- 'السفير'
مصير الإمام موسى الصدر: متى خاتمة الأحزان؟
عبد الحسين شعبان(باحث ومفكر عربي):
لم تشهد قضية الإمام موسى الصدر الذي اختفى في ليبيا قسرياً في 31 آب (أغسطس) العام 1978، اهتماماً مثلما تشهده هذه الأيام، وعلى نحو أدق منذ اندلاع الثورة الليبية في شباط (فبراير) العام 2011، وكان عدد من السيناريوهات قد ارتسم بشأن غياب السيد موسى الصدر، الذي كان في زيارة رسمية لطرابلس بوساطة من الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين الذي حاول التقريب بينه وبين الرئيس الليبي معمر القذافي في حينها.
السيناريو الأول هو الذي رواه الرائد عبد المنعم الهوني مندوب ليبيا الذي استقال من جامعة الدول العربية ومدير مخابراتها ووزير داخليتها وخارجيتها الأسبق وأحد المشاركين الأساسيين &laqascii117o;بثورة" الفاتح من سبتمبر (أيلول) 1969، والذي جاء فيه أن قريبه نجم الدين اليازجي الذي كان طياراً برتبة مقدم هو الذي نقل جثمان السيد الصدر إلى منطقة سبها جنوب ليبيا، فقد كان لزاماً بعد قتل السيد الصدر أن يُقتل اليازجي، ولكي يدفن السرّ معه، حيث تمت تصفيته لاحقاً بطريقة غامضة، وهو ما حصل مع قضية منصور الكيخيا الذي اختفى قسرياً في القاهرة في 10 كانون الأول (ديسمبر) العام 1993عندما كان يحضر اجتماعاً للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة، وكان الكيخيا قد التقى ابراهيم البشاري مندوب ليبيا في جامعة الدول العربية وقتها، الذي قتل بحادث سيارة غامض لاحقاً في ليبيا كما اغتيل يوسف نجم آخر من التقاهم الكيخيا قبل اختفائه، وهو ما أوردته في كتابي &laqascii117o;الاختفاء القسري في القانون الدولي: الكيخيا نموذجاً، دار شؤون ليبية، واشنطن - لندن، 1998".
السيناريو الثاني هو ما رواه عبد الرحمن شلقم في حديثه لتلفزيون العربية من أن تصفية القذافي للسيد الصدر تعود إلى انزعاجه من حوار دار بينهما بشأن آية قرآنية وردت في سورة الفاتحة &laqascii117o;قل هو الله أحد" فكان رأي القذافي ينبغي القول &laqascii117o;الله أحد" فغضب السيد الصدر من تفسيراته وتأويلاته وحاول محاججته، فكان رد فعل القذافي لاحقاً الانتقام منه ومن زميليه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين اللذين اختفيا قسرياً معه، وقيل إنهما قتلا ودفنا معه أيضاً.
السيناريو الثالث تحدّث به عبد الحكيم بلحاج أحد القيادات البارزة للمجلس العسكري الليبي في طرابلس، حيث قال إن الصدر مدفون في مزرعة قرب طرابلس، وهذه المزرعة أثارت ارتيابات عديدة، لكنه أكد مقتله ودفنه.
السيناريو الرابع يقول إن &laqascii117o;أبو نضال" (صبري البنّا) أحد الشخصيات الفلسطينية المنشقة عن فتح والمتهم بقيادة عدد من العمليات الإرهابية هو من خطط عملية الاختطاف، وأن القذافي أوكل له ذلك وترك الأمر معه لكي يتنصل من المسؤولية، وأن هذا الأخير عندما اضطر إلى مغادرة طرابلس وذهب إلى العراق، أخذ السيد الصدر معه، وهناك ظل يعيش في قبو لفيلا يسكنها أبو نضال، وعندما قتل أبو نضال في بغداد قيل إن شخصاً يشبه الصدر وجد مقتولاً أيضاً في قبو الفيلا، لكن هذه الرواية ضعيفة على الرغم من أن لجنة تحقيق دولية قامت بالبحث في الموضوع بعد تناول بعض الجهات هذا السيناريو عن مصير الإمام موسى الصدر.
السيناريو الخامس أن السيد الصدر لم يقتل، وإنما سافر إلى روما وهناك اختفى بتواطؤ بين المخابرات الليبية وبعض أجنحة المخابرات الإيطالية التي كانت تتعاون معه، وسبق لهذه الأجهزة أن ضيّعت قضية اغتيال ماجد أبو شرار الشخصية الفلسطينية الإعلامية البارزة من جانب الموساد الإسرائيلي في روما، وظلّت التحقيقات عاجزة عن إثبات ذلك، وتستند هذه الرواية الى أن السيد الصدر الذي كان ينزل في فندق الشاطئ وشوهد آخر مرّة فيه 31/8/1978 وغادره غاضباً بعد المناقشة الحادة مع القذافي، دون أن يخبر السلطات الليبية، لكنها لحقته واقتادته من المطار من جانب جهاز المخابرات باسم &laqascii117o;التشريفات"، وبعدها اختفى قسرياً، حيث لفقت قضية ختم جواز سفره بمغادرته إلى روما، وكانت تلك مسرحية سمجة أيضاً، حيث نفت أجهزة المطار الإيطالية وصوله كلياً، ثم عادت ووضعت احتمال مروره في وقت لاحق وهو ما ينبغي إثارته قضائياً، خصوصاً في هذه الفترة بالذات التي كشفت عن تواطؤات عديدة دولية وإقليمية.
السيناريو السادس وهو إحدى فلتات القذافي، فقد أكّد في 31 آب (أغسطس) 2002 أن السيد الصدر اختفى في ليبيا وأشاد بدوره المقاوم وقال إنه زعيم مرموق وضد الاحتلال وهو من أسّس ألوية المقاومة اللبنانية، وأشار إلى أنها مأساة تقلق &laqascii117o;ضمائرنا" حيث اختفاء أحد رجالات الأمة الإسلامية. وقد حاولت منظمة العفو الدولية في تقريرها لعام 2003 أن تطالب القذافي بالكشف عن مصير الصدر، مثلما سبق أن ظلّت تطالبه ومعها المنظمة العربية لحقوق الإنسان التي أسست لجنة قانونية كان لكاتب السطور شرف المساهمة فيها، كما تأسست في لندن بإشراف لجنة من المنظمة لإجلاء مصير الكيخيا كان الشاعر بلند الحيدري رئيساً لها. ولكن تلك المحاولات كلها لم تدفع نظام القذافي إلى التفكير بالكشف عن مصير الشخصيتين الأثيرتين الاسلامي المتنور والزعيم الكاريزمي موسى الصدر، وكذلك منصور الكيخيا الشخصية الحقوقية المحاورة، حيث يعتبران رمزاً للاختفاء القسري.
السيناريو السابع، ان الصدر لا يزال حياً وقد لعبت وساطة إيرانية في وقت سابق على هذا الوتر، وكان السفير الإيراني في دمشق أحمد موسوي قد أكّد ذلك، كما أن بعض الشهود بعد الثورة كانوا قد ذهبوا في هذا الاتجاه بينهم عبد الباسط المصراتي الذي كان يصرّ على أن الصدر كان حياً حتى العام 1992 أي بعد 14 عاماً من اختفائه، وهناك من أكّد أنه شاهد الصدر حتى العام 1994.
وحتى لو افترضنا ذلك صحيحاً، فإن من المحتمل جداً أن يكون قد صُفّي بعد فضيحة اختفاء الكيخيا قسرياً، لا سيما ما تركته تلك الجريمة من أثر دولي وردود فعل واسعة تجاوزت ما كان قائماً في العام 1978، خصوصاً تدخلات المجتمع الدولي، حيث أصبح يصنّف النظام الليبي باعتباره نظاماً إرهابياً بعد حوادث كثيرة من أبرزها قضية لوكربي، رابطاً إياه بالارهاب الدولي، الأمر الذي أعطى لقضية الاختفاء القسري أهمية جديدة، حيث قابل الرئيس الأميركي بيل كلينتون السيدة بهاء العمري زوجة منصور الكيخيا، وشدّد على ضرورة إجلاء مصيره، وتحميل ليبـيا وقيادتها مسؤولية اختفائه.
بعد هذه السيناريوهات كيف يمكن أن ينجلي مصير السيد موسى الصدر، التي ينبغي أن تبقى قضيته في دائرة الضوء بحيث لا يتسلل إليها النسيان، لا سيما بعد تغيّر الظروف، وسقوط حكم القذافي، ويمكن للقضية أن تكتسب بعداً قانونياً وإنسانياً جديداً، حيث لا بدّ من الكشف عن ملابساتها وفكّ طلاسمها ومعرفة رموزها بتعاون بين القضاء اللبناني والقضاء الليبي، وبمساعدة من المحكمة الجنائية الدولية، أي أن تعاون القضاء الوطني مع القضاء الدولي مسألة مهمة، من خلال لجان تحقيق دولية وبمساعدة من الدولتين وفتح الملف مجدداً والاستماع إلى الشهود ودراسة الأدلة والأسانيد والقرائن، وبالتالي التوصل إلى الحقيقة، ليتم كشـفها كاملة وغير منقوصة، بهدف تحديد المسؤولية الجنائية، بما فيها للأموات، فضلاً عن الأحياء، وتعويض الضحايا وعوائلهم مادياً ومعنويا، وجبر الضرر والعمل على إصلاح النظام القانوني والقضائي والأمني وأجهزة التحقيق وغيرها، لمنع تكرار مثل هذا الحدث الجلل، الذي لا يزال العالم يعـاني مـنه في نحو 63 بلداً وإن كان قد انحسر مؤخراً، لكن بعض الأنظــمة ومنها نظام القذافي الذي أُطيح لا يزال متهماً بالكثير من حالات الاختفاء القسري، التي ينبغي كشفها وتسليط الضوء على مثل هذه الأعمال الإجرامية ووضع حد لها.
وإذا كانت قضية الإمام موسى الصدر قد شكّلت أزمة مستديمة بين الدولة اللبنانية والدولة الليبية، لا سيما أن قطاعاً واسعاً ومؤثراً من اللبنانيين يعتبر ليبيا كدولة مسؤولة عن اختفائه قانوناً، ولا يهم في ذلك تضارب المعلومات بشأن وجوده حياً أو ميتاً، فإن المهم هو إجلاء مصيره، وإعادة لحمة العلاقات بين البلدين وتعاونهما في هذه القضية التي قد تكون مفتاحاً لقضايا أخرى مهمة، بما فيها تواطؤ بعض الجهات أو الأشخاص لحسابات أنانية ضيقة، علماً بأن السيد الصدر كان موفور الصحة، وعمره لم يتجاوز الخمسين عاماً لحظة اختفائه، فقد ولد في العام 1928 واختفى في العام 1978.
آن الأوان للكشف كيف أن دولة تستبدل وظيفتها من مهمة حماية الأمن وأرواح وممتلكات الناس إلى قاطع طريق أو عصابة، تقوم بتجاوز الشرائع القانونية والإنسانية والأخلاقية والدينية جميعها، فتخفي البشر دون أي شعور بوخز الضمير، متصوّرة أن العقاب لن ينالها، وأن المرتكبين سيبقون خارج دائرة المساءلة
- 'الأخبار'
الانتفاضات العربية: متى تتحقّق مطالب الطبقات الثائرة؟
سلامة كيلة:
انتصرت انتفاضتا تونس ومصر. هذا هو العنوان العام الذي تصدر اليوم التالي لرحيل الرؤساء. وبعد أشهر، أصبح الحديث عن سرقة هذه الثورات أو الالتفاف عليها شائعاً، وبات يظهر ألا أمل في الانتفاضات الأخرى لأنّها سوف تعيد إنتاج النظم ذاتها. ولقد انفتح باب عريض للتشكيك بهذه الانتفاضات انطلاقاً من أنّ هدفها &laqascii117o;تجديد" النظم المهترئة المتهالكة فقط، رغم أنّ وقودها هو الشعب. لم تغيّر الانتفاضات بنية النظم القديمة، ولم تغيّر النمط الاقتصادي والطبقة الرأسمالية المافياوية المسيطرة. وما فعلته هو طرد الرئيس وبعض من حاشيته ومن مافياته فقط. هذا صحيح من حيث الشكل، حتى الآن. بمعنى أنّ تغيّراً قد تحقق في أشخاص السلطة، لكنّها ظلت تعبّر عن الطبقة الرأسمالية المافياوية ذاتها. ولذلك لا تزال تصرّ على استمرار النمط الاقتصادي دون أي تغيير، بما في ذلك المستوى المتدني للأجور واستمرار البطالة. وأيضاً، ومن أجل ذلك، لا تزال تتمسك بالطابع البوليسي للسلطة، وتحاول أن تجعل التنازلات الديموقراطية في أدنى مستوى. وكذلك تتمسك بالسياسة الخارجية التي درج عليها النظام السابق، ربما مع تعديلات هامشية.
كل ذلك صحيح، لكن السلطة باتت اضعف، وتعيش في وضع متأزم. والأهم هو أنّ الطبقات الشعبية &laqascii117o;لم تعد إلى البيت"، فلا تزال تقاوم الوضع الذي هي فيه. والنضال من أجل دولة مدنية ديموقراطية لا يزال قائماً، إذ يتصاعد الصراع حول طبيعة الدولة الجديدة. بمعنى أنّ الخوف الذي كان يسكن تلك الطبقات، وكان يجثم على صدرها كالكابوس، قد انتهى، مما يجعلها لا تخشى استمرار الصراع للوصول إلى تحقيق مطالبها. ولذلك، لن يكون ممكناً لها العودة &laqascii117o;إلى البيت"، قبل أن تحقق وضعاً معيشياً يسمح لها بالعيش بكرامة. وهو الأمر الذي يعني أنّها سوف تخوض الصراع حتى النهاية، أي إلى حين تغيير النمط الاقتصادي، لكي يتشكل نمط آخر يحقق مطالبها ويجعلها تعيش بكرامة.
لذلك نجد أنّ الصراع لا يزال يسير على مستويات ثلاثة. الأول يتعلق بحركات الاحتجاج والإضرابات من أجل مطالب تتعلق بالعمل والأجر والتعليم والصحة، وهو حراك كبير في تونس ومصر، وأصبحت مليونيات الجمعة في مصر تركز عليه بوضوح. بمعنى أنّ الصراع من أجل تحقيق مطالب الأجر المناسب وحق العمل والتعليم والصحة مستمر وفي تصاعد، إذ لم يشعر هؤلاء المفقرون بأنّ الثورة قد حققت لهم ما يناسب نضالهم. والمستوى الثاني يتعلق بطبيعة النظام السياسي الجديد، وذلك صراع تخوضه الأحزاب السياسية، لكنّه في صلب اهتمام &laqascii117o;شباب الثورة". وهنا يبرز الصراع من أجل إفشال تكتيك الطبقة الرأسمالية المسيطرة الذي يُنفّذ من قبل &laqascii117o;السلطة الجديدة"، العسكرية في الخفاء كما في تونس، أو العسكرية الواضحة كما في مصر. والصراع يقوم من أجل تأسيس دولة مدنية ديموقراطية. أما المستوى الثالث فيتعلق بالصراع ضد الإمبريالية والدولة الصهيونية، وذلك أمر واضح في تونس، وأوضح في مصر نتيجة مجاورة الدولة الصهيونية واتفاقات كامب ديفيد، وطابع التبعية الذي كان يحكم علاقة السلطة السابقة بالدولة الصهيونية تحت الإشراف الأميركي.
ويعني ذلك أنّ التغيّير الذي تحقق هو شكلي إلى حدّ كبير، وأنّ الطبقات الشعبية لم تترك الميدان، إذ لا تزال تدافع عن وضعها، وتسعى إلى تحقيق مطالبها. لم تتوقف، ولم تتراخَ، ولا يبدو أنّها قادرة أصلاً على ذلك، لأنّها لا تملك ترف السكينة، وهي في وضع يقارب الموت نتيجة العجز عن توفير ممكنات العيش. بالتالي، انفتح أفق الصراع فقط، وهو مستمر إلى أن تفرض الطبقات الشعبية نمطها من خلال السيطرة على السلطة. ولقد أصبح واضحاً أنّ &laqascii117o;النظم الجديدة" ليست في القوة التي كانت عليها تلك النظم التي حكمت لعقود طويلة. وأنّ كل الأحزاب التي يمكن أن تصل إلى السلطة الآن لا تتوافق مصالحها مع تغيير النمط الاقتصادي، فهي ليبرالية في بنيتها، وبالتالي لا تملك البرنامج الذي يحقق مطالب تلك الطبقات.
في المقابل، إنّ قوة الطبقات الشعبية لا تزال كبيرة، ونشاطها لا يزال قائماً لأنّ ليس من خيار آخر أمامها أصلاً. وكما نلاحظ فإنّ الصراع مفتوح كل يوم دون تردد أو تخوّف. وسيستمر الوضع بالتالي كذلك في الفترة القادمة. فالطبقات التي نهضت من أجل إسقاط النظام لن تعود قبل تحقيق هذه المهمة، التي لا تعني تغيير الأشخاص أو حتى الشكل السياسي للسلطة من خلال بناء دولة ديموقراطية، بل تعني تغيير النمط الاقتصادي، قبل الشكل السياسي، لأنّ ذلك وحده ما يحقق لها مطالبها في العمل والأجر المناسب، والتعليم المجاني، والضمان الاجتماعي. لكنّها تطالب أيضاً بالحق في التنظم في نقابات وأحزاب، وحق الإضراب والتظاهر، ورقابة المؤسسات والهيئات، وحرية التعبير والنشر، في إطار دولة مدنية ديموقراطية.
انتفضت تلك الطبقات لأنّها باتت في حالة بطالة أو بأجر لا يكفي لأدنى مستويات العيش، وتعاني من العجز عن تعليم أبنائها أو علاجهم، ولا تمتلك الضمان ضد البطالة أو العجز أو الشيخوخة، وكذلك لا تمتلك إمكانية توفير أي حدّ من الرفاه، ثم لأنّ السلطة تمنعها من التعبير عن وضعها ذلك. وهي تتلمس الحرية حين تقرّر التعبير عن وضعها بالتحديد، لأنّها حينها تجد أنّها في صراع مع السلطة، وأنّ تلك السلطة هي التي تكرّس فقرها من خلال حماية نهب الرأسمال المحلي والإمبريالي. ولذلك هي تعمل على تغيير شكل السلطة في إطار سعيها إلى تغيير كليّة وضعها الذي لا يتحقق إلا بتغيير النمط الاقتصادي.
وما يبدو واضحاً إلى الآن هو أنّ الطبقة الرأسمالية المسيطرة لا تزال تتمسك بالسلطة، وأنّها تقوم بتغيير الأشكال فقط، وستبقى تقاوم من أجل استمرار سيطرتها. كذلك، فإنّ الأحزاب القائمة (في غالبها) لا تفهم الوضع الاقتصادي، وتتمسك بأولوية تغيير شكل السلطة من أجل تأسيس &laqascii117o;دولة ديموقراطية"، وبالتالي لا تميل لتغيير النمط الاقتصادي، سواء لأنّ مصالحها تفترض ذلك، إذ إنّها تعبّر كذلك عن فئات رأسمالية (ربما هُمشت، أو أُعطيت حصة محدودة في الفترة السابقة)، أو لأنّها تمثّل فئات وسطى تمتلك أحلام التطور الرأسمالي. وكل هؤلاء هم قاعدة &laqascii117o;النظام الجديد". لذلك، مهما كانت صيغة تشكل &laqascii117o;النظام الجديد"، أي باستمرار نظام الرأسمالية المافياوية مشذباً، أو مدمجاً بأحزاب جديدة وقاعدة اجتماعية أوسع، أو حتى إذا تشكل من أحزاب &laqascii117o;معارضة"، سوف يحافظ على النمط الاقتصادي الريعي المافياوي، وبالتالي لن يحلّ مشكلات الطبقات الشعبية.
ومن الآن تبدو الأمور واضحة لأنّ هذه الطبقات ليس لديها ترف الانتظار، لا حتى تتشكل الدولة الديموقراطية، ولا حتى يبرز من يحمل مشروع تشكيلها. فالأولوية هنا للمقدرة على العيش وليس لشكل الدولة العتيدة. فالعاطلون من العمل يسألون عن التوظيف، والذين لا يكفي أجرهم لشراء الخبز يسألون عن حد أدنى للأجور يحقق لهم مقدرة على العيش، ويسألون عن التعليم والطبابة والسكن. هذه هي الأسئلة التي تُطرح في تونس وفي مصر. والتي تبقي الصراع محتدماً دون توقف.
وإذا كان ذلك يكشف أن جوهر الانتفاضات هو الاقتصاد، فهو يوضّح أيضاً السبب الذي يجعل النخب الليبرالية تصرّ بكل ما فيها من قوة لفظية على أن الحرية والديموقراطية هما أساس الانتفاضات، لأنّها تحاول تعميم &laqascii117o;خدعة إيديولوجية" لتضليل الوعي الشعبي، نتيجة كونها لا تريد حل مشكلات الطبقات الشعبية هذه، إذ إنّها تنحاز إلى الرأسمالية سواء التي في السلطة أو التي على هامشها. وهي تمتلك إحساساً دونياً تجاهها، في مقابل التعامل الدوني مع الطبقات الشعبية. وهو الأمر الذي جعلها لا تعتقد بأنّ في مقدور هذه الطبقات صنع ثورة من العيار الثقيل الذي شاهدناه ولا نزال نشاهده. أو حتى تجاوز حالة الخنوع والخضوع التي كانت تعيشها في ظل النهب المافياوي والسلطة الاستبدادية. وهي تريد أن يبقى هذا الوضع، بالتالي تركّز على تغيير الشكل من أجل الحفاظ على الجوهر، الذي هو الاستغلال الرأسمالي.
لكن الطبقات الشعبية مستمرة، وستبقى مستمرة إلى أن تفرض بديلها الذي يحمل تكويناً يحقق مصالحها. بالتالي يمكن القول بأنّ الصراع قد انفتح، وأنّ نهايته هي تحقيق تغيير جذري يحل مشكلات الطبقات الشعبية. ويمكن التأكيد أنّ الصراع مستمر، بغض النظر عن الأشكال التي يمكن أن يتخذها في كل لحظة، وعن الشمول أو التجزيء، أو الحدة أو الليونة، اللذين يمكن أن يتسم بهما في أي وقت. والسؤال الآن هو: كيف تنتظم الطبقات الشعبية بشكل أفضل؟ ومن هي القوة التي يمكن أن تعتبر بأنّ مصالح هذه الطبقات هي مصلحتها الخاصة؟ وبالتالي كيف نصل إلى الوعي بأنّ الحل لا يتحقق إلا عبر بناء سلطة تنطلق من تغيير النمط الاقتصادي، وأنّ هذا وحده هو الذي يسمح ببناء دولة مدنية ديموقراطية؟
الأساس هنا هو كيف توجد هذه الطبقات الشكل السياسي الذي يعبّر عنها، والذي يدفعها لأن تفرض هيمنتها وتصبح هي السلطة لكي تتحقق مصالحها؟ وهنا الحل سياسي، ويقوم على تحويل صراع هذه الطبقات من صراع مطلبي إلى صراع سياسي يستهدف السيطرة على السلطة. لقد نهضت الطبقات الشعبية لخوض الصراع، ولا بد لها من أن تبلور بديلها. إذن، الطبقات الشعبية لم تقبل بالشكل الذي أسقط فيه النظام، ولا تزال مستمرة في الصراع لكي تسقط النظام الاقتصادي والسياسي معاً، من أجل أن يكون ممكناً تحقيق مصالحها هي بالذات.
- 'الأخبار'
أسرار 'العراقية' على الهواء مباشرةً
علاء اللامي:
لا يحتاج المراقب إلى كثير تحليل لإثبات مدى هشاشة الرابط الذي يجمع بين قادة القائمة &laqascii117o;العراقية"، ليس منذ اليوم، بل منذ تأسيسها وقبل ذلك. الشهادات التلفزيونية لخلف العليان وسلام الزوبعي كشفت أخيراً عن فصول مدوّية تظهر الحقد البالغ بين أطراف مجتمعين حول &laqascii117o;العراقية" اليوم، وبين أسماء يظنّ المرء أنهم حلفاء لا يفرقهم شيء.حزمة مهمة من أسرار سياسية لا تخلو من النكهة الشخصية، وجدت طريقها إلى شاشات إحدى القنوات التلفزيونية العراقية عبر برنامج يحمل عنوان &laqascii117o;شهادات للتاريخ". البرنامج، الذي يعدّه ويقدمه الكاتب والمحلل السياسي، الدكتور حميد عبد الله، بُثَّ خلال السنة الماضية، لكنه لم يصبح في متناول قطاع واسع من الجمهور العراقي إلا منذ فترة قصيرة، حين عمد مهتمون إلى إعادة بثه على شكل أجزاء على مواقع التواصل الاجتماعي كموقع &laqascii117o;يوتيوب" والصحافة الإلكترونية. الشيخ خلف العليان، الضابط الكبير في جيش النظام السابق، وشيخ عشيرة عربية سنية في محافظة الأنبار، كان &laqascii117o;بطلاً" لعدة حلقات من البرنامج المذكور. الشيخ العليان تحدث في &laqascii117o;شهاداته للتاريخ" بصفته رئيساً لـ&laqascii117o;مجلس الحوار الوطني"، أحد المكونات السياسية الرئيسية لـ&laqascii117o;جبهة التوافق" سابقاً، وكان صريحاً ولاذعاً في آن. من الأسرار والحيثيات الكثيرة التي أدلى بها في البرنامج المذكور، والتي توقف عندها المراقبون، نذكر الأمثلة التالية:يروي الشيخ العليان أنه كان في الحج قبل أربع سنوات، حين بلغه أنّ زميله طارق الهاشمي، القيادي في الحزب الإسلامي وجبهة التوافق آنذاك، وقع على اتفاقية سياسية مع الزعيمين الكرديين مسعود البرزاني وجلال الطالباني سُمِّيَت &laqascii117o;اتفاقية دوكان"، وأنه طلب من مرافقيه الانتظار حتى العودة والاطلاع على حيثيات الاتفاقية، فإن كانت الاتفاقية جيدة &laqascii117o;سنصفق للهاشمي وإلا فسنقف ضده وضدها" على حد تعبيره. يضيف العليان أنه اطلع ومعه عدد من قياديي &laqascii117o;مجلس الحوار"، بعد عودته من الحج، على تفاصيل اتفاقية &laqascii117o;دوكان". وأنهم فوجئوا بأنّ الهاشمي اتفق مع البرزاني والطالباني على أمور خطيرة منها: تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم. الأول كردي تضاف إليه محافظة كركوك الغنية بالنفط، ومناطق أخرى يسميها الدستور الذي كتب في عهد الاحتلال &laqascii117o;مناطق متنازع عليها". وتشكيل جيش كردي من ميليشيات البيشمركة يكون مؤلفاً من 12 فرقة مسلحة من قبل المركز بالطائرات والدبابات والمدفعية، على أن تكون قيادته كردية وتابعة لزعامة الإقليم، وأن تكون عقود النفط في المناطق الكردية، استخراجاً وتصديراً، بيد الأكراد وليس بغداد. هذا إلى جانب إقامة إقليم شيعي من تسع محافظات في الوسط والجنوب، وإقليم ثالث من المحافظات المتبقية وذات الغالبية العربية السنية تُناط زعامته بحزب طارق الهاشمي. يضيف العليان أنه ومَن معه، ثاروا ضدّ تلك الاتفاقية، ويبدو أنهم نجحوا بتحويلها إلى الأرشيف بعد إجهاضها سياسياً، فلم يُسْمَع عنها شيء لاحقاً. وردّاً على تقاربه وتأييده لرئيس الوزراء نوري المالكي في تلك السنة، وزيارته له في مكتبه، الأمر الذي أخذه عليه مقدم البرنامج بمفردات حادة، أجاب العليان مبرراً أنه زار المالكي بعدما لاحظ الجميع أنه &laqascii117o;تغيّر سياسياً في الاتجاه الوطني المدافع عن وحدة العراق". ويمضي العليان قائلاً &laqascii117o;في الوقت الذي اطلعنا فيه على تفاصيل اتفاقية دوكان بين الهاشمي والزعماء الأكراد، كان المالكي يقف ليعلن رفضه للأقاليم الاتحادية" الفيدرالية، وتأكيده أن العراق وطن واحد، وأن كركوك عراقية، وأن قوات البيشمركة &laqascii117o;ميليشيات كردية" يجب أن تنسحب من المناطق المختلف عليها. ورغم أن المالكي كان في أضعف حالته آنذاك، &laqascii117o;فهو قاد الجيش العراقي بنفسه، وقاتل الميليشيات الشيعية والسنية وجعلنا نستطيع المشي بطولنا بكامل قامتنا في العراق"، على حدّ تعبيره. العليان أضاف معلومة ستُحرج، كما يتوقّع مراقبون، نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات صالح المطلك، مفادها أن المطلك كان معه عضواً في الوفد الذي زار المالكي في مكتبه، لكنه، بعدما انتهى اللقاء وخرجوا من المكتب وأحاط بهم الصحافيون والمصورون، حاول المطلك أن يختفي بين أعضاء الوفد بخفض قامته ثم تسلّل من الوفد بطريقة غريبة. محللون فسروا تصرُّف المطلك هذا بأنه لم يكن يريد أن تلتقط له صورة كعضو في الوفد الذي زار المالكي، وتسجَّل عليه كموقف في ما بعد.وبخصوص المطلك أيضاً، يروي العليان أنه هو من جاء به ليكون عضواً في &laqascii117o;مجلس الحوار الوطني" بعد تأسيس المجلس بسبعة أشهر، وأن عدداً من أعضاء المجلس لم يكونوا مرحّبين به ومنهم ابن عمه، وهو ضابط أيضاً في جيش النظام السابق وبرتبة عميد، حامد عبيد المطلك، الذي كان يقود آنذاك أحد فصائل المقاومة وهو &laqascii117o;الجيش الوطني لتحرير العراق". لكن العليان كما قال، تمكن من إقناع الجميع بقبوله عضواً عادياً في &laqascii117o;المجلس"، وبعدها حاول المطلك القيام باتصالات مع أعضاء آخرين بهدف تشكيل زعامة له. ويتابع روايته بأنه حين فشل في مسعاه، انشق هو وعدد من مؤيديه عن &laqascii117o;مجلس الحوار"، وأسس كيانه السياسي الخاص وأطلق عليه &laqascii117o;جبهة الحوار الوطني".وعن الأجواء التي سبقت الانتخابات التشريعية الأخيرة عام 2010، يروي العليان أنّ &laqascii117o;مجلس الحوار" حاول الدخول في ائتلاف مع &laqascii117o;جبهة الحوار" بقيادة المطلك، فوافق الأخير ليس على التحالف بل على ما هو أكثر من ذلك، أي على الاندماج بين الطرفين ولكن بشرطين: الأول انسحاب &laqascii117o;مجلس الحوار" الذي يقوده العليان من &laqascii117o;جبهة التوافق"، ومهاجمة الهاشمي وحزبه في الإعلام، والثاني فك أي ارتباط بالمالكي ومهاجمته في الإعلام. هذان الشرطان، يواصل العليان روايته، كررهما اياد علاوي حين زاره العليان للتعزية بوفاة عمه بعد فترة. ويستأنف العليان قصته فيقول: فاجأني علاوي ونحن في مجلس العزاء بقوله إنه سجل علي بعض المآخذ، ويريد أن أتخلص منها قبل الدخول في أي تحالف أو ائتلاف، ثم كرر شرطَي المطلك حرفياً، وهما قطع العلاقة بالهاشمي وحزبه والمالكي وحزبه، وفضح الطرفين في الإعلام. العليان اعترف بأن رده كان قاسياً وحاداً على علاوي، إذ بدأ بتذكيره بأنه هو ومجلسه من يهاجم الهاشمي وحزبه منذ عدة أشهر، وهذا معروف ولا جديد فيه، أما المالكي، يضيف العليان، &laqascii117o;فقد هاجمته أيضاً مراراً وتكراراً، ولم تنتقدوه أنتم أي انتقاد علني طوال سنوات. أما الآن، وحين ينتهج المالكي نهجاً وطنياً وتوحيدياً ومناوئاً للطائفية، فليس من الصحيح مهاجمته". يستمر العليان في إدلاء شهادته فيقول إنه اعتبر أمام الجميع أن دخول علاوي في ائتلاف معه ومع مجلس الحوار &laqascii117o;يزيدكَ (علاوي) شرفاً لأننا وطنيون منذ الولادة وأنت عميل، وأنا لا أتهمك بذلك ولكنك قلت بلسانك لوسائل الإعلام: أنا تعاملت مع ستة عشرة مخابرات أجنبية، لهذا فوجودك معنا في أي ائتلاف يزيدنا مهانة ومذلة ووجودنا معك يزيدك شرفاً". ويتابع العليان في شهادته التلفزيونية تلك أنه قال لعلاوي &laqascii117o;أنتَ ارتكبتَ جرمين كبيرين بحق العراق: الأول هو أنك، وبسبب خلاف شخصي بينك وبين صدام حسين، سعيت من أجل أن تحتل أميركا العراق وتدمّره. والجرم الثاني، هو أنك حين استلمت الحكم، وكنتَ أنت وجماعتك منفردين فيه، فغازي الياور كان رئيساً للجمهورية، وفلاح النقيب وزيراً للداخلية، وحازم الشعلان للدفاع، ومحمد الشهواني للاستخبارات، وهؤلاء كلهم من حلفائك وأصدقائك، ولم تكن هناك طائفية ولا مجازر ولكنك أتيت بكل هذا وتلهيت بقضايا جانبية حتى ضاع العراق". في حلقة أخرى من البرنامج التلفزيوني نفسه، استضاف مقدمه نائب رئيس الوزراء السابق سلام الزوبعي، القيادي أيضاً في &laqascii117o;جبهة التوافق" في حينها. الزوبعي فجَّر بدوره قنبلة سياسية من العيار الثقيل حين كشف أن &laqascii117o;جبهة التوافق" قامت ببيع منصب وزير الدفاع الذي كان من حصتها في وزارة المالكي الأولى، إلى تاجرَين عراقيين يقيمان ويعملان في العاصمة الأردنية عمّان، وبدورهما أسنداه إلى عبد القادر العبيدي، وزير الدفاع السابق، مشيراً إلى أن التاجرين دفعا لجبهة التوافق مبلغ عشرة ملايين دولار لقاء ذلك المنصب. ويختم الزوبعي أنه &laqascii117o;حين انسحبت جبهة التوافق من حكومة المالكي احتجاجاً، رفض العبيدي الانسحاب ومعه وزير التخطيط علي بابان، فكفّرتهما جبهة التوافق واعتبرتهما مرتدّين".
- 'النهار'
روسيا تُخطئ الحسابات... وإيران
سركيس نعوم:
حكام روسيا الاتحادية يرتكبون حالياً اخطاء في الموضوع السوري يقول المتابعون الاميركيون في واشنطن لأوضاع سوريا وتطوراتها. والأخطاء في رأيهم هي في الحسابات التي يجرونها، وفي تقويماتهم لما يجري في المنطقة وفي سوريا طبعاً. الخطأ الأول هو تجاهل هؤلاء الحكام حقيقة اساسية فرضت نفسها على الساحة العربية والاسلامية، وهي ان الشرق الاوسط بعربه ومسلميه يعيش حالياً عصر الانتشار الواسع للاسلامية الأصولية المتشددة في كل دوله. وقد جعل ذلك الاسلاميين غالبية مهمة في المنطقة. ومن اسباب هذا التحول فشل كل الايديولوجيات التي سادت بلاد العرب والمسلمين في العقد الماضي وخصوصاً بعد انتقالهم من الاستعمار الى الاستقلال. وأبرز الايديولوجيات الفاشلة القومية العربية التي جسّدها بقوة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ثم الثورة الفلسطينية، وأخيراً حزب البعث. وابرزها ايضاً اليسار، سواء كان ماركسياً أو اشتراكياً أو عربياً. وابرزها أخيراً الديموقراطية التي عرفتها دول عربية عدة وإن لفترات قصيرة بعد استقلالها، والتي اختفت الا من الخطب والبيانات الرسمية وغير الرسمية معظم عقود القرن الماضي. والعامل المشترك بين الايديولوجيتين الاولى والثانية، أي القومية العربية واليسار، هو انتاجهما أنظمة ديكتاتورية حزبية وعسكرية أو حزبية – عسكرية في آن واحد تحوّلت لاحقاً أنظمة فردية وفئوية وطائفية.وفي هذا المجال لا يشك المتابعون أنفسهم في أن الأصولية الاسلامية، سواء اتّبعت الطريقة الايرانية (الشيعية) او الطريقة التركية (السنّية)، أو التي تتكوّن حالياً من التجارب السابقة (سلفية ووهابية وصوفية و'قاعدية' واخوانية)، لا يشكّون في انها ستفشل في النهاية. ولكن في انتظار فشلها على المعنيين بهذا الموضوع وفي مقدمهم الدول العظمى والكبرى ان يختاروا موقفاً من اثنين. الاول، محاولة التوصل الى صيغة عمل مع الأنظمة الاسلامية التي نشأت بفعل ثورات 'الربيع العربي'، والأخرى التي قد تنشأ لاحقاً. والثاني، معارضتها منذ البداية والعمل ضدها في مختلف المجالات والميادين. وهذا ما تفعله روسيا اليوم، فهي تضرب ومنذ اكثر من عشر سنوات اسلامييها الأصوليين ولا سيما في الشيشان ومناطق اخرى داخلها. لكنها لم تنجح يوماً في القضاء نهائياً عليهم، اذ أنهم 'يفرخون' دائماً ويعلنون عن وجودهم بعمليات يسميها المجتمع الدولي 'ارهابية'. وهي اقامت علاقات جيدة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، وخالفت بذلك اجماعاً دولياً على معارضة، توجهها لامتلاك تكنولوجيا نووية وطاقة نووية وسلاحاً نووياً. وهي الآن تدعم نظام بشار الاسد في سوريا وقمعه الدموي للثائرين ضده على رغم انهم يشكلون غالبية الشعب السوري. وكل ذلك لأن الفكر الاسلامي الأصولي منتشر في اوساطهم. طبعاً، يتوقع المتابعون الاميركيون انفسهم، ان تخسر روسيا في النهاية جراء مواقفها المشروحة اعلاه. ذلك ان مواقفها ستدفع الأنظمة الاسلامية الحديثة (السنّية) الى التحول ضدها، وكذلك الاخرى التي قد تنشأ قريباً. ويعني ذلك قيامها بتشجيع الأصوليات الاسلامية حيث يوجد مسلمون في كل الدول والمجتمعات. اما اميركا فقد اظهرت ارادة عمل مع الأنظمة الجديدة والاخرى القادمة على رغم استمرار حذرها منها، واستمرار خوف الاسلاميين من أن يتم استعمالهم لأهداف غير اسلامية. هذا العمل بين اميركا والاسلاميين قد يتعزّز، اذا نجحت اميركاً اخيرا وبعد سنوات بل عقود من الفشل بسبب غياب الارادة وتوافر الانحياز الى اسرائيل، في ايجاد حل للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي. وهذا امر سوف يقوم به الرئيس باراك اوباما اذا أُعيد انتخابه اواخر العام الجاري، لأنه صار ضرورة استراتيجية لأميركا. وفي هذه الحال فان تعاون واشنطن مع الأنظمة الاسلامية الناشئة والتي ستنشأ، قد يؤدي الى مواجهة مشتركة للأصوليين المتطرفين والعنفيّين والتكفيريّين من المسلمين. وهذا الأمر جارٍ منذ سنوات، بين تركيا الاسلامية واميركا. ويرتقب الاميركيون أن يجري قريباً بين مصر (الاسلامية بغالبية مجلسي الشعب والشورى فيها) واميركا. في النهاية، يشدّد المتابعون الأميركيون انفسهم، على ان لا بد أن يصل نظام الاسد الى النهاية سواء بسبب اهترائه الداخلي او بسبب عوامل خارجية. وستُظهر هذه النهاية لإيران الاسلامية انها اخطأت الحسابات وستعرّض نظامها ربما لنهاية مماثلة وإن مع الوقت، اذا اصابها غرور القوة او اذا تابعت أخطاءها في الحسابات. ولن يتغير ذلك الا اذا توصلت الى تفاهم وتسوية مع المجتمع الدولي وخصوصاً أميركاً.
- 'السفير'
بلمار يودع المحكمة بشهادة 'مزوَّرة'
الياس فرحات:
من يقرأ اخبار زيارة المدعي العام للمحكمة الخاصة بلبنان دانيال بلمار ووداعه المؤثر يكَد يرى زيت القداسة يرشح من كلامه. يقول بلمار انه لدى تعيينه رئيسا للجنة التحقيق المستقلة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، سأل عن هذا البلد الذي اسمه لبنان، وأغرته شهادة اصدقائه اللبنانيين (هو يصادق لبنانيين ولا يعرف لبنان!). وقال انه يزور لبنان بعدما استقال من وظيفته وتدخل استقالته حيز التنفيذ في 1 آذار المقبل. فات السيد بلمار اننا لم نقتنع بأنه استقال تعففا او بسبب الارهاق او شوقا الى الاحفاد، وذلك لان مهمته اصلا تنتهي بحسب الاتفاق بين الحكومة اللبنانية والامانة العامة للامم المتحدة في 1 آذار، وبعدها هو بحاجة الى قرار تمديد قد لا يحصل عليه اذا كانت مشورة الحكومة اللبنانية سلبية، لذلك قدم استقالته التي تشبه استقالة موظف لبناني عند بلوغه سن التقاعد 64 سنة. ثم يسترسل في الحديث عن المعايير ويقول: &laqascii117o;شكلنا محكمة خاصة بكل المعايير القانونية الدولية وأعتقد صادقا أنها ستكون تجربة فذة ستدرس بمختلف أوجهها وأبوابها القانونية وأحكامها وأنظمتها في المعاهد والجامعات على أساس أنها تجربة فريدة من نوعها لا تشبه أيا من المحاكم الجنائية الدولية في العالم، وهي التي جمعت بين القوانين الدولية الشاملة وتلك اللبنانية الخاصة".
فعلا انها تجربة فريدة، انما كيف تكون الفرادة ؟
ان قرار مجلس الامن الرقم 1757 الذي انشأ المحكمة اورد في مستهله &laqascii117o;واذ يشير (مجلس الامن) في هذا الصدد الى الاحاطة التي قدمها المستشار القانوني في 2 ايار 2007 والتي لاحظ فيها ان انشاء المحكمة عن طريق العملية الدستورية يواجه عقبات حقيقية". بسبب هذه العقبات اقرت المحكمة تحت الفصل السابع، اي الذي يجيز استعمال القوة. بلمار لا يسأل عن دستورية المحكمة في لبنان وكيف السبيل لتصحيح عيوبها كي يتسنى له ولغيره من طاقم المحكمة العمل، من الناحية الاخلاقية، في محكمة وضعها الدستوري سليم في بلدها وان تكون هيئة شرعية قانونية صالحة للفصل في نزاع وليست كما هي اليوم فريقا في نزاع.
نعم ستدرس هذه المحكمة في الجامعات لكن باعتبارها غير دستورية وغير موثوقة من المتقاضين وانها فرضت من القوى العظمى تحت الفصل السابع. ويذهب بلمار مسترسلا في عرض الجهود القانونية التي بذلها ويقول &laqascii117o;في هذه الأجواء بدأت مهمتي، وعملنا مع فريق كبير من الدائرة القانونية في الأمم المتحدة ومكتب الأمين العام وقضاة لبنانيين كبار، على وضع النظام الداخلي للمحكمة وأصول وقواعد الإجراء والإثبات وأخضعناها لتعديلات اقترحتها الهيئات المعنية في المحكمة لتتلاءم وحاجات السعي الى الحقيقة والعدالة ليس إلا". كلام يستدعي الاعجاب بهذا الفريق الذي وضع قواعد الاجراء والاثبات، اي ان المحكمة تشرع لنفسها ووفقا للمعيار الذي ترتئيه، خلافا لمبدأ فصل السلطات المعمول به منذ اقدم العصور. هنا تجمع محكمة بلمار السلطة القضائية مع السلطة التشريعية. فعلا سوف تدرس هذه المحكمة في الجامعات كمثل على ضرب الفصل بين السلطات عرض الحائط.
ويضيف انها أُخضعت لتعديلات اقترحتها الهيئات المعنية. انظر الى الشفافية في تعبير الهيئات المعنية. من هي هذه الهيئات في المحكمة؟ سوف نعرفها اذا عرفنا ان ابرز تعديل كان اعتبار شهود الزور هم الذين يدلون بشهاداتهم بعد انشاء المحكمة في 1 آذار 2009، ومن سبق من الشهود لاعلاقة للمحكمة بهم. اي ان بلمار يتباهى بانه استجاب &laqascii117o;للهيئات المعنية" ومنع التلازم المنطقي بين شهود التحقيق وشهود المحاكمة خصوصا ان شهود التحقيق قد ذهبوا بالتحقيق الى جهة خاطئة، وضللوا المحققين لمدة نحو سنتين، وتسببوا باحتجاز حرية ضباط كبار وعدد من المدنيين لمدة قاربت 4 سنوات! ثم الا يعرف القاضي بلمار ان شهود التحقيق الذين تنصل منهم بناء لطلب &laqascii117o;الجهات المعنية" لم يكونوا في مكان الحادث ولم تأت بهم الضابطة العدلية بل توجهوا من تلقاء انفسهم وبناء لتصور وتصميم مسبق وادلوا بشهادات كاذبة من اجل تضليل التحقيق. الم يتساءل القاضي بلمار لماذا حشر هؤلاء الشهود انوفهم في هذه القضية الكبيرة؟ الم يشتبه، كما يفرض السياق المنطقي، في ان لهم او لمن دفعهم علاقة بالجريمة في مكان ما؟ الحل عند بلمار هو التنصل، لكنه لم يكتف بذلك بل سعى بجهود كبيرة من اجل حماية هؤلاء الشهود الذين يشتبه في انهم ضللوا التحقيق، والارجح لامر يتعلق بالجريمة. المعروف ان قاضي الاجراءات التمهيدية فرانسين حكم للواء جميل السيد بتسلم نسخ عن الشهادات الزور من اجل مقاضاة اولئك الشهود في القضاء الوطني، لكن بلمار لتاريخه لم ينفذ الحكم، ولم يسلم شيئا من الشهادات الزور. هل &laqascii117o;للجهات المعنية" دور في عدم تسليم المستندات؟ طبعا سوف تدرس هذه المحكمة في الجامعات على انها من الغرائب وسيفرد فصل خاص &laqascii117o;للجهات المعنية" التي تتنصل من الشهود الزور.
في قراءة للقرار الاتهامي الذي كتبه السيد بلمار، لن ندخل في قرينة الاتصالات الافتراضية التي تدور شكوك كبيرة حولها، لكننا نقتطف جزءا من الفقرة 59 من القرار المذكور &laqascii117o;وفي الماضي تورط الجناح العسكري لحزب الله في عمليات إرهابية. والأشخاص الذين دربهم الجناح العسكري لديهم القدرة على تنفيذ اعتداء إرهابي بغض النظر عما إذا كان هذا الاعتداء لحسابه أم لا. استنادا إلى خبرتهما وتدريبهما وانتسابهما إلى حزب الله، فإن من المعقول الاستنتاج أنه كان لدى بدر الدين وعياش القدرة على تنفيذ اعتداء 14 شباط/فبراير 2005"
حزب الله ليس حزبا ارهابيا بحسب القانون الدولي، ربما التبس على السيد بلمار ان الولايات المتحدة تصنفه منظمة ارهابية، وليس الامم المتحدة التي تقيم مع هذا الحزب علاقات واتصالات ومثلها بعض دول الاتحاد الاوروبي، لذلك لا يحق له بالاستناد الى القانون الدولي ان يستعمل هذا التوصيف في وثيقة قضائية. اما الاستناد الى الخبرة المزعومة والتدريب والانتساب الى حزب الله لبناء اتهام، فهذا من السذاجة والشبهة بمكان تجعلنا نطرح سؤالا حقيقيا حول مدى مهنية هذا العمل القضائي. الا يعلم السيد بلمار شيئا عن عمليات الموساد الاسرائيلي التي نشر عشرات الكتب عنها، ولا عن تفجيرات القاعدة في جميع انحاء العالم؟ الم يقرأ كتاب الحجاب لبوب وودوورد او كتاب ارث الرماد لتيم واينر وغيرهما من الكتب؟ ولماذا انطلق من الانتساب لحزب الله ولم ينطلق من الاعمال الارهابية التي وردت في الكتب والجهات التي تقف وراءها، والجرائم الارهابية التي وقعت في بلدان عديدة اساسا، لتوجيه تهمة في جريمة ارهابية كبرى هزت اركان الوطن اللبناني؟
للتذكير فإن فترة ولاية المحكمة تنتهي حسب الاتفاقية المعقودة بين الحكومة اللبنانية والامانة العامة للامم المتحدة والتي وافق عليها مجلس الامن في القرار 1757 في 1 آذار 2012 وتعود صلاحية التجديد ومدته الى الامين العام للامم المتحدة بالتشاور مع مجلس الامن والحكومة اللبنانية، وكذلك الامر بالنسبة لتعيين المدعي العام والقضاة. هذه المشورة ليست كما قال وزير العدل السابق شارل رزق مهندس المحكمة غير الدستورية &laqascii117o;اذا وافقت الدولة اللبنانية كان به واذا لم توافق يضعون الاستشارة في الجارور ويتابعون!".
اهكذا يكون القضاء الدولي؟. ان الاستشارة هي رأي لحكومة دولة ذات سيادة وفريق في الاتفاقية ولا يجوز ان تسود عقلية الوضع في الجارور التي يعمل بها شارل رزق لانها تلغي تماما مصداقية المحكمة. هل جهزت الحكومة اللبنانية نفسها لتقديم المشورة في التجديد والتعيين التي تمليها مصلحة التحقيق المستمر منذ سبع سنوات والتي شهدت فصولا من المهنية الهابطة المستوى، والاستغلال السياسي الفاضح؟.
- 'السفير'
الصعود الإسلامي في بلدان الربيع العربي!
فايز سارة:
رغم التفاوت النسبي لحجم وقوة الاسلاميين وجماعاتهم في بلدان الربيع العربي، فقد حسم موضوع السلطة في البلدان الثلاثة تونس وليبيا ومصر للاسلاميين، وصار وجود هؤلاء حاضراً وشرعياً في المؤسستين التمثيلية والتنفيذية، باعتبارهم اصحاب القرار وأقوى المؤثرين فيه، وكان ذلك نتيجة طبيعية لانتخابات جرت في تونس ومصر، حصل الاسلاميون بنتيجتها على اكبر كتلة من المقاعد البرلمانية، ما اعطاهم موقع القيادة في السلطات الجديدة، فيما حصل الاسلاميون الليبيون على موقع مهم في الحياة السياسية نتيجة حضورهم البارز في الثورة والذي سوف يترجم على اكثر من صعيد سياسي وتمثيلي.
وبخلاف ما هو عليه الوضع من ظهور علني وواضح للاسلاميين في البلدان الثلاثة، فإن اسلاميي بلدان اخرى، تتواصل فيها الثورات في سوريا واليمن والبحرين اكدوا حضورهم بدرجات، ما يؤكد ان اسلاميي تلك البلدان، سيكون لهم حضور ملموس في الواقع السياسي الناتج عن التغيير القادم مع انتصار الثورة هناك، رغم ان لكل منهم خصوصياته وتجربته من جهة، واختلافه عن الحالة الاسلامية في بلدان الربيع العربي التي حسمت امورها.
وكما هو واضح، فإن مجتمعات الربيع العربي، تتفاعل بصورة ايجابية مع الاسلاميين وجماعاتهم السياسية رغم غيابهم الملحوظ عن مقدمات انطلاقة ثورات الربيع وتحركاتها الاولى، التي ظهرت شبابيتها وشعبيتها ولاحزبيتها، بل معاداتها في بعض الاحيان للاحزاب والجماعات السياسية، من دون ان تستثني الاسلامية منها، وهو حال تكرر في اكثر من بلد، وتردد صداه في انحاء الربيع العربي كله.
وإذا كان الاسلاميون بعيدين عن مقدمات ثورات الربيع العربي وعن تفاعلاتها الاولى، فإن تفسير تقدمهم الى مراكز القيادة في مرحلة ما بعد الانتصارات الاولى، يمكن ان يجد له تفسيراً في عوامل داخلية لعل الاهم فيها، ان الاسلاميين هم اكثر الجماعات السياسية التي استطاعت الحفاظ على بناها التنظيمية في ظل الانظمة السياسية السابقة نتيجة وجود حاضنات ثقافية - اجتماعية داخل مجتمعاتها، التي بلغت اعلى درجات التصادم والتناقض مع الانظمة الاستبداد القائمة، والثاني ضعف الجماعات المنافسة لتيار الاسلام السياسي من الاتجاهات القومية واليسارية والليبرالية، التي لم تتعرض فقط كشقيقاتها الاسلامية الى هجمات انظمتها فقط، انما بدت اقل قدرة على اقامة توافقات ثقافية واجتماعية وبالتالي سياسية مع حاضناتها الشعبية، فظلت جماعات نخبوبة، وكان من الصعب عليها تحقيق تقدم تنظيمي وسياسي في فترة قصيرة، تفصل بين انطلاق الثورة وانتصارها وصولاً الى صندوق الانتخاب.
وزيادة الى العوامل السابقة، لا بد من ملاحظة امر يتعلق بتغييرات تتواصل في ميدان السياسة العالمية المتصلة بالعلاقة مع التيارات الاسلامية، حيث يشهد العالم تغييرات في الموقف من الظاهرة الاسلامية عموماَ وحيال الجماعات الاكثر شعبية كما هو الحال في بلدان الربيع العربي. ولعل ابرز تعبيرات تحول السياسة العالمية، لا يكمن فقط في الرضا عن سياسات تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية الاسلامي التوجه، انما السعي الى اعادة دمج حركة طالبان الافغانية في الحياة السياسية للبلاد، ثم اعلان الرضا عن وصول الاسلاميين الى السلطة في تونس ومصر، وفتح قنوات التواصل والحوار معهم، بل ان الحالة المغربية في قيام الاسلاميين بتشكيل الحكومة الاخيرة تعتبر مثالاً عربياً عن التحول في السياسة حيال الاسلاميين.
وسط تلك العوامل استطاع الاسلاميون الوصول لموقع القيادة في بلدان الربيع العربي متجاوزين العوامل الكابحة، العامة والخاصة التي كانت تمنع او تحد من وصولهم الى هذا الموقع، والتي كان منها: الارث العنفي الذي ميز قسماً كبيراً من تاريخ وحاضر الجماعات الاسلامية في معظم البلدان العربية، ان لم نقل اغلبها، وهو امر لم يقتصر على التنظيمات الام من الاخوان المسلمين، بل امتد الى التفرعات، التي كان الاخوان حاضنتها الفكرية والسياسية في اغلب الاحيان. والثاني، انه في كل البلدان التي تولى فيها اسلاميون السلطة قادتهم الت