117o;الكلاشنيكوف" مصدر فخر له أمام الأصدقاء، لأنه &laqascii117o;حبة نضيفة". واليوم، لم تعد &laqascii117o;نظافتها" تخدم قضيته فلا قيمة مادية لها، وطبعاً، لن يحرقها ليتدفأ عليها. أمثال أحمد كثر، كما يقول تاجر أسلحة في سهل البقاع. كان الأخير في طريقه إلى بلدة الفرزل لشراء بندقية من &laqascii117o;مزنوق" آخر. تراجع عمل التجار اليوم، فـ&laqascii117o;قبل شهرين كانت سوق الأسلحة هنا نشطة، والطلب كبيراً على مختلف أنواع الأسلحة الرشاشة الخفيفة". ويضيف الرجل بمنطق الشاكي: &laqascii117o;حين بدأت الأزمة في سوريا تحركت السوق هنا. أنا وحدي ابتعت ألفي بندقية كلاشنيكوف وام 16". يؤدي دور الوسيط. يشتري بنادق بالمفرق، يخزنها، ثم يبيعها لوسطاء &laqascii117o;أكبر" يبيعونها لتجار سوريين. في رأيه، &laqascii117o;الأسعار اليوم مرتفعة جداً". بندقية الكلاشنيكوف يراوح سعرها بين 1800 و2000 دولار أميركي، والـ &laqascii117o;ام 16" تقدر بنحو 2400 دولار. أما القاذف الصاروخي &laqascii117o;آر. بي. جي"، فيصل سعره مع القذيفة إلى2500 دولار. والطامة الكبرى في رأي البائع، أن سعر رصاصة &laqascii117o;الكلاشن" هو دولار ونصف دولار. يوضح أن أسعار الأسلحة في السوق اللبنانية ارتفعت منذ شهر آذار الماضي حتى أيلول المنصرم نحو 75%. لا يحب أن نذكر اسمه، فقد خضع للتحقيق عند جهاز امني لبناني اكثر من مرة، مطمئناً &laqascii117o;تهريب السلاح إلى سوريا تراجع كثيراً"، عازياً الأسباب إلى الإجراءات الأمنية المشددة التي تنفذها الأجهزة الأمنية اللبنانية على خط الحدود مع سوريا، وملاحقة تجار الاسلحة، والأهم من ذلك كله، هو &laqascii117o;تراجع الطلب السوري على شراء الاسلحة من لبنان، بعد توافر مصادر اخرى لهم، منها السوق العراقية، ومستودعات الجيش السوري التي تسرق منها الأسلحة وتباع في السوق السوداء هناك بأسعار أقل". يكشف تاجر الأسلحة اللبناني أن حركة المبيع في السوق اللبنانية تراجعت جدياً. ففي بداية الأزمة السورية &laqascii117o;لم نكن &laqascii117o;نلحّق" على الشراء والمبيع". اليوم، يشتري بندقية ويحتفظ بها بعدما &laqascii117o;فرغت المخازن"، مؤكداً ان تجار الأسلحة في البقاع ولبنان عامة &laqascii117o;هم من جميع الطوائف والانتماءات السياسية والحزبية". هم تجار يتعاونون في ما بينهم. هو مثلاً، يشتري من مجدل عنجر ويبيع في بريتال، وزميله يشتري من كامد اللوز ويبيع في حورتعلا: &laqascii117o;نحن تجار وبس". يتابع ضاحكاً: &laqascii117o;انا مثلاً محسوب على 14 آذار، أشتري من تاجر في 8 آذار وهو بدوره يبيع لتاجر سوري ونتعاون حتى يمشي الشغل". قبل شهرين بالضبط، كانت تنهال الاتصالات عليهم من &laqascii117o;زملاء" سوريين يريدون رشاشات كلاشنيكوف ومسدسات. يزعجه &laqascii117o;تراجع الطلب"، كاشفاً انه ورفاقه يخزنون اليوم ما يشترونه من بنادق حربية، ويتعرضون لـ&laqascii117o;مضايقات من أحزاب محسوبة على سوريا"، مؤكداً أنه اشترى بنادق أخيراً من شباب &laqascii117o;محسوبين سياسياً على القوات اللبنانية وتيار المستقبل وحركة امل والحزب القومي السوري وحزب البعث السوري"، لماذا؟ &laqascii117o;لأنو كلن بدن مصاري، الأسعار اليوم منيحة، وبكرا بس ينزل السعر بيرجعوا بيشتروا بواريد".
يؤكد اكثر من ناشط في شراء ومبيع الأسلحة الفردية، وحتى مدافع الهاون عيار 60 ملم، والمدافع الرشاشة عيار 12,7، أن سوق سهل البقاع اليوم &laqascii117o;جامدة" نسبياً. ويفسر مصدر أمني هذا الجمود، بـ &laqascii117o;تشديد الإجراءات الامنية على طول خط الحدود مع سوريا"، مرجحاً أنه &laqascii117o;ليس هناك تهريب للاسلحة الى سوريا" حيث لم تضبط القوى الأمنية اللبنانية &laqascii117o;عملية تهريب اسلحة واحدة منذ عدة اشهر". على ذمة المصدر الأمني &laqascii117o;الجيش أقفل جميع المعابر والمسالك غير الشرعية، التي يعتقد أنها تستخدم في اعمال التهريب التقليدي او حتى الأسلحة"، وطبعاً &laqascii117o;الإجراءات الأمنية السورية مشددة جداً". لبنانياً، أعمال البحث والتحري عن تجار أسلحة قائمة &laqascii117o;واستطعنا توقيف أكثر من تاجر أسلحة، وهم الآن يخضعون للتحقيق الأمني الذي لم يكشف حتى اللحظة ما اذا كانوا قد باعوا اسلحة لسوريين"، يختم المصدر واثقاً. في ضوء هذه المعطيات، سيبقى أحمد عاطلاً من العمل منذ سبعة أشهر، بعدما طرد من وظيفته في مؤسسة تجارية صغيرة. فعل المستحيل لتأمين ما يلزم من مازوت لمنزله، وفشلت جهوده المضنية الى أن توصل إلى الحل الصعب. لم يكترث بالبحث والتحري، ولا بالإجراءات الأمنية. &laqascii117o;أنّبه ضميره قليلاً" لأنه تخلى عن سلاحه مقابل المال. رغم أنه &laqascii117o;مع النظام السوري". باع البندقية والولاء والعقيدة بألفي دولار، لا لأنه رجل &laqascii117o;بلا ضمير"، ولا لأنه تخلى عن شرفه، بل لأن &laqascii117o;الشتاء قاس"، وهناك أربعة أطفال مهددون بالجليد. يعرف أن &laqascii117o;هناك العشرات مثله". باعوا &laqascii117o;بواريدهم" لتجار الأسلحة، غير آبهين بالقتال بعد اليوم. كل ما يريدونه، هو بعض الدفء.
- 'الجمهورية'
سوريا وإيران وميزان القوى في المنطقة
بينما تستكمل القوّات الأميركيّة عمليّة انسحابها من العراق، تتّجه المنطقة نحو مرحلة تصفية حسابات، وما تتضمنّها من عواقب. وتنطوي هذه العملية على مخاوف من احتمال حدوث تحوّل كبير في ميزان القوى في المنطقة، مع انتقال إيران من قوّة هامشيّة إلى قوّة مهيمنة محتملة.تقرير استراتيجيّ كتبه جورج فريدمان في معهد سترتفور للدراسات الاستخباريّة، هذا نصّه: كانت إيران تستعدّ منذ زمن للانسحاب الأميركي من العراق، وفي حين من غير المعقول القول إنّ إيران ستسيطر على العراق، لكن من المنصف القول إنّه سيكون لها تأثير كبير في بغداد، إلى درجة منع كلّ المبادرات العراقية التي تعارض المصالح الإيرانية. كما أنّ تأثيرها سيزداد مع اكتمال انسحاب القوّات الأميركية. إنّ مقاومة إيران في ظلّ هذه الظروف من شأنها أن تكون غير فعّالة وخطيرة أيضاً. وبمجرّد النظر إلى خريطة المنطقة، يتبيّن لنا أنّ هذا الأمر سيكون صعبا جداً على الولايات المتحدة.
سوريا وإيران
الوضع في سوريا يعقّد العملية برمّتها. والطائفة العلوية قد بسطت سيطرتها على الحكومة السوريّة منذ العام 1970. والعلوية هي طائفة إسلاميّة غير تقليدية مرتبطة بالطائفة الشيعيّة، وهي تشكّل نحو 7 في المئة من سكّان سوريا، التي تتألف في معظمها من الطائفة السنّية. وكانت الحكومة العلوية في بادئ الأمر 'ناصرية الطبيعة'، مما يعني أنّها كانت علمانية واشتراكية وتتمحور حول المؤسّسة العسكرية. وعند نشوء الإسلام كقوّة سياسية في العالم العربي، وجَد السوريّون، الذين كانوا معزولين عن نظام السادات في مصر، في إيران حصنا منيعا لهم. وقد منح النظام الإيراني الإسلامي النظام السوريّ العلماني حصانة ضدّ المتطرّفين الشيعة في لبنان. كما قدّم الإيرانيّون الدعم لسوريا في مغامراتها الخارجية في لبنان، والأهم من ذلك، في قمعها للأغلبيّة السنّية في سوريا. وكانت سوريا وإيران متحالفتين في لبنان. ففي بداية الثمانينات، وفي أعقاب ثورة الخميني، سعى الإيرانيّون إلى زيادة نفوذهم في العالم الإسلامي من خلال دعم القوى الشيعيّة المتطرّفة. وكان 'حزب الله' واحداً من المنظّمات المدعومة إيرانيّا. كما أنّ سوريا التي تعتبر لبنان جزءا تاريخيّا منها، سعت إلى فرض نفوذها عليه. وبذلك أصبح 'حزب الله'، عبر إيران، أداة من أدوات السلطة السوريّة في لبنان. وبالتالي، دخلت إيران وسوريا في تحالف طويل الأمد ومستقرّ استمرّ حتى يومنا هذا. ففي الاضطرابات الراهنة التي تجتاح سوريا، كان كلّ من السعوديّين والأتراك، إضافة إلى الأميركيّين، معادين لنظام الرئيس بشّار الأسد، بينما بقيت إيران الدولة الوحيدة التي تقدّم الدعم للحكومة السوريّة الراهنة. وهناك سبب وجيه لذلك، فقبل الانتفاضة، كانت العلاقة الدقيقة بين سوريا وإيران قابلة للتعديل، وكانت سوريا قادرة على التحكّم بصورة مستقلّة في تعاملها مع إيران ووكلائها في لبنان. أمّا الانتفاضة فقد وضعت نظام الأسد في موقف دفاعيّ، ولكن، أكثر اهتماما في إنشاء علاقة مستقرّة وقويّة مع إيران. فدمشق تجد نفسها معزولة في العالم السنّي، مع وجود تركيا وجامعة الدول العربية ضدّها. وتشكّل إيران ورئيس الوزراء العراقيّ نور المالكي قاعدة الدعم الخارجيّ لنظام الأسد. وحتى الآن، تمكّن الأسد من مقاومة أعدائه. وعلى رغم انشقاق عدد من الضبّاط السنّة من ذوي الرتب المتدنّية والمتوسّطة، فإنّ آلته العسكريّة لا تزال إلى حدّ كبير سليمة، وهذا لأنّ العلويّين يسيطرون على الوحدات الرئيسية. وفي ظلّ وجود مؤسّسة عسكريّة مترابطة، فإنّ الجمهور الأعزل وحتى المسلّح في شكل ضعيف، مهما بلغ حجمه، لا يستطيع التغلّب على قوّة عسكرية سليمة ومترابطة. أمّا المفتاح بالنسبة إلى أولئك الذين يريدون سقوط الأسد، فهو تقسيم الجيش. ومن ناحية أخرى، إذا ما وقع العراق تحت النفوذ الإيرانيّ واستطاع نظام الأسد، المعزول عن معظم دول المنطقة إنّما المدعوم من طهران، الصمود في سوريا، فعندها ستتمكّن إيران من أن تبرز مع منطقة نفوذ تمتدّ من غرب أفغانستان إلى البحر الأبيض المتوسط. ولا تحتاج إيران إلى نشر قوّاتها العسكرية لتحقيق ذلك، فبقاء الأسد وحده كفيل بذلك. ومع هذا، فإنّ احتمال وجود نظام في سوريا يدين بولائه إلى إيران يمكن أن يكون مقدّمة لنشر القوّات الإيرانيّة في اتّجاه المناطق الغربية، وهذا الاحتمال وحده سيكون له انعكاسات كبيرة. ولا يجب أن يغيب عن بالنا، أنّه إضافة إلى شبكة إيران السرّية من الوكلاء المسلّحين، فإنّ القوّات الإيرانية التقليدية كبيرة، وفي حين أنّ هذه القوّات لا تستطيع مواجهة المدرّعات الأميركيّة، إلّا انّه لا توجد هناك قوّات مدرّعة أميركيّة منتشرة على الأرض امتدادا من إيران وصولا إلى لبنان. وتجدر الإشارة إلى أنّه إذا ما قرّرت إيران نشر القوات الكافية لمواجهة هكذا سيناريوهات، فإنّ المخاطر ستزيد، خصوصا على المملكة العربية السعودية. كما أنّ هدف إيران هو زيادة هذه المخاطر إلى حدّ أن يفهم السعوديون أنّ التسوية هي أكثر حكمة من المقاومة وتغيير الخريطة يمكن أن يساعد في تحقيق ذلك. ويترتّب على أولئك الخائفين من هذا الاحتمال، كالولايات المتّحدة وإسرائيل والسعودية وتركيا، أن يسعوا إلى إحباط ذلك. وفي الوقت الحاضر، لم يعد المكان لصدّه في العراق، حيث لدى إيران اليد العليا، وإنّما في سوريا. والخطوة الرئيسية في سوريا الآن هي القيام بكلّ ما هو ممكن لتحقيق الإطاحة بالأسد. وفي الأسبوع الماضي، بدا أنّ الاضطرابات في سوريا بدأت تأخذ بعداً جديداً. من المؤكّد أنّ الغالبية السنّية تعارض وتكره نظام الأسد، لكنّ المعارضة والعاطفة لا يمكنهما إسقاط نظام مكوّن من رجال يقاتلون من أجل حياتهم. على رغم ذلك، نفّذ الجيش السوريّ الحرّ الأسبوع الماضي، هجمات منظّمة على منشآت حكوميّة، بدءا من مرفق استخبارات سلاح الجوّ إلى مباني حزب البعث في منطقة دمشق الكبرى. ولم تكن هذه الهجمات هي الأولى التي يتبنّاها الجيش السوريّ الحر، ولكن خصّص لها حملة إعلاميّة كبيرة. وأهمّ ما كشفته هذه الهجمات، على رغم صغر حجمها، هو أنّ بعض المنشقّين كانوا على استعداد للقتال بدلا من مجرّد الانشقاق والبقاء في تركيا أو لبنان. ومن المثير للاهتمام أنّ الزيادة الواضحة في النشاط المسلّح من جانب الناشطين، حدثت في الوقت نفسه الذي تدهورت فيه العلاقات ما بين إيران من جهة والولايات المتّحدة وإسرائيل من جهة أخرى. وهذا التدهور بدأ مع التهم في شأن عملية سرّية إيرانية لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة، تلتها مزاعم الحكومة البحرينية بأنّ عناصر إيرانية تنظّم هجمات في البحرين. ثمّ جاء تقرير الوكالة الدوليّة للطاقة الذرّية وتلاه انفجار في منشأة صواريخ إيرانية. ونتيجة كلّ هذه السيناريوهات، يبدو أنّ الضغط النفسيّ على إيران إلى تزايد وهو بالطبع مدبّر. ومن بين جميع اللاعبين، يبقى موقف إسرائيل الأكثر تعقيداً. وقد كان لها علاقة لائقة، إنّما سرّية، مع السوريّين تعود إلى العداء المتبادل بينهما تجاه ياسر عرفات. وبالنسبة إلى إسرائيل، فإنّ سوريا كانت دائما الشيطان الذي يعرفونه. وإنّ فكرة حكومة سنّية يسيطر الإخوان المسلمون على حدودها الشمالية كانت دائما مخيفة لهم، وكانوا يفضّلون الأسد. ولكن نظرا إلى التحوّل في ميزان القوى في المنطقة، فإنّ وجهة النظر الإسرائيليّة هي أيضا تتغيّر. كما أنّ التهديد السنّي قد تضاءل في العقد الماضي مقارنة بالتهديد الشيعي الإيراني. وتهديد القوّة السنّية المعادية في سوريا هو أقلّ مدعاة للقلق من وجود إيراني على الحدود الشمالية لإسرائيل. وهذا ما يفسّر السبب أنّ مهندسي السياسة الخارجية الإسرائيلية، مثل وزير الدفاع إيهود باراك، كان يقول: 'إنّنا نشهد تسارعا نحو نهاية للنظام'. وبغَضّ النظر عن النتائج المرجوّة من إسرائيل، فهذه الأخيرة لا يمكنها التأثير في الأحداث داخل سوريا، وبدلا من ذلك، فإنّها تتكيّف مع واقع وجود تهديد إيرانيّ ذات تأثير كبير في السياسة الإقليميّة. التهديد الإيراني الرئيسي ليس نوويّا، وعلى رغم احتمالات توصّل إيران إلى صناعة قنبلة نوويّة، فإنّها حتى من دون هذه الأسلحة، لا تزال تشكّل تهديدا كبيراً. والتصعيد الراهن نشأ نتيجة القرار الأميركيّ بالانسحاب من العراق، وتكرّس بفعل الأحداث في سوريا. وحتّى إذا تخلّت إيران عن برنامجها النوويّ غداً، فإنّ الوضع سيظلّ معقّدا. فإيران لها اليد العليا، أمّا الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا والمملكة العربية السعودية فيبحثون في طريقة قلب الموازين لصالحهم. ففي هذه المرحلة، يبدو أنّ هذه الدول تتبع استراتيجية ذات شقّين: زيادة الضغط على إيران، وإسقاط الحكومة السوريّة للحدّ من عواقب النفوذ الإيراني في العراق. ونظرا إلى صعوبة توجيه ضربة عسكرية من حلف شمال الأطلسي على سوريا، فإنّ الحلّ المحتمل هو ضخّ الدعم السرّي للمعارضة السنّية عبر لبنان وربّما تركيا والأردن. ومن أجل إعادة إيران مرّة أخرى إلى داخل حدودها، فلا بدّ من القيام بشيء حيال الوضع السياسيّ العراقي. ونظراً إلى انسحاب القوّات الأميركية، لم يعد لواشنطن أيّ نفوذ يُذكر في هذه المنطقة. مع ميزان القوى الآخذ أكثر في التحوّل. فأمام الولايات المتّحدة الأميركية الآن ثلاثة خيارات: تقبّل التطوّر ومحاولة العيش مع النتائج، محاولة إبرام صفقة مع إيران، أو الذهاب إلى الحرب.. كلّ هذه الخيارات مشكوك في نتائجها، لذلك فإنّ إسقاط نظام الأسد هو أمر بالغ الأهمّية، ومن شأنه أن يغيّر قواعد اللعبة وزخمها. ولكن حتى هذا الخيار صعب جدّا ومحمّل بالمخاطر.
- 'الجمهورية'
الأنظمة العربية بين واقع مأزوم... ومستقبل مجهول (1/2)
&laqascii117o;أنا باشتون منذ 5000 سنة، ومسلم منذ 1500 سنة، وباكستاني منذ خمسين سنة". هذا ما أدلى به مواطن باكستاني من الباشتون.إنّ هذا الواقع ينطلي على مجتمعاتنا العربية. محاولة يائسة تدير المواطن العربي في فلك القبيلة والمذهب .
لعلّ القبيلة او المذهب يؤمّنان له ما لم تفعله الدولة. هوذا الاساس: الدولة. وليس النظام بالطبع. إنّ الدولة باقية دائمة مستمرة أزلية، والآفة في عالمنا العربي موازاة النظام مع ديمومة الدولة واستمرارها وأزليتها. ان الدولة ثابتة بتاريخها وجغرافيتها، بيدَ ان النظام مرحلة لا تاريخ له سوى ما يؤديه لخدمة المواطن، وليس له جغرافيا أيضا، إنّما يتسلح بشرعية القرار الديموقراطي للمواطن. إنّ 80 في المئة من حدود الدول في المنطقة حدّدها الفرنسيون والبريطانيون. من سايكس بيكو الى سيفر وغيرها من المؤتمرات والاتفاقات، التي أنجبَت ما يشهده العالم العربي من حدود جغرافية. وقد خلق الانتداب نمطا من تعاطي الشعب مع حاكمه، مبنيّا على التبعية والزَبائنية. فأضحى التقوقع والعودة الى العائلة والطائفة والقبيلة والمذهب والزعامة والوجاهة، مدخلا للشعور بالامن والامان، فيما الدولة هي، في المبدأ، أساس هذا الشعور. روح قبليّة وحدود مصطنعة خدمة لمصالح مَن وضعها، أضف الى ذلك عاملين: الأوّل، التفاوت في الثروات الطبيعية بين بلد عربي وآخر (ثروات بالمواد المستخرجة من باطن الارض / ماء ونفط وثروات بالحيّز الجغرافي والبيئة الطبيعية / صحراء، جبال، واجهة بحرية). والثاني، تنامي شعور مناهض للغرب تجَلّى اليوم بصورة صراع حضارات، أي الحضارة الاسلامية والغربية. لعلّ هذه الصوَر مشوّهة ومصطنعة، لأن واقع الأمور ان الغرب هو بالذات مَن دسّ في نفوس الشرقيين كما سمّاهم شعورا بالنقص، اتجاهه لما كان الغربيون يجولون العالم الشرقي او العربي للاطلاع على الوجه الآخر المختلف عنهم تماما، وأكاد اقول المتخلّف عنهم. فأصبحت صورة الشرق للمستشرقين فولكلورية سياحية، كمَن يزور كونا مختلفا كل الاختلاف عن كونهم المتحضّر. كتب ما كتب وقيل ما قيل بهذا الخصوص، أقساه ما ادلى به اللورد كرومر امام مجلس العموم في بريطانيا بداية القرن العشرين، لَمّا قال إنّ الشرقيين تنقصهم صفات ومزايا جَمّة يتحَلّى بها أهل الغرب. كان ذلك بعد الغزو البريطاني لمصر نهاية القرن التاسع عشر، والذي أتى مئة سنة بعد الحملة النابوليونية.
خلق ذلك شعورا بالنقص لدى المواطن العربي أو، أقلّه، خلقَ شعورا بأنّ الغرب لا يفهمه او يتفهّمه. ولمّا نَمت الاصولية الدينية، كانت نتيجة هذا الشعور بالنقص، فتسلّح بها العربي أملا منه بمواجهة مَن لا يتفهمه. يتساءل المرء عن سبب تنامي الدين في الالفية الثالثة، بعد ان كانت معظم المجتمعات المكوّنة للعالم العربي تتسِم بروح الانفتاح والتسامح والايمان بضرورة أخذ ما يناسبه من الغرب والاحتفاظ بالقيم الخاصة بها (كما كانت سياسة المملكة العربية السعودية في ثلاثينيات القرن الماضي مثلا).
الجواب: مِن الممكن ان يكون المرء لم يجد باليَد حيلة سوى هذا السلاح.
ثم ان ما لحق بالشعب الفلسطيني من اضطهاد وغبن لمّا سلبت منه ارضه منذ وعد بلفور الى حرب 1948، جاء ليثبت الطلاق المطلق بين الشرق والغرب، ويؤسس لما شهدناه في النصف الثاني من القرن الماضي من عمليات عسكرية متبادلة بين الكيان الصهيوني ومنظمات التحرير الفلسطينية التي تسلحت بجوهرها بالدعم العاطفي العربي.
في هذا الجو، تربعت الأنظمة في معظم الدول العربية تحت ستار شعارات شَعبوية طنّانة رنانة، واستخدمت كل الاساليب الامنية المُتاحة للاستمرار. وكان القول السائد إنّ حل الازمة في الشرق الاوسط بين الفلسطينيين والاسرائيليين لا يخدم هذه الانظمة، ليس بالمبدأ، ولكن لأنها قد تفقد بذلك عِلّة وجودها أي استنهاض الشارع لديها عاطفيّا من اجل حَمله على تناسي الديموقراطية. هنا كانت جبهة الرفض تارة، وقوى الممانعة طوراً... ترافق ذلك مع اتهام كل مَن يعمل بالداخل من اجل النهضة والاصلاح والحرية والديموقراطية، بالعمالة مع العدو الصهيوني. فصمتت الأفواه، وجَفّت روح التغيير لدى الشعوب. وأصبحت كلمة السر في الشرق الاوسط هي مقاومة العدو الصهيوني، كشعار يضمن الاستعطاف والاستمرار بالسلطة. ان التغيير الوحيد الذي شهدته معظم هذه الانظمة لم يكن من تحت، أي عَامّة الشعب، نحو مَن يحكم، إنّما من فَوق، أي أهل أروقة الحكم. فكانت احيانا انقلابات وانشقاقات هدفها التربّع على العرش وليس الاصلاح، أي المصلحة الخاصة وليس الخير العام.
انّ بلوغ فترة النضوج يستلزم ما يلي:
1 - الاعتراف بأنّ التطرّف، أيّا كان (ديني، اثني، عقائدي)، هو ردّة فعل، وليس أداة لولوج المستقبل المنشود. بمعنى آخر التمسّك بمبدأ قيمة الانسان الفرد، واختبار نمط التفاعل بين جميع افراد المجتمع متسلحين بإيمان نهائي بفطرة الانسان المبنية على قبول الآخر والتَّوق الدائم الى الحرية المطلقة.
2 - الكَفّ عن اعتبار الغرب كمصدر عداء يتربّص بالعرب للانقضاض على ثرواتهم وشعوبهم. هذا بالذات ما استخدمه بعض الحكام للبقاء على عروشهم. وصار موجبا على الشعب الواعي المُتطلّع نحو مستقبل أجياله الصاعدة، أن يدخل عجلة التطوّر الحضاري والاقتصادي من زاوية التفاعل مع الآخرين بإيجابية وبرغماتية. إنّ الانسان واحد، وكما قال بول فاليري: يختلف الناس حول ما يظهرون لبعضهم، إنما يلتقون تماما حول ما يَسترونه! آن أوان الاعتراف بأنّ الديموقراطية واحدة المفهوم، والحرية واحدة الصورة، وتداول السلطة إن صَلُح في الدنمارك وبريطانيا واندونيسيا فهو يَصلح ايضا في اليمن وسوريا والعراق.