قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الخميس 12/1/2012

- 'الحياة'
التيار السلفي... هل يستولي على الجمهورية المصرية الثانية؟
مختار شعيب:
 
جاء الصعود السياسي للتيار السلفي في مصر بعد ثورة 25 يناير مفاجأة للكثيرين، وأحدث صدمة امتزجت بحال من التوجس والخوف. ويتمثل سبب الصدمة في الصورة المخيفة التي ظهر أو أُريد أن يظهر بها التيار السلفي الذي طالما ابتعد من الانشغال بالسياسة، واتخذ منحى انعزالياً عن قضايا المجتمع السياسية، بل إن بعض فصائل ذلك التيار كانت تنادي بطاعة الحاكم، وإن كان فاسقاً.وأثار حصول السلفيين في الانتخابات البرلمانية المصرية في مرحلتها الأولى على أكثر من 25 في المئة من أصوات الناخبين، مخاوف عدة في الشارع المصري، ليس فقط من جانب الأقباط واليساريين والليبراليين، ولكن أيضاً من جانب مواطنين ينتمون إلى فئات مختلفة. كما أثارت هذه النتيجة مخاوف التيار الإسلامي المعتدل وبخاصة &laqascii117o;الإخوان المسلمين" وأحزاب &laqascii117o;الوسط" و"التيار الرئيسي". وطرحت تساؤلات عدة عن مصادر قوة هذا التيار وشعبيته، ومن أين اكتسبها، وكيف يمكن أن يوظِّفها وإمكان سيطرته على الجمهورية المصرية الثانية، خصوصاً أن هذا الطرف الجديد يطرح نفسه بقوة كرقم في المعادلة السياسية ويقدِّم نفسه كأحد اللاعبين الرئيسيين. فإذا كان السلفيون حصلوا على 25 في المئة من الأصوات خلال 30 عاماً من العمل داخل المجتمع بينما حصل الإخوان الذين يزيد تاريخهم عن 83 عاماً على 40 في المئة من الأصوات، فماذا يكون الوضع السياسي للسلفيين بعد عشر سنوات من الآن؟ هناك عوامل تفسر هذا الصعود غير المتوقع للسلفيين وهي ذاتها أهم محددات إمكان سيطرة هذا التيار على الجمهورية الثانية، ومنها قدرة هذا التيار على الحشد الجماهيري وتوحيد جماعاته وهيئاته وأحزابه المختلفة في تحالف واحد. وباستقراء الوضع الداخلي للسلفيين يلاحظ الآتي: لدى هذا التيار قدرة على الحشد والانتشار وسط الجماهير غير مسبوقة لا ينافسه فيها سوى &laqascii117o;الإخوان المسلمين"، وذلك بفضل دور رموزه ومنهم الشيخ محمد حسان والشيخ الحويني وغيرهما كثر يسيطرون على آلاف المساجد والزوايا المنتشرة في ربوع البلاد (يقدر عددها بـ 3000 مسجد وزاوية). وتنتشر رموز التيار السلفي في مختلف محافظات مصر وبعضهم تتجاوز جماهيريته شعبية أحزاب كبرى على الساحة السياسية. وما يزيد من قدرة التيار على الحشد امتلاكه 30 قناة تلفزيونية منها &laqascii117o;الرحمة"، و&laqascii117o;الناس" و&laqascii117o;الحكمة"، كما أن مؤلفاته هي الأكثر مبيعاً في مصر، وشرائط الكاسيت التي تحتوي على خطب أركانه ومحاضراتهم الدعوية هي أكثر مبيعاً من شرائط أشهر مطربي مصر والعالم العربي.كما أن مؤسساتهم وبخاصة الجمعية الشرعية وجماعة الدعوة السلفية وجمعية أنصار السنة المحمدية لها فروع عدة في مختلف المحافظات يقدر عددها بـ 700 فرع، في كل منها مسجد ومستشفى ومكتبة دينية وأقسام لتحفيظ القرآن. وهي تقدم خدمات صحية وتعليمية وثقافية ودينية واجتماعية من قبيل رعاية الفقراء وكبار السن وتزويج الأيتام وغيرها. كما أن كوادرهم المنتشرة في مختلف المحافظات يشملون أيضاً كوادر قيادية ومثقفة من شيوخ الدعوة وأطباء ومهندسين ومحامين وأساتذة جامعات ومدرسين وصحافيين ورجال أعمال وتجار، وهو الأمر الذي يساهم في وصول أفكارهم إلى قطاعات واسعة من المجتمع وتجنيد أنصار لهم من مختلف الفئات. فهذا التيار أحكم سيطرته على قطاعات كبيرة من المجتمع وأوجد لنفسه أرضية على الساحة المصرية فاقت الوجود السياسي للتيارات والحركات الإسلامية الأخرى، بخاصة في الأقاليم والمدن الريفية المصرية. ويلاحظ أن أكثر فئات المجتمع تأييداً لهم هي الفئات البسيطة وهو الأمر الذي يدل على إمكان زيادة شعبيتهم في تلك المناطق في مختلف المحافظات. وهذا النفوذ تزايد وأضحى أكثر وضوحاً منذ اندلاع ثورة يناير على حد قول كرم صابر، المدير التنفيذي لمركز الأرض لحقوق الإنسان في القاهرة، الذي قال إن &laqascii117o;السلفيين استفادوا من السنوات التي حُظر فيها جماعة &laqascii117o;الإخوان المسلمين" عن طريق توسيع نفوذهم في القرى والريف والمناطق الشعبية ودعمهم في ذلك نظام الرئيس السابق الذي عقد معهم صفقة غير مكتوبة من خلال جهاز أمن الدولة ليقدم السلفيون تأييدهم السياسي لنظام مبارك الذي يترك لهم ساحة العمل الدعوي والخدمي في أوساط الجماهير لمواجهة &laqascii117o;الإخوان المسلمين".
تقديرات
لا يوجد حصر حقيقي لأعداد السلفيين في مصر، ويزيد من صعوبة الأمر غياب هيكل تنظيمي واحد يجمعهم على غرار التنظيمات والجماعات الدينية الأخرى مثل الإخوان أو الجماعة الإسلامية وغيرهما، ولكن بعض التقديرات المتناثرة تقول إن محافظة مثل الإسكندرية فيها ما يقرب من مئتي ألف سلفي، وهكذا الحال بالنسبة إلى بقية المحافظات مثل الجيزة وبني سويف والدقهلية والشرقية والبحيرة وبورسعيد وغيرها من المحافظات التي يصل فيها تعداد السلفيين إلى أرقام تفوق مستوى الحدس العام. وينتشر هؤلاء بين جميع فئات المجتمع في المدارس وفي الجامعات، بين التجار وأصحاب المحال، بين أصحاب الشركات ورجال الأعمال وبخاصة بين الدعاة وخطباء المساجد، وفي المناطق الريفية والشعبية. ولا تخطئ العين كثافة المتنقبات في المناطق التي يمثل السلفيون فيها كتلة سكانية غالبة، حتى إنهم دخلوا الجامعة الأميركية والنوادي الشهيرة.وما يزيد من شعبية هذا التيار استخدامه ورقة الدفاع العلني عن هوية مصر كدولة عربية إسلامية والمادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وهو الأمر الذي يمنح السلفيين دوراً فاعلاً في الخريطة السياسية الجديدة في مصر وحضوراً في المشهد السياسي، وهو الأمر الذي كان أكثر وضوحاً أثناء الاستفتاء على التعديلات الدستورية وفي الانتخابات البرلمانية، في حين رأى بعضهم أن ذلك محاولة من السلفية لاختطاف الثورة.وكغيره من التيارات السياسية والدينية في مصر استفاد التيار السلفي من نتائج ثورة 25 يناير بصورة لم يتوقعها أحد، وهو ما مثّل مفاجأة حقيقية للمراقبين، ربما فاقت ما اكتسبه التيار الوسطي المتمثل في جماعة &laqascii117o;الإخوان المسلمين" بالنظر إلى حجم تضحيات كل من التيارين في الصراع السياسي مع النظام الحاكم السابق، خصوصاً أن التيار السلفي كان متوافقاً مع ذلك النظام الذي أعطاه فرصاً واسعة للحركة والتغلغل في المجتمع، بينما دفع &laqascii117o;الإخوان المسلمون" ثمناً باهظاً نتيجة مواجهة النظام لهم بصور مختلفة من القمع الأمني والسياسي، خصوصاً أن التيار السلفي لم يشارك في الثورة، ولم يكن له وجود يذكر داخل ائتلاف شباب الثورة على عكس الإخوان.
مصالح متبادلة
وتحدث بعضهم عن صفقة بين السلفيين والمجلس العسكري تحقق مصالح متبادلة للطرفين بحيث تضمن للسلفيين شرعية الوجود في الشارع عبر بوابة المجلس الذي يريد بدوره استغلال السلفيين كجماعة منظمة في إحداث التوازن السياسي في المجتمع والحصول على دعمهم في مواجهة القوى السياسية الرافضة له، لكن التيار السلفي يؤكد أن دعمه المجلس العسكري الذي يقود البلاد لا يمنعه من مراجعته في قراراته. وعبّر في هذا الصدد عن انتقاده أداء المجلس في ما يتعلق بمحاكمة الرئيس السابق ونجليه، مؤكداً أنها جاءت متأخرة، لكنه طالب في الوقت نفسه بإعطاء المجلس مزيداً من الوقت لإكمال عملية انتقال السلطة إلى حكومة ورئيس مدنيين.وبعد نجاح الثورة استطاع التيار السلفي أن يجذب الأضواء وإن كان في شكل صادم ومخيف. فقد أُطلق الكثير من معتقلي التيار، وعاد الكثيرون منهم إلى فرض آرائهم المتشددة بجرأة لم يكونوا يتمتعون بها في عهد مبارك. وأثارت الشائعات التي جرى ترويجها على بعض مواقع الإنترنت والفضائيات حول تهديد السلفيين باستهداف السيدات غير المحجبات، حالة من الهلع والخوف لدى الكثيرين. وعلى رغم إصدار التيار السلفي بياناً نفى فيه هذه الدعوات، فإن الشائعة وجدت لنفسها مكاناً على أرض الواقع، بعدما تطور الأمر إلى ظهور حالات فردية حاول فيها بعض أعضاء التيار تغيير ما سموه المنكر باليد في بعض المحافظات والمدن المصرية.وبدا التيار السلفي من خلال الحوادث السابقة ومثيلاتها وكأنه نصب نفسه حاكماً شرعياً على المجتمع، وإنه عزم على إقامة دولة دينية في مصر مستغلاً الأوضاع غير المستقرة التي تمر بها البلاد، وهو ما رفضه أزهريون وإخوان وسلفيون معتدلون. وأرجع الشيخ جمال قطب، وهو من كبار علماء الأزهر، ما يحدث من ظهور دعوات سلفية لتغيير المنكر وظهور من ينادي بالدولة الدينية إلى تراجع الأزهر في المقام الأول، معتبراً أن مقولة دولة دينية اصطلاح مكذوب على الإسلام لا يعرفه القرآن ولا السنة وأن دولة الإسلام دولة مدنية أي تقوم على مجتمع المدينة السلمي.وعلى الجانب السلفي قال أسامة القوصي - إمام وخطيب وداعية -: &laqascii117o;إن كوني سلفياً لا يعني موافقتي على إنشاء دولة دينية لأن ذلك يعني أن من يتولى شؤون الدولة لن يقبل الرأي الآخر". المثير في الأمر أن التيار السلفي بدا وكأنه عقد العزم ليس فقط على مواجهة ما يصفه بالتيار العلماني الذي يحاول الاستيلاء على مصر وفق ما يرى التيار، ولكن أيضاً على مواجهة التيارات والحركات الدينية الأخرى، وهو ما ظهر من خلال العمليات المنسقة لهدم الأضرحة، واعتبار السلفيين الحركة الصوفية شركاً، واتهامها بتلقي دعم من أميركا لإحياء احتفالات الصوفية، ما حدا بوكيل المشيخة الصوفية في الإسكندرية جابر قاسم إلى التحذير من أن تكفير السلفية للصوفيين هو نذير خطير يهدد المجتمع. وأكثر التصريحات قوة جاء على لسان مفتي الجمهورية علي جمعة الذي اتهم أولئك الذين يهدمون الأضرحة - في إشارة إلى السلفيين - بأنهم &laqascii117o;أصحاب فهم ضيق ويحدثون فتنة في المجتمع ويؤثرون سلباً في أمن البلاد والعباد".
المفتي
ولا تخفى على أحد حال السخط والغضب التي يبديها مفتي مصر تجاه التيار السلفي الذي اعتبر أنه &laqascii117o;أقرب ما يكون إلى العلمانية منه إلى الإسلام". وقال، إن &laqascii117o;العلمانية لا تنكر الدين، لكنها تنحي الدين عن سير الحياة، والسلفية المتشددة تريد أن تنعزل بالدين عن سير الحياة". ويرى جمعة أن &laqascii117o;السلفية تقبلها العلمانية، ولذلك رأينا العلمانية وهي تبارك السلفية إلى أن لُدغت منها في المصالح. ولكن الفكر السلفي هو الوجه الآخر للفكر العلماني وهو لا يدري" على حد قوله!كل هذا يحتم على المهتمين إدراك حقيقة أن الكادر السلفي موجود بالفعل، وأن دوره في تزايد، وأن البحث عن آلية للتعامل معه ضروري. لكن أزمة التيار السلفي مع المجتمع تكمن في قاع الهرم وليس قمته، فالتيار رغم انتشاره بين ربوع الأقاليم والمدن المصرية، لا يملك هيكلاً تنظيمياً ومؤسسياً واضحاً كتلك التي تتميز بها الحركات الإسلامية الأخرى مثل جماعة &laqascii117o;الإخوان المسلمين".ويأتي تشكيل هذا التيار لأحزاب (&laqascii117o;النور"، و&laqascii117o;الإصلاح" و&laqascii117o;الحضارة" و&laqascii117o;الأصالة" ) تمثله في الحياة السياسية والمدنية في مصر خطوة في اتجاه توحيد العمل السياسي لهذا التيار ومأسسته، إلا أنها تظل غير كافية إذا لم تشمل القطاع الأوسع من السلفيين، وهو الأكثر انتشار وتشدداً تجاه العمل المجتمعي والمدني ويحتاج إلى متسع من الوقت لإقناعه بجدوى الاشتغال والاندماج في الحياة السياسية. ومن المتوقع أن تلعب &laqascii117o;السلفية دوراً في مرحلة ما بعد الثورة لإحداث توازن مع العمل السياسي الضخم الذي يقوم به &laqascii117o;الإخوان المسلمون"، لأن السلفيين هم التيار الأضخم في الساحة الإسلامية المصرية إلا أنهم يفتقدون مركزية في التنظيم، كما لا يملكون عمق الخبرة التنظيمية والسياسية التي يتمتع بها تنظيم &laqascii117o;الإخوان المسلمين"، فضلاً عن أن توزع السلفيين إلى مجموعات متعددة تتبع كل منها شيخاً من مشايخ السلفية هو عقبة أخرى من عقبات قيام السلفيين بأي دور سياسي موحد بخاصة أنهم يختلفون بشدة ويتنازعون في مواقفهم من القضايا السياسية المختلفة، وهذا أيضاً جانب من جوانب ضعفهم. ما سبق يكشف بوضوح أبعاد الدور المحتمل للتيار السلفي في الساحة السياسية بخاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أمرين: أولهما الديناميكية التي تتميز بها هذه الجماعات من ناحية، ووجود تجارب سلفية مشاركة في البرلمان على غرار تلك الموجودة في الكويت الآن .ويمكن القول إن هناك سناريوين لمستقبل التيار السلفي: الأول أن يمثل هذا التيار الكتلة السياسية الثانية الأقوى على الساحة السياسية بعد الإخوان المسلمين ولا يتحالف مع الإخوان بل يمارس دور المعارضة ومن ثم تزداد توجهاته تشدداً، وهو الأمر الذي قد يكسبه شعبية في أوساط غالبية المصريين الذين ينتمون إلى طبقات بسيطة وما قد يجعله القوة السياسية الأولى في البلاد بما يدفع الإخوان أنفسهم إلى مزيد من التشدد. أما السيناريو الثاني فهو تحالف السلفيين مع الإخوان في تكتل سياسي واحد يقوده الإخوان الأكثر حنكة، أو على الأقل توافق الطرفين وتعاونهما من دون تحالف. كما أن الممارسة السياسية قد تجعل السلفيين أكثر حنكة وفي ضوء رأي عام رافض للتشدد تؤدي كل هذه العوامل إلى سيادة النمط الإخواني على أداء السلفيين الذين يدركون حجم المخاوف المجتمعية المتزايدة تجاههم. وبمرور الوقت قد يتحول السلفيون إلى نسخة ثانية من الإخوان، وإن كانت أكثر تشدداً.


- 'الأخبار'
الانتفاضة السورية والتدخل الدولي
سلامة كيلة:
 
كل الحديث منذ بدء الانتفاضة السورية هو عن المؤامرة التي تقوم على التدخل الأميركي، خصوصاً في سوريا. ورغم مرور الوقت وتجاوز الانتفاضة شهرها العاشر، لا يزال هناك من يكرر المعزوفة ذاتها دون ملل. فما هي ممكنات التدخل العسكري في سوريا؟
التدخل الدولي هو نتاج مصالح دول، وبالتالي حاجتها للتدخل ومقدرتها على ذلك. ولا شك في أنّ سوريا كانت معرّضة للتدخل خلال السنوات الماضية، وكان العمل الأميركي ينطلق من ضرورة تحقيق تغيير يفضي إلى تشكيل نظام &laqascii117o;طوائفي" كما فعلت في العراق. وكان اغتيال رفيق الحريري لحظة كان يراد لها أن تفضي إلى ضغط أميركي دولي شديد على السلطة، يقود إلى تحقيق انقلاب داخلي، ربما جاء مقتل (أو اغتيال) غازي كنعان في سياقه. بعدها هدأت الأمور، ظهر أنّ السيناريو الأميركي قاد إلى تماسك السلطة بدل تفككها، وأنّ السلطة تندفع لبناء تحالف إستراتيجي مع إيران، وتركيا. وتستفيد كثيراً من الحرب الصهيونية على لبنان وصمود حزب الله.
ومن ثم بدا أنّ أميركا تعيد علاقتها مع السلطة السورية، بعد نجاح باراك أوباما كرئيس، وانفتاح نيكولا ساركوزي، والدعم التركي اللا محدود، الذي شكّل سياج حماية مهماً، والموقف الصهيوني الذي بدا أنّه لا يريد تغيير السلطة التي حققت له استقراراً طويلاً على جبهة الجولان. وفي الوقت نفسه، كان يركّز على &laqascii117o;هضم" الضفة الغربية، والتفكير في نقل القضية الفلسطينية إلى الأردن. أي أنّه لم يكن في وارد تشتيت جهوده التي كانت تلاقي النجاح في إنهاء القضية الفلسطينية.
بمعنى أنّ الهجوم الذي بدأ بعد احتلال العراق من أجل تغيير الوضع السوري قد توقف وأصبحت المسألة تتعلق بإعادة ترتيب العلاقة، خصوصاً بعدما تفجّرت الأزمة المالية في أيلول 2008، والتي أظهرت ضعف الرأسمالية، ووقوفها على شفير انهيار ليس من الممكن تلافيه. في الوقت نفسه مال &laqascii117o;رجال الأعمال الجدد" الذين أمسكوا بقرار السلطة إلى فرض اللبرلة كاملة، كما تريد الرأسمالية، وأسوأ من الشروط التي يضعها صندوق النقد الدولي، في سياق &laqascii117o;مدّ الجسور" مع الإمبريالية، ودفعها إلى الموافقة على بقاء الوضع السوري كما هو، أي بقبول سلطة ليبرالية تتشابك مع الرأسمال الإمبريالي (وإن كان ذلك قد بدأ عبر الرأسمال النفطي).
ولقد جاءت الانتفاضة في ظل الانفتاح &laqascii117o;الغربي" على السلطة، وإعادة وصل العلاقة معها. ونتيجة ذلك الانفتاح الليبرالي الوحشي والسريع، الذي أفضى إلى انهيار سريع في الصناعة والزراعة، والى إفقار الطبقات الشعبية. لذلك لم تكن الانتفاضة &laqascii117o;مؤامرة"، ولا جاءت بفعل &laqascii117o;إمبريالي"، بل نتجت من فعل نهب طويل فرض هذا الوضع.
الآن، ما هي ممكنات التدخل العسكري &laqascii117o;الإمبريالي"؟ أو هل الوضع الدولي يمكن أن يقود إلى ذلك؟
من يراقب المشهد يلاحظ بأنّ الولايات المتحدة على شفير الانسحاب من المنطقة بعد خروجها من العراق، رغم استمرار قواعدها في بلدان الخليج العربي. وأصبحت المسألة تتعلق الآن بالانسحاب من أفغانستان. وكان تدخل الناتو مجالاً لتوضيح أنّ أميركا ليست في وارد تدخل حقيقي، إذ لعب الناتو الدور الأساس، وشاركت هي جزئياً. والآن يعلن باراك أوباما إستراتيجية &laqascii117o;دفاعية" جديدة، تقوم على خفض ميزانية الدفاع وعديد القوات الأميركية، لكن الأهم هو تجاوز فكرة إمكان أميركا خوض حربين في الوقت ذاته، وهي الإستراتيجية التي قررها دونالد رامسفيلد منذ بداية القرن الجديد، ومن خلال التركيز على وسائل القتال غير التقليدية، أي تلك التي تتعلق باستخدام القوى الجوية فقط. ونتيجة ذلك، نقلت التركيز إلى منطقة آسيا والمحيط الهادي لمواجهة تحديات الصين.
بمعنى أنّ أميركا تجاوزت سياستها التي كانت تركّز على &laqascii117o;الشرق الأوسط" لمصلحة آسيا والمحيط الهادي، وأنّ وضع هذا &laqascii117o;الشرق الأوسط" بات متروكاً لأوروبا، أو باتت أوروبا هي المعنية به أكثر من خلال حلف الناتو، عدا الخليج الذي لا يزال تحت سيطرة القواعد الأميركية. وأوروبا، كذلك، تعيش أزمة عميقة نتيجة الديون السيادية التي تثقل كاهل الدول، خصوصاً أنّ إمكانية تحوّل أي تدخل في سوريا إلى حرب إقليمية، هي إمكانية كبيرة، نتيجة تخوّفات حزب الله من حصاره، وإيران من الاستفراد بها.
ذلك الوضع هو الذي يجعل كلّ الدول &laqascii117o;الغربية" تكرر في تصريحاتها (ولبعض أطراف المعارضة) أنّها ليست في وارد التدخل العسكري، ولا تبدو متحمسة لنقل الملف السوري إلى مجلس الأمن. وإبقاء الحوار مع روسيا للوصول إلى حلول وسط. وأن تُلقى المسألة على الجامعة العربية، التي أصبحت مهمتها هي للتلهي، و&laqascii117o;مط" الصراع، ليس نتيجة عدم نقل الملف إلى مجلس الأمن، بل نتيجة إرباك الصراع الداخلي، وتشويش اصطفاف القوى الداخلية. وبالتالي، ما يمكن أن يحصل هنا هو دور من مجلس الأمن مشابه للدور الذي مورس في اليمن، أي دعم المبادرة العربية، وأي نقل للملف إلى مجلس الأمن سوف يفضي إلى ذلك فقط.
إذن، الوضع الدولي لا يشير إلى إمكانية تدخل عسكري في سوريا. وهو الأمر الذي يجعل كلّ حديث عن مؤامرة هو مسخرة، ويجعل كلّ انطلاق مما كان يخطط له منذ تسعينات القرن العشرين، وجرت محاولة تنفيذه بعد احتلال العراق، سوء فهم ناتجاً من تكلس في النظر، لأنّه لم يلمس التغيّرات التي حدثت بعد الأزمة الإمبريالية، التي هي أعمق مما تبدو على السطح، وستفضي إلى انهيارات أكبر في السنوات القادمة.
لكن هناك تركيا. تركيا التي لا تبدو معنية بالتدخل العسكري رغم اهتمامها الكبير بالوضع السوري، لكون جارتها باتت مدخل &laqascii117o;سيطرتها" على المنطقة، وممرها التجاري، وكانت ولا تزال تريد أن ينتهي الصراع دون تحقيق تغيير جذري في السياسة الخارجية والاقتصادية السورية. وتركيا قادرة عسكرياً، وهي المدخل لأي دور يمكن أن يفكّر به حلف الناتو. وبالتالي فهي التي تمتلك قرار الناتو أكثر من أي دولة أخرى. لكنّها تريد سوريا لمصالحها هي وليس لمصالح الرأسماليات الأوروبية. الأمر الذي دفعها إلى الارتباك في التعامل مع الوضع السوري، وربما إلى التفكير في دعم تغيير &laqascii117o;يطابق" مصالحها. دون أن يتحقق ذلك عبر التدخل العسكري.
روسيا، كما أشرنا في مقال سابق، لا تريد التنازل عن وضعها &laqascii117o;الإستراتيجي" في سوريا، ويبدو أنّ الأزمة الأميركية فرضت أن تعترف تلك الأخيرة بالدور الروسي. ولذلك فإنّ التدخل &laqascii117o;الإمبريالي" يتحقق من خلال روسيا، التي يبدو أنّها من يمكن أن يصوغ الوضع، ربما بالتفاهم مع إيران وتركيا، لكي تبقى سوريا في &laqascii117o;حلف الممانعة"، لكن بعد تحقيق تغيير &laqascii117o;ديموقراطي" داخلي، يسقط السلطة ويبقي النظام.
بمعنى أنّ الوضع الدولي ليس معنياً اليوم بأي تدخل عسكري، وكل توهيم بأنّ الحل هو عبر التدخل الدولي هو تشويش على الانتفاضة، وتأخير في انتصارها. لكن أيضاً كل حديث عن مؤامرة هو دفاع صراح عن سلطة مافياوية نهبت وأفقرت المجتمع، وهي التي كانت تعمل على التكيّف مع الإمبريالية، وباتت تخضع الآن لقرار روسي.
ليس هناك مؤامرة، هناك شعب مفقر، تحكّم به الاستبداد لعقود، يريد أن ينهض ويقرر مصيره.


- 'السفير'
خطاب الأسد: كأن كل شيء على ما يُضام!
سلامة كيلة:

يوم العاشر من كانون الثاني، كان يتوقع أن يكون عادياً، لا استثناء فيه. الأمور العربية مضبوطة وفق إيقاعات صارت معروفة ومتوقعة بعد اندلاع الربيع العربي ونجاحه في تحقيق القليل الجميل، من الآمال بالحرية والكرامة والعدالة والمحاسبة. فمحاكمات الرئيس حسني مبارك وأعوانه، كانت تسير في سياقها الطبيعي: النيابة العامة تطلب الإعدام للرئيس المخلوع بسبب جرائمه، هو وبعض أعوانه، وكان هذا الأمر الفائق الأهمية، عادياً جداً، إذ افتقد عنصر الإثارة فيه. حتى فوز &laqascii117o;الإخوان المسلمين" والسلفيين كان متوقعاً. هذا الانقلاب الكبير في الحياة السياسية المصرية، وفي تغيير المشهد الاستراتيجي الإقليمي، كان عادياً، فلا مفاجأة مثيرة للاهتمام. حتى تعيين قائد الأركان الليبي، القادم من &laqascii117o;الثكنة السياسية الأميركية" لم يثر ضجيجاً، لأن للثورة المضادة أنياباً غربية شديدة الوطء كالاستبداد، فثمن مساعدة الناتو، هو القبض على الثورة من عنقها السياسي والعسكري، كأن الروزنامة العربية والإقليمية قد تخلّت عن الإثارة، في العام الجديد، بعدما كانت منذ عام بالتحديد، تعلن قيام &laqascii117o;الفاتح من عهد الحرية والديموقراطية والكرامة وحقوق الإنسان"...
يوم أول أمس، الواقع فيه العاشر من كانون الثاني، كان من الممكن أن يمر كغيره من الأيام، حاملاً عناوين قديمة: &laqascii117o;سقوط عدد من الضحايا في سوريا"، أو، &laqascii117o;المراقبون العرب يجولون في المناطق الساخنة ويتعرضون لبعض الخدوش"، أو &laqascii117o;لجنة المتابعة العربية بقيادة قطر تناقش مصير المراقبين"، أو، &laqascii117o;فشل اللقاء الإيراني التركي حول ملفات المنطقة ومنها العراق وسوريا ولبنان"... كل ذلك كان من &laqascii117o;الوجبات السريعة" التي تهضم بسهولة وتنسى بعد قيلولة أو محاضرة ترفيهية عن &laqascii117o;الربيع العربي"، يتداول الكلام فيها مثقفون لا يزالون يبحثون في جنس الثورة وألقابها الأكاديمية.
لم يكن أي شيء يشي بأن هناك شيئاً بارزاً أو لافتا أو ذا أهمية، يستدعي أن يظهر الرئيس السوري بشار الأسد، ليقول خطاباً... إلا إذا كان يحمل مفاجأة كبرى، بحجم الأزمة الفالتة من عقالها، منذ عشرة أشهر... لم يحدث أي تغيير على المشهد الداخلي: عمليات عسكرية، عمليات انتحارية، مواجهات، تظاهرات يومية، (بالعشرات أو بالمئات أو بالآلاف أو بعشرات الآلاف أو بمئات الآلاف، وفق المصادر الكاذبة من الطرفين، وقد اعتدنا على مبالغاتها وانتهازها)... كما أن المشهد الإقليمي على حاله: الجامعة العربية تعرج بين من يسرع إلى قرع طبول التدخل الدولي عبر تسليم الملف السوري إلى ذئاب مجلس الأمن، وبين من يريد أن يتريث لأسباب ملتبسة... كما أن المشهد الدولي مقفل، فالطريق إلى نيويورك غير سالكة، بسبب الفيتو الروسي والرفض الصيني.
كان كل شيء على حاله. لم يتغير أي أمر، لم تستفحل أي قضية، الدم المسفوك سبق أن سفك وسيسفك غداً. الاختلاف هو في عدد القتلى، وكيفية تقسيمهم بين قتلى السلطة وقتلى المعارضة. المعارضة السورية لا مفاجأت لديها. ما تم التوقيع عليه ذات ليل، محته قوى التأثير الإقليمية والدولية. لم تلتئم على وحدة أو تنسيق أو تفاهم. لغة التخوين في ما بين قواها، سائدة وقديمة. ولا دواء لها.
كان كل شيء يدعو إلى بؤس مستدام، بلا مخارج مفتوحة في سوريا.
فلماذا، في هذا اليوم بالذات، يقدم الرئيس بشار الأسد على اعتلاء المنصة؟ لا شك أن في الأمر غرابة. إذ، لا معجزات منتظرة، ولا حلول متوقعة، ولا حراك دولياً إقليمياً محلياً داخلياً يبشر بحل...
كان كل شيء على حاله، باستثناء جديد مبهم: &laqascii117o;هل يغلق مضيق هرمز، وكيف؟ متى؟ هل هذا تمرين للقوى؟ هل تجن أميركا وهي العاجرة عن التفكير بشكل سليم بعد العراق وأفغانستان؟ هل تجن إسرائيل، وفي تاريخها ما يشهد على &laqascii117o;عليَّ وعلى أعدائي"؟
حتى هذه... إلى جانب حصانة الرئيس اليمني المخلوع، كانت مدار سخرية سوداء... ما هذا الزمن الذي يفاوض فيه الرئيس، أو الرؤساء، على إخلاء سبيلهم وسبيل ما نهبوه من أموال، أرقامها مليارية؟
برغم كل ذلك، لا شيء أبداً، يستدعي أن يخرج رئيس جمهورية، أي رئيس جمهورية، ليقول شيئاً، إلا إذا كان فوق العادة.
[ [ [
لا شيء فوق العادة. المسيرة الانحدارية مستمرة بلا توقف. والمواقف لا تزال على حالها. الإصلاح يتعكز على خبراء السلطة، الأمن حديدي، الحراك الدولي مشبوه. قطر مستنفرة وتدور دواليبها في الهواء. والمبادرة العربية، خديعة تريدها الجامعة صفحاً، ويريدها النظام فرصة وبطاقة تستعملها روسيا لإظهار حسن سلوك النظام السوري.
&laqascii117o;فلسفة" النظام لم تتغير منذ طفولة الثورة، مع أطفال درعا، حتى لحظة اندلاع الاشتباكات المسلحة: الثورة مؤامرة، هذا هو عنوانها الدائم. لهذا، إذا قال الرئيس، لقد سقطت الأقنعة عن الوجوه، فذلك كي يؤكد المؤكد: المؤامرة، وأحصنتها، دول غربية، دول عربية، أميركا. والخلاص من المؤامرة، يفترض قبول مبدأ المقايضة بين مواقف النظام القومية، لقاء استمرار السلطة فيه بيد القيادة الراهنة.
لا إشارة البتة، سبقت الخطاب، تفيد إلى أن النظام اقتنع بأن الحراك في أساسه ومنطلقه ليس مؤامرة، لأن ظروف اندلاع الحراك شبيهة بثورة الياسمين في تونس، وثورة الأحرار في مصر، وثورة المضطهدين في ليبيا، وثورة المنبوذين في اليمن، وثورة المغدورين في البحرين. لا إشارة البتة إلى أن النظام اعترف بأنه نظام شمولي. وما يسمى عادة، بلغة مهذبة، أخطاء النظام، ليس صحيحاً. فالنظام كله غلط، لأنه نظام يقوم على مبدأ الاستبداد. وعمر النظام ومعاناة الناس منه مزمنة. لم تبدر أي إشارة من أحد، تفيد أن مقارنة موضوعية جرت بين النظام في سوريا، والأنظمة التي تشبهه في كل الأقطار العربية. وإذا كانت المواقف القومية ودعم المقاومة من الثوابت السياسية الخارجية لسوريا، فإنها اليوم لم تعد توازن أبداً، الثمن الذي يدفعه السوريون، عبر استمرارهم بالخضوع لنظام يمنع عنهم الحرية ويمارس ضدهم أساليب القمع البوليسية.
هذه الفضائل لم تعد وازنة في حساب السوريين. الذين برهنوا على عروبتهم بالثقافة والسياسة والكفاح، منذ سلطان باشا الأطرش وما بعده. وهم ليسوا بحاجة إلى دروس في العروبة، ولو شذ برهان غليون عن ذلك.
كل ذلك لم يحدث. لم يعترف بوجود أزمة حقيقية.
هذه المرة، اعترف رأس النظام بالأزمة، و&laqascii117o;هي صعبة جداً". قال الرئيس: إن ما تتعرض له سوريا هو &laqascii117o;معركة غير مسبوقة" في تاريخها الحديث، وهي تحمل في طياتها مخاطر كبيرة وتحديات مصيرية.
هذا اعتراف موضوعي. ولكنه لا يحتاج إعلان ذلك إلى خطاب رئاسي، يشرح فيه بإسهاب علامات &laqascii117o;الأزمة الكبرى". حيث، كما قال &laqascii117o;يُستعمل فيها سلاح الطائفية بعد تغطيته برداء الدين..." ويُصار فيها إلى &laqascii117o;اعمال التخريب والقتل والاغتيال وعزل المدن وتقطيع أوصال الوطن والسرقة والنهب وتدمير المنشآت العامة والخاصة".
هذا الاعتراف المستجد، يطوي ما كان يقوله النظام مراراً، على مدى ثلاث خطب: &laqascii117o;الأزمة صارت وراء ظهرنا". ها هي أمامنا إلى أجل غير مسمى. ها هي بكل ما تحمله من عناوين &laqascii117o;الخراب الرهيب".
[ [ [
كان يوم الثلاثاء في العاشر من كانون الثاني، يوماً عادياً في سياق التدفق العربي للأحداث. لم تحدث أي تغيرات في المشهد السوري، وفي كيفية النظر إلى الأحداث الدامية، كي يخرج الرئيس عن صمته، ليقول كلاماً حاسماً.
الشكوى من 60 محطة تلفزيونية معادية، يرد عليها وزير إعلام. الشكوى من مواقع الإنترنت والتويتر والحملات العدائية، يرد عليها بإعلام ذكي، وليس بإعلام أبكم، لا علاقة له بالإقناع، إذ، جل همه ان يمدح ويشتم. وهو في كلتا المباراتين فاشل، إزاء فجور الإعلام العربي المعادي لسوريا، الذي يرتكب من الموبقات الإعلامية، ما يندى له الحبر والحرف والجمل المفيدة والأخلاق الحميدة.
الشكوى من الجامعة العربية، لا تستدعي أكثر من الوزير وليد المعلم. فهو يتقن لغة المواجهة والمواربة، ولو أحرج مراراً بصدقيته، ليس لعلة منه، بل بسبب ما يدس عليه من معلومات غير دقيقة، ومشاهد تلفزيونية مقرصنة بغباء.
الشكوى من تباطؤ الإصلاح، يرد عليها بطرق كثيرة، أهمها، ان تتولى عملية الإصلاح، هيئة منتقاة من شخصيات تمثل تكوينات المجتمع السوري. تلك التي في الشارع وفي التنسيقيات، وتلك التي لا تزال عقولها فوق أكتافها، والتي تعارض بشدة النظام القائم، وتعارض بأشد منه، أي تدخل خارجي. ليس المطلوب شخصيات تمثل نفسها، بل تيارات سياسية قديمة ومستجدة. ولا تكون أحزاباً عاشت تحت إبط النظام.
الشكوى من مخططات الخارج، ليست جديدة. فطول عمرها سوريا، بسبب مواقفها القومية، معرضة لسياسات عدوانية... إلا أن هذه المعارضة الداخلية، ليست وليدة مخططات الخارج. الذين يندفعون ويقتلون ويصرون على التغيير، هم سوريون، ثم هم سوريون، وإلى الأبد سوريون، وما بدلوا تبديلاً.
والشكوى من أن هؤلاء، ليسوا إلا مرتزقة وعصابات مسلحة وحركات إرهابية، لا تنفع ولا تغير. فلقد سبق أن استعمل سلاح &laqascii117o;شيطنة" المعارضة دائماً، قبل الثورة وإبانها، قبل اندلاعها في تونس وشقيقاتها، وبعد انتصارها هناك وتعثرها هنا وهنالك،... لقد اتهمت بالإسلامية، والإرهاب، والعمالة للأجنبي... لم يعد مفيداً ان يشمل النظام ويجمع المعارضين السلميين، وهم الأساس، مع &laqascii117o;العصابات المسلحة" و&laqascii117o;عناصر مندسة". هذا الاستعماء غير مجدٍ.
الشكوى من استعمال السلاح يُردّ عليها بإقامة السلم الأهلي، وهو ما لم يحن أوانه بعد، لأن المواجهات مستمرة... الشكوى من تدفق السلاح، لا حل له أبداً بالحمايات الأمنية. (العراق نموذج. لبنان الحروب الأهلية نموذج). الشكوى من تدفق الأموال، لا حل له أبداً. (أموال الخليج السائلة، هناك من يسأل عنها في أيام المحنة وأزمنة المواجهات. أيضاً العراق ولبنان نموذجان).
لم يكن هناك شيء لافت يشي بأن يوم العاشر من كانون الثاني، يحتمل خطاباً استثنائياً. فلم تسبقه بارقة أمل، ولا صحبته، حمّى ميؤوس من شفائها. أو كارثة تستدعي الطمأنة.
كانت الأمور تسير في سياق التدهور المعروف. يوماً بعد يوم. شهراً بعد شهر... إلى يوم ليس بقريب.
[ [ [
والتأم نصاب النخبة ونصاب الإعلام، لتستمع إلى خطاب طويل جداً، الجديد فيه، حكومة ملتبسة الشكل والمهمات، قد ترى النور ذات يوم، إذا صفت النوايا، وهي ليست صافية البتة. والجديد الآخر، قديم جداً:
&laqascii117o;الانتصار قريب جداً". هكذا قال في مطلع خطابه. إنما الانتصار على مَن وكيف؟ تلك هي المسألة: &laqascii117o;الأولوية، هي استعادة الأمن الذي نعمنا به لعدة عقود، وكان ميزة لنا، ليس في منطقتنا فحسب، بل على مستوى العالم.." إذاً، المسألة أمنية، لا سياسية.
إذاً، هذه هي الأولوية، للانتصار على الأزمة. استتباب الأمن. كما كان سابقاً.
كيف يستتب الأمن؟ الرئيس واضح: &laqascii117o;هذا لا يتحقق إلا بضرب الإرهابيين القتلة بيد من حديد، فلا مهادنة مع الإرهاب، ولا تهاون مع مَن يستخدم السلاح الآثم، لإثارة البلبلة والانقسام. ولا تساهل مع مَن يروّع الآمنين ولا تسوية مع مَن يتواطأ مع الأجنبي ضد وطنه وشعبه".
هذا هو الشيء الجديد القديم الذي تقدم في أولويته على الإصلاح، والحوار، والحكومة الوطنية... وهذا حل تم تجريبه منذ عشرة أشهر ولم ينفع. فالدم يستسقي الدم، والعنف يستدعي العنف، والاستقواء بالعسكر يواجه بطلب الاستقواء بالخارج، وعدم الاعتراف بشرعية مطالب المعارضة المزمنة، يسوّق لشعار لا شرعية لأحد في هذا النظام، والمطلوب إسقاطه.
لا جديد البتة. فلمَ هذا الخطاب. هل كان الهدف منه، ان لا يكون له هدف؟
[ [ [
اليوم، هو يوم الخميس في الثاني عشر من شهر كانون الثاني. أشعر أن يأساً ينتابني، وأحزاناً دفينة تقتات من روحي. فسوريا بعد عشرة أشهر أخرى، ستكون على أسوأ ما يضام... القبضة الأمنية مقتلة: كم قتيلاً بعد؟ كم شهيداً بعد؟ كم دموعاً بعد؟ كم يتامى بعد؟ كم أرامل بعد؟ كم بكاء بعد؟ كم نشيجاً بعد؟ كم أحقاداً بعد؟ كم دماراً بعد؟ كم هيكلاً بعد &laqascii117o;عليَّ وعلى أعدائي".
النظام يكرر نفسه. لا سبيل له حتى الآن، لتقديم نص يتنازل فيه عن أخطائه التي تسببت بنشوب ثورة، تحاول القوى المعادية للأمة، امتطاءها وحرفها وتشويهها؟
المعارضة في الخارج، أوت إلى الدب الدولي. تريده غداً في الكرمة السورية، قادماً &laqascii117o;لحماية المدنيين" قضماً، بالطائرات والصواريخ والبوارج. ولولا &laqascii117o;ملائكة الروس"، لكانت سوريا حذو ليبيا، ولولا آيات الله الإيرانية، لكنا نقرأ الفاتحة على أرواح السوريين.
اليوم هو يوم آخر...
غداً هو يوم آخر كذلك... وكل الأيام التالية، مربوطة بما يحدث في سوريا. بها تتغير خريطة العالم العربي، وتتغير التحالفات، إذا سقط النظام. وبها تصمد المقاومة وتترسخ سياسة المواجهة مع قوى الاستكبار، إذا حسب النظام أرباحه الاستراتيجية وتخلى عن مكاسبه الداخلية... وبها أيضاً تربح المعارضة، إذا استطاعت أن تخوض نضالها، بالسلمية المطلقة، هذه السلمية، الأقوى في المواجهات، والتي يكرهها النظام. ويعتبرها العدو الذي لا يقهر. لأن سلاحها قبضاتها.
لا وقت بعدُ لهذا الكلام الوارد أعلاه، فهذه أضغاث أحلام وكوابيس ما بعد الخطاب.
إنه وقت للصبر على الشدائد. لا ينجو الربيع عادة من العواصف. ولكنه يظل ربيعاً. فالزمن العربي لن يعود إلى الوراء. تلك هي سنة الثورة العربية الديموقراطية.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد