- 'السفير'
علي الدقدوق .. &laqascii117o;معضلة" أميركية تربك لحظات الانسحاب الأخيرة من العراق
هيفاء زعيتر:
&laqascii117o;مصير القيادي في &laqascii117o;حزب الله" علي موسى الدقدوق، المعتقل داخل السجون الأميركية في العراق، يتحول إلى نقطة فوضوية في نهاية مشوارنا في العراق".. هكذا وصف الناطق باسم مجلس الأمن القومي تومي فيتور الخلاف الذي تثيره قضية الدقدوق على أكثر من جبهة، حيث تتصارع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما حالياً بين خيارين: إما تسليم الدقدوق إلى الحكومة العراقية، على غرار ما فعلت بسجناء حرب آخرين، أو إيجاد طريقة تمكن قواتها من نقله الى خارج العراق، وربما إلى الولايات المتحدة نفسها، بعد انسحابها العسكري من هذا البلد. كل ما في قضية الدقدوق يُسبغ عليها صفة &laqascii117o;الأكثر تعقيداً" على جدول الانسحاب، حسب توم شانكر من &laqascii117o;نيويورك تايمز"، بدءاً من صفة المعتقل نفسه كـ&laqascii117o;قيادي" في &laqascii117o;حزب الله"، مروراً بدورها الحاسم في استشراف طبيعة العلاقة الأميركية - العراقية بعد الانسحاب، وصولاً إلى ارتباطها المباشر بالعامل الإيراني وحجم نفوذه السياسي داخل العراق.. باختصار تشكّل نتيجة القضية بيضة القبان التي ستكشف أي كفة ستميل دون الأخرى في عراق ما بعد الانسحاب، الأميركية أو الإيرانية. للمعتقل، الذي لا يريد الأميركيون تسليمه خشية أن تنجح الضغوط الإيرانية في إطلاق سراحه وتخاف الحكومة العراقية أن تتورط بقضيته لاعتبارات شتى، قصة طويلة. فهو اعتُقل كأحد قادة &laqascii117o;حزب الله" وأبرز المتعاونين مع &laqascii117o;فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني في العراق، وقد &laqascii117o;عمل على تنظيم وتدريب المليشيات الشيعية في العراق، كما شارك في عمليات لقتل جنود أميركيين"، بحسب الادعاء الأميركي. وفي عودة سريعة إلى العام 2007، تاريخ اعتقال الدقدوق في البصرة، يتبيّن بحسب الادعاءات الأميركية والعراقية الرسمية أن المعتقل اللبناني كان برفقة الشقيقين قيس وليث الخزعلي اللذين تدربا على يديه، ليؤسسا تنظيم &laqascii117o;عصائب أهل الحق".
وبحسب ما كشفت المصادر الأميركية فان &laqascii117o;ما أدلى به الأخوان الخزعلي، اللذان خرجا لاحقا في صفقة تبادل بريطانية، من اعترافات أضيفت إلى ما وجد مع الدقدوق من وثائق وكتيّبات أظهر مدى وحجم التورط الإيراني في دعم الخلايا الشيعية التي قامت بعمليات تخريبية في العراق". وحينها، تنوّعت الاتهامات التي برّرت اعتقال الثلاثي. كان أبرزها تدبير عملية كربلاء في كانون الثاني 2007، التي انتهت بمقتل 5 من جنود الاحتلال الأميركي &laqascii117o;بالتعاون مع فيلق القدس"، أضيف إليها اتهام الدقدوق بأنه مطلوب من سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمشاركته بأعمال عسكرية ضد القوات الإسرائيلية في لبنان عام 1999، كما في عدوان تموز 2006. وكان قُبض على الدقدوق، وهو من بلدة عيتا الجنوبية، وبحوزته أوراق ثبوتية عراقية مزورة بأسماء عدة منها حامد محمد اللامي، وحسين الموسوي (رجل دين)، وبطاقة أخرى تثبت أنه موظف في وزارة الزراعة العراقية وتتيح له حمل السلاح، كما أفاد الادعاء الأميركي. وبحسب هذا الإدعاء، تم استجواب الدقدوق، المعروف بـ&laqascii117o;أبو حسين ساجد"، في تموز 2007 حيث اعترف بأنه يقود وحدة عمليات خاصة تابعة لـ&laqascii117o;حزب الله" في العراق. كما أنه منذ العام 2005، &laqascii117o;تلقى أوامر من قيادة &laqascii117o;حزب الله" للتوجه نحو إيران والتنسيق مع &laqascii117o;فيلق القدس"، وهناك تلقى تدريبات نقلها لاحقاً لعراقيين حول كيفية استعمال العبوات اللاصقة الخارقة للدروع، والصواريخ المحمولة، وكذلك التكتيكات الإرهابية الأخرى التي تضم أساليب التجسس وعمليات الخطف". وفي العام 2009، بعد مرور سنة على اغتيال الحاج عماد مغنية، نشرت صحيفة &laqascii117o;يديعوت احرونوت" الإسرائيلية نقلاً عن روبرت باير، وهو عميل سابق للـ&laqascii117o;سي آي أيه" شارك في التحقيق مع الدقدوق، قوله إن &laqascii117o;بعض المعلومات التي أفضى بها الدقدوق للمحققين ساعدت في تنفيذ عملية اغتيال مغنية". ما سبق قد يُفسّر لماذا تحوّل الدقدوق إلى &laqascii117o;المعتقل الذي تتنازع عليه أربع دول &laqascii117o;، حسب &laqascii117o;نيويورك تايمز"، التي تؤكد أن &laqascii117o;اتخاذ القرار بشأن قضيته هو أمر في غاية التعقيد، لا سيما وأن الوقت يداهم الأميركيين الذين يُفترض أن يسرعوا في اتخاذ قرارهم قبل نهاية العام". وفيما تؤكد أن قدرة هؤلاء على احتجاز مزيد من السجناء في العراق باتت محدودة في ظل انتهاء الاتفاقية الأمنية وإغلاق السجون، تلفت الصحيفة إلى &laqascii117o;خشية الأميركيين تسليم الدقدوق إلى السلطات العراقية بسبب تجارب سابقة معها، حيث برأت المحاكم العراقية معتقلين سابقين سُلّموا لها، أو أفرجت عنهم من دون توجيه أي اتهام، لا سيما وأنه من غير الواضح إن كانت اعترافات الدقدوق للمحققين الأميركيين تبقى سارية أمام المحاكم العراقية". في هذه الأثناء، نقلت &laqascii117o;لوس أنجلس تايمز" عن وزير العدل العراقي حسن الشمّري قوله &laqascii117o;لا أدلة دامغة تؤكد أننا سنفرج عن الدقدوق فيما لو بقي في العراق، ووجود المعتقلين في يد العراقيين، لا يعني عودتهم إلى القتال مرة أخرى"، موضحاً أن &laqascii117o;القضاء العراقي ينظر بهذه التهم بشكل مستقل عن الحكومة العراقية التي لم تتدخل في هذا الشأن كونه من اختصاص السلطة القضائية". خوف أميركا ليس نابعاً من سجل العراق في التعامل مع المعتقلين فحسب، ولا من كون الدقدوق ليس عراقياً، الأمر الذي يسهّل على حكومة المالكي إطلاق سراحه، بل من اعتبارات سياسية وقانونية تحكم التعامل مع الملف على المستويين الداخلي والخارجي. داخلياً، يبدو أن إدارة أوباما تقف اليوم أمام ثلاثة خيارات في حال تمّ نقل الدقدوق إلى أميركا: &laqascii117o;أولها تقديمه أمام محكمة مدنية، ثانيها تقديمه أمام لجنة عسكرية في سجن &laqascii117o;غوانتانامو"، والأخير هو محاكمته في قاعدة عسكرية أميركية في بلد آخر". ويشير المراقبون إلى أن &laqascii117o;خيار غوانتانامو" يشكّل تحدياً لأوباما في جهوده للتعامل مع مسألة الموقوفين، لا سيما وأن مشاريع الرئيس الأميركي في ما يخص إغلاق المعتقل &laqascii117o;سيء السمعة" وتحويل المتهمين بالإرهاب إلى محاكمات مدنية اصطدمت بمعارضة سياسية حادة".
أما الخيار الثالث فينتقده خبير قانون الأمن الوطني في جامعة تكساس روبرت تشيسني بالقول إن &laqascii117o;هذه القواعد ليست أراضي ذات سيادة أميركية، ومعظم الدول التي تستضيفها لن ترحب بمحاكمة قيادي في حزب الله على أراضيها". من جهة أخرى، اعتبرت &laqascii117o;واشنطن بوست" أن نقل الدقدوق إلى أميركا يساعد في معالجة بعض المسائل القانونية الأميركية حول نظام اللجان العسكرية فيما يتعلّق بـ&laqascii117o;الإرهابيين" وما إذا كان بامكانهم التمتع بالحقوق الدستورية نفسها التي يتمتع بها المتهمون الجنائيون، أي الحق في محاكمة سريعة والحماية من التفتيش غير المنطقي. في وقت تنقل عن عدد من المحافظين تأكيدهم بأنه كان على الولايات المتحدة أن تضع الدقدوق على متن طائرة وتنقله إلى الولايات المتحدة من دون الحصول على إذن العراقيين، و&laqascii117o;هم سيعترضون بداية لكنهم سيقبلون الأمر في نهاية المطاف". هذا الطرح، تضيف الصحيفة، تستبعده الإدارة الأميركية لأن &laqascii117o;الأمر سيضعف العلاقات الاستراتيجية في لحظة تحرص فيها أميركا على بناء علاقات دبلوماسية عادية بين دولتين ذات سيادة". وتبقى الجبهة الإيرانية الأكثر إثارة للرعب الأميركي، حيث تتخوف إدارة أوباما من الضغوط السياسية التي قد تُمارس على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وعليه &laqascii117o;تستبسل" في الدفاع عن حقها بالدقدوق &laqascii117o;لأن أي خيار عدا ذلك سيُعتبر انتصاراً دعائياً لإيران والميليشيات الشيعية في العراق في ظل ازدياد ضغوط الانسحاب". وفي هذا الصدد، يتهم المسؤولون الأميركيون إيران بعرقلة المفاوضات، ودفع الأموال للحفاظ على القيادي في حزب الله، فـ&laqascii117o;إيران مستعدة لأن تنفق قدراً كبيراً من رأس المال السياسي، لمنع أميركا من أخذ قائد في حزب الله حين ننسحب"، يقول مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية. في المقابل، ينفي الإيرانيون التدخل في شؤون العراق الداخلية، حيث نقلت وكالة &laqascii117o;إرنا" الإيرانية عن وزير الدفاع الإيراني مصطفى محمد نجار وصفها الاتهامات بأنها &laqascii117o;محض أكاذيب". وكذلك فعل التيار الصدري الذي أكد على لسان احد قيادييه أن إيران لم تتدخل، و&laqascii117o;نحن نصر على أن يواجه الدقدوق محاكمة عراقية". وكان التيار الصدري دعا مؤخراً إلى تجزئة قضية الدقدوق عند محاكمته في العراق لو سلم إليها، معلّقا على لسان النائب في التيار جواد الشهيلي بأن &laqascii117o;ملف اللبناني الدقدوق سيخلق أزمة جديدة في الساحة العربية، وأي ازدواجية في التعامل مع هذه الملفات خطيرة وغير صحيحة"، مشيرا إلى أن &laqascii117o; الدقدوق يجب أن يحاسب على ضرب القوات العراقية فقط، ولا يمكن محاسبته على ضرب القوات الأميركية، باعتبارها قوات محتلة". وبين إيران والعراق وأميركا ولبنان، سيبقى مصير الدقدوق مجهولاً ولكن ليس لفترة طويلة، فالأميركيون اليوم في سباق مع الزمن قبل انتهاء صلاحية احتفاظهم بالدقدوق بشكل شرعي. وفيما لم تعلن وسائل الإعلام ما إذا كان أوباما ناقش القضية مع المالكي، حسبما كان مدرجاً على جدول زيارة الأخير لواشنطن، يبدو جليا أن الدقدوق يشكّل قنبلة موقوتة على خط العلاقات بين الطرفين، فيما تحتدم لعبة شدّ الحبال الأميركية – الإيرانية لإثبات النفوذ في عراق ما بعد الانسحاب.
- 'الأخبار'
الحرب الأهلية بديلاً عن الحرب الخارجية جنود &laqascii117o;نظاميون"
اميركيون يغادرون الكويت بعد العراق ليعودوا إلى بلادهم
رأى جون ميولر، في دراسة مشوّقة أصبحت كتاباً في ما بعد، أنّ الحروب المضبوطة بأنظمة وقواعد (disciplined warfare) انتهت مع نهاية الحرب الباردة، وأخلت الساحة لحروب يعوّل فيها على أصحاب سوابق ومجرمين (criminal warfare). اتخذت تلك الأخيرة شكلين، أولهما اعتماد بعض الدول على جيوش مرتزقة للقيام بالحرب، وثانيهما، التعويل على أمراء حرب للقيام بذلك.
الحرب الأهلية شكلاً جديداً للحرب
رسم ميولر تطوّر أشكال الحرب، منذ القرون الوسطى الأوروبية حتى وقتنا هذا. لم يكن ملوك القرون الوسطى ونبلاؤها يستخدمون جيوشاً نظامية كالتي نعرفها اليوم. كانوا يعوّلون على الأوساط الإجرامية والأفراد غير الأسوياء، لتكوين مجموعات المسلحين الذين يستخدمونهم. كان البدل الذي يمنحونه لهؤلاء هو السماح لهم بنهب السكان. وبدأت الجيوش النظامية تتكوّن مع نشوء الدولة الوطنية الحديثة. أصبح الملوك يعتمدون جيوشاً متخصّصة، يتولون تدريبها للقيام بالحرب، وتخلوا تماماً عن أصحاب السوابق في تكوين جيوشهم، لما لهؤلاء من تأثير سلبي على معنويات العسكريين. رأى ميولر أنّ التغيير الكبير الذي حصل خلال القرون الأخيرة، يُستدلّ عليه من المقارنة بين دوافع المنتمين إلى جيوش تخضع لأنظمة وقواعد، ودوافع الجيوش المكوّنة من أوغاد (thascii117gs). في الحالة الأولى، ثمة أناس مهنتهم الحرب، يمتلكون قيماً ويهتمون بسمعتهم، ويلتزمون بمواثيق شرف، وتعتمد جيوشهم على الانضباط، وتعاقب بشدّة الانحرافات عن الأنظمة والقواعد (ميولر، 2002: 4). وهم أناس أسوياء في الحياة العادية، كما أنّ الحرب التي يشاركون فيها تكون دائماً ذات هدف، ويوضع حد لها متى بلغته، وليست نمط حياة. أما الحروب التي يعوّل فيها على أوغاد، فتجسّد المنفعة المادية غاية أفرادها. تتلخّص الحياة العادية لهؤلاء في الإضرار بالآخرين. وبالتالي، فلا دوافع أيديولوجية لديهم، أو قيم تحكم تعاطيهم مع المجتمع. وتكون حروبهم من دون نهاية، لأنّ الإجرام بالنسبة إليهم طريقة حياة. وفّرت الحروب أو &laqascii117o;النزاعات الإثنية" خلال العقدين الأخيرين، أمثلة عديدة عن ذلك الشكل الجديد للحرب (new war).
قدمت حروب يوغوسلافيا السابقة ورواندا نموذجين للاعتماد على جيوش من المرتزقة في الحرب. عمدت النخب التي افتعلت الحرب في يوغوسلافيا إلى تكوين مجموعات مرتزقة للقتال، حين رفض الجيش النظامي خوض النزاعات التي اقترحتها عليه. وتكوّنت المجموعات المنخرطة فيها من أصحاب سوابق، وآتين من العالم السفلي، وسجناء أُعفوا من الأحكام الصادرة بحقهم لخوض الحرب (المرجع السابق، ص 22). وفسّر غانيون العنف المفرط الذي ميّز هذا الشكل من الحرب، بأنّه هدف إلى إرهاب السكان الذين امتنعوا عن التجاوب مع دعوات &laqascii117o;المقاولين السياسيين الإثنيين" لخوض الحرب. وقد عمل هؤلاء الأخيرون لكي تصبح الحرب صراعاً من أجل البقاء، يعني كلّ فرد من &laqascii117o;إثنياتهم" (غانيون، 2004). انتقد ميولر بدوره التوصيف الخاطئ للحرب الأهلية &laqascii117o;الإثنية" الذي اعتمده البعض، باعتبارها &laqascii117o;حرب الكلّ ضد الكلّ"، المأخوذ أساساً عن توماس هوبس. رأى أنّها اعتمدت على الدوام على عدد محدود جداً من الأشخاص، مع قدرة فائقة على زرع الدمار في المجتمعات (المرجع السابق، ص 25 ــ 26). وفّرت حروب أفريقيا النموذج الثاني للحرب، التي يؤدي الدور الرئيسي فيها أمراء حرب. عرفت تلك القارة ثلاثة أنواع من الدول قبل الحرب الباردة وبعدها: الدولة الاحتكارية (monopoly state) التي قامت على احتكار القائمين على الدولة السياسة والشأن العام، و&laqascii117o;دولة الظل" (shadow state) التي أقامها الممسكون بالحكم، وتكوّنت من شبكات موالين لهم، اختفت خلف الإدارات الرسمية للدولة، والدولة المنهارة (collapsed state)، التي جسّدت واقع انهيار الدولة، فلم تعد الحكومة تمارس سيطرتها إلا في نطاق جغرافي محدود، فيما يتقاسم أمراء حرب المناطق الباقية (كلافام، 1996: 5).
المشترك بين الدول الاحتكارية والدول التي عوّلت على وجود &laqascii117o;دولة ظل"، وجود أنظمة سياسية ارتكزت السلطة فيها على الاستزلام السياسي (patronage-based political systems)، وعلى شبكات موالين موحّدة تحت سلطة زعيم واحد (centralized political networks). الأمر المهم الذي ميّز الدولة الموحّدة في تلك البلدان، قبل تحوّلها إلى دولة منهارة، هو أنّ القائمين عليها كانوا يخافون وجود إدارة عامة رسمية فعّالة، يمكن أن تنقلب عليهم، كما هي حال الجيش مثلاً. وقد عملوا ما في وسعهم للاستعاضة عنها بمؤسسات غير رسمية، اعتمدت العنف والجريمة وتكوّنت من قوى رديفة. تعمّد الحكام الأفريقيون ضرب وجود الدولة بما هي مؤسسات رسمية (formal institascii117tions)، وبما هي احتكار قانوني لاستخدام العنف. وقد أحال وصول الدولة إلى مرحلة الانهيار الأعوان السابقين للحكام، المستفيدين من شبكات الموالين والجريمة غير الرسمية، كما معارضي هؤلاء الحكام، إلى أمراء حرب (warlords). وجسّدت دول مفتّتة يتنازع السلطة فيها أمراء الحرب هؤلاء، البديل عن الدولة الاحتكارية. كان استخدام العنف الهاذي ونهب المواطنين العلامة الفارقة لأمراء الحرب هؤلاء. الخاصية الثانية للبديل الذي جسّدته الدولة المنهارة في أفريقيا وغيرها، هو أنّه لم يكن لدى أمراء الحرب هؤلاء، أكانوا من الموالين سابقاً أم من المعارضين، أي برنامج سياسي. لم يكن من يوالونهم أناساً على علاقة بالسياسة والأيديولوجيات، بل كانوا أفراداً يعتمدون الوصولية العنيفة، أي سلاحهم وعلاقتهم بالرجل القوي الذي يعملون له، لتحقيق منافع من خلال الجريمة ونهب السكان القاطنين في نطاقهم (رينو، 2003، 2005، 2009).
إفشال الدولة الوطنية
تصبح دولة ما دولةً فاشلة، حين لا تعود قادرة على ممارسة سيادتها على كامل أرضها، وتتقاسم هذه السيادة مع لاعبين من خارجها، أي مع أمراء حرب، كما يغيب فيها الاحتكام إلى القانون، ويتفشّى فيها العنف الإجرامي. عرّف روتبرغ الدولة المنهارة، بوصفها الحالة القصوى للدولة الفاشلة. وقد اجتهد أكاديميون على مدى العقدين الأخيرين لشرح خصائص الدول الضعيفة (weak) والفاشلة (failed) والمنهارة، واقترحوا مقاربات تفيد في منع الوصول إلى مرحلة الفشل (روتبرغ، 2002: 96). برّر روتبرغ وجود الدولة الوطنية بالدور المنوط بها في توفير تقديمات سياسية إيجابية (positive political goods). وهي الأمن أولاً وقبل كل شيء، والتعليم والخدمات الصحية والشروط الاقتصادية الملائمة وحماية البيئة، والإطار القانوني الذي يحمي الانتظام العام والجهاز القضائي الذي يشرف عليه، وخدمات البنى التحتية للمواصلات والاتصالات (المرجع السابق، ص 87). حين تعجز الدولة عن توفير هذه التقديمات، أو تتخلى عن مسؤوليتها في ذلك، تتحوّل أكثر فأكثر إلى دولة فاشلة. وقد عملت أجهزة السياسة الخارجية والاستخبارات في دول غربية كبرى على استثمار مقاربات الأكاديميين ذاتها، لدفع بعض الدول الضعيفة إلى الفشل والانهيار. وذلك بالتركيز على نواحي الضعف الموجودة عند هذه الدول، وتحويلها مصدراً للفشل. يخطّط مسؤولون في إدارات تلك الدول لتدمير دول ومجتمعات في العالم، ويخوضون حروباً مفتوحة معها كشأن روتيني وطبيعي.
التصدي للحرب الخارجية كحرب أهلية
خلال حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، كان ثمة حروب تخاض تحت شعارات أيديولوجية، منها وأهمها حروب التحرّر الوطني. كان العامل الأيديولوجي يعطي معنى إيجابياً للحرب، ويبرّر تصنيف حركات الغوار في فئة الحروب المضبوطة بأنظمة وقواعد (ميولر، 2002: 5). وبدت الحروب التي خيضت بعد الحرب الباردة، كأنّ قاسمها المشترك أنّها حروب يعوّل فيها على أوغاد ومجرمين، وأنّها تفتقد أيّ محتوى أيديولوجي وبرنامجي. جرى نقاش مسهب حول الفرق بين الحروب &laqascii117o;القديمة"، أي المضبوطة بأنظمة وقواعد والأيديولوجية، والحروب &laqascii117o;الجديدة" تلك. نفى البعض مشروعية ذلك التمييز، وشكّك في دور الأيديولوجيا في توفير لحمة للمنخرطين في حروب التحرر الوطني، وفي ضبط مسلكيتهم (كاليفاس، 2001). وأعاد آخرون الاعتبار إلى دور الأيديولوجيا ومنظومات القيم التي تحملها الحركات السياسية، في منع الجنوح نحو الإجرام عند المجموعات والأفراد، وسبيلاً وحيداً للخروج من الحروب &laqascii117o;الجديدة" تلك (رينو، 2009).
- 'النهار'
'كارنيغي' تستشرف 2012: رحيل الأسد وأحمدي نجاد وعودة بوتين
الديموقراطيات الإسلامية تحدٍّ للأميركيين وتهديد للسعوديين
موناليزا فريحة:
كانت 2011 سنة استثنائية بامتياز. في الشرق الاوسط كما حول العالم، تلاحقت الاحداث السياسية والاقتصادية والكوارث الطبيعية، وتنافست بالدم حيناً وبنشوة الحرية أحياناً على صنع تاريخ ستتوالى فصوله بلا شك سنة 2012 وما بعدها. بمقاييس كثيرة، يشكل 'الربيع العربي' بطل 2011 بلا منازع، بعدما دحرج رؤوساً كبيرة، وصلت سيوفاً فوق أخرى، مدشناً للمنطقة مرحلة انتقالية مفتوحة على تحديات خطيرة.
ومع 'الربيع العربي'، حل 'خريف الاورو' الذي يعتبر أكبر تحد للاندماج الاوروبي وينذر بتداعيات على الاقتصاد العالمي كله. ومع هذين الحدثين، شهدت يوميات 2011 محطات بارزة أخرى، من مقتل أسامة بن لادن بعد مطاردة استمرت عشر سنين، الى الزلزال العنيف الذي ضرب اليابان ودمر مفاعل فوكوشيما النووي في أسوأ حادث تسرب نووي في البلاد منذ 25 سنة. قد تستحق أحداث أخرى مكاناً لها في يوميات السنة الاستثنائية، كالجدل في شأن دور أميركا في العالم مع انشغالها بأزمتها الاقتصادية، اضافة الى توتر علاقتها مع حليفتها باكستان. وعلى خط السلام حيث استمر الجمود، سجلت للفلسطينيين خطوة طموحة تمثلت في تقديمهم الى الامم المتحدة طلباً للاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية تقف له واشنطن مع حلفائها في المرصاد. لن تبلغ أحداث بهذا الحجم خواتيهما قريباً، وهي بلا شك ستطبع السنة المقبلة وربما السنوات التالية. فكيف ستؤثر هذه الاحداث على سنة 2012؟ وما هي أبرز المحطات المرتقبة خلالها؟
في رأي ديفيد روزكوف، وهو باحث زائر في معهد 'كارنيغي إنداومنت للسلام الدولي' أن 12 حدثاً ستستأثر بالعناوين الرئيسية سنة 2012، بينها رحيل الرؤساء السوري بشار الاسد والايراني محمود أحمدي نجاد والفنزويلي هوغو تشافيز والزعيم الكوبي السابق فيديل كاسترو. وقد استند في توقعاته لمجلة 'فورين بوليسي' الى الدينامية التي أرستها أحداث 2011، اضافة الى مؤشرات سياسية واجتماعية ومحطات بارزة سنة 2012. وهنا المحطات الـ12: تغيير القيادة في مراكز سلطة حول العالم:
صحيح أن هذا الامر بديهي في ظل الانتخابات الرئيسية المرتقبة في الولايات المتحدة والصين ودول كبيرة في أوروبا، بما فيها فرنسا وروسيا والمكسيك ومصر ودول أخرى. ولكن نظراً الى الدور المهم للدول المعنية والاضطرابات التي تسود العالم والميل الى عدم الاستقرار، يمكن أن تستأثر التغيرات المرتقبة بجانب مهم من اهتمام العالم طوال السنة. مؤشرات أولى الى اضطرابات سياسية حقيقية في الصين :
وسط انتقادات علنية متزايدة للحكومة على خلفية مسائل تراوح بين تحطم قطارات والتلوث، وحملات علنية بين فصائل الحكومة الصينية، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وإن تكن مراقبة، على الزعماء الجدد للصين أن يتوقعوا مزيداً من الانقسامات وأوقاتاً صعبة للحفاظ على السيطرة المركزية في القوة الناشئة العظمى. انهيار سلالة الأسد في سوريا: تقدر واشنطن وباريس أن أيام الرئيس بشار الاسد في السلطة صارت معدودة، وإن يكن هو يتصرف عكس ذلك. ومع اصرار المعارضة السورية وتزايد الضغوط من جيران دمشق، لن يكون دعم 'حزب الله' وروسيا وايران كافياً لحماية بشار الاسد من مصير حسني مبارك.
نزاع على السلطة في باكستان: ليس مثل هذا الامر بالجديد في باكستان. فكما هي الحال في مصر، ينظر الجيش الباكستاني الى الديموقراطية على انها معادل لابتسامة مصطنعة كبيرة أمام الكاميرات. وفي ظل التقارير الاخيرة عن خلافات داخلية، ليست خطرة المراهنة على قيادة جديدة في اسلام اباد بحلول نهاية السنة المقبلة.
نهاية أحمدي نجاد في ايران:
إذا استمر تفاقم التوتر بين محمود أحمدي نجاد والملالي الذين يديرون الجمهورية الاسلامية من خلف الكواليس، لن يكون الغرب هو الذي يطيح هذا الرجل، وإنما الخلافات الداخلية في البلاد. وفي المقابل، سيحاول هو الاحتفاظ بمنصبه بمواجهات مع الأميركيين والإسرائيليين والسعوديين وغيرهم.
نقلة نوعية في الشرق الاوسط: مع استمرار 'الربيع العربي'، تتواصل التحولات في الشرق الاوسط طوال 2012. وتصير الصين والهند مستهلكين أكثر أهمية من أي وقت مضى للنفط، فيما تتراجع الولايات المتحدة. وتزداد أهمية الصين لاعباً رئيسياً بالنسبة الى باكستان وأفغانستان وايران، على رغم ادعائها أنها لا تريد التدخل. وتواصل الولايات المتحدة تحويل انتباهها الى كل من آسيا والداخل. وتمضي اسرائيل في اضعاف نفسها بسياستها الاستيطانية. أما الدور التركي فيزداد أهمية، ويبدأ المحور المعتدل التركي - المصري، الحلول محل مركز الثقل السعودي - الخليجي. أما السباق على التسلح النووي في المنطقة، فيتسارع مع تزايد عدم الاستقرار في باكستان. والاهم من ذلك كله، يصير صعود الديموقراطية الاسلامية وانتشارها التطور غير المتوقع ، الامر الذي يؤدي الى قيام حكومات يصعب على الولايات المتحدة الانسجام معها ، وتهديداً كبيراً للسعوديين. انها مشاكل وتحديات كبيرة سيواجه صناع السياسة أوقاتاً صعبة لمواكبتها، وهو ما سيؤدي الى مشاكل جديدة.
نهاية تشافيز وكاسترو:
يبدو الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز والزعيم السابق فيديل كاسترو مرشحين لمغادرة الساحة هذه السنة. وحتى اذا لم يحصل ذلك، ستواجه سياستاهما تراجعاً كبيراً ، ويتوقع أن تحقق المعارضة في بلديهما مكاسبهما الكبرى في التاريخ الحديث.
بوتين يعود الى السلطة أشد صرامة من المتوقع:
ليس متوقعاً أن تؤثر المعارضة المتزايدة لفلاديمير بوتين على اعادة انتخابه السنة المقبلة، الا أن الرجل القوي في موسكو لن ينسى صيحات الاستهجان ضده في ساحات موسكو، وهو يعد العدة لحملات مضادة.
تعزيز منطقة الاورو: كانت 2011 السنة التي اكشتفت فيها منطقة الاورو أنها لا يمكنها أن تستمر من دون نفسها. أما 2012 فستكون السنة التي تكتسب فيها العملية الطويلة والبطيئة والمحبطة لبناء مؤسسات مالية ونقدية جديدة وقوية زخماً. سيحصل ذلك بطريقة متقطعة وغير منتظمة وستتواصل عناوين: النهاية قريبة، ولكن اذا تمكنت منطقة الاورو من تجاوز هذه السنة، عندها سيكون شعارها للسنة المقبلة: 'ما لا يقضي علينا يجعلنا أقوى'.
ركود عالمي مع رابح مفاجئ أو اثنين:
قد تنجو منطقة الاورو من كارثة، لكنها قد تنتج أزمة اقتصادية أكبر. فالركود في أوروبا المتقشفة سيزداد سوءا نتيجة الكساد الذي يجتاح دولاً ناشئة، والنتيجة يمكن أن تكون ركوداً أعمق في كل أنحاء العالم. لكن المفارقة أن الولايات المتحدة قد تخرج رابحة، واليابان أيضاً.
سقوط مصرف كبير يؤدي الى اصلاح تنظيمي محدود:
يمكن أن تثير الاضطرابات في منطقة الاورو كابوساً في 'وول ستريت' مع استمرار معاناة مصارف أوروبية كبيرة على رغم رزمة انقاذ من الاتحاد الاوروبي. وقد يواجه صناع السياسة أرقاً طوال السنة، خوفاً من أن يؤدي اضطراب في الاسواق الى انهيار مصرف بعد آخر، والنتيجة ستكون مزيداً من رزم الانقاذ المالي من دون اصلاحات.
انتشار التطرف في أفريقيا يدفع الولايات المتحدة الى التحرك:
رأينا هذه السنة قواعد لطائرات من دون طيار وقوات تتحرك بصمت الى أفريقيا. وفي ظل القلق الاميركي والغربي من المتطرفين في المنطقة، وتحديداً في نيجيريا، سيزداد التركيز على تنظيم القاعدة وفروعه في المنطقة. وبحلول نهاية السنة سينظر الى هذا الامر على أنه تهديد أمني متقدم في قائمة المراقبة.