- 'الشرق الأوسط'
الربيع العربي و'خريف' التيارات في السعودية
محمد جزائري( صحافي سعودي من باريس):
... وبالعودة للنماذج التي تتماهى مع المد الإخواني واليسار ذي العمق الإسلامي في السعودية (سنأتي على توضيح المعنى اليساري ونضرب نموذجا للطرح المتعاطف معه في السعودية)، لا بد أن نشير إلى أن أحد هذه الأدبيات هي الوقوف مع ما يسمى بدول الممانعة للهيمنة الغربية، وأبرز هذه الدول هي إيران وسوريا في المنطقة.
فما هو موقف المثقفين السعوديين &laqascii117o;أصدقاء" مما يعرف بـ&laqascii117o;محور الممانعة" من سياق الأحداث الأخيرة؟ سيعطي الكاتب في صحيفة &laqascii117o;البلاد"، السعودي محمد معروف الشيباني، نموذجا واضحا في واحدة من مقالاته سنستعرض مقتطفات منها، ولكن قبلا يجب أن نشير إلى أن الشيباني على سبيل المثال، أحد الكتاب الذي استكتبهم جمال خاشقجي إبان رئاسته لتحرير &laqascii117o;الوطن" في عام 2007.
يقول الشيباني بعد إعلان وزارة العدل الأميركية عن محاولة اغتيال عادل الجبير السفير السعودي في واشنطن: &laqascii117o;مروع وجلل أن يصنف سعوديون (إيران أولا.. وإسرائيل ثانيا) في العداء. تصنيف لا يستقيم، لا ربانيا، ولا دينيا، ولا أخلاقيا، ولا سياسيا، ولا أمنيا.. ولا حتى نفاقيا. لا مقارنة بينهما. ثم ما المصلحة في تعادي إيران والسعودية؟".
ويضيف &laqascii117o;إذا وهنت عزائمنا وضعفت قوانا عن إسرائيل فلا نختلق عدوا غيرها. أما من له قوة من البلدين فليضعها في موضعها، أو يترفع حتى تأتي منا ومنهم أمة أقوى للنصر ذاتيا، لا بوعود مغرضين سماها الليبيون (نجدة الناتو). إضعاف إيران إضعاف للسعودية. وعكسه صحيح. أعداؤهم متربصون لالتهام ثرواتهم". والحال، أن موقف إيران وحزب الله اللبناني المتناقض من الثورات في العالم العربي، كان أشبه ما يكون بـ&laqascii117o;تسونامي أخلاقي" للمثقفين السعوديين الميالين للفكر القومي والإخواني في السعودية، فهذا الدعم اللامتناهي من قبل النظام الإيراني وحزب الله لآلة القتل السورية، يصطدم بمنظومة قيمية لطالما روجوا لها في وقوفهم خلف &laqascii117o;ثورات" العالم العربي المتلاحقة. وربما هذا ما يبرر سكوت الكثير من المثقفين السعوديين الذين أسالوا من الحبر الكثير في تمجيد الثورتين المصرية والتونسية، والسكوت أو النقد على استحياء للنظام السوري، وهذا ما يتجلى في مقال الدكتور عبد العزيز الصويغ في جريدة &laqascii117o;المدينة"، الذي قال فيه: &laqascii117o;كنتُ أنظر إلى سوريا، كما هو الحال مع غيري كثيرين، على أنها آخر معاقل المقاومة، ومأوى للممانعة ضد الحلول التي لا تحافظ على الحقوق العربية الثابتة، ولا تقبل بأنصاف الحلول. فبعد خروج مصر من المشهد القومي بتوقيعها اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، مثلت سوريا ما وصفه الكاتب ميشال أمين سماحة بفكرة (الممانعة). وهي فكرة قائمة على تبني بامتياز استراتيجية سياسية قائمة على استدراج التسوية مع الإسرائيليين من خلال تهديد الاستقرار الإقليمي، وتحريك &laqascii117o;حروب العصابات" من هنا والتلويح بالإسلام السياسي من هناك. وقد لعب &laqascii117o;حزب الله" في لبنان من خلال إنجاز التحرير وحرب يوليو (تموز) 2006 دورا كبيرا في تعزيز هذه الاستراتيجية وتعويم النظام السوري، وإبرازه على أنه رأس الحربة في المشروع المقاوم.
ولكن من هم &laqascii117o;الكثيرون" الذين ذكرهم الصويغ في مقالة، ممن اتخذوا مواقف مواربة من الثورة السورية وموقف حزب الله غير الأخلاقي، وهو ما لا يتسق مع حماستهم للثورة في مصر وتونس على سبيل المثال؟ يجيب عن هذا السؤال الكاتب السعودي قينان الغامدي في مقاله المنشور في صحيفة &laqascii117o;الوطن" تحت عنوان &laqascii117o;زعيم الميليشيا والمخدوعون"، الذي يرد فيه على الإعلامي السعودي، كمال عبد القادر، والقصة باقتضاب، كان لعبد القادر تعليق على نقد الغامدي لحزب الله أبرز ما جاء فيه &laqascii117o;وإن أردتَ أن أكون أحد حواريي السيد، فلا مانع لديّ، بل يشرفني، لأن البديل هو أن أكون حواريا تحت المظلة الأميركية - الإسرائيلية، في ظل غياب المظلة العربية، ولا يشرفني، طبعا، ولا يشرفك، أن تنسحب تحت المظلة الإسرائيلية، ربما توافق على المظلة الأميركية التي لا أرضى بها. أخي قينان.. عندي استعداد أن أقف مع الشيطان ضد إسرائيل، وليس بالضرورة أن تقف معي مع الشيطان، ولا يوجد دولة عربية واحدة أو مسلمة، تقف ضد الطغيان الإسرائيلي، إلا (حزب)، فيا ليت أقوامي، كلهم، لديهم الحس العدائي ضد إسرائيل".
بينما كان رد الغامدي كالتالي: &laqascii117o;لك أن تكون من حواريي السيد حسن، وأنت فعلا منهم، حيث أتذكر أنني أرسلت مقطعا من خطابه الذي ألقاه بصورة سرية لأعضاء الحزب الكبار قبل نحو 15 سنة، وحدد لهم بوضوح أهداف الحزب (الميليشيا)، وقال لهم هذه أمور لا نعلنها لعامة أعضاء الحزب فضلا عن الناس الآخرين، والخطاب تسرب صوتا وصورة مؤخرا، لكنك عندما شاهدته كان تعليقك لا يختلف عن رأيك اليوم أنه بشر.. إلخ المعزوفة، وهذا ليس مهما الآن، فكل الناس، ومنهم أعضاء في الحزب نفسه، عندما شاهدوا هذا الخطاب القديم بدأوا يراجعون حساباتهم، ويحددون حجم الخدعة التي انطلت عليهم لعقود، وأملي أن تفعل مثلهم، لأن مقاومة السيد حسن ليست سوى مظلة وشعارا ومطية في سبيل الهدف الأكبر، وهو دولة ولاية الفقيه في لبنان، وهو هدف حدده بنفسه وبعظمة لسانه، والشريط موجود لديك، وليتك تعود إليه، فإن كنت تؤيد قيام دولة في لبنان على نمط إيران فلك هذا أيضا، أما أنا فلا أؤيدها، بل إنني على قناعة تامة أن ولاية الفقيه ستسقط في إيران وبعقول ووعي الإيرانيين أنفسهم".
ويزيد الغامدي: &laqascii117o;بقي أن أختار لأنك بصراحة (زنقتني) بين خيارين؛ فإما أن أقف معك ومع زعيم الميليشيا أو أذهب للمظلة الإسرائيلية - الأميركية، وبودي أنك تعود إلى مقالي أمس لعلك تجد شخصا آخر أشرت إليه في المقال حيث حاورته حول المؤامرة الخارجية على سوريا فلم يجد بدا من اتهامي بالمظلة الإسرائيلية - الأميركية مثلما تفعل أنت الآن، وليس لدي مشكلة، المشكلة عندكم لأنكم تنسون أن تضعوا لي ولأمثالي من العملاء! خيارا ثالثا اسمه (الشعوب العربية)، عفوا أيها الصديق، أنتم لا تنسون لكنكم بحكم القوة التي تظنونها في موقفكم تصادرون الطرف الآخر وتضعونه؛ إما في صف أهل الشعارات الكذابة أو في صف العمالة للعدو، وبالمناسبة هذه طريقة أميركية مبتدعها بوش، ولا أدري لماذا تقلدونه مع أنكم تزعمون كره أميركا؟!".
ولكن للمشهد في العالم العربي، وفي شقه السعودي موضع النقاش بالطبع، جانب أصيل آخر في طبيعة حراكه، وهو جانب قوى اليسار. وقبل ضرب نموذج له، تجدر الإشارة لمنشأ التسمية ونبذة عن تاريخ الحركات اليسارية.
جذور التسمية تعود لأدبيات الثورة الفرنسية؛ ففي اجتماعات الجمعية الوطنية الفرنسية، كان أكثر الثوريين تشددا يجلسون على مقاعد إلى يسار غرفة الاجتماعات، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا المصطلح مرتبطا بالجماعة السياسية التي تنادي بالمساواة الكاملة بين البشر والأشخاص الذين يمتلكون وجهات نظر ثورية تدعو إلى تغييرات جذرية سياسية واجتماعية.
ويظهر اليسار المعارضة السياسية لأي نظام سلطوي تارة والمعارضة العنيفة من جانب آخر، خصوصا فيما يتعلق بإنشاء الطبقية الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية.
غير أنه يجدر بالطبع ذكر أن جميع التجارب اليسارية في إدارة الدول على مستوى العالم باءت بالفشل في تطبيق الديمقراطية، وأبرز مثال على ذلك انهيار الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية، وإن كانت الصين نموذجا بتفصيلات أخرى ليس هنا محل ذكرها. فضلا عن أن اليسار في شقه الثقافي إبان مجده مارس بدوره أقصى درجات الإقصاء والتعتيم على الآراء المعارضة والناقدة لمشروعه السياسي، حتى من داخله.
مع بداية الثورات في تونس ومصر تحديدا عاد الحلم اليساري بكامل رومانسيته الحالمة ليداعب بعض المثقفين السعوديين في قراءتهم لانتفاضات الشارع العربي؛ سواء من خلال وسائل الإعلام المحلية، أو مواقع الإنترنت وما يعرف بالإعلام الجديد، فكتبت الدكتورة بدرية البشر مثلا في صحيفة &laqascii117o;الحياة" تحت عنوان &laqascii117o;الحرية سيئة السمعة": &laqascii117o;انتهت ثورة مصر بعد أن حققت هدفها سلميا، كان معظمها من الشباب الذين لم يكن مناضلا سياسيا ولا ينتمي إلى الأوساط التقليدية للمعارضة السياسية ولا إلى الإخوان المسلمين، كما ادعى النظام. بدأت هذه الثورة وتنظيمها وهي تغلي غضبا على قسوة الشرطة والقمع والتعذيب التي يلقاها من النظام السابق، بعد أن أصبح أفراد الأمن فيه يقتلون الناس، من دون أن يحظوا حتى بحق محاسبتهم، كما حدث مع الشاب خالد سعيد".
وزادت في إشادة عليا بشباب الثورة: &laqascii117o;أظهرت هذه الثورة أخلاق الناس الرفيعة، فقد حمى الشبابُ الناس، حين تخلى الأمن عنهم، وانتهت بحملات الشباب لتنظيف المدينة وشوارعها بعد أن نظفوها من النظام الفاسد، ووقف المتحدث باسم الجيش وحيّا الشهداء تحية عسكرية اعترافا لهم بالشجاعة والشهامة".
ولكن يبدو أن الكثير من المثقفين السعوديين الذين كانوا يصرون أن جماعات الإسلام السياسي مجرد &laqascii117o;فزاعة"، مستشهدين بخلو ميدان التحرير من الشعارات الدينية، أفاقوا من حلمهم الوردي وعادوا إلى الواقع، وهم يرون صعود نجم الإخوان المسلمين في كل الدول التي نزل أفرادها إلى الشارع.
وليس أدل على ذلك من سيطرة الجماعات الإسلامية على الشارع العربي، بداية من الاستفتاء الذي تم في مصر حول التعديلات الدستورية والنتيجة التي آل إليها، بغلبة كاسحة لجماعات الإخوان المسلمين، والجماعات السلفية المصرية في مواجهة قوى اليسار العلماني. وصولا إلى نتائج الانتخابات النيابية، وطبعا فوز حزب النهضة الإخواني في تونس.
وهو أيضا ربما ما يبرر إعادة صياغة المواقف من قبل أصحاب الطرح اليساري، ولنستمر في ضرب نموذجه بالدكتورة البشر التي كتبت مقالا تحت عنوان &laqascii117o;الإسلام هو الحل ولكن أنتم المشكلة" واحتوى نقدا حادا للإسلاميين الذين اعتلوا خشبة المسرح السياسي، وسيطروا على مقاليد الحراك، وهو الواقع الذي لم تكن لتعترف به البشر والكثير من مثقفي اليسار السعوديين في بداية الثورات، كما أوضحنا في مقالها الأول.
وتخلص في نهاية مقالها الأخير هذا للاستسلام للأمر الواقع ولكن بطريقة أخرى، قائلة: &laqascii117o;أفضل ما يحدث اليوم للشعوب العربية هو أن تفوز الأحزاب الإسلامية، لأننا نريد أن ننتهي من تربية الأوهام في عقول الناس، فهذه الأحزاب ستجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لها، إما أن تتبنى حكما علمانيا ديمقراطيا، كما في الحزب التركي الإسلامي، لتخسر بهذا ما كانت تتمايز به عن الأحزاب الأخرى وتخسر قداستها، أو تعاند الحقائق وتصطدم بحائط العناد والفشل، وننتهي من هذه الحكاية على الرغم من فداحة الثمن، ويعرف الناس أين أوصلهم خيارهم".
والحال، أن البشر من القلائل من المثقفين السعوديين الذين ظلوا أوفياء ليساريتهم التحديثية في طرحهم، ولم تنسق وراء المواقف الفكرية المتناقضة آيديولوجيا، لا من خلال مقالاتها الصحافية المعلقة على الأحداث، ولا من خلال إنتاجها الأدبي والبحثي السابق للأحداث.
غير أنه في هذا السياق، نلفت إلى أن هذا الحراك بدوره أعاد ظهور أيضا متبني فكر اليسار الإسلامي، وهو خليط بين مرجعية دينية ويسارية. أوضح مثال عليها الكاتب في صحيفة &laqascii117o;المدينة" المحلية مهنا الحبيل، والذي علق في موقع التواصل الاجتماعي &laqascii117o;تويتر" قائلا: &laqascii117o;أمام تونس مرحلة صعبة من العمل بهذه الطليعة التي لن يتركها الغرب؛ فنموذج اتحاد الإسلاميين مع اليسار العربي ذو العمق الإسلامي يقلقهم".
- 'الشرق الأوسط'
سوريا: أكذوبة 'القاعدة'
'إخوان' سوريا لـ 'الشرق الأوسط': لم نسمع عن خلية لـ&laqascii117o;القاعدة" خلال 10 سنوات
من المحتمل جدا كما توحي المعارضة السورية أن يكون نظام الرئيس بشار الأسد هو الذي دبر الهجومين الانتحاريين يوم الجمعة 23 ديسمبر 2011 في العاصمة دمشق لإقناع المراقبين التابعين لجامعة الدول العربية بأن إرهابيين مسلحين وليس المدنيين المسالمين هم الذين يقودون التمرد. ومن يعرف النظام السوري يعرف أن الخطط البديلة دوما جاهزة لديه، حسب ما يقول المراقبون، والمقدس الوحيد الثابت لديهم هو تلازمهم مع السلطة، والمنظومة المطلقة لديهم هي منظومة حماية النظام.
ويؤكد متابعون للأحداث إن تفجيرات الجمعة في دمشق أوجعت الجميع باستثناء النظام، وتستبعد معلومات الأصوليين، وجود بصمة لـ&laqascii117o;القاعدة" في الأحداث، كما تقول السلطات السورية.. ويؤكدون أنه لا وجود لـ&laqascii117o;القاعدة" في سوريا.. وحتى أبو مصعب السوري، القيادي البارز في &laqascii117o;القاعدة"، والذي يحمل الجنسية الإسبانية، لم يدخل دمشق إلا معتقلا. فقد اعتقل في كويتا عاصمة بلوشستان عام 2005، بعد أن وقع في قبضة قوات الأمن الباكستانية بفضل اتصالاته الهاتفية مع زوجته وأولاده الذين يعيشون في قطر.
وقاد أبو مصعب في أفغانستان تيارا بين العرب ركز على ضرورة مبايعة الملا عمر زعيم حركة طالبان، والعمل مباشرة تحت إمرة حكومته، وهو أمر لم يسر بقية التجمعات العربية في &laqascii117o;القاعدة"، التي ظلت تنشط في بلدانها بشكل مستقل عن &laqascii117o;القاعدة".
ونشرت &laqascii117o;الشرق الأوسط" بيانات عدة من قيادات أصولية في بريطانيا تتحدث عن أبو مصعب السوري، باعتباره قياديا من &laqascii117o;القاعدة"، كان يدير &laqascii117o;معسكر الغرباء" في أفغانستان في قاعدة &laqascii117o;قرغة" العسكرية الشهيرة في كابل بالتعاون مع وزارة دفاع طالبان، وتعرض هذا المعسكر لتدمير الطائرات الأميركية عام 2001. واسم أبو مصعب هو مصطفى ست مريم من مواليد حلب، ولكنه لم يدخل سوريا إلا معتقلا بعد أن تسلمته دمشق من الأميركيين عام 2009، بحسب المحامي الشهير كلايف ستافورد رئيس مؤسسة &laqascii117o;ريبريف" في تصريح أدلى به لـ&laqascii117o;الشرق الأوسط". وكشف الإعلامي الشهير بيتر بيرغن، مستشار محطة &laqascii117o;سي إن إن " الإخبارية أيضا في لقاء خاص مع &laqascii117o;الشرق الأوسط"، عن أن أبو مصعب السوري رافقه في رحلة من العاصمة لندن لمقابلة بن لادن في قندهار قبل هجمات سبتمبر (أيلول)، وكان أول صحافي غربي يلتقي زعيم &laqascii117o;القاعدة" 1997، الذي أعلن لأول مرة حربه على الولايات المتحدة.
وتعتقد السلطات القضائية الإسبانية أن أبو مصعب السوري هو الذي أسس خلية تنظيم القاعدة في إسبانيا، قبل أن يسلم زعامتها إلى السوري عماد الدين بركات جركس (أبو الدحداح) الذي حكم عليه القضاء الإسباني بالسجن لمدة 27 عاما، بتهمة التخطيط لتفجيرات مدريد، إلى جانب متهمين آخرين.
يقول علي صدر الدين البيانوني (أبو أنس) مرشد &laqascii117o;إخوان" سوريا السابق في اتصال هاتفي أجرته معه &laqascii117o;الشرق الأوسط"، إنه لم يسمع من قبل عن وجود لـ&laqascii117o;القاعدة" في سوريا، منذ 10 سنوات، مشيرا إلى أن المجموعات التي كان يوظفها النظام ويرسلها إلى داخل العراق بعد الغزو الأميركي، هي مجموعات مختلقة على يد المخابرات السورية، وكانت لها أهداف محددة. وتساءل البيانوني &laqascii117o;لماذا لم تعلن (القاعدة) عن مسؤوليتها عن التفجيرين الانتحاريين الأخيرين في العاصمة دمشق، كما فعلت في عمليات سابقة مثل هجمات سبتمبر 2001 وهجمات لندن 2005، وتفجيرات مدريد 2004".
التفجيرات التي تمت الجمعة 23 ديسمبر 2011 في العاصمة دمشق وبالتزامن مع وصول الدفعة الأولى من وفد الجامعة العربية لمتابعة المبادرة العربية على الأرض، لها أكثر من دلالة وأكثر من رسالة، يريد النظام السوري إيصالها إلى العالم الخارجي من جهة، وإلى الداخل السوري من جهة أخرى.
يقول البيانوني: &laqascii117o;من دون مقدمات سمع الجميع من الإعلام الرسمي للنظام السوري أن (القاعدة) تقف خلف تفجيرات دمشق. لكننا نحن السوريين كنا نتابع الإعلام المرئي للنظام منذ يومين، وقد مر خبر في شريط إخباري، على إحدى القنوات، يقول إنه تلقى معلومات من لبنان على أن هناك عناصر من (القاعدة) تسللت عن طريق لبنان إلى سوريا. هذه الفبركة المخابراتية الإعلامية، مهدت لصنع هذه العملية الإرهابية الإجرامية بحق الأبرياء الذين قتلوا في هذين الانفجارين". وأوضح أن هناك معلومات مهمة تسربت من الداخل السوري تقول إن النظام نقل مئات المعتقلين المدنيين إلى المراكز الأمنية التي تعرضت للعمليتين الانتحاريتين، ثم قام بدفن الضحايا المدنيين على عجل دون الكشف عن أسمائهم أو هوياتهم، مشيرا إلى أن الهجومين الانتحاريين جاءا يوم وصول المراقبين العرب لتحويل الأنظار عما يجرى في حمص وإدلب وبقية المحافظات التي تشهد يوميا إعدامات بحق المواطنين الأبرياء.
وعلى الجانب الآخر أكد وزير الدفاع الوطني اللبناني فايز غصن، أن ما أعلنه منذ أيام عن تسلل عناصر من &laqascii117o;القاعدة" إلى سوريا عبر معابر غير شرعية لبنانية لم يكن من قبيل التكهن، بل نتيجة معلومات. وقال غصن، في بيان صحافي، إن &laqascii117o;ما أعلنه لم يكن من قبيل التكهن والتحليل والاستنتاج، إنما نتيجة معلومات توافرت لدينا وارتأينا أنه من المفيد إطلاع الرأي العام عليها، في محاولة للتنبيه إلى خطورتها على لبنان وأمنه واستقراره، ولوضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية". وكان غصن تعرض لحملة تشكيك بما قاله من قبل عدد من نواب كتلة &laqascii117o;المستقبل" النيابية.
إلا أن البيانوني عاد ليؤكد أن الترتيبات كانت معدة بعناية بتصريح مسبق من مسؤول لبناني، عن هروب عناصر من &laqascii117o;القاعدة" من لبنان إلى الأراضي السورية، والتصريح في حد ذاته يؤكد &laqascii117o;فبركة" العملية ومحاولة إلصاقها زورا بـ&laqascii117o;الإخوان"، الذين وقعوا في مايو (أيار)2001 وثيقة نبذ العنف، والتأكيد على مدنية الدولة، ثم بعد ذلك التوقيع على بيان مجلس شورى التنظيم العالمي عام 1996، بحرمة استخدام السلاح إلا في الدفاع عن الأوطان.
وعن طبيعة الرسائل التي تحملها تفجيرات النظام المزعومة، تقول مصادر المعارضة السورية في لندن إن &laqascii117o;الرسائل التي يود النظام السوري إيصالها إلى الخارج والداخل، هي رسائل عدة، الأولى موجهة إلى الغرب وتحديدا أميركا وإسرائيل، تقول إن (القاعدة) باتت تعيث خرابا في بلاد الشام، وما عليكم إلا أن تساعدونا لكسر شوكتها. وهي رسالة تأتي بعد أن فشل هذا النظام ومنذ 15 مارس (آذار) 2011 وحتى اليوم من إقناع العالم بأنه يحارب (عصابات مسلحة) فبدأ بتغيير المصطلح إلى (القاعدة)".
وأما الرسالة الثانية فهي موجهة إلى الداخل، والهدف منها طرح البدائل الأمنية الأخرى لقتل المتظاهرين، وهذه المرة بالسيارات المفخخة، أي بإمكان النظام يوميا تفجير أكثر من سيارة وفي أكثر من مدينة سوريا على أنها من أعمال &laqascii117o;القاعدة"، وذلك لتوجيه بوصلة الثورة السورية والهدف الذي يسعى إليه الشعب السوري إلى مسارات أخرى، يراد منها تعنيف الثورة السورية وإلصاق صفة الإرهاب بها.
ويضيف المعارضون السوريون، أن الغريب في سيناريو التفجيرين، هو عدم وجود أثر للانتحاري الذي تسبب في الحادث، ولم يشر السيناريو إليه رغم أن أغلب الصور المعروضة على التلفزيون السوري كانت لضحايا متفحمة وغير معروفة الملامح، إلا أنه بقدرة قادر لم يقتل &laqascii117o;الانتحاري" في سيناريو المخابرات السورية.
ولهذا تفسير كما يقول المعارضون: &laqascii117o;بعد بضعة أيام سيعرض النظام على الإعلام وصية الانتحاري وأنه ينتمي إلى (القاعدة)، وأنه قام بتفجيرات دمشق. والنظام الأسدي يعتقد أنه هو الوحيد الذكي، لأنه يعتقد أن إلصاق التهمة بـ(القاعدة) ربما يدر عطف الدول الغربية، لكن في واقع الأمر، فإن كل العالم يدرك أن أساليب وكذب وخداع هذا النظام، لن تمرق عليه مثل هذه الحيل، لكي يغطي عن جرائمه الفظيعة بحق الشعب السوري ومدنه".
ويضيف القيادي الإخواني البيانوني: &laqascii117o;تفرض الحكومة إجراءات أمنية مشددة على المناطق المهمة داخل العاصمة تحسبا لمظاهرات حاشدة تخرج من المساجد". ويضيف أنه &laqascii117o;لكي تصل سيارة ما إلى أحد المباني الأمنية عليها أن تجتاز على الأقل أربع نقاط تفتيش، ولا يسمح بدخول السيارات التي لا تحمل أرقاما حكومية. أما عن العدد الكبير من القتلى الذين سقطوا في التفجيرين داخل المبنى الأمني فيوضح أن الأمر قد يتعلق بالمعتقلين المدنيين الذين تبقيهم السلطات في أماكن سرية داخل مقرات المخابرات ولا بد أنهم قضوا في التفجيرين".
وتقول مصادر المعارضة السورية: &laqascii117o;يبدو أن الاتهام المبكر لـ(القاعدة) بهذا التفجير لا يساعد النظام السوري في تعزيز الرواية الرسمية المبكرة لهذا الحدث.. بل قد يشير إلى انهيار خطوط الدفاع المنطقية لدى الماكينة الرسمية ويجعل النظام برمته تحت الشك، وتعيد تذكيرنا بالحالة التي كانت عليها حين فضحت تسجيلات الفيديو المفبركة، التي عرضها وزير الخارجية وليد المعلم، لتؤكد شخصية النظام السوري، وتبين هشاشة الحجة الرسمية، وتوضح أن نظام الأسد مع أجهزته الأمنية أراد أن يوجه رسالة تحذير للمراقبين (العرب) بعدم الاقتراب من المقرات الأمنية وأخرى للعالم بأن النظام يواجه خطرا خارجيا وليس ثورة شعبية تطالب بالحرية والكرامة".
ويأتي الانفجاران الأخيران في منطقة كفر سوسة بالعاصمة السورية، دمشق، بعد تسعة أشهر من الاحتجاجات المناوئة للحكومة التي بدأت تتخذ في الفترة الأخيرة منحى عنيفا في ظل انشقاق عدد متزايد من الجنود ممن ينضمون إلى &laqascii117o;الجيش الوطني الحر"، وأيضا لجوء عدد من الثوار إلى رفع السلاح في وجه رجال الأمن والجيش السوريين كرد على الإجراءات القمعية التي واجه بها النظام الحركة الاحتجاجية السلمية. كما تزامن التفجيران مع وصول بعثة الجامعة العربية الفنية إلى دمشق لبحث طرق تنفيذ البروتوكول العربي الذي ينص على إرسال مبعوثين إلى سوريا وانسحاب الجيش وقوات الأمن من المدن.
وبعد أسابيع من الشد والجذب وتحفظ الحكومة السورية على بنود بروتوكول الجامعة العربية وافقت على التوقيع بعد تلويح أطراف داخل الجامعة العربية بإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي في حال تعذر التوصل إلى حل لإيقاف الحملة القمعية ووضع حد لإراقة الدماء.
ويتهم النظام الأسدي بالتخطيط &laqascii117o;لارتكاب مزيد من عمليات التفجير في سوريا بهدف إشاعة أجواء من الرعب والفوضى، ومنع المراقبين العرب من الوصول إلى الحقائق التي باتت معروفة لدى الرأي العام في سوريا وفي العالم أجمع".واتهمت السلطات السورية تنظيم القاعدة بالوقوف وراء التفجيرين اللذين استهدفا مقر جهاز أمن الدولة ومبنى المخابرات في حي كفر سوسة في دمشق، معلنة أنهما أوقعا 40 قتيلا وعشرات الجرحى.
من جهته، قال الدكتور هاني السباعي، مدير مركز المقريزي بلندن لـ&laqascii117o;الشرق الأوسط" إن &laqascii117o;ما حدث تفجير غير مألوف في بلد يحكمه نظام شمولي يستند إلى آلة أمنية تحبس على الناس أنفاسهم وتقمع منذ شهور بوحشية انتفاضة شعبية في محاولة فاشلة، حتى الآن، لإخمادها". وأوضح السباعي، أن هذه الأنظمة المستبدة تستخدم &laqascii117o;القاعدة" كشماعة لتعليق فشلها في التعامل مع طلبات المتظاهرين السلمية ولتبرير العنف الدامي بحق الأبرياء الذين يطالبون بالكرامة والحرية، وشعار هذه الأنظمة في العادة &laqascii117o;لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، وقد رأينا ذلك في ليبيا قبل السقوط المريع للقذافي وأولاده، باعتبار أن &laqascii117o;القاعدة" هي &laqascii117o;البعبع" العالمي، لأنه إذا سقط النظام السوري، فإن &laqascii117o;القاعدة" بحسب ادعاءات دمشق ستهاجم إسرائيل والجولان والمصالح الأميركية في المنطقة، باعتبار أن النظام السوري هو الحارس الأمين على الجولان، والذي لم يطلق رصاصة واحدة حتى الآن باتجاه إسرائيل منذ حرب 1973.
وقال مدير مركز المقريزي، إن &laqascii117o;القاعدة" جماعة عقدية تؤمن بالنصر أو الشهادة، والموت في عرف قادتها ليس سبة ولا عارا، بل إن قادتها يفتخرون بأنهم &laqascii117o;يقتلون ولا يموتون على الأسرة". وسيناريو التفجيرين الانتحاريين كما أخرجه النظام السوري بعيد تماما عن أبجديات &laqascii117o;القاعدة"، لأن التنظيم في العادة يعلن عن عملياته في بيانات رسمية، ويؤبن منفذيها.
وأضاف السباعي أن هناك علامات استفهام حول صحة الرواية الرسمية التي تشير إلى ضلوع إرهابيين متشددين من تنظيم القاعدة في تنفيذ التفجيرين، مؤكدا أن الهجمات الإرهابية نادرة الوقوع عادة في سوريا، ولم يسمع بها أحد من قبل. وأضاف: &laqascii117o;سمعنا عن (القاعدة) التنظيم الأم، وكذلك عن (القاعدة) في جزيرة العرب، و(القاعدة) في المغرب العربي، و(القاعدة) في خراسان، و(القاعدة) في اليمن، وكذلك وجودها في الصومال ومالي، ولكن لم نسمع حتى الآن عن (القاعدة) في سوريا، إنها أكذوبة كبرى". وأشار السباعي إلى أن النظام السوري يحترف تصفية أبنائه وأتباعه ولا يتورع عن ارتكاب جرائم وتفجيرات انتحارية على أراضيه ليقنع العالم بأنه ضحية للإرهاب، وليقول للعالم إنه إذا سقط النظام فستعم الفوضى المنطقة.
وقال السباعي &laqascii117o;من عجائب القدر أن النظام السوري توصل إلى فاعل التفجيرين الانتحاريين بعد نحو ساعة في دمشق، ولا نستغرب أن يبث وصايا الانتحاريين أيضا، وقبل ثلاثة أعوام عند اغتيال قيادي حزب الله عماد مغنية في وسط دمشق 13 فبراير (شباط) 2008، أعلن وزير الخارجية السورية بعدها بثلاثة أيام وليد المعلم أن مغنية تم اغتياله، حيث كان يدخل الأراضي السورية ويخرج منها بأسماء مستعارة، وأنه كان يقطن في أحد الأحياء السكنية في دمشق دون حراسة تذكر".
والأهم في تصريحات المعلم أنه وعد بإظهار الجهد الهائل، كما وصفه، لأجهزة الأمن السورية التي تحقق بالموضوع، وأنها &laqascii117o;ستثبت قريبا جدا وبالدليل القاطع الجهة التي تورطت في اغتيال مغنية، وحتى الآن لم تظهر الحقيقة كاملة".
واتهم مغنية في 1983 بتدبير تفجيرات للسفارة الأميركية وقاعدة بحرية أميركية وقاعدة لقوات حفظ سلام فرنسية في بيروت، وهي تفجيرات أسفرت عن مقتل أكثر من 350 شخصا، كما اتهم مغنية بخطف غربيين في لبنان في الثمانينات، واتهمته إسرائيل بالتخطيط لتفجير مركز يهودي في العاصمة الأرجنتينية قتل فيه 85 شخصا وبالمشاركة عام 1992 في تفجير السفارة الإسرائيلية لدى الأرجنتين والذي قتل فيه 28 شخصا.
أما داخل سوريا نفسها فقد سارع الناشطون السياسيون المعارضون للنظام إلى إبداء شكوكهم إزاء الرواية الرسمية، مشيرين إلى أن الهجوم قد يكون من تدبير النظام لتشويه صورة قوى المعارضة ونزع المصداقية عنها. وفي هذا الإطار قال عمر الخاني من الهيئة العامة للثورة السورية إن سكان كفر سوسة، حيث وقع التفجيران، لم يلاحظوا أي رد فعل من قبل عناصر المخابرات الذين كانوا بالقرب من الموقع عندما دوى الانفجار، بل ظلوا في مكانهم يحتسون الشاي وكأن شيئا لم يقع. وأضاف الخاني، أن القناصة والحرس الذين يعتلون أسطح البنايات المجاورة ويؤمنون المنطقة لم يفعلوا شيئا، وهو ما يثير الشكوك في نظره ويوجه أصابع الاتهام إلى النظام نفسه، ويؤكد الأمر أيضا الناشط السوري محمد الدعاس، والذي يتحدر من نفس المنطقة التي وقع فيها الانفجار ويعيش حاليا خارج البلاد، حيث قال إنه في أيام الجمع تفرض الحكومة إجراءات أمنية مشددة على المناطق المهمة داخل العاصمة تحسبا لمظاهرات حاشدة تخرج من المساجد. ويضيف الناشط أنه &laqascii117o;لكي تصل سيارة ما إلى أحد المباني الأمنية عليها أن تجتاز على الأقل أربع نقاط تفتيش، ولا يسمح بدخول السيارات التي لا تحمل أرقاما حكومية".
- 'الحياة'
هل الحرب مع إيران هي خيار جدّي؟
باتريك سيل:
&laqascii117o;الخطر الأكبر الذي تواجهه إسرائيل والذي يوجهه بصراحة العالم كلّه، هو تحوّل إيران إلى دولة نووية". صاحب هذا التصريح السخيف هو ميت رومني الذي من المرجّح أن يختاره الحزب الجمهوري لمنافسة باراك أوباما خلال الانتخابات الرئاسية التي ستجرى هذا العام.هل يستطيع رومني تصديق ما يقوله فعلاً؟ هل هو متهور جداً إلى حدّ دفع الولايات المتحدة إلى شنّ حرب ضد إيران؟ أم إنه يتنافس فحسب على كسب الأصوات اليهودية وأموال الحملات اليهودية من خلال تكرار الذرائع المثيرة للجدل التي يطلقها من يتولون الحملات لمصلحة إسرائيل في الولايات المتحدة، مثل مجموعات الضغط في لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) وفي معهد واشنطن وفي معظم وسائل الإعلام الأميركية اليمينية؟ما هي الجريمة التي ارتكبتها إيران بنظر هؤلاء المتشددين؟ لقد رفضت الخضوع للهيمنة العسكرية الأميركية في الخليج إلى جانب حلفائها سورية و &laqascii117o;حزب الله" وحركة &laqascii117o;حماس"، كما أنها قوّضت هيمنة إسرائيل العسكرية في شرق حوض المتوسط. فهل يجعل ذلك منها خطراً على العالم أجمع؟هل الولايات المتحدة وإسرائيل مستعدّتان بالفعل لشنّ حرب بسبب هذه المسائل؟ من غير المرجح حصول ذلك. تدلّ الإشارات كافة على أنّ الولايات المتحدة لا تفكّر جدياً في شنّ حرب شأنها شأن إسرائيل أو إيران. لقد فقد الأشخاص الذين يدعون إلى شنّ حرب في هذه البلدان الثلاث، حجّتهم.نقلت مصادر واشنطن أنّ الرئيس أوباما طالما استبعد احتمال استخدام القوة ضد إيران، الأمر الذي يُعتبر برأيه محفوفاً بالأخطار. وبعد أن تمكّن من وضع حدّ للحرب الكارثية التي شنّتها أميركا في العراق، يأمل الآن في إنهاء النزاع الأفغاني من طريق التوصّل إلى حلّ يتم التفاوض عليه. ومن شأن فتح مكتب لحركة &laqascii117o;طالبان" في قطر كما اقترح البعض، تسهيل هذه الاتصالات. ويبدو واضحاً أنّ أوباما لن يألو جهداً من أجل منع الولايات المتحدّة من الانجرار إلى مغامرة عسكرية مكلفة ومفتوحة على اتساع منطقة الشرق الأوسط.بدلاً من ذلك، يبدو أنه اختار سياسة الاحتواء والردع. لكن، بما أنه لا يرغب في أن يتمّ اتهامه بأنه ضعيف أمام إسرائيل، لم يتمّ الإعلان عن هذه السياسة الحساسة. وتتبع الولايات المتحدّة خطاً رسمياً يقوم على &laqascii117o;طرح الخيارات كافة على الطاولة" مع استبعاد الخيار العسكري كلياً من الناحية العملية.وتبلور الدليل على هزيمة الصقور في إدارة أوباما في استقالة دينيس روس أخيراً من منصبه كمساعد خاص للرئيس لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا في مجلس الأمن القومي. وعاد روس إلى منصبه القديم في معهد واشنطن التابع للجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية الذي أسّسه إلى جانب مارتين إنديك عام 1980 بهدف إرساء سياسة أميركية في الشرق الأوسط تصب في مصلحة إسرائيل وتعيين رجاله في مناصب حكومية أساسية، مع العلم أنه حقّق نجاحاً كبيراً في هاتين المهمّتين. وبعد أن عاد إلى المعهد، لا يزال يطلق أراءه المتشدّدة، فقد أعلن في خطاب أخير ألقاه أنّ هدف السياسة الأميركية يجب ألا يقوم على الاحتواء بل على ردع برنامج إيران النووي من طريق القوة إذا لزم الأمر.لا تفكّر إسرائيل ولا حتى الولايات المتحدة في شنّ حرب ضد إيران. وتعدّ تهديداتها العالية الصوت إشارة إلى أنها لا تخطط لشنّ أيّ هجوم. فحين قصفت إسرائيل مفاعل أوزيراك في العراق عام 1981 والمنشأة السورية التي قالت إنها منشأة نووية عام 2007، توخّت السرية التامة ومن دون أي إنذار مسبق. ويجب ألا تتمّ قراءة تلميحات رئيس الوزراء نتانياهو المتكرّرة إلى الخطر &laqascii117o;الوجودي" على إسرائيل الذي قد تشكله قنبلة إيرانية على أنها مقدمة للحرب بل هي بديل عن الحرب. والهدف من هذا التهديد هو إخافة إيران والضغط على القوى الغربية من أجل فرض عقوبات أكثر قسوة عليها. ويبدو أنّ هذا الابتزاز قد نجح. فقد أقرّ أوباما هذا الأسبوع قانوناً جديداً أحادي الجانب لتشديد العقوبات على بنك إيران المركزي الذي يعدّ المحور المالي لعمليات إيران النفطية.ودار نقاش محتدم في إسرائيل بين قيادات الجيش والسياسيين. وحذّر نتانياهو الذي شبّه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بهتلر من حصول محرقة جديدة. إلا أنّ جنرالات إسرائيل لم يوافقوا على هذا القول. فهم يعتبرون أنّ شنّ هجوم على إيران سيوقف برنامجها النووي لمدة سنة أو سنتين في أفضل الأحوال، وقد يدفعها إلى المضي قدماً في حيازة الأسلحة النووية. إذ يفهم الجنرالات أنّ إسرائيل ترتكب حماقة كبيرة في جعل إيران عدواً &laqascii117o;دائماً" لا سيّما أنّ إيران أكبر مساحة من إسرائيل وأغنى فيما شعبها يفوق عدد شعب إسرائيل بعشر مرات.وأشار مائير داغان الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي &laqascii117o;الموساد" إلى أنّ الحرب مع إيران ستكون بمثابة &laqascii117o;كارثة". فقد اعتمد طريقة بديلة لمعالجة المشكلة تقوم على اغتيال العلماء الإيرانيين وضرب أجهزة الكومبيوتر الإيرانية بفيروس &laqascii117o;ستاكسنت" وفيروسات أخرى وتقويض تجهيزاتها والإخلال باستقرارها قدر الإمكان. كما أنه أوصى بشنّ &laqascii117o;حرب خاطفة" وليس طويلة.في إطار خطاب ألقاه الأسبوع الماضي أمام عدد من السفراء الإسرائيليين نُقل عن الرئيس الحالي لـ &laqascii117o;الموساد" تامير باردو قوله إنّ &laqascii117o;مصطلح الخطر الوجودي يستخدم بحرية مطلقة". ونُقل عن أحد المبعوثين الحاضرين قوله في الصحافة الإسرائيلية إنّ ملاحظات باردو تشير بوضوح إلى أنه &laqascii117o;لا يعتبر أنّ تحوّل إيران إلى دولة نووية سيشكل خطراً وجودياً على إسرائيل".وحتى لو أنّ أياً من الفرقاء، أيّ إسرائيل والولايات المتحدّة وإيران، لا يرغب في شنّ الحرب أو لا يتوقع حصولها، يظل ممكناً أن تندلع الحرب من طريق الخطأ. ويساهم استهداف بنك إيران المركزي والتهديد بمقاطعة صادراتها النفطية كما اقترحت بعض الدول الغربية، في إنشاء مناخ من المشاعر القومية الهستيرية يمكن أن تؤدي إلى اندلاع صدام. لقد حاولت إيران استدراج الغرب إلى تنفيذ وعيده من خلال التهديد بإغلاق مضيق هرمز، إلا أنّ محاولة جدية للقيام بذلك قد تشعل النار في المنطقة بأكملها وهو آخر ما ترغب إيران أو الولايات المتحدة في حصوله. ويجب ألا نعلّق أهمية كبيرة على المناورات البحرية الأخيرة التي أجرتها إيران في الخليج أو على اختبار صواريخها الجديدة. فقد أجرت تمارين مماثلة في الماضي. من الواضح أنّ سياسات الاحتواء والردع هي أفضل من الدعوة إلى الحرب. إلا أنها لا تخلو من الصعاب. فيمكن أن يكون إرساء قواعد نظام ردع متبادل محفوفاً بالأخطار. ويمكن أن تكون الأشهر أو حتى السنوات الأولى خطيرة إلى أن يتمّ تركيز النظام وفهم القواعد في شكل تام من قبل الطرفين. وحتى تكون المنظومة آمنة، من الضروري إرساء &laqascii117o;خط ساخن" بين الأطراف.في حال أراد أوباما استجماع شجاعته السياسية لإجراء حوار طال انتظاره مع إيران بعد انقطاع دام 32 سنة، فقد يتمّ درء خطر الحرب لمصلحة الجميع.
- 'السفير'
إسرائيل تقترب من نهايتها!
سمير كرم:
ليس من قبيل المصادفة أبداً ان تأتي من داخل إسرائيل في وقت واحد الأنباء التي تتحدث عن الاستعدادات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية لإقامة دعاوى مطالبة لحكومات عربية متعددة بدفع تعويضات مالية عن اموال فقدها اليهود الذين هاجروا من هذه الدول، من وقت إنشاء دولة إسرائيل، والأنباء التي تتحدث عن موجة يأس بين اكبر المفكرين الإسرائيليين من إمكان استمرار إسرائيل في الحياة واقترابها من النهاية كدولة لليهود.
قد لا تبدو العلاقة بين هذه الأنباء واضحة للوهلة الاولى، ولكن المرء لا يحتاج الى وقت طويل من التفكير والتمعن في هذا الامر ليدرك ان بين انباء سعي اسرائيل الى الحصول على ما يقدر بنحو ثلاثمئة مليار دولار من الدول العربية كتعويضات، على غرار ما حصلت عليه من تعويضات من المانيا بعد هزيمة الأخيرة في الحرب العالمية الثانية، وأنباء تحملها تصريحات ابرز المفكرين الاسرائيليين عن قرب نهاية إسرائيل الدولة، علاقة ما. فعلى الرغم مما يبدو على السطح من ان اسرائيل راكمت قوة عسكرية لا تضاهيها اي قوة اخرى في المنطقة، إن لم يكن في العالم، فإن مقومات الدولة آخذة في التراجع ان لم يكن في الانهيار، الامر الذي ينبئ بقرب نهاية الدولة الاسرائيلية. (انظر: حلمي موسى، &laqascii117o;كتّاب إسرائيليون يحذّرون من وهم &laqascii117o;القوة العظمى": الدولة العبرية لن تصمد ...والغرب لن يهب لحمايتها - &laqascii117o;السفير" في 11/12/2011، ص أولى)
إن فكرة الحصول على تعويضات من العرب عما تركه اليهود خلفهم من اموال في البلدان العربية التي كانت أوطاناً لهم قبل نشأة إسرائيل ليست جديدة، فقد راودت القادة السياسيين الإسرائييين منذ عام 1948، اي منذ العام الذي شهد تأسيس دولة إسرائيل. وهناك ما يدل في كتب التاريخ الإسرائيلي على ان ديفيد بن غوريون، رئيس الوزراء الاول لدولة اسرائيل، كان واحداً من اكثر مؤيدي فكرة الحصول على تعويضات عربية لليهود. وفضلا عن ذلك، فإن الفكرة نفسها كانت تتغلغل في العقل السياسي والمالي الاسرائيلي، كلما ازداد الضغط الفلسطيني والعربي على اسرائيل، بشأن حق اللاجئين الفلسطينيين في البلدان العربية في العودة الى وطنهم الذي طردوا منه او اضطروا للفرار هرباً من المذابح الاسرائيلية.
وليس من شك في ان وراء إثارة موضوع التعويضات العربية لليهود اهدافاً تتجاوز الأهداف المالية، حتى مع افتراض ان هذه الأهداف تحتل المكانة الأبرز بينها جميعاً. وأول ما يبدو من هذه الأهداف في الظروف الحالية لما يمكن ان نسميه &laqascii117o;العلاقات العربية - الاسرائيلية" هو إقناع العرب والعالم بأن إسرائيل تشعر أن لديها من القوة ما تستطيع به - عبر الضغط والتهديد -أن تجبر الحكومات العربية على الاستجابة لها في هذه المطالب. ويعني هذا ايضاً ان اسرائيل تريد ان تترك انطباعاً عالمياً بأن العرب لا بد ان يكونوا مستعدين في الظروف الراهنة لهذه &laqascii117o;العلاقات" للاستجابة لمطالب التعويض الاسرائيلية. ذلك ان الدول العربية التي تقيم علاقات كاملة او ناقصة مع اسرائيل او التي اعلنت صراحة انها تعتزم إقامة مثل هذه العلاقات، هي من بين الدول التي حددها المسؤولون الاسرائيليون في تصريحاتهم عن اقتراب اسرائيل من إقامة الدعاوى للحصول على هذه التعويضات. وهذه الدول العربية التي حددتها اسرائيل هي مصر والاردن (اللتان تقيمان علاقات كاملة مع اسرائيل) وموريتانيا والجزائر وتونس وليبيا والسودان وسوريا والعراق ولبنان، إضافة إلى المغرب التي تقيم علاقات شبه كاملة مع اسرائيل.
ويلاحظ ان المسؤولين الاسرائيليين افردوا مكاناً خاصاً للسعودية حينما قالوا إن قيمة التعويضات التي ستطلبها اسرائيل من المملكة تبلغ مئة مليار دولار تغطي العصور &laqascii117o;منذ عهد الرسول محمد" أي منذ البدايات الاولى للاسلام. وتترك تصريحات المسؤولين الاسرائيليين انطباعاً لا يمكن تجاهله، بأن إسرائيل تتوقع استجابة ايجابية من المملكة العربية السعودية، بالنظر الى عدد من الامور، اولها ما تبديه السعودية من اهتمام بإظهار استعداد للتقارب مع اسرائيل والتعاون معها في اطار تحالف كل منهما مع الولايات المتحدة وفي اطار ما تبديه المملكة من تفهم لدور اسرائيل الاستراتيجي في مواجهة إيران. وليس مستبعداً بأي حال ان يكون لدى اسرائيل توقع بأن تمارس الولايات المتحدة دوراً ضاغطاً على حليفتها السعودية لصالح حليفتها اسرائيل في قضية التعويضات العربية لليهود.
وفيما يتعلق بالتوقيت فإن من الواضح ان اسرائيل تستعد لإثارة قضية التعويضات العربية لليهود، في وقت تراجعت فيه مكانة اسرائيل - اكثر من اي وقت مضى - مع معظم بلدان العالم، في ضوء ما احرزته القضية الفلسطينية من تقدم نحو الحصول على اعتراف دولي بدولة فلسطين. ان اسرائيل تريد ان تقدم دليلاً جديداً للعالم على قدرتها على تحقيق اهداف كبرى من نوع التعويضات من الدول العربية، الامر الذي يعطيها مكانة - ليست فقط سياسية بل مالية - على الصعيد العالمي.
وهنا ينبغي ان نلاحظ ان أياً من الدول العربية - بما في ذلك تلك الدول التي تقيم نوعاً ما من العلاقات مع اسرائيل وتلك التي لا تقيم اياً من هذه العلاقات - لم تعلن موقفاً محدداً من هذا المشروع الاسرائيلي على الرغم من خطورته ومن التأثيرات السلبية التي يمكن - بل من المؤكد -ان تنتج عن هذه الدعاوى الجديدة. وعلى سبيل المثال فإن مسؤولا سعودياً واحداً لم يدل بتصيرح يرد فيه على الفكرة الاسرائيلية القائلة بحق اليهود في الحصول على تعويضات عن أملاكهم &laqascii117o;منذ عهد الرسول محمد". وعلى سبيل المثال ايضا، فإن مسؤولاً مصرياً واحداً لم يرد على هذه الدعاوى والمطالب الاسرائيلية بحقيقة تاريخية لا ينكرها احد، وهي ان اليهود الذين غادروا مصر مع النبي موسى متجهين الى سيناء، وبعد ذلك الى فلسطين من دون ان يصحبهم النبي موسى، اخذوا معهم كل ما امكنهم حمله من ثروات الذهب التي كانت مملوكة للسادة المصريين آنذاك. اليست هذه الثروات ايضاً مما يمكن الادّعاء على اليهود بالتعويض عنها؟
لكن بصرف النظر عن مواقف الحكومات العربية فإن مطالب اسرائيل الجديدة من اموال العرب من شأنها ان تزيد من تأجيج العداء تجاه إسرائيل لدى الجماهير العربية وفي اوساط الشعوب العربية، تلك التي تطالبها إسرائيل بدفع تعويضات لليهود وتلك التي لا تشملها هذه المطالب. ان اسرائيل تدرك حقيقة الهوة الشاسعة التي تفصل بين مواقف الحكومات العربية منها ومواقف الشعوب التي تسيطر عليها - حتى الآن - تلك الحكومات. ولعل هذا واحد من افدح الأخطاء التي ترتكبها اسرائيل حينما تقارن بين ديموقراطيتها واستبدادية الحكومات العربية. إنها تغفل تماما الحقائق المتعلقة بمشاعر ومواقف الشعوب العربية مقارنة بما تتبعه الحكومات العربية من سياسات تجاه اسرائيل، ما هو حقيقي منها وما هو اقرب الى الزيف، إرضاء للولايات المتحدة الراعي الأول والأقوى نفوذاً لبقاء اسرائيل وازدهارها في المنطقة العربية. وعند هذا الموقع لا بد من ذكر حقيقة ان اسرائيل - وفقا لتصريحات مسؤوليها اعلنت ايضا انها تنوي اقامة دعاوى للمطالبة بالحصول على تعويضات من ايران، وهنا تبدو ايران الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط التي يمكن التأكيد بأنها ابداً لن تستجيب لطلب اسرائيل الحصول على تعويضات عن اموال اليهود الايرانيين الذين هاجروا من ايران الى اسرائيل او غيرها من دول الغرب وخاصة الولايات المتحدة.هل يمكننا ان نرى علاقة بين بروز موضوع التعويضات العربية لليهود منذ 14 قرناً من الزمان وبين ثورات الربيع العربي التي بدأت قبل عام واحد؟هذا سؤال تبدو الإجابة عليه على قدر عال من الصعوبة، وإن كان يبدو سؤالا مشروعاً في الوقت نفسه. مع ذلك فإننا نميل الى الاعتقاد وفقاً لمنطق التقارب الزمني على الاقل، ان اسرائيل توجه بهذا التحرك الجديد نوعاً من الانذار للحكومات الجديدة التي صعدت الى السلطة خلال احداث عام 2011 - وهي في مجموعها حكومات ذات توجه اسلامي - بأن إسرائيل لا تنوي المهادنة مع هذه الحكومات مهما بدا من هذه الحكومات من استعداد لإقامة علاقات وئام مع الولايات المتحدة. وهو توجه سياسي يتطلب مهادنة لاسرائيل. وليس خافياً على احد الآن ان جماعة الاخوان المسلمين التي جنت اغلبية كبيرة في انتخابات مصر لمجلس الشعب، اصدرت من البيانات والتصريحات ما يؤكد التزامها بمعاهدة كامب ديفيد الموقعة بين مصر وإسرائيل، اي التزامها بإقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل. وهو موقف يتعارض تماماً مع مواقف جماعة الاخوان المسلمين طوال السنوات التي سبقت هذه الانتخابات. ويمكننا ان نقول إن موقف الاخوان المسلمين الجديد يتعارض مع قناعات الغالبية العظمى من الناخبين المصريين الذين آثروا الإدلاء بأصواتهم لصالح هذه الجماعة، الأمر الذي اكسبهم