قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الجمعة 20/1/2012

- 'النهار'
أميركياً وروسياً المصالح أولاً... لا القِيَم
سركيس نعوم:

تخوض روسيا معركة المحافظة على نظام الاسد في سوريا الذي تثور عليه غالبية شعبها. فهي قدمت ولا تزال تقدم له الدعم السياسي من خلال مواقف رسمية تؤكد فيها ان اصلاح النظام مطلوب وليس اسقاطه، وان العنف لا تقتصر ممارسته على السلطة. فالثوار يمارسونه وخصوصاً بعدما بدأوا يجنحون نحو عسكرة تحركهم. وقدمت له ايضا حماية دولية وذلك عندما مارست حق النقض في مجلس الامن، الذي كانت اميركا وحلفاؤها الكبار من اعضائه يعملون لاستصدار قرار عنه يدين نظام الاسد وارتكاباته في حق شعبه ويدعوه الى الاصلاح الجدي والفعلي، ويعدون لاسقاطه بكل الوسائل الممكنة اذا لم تكن مواقفه متجاوبة. كما قدمت له فرصة غير مباشرة عندما صعّدت موقفها المؤيد لايران الاسلامية الرافض اي عمل عسكري ضدها وخصوصاً عندما بدأت طبول الحرب في الخليج تُقرع بينها وبين اميركا وحلفائها العرب. هذا فضلاً عن التحرك المبدأي الذي قامت به روسيا بإرسالها قطعاً من اسطولها البحري الى قاعدتها البحرية في طرطوس السورية، والذي ارادت من خلاله الايحاء للعالم انها لن تتوانى عن استعمال القوة في مواجهة اعداء نظام دمشق في المنطقة والعالم.
طبعاً لم ترتح غالبية السوريين بما في ذلك الثوار للموقف الروسي لأنه منحاز الى الظلم والقمع والديكتاتورية والفساد، ولأنه يستهدف في النهاية 'الاسلام العريض' رغم ان مشكلته هي مع فريق منه داخل بلاده يؤمن بالعنف ضد الكفار وغير المسلمين اجمالاً. ولم ترتح غالبية الدول العربية للموقف الروسي ايضاً لأنه ظالم ومنطلق من مصالح روسية وطنية، ولأنه بمساعدته نظام الاسد يساهم في ابقاء ايران قوية ولاعباً اساسياً في الشرق الاوسط هي التي تشكل الخطر الاكبر حالياً على العرب. واخيراً لم ترتح اميركا وحلفاؤها الغربيون الى مواقف موسكو لأنها تعرقل نجاح الربيع العربي الذي يمس مصالحها الاقليمية على نحو مباشر. ويستعمل هؤلاء في معركة تأييدهم ثوار سوريا كل القيم التي يحاول ثوار سوريا وكل الثوار العرب تحقيقها مثل الحريات والديموقراطية واحترام حقوق الانسان.
هل الحملة على المواقف الروسية من 'ربيع سوريا' في محلها؟
هي كذلك من دون ادنى شك. فالنظام السوري لا يُدافع عنه. و'مآثره' معروفة. والدوافع المصلحية لموقف موسكو معروفة بدورها، وأهمها على الاطلاق حرص قادتها على مواجهة محاولة الاحتواء التي مارستها اميركا عليها ولا تزال منذ انهيار نظامها الشيوعي السابق. وهي لن تقاتل من اجل نظام الاسد، وربما تتخلى عنه اذا نالت ما يؤمن مصالحها من الاميركيين، لكن ذلك لا يمنع لفت الناس الى ان اميركا ليست 'احسن' من روسيا في المُطلق.
ففي الموضوع الفلسطيني يعتبر العالم كله او على الاقل بغالبيته ان اسرائيل تعرقل التسوية لأنها ترفض حل الدولتين الحقيقيتين، وترفض التخلي عن القدس، وتحاول توسيع الاستيطان لقضم اكبر مساحة ممكنة من الضفة الغربية. ويعتبر ان اميركا، ورغم دعوتها الى قيام الدولتين، لم تمارس  الضغط اللازم على اسرائيل لتسهيل التوصل اليه. فالرئيس اوباما قال في الامم المتحدة في ايلول الماضي ان الفلسطينيين يستطيعون الوصول الى الدولة المستقلة فقط من طريق المفاوضات مع اسرائيل. علماً انه يعرف ان التفاوض معها لن يجدي لأن المواقف الرفضية لحكومتها نهائية. وهو لم يهدد في خطابه انه سيمارس 'حق النقض' ضد اسرائيل في مجلس الامن اذا انتقل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي اليه وذلك يعني ان اسرائيل تستطيع الاستمرار في رفضها بكل اطمئنان. علماً ان اميركا مارست سابقاً 'حق النقض' في المجلس المذكور حماية لاسرائيل. وكان ذلك ضد مصلحة السلام في المنطقة وضد العدالة وضد حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
طبعاً قد تبرر اميركا مواقفها المنحازة الى ظلم اسرائيل للفلسطينيين بحاجة سياسييها وحزبييها الى اللوبي اليهودي الاميركي المؤيد لهم في الانتخابات وغيرها. وقد تبررها بالحاجة الى حليف استراتيجي ثابت ودائم في الشرق الاوسط المتحرك في استمرار والمتحول في استمرار. والتحول والتحرك يهددان دائماً المصالح الحيوية والاستراتيجية الاميركية. لكن هذه التبريرات على وجاهتها لا تلغي حقيقة مهمة هي ان اميركا الديموقراطية والمدافعة عن حقوق الانسان والحريات في العالم تتغاضى عن هذه القيم عندما تقضي مصالحها بذلك. وهناك امثلة على ذلك هذا الامر الموضوع الفلسطيني.


- 'السفير'
محطة أخيرة ..الحرب الآتية
ساطع نور الدين:

حتى الان، هي أشبه ما تكون بمناوشات حدودية تدور بين وحدات جانبية متمركزة في مواقع غير متقدمة. لكنها تنذر كما يبدو بحرب طاحنة يمكن ان تعيد المنطقة كلها الى حقبة ما قبل اختراع الهاتف.
ليس هناك مجال لوقف اطلاق النار ولنشر قوات فصل او فض اشتباك. فالمتحاربون على جانبي الحدود، وهو تعبير مجازي الى حد بعيد، لان أحدا لا يستطيع رسم مثل هذه الحدود، هم عبارة عن مجموعات من الأشباح التي تتحرك في الظلام، وتنفذ عملياتها بأساليب خيالية، وتقدر انتصاراتها وخسائرها بطريقة تكاد تكون وهمية.
يمكن بسهولة التكهن في شكل هؤلاء المحاربين المستقبليين الذين يختلفون تماماً عن صورة الجندي المقاتل المحفورة في الأذهان منذ القدم والتي لم يطرأ عليها الكثير من التعديلات سوى في أسلحة القتال وأدواته: الأرجح انهم مجرد مراهقين، ثقبوا أنوفهم وآذانهم بالدبابيس، وأغلقوا على انفسهم غرفهم المعتمة والمليئة بعلب المشروبات الفارغة وبقايا الوجبات الخفيفة، وجلسوا بثيابهم الداخلية امام شاشة مسطحة واسعة، وشرعوا في اختيار أهدافهم وتحديد تكتياتهم، المستمدة من ألعابهم المفضلة على الجهاز السحري، ثم بدأوا اطلاق النار الذي لا يصدر صوتا ولا يسفك دما ولا يكلفهم سوى كبسة او ربما لمسة، وترقبوا الصرخة الآتية من الجهة المقابلة من الجبهة، او بالتحديد من الغرفة المعتمة التي يتحصن فيها العدو أيضاً.
هم رواد حروب المستقبل، التي خصصت لها الدول الكبرى الميزانيات الضخمة والأجهزة الاكثر تطورا واعدت لها الخطط والكوادر المتخصصة في خوض معركة حقيقية تؤدي في خلال دقائق ومن دون إسقاط قطرة دم واحدة الى إسقاط دول واستسلام شعوب وانهيار اقتصاديات وبناء نظام عالمي جديد .. او ارساء عالم الغاب المقبل الذي لا صمود فيه ولا بقاء الا للأقوى والأقدر في مجال التكنولوجيا.
لكن هؤلاء الرواد العرب ما زالوا اشبه بالفدائيين الذين تمرسوا في حروب العصابات التكنولوجية، من دون ان يستندوا إلى دولة عربية او ربما الى تنظيم عربي يدعمهم ويعطيهم ويحميهم، بخلاف العدو الاسرائيلي الذي سبق أن اعد العدة لمثل هذه المعركة وجهز لها المئات من خبرائه ومراكزه العسكرية وصرف لها ميزانية تقدر بمئات ملايين الدولارات.. تحسبا لمثل هذا اليوم الذي يستيقظ فيه نفر من الشباب العربي ليسد فجوة الصراع المعطل على جميع جوانبه العسكرية والسياسية والاقتصادية، ويكمل المسيرة ضد الكيان الغاصب الذي كان يقدم باعتباره معجزة العصر وسره الذي لا يخترق.
هي مناوشات محدودة، تهدف كما يبدو الى اختبار عناصر قوة العدو ومكامن الخلل في تحصيناته، لكن الحرب الالكترونية آتية لا محالة . ثمة جيل عربي شاب لن يسلم او يستسلم امام اسرائيل، مثلما لم يسلم أمام اي قهر او استبداد.


- 'السفير'
حاملة الطائرات الأميركية لم تعد بعد
حبيب فياض:

توتر غير مسبوق بين إيران والغرب. ما بين الجانبين أقل من حرب وأكثر من تصعيد. الحرب هذه تكتمل عناصرها بانتظار بضع خطوات تؤدي إليها: تخصيب اليورانيوم الإيراني تجاوز الخطوط الغربية الحمراء ولامس عتبة الـ 20%. المعسكر الغربي قرر الرد مبدئياً بعقوبات مشددة على قطاع النفط الإيراني. طهران سترد بإقفال مضيق هرمز إذا ما تحول القرار الأوروبي المبدئي إلى إجراء فعلي يمنعها من تصدير نفطها. الغرب لن يبقى متفرجاً وسيعمل على فتح المضيق.
لكن أميركا لن تقبل الذهاب بأزمتها مع إيران حدّ الصدام العسكري. التجنب الأميركي للمواجهة المباشرة ليس مرتبطاً بالانتخابات الأميركية. ولم يعد متوقفاً على ظروف آنية. الأمر يرتبط بتوازنات استراتيجية بين الجانبين على مستوى الإقليم. ثمة مسارات تتحرك بدفع أميركي على خط أزمة إيران والغرب لقطع الطريق على المواجهة بينهما. وإذا لم تؤدِ هذه المسارات إلى لجم التصعيد، فهي بالحدّ الأدنى قد تؤدي إلى تأخير الخيار العسكري، ما أمكن.
وساطة تركية غير معلنة، وبتكليف أميركي، لفتح قناة تفاوضية بين طهران والعواصم الغربية. وزير الخارجية الإيراني يتحدث من اسطنبول عن إمكان استئناف التفاوض بين الجمهورية الإسلامية والدول الست. إيران ستقبل بالعودة إلى المفاوضات بهدف شراء المزيد من الوقت. أميركا، من جهتها، ستذهب إليها لتخلق منها فرصة، تمهد لتسوية شاملة بين الجانبين، أو على الأقل تتخذ منها ذريعة لتجنب الحرب التي لا تريدها. الغرب يدرك أن المسألة النووية الإيرانية باتت أمراً منجزاً وغير قابل للمساومة. وإذا كان نشاط إيران النووي، قبل الآن، عقدة التفاوض، فهو اليوم أقرب إلى كونه مناسبة لتفاوض جديد، لا يقف عند حدود المسألة النووية بل يتجاوزها إلى الملفات الأخرى.
رسالة من أوباما إلى قائد الثورة الإيرانية عبر ثلاث قنوات (عراقية، سويسرية، أممية). الرسالة حملت دعوة إلى التهدئة، وقذفت بكرة التصعيد والمواجهة إلى الملعب الإيراني. من الواضح أن لأميركا مصلحة، ولو مرحلية، في تخفيض سياساتها الاستفزازية تجاه إيران إلى حدها الأدنى. فواشنطن تأخذ على محمل الجدّ استعدادات إيران وتحركاتها لخوض مواجهة عسكرية. حرص الولايات المتحدة على التهدئة بلغ حداً اضطرها إلى تنبيه طهران، ولو إيحاءً، إلى مساعي يقوم بها البعض لزجّ الجانبين في مواجهة عسكرية، وذلك في إشارة ضمنية إلى إسرائيل. وتبرؤ واشنطن من اغتيال العالم النووي الإيراني ليس سوى محاولة لفصل الأداء الأميركي عن الإسرائيلي في التعامل مع الأزمة الإيرانية.
الإعلان عن تأجيل المناورات الأميركية ـ الإسرائيلية، إلى نهاية العام، لم يكن لأسباب لوجستية. فالتأجيل الذي جاء بمثابة إلغاء، لا يعدو كونه خطوة تراجعية من قبل واشنطن تجنباً لاستفزاز طهران، حتى لو أدى الأمر إلى استياء حليفتها إسرائيل. وإذا كانت الأسباب اللوجستية قد حالت دون حصول المناورات تلك، فما هي الأسباب التي حالت دون عودة حاملة الطائرات الأميركية &laqascii117o;جون سي ستينيز" إلى مياه الخليج؟.
الإعلان عن تأخير العقوبات الأوروبية النفطية على إيران إلى شهر تموز المقبل، لا يبدو أنه بعيد عن الرغبة الأميركية في سدّ ذرائع تسخين المواجهة مع طهران، ويشكل دليلاً إضافياً على عجز المعسكر الغربي في التعامل مع أزمة إيران النووية منذ أكثر من عشر سنوات. وفي حال تسنى، يوماً ما، تنفيذ هذه العقوبات، فهي لن تكون أكثر من قرار يقضي بامتناع أوروبا عن شراء النفط الإيراني، وليس إجراءً يمنع طهران من تصدير نفطها. وذلك تجنباً للوصول إلى يوم يضطر فيه الغرب إلى فتح المضيق.
الغرب لا يريد المواجهة مع إيران من الخارج، لكنه لن يوفر جهداً لمواجهتها من الداخل، فهل &laqascii117o;ينجح" في الانتخابات البرلمانية الإيرانية في آذار المقبل؟.


- 'السفير'
New York Times ـ توماس فريدمان:
مصر ليست إيران

الدلائل الراهنة تشير إلى أن الولايات المتحدة تواجه تحدياً جدياً في التعامل مع الإسلاميين الذين حجزوا لأنفسهم باكراً في موقع &laqascii117o;المستفيدين الأوائل" من الربيع العربي. إحدى هذه الدلائل تمثلت في ما قاله رئيس حزب &laqascii117o;العدالة والحريّة" المصري محمد مرسي خلال لقائه بنائب وزيرة الخارجية الأميركية بيل بيرنز عن أن حزبه &laqascii117o;مؤمن بأهمية العلاقات الأميركية ـ المصرية..لكن لا بدّ أن تحافظ على توازنها".دلالة أخرى: خلال اليومين الأخيرين، تصفحت العديد من المواقع الإسلامية وكانت تعجّ بكتابات معادية للسامية وإنكار للمحرقة بطبيعة الحال، إلى جانب تعليقات هجومية على الشخصية اليهودية الجشعة والشيطانية.. تخلل هذه الكتابات دعوات لقتل الصهاينة والهجوم على السفارة الإسرائيلية في مصر، كجزء من التدليل على &laqascii117o;إنجازات" الثورة المصريّة.في الواقع، هناك طريقتان يمكن من خلالهما قراءة الموقف الإسلامي الجديد تجاه أميركا. الأول: يتمتع &laqascii117o;الإخوان المسلمون" وغيرهم من الإسلاميين بالقدرة على خداع الأجانب وتحديداً الأميركيين، وجعلهم يسمعون ما يودون سماعه، أما الثاني فهو أنهم لم يكونوا ليتوقعوا أبداً ما حققوه من سيطرة على البرلمان، وما يجرّه ذلك من مسؤوليات في المرحلة الانتقالية، وبالتالي فإنهم ما زالوا يختبرون كيفية التوفيق بين إيديولوجيتهم الخاصة ومسؤولياتهم العامة الجديدة. وبرأيي يصحّ الخياران معاً.من هنا، ينبغي أن نتجنب التفاؤل المتسرّع (على شاكلة اجتمعت معهم ويبدو أن طروحاتهم معقولة للغاية) والمخاوف المتسرّعة (الإسلاميون يعدون خطة سرية للسيطرة على مصر مثلاً). مع الإشارة إلى ضرورة عدم زجّ تجربة حزب &laqascii117o;العدالة والتنمية" التركي في خانة التفاؤل المتسرّع في كل مرة. وفي هذا الصدد، على السياسة الأميركية أن تعي أن &laqascii117o;الإخوان المسلمين"، كما كل حزب، يضم المعتدلين والوسطيين والمتطرفين إلى جانب رجال الأعمال الصغار. أما أي تيار ضمن الحزب سيكون له السيطرة الأكبر على سياسته المستقبلية، فهذه مسألة مفتوحة تحدّدها الأيام المقبلة. أما الآن فعلى أميركا أن تقدم صورة ثابتة وهادئة بشأن سياستها في التعامل مع الإسلاميين في دول &laqascii117o;الربيع العربي"، وأن تقدّم لخطاب مفاده"إن الولايات المتحدة تؤمن بالانتخابات النزيهة الحرة وحقوق الإنسان والمرأة والأقليات والسوق الحرة وحكم مدني للجيش والتسامح الديني ومعاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، وسنقوم بمساندة من سيحترم تلك المبادئ".إن مصر اليوم ليست إيران، و&laqascii117o;الإخوان المسلمين" ليسوا نسخة عن المسيحيين الديموقراطيين، فهناك عملية حراك سياسي تجري الآن داخل المجتمع المصري. والسبيل الأفضل لكي يكون للأميركيين تأثير فيما يحدث، لا بدّ أن يأتي عن طريق العمل على وضع مبادئ وأسس للخطاب الذي سيتعاطون به مع الإسلاميين والمؤسسة العسكرية في مصر. وعليه، على واشنطن أن تدعم المؤسسة العسكرية المصر لتنشئ دوراً &laqascii117o;بناءً" على غرار الدور الذي لعبته المؤسسة العسكرية في تركيا وليس في باكستان.وفي النهاية، على أميركا ألا تنسى أن أيام التعامل مع مصر باتصال هاتفي واحد، لرجل واحد، مرة واحدة فقط، قد ولت. وسوف يتطلب الأمر منها الآن الكثير من الدبلوماسية.
توماس فريدمان
ترجمة: هيفاء زعيتر


- 'الحياة'
هل يستطيع نظام الأسد البقاء؟
باتريك سيل:

لا يبدو أنّ الرئيس السوري بشّار الأسد يواجه خطر السقوط أو الإطاحة به فوراً. فعلى رغم أنه يواجه انتفاضة شعبية في الداخل وضغوطاً قاسية من الخارج، فقد تمكّن، أقله حتى هذه اللحظة، من مقاومة الرياح التي تعصف به. إلا أنّ الصعاب التي تعترضه تبدو هائلة. ففي خطاب ألقاه في 10 كانون الثاني (يناير)، وصف الأزمة التي يواجهها بأنها &laqascii117o;معركة غير مسبوقة في تاريخ سورية الحديث".
ويُجمع عدد كبير من المصادر الموثوقة داخل سورية وخارجها أنّ الأسد الذي نجح في التصدّي لأعدائه منذ آذار (مارس)، يحظى بفرصة كبيرة في البقاء لأشهرعدة أخرى. إلا أنّ حظوظه بالبقاء على المدى الطويل تبدو غير أكيدة.
لقد حاول الرئيس السوري الذي يعدّ مناوراً محنّكاً كسب الوقت. وساهمت موافقته على السماح لمراقبي الجامعة العربية بزيارة بلده في إراحته من بعض الضغوط لمدة شهر وربما شهرين. وفي إطار التعاطي مع المتظاهرين، استخدم سياسة الجزرة والعصا إذ عمد أخيراً إلى إصدار عفو عام عن السجناء السياسيين واقترح إجراء حوار فوري مع المعارضة وقطع من جديد وعداً بمراجعة الدستور الذي سيخضع لاستفتاء شعبي على أن يتمّ بعد ذلك إجراء انتخابات متعدّدة الأحزاب في بداية الصيف. كما وافق على منح ترخيص لحزبين في هذا الأسبوع.
ويعتبر بعض المصادر أنّ بقاء الأسد على المدى الطويل يعتمد على قدرة إيران التي تعدّ حليف سورية المقرّب، على الصمود. وتواجه إيران التي تتعرّض لعقوبات غربية تصيبها بالشلل، محاولة لا تهدف إلى وقف برنامج تخصيب اليورانيوم فحسب الذي ترى فيه إسرائيل تحدّياً لاحتكارها الأسلحة النووية، بل إلى تغيير النظام الإيراني بالكامل. وشنّت الولايات المتحدّة وإسرائيل بدعم من عدد من الدول الأوروبية والعربية التي اجتمعت من أجل تحقيق مصالحها التجارية والمذهبية أو الاستراتيجية هجوماً واسعاً على الائتلاف الثلاثي الأطراف الذي يضمّ طهران ودمشق و&laqascii117o;حزب الله". وتكمن &laqascii117o;جريمة" هذا الثلاثي في تجرّؤه على تحدّي هيمنة أميركا العسكرية في الخليج وهيمنة إسرائيل العسكرية في المشرق. ويعلم الحلفاء الثلاثة أي إيران وسورية و&laqascii117o;حزب الله" أنهم يبقون معاً أو يسقطون معاً. ومن المرجّح أن تكون المعركة محتدمة.
تواجه إيران حملة منهجية تهدف إلى القضاء على منشآتها النووية من خلال شنّ هجوم عبر الإنترنت واغتيال العلماء وتقويض اقتصادها عبر مقاطعة صادراتها النفطية وبنكها المركزي. ولا تألو إسرائيل وحلفاؤها الأميركيون جهداً من أجل دفع الولايات المتحدّة إلى شنّ هجوم على إيران تماماً كما دفعوا الولايات المتحدّة إلى اجتياح العراق وتدميره. وفي حال خضعت إيران أمام ضغط العقوبات والتهديدات العسكرية، قد تنهار سورية. وقد يواجه &laqascii117o;حزب الله" الذي سيصبح بدوره محروماً من حلفائه الخارجيين محاولة إسرائيلية أخرى للقضاء عليه كما حصل عام 2006.
ويركّز بشّار الأسد انتباهه على الخطر الذي تفرضه هذه &laqascii117o;المؤامرة الأجنبية" على سورية. فأشار في خطابه إلى أنّ هذه المؤامرة هي الأخيرة من بين عدد من المؤامرات المماثلة. إذ تمّ اجتياح العراق عام 2003، و&laqascii117o;تمّ التهديد بقصف سورية وغزوها". واستغل الأعداء نفسهم اغتيال رفيق الحريري عام 2005 لإخراج القوات السورية من لبنان ولمحاولة إسقاط النظام السوري. وعام 2006، اجتاحت إسرائيل لبنان وعام 2007 قصفت منشأة سورية نووية مزعومة وعام 2008 شنت هجوماً على قطاع غزة، معرّضة في كلّ مرّة سورية للخطر. إلا أنّ الأسد أعلن متحدياً &laqascii117o;لن نسمح لهم بهزيمة سورية ... فالمقاومة هي جوهر هويتنا".
يعتبر الأسد أنّ معارضيه المحليين هم حلفاء أعدائه الخارجيين، وأنهم ليسوا متظاهرين شرعيين ضد الفساد وعنف رجال الشرطة وبطالة الشباب الحادّة والنقص في الحريات الأساسية. وساهم استخدام بعض هؤلاء المعارضين السلاح وقيامهم بقتل الجنود ورجال الشرطة وتدمير الممتلكات العامة في دعم حجته. فهو يبدو عازماً على &laqascii117o;القضاء على هؤلاء الإرهابيين القتلة ... لا يمكن المساومة مع الإرهاب".
هذه هي عقليته وهذا هو تبريره للقمع الدامي خلال الأشهر العشرة الماضية الذي تمثّل في عمليات قتل واسعة النطاق وزجّ عدد كبير من الأشخاص في السجن إلى جانب الضرب والتعذيب. وتسبّبت هذه الوسائل الوحشية بتصدع في المجتمع السوري وعزّزت التوترات المذهبية. كما أنها أضرت بصورة سورية وبسمعتها الدولية. وسيكون من الصعب أن يبرأ الجرح الداخلي. كيف سيتعلّم السوريون أن يعيشوا مع بعضهم البعض مجدداً؟ قارن مصدر سوري الوضع الحالي مع ذلك الذي واجهه الفرنسيون حين عمل المقاومون والمتعاونون بعد انتهاء الاحتلال الألماني على إعادة إعمار مجتمعهم المتصدّع بعد الحرب العالمية الثانية.
لقد انهارت السياحة في سورية فيما خسر سوق الأسهم 50 في المئة من قيمته وتراجع معدل سعر صرف الليرة أمام الدولار في السوق السوداء من 49 إلى 67 ليرة سورية. وبدأت إمدادات الوقود تنفد فيما برز العجز في الموازنة. إلا أنّ سورية تحظى بقدر كبير من الاستقلال الغذائي وفي حال اعتمدت سياسة التقشّف، يمكن أن تصمد في وجه العقوبات والمقاطعة.
أما نقطة القوة الوحيدة التي تساهم في تعويم النظام فهي ولاء الجيش والقوات المسلحة المستمر له. فالانشقاقات تبدو قليلة في صفوف هذه الأجهزة. وطالما أنّ هذا هو واقع الحال، لن تكون المعارضة قادرة على إسقاط النظام كما لا تستطيع الاعتماد على التدخّل العسكري الخارجي لا سيّما أنّ أي بلد غربي أو عربي ليس مستعدّاً لاستخدام القوة. قد تبحث تركيا إمكان التدخّل في حال تهدّدت مصالحها الحيوية جرّاء الدعم السوري لحزب العمّال الكردستاني الذي حمل السلاح ضد الدولة التركية.
وفي مجلس الأمن الدولي، ستحمي روسيا والصين سورية من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أيّ قرار يتيح استخدام القوة. وبوسع سورية الاعتماد على العراق والجزائر والسودان لتفادي تدويل الأزمة. ويصب تراجع دور أميركا بعد انسحابها من العراق وإخفاقها في أفغانستان وحذرها من المغامرات الخارجية وتقليص موازنتها الدفاعية في مصلحة سورية.
كما يصب عاملان مهمّان في مصلحة النظام، هما إخفاق المعارضة في التوحّد حول زعيم واحد أو حول مشروع سياسي واحد واستمرار شريحة كبيرة من الشعب في دعم النظام. ويبدو أنّ الأقليات مثل العلويين والمسيحيين والدروز والموظفين المدنيين والضباط والتجّار البارزين في دمشق وحلب والطبقة البرجوازية الجديدة التي تضمّ عشرات الآلاف من الأشخاص والتي أنشأها النمط الاقتصادي الليبرالي الجديد في العقد الماضي، قلقون من تغيّر النظام. فهم لا يشعرون بأن المتظاهرين في الشوارع أو المعارضة في المنفى يمثلونهم.
وحين يتذكر السوريون الدمار الكبير الذي تسببت به الحروب الأهلية في البلدان المجاورة لهم في لبنان والعراق، يخشون من مواجهة المصير نفسه. فالجميع يتخوفون من اندلاع حرب أهلية طائفية. وينتظر &laqascii117o;الإخوان المسلمون" في سورية، الذين يعدّون العنصر الأقوى في المعارضة، الثأر من قمع انتفاضتهم في مدينة حماه عام 1982. وفي نهاية السبعينات، نفّذوا حملة إرهابية ضد نظام والد بشار، حافظ الأسد. وفي أحد عملياتهم الإرهابية، تمّ إطلاق النار على 83 طالباً علوياً في المدرسة الحربية في حلب عام 1979. وحين استولوا على حماه قتلوا أعضاء في حزب البعث ومسؤولين حكوميين. وأرسلت الحكومة قواتها لاستعادة المدينة، ما أدى إلى مقتل حوالى 10 آلاف شخص. ولا يزال الرقم النهائي للضحايا متنازعاً عليه إلا أنّ طيف الأحداث في حماه يحوم على الساحة اليوم، ما يؤدي إلى تأجيج مشاعر الغضب لدى الطرفين.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد