ـ 'النهار'
لماذا يشجّع الغرب إيران على إقفال مضيق هرمز؟!
سليم نصار:
المشكلة الاساسية في أزمة إيران تكمن في توقيتها المربك. ذلك أنها انفجرت ابان حملات التشنج العالمي التي تشهد استعدادات غير مسبوقة للانتخابات النيابية في إيران والتجديد لاوباما وبوتين وساركوزي. قبل وصول الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الى كوبا، كتب الزعيم فيديل كاسترو مقالة بعنوان 'السير الى الهاوية'، قال فيها ان مخاطر عدة تهدد سلام العالم بسبب تجاهل المشاكل العالقة. وحذر كاسترو من وجود أكثر من عشرين ألف قنبلة نووية، لافتاً الى ان استخدام أقل من مئة منها، كافٍ للتسبب بموت رهيب لكل سكان الارض. وقد تزامن هذا الكلام مع التصريح الذي أدلى به مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي، مؤكداً بدء تخصيب الاورانيوم في منشأة 'فردو' المحصنة قرب مدينة 'قم'. واعتبر المراقبون ان أزمة الصواريخ التي خبرها كاسترو مطلع ستينات القرن الماضي، هي التي حضته على التحذير من مخاطر سياسة حافة الهاوية، لعل الأسرة الدولية تتدخل لمنع الانفجار في الشرق الأوسط. أي الأزمة التي كادت تدفع واشنطن وموسكو الى صدام نووي في عهد الرئيس الاميركي جون كينيدي والزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشيف.ويعتبر أحمدي نجاد ان زيارته لكوبا تمثل اتجاهاً معارضاً لسياسة واشنطن التي تشعر بأن ضغوطها المتواصلة لم تنجح في اسقاط أنظمة معادية موجودة في كوبا وسوريا وكوريا الشمالية وإيران وفنزويلا. الزيارة التي قام بها أحمدي نجاد الاسبوع الماضي لكل من فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا والاكوادور، كانت زيارة سياسية بامتياز. ويبدو انه حاول اقناع صديقه تشافيز بأهمية وقف الصادرات النفطية الى الولايات المتحدة. وذكرت جهات معارضة أن الرئيس الفنزويلي تجاهل الاقتراح بحجة أن واشنطن قادرة على تأمين الكميات الضرورية من النفط، ولو أدى ذلك الى مضاعفة تكاليف النقل. في حين أن معارضي تشافيز سيستغلون قرار المقاطعة، لزيادة عدد المطالبين باسقاطه في الانتخابات المقبلة. ومعنى هذا ان محاولة تخفيف الضغوط عن إيران، ستأتي من الدول الاوروبية المتضررة من قرار العقوبات الغربية. مثال ذلك أن اليونان – التي تستورد ربع حاجاتها النفطية من إيران – طالبت بارجاء إعلان قرار زيادة العقوبات لمدة سنة لعلها تتعافى من أزمتها المالية وتتطلع الى مصادر أخرى. والوضع ذاته ينطبق على ايطاليا وإسبانيا، اللتين طالبتا بتأجيل اصدار القرار لمدة ستة أشهر. ذلك ان الأولى تستورد من إيران، ما نسبته 13 في المئة من حاجاتها، بينما تستورد الثانية 10 في المئة، مع تسهيلات في الدفع تريح الدول المستهلكة. روسيا والصين عارضتا فرض حظر على النفط الإيراني في مجلس الأمن. لذلك بادرت الدول الغربية الى اتخاذ قرارات أحادية، باعتبارها تمثل المستورد الأول. وتقدر الكميات التي تستهلكها أوروبا يومياً بـ500 ألف برميل من أصل ثلاثة ملايين ونصف المليون برميل هي مجمل الصادرات النفطية اليومية الإيرانية. وهذا على الرغم من ارجاء مهلة الحظر ثلاثة أشهر اضافية لعل وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو، ينجح في اقناع طهران باستئناف المفاوضات مع مجموعة الدول الخمس. وعلماً بأن أنقرة رفضت الالتزام بتطبيق العقوبات غير التي فرضتها الأمم المتحدة. وأعلن وزير الطاقة التركي تانر يلديز، ان بلاده تستورد من إيران أكثر من 40 في المئة من حاجتها النفطية، وانها ليست على استعداد لتغيير موقفها. بدءاً من نهاية هذا الشهر، تسعى فرنسا الى تشكيل تحالف دولي يرمي الى مضاعفة الضغط على إيران، تجنباً لمغامرة عسكرية تقوم بها إسرائيل في حال تأكدها من انتهاء المشروع الذري الإيراني. ويحاول ساركوزي أن يفصل مسعاه عن السوق النفطية العالمية التي رفعت سعر البرميل من مئة دولار الى 113 دولاراً الاسبوع الماضي، عقب اعلان الرئيس أوباما مقاطعة المصارف الإيرانية. وكما استخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورقة سوريا لزيادة شعبيته قبل الانتخابات، فهو حالياً يستخدم الورقة الإيرانية للغرض ذاته. وقد اتهم في هذا السياق، الدول الغربية بأنها تهدف من وراء إثارة الأزمة النووية، الى تغيير نظام الجمهورية الإسلامية. وكان من الطبيعي أن يزعج هذا التفسير مرشد النظام علي خامنئي الذي حرص على متابعة المناورات العسكرية لدعم موقف محمود أحمدي نجاد. الصين من جهتها أعربت عن قلقها من تنامي الخلاف بين إيران والدول الغربية. وبما أن نموّها الاقتصادي سيتأثر بنتائج هذا الخلاف، فقد قررت تنويع مصادر الطاقة تحسباً لأي عمل مفاجئ. لذلك أرسلت رئيس الوزراء وين جياوباو الى السعودية والخليج بهدف البحث عن بديل من النفط الإيراني في حال أقفل مضيق هرمز. علماً بأن الصين كانت قد خفضت واردات النفط من إيران، بدءاً من الشهر الماضي بسبب اصرارها على تعديل شروط العقود السابقة. وفي لقائه مع الملك عبدالله بن عبد العزيز والامراء نايف وسلمان وسعود الفيصل، اشار رئيس مجلس الدولة في الصين الى اهتمام بلاده بزيادة مستوى التعاون في مختلف المجالات. ووعد بتشجيع شركات بلاده ذات السمعة العالمية، على المساهمة في مشاريع السكك الحديد والموانىء والاتصالات والبنية التحتية. وقبل ان يغادر المملكة وقع رئيس الوفد المرافق له باسم شركة سينوبيك، مع شركة ارامكو، على اتفاقية تقضي ببناء مصفاة في 'ينبع' تبلغ طاقتها 400 الف برميل يوميا. منتصف الشهر الماضي القى الرئيس اوباما خطابا في مؤتمر الاصلاحيين اليهود، اكد فيه اصرار بلاده على منع ايران من امتلاك سلاح نووي. ووعد بممارسة الضغوط على طهران بمختلف الوسائل الديبلوماسية والعسكرية. وتردد في واشنطن ان اللقاء الذي عقده وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك مع الرئيس الاميركي، هو الذي تسبب في تغيير موقف واشنطن. وظهر هذا التغيير جلياً في الزيارة التي قام بها يوم الخميس الماضي رئيس أركان القوات الاميركية المشتركة الجنرال مارتين دمبسي لتل ابيب. وقد دشن هذه الزيارة باجتماعات مكثفة عقدها مع الوزير باراك ورئيس اركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس وكبار المسؤولين عن الاجهزة الامنية. والزيارة، كما وصفتها جريدة 'هآرتس' جاءت في اطار محاولة اميركية لتنسيق العمليات مع إسرائيل في الشأن الايراني، وإقناع نتنياهو بعدم شن هجوم قبل التفاهم مع واشنطن. وذكرت الصحيفة ان الرئيس الاميركي ووزير دفاعه ليون بانيتا، بعثا برسائل الى كبار المسؤولين الإسرائيليين، تشير الى الابعاد الخطيرة لمثل هذا الاشتباك، وطالبا بتوفير متسع من الوقت لفحص تأثير العقوبات التي فرضت على ايران. كذلك نشرت صحيفة 'نيويورك تايمز' خبراً مفاده ان اوباما بعث برسالة الى المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي – عبر قنوات سرية – وصف فيها اغلاق مضيق هرمز بانه خط احمر يستدعي رداً اميركياً عنيفاً. وكررت اذاعة إسرائيل بث نص الرسالة لتقول ان اوباما رفع لهجة التحذير الى مستوى التهديد، علماً بأن وزير دفاعه يؤكد ان ايران يمكنها امتلاك قدرات تكنولوجية لصنع قنبلة نووية خلال سنة 2012. يبقى السؤال المتعلق بأهداف زيارة رئيس اركان القوات الاميركية المشتركة لإسرائيل، وما اذا كانت ترمي الى تنسيق المواقف ام الى اعاقة الضربة العسكرية ستة اشهر اخرى؟ يقول الخبراء العسكريون ان ضرب المفاعلات النووية الايرانية يختلف جدا عن ضرب المفاعل النووي العراقي، ان كان بسبب الموقع ام بسبب الوسائل العسكرية المتاحة. ففي حين يكون سلاح الجو الإسرائيلي قادراً على تنفيذ طلعة جوية او اثنتين قبل ان يوقفه الضغط الدولي، يستطيع الاميركيون تحقيق طلعات عدة فوق ايران. ذلك انهم يملكون قوة جوية مؤلفة من مئات طائرات القصف ومئات الصواريخ البحرية الموجودة فوق حاملات الطائرات والقواعد الجوية التي تزنّر ايران من كل صوب. ولكن، هل وجود امكانات القصف والتدمير لدى القوات الاميركية، يسمح لها بحرية الاستعمال ضد دولة اخرى اذا لم يكن هناك من مبررات موجبة؟ يرى البريطانيون ان العقوبات الاقتصادية وقرارات حظر النفط لا يمكن ان تدفع ايران الى اغلاق مضيق هرمز، كونها قادرة على تخطي العقوبات لفترة زمنية محدودة. ولكن طهران تحتفظ بورقة اقفال المضيق بهدف توريط الولايات المتحدة في حرب ثالثة – بعد العراق وافغانستان – يكون ثمنها مكلفاً على الرئيس اوباما الغارق حتى اذنيه بالديون... وعلى دول الاتحاد الاوروبي التي تخشى ارتفاع سعر برميل النفط الى مئتي دولار وأكثر. المشكلة الاساسية في ازمة ايران تكمن في توقيتها المربك. ذلك انها انفجرت إبان حملات التشنج العالمي التي تشهد استعدادات غير مسبوقة للانتخابات النيابية في ايران، والتجديد لاوباما وبوتين وساركوزي. من هنا تبدو عملية الربط بين ما يعلن للاستهلاك الداخلي... وما يضمر للاستهلاك الخارجي، مواجهة شرسة بين النظام الايراني والانظمة الغربية الخائفة على اقتصادها من خوض حرب قد تنتهي بـ'ربيع أوروبي' يولد من تظاهراته هتلر آخر وموسوليني آخر!
ـ 'السفير'
التهدئة والتصعيد في مواقف أميركا من إيران: بين احتواء قدراتها النووية... ومفاوضتها ومحاربتها!
كيف يمكن فرملة طموحات ايران النووية... هي إشكالية اسرائيلية ـ اميركية بامتياز لم تكن لتزيد الحليفين الاستراتيجيين توتراً لولا اعلان طهران قبل ايام عن بداية تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة في موقع &laqascii117o;فوردو" النووي الجديد. فكلّما استمرت ايران كلّما استمر الارباك الغربي... وكلما تفاقم السجال. ولكن، ما الذي يجعل واشنطن وتل ابيب في موقعين متباينين امام &laqascii117o;خطر" يفترض ان يوحّد اجندتهما؟ ضرب ايران عسكريا او البقاء على خيار الضغط الاقتصادي والدبلوماسي. خيار من اثنين لا ثالث لهما تستفيض الاقلام الغربية في مناقشتهما، قانونيا واستراتيجيا. يردّ الخبير النووي في &laqascii117o;اتحاد العلماء الاميركيين" يوساف بات على تحذير زميله، اولي هاينونن، النائب السابق للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، من خطر امتلاك ايران القنبلة الذرية خلال 6 اشهر. ويقول بات في مقال له نشرته مجلة &laqascii117o;فورين بوليسي" بعنوان &laqascii117o;اوقفوا الجنون" إن &laqascii117o;هاينونن يتوقع مع بداية انتاج ايران لليورانيوم المخصّب بنسبة 20 في المئة في موقع &laqascii117o;فوردو" الواقع في مكان حصين تحت جبل يصعب قصفه، ان يعمل العلماء الايرانيون على تنقية مواد التخصيب بنسبة 90 في المئة وهو ما يلزم لصنع قنبلة نووية في غضون ستة أشهر. هذا التوقع المبني على أساس افتراضات لا أساس لها بشأن النوايا الايرانية، يخدم فقط كذخيرة للصقور في واشنطن الامر الذي من شأنه أن يدفع الولايات المتحدة باتجاه حرب مدمِّرة أخرى في الشرق الأوسط". ويضيف بات &laqascii117o;ما نسي هاينونن أن يذكره هو أن كل المعدات النووية في المنشأة تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أن التخصيب بنــسبة 20 في المئـــة لا يزال برأي الوكالة حاجزا كافيا امام التسلح الذري". ليست المرة الاولى التي يستنفر فيها &laqascii117o;الصقور" (الجمهوريون) ضد برنامج ايران النووي، برأي بات، مدعين بأن &laqascii117o;السماء ستقع فوق رؤوسهم" كما أن الحديث عن الجداول الزمنية يعود لأيام الشاه. وأشار الى أنه &laqascii117o;في العام 1992، قال وزير الخارجية الاسرائيلي آنذاك شمعون بيريز، إن ايران بصدد امتلاك رؤوس نووية مع حلول العام 1999... عبر التهويل بأسوأ السيناريوهات باعتباره اكثر الاحتمالات واقعية، تدعو الجداول الزمنية لسياسات قاسية الى حد إثارة ردة فعل ايرانية متشددة". بالرغم من كل ما يقال عن برنامج ايران والقلق الغربي منه، يبدو أن طهران لا تقوم بأي عمل يخرق شرعية حقها في تطوير التكنولوجيا النووية. هذا ما شدّد عليه بات في مقاله قائلا إنه &laqascii117o;بموجب معاهدة الحد من الانتشار النووي، ليس محظورا على أي دولة امتلاك القدرة النووية او الخيار النووي. فعندما تطوّر اي دولة القطاع النووي لأغراض مدنية ـ وهذا ما تشجعه الوكالة الدولية ـ تكون قادرة بطبيعة الحال على امتلاك سلاح نووي. فتماما كايران، تستطيع كل من البرازيل والارجنتين واليابان، اللجوء الى الخيار النووي غير المسموح به دوليا كما بإمكانها ايضا انتاج القنبلة الذرية خلال اشهر قليلة"... ويضيف بات &laqascii117o;غير أن الخط الاحمر التي تضعه الوكالة امام الدول هو خطر تحويل المواد النووية إلى برنامج للأسلحة. وبالرغم من تصريحات سابقة لمدير عام الوكالة الذرية السابق محمد البرادعي والعديد من الخبراء والمسؤولين الاميركيين عن أن ليس من دليل على قرب امتلاك ايران لهذا السلاح، تبقى الشكوك محيطة بنية ايران تخزين يورانيوم مخصب بنسبة 20 في المئة اكثر مما قد تحتاجه لتشغيل مفاعلها البحثي، في اشارة الى امكانــية احتـــفاظ ايران بخيار يسمح لها بالتسلح النـــووي في المستقبل... ومهما كانت النوايا والطموحات الايرانية ـ المقلقة ـ تبقى دائما في اطار مشروع". اما بالنسبة الى الموقع النووي الجديد، فقد لا تصح الشكوك القائلة بأن قيامه خارج مدينة قم وفي مكان جبلي يعني ان انشطة نووية سرية ستقام هناك. فقد لا يكون الامر كذلك بحسب بات، خصوصا أن ايران قد تعتمد الامر وسيلة لابعاد برنامجها &laqascii117o;المدني" عن اي ضربة عسكرية، اذ لا شك انها اتعظت من الضربة الاسرائيلية للمشغل العراقي المدني &laqascii117o;اوزيراك" في العام 1981. كما أن لا ثقة بسلامة الانشطة النووية في منطقة الشرق الاوسط &laqascii117o;العاصفة" وليس فقط المدنية منها.
وفيما يدور سجال اميركي ـ اسرائيلي ضارٍ على خلفية ضرب ايران عسكريا او البقاء على خيار العقوبات، تلحظ مجلة &laqascii117o;ايكونوميست" الاميركية التباين الكبير بين وجهتي نظر الحليفين الاستراتيجيين... قالت اسرائيل في تشرين الثاني الماضي، إن امامها سنة فقط لوقف برنامج ايران النووي خصوصا أن مواصلة التخصيب في &laqascii117o;فوردو" سيجعلها &laqascii117o;منطقة محصّنة" وبالتالي فإن الخيار العسكري يصبح خارج البحث. لماذا سنة؟ تجيب المجلة مشيرة الى أن &laqascii117o;رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو يعمل على تمرير الضربة على ايران قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية في اميركا والتي يستعد الرئيس باراك اوباما لخوضها، وذلك على اعتبار أن الاخير سيكون بحاجة لتأييد اسرائيل في مثل هذا التوقيت، اما في حال ارجئت الضربة وأعيد انتخاب اوباما (الامر الذي لا يتمناه نتنياهو) فسيكون تأييد الاخير لخيار اسرائيل ضد ايران امرا صعبا". اذا كانت ايران متخوّفة من ضربة اسرائيلية من هذا النوع، فإن ادارة اوباما تشاطرها الامر. اذ سبق لاوباما أن اكد أن مثل هذا القرار &laqascii117o;امر مستبعد جدا"، في وقت بدت العلاقة بين الحليفين متوترة. &laqascii117o;اذاً، تريد اميركا النأي بنفسها عن هذه الكأس المرة، فهي تسعى في الواقع لإبعاد الشكوك المحيطة بها في ما يتعلق بتهمة اغتيال العالم النووي الايراني مصطفى احمدي روشن، وهذا ما اعلنه الناطق باسم البنتاغون بوضوح تعليقا على العملية"... وتضيف &laqascii117o;الايكونوميست" معتبرة ان &laqascii117o;الفرق بين أميركا وإسرائيل ليس حول ما اذا كان يجب منع ايران من امتلاك السلاح النووي اذ سبق أن وعد وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا باستخدام القوة عندما يكون ذلك ضروريا، بل الخلاف يقتصر على وجهات النظر".صقور" اسرائيل، كوزير الدفاع ايهود باراك، يعتبرون أن بداية التخصيب في &laqascii117o;فوردو" مؤشر على تخطي ايران الخط الاحمر، وهو ما قد يعقبه بسرعة الاعلان عن &laqascii117o;اختراق" من النوع الذي أحرزته كوريا الشمالية العام 2006 عندما اختبرت جهازا نوويا بدائيا. اما الاميركيون فلا يرون ان الامر محتمل، بل &laqascii117o;يعتقدون ان نهج ايران هو مواصلة التحرك إلى الأمام حتى تصل إلى عتبة القدرة على بناء عدد من الرؤوس الحربية والصواريخ وتصنيعها. وإذا كان الأمر كذلك، فلا يزال هناك مجال للضغوط الاقتصادية والدبلوماسية لإقناع ايران بأن عبور العتبة ليس في مصلحتها". &laqascii117o;حق" ايران بامتلاك القدرة النووية وتخوّف اميركا من الانزلاق في خيارات غير محسوبة يضعان ايران نسبيا في مأمن من &laqascii117o;الضربة المتسرِّعة" اذا جاز التعبير، فيما يجعلان اسرائيل &laqascii117o;وحيدة" الى حين اقناع واشنطن. وعليه، &laqascii117o;تظهر ايران واميركا في موقع الاستعداد للتفاوض من جديد رغم كل التصعيد الكلامي"، بحسب الكاتب في &laqascii117o;كريستيان ساينس مونيتور" ارييل زيرولنيك، وبالتالي فإن تجنّب الحرب خيارٌ اقرب من خوضها...كذلك، يرى بروس لنغن وجون ليمبرت (المعتقلان الاميركيان السابقان لدى ايران) ان اسباب ثلاثة يجب على الاميركيين الالتفات اليها لعدم الوقوع في الفخّ. ويرى الكاتبان في &laqascii117o;كريستيان ساينس مونيتور" ان طوفان مماثل من التشويه والخطابات قاد اميركا قبل تسع سنوات الى مهاجمة العراق... يمكن أن يتكرر الامر مرة أخرى، لكن على الارجح ان ما حدث في العراق سيبدو سهلا امام ما قد يحدث في ايران". ويقول لنغن وليمبرت إن الاسباب التي من شأنها اسقاط احتمال الحرب على طهران هي: اولا، أن ايران تسعى لاستفزاز اميركا للقيام برد فعل مبالغ فيه. فالتهديد بإغلاق مضيق هرمز او الاعتداء على السفارة البريطانية &laqascii117o;ليسا سوى اشارات ضعف". ثانيا، قد يكون الايرانيون بصدد العمل على سلاح نووي كما قد لا يكونوا في هذا الوارد، لذا &laqascii117o;على واشنطن القيام بحسابات باردة. وتخيّل الى اي مدى يمكن لهذا السلاح ان يفيد الايرانيين، اذ بالتأكيد لن ينقذهم من ضيقهم الاقتصــادي ولا من معارضيهم في طهران"... اما الســبب الثالث، فهو ضرورة الاّ تحتجز اميركا نفــسها في زوايا خطابها، اذ قال الرؤساء الامـــيركيون ان ايران مسلّحة نوويا امر &laqascii117o;غير مقـــبول". وهذا ما انسحب مبدئيا على باكســـتان والهند وكوريا الشمالية... كما على حائـــط برلين في الماضي. في هذه الحالات، تصرّف الاميركيون بذكاء ولم يصبحوا اسرى لغتهم الخطابية...
ـ 'الشرق الأوسط'
المواجهة النفطية بين إيران والسعودية
عبد الرحمن الراشد:
أعتقد أن الحكومة الإيرانية تشعر بالإحباط لأنها كانت تتوقع أن العقوبات المتتالية ضدها في أوروبا والولايات المتحدة ستتسبب في رفع الأسعار بشكل خرافي، بدرجة تضطر خصومها للتراجع عن مقاطعتها. فإخراج دولة مهمة في &laqascii117o;أوبك"، مثل إيران، من سوق الإنتاج بالعقوبات يفترض أن ينعكس فورا على أسواق البترول القلقة منذ انقطاع نفط ليبيا في العام الماضي، ولا يزال ينتج بأقل من الحصة أيام نظام القذافي. لكن لخيبة آمال طهران لم ترتفع الأسعار، لذا أطلقوا تصريحاتهم المتكررة، يهددون بغلق المضيق الذي تعبر منه ربع صادرات العالم، لكن لم ترتفع. أجروا مناورات عسكرية في مياه الخليج بالقرب من ممرات ناقلات النفط، أيضا لم ترتفع. هددوا علانية المصدر الأكبر للنفط في العالم، السعودية، بأنهم سيهاجمونها إذا تجرأت وحاولت سد النقص المتوقع من توقف العالم عن شراء النفط الإيراني، حتى هذه لم ترفع أسعار النفط. بل تجرأت السلطات الإيرانية، بحسب معلوماتي، على إرسال قواربها المسلحة فدخلت المياه الاقتصادية، بالقرب من مواقع النفط السعودية، وعلى متنها رجال برشاشاتهم، ولم ترتفع الأسعار!
وأعتقد أنه حتى لو ارتكبت إيران غدا حماقة عسكرية، بما يتجاوز الاستفزاز والتخويف، فإن هناك الإمكانية لإنتاج ما يكفي لطمأنة السوق، ولو سدت مضيق هرمز أيضا، أصبح من الممكن نقل النفط بالأنابيب وتصديره إلى البحر الأحمر بعيدا، وكذلك بحر العرب. وحتى لو ارتفعت الأسعار، فإنها لن تدوم طويلا، في وجود هذه الإمكانات الإضافية. ليس من حق إيران أن تغضب ممن يعوض في السوق عن نفطها المتوقف من قبل منتجين آخرين، حيث علينا أن نتذكر أن &laqascii117o;أوبك"، وإيران عضو في المنظمة، متفقة على إنتاج حصة إجمالية محددة يومية، وبالتالي من يسد الفراغ يظل يبيع ضمن الحصة المحددة. وأحسن مجلس الوزراء السعودي، على الرغم من أنه أغاظ السلطات الإيرانية، قبل نحو أسبوعين، عندما حدد موقفه، وأعلن أنه يرى أن مقاطعة الواردات البترولية من أي مصدر هو شأن داخلي يخص كل دولة. أي إذا قرر الأوروبيون مقاطعة النفط الإيراني فهذا شأنهم، ومن حقهم شراء نفط الجزائر أو الإمارات مثلا. ولا ننسى أن الدول المصدرة للنفط مرت من قبل بمخاطر جمة من جراء رفع الأسعار بصور مفتعلة، كما تحاول أن تفعله إيران اليوم. ورفع السعر بشكل هائل سيضرب أولا الدول الفقيرة التي تتضرر سريعا من تبعات ارتفاع الأسعار. حتى إن دولا ذات اقتصاديات كبرى ليست طرفا في النزاع، مثل الهند والصين، ركضت للخليج تريد من دوله تأمين سوق النفط استقرارا وسعرا، وهو ما تحدث عنه بيان مجلس الوزراء السعودي؛ أنه يهمه &laqascii117o;استقرار السوق البترولية الدولية سواء من حيث توازن العرض والطلب أو من حيث الأسعار". قد تبدو هناك حرب بيانات، لكن في الحقيقة لا توجد مؤامرة على إيران، بأن دول الخليج تريد محاصرتها. بل توجد محاولات إيرانية لتوريط دول النفط، وخاصة دول الخليج، في لعبتها بتخريب السوق، أمر لا يعقل لدول الخليج أن تقبل به مهما سعت إليه إيران من خلال التهديدات الرسمية أو القوارب المسلحة. على إيران أن تعالج مشكلاتها بنفسها، وتتحمل تبعات قراراتها. فهي التي اختارت تصعيد المواجهة ببرنامجها النووي، وهم اختاروا مواجهتها اقتصاديا لا عسكريا، فلماذا تساند السعودية، أو بقية دول &laqascii117o;أوبك"، إيران في حربها على حساب اقتصاداتها؟ على مدى ثلاثة عقود اختارت إيران مشروعا واحدا لبلدها، وهو السعي للتفوق العسكري، في حين أن الدول الست العربية المواجهة لها، دول مجلس التعاون الخليجي، اختارت التنمية الاقتصادية، وما نراه اليوم ليس إلا نتيجة طبيعية للخيارين. إيران تريد تسخير النفط لتعزيز مشروعها العسكري والسياسي، وعرب الخليج مشغولون ببيع بتروكيماوياتهم ومشتقات نفطهم وخام بترولهم وتنمية مجتمعاتهم. إيران، مثل عراق صدام حسين، تملك موارد طبيعية وبشرية أفضل من دول الخليج، إلا أنها سارت في الطريق الذي سارت فيه دول فاشلة مثل كوبا، وكوريا الشمالية، وسوريا الأسد، وليبيا القذافي، وكل هذه الأنظمة تتفق في فكرة القوة والمواجهة الخارجية.
- 'الاخبار'
الانتفاضات العربيّة: مُخطّط أميركي؟
أسعد أبو خليل:
الموضوع السوري يطغى على السياسة في لبنان، وسيطغى عليها أكثر في المستقبل. من يدرك، أو من لا يعي، أنّ هذه الحماسة والمشاركة القويّة من تيّار الحريري وأذياله في لبنان في الحملة على النظام في سوريا ستكلّفان لبنان مستقبلاً أثماناً باهظة: إذ إنّ أي حكومة سوريّة مقبلة ستفرض تنازلات أمنيّة وسياديّة على لبنان (كما كان يفعل النظام السوري) وسيكون الضلوع الحريري في الموضوع السوري حجّة قويّة لهم (وخصوصاً أنّ الضلوع الحريري في الموضوع السوري لا علاقة له بالشعارات المرفوعة). لن يستطيع لبنان مُستقبلاً الزعم بأنّه ليس مركزاً &laqascii117o;للتآمر على سوريا"، وخصوصاً أنّ جيش المعارضة السوريّة (الإخوانجيّة &laqascii117o;المدنيّة") بات له وجود في لبنان، لكن في المحصّلة، الشعب السوري ليس أكثر من وقود في صراعات الحركات الطائفيّة في لبنان: الشعب السوري أداة عند 8 آذار و14 آذار على السواء، لكن تيّار الحريري يستطيع دوماً الدفاع عن موقفه بالقول (عن حق) إنّه ليس سيّد أمره، وإنّه يتلقّى الأوامر من الأمير مقرن أو من مساعد مساعديه. يستطيع أن يقول إنّه يتورّط بأوامر خارجيّة. هذا هو فريق السيادة على الطريقة اللبنانيّة.
وفي المقلب الآخر، ينشط فريق 8 آذار ومؤيّدوه في الدفاع المُستميت عن النظام السوري. بعض هؤلاء الذين يظهرون على شاشة &laqascii117o;الدنيا" أو على شاشة النظام السوري يعتبون على النظام بسبب ما يرونه من رأفة فائقة. لماذا يظهر المؤيّدون اللبنانيّون للنظام السوري أنّهم أكثر مناصرة للنظام السوري من أقطاب النظام السوري أنفسهم؟ بعض هؤلاء، يريد من النظام أن يمعن في مزيد من القمع، وخصوصاً أنّ كل مُعارض للنظام عند بعض هؤلاء هو خائن وأداة في &laqascii117o;المؤامرة على سوريا". طبعاً، بعض مزاعم 14 آذار والإعلام السعودي (الذي يستسهل الكذب كما تستسهل &laqascii117o;الجزيرة" التكيّف مع متغيّرات السياسة الخارجيّة للدولة القطريّة) عن دور لحزب الله في سوريا يدخل من باب الدعاية الغبيّة، التي تنبع غالباً من مصادر إسرائيليّة لا لبس فيها. التناغم بين دعاية الموساد ومرامي الدعاية السعوديّة لا لبس أو تمويه فيه. تتشارك الجهتان في نقل وجهات نظرهما: &laqascii117o;الشرق الأوسط" و&laqascii117o;المستقبل" تدرجان على استنباط وجهات نظر صهيونيّة ليكوديّة بصورة اعتياديّة ضد الأعداء المشتركين. ثم، لماذا تحتاج قوّات النظام السوري المُتمرّسة فقط في القمع إلى قوّات من حزب الله المُتمرّسة فقط في قتال العدوّ الإسرائيلي؟ وهل يستطيع حزب الله أن يفيد النظام السوري في ما هو خبير فيه، أي مقاومة العدوّ الإسرائيلي بشراسة؟ إنّ مصدر تلك الدعاية هو نفسه مصدر دعاية الموساد في حرب تمّوز، ونقلتها بفرح جريدة آل الحريري عن العثور (الكاذب) في جنوب لبنان على جثث ثلاثة جنود إيرانيّين.
لكن الفريق المُوالي للنظام السوري في لبنان طلّق الانتفاضات العربيّة بالثلاث لمجرّد أن انتقلت الانتفاضة إلى سوريا. رفيق نصر الله وغيره من الذين هيّصوا للانتفاضتيْن في تونس ومصر عادُوا وعادَوا الانتفاضات العربيّة برمّتها، ونصر الله يقول اليوم إنه يفضّل كل الأنظمة القائمة بما فيها نظام مبارك الإسرائيلي على الانتفاضات الجارية. بات الكثيرون منهم يروّجون لنظريّة مسؤوليّة أميركا عن الانتفاضات العربيّة ولمصلحة إسرائيل (وهل رتّبت أميركا أيضاً التفجير العاشر لأنابيب الغاز المصري إلى إسرائيل، وهل رتّبت هي أيضاً اقتحام سفارة العدوّ في القاهرة، وهل رتّبت مشاهد الذعر والهلع التي طغت على وجوه الصهاينة بعد سقوط مبارك؟). يخفى على هؤلاء الممانعين أن هذه النظريّة تفيد مصالح أميركا وإسرائيل، من حيث يدرون ومن حيث لا يدرون.
لنتفق على أن الولايات المتحدة فوجئت بالكامل باندلاع الانتفاضات العربيّة كما فوجئ غيرها. لنتفق على أن الولايات المتحدة لا تريد أن تظهر أمام الشعب العربي على حقيقتها: مُفاجَأة ومذعورة من انتشار الانتفاضات العربيّة. هي، مثل إسرائيل، تعمد عبر السنوات إلى إيهام الشعب العربي بأن قدراتها في معرفة ما يجري في العالم العربي وفي تقرير مصائر الشعب العربي أكبر من أن تصطدم بحاجز الإرادة الشعبيّة العربيّة. من مصلحة إسرائيل وأميركا إقناع، لا إيهام الشعب العربي، بأنّهما تعلمان بتفاصيل كل ما يجري في أنحاء العالم العربي، وبأن ما يجري هو من تدبيرهما معاً: لأن مصلحتهما القضاء على عامل التفاؤل والإرادة في أوساط الشباب العربي، كي تعمّ الاستكانات لا الانتفاضات. إسرائيل نجحت أيّما نجاح عبر العقود في المبالغة بإظهار أو تزييف معرفتها، وفي أعمالها في شؤون العالم العربي. بات الفرد العربي يعلم فقط عن نجاحات (حقيقيّة في القليل من الأحيان، ومُختلقة ومُبالغ فيها في معظم الأحيان) للموساد. هناك من صدّق كذبة الموساد، التي انتشرت في الصحافة العربيّة في الستينات، وما بعد عن نجاحات للجاسوس الإسرائيلي، إيلي كوهين. سيتعرّف الشعب العربي عن كثب بعد نشر الوثائق التاريخيّة على إخفاقات وفشل الاستخبارات الإسرائيليّة. ماذا تقول عن جهاز الموساد الذي لم يكن له أي علم بحقيقة خلفيّات عمليّة ميونيخ، إلا بعدما كتب عنها قادة فلسطينيّون.
لا تريد أو لا تستطيع أميركا أن تظهر أمام الرأي العام العربي مظهر من أُخذ على حين غرّة، مظهر من لا يُسيطر على الأحداث وتفاصيلها. إسرائيل والولايات المتحدثة عملتا كي يظنّ الشعب العربي أنّه لا حادثة ولا حتى اشتباك في الأحياء يحصل في العالم العربي من دون علمهما وإذنهما. وكم نجحت الدولتان في تلك الخدعة. هناك في لبنان ليس فقط ريمون إده وسليمان فرنجيّة (الجدّ) من لا يزال يصدّق أنّ هنري كيسنجر هو الذي خطّط لكل مسار الحرب الأهليّة، وأنّه حتى في سنوات الكهولة لا يزال يُشرف على ما يجري في حي التعمير أو في باب التبّانة. وصل الشعب العربي إلى مرحلة من اليأس ومن الاعتراف بالعجز إلى درجة سمحت لأنظمة الاستبداد بالتنعّم بديمومة استبدادها. هذا العامل سمح للأنظمة الجمهوريّة بإنشاء سلالات، على طريقة كوريا الشماليّة. الأنظمة العربيّة تعلّمت من أسلوب المُستعمر: إذ إنّها استعملت أسلوب الحرب النفسيّة عينها في التعامل مع شعوبها، كأن يظهر محمد ضرّار جمّو، من أكثر أبواق الأنظمة ابتذالاً وإرهاباً في التعبير، على شاشتيْ النظام السوري ويخاطب المحتجّين والمعارضين بالقول إنّ النظام يعلم أين ينامون وأين يأكلون ومن يزورون. إن صور الطغاة وتماثيلهم في كل العالم العربي تهدف إلى وضع عيون رمزيّة للنظام في كل ناحية وحي وساحة. كيف ننام ملء جفوننا بعد ذلك؟
هذا ما يعني أن مؤيدي النظام السوري وقعوا أسرى لحبائل الحرب النفسيّة لإسرائيل والولايات المتحدة، لكن يمكن ألا يكونوا قد وقعوا أسرى لتلك الحبائل، وأنّهم يزعمون اعتناق نظريّة سيطرة الولايات المتحدة على مقدّرات أمور الانتفاضات العربيّة عن قصد وتصميم، لأنّها تتوافق مع مصلحة النظام السوري في تصوير خصومه كلّهم بأنّهم أدوات لمؤامرة أميركيّة إسرائيليّة ضد النظام السوري (يساوي النظام مثله مثل باقي الأنظمة العربيّة بينه وبين البلد الذي يحكمه، لعلّ في ذلك ما يخيف الناس من التغيير). وهنا، يتحول الأمر الى توافق بين دعاية مؤيدي النظام السوري ووسائل الإعلام القريبة منه، مع مصلحة أميركا وإسرائيل في تصوير ما يجري في العالم العربي على أنّه لم يكان مفاجئاً لهما.
الحقيقة التي لا لبس فيها أنّ إسرائيل وأميركا فوجئتا بالانتفاضات العربيّة. من يذكر كلمات جيفري فيلتمان أرفع &laqascii117o;خبير" أميركي في شؤون الشرق الأوسط، مع أنّه أقلّ واحد ممن تولّوا هذا المنصب كفاءة، بعد انتفاضة تونس؟ ألم يقل إنّ مصر هي غير تونس، مُحاولاً أن يهدّئ من روع الصهاينة في الكونغرس الذي وضعوه في منصبه؟ ألم يهرع فيلتمان إلى تونس ثم إلى مصر في محاولة منه لترتيب الأوضاع من أجل إحداث أقلّ قدر ممكن من التغيير؟ ألم تعمل واشنطن على مدار الساعة على امتداد أسابيع وأشهر لتهدئة روع إسرائيل بعد اندلاع الانتفاضات؟ ثم، من يظنّ أنّ أميركا أو إسرائيل كانت وراء سقوط حسني مبارك؟ حسني مبارك كان أهم عنصر من عناصر النظام الإسرائيلي الإقليمي المفروض. ليست الدول العربيّة إلا أدوات مُنفّذة في هذه المنظومة الإقليميّة. (هل هناك من يصدّق أن أنظمة الخليج التي ورثت عن حسني مبارك مهمّة ترتيب البيت الإقليمي العربي بما يتلاءم مع مصلحة إسرائيل تعبّر عن شعوبها في تعبيرها عن الخوف المتعاظم من سلاح نووي إيراني موجود، وفي التعبير عن الراحة الكليّة من أسلحة الدمار الشامل الإسرائيليّة؟).
وبعض الصحافة الصهيونيّة يحاول إخفاء الذعر والهلع الصهيوني، الذي لحق بقادة إسرائيل ومؤيّديها بعد سقوط نظام مبارك. تخشى الصهيونيّة إدراك الشعب العربي مكامن قوّته الخلاّقة متى تفلّتت وانطلقت. انطلقت في عدد من المطبوعات نظريّات عن اقتباس أو استلهام الشعب العربي انتفاضاته من نظريّات غربيّة، وتكثّفت التقارير والمقالات عن دور لأكاديمي أميركي مُتقاعد لم يسمع به أحد في العالم العربي (اسمه جين شارب، وحظي بتغطية وافرة في الصحافة الغربيّة، كما أنّ واحداً من أتباعه تولّى إخراج فيلم مُضحك عن دور جين شارب العالمي، وقامت &laqascii117o;الجزيرة" بشراء نسخة من الفيلم، وبثّته تباعاً مُترجماً. أرسل إلي المخرج نسخة منه وكتبتُ فيه نقداً على موقع &laqascii117o;الأخبار" الإنكليزي). هل هناك من يصدّق أن نظريّات رجل أبيض هي التي ألهبت مشاعر الشعب العربي؟ من يصدّق روايات كهذه غير الصهاينة في واشنطن ومنظّرو الممانعة القلقون؟ طبعاً، لا تريد الحكومة الأميركيّة أن تعترف بالحقيقة علناً: بأن جين شارب لا علاقة له &laqascii117o;بنوب"، كما يُقال في سوريا، بالانتفاضات العربيّة. فهو من الداعين إلى التغيير السلمي، لكن نظريّة الانتفاضات السلميّة كانت إسقاطاً من أميركا بهدف تقييد حركة الشباب العربي (كما فعلت بالنسبة إلى فلسطين، عندما شرعنت العنف الصهيوني، وجعلت من مقاومة الشعب الفلسطيني إرهاباً خطيراً). تريد الولايات المتحدة إقناع الشعب العربي بحرمة استعمال العنف إلا لغايات تخدم مصلحة إسرائيل ومصلحة المُستعمر الأميركي (لا تمانع أميركا في تسليح ميليشيات من الأوغاد ومن مجرمي الحرب من أفغانستان إلى العراق). لم يظهر أبداً أنّ الشعب العربي اعتنق عقيدة اللاعنف لأنّه يعي أنّها لا تُطبّق ولا تُطلب إلا من المقهورين والمعذّبين ومقاومي الاحتلال. تعظ الولايات المتحدة الشعب العربي عن جدوى اللاعنف، فيما هي تمارس العنف على نطاق عالمي وواسع. ليس صحيحاً طبعاً أنّ الشعب العربي التزم بمبدأ اللاعنف، كما أنّه ليس صحيحاً قطعاً أنّ الرجل الأبيض كائناً من كان هو الذي ألهم الشعب العربي. والغريب أنّ انتفاضات &laqascii117o;حركات الاحتلال" المناهضة للرأسماليّة في أميركا تعترف عن حق بأنها هي استلهمت تحرّكها من الشعب المصري. لكن كيف للإعلام الموالي للنظام السوري أن يغرّد النغمات الصهيونيّة نفسها؟ كيف ينظر إلى كلّ الانتفاضات العربيّة كأنّها مؤامرة صهيونيّة، هل فقط لأنّ الغضب الشعبي وصل إلى سوريا؟ وكأنّ الشعب السوري (بصرف النظر عن حركات معارضته) يفتقر إلى دوافع الاحتجاج ضد النظام الذي يرزح تحته، مثله مثل باقي الشعوب العربيّة. يريد أدعياء النظام السوري أن ينام الشعب السوري على الضيم، وأن يكتفي بطعام من شعارات الممانعة ووعود لا تزال ضبابيّة بالإصلاح؟ لكن المجلس الوطني السوري ومطالباته المتزايدة بتدخّل الناتو (على أن يلتزم جنوده عدم التبويل على الشعب السوري) أو من لفّ لفّه، تساعد دعاية النظام على ربط (جائر) بين كل فرد في معارضة النظام، ومؤامرة صهيونيّة أميركيّة. إنّ الولايات المتحدة تحاول أن تلتقط أنفاسها وهي تجرّب اللحاق بمجريات الانتفاضات العربيّة. هي تلهث وأقطابها مصابون بالإعياء. هي بالتأكيد لم تكن مرحّبة بأي من الانتفاضات إلا في سوريا وفي إيران (لو تجدّدت)، لكن الرأي الصهيوني الأميركي بشأن الوضع في سوريا لم يُحسم بعد: هناك رأي يقول إنّ النظام السوري الحالي حازم في ضبطه للحدود مع العدوّ، وفي منعه قيام مقاومة جديّة في الجولان المحتلّ، وهذا تأكيد على أنّه لا إسرائيل ولا الغرب تكترث لمعاناة الشعب السوري. وجهة النظر تلك ترغب في أن تؤدّي الانتفاضة السوريّة إلى إضعاف وإنهاك بشّار الأسد، لا إلى إسقاطه. لهذا، فإن المجلس الوطني السوري جعل من إسقاط بشّار لا من تغيير النظام بالكامل هو الهدف: لا بل هو تعهّد أن يعمل معاً مع الجيش السوري في بناء نظام جديد، أي إنّ المجلس السوري يعوّل على الجيش السوري الذي قمع وقتل متظاهرين في سوريا من أجل بناء وطن ديموقراطي جديد، لكن المجلس الوطني في هذا وفي غيره من الأمور، لا يعكس إلا الأجندة الخارجيّة، التي تتحكّم في مسار تنظيم الإخوان المسلمين، لكن هناك وجهة نظر صهيونيّة أخرى، تقبل تغيير النظام في سوريا، في مقابل تعهّد من الحكم الجديد بتجاهل ملف الصراع معها، وهذا بالضبط ما حصلت عليه إسرائيل من مواقف المجلس الوطني السوري، وخصوصاً من تصريحات قادة الإخوان المسلمين. إنّ المجلس الوطني السوري بات نسخة مبتذلة عن تجربة المؤتمر الوطني العراقي، الذي ارتمى في أحضان الصهاينة لتنفيذ غاياته، وأغدق الوعود للغرب عن اتفاقيّة سلم مع إسرائيل حالما يسقط صدّام. (وها هو أحمد الجلبي مجرّد بيدق بيد مقتدى الصدر وإيران). هذا لا يعني أنّ الولايات المتحدة ليست ناشطة اليوم في كل الدول العربيّة دون استثناء: إمّا للدفاع عن النظام بقوّة وشراسة، كما هي الحال في دول الخليج والمغرب والأردن والجزائر، أو لمحاولة التكيّف مع واقع جديد في عدد من الدول العربيّة. ولا يمكن استبعاد استعانة أميركا وإسرائيل بالوسائل السريّة وبوسائل الخداع للتأثير على الشعب العربي، لكنّ أميركا فقدت زمام المبادرة والسيطرة في أهم دولة عربيّة بمقياس إسرائيل وأميركا. إنّ التفجير العاشر لأنابيب الغاز إلى دولة العدوّ الإسرائيلي يشي بحالة من فقدان السيطرة من قبل الاستخبارات المصريّة، التي عملت أميركا وإسرائيل على تشييدها من الصفر بعد القضاء على نظام عبد الناصر. لم تعد أميركا تأمر لتطاع، حتى وإن أراد المشير أن يستمرّ في طاعتها. ليس له من القدرة على الطاعة بعد اليوم. تتفكّك بعض أجهزة النظام، وخصوصاً الاستخبارية، بعد سقوط الطاغية. هذا لا يعني أن نظام مبارك سقط بالكامل، على العكس، تسعى أميركا ودول مجلس التعاون إلى المحافظة على نظام مبارك دون مبارك، لكن ليس هذا بالأمر اليسير. إنّ الغرور والصلف يضربان رؤوس كل الطغاة العرب. يظن الواحد منهم أنّه في منأى عن الاحتجاجات والانتفاضات. ستذهب مقابلة بشّار الأسد مع &laqascii117o;وول ستريت جورنال" مضرب الأمثال: استفاض في الحديث عن اختلاف نظامه عن الأنظمة المتهاوية حوله، فقط لأنّه ظنّ أن شعبه يستطيب شعارات الممانعة، وأنّ شعارات الممانعة تغني عن جوع وعن قهر وعن ظلم. كان ذلك يوم ناصر النظام ومؤيّدوه الانتفاضاتيْن في تونس وفي مصر. كل ذلك تغيّر بمجرّد أن اندلعت الانتفاضة في سوريا. الانتفاضات التي كانت محمودة صارت، فجأة، في الخطاب الموالي للنظام السوري، خبيثة. عفويّة الشعب العربي التي كانت تحظى بالإعجاب زالت، وحلّ محلّها خطاب يحتقر العامّة ويصفها بالغوغاء. كانت الانتفاضات العربيّة حركة مُضرّة بالمصالح الأميركيّة والصهيونيّة، وتحوّّت بين ليلة وأخرى إلى مجرّد أداة في يد الصهيونيّة العالميّة. هناك نبرة عنصريّة أكيدة في خطاب التأييد للنظام السوري. هناك تحميل للشعب السوري لمسؤوليّة خيارات والإخوان و14 آذار السوريّة. الحزب الذي تغنّى بالجماهير بات لا يرى في الجماهير إلا أدوات بيد أميركا. هل كان الأولاد في درعا جزءاً من المخطّط الصهيوني هم أيضاً؟ حركة الانتفاضات العربيّة اندلعت لأسباب محض داخليّة، وإن تداخلت فيها تدخّلات خارجيّة حرفت مسارها أو اختطفتها في أكثر من حالة عربيّة، ولا سيما في ليبيا أو في سوريا، لكن حراك الاحتجاجات مستمرّ، ولا يمكن تحويل جمهور المحتجّين في سوريا إلى مجرّد جيش مطيع للإخوان المسلمين. إنّ تداخل العوامل الداخليّة أو تشابكها مع العوامل الخارجيّة يعود إلى حسابات وتحالفات من قوى في المعارضة، أو حتى من تنازلات تُفرض على حكومات فاقدة للشرعيّة، وتقبلها تلك الحكومات مثل سوريا من أجل الحفاظ على السلطة بأي ثمن. إنّ التدخّلات الخارجيّة لا تعني بالضرورة أنّ كل متظاهر يرفع مطالبة بالتدخّل الخارجي هو جزء من مخطّط أميركي، على بشاعة هذا المطلب، وخصوصاً أنّ بشاعة المثال الليبي الماثل كان يجب أن يبدّد تلك الأوهام حول قدرة الناتو على تحرير العرب وبناء ديموقراطيّة لهم، حبّاً بالعنصر العربي، كما أنّ حسابات وارتباطات الإخوان تفرض أجندة وشعارات تتعارض مع عفويّة الاحتجاجات التي وسمت الحقبة الأولى من الاحتجاجات الشعبيّة. تهين الشعب العربي مقولة سيطرة أميركا على مقدّرات العالم العربي. من المهين تعميم نظريّات مستقاة من الاستشراق الغربي المبتذل عن عدم قدرة العرب على تحقيق الديموقراطيّة. إنّ مؤيّدي النظام السوري يستميتون في الدفاع عن النظام السوري دون اعتبار للعنصريّة التي تتضمّنها المقولات التي يسوقونها. إنّ معاداة الانتفاضات العربيّة في المطلق، بصرف النظر عن الحالة المُعيّنة، وعن الظرف المكاني، تلتقي مع نظريّات تشكّك في قدرة العرب على حكم أنفسهم، وعلى تغيير مستقبلهم. لن تتوقّف الانتفاضات، وإن مرّت بحقب ومراحل متنوّعة. ستصعد وستخفت وتتفجّر. المسألة ليست في أسابيع أو أشهر. المراحل الثوريّة لا تُقرأ بروزنامة من يرصد الخلافة في نظام ملكي. ستأخذ سنوات. أميركا وإسرائيل ستقفان بالمرصاد: هما بمثابة الثورة المضادة &laqascii117o;البيضاء" الرجعيّة التي واجهت البلاشفة لسنوات لا لأشهر في روسيا بعد اندلاع الثورة. قلبهم يخفق جزعاً، وقلبنا يخفق شوقاً وأملاً.