قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الخميس 22/12/2011

- 'النهار'
توقعات إسرائيلية بانتفاضة أخرى!
أنطـوان شلحـت ـ عكا:

كثيرون من المحللين الإسرائيليين ينشغلون هذه الأيام بقراءة جوهر الانعكاسات المتوقعة لصعود نفوذ تيار الإسلام السياسي في الشرق الأوسط على سلوك الفلسطينيين إزاء مستقبل صراعهم مع إسرائيل. وترى غالبيتهم الساحقة أن هذا الصعود من شأنه أن يعزّز قوة الفئات المناوئة للتسوية السياسية، ذلك بأن جميع الحركات المنضوية ضمن هذا التيار يجمعها قاسم مشترك هو رفض وجود إسرائيل، ولا سيما من ناحية عقائدية دينية.
وثمة أقلية بينهم تعتقد أن دافع هذه المقاربة الإسرائيلية هو استمرار الهروب إلى الأمام من حقيقة أن السياسة التي تتبعها الحكومة الحالية، شأنها شأن سياسة الحكومات السابقة، تشكل السبب الرئيس الذي يقف وراء أي 'مشاعر سلبية' إزاء إسرائيل في الشرق الأوسط برمته، وبالتالي فإن الإصرار على هذه السياسة مع إضافة ذريعة صعود نفوذ الحركات الإسلامية لن يخفف من وطأة تلك المشاعر، سواء أكانت أنظمة الحكم العربية في يد حركات إسلامية، أو في يد حركات سياسية أخرى خلافهـا.
وما يجب ملاحظته هو أن هناك حقيقة واحدة تشكل محط إجماع بين الجانبين، وتتعلق بموقف السلطة الفلسطينية، وفحواها أن آخر التطورات الإقليمية ستجعل هذا السلطة أكثر تمسكًا بموقفها إزاء استئناف المفاوضات السياسية مع إسرائيل، والذي كان سابقًا على ثورات الربيع العربي، وأن ما كان ممكنًا قبل هذه الثورات لم يعد كذلك بعدها.
وأشير في هذا الشأن إلى ما يلي:
السلطة الفلسطينية تعد العدة لاستئناف هجومها السياسي والديبلوماسي على إسرائيل؛
يتعين على زعماء إسرائيل أن يكونوا على أهبة الاستعداد لهذا الهجوم، وخصوصًا ليوم 26 كانون الثاني المقبل، والذي سبق أن حددته الرباعية الدولية كموعد أخير لاستئناف المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين بشأن الحدود والترتيبات الأمنية؛
بينما أقدم الفلسطينيون على تجميد 'الخطوات الأحادية الجانب' حتى التاريخ المذكور أعلاه، فإن الحكومة الإسرائيلية ما زالت مصرة على رفضها المحادثات وتهربها منها، وفي حال استمرارها في تعنتها فإن المرحلة المقبلة من الهجوم الفلسطيني ستكون أكثر قسوة من المرحلة السابقة.
وقد بلغت عدة توقعات حدّ التنبؤ باحتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية أخرى، نتيجة عدم قدرة السلطة الفلسطينية على مواجهة ضغوط 'العناصر الراديكالية' فترة طويلة من الوقت. وفي ظن أصحاب هذه التوقعات فإن مناسبة ذكرى يوم الأرض المقبلة (في 30 آذار 2012) تشكل موعدًا مرتقبًا لاندلاع انتفاضة كهذه، مع احتمال أن تشمل عرب مناطق 1948، بسبب احتدام المعركة على الأرض وخصوصًا في النقب.


- 'السفير'

هل سيولد نظام عالمي جديد من الرحم السوري؟
امين محمد حطيط:

في بادئ الامر ظن حسنو النية ان الاصوات التي انطلقت في درعا في اذار2011 مطالبة بالإصلاح إنما هي تعبير عن مطالب الناس ولا شأن للخارج بها، لكن السلوك الرسمي السوري الذي استجاب للحركة الاصلاحية فضح من كان يخطط لسوريا ويريد تغيير موقعها الاستراتيجي المتمثل في تمركزها حالياً في واسطة عقد منظومة المقاومة للمشروع الغربي، بغية نقلها الى الضفة المعاكسة التي عبر عنها من غير خجل برهان غليون الذي عين في اسطنبول رئيساً لما شكل هناك بإشراف تركي - قطري مباشر وقيادة غربية واضحة، رئيساً لـ'المجلس الوطني السوري'.
ان تغير وجه الحركة الاحتجاجية في سوريا بات بشكل اكيد حركة عصيان مسلح ضد النظام ومؤسساته وقتلاً للمواطنين وتدمير ممتلكاتهم، لإظهار النظام بمظهر العاجز الذي عليه ان يرحل، وفي المقابل استمر النظام ممسكاً بتلابيب الامر يعمل على خطين: الاصلاح والامن، وبين هذا وذاك نرى انقساماً واضحاً إقليمياً ودولياً مصحوباً بتحشد في معسكرين اثنين:
1) الاول معسكر غربي السياسة والقيادة ويعمل على تغيير نظام سوريا وموقعها الاستراتيجي، رافضاً اي حوار مع النظام إلا تحت عنوان واحد هو كيفية انتقال السلطة الى 'المجلس الوطني السوري' ومن يلتحق به او يأتلف معه مما يسمى 'معارضات سورية'، وهو يعمل على شيطنة النظام وإظهاره بأنه نظام قتل وإجرام. تقود هذا المعسكر اميركا وتلتحق بها اوروبا الغربية، وعملت بإمرتها ادوات تنفيذية اقليمية، تتمثل بتركيا ودول عربية والجامعة العربية التي باتت دائرة من دوائر الخارجية الاميركية.
يعول الغرب على نجاحه في خطته هذه الكثير، لأنه يرى فيها كسباً استراتيجياً هاماً متمثلاً بتحويل سوريا الى اداة في يده تمكنه من السيطرة على المنطقة وثرواتها بعد فشله في الحروب. وستكون النتيجة الاستراتيجية المباشرة لهذا الانجاز توجيه ضربة بالغة الشدة الى منظومة المقاومة التي يعتقد الغرب بأنها ستتفكك ويتحول من يبقى منها جزراً غير متصلة يسهل خنق الواحدة منها تلو الاخرى، ما يمكن اميركا من ربط المنطقة التابعة لها ببعضها البعض، من الشرق، حيث دول الخليج، الى الغرب في الشمال الافريقي. خطة إن نجحت ستؤدي الى تشكل البرزخ الاستراتيجي الممتد من تركيا الى شمال افريقيا عبر الجزيرة العربية واسرائيل، الامر الذي سيعوض كلياً على اميركا خسارتها لحروبها.
2) الثاني، معسكر إقليمي مشرقي ويعمل على اصلاح النظام السوري وتطويره وتثبيت سوريا في موقعها الاستراتيجي الحالي، على ان يكون ذلك عبر الحوار الداخلي الذي يفضي الى تعديلات اساسية في القوانين والنظم المتعلقة بالشؤون الداخلية، مع المحافظة على الخيارات السورية القائمة في المجال الخارجي والاستراتيجي، اي الاستمرار بلعب دور مؤثر وفاعل في منظومة المقاومة للمشروع الغربي، والسعي لإقامة 'شرق اوسط لأهله' متحرر من الإملاءات والاوامر الاجنبية ومتعاون بصدق وحسن نية مع من يريد التعاون بهذه الصيغة. ويعمل في هذا الخيار النظام السوري مدعوما إقليمياً من إيران وحزب الله، ودولياً من مجموعة البريكس، مع تفهم وقبول من اغلب الدول الاسلامية ودول ما كان يسمى بعدم الانحياز.
ان نجاح سوريا والمعسكر الذي يحتضنها في تحقيق هذا الامر سيؤدي الى اقامة منطقة مشرقية متجانسة متكاملة في خياراتها الاستراتيجية تمتد من ايران الى لبنان عبر سوريا والعراق، قادرة على الاستفادة من تحالفات استراتيجية وتفاهمات اساسية مع كل من الصين وروسيا، بما يؤدي الى الحد، ان لم نقل الإجهاز على النفوذ الغربي في المنطقة، وهو ما كانت تخشاه اميركا وتعمل على منعه.
هذا هو لب الصراع الحقيقي اليوم الذي يظهر من المشهد السوري، الحقيقة صراع دولي شامل، صراع بين الغرب الذي ينفذ هجوما للمحافظة على مكتسباته ومصالحه التي مارسها طيلة االقرن الماضي على حساب اهل المنطقة ووحدتهم وحقهم بالحرية واستثمار الثروة، وبين شرق اوسط استفاد من تنظيمه لمقاومة فاعلة وإقامة الانظمة المستقلة، والمتعاونة مع من لا يريد سيطرة واستعماراً، فانبرى للدفاع عن كياناته وحقوقه، صراع ستترتب على نتائجه تحديد وجهة العالم والنظالم العالمي الجديد الذي فشلت اميركا في جعله آحادياً وتسعى لتعويض الفشل بإقامة شرق اوسط يناسبها. فهل ستقدر؟
انطلاقاً من موازين القوى المتشكلة لا نرى قدرة لأميركا على النجاح في سعيها، فهي لن تستطيع ان تدخل من النافذة السورية بعد ان خرجت من باب العراق وبعد ان استطاع النظام السوري الصمود والاستمرار هو وحلفاؤه في المواجهة الدفاعية الناجحة، وانتقل الى الهجوم في معرض الدفاع الذي تجلى في السلوك الروسي بإرسال السفن الحربية الى الشواطئ السورية، والسلوك الايراني بإسقاط طائرة التجسس الاميركية والتهديد بالأكثر، والسلوك السوري بالمناورة العسكرية الاخيرة وسلوك التحدي من قبل حزب الله في عاشوراء.
لكل هذا نجد اميركا الآن تتحسب لهذا لفشل وتسعى لإقامة جبهة من 'الاسلام السياسي السني' بقيادة الاخوان المسلمين، لمواجهة 'الاسلام الشيعي الحركي' بقيادة ايران ودفعهما لصراع ولمواجهة تغيّران وجهة الصراع الحقيقي بما يجعل اسرائيل منسية من الطرفين.


- 'الأخبار'
سوريا: الموقف الروسي وبراغماتيّة المصالح
سلامة كيلة:
 
يبدو الموقف الروسي مفصلياً، على المستوى الدولي، في ما يتعلق بالوضع السوري، إذ لا يزال يتمسك برفض إدانة السلطة، برغم كل العنف الذي تمارسه، وكل الوضوح بأنّها آيلة إلى السقوط. هل لذلك التمسك علاقة بالمساومات التي تجرى عادة مع الولايات المتحدة خصوصاً؟ أو يمكن اعتبار أنّ روسيا اليوم هي ذاتها الاتحاد السوفياتي السابق؟
لا شك في أنّ روسيا خسرت كثيراً في العقدين السابقين، ورغم كل ما قدمته من تنازل للغرب، لم تحصل على وضع يسمح بتطوّرها الداخلي السلس، وتحوّلها إلى رأسمالية تُعامل بتكافؤ مثل الرأسماليات الأخرى. فقد ظلّت تشعر بأنّها محاصرة، في سياساتها كما في اقتصادها. وظلت تحسّ بأنّ ذلك &laqascii117o;الغرب" لا يزال يعمل على تقليص مناطق نفوذها، وحتى تفكيك مناطقها. لقد خسرت أسواق سلاح كانت لها، كما خسرت أسواقاً تجارية عدّة، دون أن يُفتح لها باب يسمح بتجارة مناسبة مع وضعها وضمان تطورها. ولم يكن يظهر بأنّ هناك من يريدها منافساً، أو يحسب لمصالحها حساب.
لكن سياساتها كانت مرتبكة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وأسهم &laqascii117o;الغرام بالغرب" الذي حكم تلك السياسات زمن بوريس يلتسين، الرئيس الأول بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، في وضع كارثي حاول الرئيس الجديد حينها، فلاديمير بوتين، الحدّ منه. لكن وضع روسيا لم يكن يساعد كثيراً نتيجة وضعها الاقتصادي الكارثي (بفعل التدمير الذي مارسته مافيات يلتسين)، عدا أنّها قوة عسكرية كبيرة، وتمتلك الأسلحة النووية. ولذلك فرضت الولايات المتحدة الدرع الصاروخية رغماً عن إرادتها، وهي مستمرة في ذلك، حتى وهي تتراجع عالمياً بفعل أزمتها الاقتصادية العميقة. وكانت قد سحبت العراق منها بعد احتلالها، وعملت وتعمل على حصارها في كثير من مناطق العالم، ومنها إيران.
ورغم العلاقة الروسية مع النظام الليبي، فقد وافقت روسيا على قرار يجيز التدخل العسكري، رغم أنّها ادّعت بأنّ موافقتها ارتبطت بحماية المدنيين. وكان واضحاً بأنّ ليبيا دخلت في إطار المساومات العالمية الروسية، التي كان منها الموافقة الأميركية على دخول روسيا منظمة التجارة العالمية. وإذا كان المسؤولون الروس قالوا بأنّهم تعلموا من الدرس الليبي في سياق تعاملهم مع الأزمة السورية، فإنّ الأمور سوف تظهر أعقد من هذا &laqascii117o;التعلم"، ما دامت روسيا تعمل على ترتيب وضعها العالمي في إطار الصراع، لكن التفاهم أيضاً، مع البلدان &laqascii117o;الغربية". وبالنسبة إليها، فإنّ سوريا موضع من بقايا الماضي الذي لا يزال يشمل &laqascii117o;مصالح" معينة، هي ليست كبيرة، لكنّها مهمة في المساومات العالمية. فالعلاقات الاقتصادية السورية هي ليست مع روسيا، عدا عمليات شراء الأسلحة الذي تراجع في العقد الأخير نتيجة العجز المالي السوري. وربما المهم هو &laqascii117o;القاعدة البحرية" في طرطوس التي تبدو أساسية لوجود الأسطول الروسي في البحر الأبيض المتوسط. ولذلك، فإنّ النظر إلى الموقف الروسي يجب أن ينطلق من فهم المصالح العامة لروسيا عالمياً، والذي يشير إلى إمكانات مساومة وتغيير حال تحقيق مصالح تعتبر القيادة الروسية أنّها ذات أولوية لها.
لقد وضعت روسيا الفيتو ضد القرار &laqascii117o;الغربي" في ما يتعلق بسوريا، من أجل وضع &laqascii117o;حدّ" للسياسات الغربية، ولرسم وضع عالمي جديد، كما قالت. وهي بالتالي تنظر إلى وضعها العالمي وهي تدافع عن السلطة في سوريا، وتحاول تعزيز مواقعها في وضع تدفعها البلدان الإمبريالية لخسارة كل ما كان لها. ولهذا، لا تزال تناور حماية للسلطة، وتعمل بشكل حثيث على &laqascii117o;التحكم" في &laqascii117o;القرار السوري" من خلال ما تقدمه من &laqascii117o;نصائح"، لكي تُنجح &laqascii117o;معركتها" العالمية تلك. ورغم أنّ أميركا لم تتراجع عن الدرع الصاروخية، وبدأت بالفعل نصبها في بولندا، فإنّ الروس يحاولون نقل الصراع إلى البحر المتوسط عبر إرسال بوارج حربية إلى الشاطئ السوري. وربما تكون قد حصلت على شيء الآن، إذ أصبحت عضواً في منظمة التجارة العالمية بعد رفع الفيتو الأميركي.
إذاً، هل سيبقى الموقف الروسي &laqascii117o;صلباً" كما هو الآن؟
في كل الأحوال، سيبقى الوضع السوري جزءاً من مناورة القيادة الروسية في توضعها العالمي الذي يواجه معارضة &laqascii117o;غربية"، أميركية خصوصاً، رغم أنّ وضع واشنطن الراهن يشير إلى إنهاكها وضعف قدراتها العالمية، وتخوّفها من انهيار اقتصادي جديد، سيكون أضخم من انهيار 2008. لكن سيبقى الموقف الروسي عنصراً في جملة العناصر التي تتحكم بالتفكير الأميركي والأطلسي في إمكان التدخل العسكري في سوريا. وهنا سيكون عنصراً مانعاً، لأنّ التدخل سيكون أوسع من أن يتوقف عند سوريا.
بالنسبة إليّ، هذا يكفي. لكن ما يجري تسويقه هو أنّ السلطة السورية محمولة على &laqascii117o;دعم خارجي وإقليمي"، وأنّ هذا الوضع الإقليمي يمنع سقوط السلطة. لا شك في أنّ هذا السيناريو الإعلامي يُطرح على ضوء الشعور بالضعف الداخلي، الأمر الذي فرض الاستعانة بالوضع الإقليمي والدولي للتأكيد أنّ السلطة مدعّمة بكل قوة الروس. ولذلك يستخدم الموقف الروسي (كما موقف حزب الله) كمؤشر على أنّ هؤلاء لا يريدون سقوط السلطة، وأنّهم سيدافعون عنها. لكن سنلمس بأنّ للروس هدفاً من ذلك، ربما يختلف &laqascii117o;قليلاً" عما تريده السلطة، التي تريد تعزيز وضعها الداخلي المتدهور إزاء استمرار الانتفاضة، وفشل كلّ محاولات سحقها أو تخفيفها. فما يراد هنا هو الحفاظ على تردد المترددين، وتخوّف المتخوفين، من الشعب، لكي لا تصل الانتفاضة إلى مواقع وفئات تفرض حسم الصراع ضد السلطة. وهنا يجري القول بأنّ الروس والحلفاء الإقليميين لا يسمحون بسقوط السلطة، ولهذا يجب التخوّف من ردود فعلهم، أو القول بأنّه مهما بُذلت من جهود داخلية لإسقاط السلطة فلن تفلح نتيجة هذا الموقف الروسي الإقليمي.ربما يؤخّر ذلك في حسم نتيجة استمرار تردد قطاعات مجتمعية، وخوف بعضها، لكن لا يبدو أنّه سوف يؤدي إلى تراجع الانتفاضة أو انهيارها. ففي كلّ الأحوال، المراهنة هي على الحسم الداخلي، وعلى الوصول إلى مشاركة الكتلة الأهم من الشعب في الانتفاضة، إذ إنّ ذلك هو الذي سوف يفرض التغيير.
وإذا كان الموقف الروسي وفق هذه السياسة يقود إلى أن تخسر روسيا &laqascii117o;شعبيتها" عربياً، فربما تكون مناورة الروس تلك هدفها أن تكون العنصر المؤثر في التغيير الداخلي، وأن يأتي هذا التغيير لكي يحافظ على مصالحها. ولا أظن بأنّ ميزان القوى الواقعي سوف يكون بعيداً عن ذلك.


- 'الحياة'

سورية: مؤشرات نهاية العهد وإشكالات المبادرة العربية
عبدالوهاب بدرخان:

خلال الشهور الماضية، تداخلت مسارات عدة في السعي الى معالجة الأزمة السورية، تدافَعَ أشقاء وأصدقاء لإيجاد مخارج، فكان أن لمسوا ما لم يكونوا يعرفونه عن نظام دمشق، ثم أدركوا أنه أغلق كل السبل والمنافذ أمامهم، ليس لديه سوى القتل اليومي وبعضٍ من كلام في كلام ينثره رئيسه ليقول الأشياء نفسها التي لا يصدّقها أحد.
كان المسعى العربي انطلق من توافق على تجنب التدويل، لئلا يقود الى سيناريو ليبي، أي الى تدخل عسكري خارجي بحكم الأمر الواقع. لكن النظام، المطمئن الى إقفاله باب التدويل عبر الفيتوين الروسي والصيني في مجلس الأمن، أراد أيضاً أن يعطّل التعريب أو يفرغه من أي فاعلية، فانخرط في مراسلات التسويف والثرثرة، الى أن جاءه الإنذار، فالعرب لن يستقيلوا من الملف بل قد يحيلونه الى مجلس الأمن. لم يعد للنظام وقت يربحه بالمماطلة، لكنه قد يشتري بعض الوقت بإظهار الرضوخ وقبول المبادرة العربية ثم إغراقها في التفاصيل بغية احتوائها.
يوم الجمعة الماضي استهلّ الشهر العاشر للانتفاضة بحشود استثنائية. كانت الرسالة أن الشعب لم يتعب، ولم يعد لديه &laqascii117o;ترف" أن يتعب. على العكس، أبان النظام علامات إنهاك ووهن، إذ يجرجر الحل الأمني ويتنقل به، مؤكداً فشله الراسخ في إنهاء المأزق. وبات المشهد واضح البلاغة: جموع تهتف وتغني وترقص لتستهين بالموت وتعمّق تضامن أفرادها مقابل فرق الأمن و &laqascii117o;الشبيحة" وهي تستعد لوجبة دموية أخرى.
لم يستطع النظام طوال الشهور العشرة أن يمرر اسبوعاً أو يوماً واحداً من دون اراقة دماء وتنكيل بالمواطنين، وإلا لكان تأهل واستحق أن يفتح معه حوار. كلما قتل تدنو نهايته، وكلما توحّش يضع نفسه على سكة الرحيل. في الأيام الأخيرة ازداد الانطباع بأن النظام يعيش نهاية عهده. حاول البعض، وبينهم من يعتبرهم النظام أعداءً، انقاذه فلم يسهِّل الأمر عليهم، وحاول القريبون ولم يُفلحوا. لم يعد يوجد من يتصوّره جزءاً من الحل، أما أن يكون الطرفَ الذي يدمّر البلد فهذا كل ما يستطيعه.
من الواضح أن هذا النظام فقد بوصلته السياسية وأقفل عقله دون أي مساومة على بقائه أو على شيء من البقاء تقليصاً للخسائر والمخاطر. يئس المجتمع الدولي من مخاطبته، فيما تدير شعارات يوم الجمعة تواصلاً وتفاعلاً بين الداخل والخارج. آخرها كان &laqascii117o;الجامعة العربية تقتلنا"، وقبلها &laqascii117o;المهلة العربية تقتلنا"، وفي المرّتين استجابت الجامعة، أولاً بتجميد عضوية سورية، وثانياً بالتأهب لإحالة الملف السوري الى مجلس الأمن. ما عنى أن التخاطب مع النظام بلغ نهايته، مع مهلة نهائية لتوقيع &laqascii117o;بروتوكول المراقبين" الذي يشكل مجرد عنوان لرزمة خطوات، من وقف القتل الى سحب الآليات العسكرية الى اطلاق المعتقلين الى دخول الاعلام الخارجي، فالمبادرة العربية ليست &laqascii117o;مراقبين" فحسب، بل هي تتوّج إجازة التظاهر السلمي الحرّ الذي من شأنه أن ينهي النظام، فهذا هو منطقها وإن لم يكن هدفَها المعلن. ثم إنها تريد الانتقال بسرعة، اذا تحقق &laqascii117o;وقف العنف"، الى حوار وطني يستلزم أن تكون المعارضة قد تبلورت أكثر وتزودت ببرنامج سياسي واضح المعالم.
شكّل لقاء أطياف المعارضة في تونس، عدا رمزية المكان وصدفة مرور عام على غضبة محمد البوعزيزي، محاولة حاسمة لتوحيد الصفوف. كان الكل مقتنعاً بأن هذا اللقاء مفتاحياً، لأن الاستمرار مع التشرذم يضيّع تضحيات الناس على الأرض والفرصة السانحة للتغيير، ولأن استعصاء &laqascii117o;البديل" الوطني-الشعبي يوطّد مكانة النظام بديلاً لنفسه، وأخيراً لأن غياب البديل يحبط كل المساعي الدولية. لم يشعر المعارضون يوماً كما شعروا في تونس بأن ساعة النظام صارت وشيكة. فإذا استحال عليهم أن يستعدّوا لتلك اللحظة فإن أقل ما يقال عندئذ أنهم ليسوا على مستوى المهمة، اذ ان العالم الذي يعاملهم كما لو أنه اعترف بهم يريد أن يصدّقهم ويعتمدهم ويجهر بهذا الاعتراف.
أجواء الأمل والجدية التي هيمنت على لقاء المعارضة كانت على طرف نقيض من المناخ الثقيل الذي أرخى بأخباره السيئة على الحلقة الضيقة للنظام، هنا جلست شلّة القتلة تتداول في حصيلة الدم لذلك اليوم وتتكهّن في ما يعنيه تململ موسكو في موقفها المؤيد للنظام أو في احتمالات &laqascii117o;مفاجأة" قد تكون اللجنة الوزارية العربية بصدد طبخها. كل المعلومات تدعو الى القلق، ويجب التهيؤ لخسارة روسيا، ولا بدّ من تفعيل الدور الجزائري لإقصاء أي تصعيد عربي، ولا بأس بتوظيف &laqascii117o;الوساطة العراقية" ذاك الوافد الجديد الى أوحال الأزمة. بالنسبة الى هؤلاء، لا خوف على النظام طالما أنه لا يزال يقتل... أما هناك، في تونس، فلمّت القاعة شمل سوريين لم يسبق ولم يتح لهم أن يلتقوا ولا مرة تحت أي سقف في الوطن أو في المنفى طوال ما يقرب من نيّف وأربعين عاماً. مهما تعارفوا سيظلّون يتعارفون الى حين، ومهما اتفقوا سيظلّون يختلفون الى حين، فهؤلاء يتعرّفون الى أنفسهم والآخرين فيما هم يصنعون لبلادهم مستقبلاً. كانوا هناك جميعاً، من كل طائفة أو مذهب أو ملّة، وكانوا يتحادثون بحرّية وبلا خوف من عسس أو مخبرين. بالنسبة الى هؤلاء لا خوف على الانتفاضة طالما انهم اجتمعوا ليعلنوا أن الشعب يقرر مصيره بنفسه مثلما هو ماض في رسم مصير النظام.
في القريب العاجل لن يبقى، بل لعله لم يبقَ لهذا النظام من يراسله سوى &laqascii117o;الحليف" الايراني الذي بدأ يبحث هو الآخر عن مخارج وصيغ للتعامل مع الخسارة الآتية لا محالة. أما &laqascii117o;الصديق" الروسي فيبدو أنه بلغ حال الضيق والملل من صديق لا يريد أن يساعد نفسه رغم أنه لم يعد يملك عوامل تمكِّنه من العناد. وأما العراق، فدعك من العراق، انه يتخذ متأخراً وضعية من يريد احتضان النظام السوري فيما ينفضّ عنه الجميع، وهو مثل روسيا، يتبنى المبادرة العربية لكنه يحاول تزويجها الى سيناريو يقتبسه من المبادرة الخليجية لليمن، ولا يستطيع ادارته وحده. قد يكون حصل على ضوء اميركي أخضر للمضي بهذا السيناريو، وربما ايضاً على موافقة ضمنية ايرانية، لكن دمشق برهنت أنها لا تتعامل إلا مع ما يضمن بقاء النظام ولا تقارب أي بحث في خروجٍ أو لجوءٍ أو حتى رحيلٍ &laqascii117o;آمن" للنظام ولرأسه، ليس بعد، وقد تضطر قريباً الى ذلك لكن بعد فوات الأوان.
في أي حال، تبدو المبادرة العربية الوحيدة المتكاملة، بنصّيها الأصلي المفصّل والآخر المعدّل والمختصر، سواء بقيت عربية ومال النظام الى التعامل معها آملاً باحتوائها لاحقاً، أو اذا لبست ثوب التدويل ليصبح رفضها مبرراً في نظر النظام، من قبيل الاستمرار في ما يسمى &laqascii117o;الممانعة".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد