قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الجمعة 9/12/2011

- صحيفة 'الشرق الأوسط':
بيان أحداث القطيف.. ولعبة الأقنعة..
المذهب الديني والسياسة جديلة لم تنفصل يوما في منطقة الخليج
محمد جزائري (صحافي سعودي من باريس):

أخرج قبل يومين لفيف من المثقفين السعوديين بيانا سياسيا تنديديا حول أحداث القطيف (شرق السعودية)، ووضع البيان اللوم كاملا في كل الأحداث على وزارة الداخلية السعودية، كما تناول البيان، بالرفض أيضا والتنديد، نتائج محاكمة الخلية المتهمة بقلب نظام الحكم في السعودية، أو ما سماهم البيان بـ&laqascii117o;الإصلاحيين".يلفت الانتباه في هذا البيان أنه خلا من أسماء أي مثقفين معروفين بالاهتمام بالحراك السياسي، باستثناء محمد سعيد طيب، الموقع الأول، والدكتور توفيق السيف المثقف الشيعي المعروف، فيما كانت بقية الأسماء غير معروفة على الصعيد المحلي السياسي.في البدء، لا بد من الإشارة إلى أننا نسعى في هذا الاستقراء إلى محاولة فهم أبعاد الدعاوى السياسية الواردة في البيان، وليست القضائية، فما يختص بالخلية التي وجهت لها تهمة قلب النظام والنقاش فيها يكون عبر المحاكم وأدواتها القضائية. ولكن ما سنكرس عليه في معرض فهم الخلفيات السياسية لهذا البيان هو الجانب الذي يتعلق بالدعاوى السياسية والفكرية المتعلقة بأحداث القطيف الواردة في البيان آنف الذكر. قبل الشروع في هذا الاستقراء، ينبغي التأكيد على أن هذه القراءة تؤكد على أن السعوديين من أبناء الطائفة الشيعية هم مكون رئيسي، وجزء لا يتجزأ من صميم الهوية السعودية، والحديث هو بطبيعة الحال عن الطابع الحركي لـ&laqascii117o;الإسلام السياسي الشيعي" في شرق السعودية، حيث يتركز أبناؤه من هذا المذهب الإسلامي.
على أي حال، إشارة البيان إلى &laqascii117o;الواقع المتأزم في المنطقة" ربما يكون مدخلا مهما لفهم محتوى البيان على الصعيد السياسي، خصوصا أن موقعه الأول ومسوقه محمد سعيد طيب الذي يقدم نفسه في صيغ سياسية، منها القومية الناصرية والليبرالية وحتى الإسلامية، وهو أحد أبرز موقعي البيانات السياسية في السعودية بكل ما تحملها في أوقات كثيرة من تناقضات قيمية وفكرية (راجع &laqascii117o;الشرق الأوسط" عدد رقم 11791 تحت عنوان: البيانات السياسية في السعودية بين راكبي الأمواج والقافزين من القوارب).
طيب يخلط الأوراق في هذا البيان بين ما هو &laqascii117o;أخلاقي" وما هو &laqascii117o;سياسي"، ولا يمكن أن يفهم إلا أنه خلط عن قصد سياسي، خصوصا حين الانطلاق من الخلفية القومية الناصرية لطيب التي يؤكد عليها في كل مقابلة إعلامية. والحال، أنه أخلاقيا لا خلاف على نبذ كل أشكال التفرقة الطائفية على المستوى الوطني، ولكن أيضا لا بد في هذا المنحنى الأخلاقي من استدراك سياسي، فطيب يدعو في البيان إلى عدم &laqascii117o;الهروب من الواقع المتأزم في المنطقة وإلقاء اللوم على التأثيرات والارتباط بالخارج، والتشكيك في الولاء للوطن، تحت لافتات إقليمية أو دولية".
هذه الجملة تحديدا يتجلى فيها خلط الأوراق الأخلاقية بالسياسية لدى طيب في البيان، فالواقع ألا تشكيك حكومي يحفل بالتعميم في ولاءات جميع أبناء الطائفة الشيعية، ولكن الواقع أيضا يشير إلى خيوط سياسية متشابكة في هذا الحراك وتصريحات رموزه، تؤكد على نوع من التناغم السياسي الواضح مع أدبيات وأجندة الإسلام السياسي الشيعي المصدر من إيران، وهذه جزئية سنأتي على تفصيلها لاحقا في هذه القراءة.
ولكن لماذا يعمد طيب إلى هذا الخلط بين السياسي والأخلاقي، ومن وراءه تبرئة ساحة إيران من أي لعب بخيوط المسرح السياسي في هذا الحراك؟ في الواقع أن هذا السياق السياسي في قراءة طيب ليس مثيرا للدهشة، بل يبدو شديد الاتساق مع قناعات طيب الفكرية المنتمية للتيار القومي الناصري، الذي يرى في إيران وذراعها العسكرية في لبنان (حزب الله) الملجأ الأخير لما عرف بدول الممانعة في المنطقة، خصوصا مع بوادر سقوط النظام السوري وتزايد الضغوط الدولية عليه. وبعد موقف إيران وحزب الله الداعم للثورات العربية باستثناء سوريا، رغم كل ما يتعرض له الشعب السوري من تقتيل منظم بشكل يومي، بدا &laqascii117o;أصدقاء إيران وسوريا" من القوميين الناصريين في مأزق أخلاقي حقيقي مع سقوط أسطورة دول الممانعة وشعاراتها المزيفة. والدفاع عنها أصبح أشبه بالمحرقة السياسية. فاستغل طيب وتياره الفكري أحداث القطيف في محاولة تحييد الدور الإيراني لصالح البعد الطائفي عند الحديث عن أحداث القطيف، واستخدام الدعاية &laqascii117o;الأخلاقية" ضد الطائفية في أحداث القطيف، وبالتالي تخفيف الشحن السياسي تجاه إيران.في الواقع، أن أي قراءة تحليلية &laqascii117o;سياسية" للصراع في منطقة الشرق الأوسط، لا يمكن فيها تحييد البعد الديني الآيديولوجي بأي حال من الأحوال، فالعامل الديني جزء أصيل من محددات الحراك السياسي في المنطقة.بالطبع محمد سعيد طيب ليس متفردا في هذه الأجندة السياسية، فالأب التنظيري للفكر القومي الناصري محمد حسنين هيكل أكثر وضوحا في هذا الطرح، وهيكل يقول عن طيب &laqascii117o;ما زلت كلما قابلت محمد سعيد طيب أشعر أننا على مقعدين متجاورين فوق السحاب".
لهيكل رأي في أحداث سوريا الدامية، كالتالي &laqascii117o;ما يجري في سوريا من فتنة طائفية يقوم بها الأعداء يهدف إلى الإعداد لضرب إيران في المرحلة اللاحقة". ويزيد في رأيه عن حزب الله وإيران &laqascii117o;أعتقد أننا ظلمنا بشدة السيد حسن نصر الله ولا أعلم سر الهجوم على هذا الرجل".وانتقد هيكل هجوم بعض الدول العربية، وفي مقدمتها مصر، على إيران قائلا: &laqascii117o;أنا لا أعرف لماذا ندخل في عداء مع إيران؟ وحتى هذه اللحظة لا أستطيع أن أفهم لماذا نحن في هذا البلد لم نعترف بها منذ أول يوم؟ لا أجد سببا لهذا على الإطلاق، وأذكر حين قابلت الخميني لأول مرة في باريس عام 1979 وقال لي: لماذا تعاديني مصر؟".
حسنا، لو أردنا افتراض أن من نزل للشارع في مدينة القطيف السعودية، لا يتبعون أي أجندة سياسية بمواصفات إيرانية، كيف يمكننا فهم تصريحات رموز ومنظري هذا الحراك والداعين له من شيوخ الطائفة الشيعية في المنطقة؟وبشكل أوضح، هل يمكن أن يكون مجرد مصادفة أن يسقط الشيخ حسن الصفار ثورة الشعب السوري من خطبته على منبر الجمعة التي قال فيها &laqascii117o;الشعوب التي شهدت ثورات الربيع العربي في مصر وتونس واليمن والبحرن باتت اليوم تفاخر بنهجها السلمي". بالتأكيد هو ليس مصادفة، بل هو تماه مع الطرح الإعلام الإيراني، والذي تبناه الكثير، وليس الكل بالطبع، من رموز الحراك الإسلام السياسي الشيعي في دول الخليج (السعودية، البحرين، الكويت).الشيخ حسن الصفار، أحد رموز شيوخ الشيعة السعوديين الذين فتح لهم خطاب الملك عبد الله الإصلاحي باب العودة للوطن، بعد ما يقرب من الخمسة عشر عاما من المعارضة، احتضنتها العاصمتان دمشق وطهران في فترات سابقة، وشارك في مؤتمر الحوار الوطني في دورته الأولى، في واحدة من أبرز خطوات الدولة في الانفتاح الداخلي، سياسيا واجتماعيا، وتقديم المكون الشيعي كجزء طبيعي من المشهد السياسي العام في البلاد، وهو اليوم أيضا الذي يدعو من على منابر خطب الجمعة الشباب للنزول للشارع في مظاهرات حركية، مع تأكيده على أهمية عدم الانزلاق للعنف.
الشيخ الصفار ليس وحيدا في هذا التناغم السياسي مع أدبيات الإعلام الإيراني، ومواقف الخارجية الإيرانية، فهناك الشيخ نمر النمر، وهو &laqascii117o;رأس الحربة" في تجييش بعض أبناء الطائفة الشيعية في العوامية والقطيف.
ولكن بالعودة لذات البيان الذي ينفي أي علاقة بالمواقف السياسية الخارجية على الحراك الشيعي في السعودية، يبدو ملحا في هذا السياق إيراد مقتطفات من نصوص خطب النمر على منابر الجمعة السعودية التي يتحدث فيها عن أحداث البحرين، يقول النمر: &laqascii117o;الحل الأمني في البحرين لم يحل القضية، ونستطيع في أي لحظة أن نفجر الأوضاع وأشد مما كانت". أليس مشروعا هنا السؤال من كان يقصد النمر عند استخدامه ضمير الجمع مع من نزلوا الشارع في البحرين في قوله &laqascii117o;نفجر"؟
والحال أن النمر لا يتحرج من الأساس من طرح رؤية انفصالية، فهو لا يرى انتماء من الأصل للدولة السعودية، وهذا ما أكد عليه بدوره حمزة الحسن المعارض الشيعي السعودي في لندن على قناة &laqascii117o;الحرة" الأميركية، ورأى أن النمر لا يلام على تصريحاته التحريضية ضد الوحدة الوطنية.ولكن هل رؤية النمر الثورية مبدأ أخلاقي ثابت أم يتغير بحسب أرض هذه الثورة؟ يجيب النمر بنفسه على هذا التساؤل في معرض حديثه عن إيران وولاية الفقيه فيها قائلا: &laqascii117o;في إيران لا يمكن أن يحدث انقلاب لو حدث سيعترض عليه الشارع، ونجاد ناجح لأن خامنئي وراءه، وهذا فخر لنجاد، ولا خير فيه أن تمرد على الفقيه، فإيران دولة قوية وإن كان فيها نوع من الكبت فهي ليست دولة معصومة، لكن عندما نقارنها بالدول العالمية لا تقارن". لن نشير هنا إلى الثورة الخضراء في إيران قبل 3 أعوام، وطريقة القمع الممنهج التي جوبه بها الشباب الإيراني في الشارع، فليس هذا موضع نقاشه.ولكن ما هو مفهوم ولاية الفقيه الذي رأى النمر أن لا خير في التمرد عليه؟ وهنا، نقدم لمحة موجزة عن هذا المفهوم الديني السياسي الخطير، بصرف النظر عن حقيقة ومدرسة نمر النمر الفقهية بهذا الخصوص، فليس المهم &laqascii117o;فقهيا" إن كان من أتباع نظرية ولاية الفقيه وفق الصيغة الخمينية أو الصيغة الشيرازية، فنتائج نشاطه السياسي والمنبري لا تختلف في نهاية المطاف مع من يؤمن بنظرية ولاية الفقيه.ويستند مفهوم ولاية الفقيه في المذهب الشيعي على ولاية وحاكمية الفقيه الجامع للشرائط في عصر غيبة الإمام الحجة، حيث ينوب الولي الفقيه عن الإمام المنتظر في قيادة الأمة وإقامة حكم الله على الأرض، وطاعته ملزمة في الأمور التي تخص السياسة والقيادة وصناعة القرار في الشأن العام، ورد هذه الولاية شرك بالضرورة.
الدكتور توفيق السيف المثقف الشيعي، أحد الموقعين على هذا البيان موضع النقاش، يبدو موقفه محيرا نوعا ما في تجاهله لأي تطرف شيعي في الأحداث رغم الآراء السابقة التي استعرضناها في الأعلى. فعند ظهوره التلفزيوني على قناة &laqascii117o;روتانا خليجية" وجهت له مذيعة البرنامج سؤالا حول ما إذا كان يرى تطرفا من الطائفتين في الأحداث الأخيرة، رد بإجابة غير واضحة نصها كالتالي: &laqascii117o;أنا أتكلم عن إثارة الكراهية".وعلى ذات النسق، ذكر البيان الذي وقع عليه السيف ما نصه: &laqascii117o;إن دور القوى الأمنية يجب أن ينحصر في ضمان سلمية التظاهر، وعدم الاستفزاز وإثارة المشاعر بإقامة نقاط التفتيش غير المبررة، كما في منطقة القطيف منذ ما يزيد على 9 أشهر وحتى اليوم".
وهو ما يضع السيف في موقف مبهم آخر، فقد صرح في ذات البرنامج، الذي سبق إظهار البيان بنحو الأسبوع بقوله: &laqascii117o;العنف الشديد وبعض أعمال التخريب، هذه ظواهر جديدة إلى حد ما، ولكن سحب القوات الأمنية وتخفيفها لكثافتها وحصارها المفروض، ساهم في محاصرة العنف ضمن هذه الحدود وتهدئتها".
في الواقع، أن أحداث العنف الشديد والتخريب ليست كما وصفها الدكتور السيف بقوله: إنها &laqascii117o;جديدة إلى حد ما" فقد سبقها تفجيرات أبراج الخبر 1996 التي تبنتها خلية حزب الله السعودي.
إصرار البيان على أن الحكومة السعودية تمارس &laqascii117o;رسميا" تمييزا طائفيا تجاه الشيعة، يجعلنا نتساءل من أين جاء هذا التأكيد إذا كان لا يوجد أي تشريعات نظامية أو قانونية في السعودية تقر بميزات طائفية على أي مستوى، وبالتالي ما هو موجود في بعض الجوانب هو تمييز سلبي، لكنه غير مشرعن قانونيا.يؤكد ذلك موقف الحكومة السعودية ضد كل من يسيء استخدام المنابر.
بينما لا نجد على سبيل المثال أي إدانة ثقافية من طيب ورفاقه، من حملة راية الحقوق المدنية، لتسييس منابر الجمعة في المدن الشيعية، وتوظيف البعد العقائدي لبعض أبناء هذه الطائفة لخدمة مفاهيم سياسية، ليس لمنبر الجمعة علاقة بها.محاولة تنزيه الحراك السياسي في الشارع الشيعي بالكامل خاطئة ولا شك، ومحاولة تخوينه بالكامل أيضا مجحفة بدورها تجاه فكرة مشروعية المطالب. مفهوم توظيف البعد العقدي سياسيا ليس مفهوما طارئا، ويجب التعامل معه على هذا الأساس.وهذا ما يؤكد عليه ولي نصر، الباحث الأميركي من أصول إيرانية في كتابه &laqascii117o;صحوة الشيعة" في معرض حديثه عن الصراع في منطقة الشرق الأوسط، قائلا: &laqascii117o;في القطيف، فاز الشيعة بمقاعد كافية في المجلس البلدي تتيح لهم أن يناقشوا صراحة وعلنا المشاكل التي تواجه، في نظرهم، الطائفة التي يمثلونها. وإذا ما أخذنا في الحسبان إرث العلاقة بين الوهابيين والشيعة، التي ما كانت إلا لتزداد سوءا بفعل الحركة السلفية المتنامية في المملكة، فإن احتمالات وجود نزاع طائفي في المملكة تكاد تكون معدومة. لقد كانت السعودية في ذهن آية الله السيستاني بشدة في مايو (أيار) 2005 عندما انتقد الحكومة اليمنية على قمعها تمردا قام به الزيديون (فرع من الشيعة) في شمال غربي اليمن".ويزيد نصر &laqascii117o;كان ذلك تحذيرا لا مواربة فيه موجها إلى النظام السعودي بأن الصلات الشيعية العابرة للقوميات والمؤسسة الدينية في النجف ستمضي قدما في تحدي الأنظمة السنية".المذهب الديني والسياسة جديلة لم تنفصل يوما في المنطقة، فلا مبرر منطقيا لفصلها الكامل الآن، تحت غطاء الدعايات الأخلاقية ذات المضامين السياسية. وكما بدأنا هذه المحاولة لاستقراء هذا البيان السياسي، بالتأكيد على أن التعميم بالولاءات السياسية الخارجية لكل أبناء الطائفة الشيعية غير عقلاني ولا يخدم الوحدة الوطنية، فيجب أن ننهيه بمثله.


- 'السفير'
أميركا بين الربيع العربي وعزلة إسرائيل
 سمير كرم:

لا تستطيع اميركا أن تتودد الى التيارات الإسلامية التي اسفر عن اعتلائها السلطة في بلدان الربيع العربي، او اقترابها من الحكم، من دون ان تؤكد لاسرائيل وتعيد التأكيد على اهمية وأولوية التحالف الاستراتيجي الاميركي- الاسرائيلي على كل ما عداه في الشرق الاوسط وأبعد من الشرق الاوسط.آخر الامثلة على ذلك، هو ما اطلقه وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا - في مؤتمر عقد في مؤسســة &laqascii117o;بروكنغز" البحثية الاميركيــة في الاسـبوع الماضي - من تصريحات اكد فيها ان الانتخابات التي جرت في مصر مؤخراً تعد خطوة إيجابية اخرى على طريق التحــول الديموقراطي. ووصف صعود التيار الاسلامي - ممثلا في الاخـوان المسلــمين وفي الجـماعة السلفية ـ بأنه مؤشر الى تمسك مصر بمبادئ الديموقراطية. وقال إن الولايات المتحدة ستواصل الحوار مع اي حكومة مقبلة في مصر من اجل ان تفي بالتزاماتها.وكي يؤكد وزير الدفاع الاميركي ما يعنيه بضروروة تمـسك مصر بالتزاماتها قال &laqascii117o;إن مصر تحــتاج الى قــيادة عظيمة في الأســابيع والأشهر المقبلة اذا ما ارادت الانتقال بنجاح الى حكومة مدنـية بالكامل تحترم المبادئ الديموقراطية وتحــافظ على التزاماتـها الدوليـة، بما في ذلك معاهدة السلام مع إسرائيل. وأضاف إن قادة مـصر (والأردن) اوضحوا له بكل صراحة التزام البلدين بمعاهدة السلام مع اسرائــيل. وقال بانيتا انه اكد للمسؤولين المصريين ان صيانة معاهـدة السلام المصرية ـ الاسرائيلية مسألة بالغة الاهمية للأمن القومي الامـيركي (نعـم الأميركي على وجه التحديد حسب وزير الدفاع الاميركي). وأضاف إن اسرائيـل (هو هنا يتعهد باسم اسرائيل تحديداً) ستعيش في سلام في حالة تحول دول المنطقة الى تبني قيم الديموقراطية والعـدالة الاجتماعيـة وليــس العكس.. ثمة أسباب عديدة تدعو اسرائيل الى الاعتماد على الولايات المتحدة في مواصلة التزامها القوي بأمنها. وأكد انه على الرغم من الاضطرابات الراهنة في الشرق الاوسط فإن الولايات المتحدة لا تزال تلتزم بحماية اسرائيل".اهم من كل ما سبق ما اكده ليون بانيتا من ان &laqascii117o;هذا العام شهد ازدياد عزلة اسرائيل عن شركائها الأمنيين التقليديين في المنطقة ...ليست تل ابيب مسؤولة وحدها عن وضعها الصعب، اذ توجد حملة دولية تستهدف عزلها". واختتم الوزير الاميركي تصريحاته بما هو اهم وأكثر مباشرة في تحديد الموقف الاسرائيلي الراهن. وقال &laqascii117o;إن الربيع العربي يمنح اسرائيل فرصة لبناء موقع اكثر أمناً لها في المنطقة".وينبغي قراءة هذه الاقوال للوزير الاميركي في ضوء اعتبارات مهمة في هذا التوقيت الذي قيلت فيه:
- إن قائلها هو وزير الدفاع وليس وزيرة الخارجية الاميركية. ولهذا معناه ودلالته بشأن هذا التأكيد على الالتزام الاميركي بحماية اسرائيل.
- إن أقوال الوزير بانيتا ينبغي ان تفسر في ضوء صعود الاخوان المسلمين والسلفيين في مصر الى المرتبة الاولى والثانية في الانتخابات المصرية في مرحلتها الاولى، باعتبارها ضغطاً اميركياً على التيار الاسلامي في مصر في موقعه الجديد لإصدار تأكيدات بالتزام هذا التيار بالحفاظ على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، خاصة اذا كان هذا التيار حريصاً، كما ابدى من قبل في الظروف الحالية وفي ظروف سابقة، على استمرار علاقات مودة وتعاون مع الولايات المتحدة.
ـ ومن المؤكد أن هذا الضغط الاميركي يضع التيار الإسلامي في مصر في موقع صعب للغاية بين ما هو مطلوب منه - أميركياً وإسرائيلياً ـ وما هو معـروف عنه منذ سنوات طويلة، وهو ما ادى الى تقدمه الملحوظ في نتائج الانتــخابات المصرية الاخيرة.
- إن هذه الأقوال من وزير الدفاع الأميركي لا بد ان تعني ان الولايات المتحدة تمارس هذا الضغط نفسه على التيارات الاسلامية التي صعدت الى السلطة او هي في طريقها الى تحقيق ذلك في تونس وليبيا واليمن وسوريا. فالأمر المؤكد هو ان الولايات المتحدة رحبت بنتائج الصراعات في هذه البلدان العربية التي شملتها تطورات &laqascii117o;الربيع العربي".
- إن الضغط على مصر - وعلى التيار الاسلامي الصاعد فيها ـ يقصد في الوقت نفسه الى الإفادة من تأثير ونفوذ مصر على البلدان العربية لدفعها للسير في هذا الطريق، تأكيداً لاستعداد هذه البلدان للالتزام بسلام مع اسرائيل.
- إن ما يلاحظ ايضاً هو ان الولايات المتحدة تعطي لنفسها حق التعبير عن &laqascii117o;التزام بمعاهدة السلام مع اسرائيل"، ربما إدراكاً من الجانب الاميركي ان المجلس الاعلى للقوات المسلحة لا يريد الإفصاح عن هذا الموقف بنفسه لما في ذلك من تأثير سلبي على مكانته في مصر، في وقت يتولى فيه المسؤولية الاعلى في البلاد. ويبدو هنا ان الولايات المتحدة لا تكتفي بما كان المجلس العسكري المصري قد اعلنه في الأيام التي تلت توليه السلطة من أنه ملتزم بما على مصر من التزامات إقليمية ودولية.
- إن الولايات المتحدة تدرك حدة التناقض الذي تضع فيه الحكومات العربية في بلدان &laqascii117o;الربيع العربي"، في الظروف الراهنة، حين تطالبها بانتهاج أساليب الديموقراطية وفي الوقت نفسه إعلان التزامها بالسلام مع إسرائيل، الأمر الذي لا يتمتع بأي شعبية في البلدان العربية على وجه العموم، بصرف النظر عن مواقف الحكومات.
- إن الآمال التي يعلقها وزير الدفاع الاميركي على نتائج الربيع العربي - اي صعود التيار الاسلامي في هذه البلدان- تعني ان الولايات المتحدة تهتم بمواقف الحكومات اكثر مما تهتم بمواقف الشعوب، او الرأي العام (اذا استخدمنا التعبير المفضل لدى المسؤولين الاميركيين) في تلك البلدان تجاه اسرائيل. وهذا جزء متمم لطبيعة التزام اميركا بحماية اسرائيل، بصرف النظر عما يمكن ان يرتد على بلدان الربيع العربي في اوضاعها الجديدة.
وخارج نطاق دلالات الأقوال التي ادلى بها الوزير الاميركي، فإن واشنطن تواصل سياسة التظاهر بالاهتمام بمسار الديموقراطية في البلدان العربية على الطريقة نفسها التي تظاهرت بها طوال سنوات حكم نظام حسني مبارك في مصر. وقد أكد موقف الولايات المتحدة من الديموقراطية في مصر زيف هذا الاهتمام من الأساس. حتى عندما حولت واشنطن سياستها تجاه نظام مبارك بزاوية 180 درجة، من التأكيد على اطمئنانها الى رسوخه والى انه يضمن &laqascii117o;استقرار الاوضاع في مصر" الى دعوة مبارك الى &laqascii117o;التنحي عن الرئاسة الآن وفوراً"، فإن النقطة الثابتة الوحيدة التي بقيت في السياسة الاميركية في مصر وفي المنطقة بقيت نقطة التمسك بالالتزام بحماية إسرائيل وأمنها.إن الولايات المتحدة تبدي، من خلال هذا التحول في موقفــها، رفــضاً لفكرة مهاجمة منشآت إيران النووية، وهو ما كانت تدعو اليه بحماس وتصميم واضحين الى ما قبل شهور مضت، تخوفاً من تأثيرات مثل هذا الهجوم على ايران الى تأثيرات سلبية او حـتى هدامة على نتـائج مـا يسمى &laqascii117o;ثورات الربيع العربي". فإن واشنطن تعلم يقيناً أن هجوماً على ايران بحجة تدمير مؤسسات مشروعها النـووي من شأنه ان يطــمئن المملكة السعودية وممالك وإمارات الخليج. ولكن من شأنه، في الوقت نفسه، ان يهز أركان النظم التي قامت او تأمل واشنطن ان تقوم في بلدان الربيع العربي.إن واشنطن لا تملك ثقة كافية في قدرة النظم الجديدة التي اسفرت عنها &laqascii117o;ثورات الربيع العربي" على الاستمرار، لأنها لا تثق ـ حسب ما أبداه كثيرون من المعلقين الاميركيين ـ في قدرة التيار الاسلامي في اي من هذه البلدان على ممارسة الحكم. ويتأكد انعدام الثقة الاميركية هذا من مدى خشية الولايات المتحدة من تأثيرات يمكن ان تقع في حال تعرضت ايران لهجوم اميركي و/أو اسرائيلي. ومعنى هذا ان واشنطن اصبحت اكثر ميلاً الى التسليم بدور إيران الاقليمي بعد احداث الربيع العربي مما كانت قبلها، او - على الأقل- فإن الوقت لا يبدو ملائماً لها.وتشير الدلائل الى ان واشنطن استطاعت ان تثني اسرائيل عن عزمها مهاجمة ايران في الوقت الحاضر، بعد ان كانت تل ابيب تظهر حماساً لم تبده من قبل للاندفاع نحو مهاجمة ايران. فهل يعني هذا ان اسرائيل اقتنعت بما تخشاه اميركا من تأثير الهجوم ضد منشآت إيران النووية على مسار الربيع العربي؟ الامر المؤكد ان اسرائيل يمكنها في الوقت الحاضر خاصة ان تخرج عن طاعة الولايات المتحدة سواء فيما يتعلق بإيران او فيما يتعلق ببلدان الربيع العربي. انما تجد اسرائيل نفسها مضطرة الى انتظار معرفة مدى النفوذ الاميركي على بلدان استطاع التيار الاسلامي ان يؤكد اولويته فيها سواء انتخابياً - كما في حالتي تونس ثم مصر- او بواسطة العنف المسلح كما في حالتي ليبيا واليمن وربما سوريا بعد ذلك.إن التحليلات الغربية ـ خاصة الاميركية للتطورات التي طرأت على بلدان الربيع العربي لا تزال تميل الى اعتبار &laqascii117o;الغموض" هو الصفة الرئيسية لنتائج هذه التطورات. ذلك لأنها ترى في توقعاتها المستقبلية احتمالات من نوع صدام ـ ربما يتصاعد الى درجة العنف المسلح ـ بين القوى الاسلامية الصاعدة نحو السلطة والمؤسسة العسكرية التي تمسك حالياً بالسلطة بدعم من الولايات المتحدة، كما في حالات مصر وليبيا وتونس. وهنا لا يبدو ان الولايات المتحدة تملك اي درجة من اليقين بشأن النتائج التي يمكن ان تسفر عنها مثل هذه الصراعات او الصدامات.الامر المؤكد ان ترحيب الولايات المتحدة بصعود التيار الاسلامي في بلدان الربيع العربي يرتبط اكثر ما يرتبط برغبتها في الاطمئنان على استقرار الوضع في السعودية، لأن واشنطن تحسب ان التيار الاسلامي في بلدان الربيع العربي انما يحيط النظام السعودي بسياج آمن، ويشكل تحالفاً إسلامياً &laqascii117o;سنّياً" بوجه ايران الاسلامية &laqascii117o;الشيعية".قد تبدو افكار واشنطن في هذا السـياق وفي هذا الوقت ـ كما تعبر عنها اقوال وزير دفـاعها الاخــيرة - أقرب الى الأماني منها الى الرؤية الواقعية الموضوعية للتطورات، ولكن هذا لا ينفي حقائق المخطط الاميركي لمستقبل المنطقة ومستقبل اسرائيل.


- 'الجمهورية'
أردوغان وسيناريوهات الإمساك بالسلطة حتى 2025
سمير صالحة:

حِزبُ رجب طيّب أردوغان في السلطة، ربّما لأنّه نجح في ملء الفراغ السياسيّ والحزبي في البلاد التي كانت تعيش حالة من التخبّط، مع ائتلاف سياسيّ ثلاثي بتوجّهات متضاربة بقيادة بولنت أجاويد يَومَها. لا بل إنّ حزب 'العدالة والتنمية' حقّق للشعب التركيّ ولنفسه ما يريد، من خلال قلب المعادلات السياسيّة الداخلية والخارجية، وتمكّن بالتالي من قلب الطاولة وإزالة الخطوط الحمر التي فرضتها القوى العلمانيّة المتشدّدة والمؤسّسة العسكرية لعقود طويلة، تحت شعار 'حماية النظام الأتاتوركيّ'. عامل أردوغان وشخصيته المميّزة وقدرته على تجييش الآلاف من المناصرين والمعجبين، هي من دون شكّ بين العوامل التي لم تمكّن حزبه من البقاء في سدّة الحكم حتى اليوم وحسب، بل في طرح خطط وسيناريوهات الاحتفاظ بالسلطة حتى العام 2025 على أقلّ تقدير. 'العدالة والتنمية' التركي الذي يُصرّ البعض على تقديمه وطرحه كنموذج أفضل لدوَل 'الربيع العربي'، منهمِك في هذه الآونة بمناقشة سُبل تحصين مواقعه وهيمنته على السلطات الثلاث في تركيا، التي تعدّ نفسها لاستقبال المئويّة الجديدة لولادة الدولة التركيّة الحديثة التي أسّسها أتاتورك عام 1923، وليكون الإسلام المعتدل هو من يقود هذه المرحلة في تاريخ بلد أعلن أنّه علمانيّ عصريّ مُنفتح على الغرب مُلتزم كثيراً من منظّماته وتكتّلاته السياسيّة والعسكريّة. خطّة أردوغان بإيجاز تقوم على تسلّم مقعد رئاسة الجمهورية من الرئيس الحاليّ عبد الله غول عام 2014، ليكون هو الرئيس الجديد للدولة ضمن خطّة المناوبة التي تعرّف إليها الحزب في السابق، عندما كان أردوغان مسجوناً وحُرم من دخول البرلمان. لكنّ تطبيق هذه الخطّة يتطلّب أيضا مرحلة انتقاليّة تسمح بإجراء انتخابات نيابيّة عامّة موعدها الرسميّ المقرّر هو العام 2015، يكلّف خلالها أحد أهمّ أعوان أردوغان والرجل الثالث في الحزب بولند ارنش بتشكيل حكومة موقّتة تظلّ لعام واحد فقط، ريثما يعود غول الى أخذ مقعده في البرلمان الجديد، حيث إنّ الدستور التركيّ لا يسمح باختيار رئيس للوزراء من خارج مجلس النوّاب. وبذلك يصبح غول الرئيس الجديد لحزب 'العدالة والتنمية'، الى جانب توَلّيه مهمّات رئاسة الحكومة. ويرى كثير من المتابعين أنّ مناقشة مسألة من هذا النوع ليست بين المحرّمات، لكنّ حَسم النقاش في اتّجاه تقديم السيناريو الأخير غير وارد في هذه المرحلة المبكرة جدّا، مع أنّ الجميع يعرفون جيّدا أنّ غول، الدائم الحركة والنشاط، لن يقبل أن تتمّ إحالته على المعاش كما حدث مع كثير من رؤساء الدولة السابقين الذين أنهوا خدمتهم ورجحوا في مقعد التقاعد بكلّ طيبة خاطر. عام 2012 سيحمل الإجابات المبكرة عن كلّ هذه الأسئلة، عندما تلتقي مؤسّسات 'العدالة والتنمية' لمناقشة طرح موضوع اختيار رئيس البلاد عبر الاستفتاء الشعبيّ، أو إبقاء الأمور على ما هي عليه اليوم، وترك القضيّة بين يدي المجلس النيابي ليقرّر هو اسم الرئيس الجديد، وعندها أيضا ستحسم تماما مسألة مدّة ولاية الرئيس الحاليّ غول في مقعد الحكم، بعد التعديلات الدستوريّة التي أُقِرّت عام 2007، وتضمّنت مادّة انتخاب رئيس الدولة لخمس سنوات قابلة للتجديد لمرّة واحدة. غول الذي يمضي الآن عامه الرابع على كرسيّ الرئاسة، هل سيبقى 3 سنوات أخرى ويسلّم مقعده لـ أردوغان انسجاماً مع السيناريو المقترح، أم أنّه سيرحل باكراً متسبّبا بقلب معادلات رئيس الحكومة رأساً على عقب ؟ طبعاً، الحديث عن مشروع من هذا النوع لا يمكن أن يُقبَل أو يمرّ من دون ضجيج واعتراضات في صفوف تيّارات حزب العدالة والتنمية وكوادره، حتى ولو لم يتمّ التوقّف طويلاً عند فرَص المعارضة وحظوظها في قطع الطريق على مثل هذه السيناريوهات بمفاجآت غير محسوبة. فهناك من يتحدّث عن تباعُد تدريجيّ في خيارات غول وأردوغان وأولويّاتهما، وإنّ التباعد بين الرجلين سيصِل الى القطيعة في النهاية، وإنّ أولى بوادره كانت انفجار موضوع مشروع قانون تغيير مدّة العقوبات الجزائيّة في جرائم الرشاوى والاحتيال والتزوير، التي قيل إنّها تهدف الى تخفيف العقوبات ضدّ عشرات المعتقلين الذين يحاكمون بتهمة إفساد بطولات العام المنصرم في لعبة كرة القدم وبينهم رؤساء فرق وإداريّون ولاعبون، وهو قانون توحّدت الحكومة والمعارضة لإقراره، فيما اعترض غول عليه، والمنازلة مستمرّة بين الجانبين... سيناريو آخر دخل على خطّ النقاش في هذه الأيّام، هو أن يتمّ إقناع غول بالتخلّي عن فكرة تسَلّم منصب رئاسة الوزراء لمصلحة اقتراح ترشيحه لمنصب الأمين العام للأمم المتّحدة في الحقبة الجديدة، ويفسح ربّما بذلك في المجال أمام أحمد داود أوغلو وزير الخارجيّة الحاليّ ليكون هو من يترأس الحكومة بعد أردوغان، طالما انّه قرّر الالتحاق بالسياسة الداخليّة والخارجيّة من خلال دخوله البرلمان التركيّ الجديد، وهو يتمرّس يوما بعد يوم في الشؤون الداخليّة بعد تجربة وخبرة واسعة كسبها في مجال السياسة الخارجيّة، جعلت منه 'الخوجا' الأوّل في هذا المضمار.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد