- 'الأخبار'
ضرب مصالح الأغنياء ضمانة لعيش الفقراء
ابراهيم الأمين:
المشهد اللبناني بين عام وآخر، يعيد الجميع إلى دائرة الانتظار. المصير السياسي وحتى الاقتصادي ـــــ الاجتماعي، سيكون رهن نتائج المواجهة القائمة بشأن سوريا الآن. أما مصير حاجات الناس اليومية، فهي مرتبطة بالقدرة على فرض وقائع جديدة تمنع القوى النافذة من ربط مصالح الناس بحسابات هذه القوى وشخصياتها. في لبنان فئة من المواطنين، تملك مقدرات مالية تتيح لها صرف ما يوازي الحد الأدنى للأجور شهرياً، مقابل حصولها على طاقة كهربائية من دون انقطاع. وهي توزع هذا المقابل بين شركة كهرباء لبنان وأصحاب المولدات. هذه الفئة لا يمكن أن تتجاوز 10 في المئة من اللبنانيين في أعلى التقديرات. أما بقية الناس، فهم صنفان: الذين يقدرون على صرف نحو مئة دولار بين الشركة والمولد، والذين يمضون ساعات طويلة في العتمة. حقيقتان ثابتتان: الأولى أن مشكلة الكهرباء لا تميّز بين مواطن وآخر. والثانية، أن أي لعبة إحصائية لا يمكنها أن تشير إلى الفوارق السياسية والطائفية بين المواطنين. وبالتالي، نصبح جميعاً في مواجهة السؤال البسيط، ولكن الأصعب: من يمنع معالجة ملف الكهرباء في لبنان؟ بمقدور الجهات الرسمية، من رؤساء ووزراء ونواب وتقنيين وموظفين كبار، أن ينخرطوا في معركة إلقاء المسؤولية، لمدة تستمر لعقدين من الزمن. لكن الطريف في الأمر هو أن الجمهور الذي تضرر من دون أي تمييز بسبب أزمة الكهرباء، سرعان ما يقرر أن يجري عملية فرز له، فيتحول المتضررون إلى جمهور يناصر هذا المسؤول ويخاصم ذاك. إلا أن المحصّلة تكون في آخر النهار: الكهرباء لا تزال مقطوعة، وأصحاب الدخل المرتفع (وهم هنا بغالبيتهم من الرؤساء والوزراء والنواب والموظفين الكبار إلى جانب آخرين) يمكنهم التنعم بالطاقة من دون انقطاع، بمعزل عن مصدرها، سواء كانت الدولة أو القطاع الخاص. لكن النتيجة الأكثر مأساوية، هي أن يملك المال الذي يتيح له التنعم بالكهرباء طوال الوقت، لا يهتم ولا يكون منزعجاً، ولكنه يشارك في عملية الاحتجاج، ما يعني أن الذين يتنافسون على تعطيل الحل، لا يهتمون بالأمر على المستوى الشخصي؛ لأن واقعهم المادي يتيح لهم الحصول على الطاقة طوال اليوم، لكن الجمهور الذي وحّدته مشكلة الكهرباء، وفرّقه الاصطفاف السياسي والطائفي، ينتهي به النهار إلى كيل ما تيسر من شتائم ضد الدولة. وبعد ذلك، هل من حل؟ طبعاً، لن يتوقع أحد أن تبادر الحكومة إلى علاج من دون النظر إلى الهوية السياسية للقائم على المشروع، ما يعني أنّ من الممكن توقع استمرار الأزمة ما دام وزير عوني مسؤولاً عن المهمة. وهي المشكلة ذاتها لو جاء وزير حريري. ما يعني أنه ليس في الأفق ما يشير إلى الحل. طبعاً، لن يستفيق اللبنانيون على هدية مجهولة المصدر تمنحهم الطاقة الكهربائية طوال الوقت. ولكنهم سيستمرون في الاحتجاج والتأفف وشتم هذا أو ذاك من المسؤولين. طبعاً، لن يكون هناك إجماع يتيح تحركاً شعبياً موحداً لإرغام السلطة على المباشرة في تنفيذ مشروع حقيقي يعيد الطاقة الكهربائية، ولو خلال مدة زمنية معينة. فما الذي يمكن أن يعوّل عليه المرء في مثل هذه الحالات؟ لا شيء سوى الجنون. لا شيء سوى الخروج من المنازل ومن الحارات، ومن الأحياء الضيقة ومن القرى المهملة، والتوجه مباشرة، من دون إذن أو سماح، نحو منازل المسؤولين، ونحو مكاتبهم، ونحو مقارهم الرسمية أو الخاصة، ونحو مصانعهم، ونحو المطاعم التي يأكلون فيها، أو المقاهي التي يقصدونها، وأن يعمد الناس، بجنونهم، إلى تخريب كل هذه الأمكنة، إلى منع الكهرباء عنها، وإلى منع الشموع أيضاً، وإلى منع القداحات إذا لزم الأمر. لا شيء سوى الجنون، أن يُجبَر كل من معه 400 دولار يدفعها شهرياً للحصول على طاقة كل الوقت، على الاحتفاظ بأمواله لنفسه، وإشعاره بأن هذه النعمة غير قابلة للصرف في لبنان. إزاء هذا القدر من القهر المتواصل، وإزاء هذا الغباء المسيطر على عقول الناس، فلا يتحركون، ويحتجون بطريقة بدائية متخلفة، وإزاء اللامبالاة التي تسيطر على من بيدهم الأمر، ليس لدينا سوى الجنون. وفي حالة الجنون، لا داعي لانتظار توحد الناس خلف زعيم أو خطيب أو خطاب. ولا داعي لانتظار تركيبة تراعي التوازنات الطائفية والمناطقية وما إلى ذلك من قاذورات القوى الطائفية في لبنان. في حالة الجنون، يحتاج لبنان إلى مئة شاب وصبية، يملكون العقل والإرادة لإعداد مشروع تخريب حياة المترفين وأصحاب الحظوة والنفوذ، وأن يقدموا على عنف مشروع، عنف يرعب هؤلاء، ويجعلهم يتحسسون رقابهم، أو جيوبهم لا فرق، وهو عنف يجعل السلطة وأهلها وأزلامها يتوحدون أكثر مما هم متوحدون الآن، لكن وحدتهم هي الكفيلة بجعل الشارع يخرج من دون عناصر التمايز القائمة بين عناصره الآن، وحده العنف الذي يجعل البلاد أمام خيار لا بديل له: المساواة في الانتفاع أو المساواة في الضرر. إذا خرج مئة شاب وصبية في حفلة الجنون هذه، فسيفتحون كوّة في الجدار السميك الذي بنته القوى الطائفية وعصابات سرقة المال العام والخاص في البلاد. ومتى فتحت هذه الكوّة، يصبح لدينا الأمل بدولة حقيقية ولو بعد حين!
- 'الأخبار'
خبراء القاعدة
فداء عيتاني:
لو علم الأميركيون بقدرات المسؤولين السياسيين في لبنان، لوفّروا على أنفسهم آلاف القتلى من جنودهم في أفغانستان وفي العراق. ليس غريباً عن شيمنا وتقاليدنا وذكائنا الخارق أن يتمكن أي بائع خضار من تحليل الوضع الاقتصادي وتراكم العجز في الموازنة وانخفاض النمو الفعلي مقابل ارتفاع النمو الاسمي، ولا أن تكتشف في أهم المصرفيين بائع كعك كامناً في داخله يخرج من المصرفي الأكبر حين يبدأ في الحديث عن الاقتصاد اللبناني أو السياسة المحلية أو الدولية. إنها من شيم سكان بلاد الأرز. وفي السياق نفسه، ها هم السياسيون يتصدون لموضوع القاعدة ووجودها في لبنان، وهل هي تعبر من لبنان نحو سوريا أم من سوريا نحو لبنان؟ وهل قيادة الجيش اللبناني تملك معلومات محددة في هذا المجال، أم أن الأمر تقارير وصلت لوزير الدفاع من نواح مجهولة؟ المسكين وزير الدفاع فايز غصن، أدلى بما لديه من معلومات تفيد عن وجود لتنظيم القاعدة في لبنان، وليس دون القليل من السياسة، أو ربما كثيرها، ثم كرت السبحة. فها هو وزير الداخلية، يتحدث عن عدم وجود للقاعدة، ثم يعود للحديث عن وجود للقاعدة، ثم يقف في الوسط بين وجود وعدم وجود للقاعدة في لبنان. وزير الداخلية نفسه وجهة نظر، فهو حيناً يتحدث عن معلومات عن سلسلة جديدة من الاغتيالات التي ستقع في لبنان، ثم يتحدث عن أن هذا تحليله، قبل أن يعدل رأيه لينفي تصريحاته بطريقة ملتوية لا يعود يعلم منها المتابع للوزير إن كان قد قال ما قاله وهو صاحٍ أو عكس ذلك. وبالنتيجة، لا يمكن التكهن على أي كلام يمكن البناء، والاعتماد والاتكال إذا ما جاز الاتكال على الله وعلى وزير داخليتنا. ثم إن وزير داخليتنا، وبصفته من جيل الدرك الأول، قد يكون الأعلم بالمجموعات القاعدية، إلا أنه يتحاشى ـــــ كما يبدو ـــــ أن يعطي مواطنيه كل المعلومات اللازمة عن القاعدة. لكنه في مناسبات أخرى تطوع لتقديم معلومات قيّمة عن التحقيقات بالجرائم. مثلاً، هكذا دخل اللصوص إلى الكنيسة وهكذا سرقوا صندوق التبرعات. أو حتى أفضل بعد؛ فوزير داخليتنا سبق أن أبلغنا بالكثير من المعلومات المشوّقة عن متابعة الشبكات الإسرائيلية، موضحاً لمن يهمه الأمر أن على العدو تغيير كل أساليبه؛ لأنها فضحت عبر الإعلام. وعلى الأجهزة المعنية بمكافحة التجسس البدء من الصفر؛ لأن العدو (وأصدقاء الوزير في السفارة الأميركية ضمناً) بدّلوا كل أساليب عملهم في إدارة شبكات التجسس. ثم ها هو إيلي ماروني، الذي لم يكن يعلم الكثير عن ملف القاعدة كما يبدو، فقرر القيام بدراسة ميدانية، وذهب إلى بلدة عرسال، واكتشف هناك ألّا وجود للقاعدة في لبنان، وأنهى دراسته بنجاح. وأصبح هو الآخر خبيراً محلفاً في شؤون القاعدة، وقد يفتي قريباً ببعض المعضلات الفقهية وتضم فتاويه إلى جانب كتاب &laqascii117o;في ظلال القرآن " و&laqascii117o;فرسان تحت راية النبي". ويليه كل من هب ودب، حيث أصبح سمير الجسر يؤكد عدم وجود القاعدة، مستعيناً بآخر الدراسات المعمقة في تكتيكات حرب الشيخ أسامة بن لادن على الطاغوت في تفكيك التنظيم وتحويله إلى فكر، ومنع جماهيرية القاعدة واعتماد الخلايا الصغيرة والعلماء القادة. مروان شربل، وزير داخليتنا الحالي، أراد التدقيق في المعلومات، فقدم أكثر الطروحات ثورية: هل القاعدة تعدّ لبنان مقراً أم ممراً؟ علماً بأن هذا النقاش بدأ عام 2006، وانتهى في عام 2007. وكانت حينها الإجابات واضحة، إلا للوزير الذي أراد العودة إلى الجذور في فهم هذه الظاهرة الهائلة التي استفاق عليها فجأة، بعدما بدأت هي نفسها تخبو. يمكن تلخيص الأمر كالآتي: قوى الثامن من آذار ترى أن لبنان أصبح ممراً للقاعدة المتجهة إلى سوريا، وأن هناك عرباً ولبنانيين يعملون على خط بيروت ـــــ دمشق لدعم الثورة السورية المتشكلة من عناصر قاعدية واستخبارات أجنبية ومجرمين وقاطعي طرق. بينما قوى 14 آذار ترى أن القاعدة غير موجودة في لبنان، ومعدومة في سوريا حيث يقود ثوار أحرار ليبراليون منفتحون ومنزهون عن كل غرض، وأشباه ملائكة نضالاً سلمياً نقياً ضد النظام. بينما يقف الوزير مروان شربل وكتلة الوسط في الحكومة والبلد ينظرون نحو السفارة الأميركية حيناً ونحو دمشق حيناً آخر، متسائلين: هل القاعدة موجودة أم غير موجودة؟ هل هي فكر أم تنظيم؟ هل تعتبر لبنان ممراً أم مقراً؟ من دون أن نعلم ما هي المعلومات، ومن هم المتهمون بأنهم من القاعدة في لبنان، وما هو حجم الوافدين إلى مطار بيروت من المشبوهين الذين اختفت آثارهم في لبنان. ما دام البحث وجودياً وليس معلوماتياً، فربما كان مطلوباً من الحكومة الإجابة عن السؤال الأول: نكون أم لا نكون؟ تلك هي المسألة.
- 'الجمهورية'
الأسد ربح الجولة الأولى... لكنّ الحرب طويلة!
طوني عيسى:
... وهكذا صار. جاء المراقبون العرب إلى سوريا ليكونوا شاهداً ضدّ النظام، فتحوّلوا شهوداً على التزامه المبادرة العربيّة. وهم مرشّحون ليكونوا قنبلة خلافيّة في الجامعة العربية: لقد ربح الأسد هذه الجولة!
الأربعاء 04 كانون ثاني 2012 .
نجح الرئيس بشّار الأسد في تمرير الأسبوع الأوّل من مهمّة المراقبين العرب وفقاً لما يطمح إليه، أي كسب الوقت، لشهرين إضافيّين. ويجهد الأسد خلال هذه الفترة للإيحاء بأنّه يلتزم الوعود التي قطعها عربيّاً ودوليّاً لإنجاز الإصلاحات المطلوبة. وهو سجّل فِعلاً مجموعة نقاط لمصلحته في وقت ثمينٍ وحاسم. وتتقاطع معلومات المصادر الديبلوماسية وتحليلاتها حول هذه النقاط، التي من شأنها، إذا لم يطرأ جديد يكسر 'الستاتيكو' القائم، أن تطيل أمد الأزمة السورية الى حدود غير محسوبة، وتالياً عمر النظام وتزيد من حجم الخسائر. والنقاط التي سجّلها النظام في مصلحته هي:
1 - يُنتظر أن يقدّم رئيس فريق المراقبين محمد الدابي تقريره الأوّل في الساعات المقبلة الى مجلس الجامعة العربية. وبدا واضحاً من خلال التناقض في الرؤية بينه وبين بعض أعضاء الفريق، أنّه سيُصدر تقريراً يتماهى مع طروحات النظام. فالدفعة الأولى من المراقبين (إقتصرت على نحو 70 عنصراً تولّت 'مراقبة' 6 مدن) سجّلت سحب الدبّابات والأسلحة الثقيلة الى خارج المدن، وإطلاق 3483 معتقلاً. ولم يجد الدابي ما هو 'مُرعب' في حمص، حيث اصطدم مع الثوّار لا مع النظام. وحصل الدابي على دعم من الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي الذي أبدى ارتياحه لحصول 130 وسيلة إعلاميّة على تراخيص لتغطية التطوّرات، في مقابل حجب التراخيص عن ثلاثٍ فقط هي 'الجزيرة' و'العربية' و'فرانس 24'. وهذا يعني أنّ الدفعة التالية من المراقبين، والتي تضمّ نحو ثلاثين، لن تقدّم ما هو مختلف. والكلام الذي أورده العربي عن وجود قنّاصة وأعمال قتل بدا دون الحجم الذي تطمح إليه المعارضة، وهو أقرب إلى التطمين بأنّه قيد المعالجة. فالنظام استطاع 'إستيعاب' المراقبين وجهّز الأرضيّة التي تعطي صورة معيّنة للواقع. وهو تعمّد تخفيف حجم القمع، وأطلق تظاهرات مؤيّدة له في موازاة الحراك الاعتراضي، وأعاد انتشار قوّاته بعيداً عن أعين المراقبين، وأطلق ما أمكن من معتقلين، عِلماً أنّ هذه المبادرات ليست ثابتة، ويمكن النظام أن يتراجع عنها في أيّ لحظة، حتى خلال انتقال المراقبين من مدينة الى أخرى.
2 - تزامُناً، سيباشر الرئيس الأسد بالإعلان عن سلسلة الخطوات التي وعد بها في طريق الإصلاح. وهو سيطلق مبادرات داخلية جديدة، بدءاً من خطابه المنتظر، وصولاً الى قيام حكومة تشارك فيها أسماء بارزة في 'معارضة الداخل'، وإقرار تبديلات في المؤتمر المتوقّع لحزب البعث الشهر المقبل. وقد يقتضي ذلك الإعلان عن خطوات تؤدّي الى فكّ الارتباط بين الحزب وهيكليّة السلطة. ويعني ذلك في الدرجة الأولى تعديل المادة 8 من الدستور، القائلة بأنّ البعث هو 'الحزب القائد'. وستكون هذه المبادرات عنصر 'تنفيس' للنقمة داخليّاً وعربيّاً ودوليّاً، بحيث ينزع النظام ورقة الإصلاح من أيدي خصومه.
3 - على خلفيّة الإشكاليّة في النظرة الى الإصلاح والتدخّل الخارجي، يستفيد النظام من تباعد النظرة بين طرفي المعارضة السوريّين: 'المجلس الوطني' و' هيئة التنسيق لقوى التغيير الديموقراطي'. وفي تقدير المصادر، أنّ النظام يساهم في إشعال الخلافات بين أجنحة المعارضة على طريقة 'فرّق تسُد'. ففيما تنتظر الجامعة العربية وثيقة 'سوريا الغد' التي تمّ إعدادها في القاهرة بين ممثلي الطرفين، لتكون مادة حوار مع النظام ــ كما قال العربي ــ برزت الخلافات حولها بين هذين الطرفين، خصوصاً في ما يتعلّق بالتدخّل الأجنبي والنظرة الى المرحلة الانتقالية. وهذا الخلاف يمدّ النظام بمزيد من الأوكسيجين، لعدم وجود طرف يمكنه أن يكون البديل للنظام، أو على الأقلّ ليكون محاوراً له.
4 - تتوقّع المصادر أن تظهر تباينات في وجهات النظر العربية حول الملفّ السوري في المرحلة المقبلة. وثمّة من يتحدّث عن ليونة بدأت تشهدها العلاقات بين بعض القوى العربية الكبرى ودمشق، خصوصاً في ظلّ التوتّرات الداخلية التي حصلت أو تلك المحتمل حدوثها في دول عربية، وقد يكون للملفّ السوري انعكاس عليها. ويتمّ الحديث في دمشق عن رؤية جديدة لبعض الأنظمة العربية إزاء النظام السوري.
5 - هناك تراجع نسبيّ في الضغط الدولي والعربي على النظام. فالجامعة العربية التي سيجتمع وزراء خارجيتها بعد أسبوع، تعيش حال انتظار للتقرير تِلو التقرير عن المراقبين العرب. وستشارك دمشق في القمّة العربية الدورية في آذار، وستكون حليفتها بغداد مقرّ القمّة، ما يمنح النظام رصيداً يحتاج إليه. وفي هذا الوقت، يُمسك الروس برئاسة مجلس الأمن، فيما تتولّى إيران إشغال العالم والخليج بمخاطر قطع إمدادات النفط عبر مضيق هرمز. وهذا ما يذكّر بتهديد الرئيس الأسد بأنّ المضيق سيُقفل إذا تعرّضت سوريا لتدخّل أجنبي. وهذا ما يبقي تدخّل مجلس الأمن معلّقاً حتى إشعار آخر، فيما مناطق الحظر الجوّي موضع دراسة في العديد من العواصم الأوروبّية.
العقارب لن تعود إلى الوراء
بناءً على هذه المعطيات، يمكن القول إنّ وضع النظام في سوريا هو اليوم أفضل ممّا كان عليه في نهايات العام 2011. وفي عبارة أكثر وضوحاً، إنّ النظام ربحَ الجولة الحاليّة من الصراع، وعلى خصومه الاعتراف بذلك. لكنّ الحرب طويلة في سوريا على الأرجح. طويلة قبل إسقاط النظام وبعده. ولا يمكن أن تسمح الظروف بعودة عقارب الساعة الى الوراء، أي إلى المرحلة التي كان فيها النظام يمسك بكامل قبضته على سوريا. لكنّ العبور الى المرحلة الجديدة مليء بالمصاعب والمواجهات... وكثير من الدماء. فهل يدرك المجتمع الدوليّ أنّ الأثمان التي ستُدفع لتعطيل آلة الدم والدمار في سوريا، ستزداد مع كلّ يوم من التأخير في الحسم، وقد لا يكون ممكناً تحديد حجمها وأبعادها في ما بعد؟
- 'الحياة'
المعارضات السورية
الياس حرفوش:
على طريقة بيع جلد الدب قبل ذبحه، تتناتش المعارضة السورية الحصص، فيما النظام يسير في الطريق الذي لا يعرف سواه كما يبدو، وهو طريق &laqascii117o;مواصلة القتل"، كما وصفه الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي في تعليقه على مهمة المراقبين العرب. وعلى ماذا يختلف المعارضون السوريون؟ نفهم من التقارير المنقولة عن مواقف كل من &laqascii117o;المجلس الوطني" و &laqascii117o;هيئة التنسيق" أن بين أهم الخلافات ما يدور حول مسألة التدخل الأجنبي والحدود المقبولة لهذا التدخل بهدف قلب النظام. ويختلف المعارضون في هذا الشأن، وكأن التدخل الأجنبي بات على أبواب دمشق ولا ينتظر سوى إذن منهم للدخول، أو كأن النظام السوري في صدد تسليم آخر مفاتيح الحكم ولا ينتظر سوى من يتسلمها منه. وكلنا يعرف، كما يعرف المعارضون السوريون، أن هذا التدخل غير وارد، على الأقل بالطريقة التي يتخوف منها هيثم مناع وصحبه في &laqascii117o;هيئة التنسيق" ومن يرى رأيهم حتى من أعضاء &laqascii117o;المجلس الوطني". لقد أعلنت الدول التي يتخوفون من تدخلها أنها ليست في وارد ذلك. وأن كل همها في هذه المرحلة هو وقف قتل السوريين، والتحضير لمرحلة انتقالية تلي سقوط النظام الذي طالبت حكومات الدول الغربية الكبرى، مثل فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، بضرورة رحيله. معنى هذا أن التدخل على طريقة الغزو، كما حصل في العراق، وعلى طريقة الغارات الجوية وحماية الثوار الليبيين من حرب نظام القذافي عليهم، كما حصل في ليبيا، مثل هذا غير وارد تكراره في سورية، على الأقل كما تبدو الأمور الآن. الأمر الوحيد المتاح والذي يجري الحديث عنه في بعض الدوائر الغربية وداخل الحكومة التركية، هو إقامة منطقة أو مناطق عازلة، يكون الهدف منها حماية المدنيين الذين يلجأون إليها فلا تستطيع قوات النظام ملاحقتهم. إذا تطورت الأمور إلى هذا الحد، هل يستطيع أي فصيل معارض أن يقف في وجه مهمة كهذه يكون الغرض منها حماية المدنيين السوريين؟ ألا يصح القول إن أي موقف يرفض المناطق العازلة، من أية جهة أتى هذا الموقف، سوف يكون في خدمة النظام السوري قبل أي جهة أخرى؟ تدور خلافات المعارضين كذلك حول حدود دعم &laqascii117o;الجيش السوري الحر" وحول مدى تأييد العمليات التي يقوم بها أفراده المنشقون عن الجيش النظامي ضد وحدات هذا الجيش. والجدل هنا هو حول أهمية المحافظة على تماسك المؤسسة العسكرية بعد سقوط النظام. ذلك أن التهديد الأكبر الذي تواجهه هذه المؤسسة هو انقسامها بين خطوط مذهبية، بحيث تبقى الفرق الموالية للنظام من اللون المذهبي نفسه الذي اختار النظام أن يتلوّن به. ولكن... هل يبرر هذا الحرص عدم دعم مجموعات عسكرية انشقت عن الجيش، وتعلن أن هدف عملياتها هو حماية المتظاهرين من بطش الآلة الأمنية وحماية القرى والبلدات والمدن من الاقتحامات التي تتعرض لها؟ ليس هذا وقت هذه الاختلافات بين أطراف المعارضة السورية التي يكفي التقاؤها في هذه المرحلة على عدم صلاحية نظام دمشق وعدم أهليته لإدارة أمور مواطنيه. ذلك أن اختلافات المعارضين هي جدل نظري لا قيمة له أمام الموت اليومي الجاري في سورية، سواء تعلقت الاختلافات بالتدخل الأجنبي أو بـ &laqascii117o;الجيش الحر" أو حتى بالصورة التي ستكون عليها &laqascii117o;معالم سورية الغد". سورية المؤمل قيامها غداً هي سورية الحاضنة لكل أهلها، يلتقون ضمن عملية ديموقراطية يختارون فيها حكامهم ونظامهم وطريقة عيشهم وعلاقاتهم مع جيرانهم ومع العالم، بعيداً عن أي وصاية. وكل ما يمكن طلبه من المعارضة، في الداخل والخارج، هو أن توفر الأرضية الصالحة لهذا الانتقال، وأن تقدم للشعب السوري نموذجاً أقل أنانية وأكثر احتراماً للخيارات الحرة للناس، من النموذج الذي يقدمه الحكم الحالي.
- 'الحياة'
(السلفية) هل هذا وقتها؟
زياد الدريس:
(العالم يزداد اتحاداَ... ويزداد تشظياَ)، قلت هذا في ختام مقالتي، الأربعاء قبل الماضي، فسألني أكثر من شخص عمّا أعنيه بهذا القول؟! الآن ستصبح الإجابة أكثر سهولة، فالعوالم التي تتجه نحو بناء الترابطات الاقتصادية والتحالفات السياسية هي ذاتها التي تتشظى إلى جزيئات في المجال النووي الإيديولوجي... الماثل للانفجار! سنتناول هنا مثلاَ واحداَ، حتى تكون الصورة أكثر وضوحاَ. فالمملكة العربية السعودية، الدولة العربية الكبيرة والنافذة سياسياَ واقتصادياَ، يزداد وجودها ونفوذها تضخماَإثر إطلاقها الدعوة إلى (اتحاد خليجي) يجمع النفوذ السياسي المرتكز على القوة الاقتصادية في منظومة واحدة أقوى وأمتن، أو هكذا على الأقل تتمنى هذه المبادرة ونتمنى معها. من جانب آخر، فالمملكة العربية السعودية الدولة الإسلامية الكبيرة أيضاً وذات المرجعية الدينية النافذة بوجود مهبط الوحي والحرمين الشريفين في أراضيها، هذه الدولة الكبيرة تتصاغر حين تستجيب وتنغمس في تشظيات &laqascii117o;الحزبية". (الحزبية تجعل الصغار كباراَ، لكنها في المقابل تجعل الكبار صغاراَ!). أي أن الدولة العربية الكبرى التي دعت، الأسبوع قبل الماضي، إلى الارتقاء بمنظومة التعاون الخليجي العربي نحو &laqascii117o;اتحاد خليجي"، هي ذاتها الدولة الإسلامية الكبرى التي دعت، الأسبوع الماضي، إلى الهبوط من دورها المركزي في رعاية الإسلام والدعوة إليه إلى رعاية &laqascii117o;السلفية" والدعوة إلى &laqascii117o;تبنّي إستراتيجية لنشر المنهج السلفي". تكونت هذه الصورة التجزيئية المتشظية للمملكة، العربية والإسلامية، من خلال الندوة التي عقدت أخيراَ في مدينة الرياض بعنوان: (السلفية... منهج شرعي ومطلب وطني). والصحيح أنها &laqascii117o;مطبّ وطني" جعل الوطن أصغر بكثير مما هو في حقيقته. ليس جديداَ القول إن الوقوع في شرَك التحوّل من الدوائر الكبرى إلى الدوائر الصغرى هو فخ لا نهائي، فكل دائرة صغرى هناك دوائر أصغر منها، وهكذا يستمر التشظي والتضاؤل.لنستذكر معاَ الدوائر الدينية التي يمكن المملكة العربية السعودية أن تكون فيها: الدائرة الكبرى هي الدولة الإسلامية التي تحتضن قبلة المسلمين الذين يتجهون إليها من مشارق الأرض ومغاربها خمس مرات كل يوم. الدائرة الوسطى هي الدولة السُّنّية التي تحمي مذهب أهل السنّة وتدعمه. الدائرة الصغرى هي الدولة السلفية التي تتبنى منهج دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، يرحمه الله. ولأجل هذه المرجعية الأخيرة ينعتها البعض بالدولة الوهابية، ما دعا كثيراَ من قادة المملكة ومفكريها إلى مكافحة هذه التسمية المشوهة لدور المملكة كدولة إسلامية شاملة، ومظلة لكل المسلمين أياَ كانت مذاهبهم أو طوائفهم أو أحزابهم. قد نتفهم أن تكون الدولة الفلانية شيعية ودولة أخرى صوفية ودولة ثالثة &laqascii117o;إخوانية"، لكن يبقى من غير المقبول ولا المعقول للدولة التي هي مهبط الوحي الإسلامي الشامل لكل أولئك، أن تكون طائفية أو مذهبية أو حزبية. الدولة التي فيها مكة المكرمة والمدينة المنورة يجب أن تكون في منأى عن أي تصنيف سوى تصنيف واحد فقط: الدولة الإسلامية الأم. هل رأيتم أمّاً تتشظى وتنحاز إلى أحد أبنائها من دون الآخرين... ما لم تكن أماَ غير سويّة؟! أدرك أن منطوق &laqascii117o;السلفية" لا غبار عليه من منظور شرعي، لكنني أدرك أيضاَ أن كل الحركات الطائفية والحزبية بدأت حراكها بأسماء نبيلة لا غبار عليها، لكن الغبار غطّى كثيراَ من أفعالها وتحركاتها. وهو ذاته الغبار التحزبي والإقصائي الذي يصيب &laqascii117o;السلفية" الآن، فهذا الإسم الوديع خرجت منه السلفية الجهادية التي تفجر أجساد الناس وتغتالهم في عمليات انتحارية باسم الإسلام، وخرجت منه أيضاً السلفية الجاميّة التي تفجر قيم الناس وكراماتهم، وتغتالهم وهم أحياء، في انتهازية رخيصة باسم الإسلام. سيقول قائل منهم: ولأجل هذا وضعنا ندوة السلفية حتى ننظف هذا المفهوم النبيل من هذه اللوثات! وسنقول لهذا القائل: إن النبرة الحزبية الخفية أو المستترة في نقاشات وتوصيات الندوة لا تنبئ عن ذلك الهدف النبيل، بل هي تكريس لمزيد من الحزبية الاقصائية، وتجعل السلفية في التوصيات شعاراَ طاغياَ يكاد يعلو فوق الإسلام! ثم إن المملكة العربية السعودية لا تستطيع، مهما أوتيت من مبررات، أن تحتكر السلفية لها وأن تحميها من الانحرافات أو الانتهازات، ففي شرق العالم وغربه توجد حركات سلفية تتوافق أو تتعارض مع رسالة المملكة. حتى في فرنسا توجد حركة سلفية تسمي نفسها (الدعوة السلفية بفرنسا)، وأقتبس من رسالتها المثبتة على موقعها الالكتروني النص الآتي: &laqascii117o;فالروافض والصوفية والعلمانيون والإخوان المسلمون والتبليغيون والأحباش، قد شكلوا جبهة بل جبهات لمحاربة الدعوة السلفية..."، فزعيم هذا الحزب السلفي (الفرنسي) يمارس إقصائية لا تبقي ولا تذر! (هل كان هذا من ضمن المدعوين الى ندوة السلفية في الرياض؟!). أردت بهذا النموذج التشديد على أن التورط في الخروج من الدائرة الكبرى إلى الدوائر الصغرى يوقع دوماً في المزيد من المآزق والفخاخ الملوثة للسمعة. فالمملكة العربية السعودية لديها، في مبرر وجود القبلة المكّية، مندوحة عن التورط في دوائر صغرى كالإخوانية الاقصائية أو الجاميّة الانتهازية، إلى البقاء والمحافظة على الدور الأساسي والمرجعي في دائرة الإسلام الكبرى. تزداد ضراوة الفعل الخاطئ حين يتضامن مع التوقيت الخاطئ! ففي هذا الوقت الذي تتكالب فيه التغييرات &laqascii117o;الربيعية" و &laqascii117o;الخريفية" يصبح من الارتكاس اختيار الانغلاق عن الانفتاح والخصوصية الحزبية عن العمومية الشعبية. وإذا كنا حريصين على &laqascii117o;نشر المنهج السلفي" و &laqascii117o;تنقيته مما أُلحق به"، كما ورد في توصيات الندوة، فلماذا لا نبحث عن دور مماثل لكن أكبر... يليق بدولتنا الإسلامية الكبرى وهو: نشر المنهج الإسلامي وتنقيته مما أٌلحق به؟! المملكة العربية السعودية أكبر من أن تصغر بمثل تلك الأعمال والأقوال &laqascii117o;الضبابية"!