- 'الاخبار'
المحكمة الدولية تنتقل الى مرحلة الحسم
عمر نشابة:
بعد سنة على صدور النسخة الاولى من قرار الاتهام عن المدعي العام دانيال بلمار، وثلاث سنوات على انطلاق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وسبع سنوات على انطلاق التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، اعلن قرار السير بالمحاكمات الغيابية. لكن المحكمة قد تحسم أمرها قبل موعدها اذا تجرأ الدفاع على طلب الاستماع الى اسرائيليين.
عيّن أمس رئيس مكتب الدفاع في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان فرانسوا رو ثمانية محامين للأشخاص الأربعة الذين اتهمهم المدعي العام الدولي دانيال بلمار بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فعلى أثر قرار غرفة الدرجة الأولى المؤلفة من روبرت روث (رئيس) والقاضيين ميشلين بريدي ودايفيد ري، محاكمة المتهمين غيابياً، طلب قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين أمس تعيين محامي دفاع للمتهمين، واستجاب رو لطلبه خلال ساعات قليلة. ويمكن القول ان هذا التطور في الاجراءات القضائية، الذي تأخر حدوثه لمدة ثلاثة أشهر بسبب اصرار بلمار على استدعاء القاضي سعيد ميرزا الى لاهاي للاستماع الى أقواله بشأن الاجراءات التي اتخذها لتوقيف المتهمين الاربعة، يُدخل المحكمة الدولية في مرحلة جديدة قد يصح وصفها بـ &laqascii117o;مرحلة الحسم". وإضافة الى ان المحاكمات يفترض أن تؤدي الى ادانة تستند الى أدلة موثوق بها لا تحتمل الشكّ، فإن الصلاحيات الممنوحة لفريق الدفاع بحسب نظام المحكمة الاساسي (المرفق بقرار مجلس الأمن 1757/2007) تتيح للمحامين استدعاء أشخاص للتحقيق معهم، فاذا تبين ان من بين هؤلاء اسرائيليين يرجّح أن تُشلّ وظيفة المحكمة العدلية كلياً بسبب رفض اسرائيل توقيع اتفاق تعاون مع المحكمة. وتؤكد تجارب الامم المتحدة السابقة رفض الاسرائيليين التعاون مع لجان التحقيق ولجان تقصّي الحقائق. ومن بين تلك التجارب تجربة لجنة تحقيق الامم المتحدة في الجرائم الاسرائيلية في جنين عام 2002 والتي ترأسها الضابط الايرلندي بيتر فيتزجيرالد (الذي ترأس عام 2005 لجنة تقصي الحقائق في جريمة الحريري) وتجربة لجنة تقصي الحقائق في الجرائم الاسرائيلية في قطاع غزة التي صدر عنها في نيسان 2006 ما عرف بتقرير القاضي غولدستون، وتجربة مشروع التحقيق في جرائم اسطول المساعدات الانسانية لقطاع غزة عام 2010. يذكر أن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كان قد كشف في تموز 2011 عن وجود قرائن توجه اصابع الاتهام الى اسرائيليين في اغتيال الرئيس الحريري. وعرض وثائق وصوراً جوية تعود لطيران الاستطلاع الإسرائيلي امتلكتها المقاومة تشير الى قيام الإسرائيليين برصد جميع الطرق والمحاور التي كان يتنقل عليها الحريري. وأشار نصر الله يومها الى أن إسرائيل تمتلك الاستطلاع الجوي والميداني من خلال العملاء والجواسيس والقوات الخاصة للاغتيال. ثم عرض فيلماً عن بعض العملاء وأدوارهم، وتحدث عن بعض اعترافات عملاء كانوا يجمعون المعلومات عن حزب الله. وتمكن بعض هؤلاء، بتوجيه من الاسرائيليين، من التحكم بموكب الرئيس الحريري. لكنه أشار إلى أنه تم إطلاق سراح بعض العملاء في شباط 2000 من دون أي تفسيرات. وأكد نصر الله أن &laqascii117o;هذه الاعترافات عند الأجهزة اللبنانية في ظل الدولة الحالية، وهذا بعض من اعترافاتهم، أدعو أن تقوم جهة ما بجمع كل اعترافات هؤلاء العملاء والقيام بقراءة معمقة لنشاط العملاء على الساحة اللبنانية، ومن يرد الحقيقة باغتيال الحريري يجب أن يبدأ من هنا".
&laqascii117o;القرار التاريخي الكبير"
قبل الغوص في تفاصيل انطلاق مرحلة الحسم، التي قد تستغرق ستة أشهر حداً أدنى، لا بد من التطرق الى سلسلة من المواقف أطلقها رو أمس في لقاء مع اعلاميين، كما تنبغي الاشارة الى معلومات نقلها المتحدث الرسمي باسم المحكمة مارتن يوسف خلال مؤتمر صحافي عقده أمس في بيروت. وأوضح رو أن وظيفة مكتب الدفاع هي تقديم الدعم للمحامين. وتوقع أن يتقدّم المحامون بدفع أوّلي يشكّك في شرعية المحكمة خلال الاشهر المقبلة. وقال إن ذلك لا يمنع انطلاق التحقيقات التي يفترض أن يقوم بها فريق الدفاع لجمع معلومات تتيح له الدفاع عن المتهمين الاربعة. وذكّر رو بأن البروفسور سليم جريصاتي هو أحد مستشاري مكتب الدفاع وسيزوّد المحامين بمعلومات تساعدهم على الطعن في شرعية المحكمة. يذكر أنه في حال ردّت غرفة الدرجة الاولى الطعن الذي يُتوقع أن يتقدم به محامو الدفاع في شرعية المحكمة، يمكنهم اللجوء الى دائرة الاستئناف، ما قد يستغرق شهوراً عديدة لا يجوز السير بالمحاكمات قبل مرورها. وشدّد رو على أنه &laqascii117o;لا يجوز النظر الى المحكمة كجهاز خارجي، بل يفترض المطالبة بتطبيق معاييرها في المحاكم اللبنانية". وقال: &laqascii117o;لو كنت محامي حزب الله لكان لدي بولفار واسع لردّ الاتهامات التي وجّهها المدعي العام الى الحزب بالضلوع في الارهاب"، شارحاً بأنه يحقّ لكلّ جهة ذكرت في نصّ قرار الاتهام بأن تطلب المثول أمام المحكمة. وأضاف أنه بما أن حزب الله ذُكر في نص القرار، يحقّ لوكلائه طلب المثول أمام المحكمة من دون أن يكون ذلك مرتبطاً بالأشخاص الأربعة المتهمين الذين ينتمون الى الحزب. ولدى سؤاله عن آلية مراقبة القضاة، قال رئيس مكتب الدفاع &laqascii117o;التاريخ سيحكم"، متناسياً قول رئيس وزراء بريطانيا وينستون تشرشل &laqascii117o;ان التاريخ يكتبه المنتصرون". أما المتحدث باسم المحكمة الصحافي مارتن يوسف، فوصف القرار الصادر عن غرفة الدرجة الأولى بالسير بالمحاكمات الغيابية بـ&laqascii117o;القرار التاريخي الكبير" لأنها &laqascii117o;المرة الاولى التي تدخل فيها محكمة دولية في مرحلة المحاكمات الغيابية". وأضاف: &laqascii117o;أن الخطوة التالية تكمن في طلب قاضي الاجراءات التمهيدية من مكتب الدفاع تعيين محامين عن المتهمين. وبعد التعيين، لدى الادعاء مهلة ثلاثين يوما يفترض ان يكشف خلالها الأدلة التي استند اليها في القرار الاتهامي الصادر في آب لهيئة الدفاع. ومهلة ثلاثين يوما اخرى تخصص للدفوع المقدمة الى المحكمة. بعد ذلك، يصدر قاضي الاجراءات التمهيدية قراراً بالمرحلة التي ستبدأ فيها المحاكمات الغيابية". وأشار إلى أن المحكمة الدولية &laqascii117o;طلبت من الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون تمديد عملها لمدة ثلاث سنوات. ويعود للامين العام بعد التشاور مع الحكومة اللبنانية ومجلس الامن اتخاذ قرار التمديد. وهذا الطلب تم قبل أشهر عدة خلال عام 2011". وتوقع يوسف &laqascii117o;صدور قرار يحدد موعد بدء المحاكمات الغيابية في حق المتهمين الأربعة في اغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري في نيسان المقبل". ولفت إلى &laqascii117o;أن عملية تعيين مدع عام جديد خلفا لدانيال بلمار الذي تنتهي مدته في نهاية شباط أخذت طريقها الى التنفيذ، وهي كذلك من صلاحية الامم المتحدة".
الاستماع الى اسرائيليين؟
تعتمد بداية مرحلة الحسم على خيارات الوكلاء القانونيين للمتهمين الاربعة الذين صدر قرار تعيينهم أمس. فيفترص أولاً أن يختار هؤلاء الاشخاص الذين سيشكلون فريق عملهم، ومن بينهم محققون وخبراء في القانون ومساعدون قضائيون واداريون. وسيقوم مكتب الدفاع بعرض لوائح بأسماء أشخاص يمكنهم تولي هذه المهام الى المحامين ليختاروا منها. كذلك يمكنهم اختيار أشخاص غير مذكورة اسماؤهم على اللوائح. وسيعقد المحامون اجتماعات عمل داخلية لوضع خطة الدفاع وتحديد مراحل العمل واتجاهات التحقيقات التي سيجرونها. ولا بد أن يدفعهم التدقيق في لحظة وقوع الجريمة الى طلب الاستماع الى جميع الاشخاص الذين كانوا موجودين في المكان أو الذين يمكن أن يكونوا قد راقبوا المكان لحظة وقوع الانفجار. وتشير تقارير الامم المتحدة الرسمية الى تحليق مستمرّ شبه يومي لطائرات الاستطلاع والتجسس الاسرائيلية في الاجواء اللبنانية وفوق العاصمة بيروت. ألن يستدعي ذلك، بحسب ابسط المعايير المهنية في التحقيقات الجنائية، استدعاء مسؤولين اسرائيليين مكلفين بمراقبة الاراضي اللبنانية لمجرّد الاستماع الى افاداتهم؟
سياسة غيابية
عيّن رئيس مكتب الدفاع فرانسوا رو المحامين الثمانية عن المتهمين الأربعة في 25 تشرين الأول 2011 ليحضروا الجلسة العلنية لغرفة الدرجة الأولى، التي عقدت في 11 تشرين الثاني 2011 في مقر المحكمة في لاهاي. وكان رو قد خصّص محاميين لكلّ متّهم، توزّعوا على النحو الآتي: المحامي الفرنسي من أصل لبناني أنطوان قرقماز والمحامي البريطاني جون آر دبليو دي جونز للدفاع عن مصطفى بدر الدين، المحامي الكندي يوجين أوساليفان والمحامي اللبناني إميل عون للدفاع عن سليم عياش، المحامي الفرنسي فينسان كورسيل لابروس والمحامي المصري ياسر حسن للدفاع عن حسين عنيسي، المحامي البريطاني دايفيد يونغ والمحامي السويسري غويناييل ميترو للدفاع عن أسد صبرا. لكن قضاة غرفة الدرجة الاولى في المحكمة رفضوا هذا التوكيل بحجة أن المحاكمات الغيابية لم يبت بالسير فيها يومها، وبالتالي فان حقّ المتهمين باختيار وكلائهم كان لا يزال قائماً ولا يحقّ لرئيس مكتب الدفاع توكيل محامين عنهم. غير أن رو أوضح للقضاة أن وظيفة المحامين الثمانية كانت تقتصر يومها على ضمان الحفاظ على حقوق المتهمين خلال جلسات البحث في السير في المحاكمات الغيابية. وشرح رو أن حجب مشاركة المدافعين عن حقوق المتهمين عن تلك الجلسات في ظل مشاركة فريق الادعاء وممثلين عن الضحايا فيها يشكل مخالفة واضحة لمعايير العدالة التي ترتكز على التوازن بين الفريقين. وفي 22 كاون الاول 2011 أودع رو غرفة الدرجة الاولى في المحكمة مذكرة تضمنت ملاحظاته بشأن تعيين وكلاء المتهمين وطلب انعقاد جلسة مغلقة للبحث في هذا الشأن. وفي 13 كانون الثاني الفائت، قرّر القضاة روث وبريدي وري ردّ هذا الطلب لأسباب غامضة، وهو ما عزّز ترجيح التدخل السياسي في قرار السير بالمحاكمات الغيابية أو عدمه، خصوصاً بعدما كان مكتب بلمار قد أصرّ على استدعاء المدعي العام لدى محكمة التمييز اللبنانية القاضي ميرزا للاستماع الى افادته بشأن الاجراءات التي اتخذتها السلطات اللبنانية لتوقيف المتهمين وتسليمهم الى المحكمة في لاهاي. وذكر مكتب بلمار يومها المقابلة المزعومة التي أجرتها مجلة &laqascii117o;تايم" الأميركية مع أحد المتهمين الأربعة، مشيراً الى أنها تشكل دليلاً على تواجد المتهمين في مكان يمكن للسلطات اللبنانية تحديده. لكن مجلة &laqascii117o;تايم" أطاحت آمال بلمار عبر ادعاء مراسلها في بيروت الصحافي نيكولاس بلانفورد، أمام القاضي ميرزا، عدم معرفته بهوية زميله (أو زميلته) الذي (أو التي) أجرى (أو أجرت) المقابلة المزعومة. وبالتالي تعذر على القضاة حسم صدقية المقابلة وحقيقة حصولها فعلاً كما ورد في نصّ القرار الذي صدر عن غرفة الدرجة الاولى في اليوم الأول من الشهر الجاري.
- 'الجمهورية'
'سأموت بَين حقول الحشيشة وسأكون 'بو عَزيزي' لبنان'!
صبحي منذر ياغي:
&laqascii117o;هذه السنة لن نسمح أبداً بتلف الحشيشة، ولن نتوقف عن زراعتها، ونحن سنتوجه مطلع هذا الشهر للحقول بُغية الزرع، وعلناً و"على راس السطح" ويَلّي بَدّو يصير ... يصير، حتى تؤمن لنا الدولة فرص العمل والعيش بشرف. ماذا يريد منّا هؤلاء الذين يجلسون على الكراسي من نوّاب ووزراء، هم مطمئنون إلى معيشة أولادهم، ولقد أمعنوا في إفقارنا وإذلالانا والضحك علينا، خصوصا نواب منطقتنا، وليتذكروا أنّ الجوع كافر ونحن كفرنا بكلّ شيء... بكلّ شيء"...(للقراءة).
- 'السفير'
علاقة مصر بأميركا عسكرية أم ديموقراطية؟
سمير كرم:
لا تختلف علاقات أميركا بحلفائها أو أصدقائها في العالم كله من حيث قيامها اساساً على الصلات والروابط والاتفاقات العسكرية. حتى العلاقات الاميركية الاوروبية، وبصفة خاصة منذ نهاية الحرب العالمية الاولى تقوم على اسس عسكرية تسبق وتتجاوز كل ما عدا ذلك من علاقات، بما في ذلك العلاقات الثقافية. وإذا اخذنا العلاقات الاميركية الفرنسية كمثال، فإن تاريخ هذه العلاقات يرتبط إيجاباً وسلباً بعلاقة فرنسا بحلف الاطلسي. وحلف الاطلسي هو الركيزة الاساسية لنفوذ اميركا - العسكري والسياسي والاقتصادي - في اوروبا وبصفة خاصة بفرنسا. ويمكننا أن نلاحظ ان العلاقات الفرنسية الاميركية صعدت وهبطت مع صعود وهبوط التعاون العسكري الثنائي بين فرنسا وأميركا والتعاون العسكري الجماعي المتمثل في حلف الاطلسي. وليست علاقات اميركا ومصر استثناءً من هذه القاعدة، فالأساس، وبالتحديد منذ توقيع معاهدة واتفاقات &laqascii117o;كامب ديفيد" بين مصر واسرائيل، هو التعاون العسكري. وعندما قررت الولايات المتحدة في اواسط التسعينيات من القرن الماضي خفض المساعدات الاميركية لمصر، فإنها لم تقترب من المساعدات العسكرية، وخفضت المساعدات الاقتصادية. واستمر التعاون العسكري بين مصر وأميركا في طور النمو والاتساع مع تطور ظروف اميركا العسكرية من حرب الخليج الاولى الى حرب الخليج الثانية واحتلال العراق. واقتربت مصر كثيراً من التنسيق العسكري مع حلف الاطلسي نظراً لحجم دور مصر في منطقة الشرق الاوسط، ولم يحل دور اسرائيل في التعاون الاطلسي مع بلدان الشرق الاوسط بين النظام القديم في مصر برئاسة مبارك، وبين تعميق الصلات مع الحلف، باعتبار ذلك شرطاً ضرورياً لتعميق الصلات العسكرية مع الولايات المتحدة في كل الأوقات. بل إن واقع العلاقات العسكرية بين مصر وأميركا منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي، الذي وقع دائماً في إطار معاهدة &laqascii117o;كامب ديفيد"، اكتسب اهمية واهتماماً من اميركا مع تفكك الاتحاد السوفياتي وانفراد الولايات المتحدة بدور الدولة الاعظم. ومع الهيمنة الاميركية على المنطقة، وتأكيد التعاون العسكري بين مصر والولايات المتحدة، انصرفت مصر عن اي مواجهة مع اسرائيل واتجهت نحو الدخول في صيغ التعاون العسكري الاقليمي مع الولايات المتحدة الذي دخل تحت مظلة حلف الاطلسي. وقد اتضحت اهمية - ونعني هنا خطورة - دور الحلف الاطلسي في أحداث ليبيا الاخيرة التي ادت الى الإطاحة بنظام الحكم من خلال تدخل الحلف. لم تعد علاقات التعاون العسكري بين الولايات المتحدة ومصر محدودة بالمناورات الثنائية المسماة &laqascii117o;النجم الساطع" التي بدأت بعد وقت قصير من توقيع معاهدة كامب ديفيد، انما اتسعت دائرة &laqascii117o;النجم الساطع" لتشمل دولاً عربية ولتشمل دولاً اطلسية. وحتى الآن لم يتضح توجه هذه المناورات المشتركة، انما يبقى واضحاً انها لا يمكن ان تتوجه ضد اسرائيل ولا ان تتوجه ضد دول تربطها علاقات تعاون عسكري وسياسي واقتصادي مع الولايات المتحدة. ثم جاءت المفاجأة المصرية الكبرى التي مثلتها ثورة 25 يناير 2011، والتي وضعت العلاقات المصرية - الاميركية موضع التساؤل كما لم تضعها اية احداث او تطورات منذ سبعينيات القرن الماضي. وهو امر أقلق الولايات المتحدة - وبصفة خاصة مؤسستها العسكرية - الى حد اضطرت معه الادارة الاميركية لأن تتحول بين ليلة وضحاها من تأكيد اطمئنانها الى سيطرة النظام القديم وقدرته على الصمود، الى تأكيد التأييد الاميركي الصريح لتنحي مبارك واختيار مصر المسار الديموقراطي لحياتها السياسية. منذ ان انطلقت ثورة مصر قبل عام وإلى الآن اتضح اكثر من اي وقت مضى الى اي حد تحرص الولايات المتحدة على إبقاء مصر تحت مظلة العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة. ومنذ ان تولى المجلس الاعلى للقوات المسلحة مسؤولية الحكم في مصر- اثر سقوط مبارك - لم تنقطع زيارات كبار القادة العسكريين الاميركيين للقاهرة لعقد اجتماعات عاجلة ومهمة مع رئيس هذا المجلس المشير حسين طنطاوي ونائبه الفريق سامي عنان. ويلاحظ بشكل خاص ان اغلب هذه الزيارات الاميركية كانت لكبار ضباط القيادة المركزية الاميركية ..القيادة المختصة بدعم الهيمنة الاميركية العسكرية بالدرجة الاولى على منطقة الشرق الاوسط. وقد حرصت الولايات المتحدة منذ ان اعلنت تأييدها لـ&laqascii117o;النظام الجديد" في مصر على تأكيد اهتمامها بمسار مصر نحو الديموقراطية. وشمل هذا الاهتمام تعميق الصلات مع جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي، حزب الحرية والعدالة، الأمر الذي سبق بشهور الانتخابات المصرية لمجلس الشعب التي اسفرت عن فوز الإخوان المسلمين من خلال حزبهم بأغلبية برلمانية تعززت بفوز السلفيين بالنسبة التالية. وكشفت هذه التطورات الى اي حد كان اهتمام الدبلوماسية الاميركية منذ سنوات بإقامة علاقات تحتية مع جماعة الإخوان المسلمين، حتى في ظل نظام مبارك. وقد ادى هذا الى تقارب الى حد عقد صفقات سياسية بين ذلك النظام وتلك الجماعة، وهو تطور أسفر عن فوز الإخوان المسلمين بـ88 مقعداً في انتخابات مجلس الشعب عام 2005 (...) في الفترة الاخيرة التي اعقبت انتخابات مجلس الشعب وصعود نجم الإخوان المسلمين، واقترابهم من التهام السلطة في مصر مع اقتراب نهاية الفترة الانتقالية التي يحكم خلالها المجلس الاعلى للقوات المسلحة البلاد، وبالتالي صعود مقاومة التنظيـمات المدنية التي لعـبت دوراً رئيـسياً في ثورة 25 يناير 2011 لدور الإخوان المسلمين على الرغم من تأخر دخولهم في صفوف الثورة، اظهرت الولايات المتحدة اهـتماماً زائداً بالتـطورات السياسية في مصر. وصل هذا الاهتمام الى حد التشاور مع المجلس العسكري ومع جماعة الإخوان بشأن تلك التطورات. تم ذلك كله تحت شعار اهتمام الولايات المتحدة بالديموقراطية في مصر بعد نسيان استمر لأكثر من اربعين عاماً. وصل الاهتمام الاميركي بقضية ترسيخ الديموقراطية في مصر الى حد أربك السياسيين الأميركيين وأربك حكام مصر العسكريين الذين اكدوا مراراً وتكراراً انهم يعتزمون تسليم السلطة الى حكام مدنيين منتخبين بنهاية حزيران/يونيو القادم. وبدا ان الاتصالات التي لا تنقطع بين المؤسسة العسكرية الاميركية وقرينتها في مصر لم تعد تكفي لتقديم تطمينات للجانب الاميركي على مستقبل السياسة المصرية بعد الفترة الانتقالية. وبدا في الاسابيع الاخيرة ان الولايات المتحدة تريد الحصول على ضمانات من المجلس العسكري المصري بأنه لن يتدخل في عمل المنظمات الأهلية ودورها في آليات الديموقراطية المصرية. وفجأة اتخذ المجلس العسكري قراره - الذي اعلن من جانب مسؤولين اميركيين في واشنطن وليس من جانب مسؤولين مصريين في القاهرة - بإيفاد وفد عسكري مصري الى العاصمة الاميركية لإجراء محادثات مع مسؤولي وزارتي الدفاع والخارجية الاميركيتين حول التطورات السياسية في مصر التي اقلقت الولايات المتحدة بشكل خاص عندما اتخذ المجلس العسكري قراراً بمنع سفر مواطنين اميركيين يشرفون على عمل المنظمات المدنية التي تحصل على دعم مالي من المنظمات المدنية الاميركية الأم. ولم يلبث ان اتضح ان الوفد العسكري المصري الى واشنطن يتحمل ايضاً مهمة اجراء مفاوضات مع زعماء الكونغرس الاميركي بمجلسيه النواب والشيوخ تتعلق بتهديدات صريحة صدرت من داخل الكونغرس بخفض او وقف المساعدات العسكرية الاميركية لمصر. تكشف مهمة الوفد العسكري المصري في واشنطن عن درجة عالية من التوتر، ربما تكون غير مسبوقة في تاريخ العلاقات المصرية - الاميركية منذ زمن توقيع معاهدة &laqascii117o;كامب ديفيد" تحت الرعاية الاميركية. لكن واشنطن تبدي حرصاً على إبقاء هذا التوتر في اطار ما يقع من جانب المجلس العسكري المصري الحاكم بحق المنظمات المدنية المصرية التي تعتمد في نشاطها على تمويل اميركي. وفي هذا الصدد قالت فكتوريا نولاند، الناطقة بلسان وزارة الخارجية الاميركية، إن &laqascii117o;ما تحاول واشنطن القيام به ليس التوصل الى قرار تكتيكي بشأن المجموعة الاميركية التي منعت من السفر، انما محاولة التوصل الى قرار استراتيجي لمشكلة عمل منظمات المجتمع المدني في مصر، بما في ذلك تسجيلها ودعم اقامة نظام تسجيل للمنظمات الأهلية في مصر". غير ان صحيفة &laqascii117o;نيويورك تايمز" الاميركية كانت - كالعادة - اكثر صراحة من المتحدثة الرسمية الاميركية. قالت الصحيفة إن مصر في مرحلة ما بعد مبارك &laqascii117o;تواجه تحديات صعبة مع ثورتها التي لم تنته، ولهذا فهي ليست بحاجة الى افتعال مشاكل مع الولايات المتحدة على النحو الذي يقوم به حكامها العسكريون". المسألة إذن اوسع من مشكلة منع بعض الاميركيين من السفر من مصر الى ما بعد انتهاء التحقيقات في نشاط منظمات المجتمع المدني. وكانت صحيفة &laqascii117o;كريستيان ساينس مونيتور" اكثر صراحة حين قالت إن ما حدث هو بمثابة تحذير من الحكام العسكريين من دفعهم للتغيير السريع... ربما بهدف تذكير اميركا بعدم التعرض للمصالح العسكرية. إلا أنهم يلعبون لعبة خطرة". ولهذه الاسباب كلها يمكن الاستنتاج أن الجانبين المصري والاميركي متوتران بسبب الوضع الراهن الذي لا يعطي للجانب المصري ضمانات بأن المساعدات العسكرية لمصر لن يصيبها اي تغيير، او بالأحرى لن يصيبها اي ضرر. وهو الوضع نفسه الذي لا يعطي للجانب الاميركي ضمانات بأن تعاون المجلس العسكري مع الولايات المتحدة مستمر بصرف النظر عن اية تطورات تفرضها التفاعلات السياسية الجارية الآن على الارض المصرية. بل إن التوترات السائدة الآن بين القاهرة وواشنطن تتعلق بما هو اكثر خطورة بشأن شروط استمرار العلاقات بينهما بعد الثورة. فإن تفاعلات الوضع في مصر تتناول - سواء بدا هذا واضحاً او لم يبدُ- شروط استمرار العلاقات العسكرية بين مصر وأميركا وفي مقدمها الشروط المتعلقة باستمرار مصر في الالتزام بمعاهدة واتفاقات &laqascii117o;كامب ديفيد" والعلاقات مع اسرائيل. ولا يخفى في هذا الصدد اهتمام الولايات المتحدة بأن تحصل على التزام المؤسسة العسكرية بهذا الجانب من شروط المساعدات العسكرية، فيما تبدو واشنطن مطمئنة الى التأكيدات التي تلقتها من جماعة الإخوان المسلمين باستمرار التزام مصر تحت حكمها بهذه المعاهدة والعلاقات الهادئة مع إسرائيل. ان الولايات المتحدة تجد نفسها مجبرة في مناخ الثورة المستمرة في مصر على ان تعيد النظر في مستقبل علاقاتها العسكرية مع مصر، اياً تكن التطورات التي يمكن ان تطرأ على الحكم في مصر. وحتى الآن فإن واشنطن تبدو مصرة على ان تتم عملية اعادة النظر هذه باعتبارها حرصاً من جانبها على الحصول على ضمانات للديموقراطية فيما بعد الفترة الانتقالية. يتناقض مع هذا الحرص، وبدرجة عميقة، تشبث الولايات المتحدة بقاعدة قيام علاقاتها مع مصر - كما هي الحال مع كل الدول الاخرىفي المنطقة وفي العالم كله - على اولوية التعاون العسكري على أشكال التعاون والعلاقات الاخرى. قد يفرض هذا على الولايات المتحدة ان تبدي اهتماماً خاصاً بمستقبل العلاقات مع المجلس الاعلى للقوات المسلحة المصرية فيما بعد انتهاء فترة المرحلة الانتقالية، سواء اضطر المجلس العسكري الى إطالتها او حافظ على تعهده بتسليم السلطة في الموعد الذي حدده. اياً كانت الحال فإن علاقات مصر العسكرية مع اميركا هي موضوع سيظهر جلياً في تفاعلات الوضع المصري خلال الشهور القادمة، بينما تتراجع درجة اهتمام اميركا بالديموقراطية في مصر.
- 'السفير'
روسيا.. الدعم لإيران - والتبني لسوريا
حبيب فياض:
جاء خطاب الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين عام 2007، في مؤتمر الأمن الدولي في ميونيخ، بمثابة استئناف موسكو لمرحلة جديدة من الحرب الباردة، مع أميركا تحديداً والغرب عموماً، وذلك بعد انكفاءٍ روسيّ قارب العقدين، لصالح العمل على إعادة ترميم الإمبراطورية الروسية، جراء ما أصابها من تفكك الاتحاد السوفياتي. بوتين قال آنذاك ما حرفيته: &laqascii117o;إن سر البلاء في عالمنا الراهن هو الأحادية القطبية.. إن نظام تشريعات الولايات المتحدة، قد تخطى حدودها الوطنية في كل الاتجاهات، وبات يـُفرض على الدول الأخرى في الاقتصاد والسياسة والحقل الإنساني (..) لا داعي لاستبدال منظمة الأمم المتحدة بحلف شمالي الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي". كلام بوتين تحول إلى ما يشبه استراتيجية جديدة لروسيا في تعاملها مع القضايا التي تختلف فيها مع الغرب. وإذا كان بوتين غائباً عن سدة الرئاسة الأولى في روسيا، فإن ملائكته حاضرة، فضلاً عن أن عودته إليها قريبة.. لا جدال في انه اقدر على إدارة هذه القضايا من خَلَفِه الرئيس الحالي مدفيديف. هذا بمعزل عما يحكى عن اختلافات تكتيكية بين الرجلين. انطلاقاً مما تقدم لا يعود مستغرباً التصلب الروسي المضاد للموقف الغربي في التعامل مع الأزمات الحيوية في الإقليم، وتحديداً في أزمتي سوريا وإيران. ومع أن موسكو تقف مبدئياً إلى جانب كل من طهران ودمشق في أزمتيهما مع الغرب، فإن موقعية الأخيرة في الحسابات الروسية تختلف بما لا يـُقاس عن موقعية الأولى، فإذا كان موقف روسيا الداعم لإيران ينطلق من اعتبارات المصالح &laqascii117o;المكتسبة" فإن موقفها الداعم لسوريا ينطلق من اعتبارات المصالح &laqascii117o;المهددة". وهذا ما يُفسر مرونة روسيا أمام الغرب أحياناً في تعاملها مع أزمة إيران النووية، بخلاف تشددها مع الأزمة السورية. فما يجمع روسيا وإيران عداء مشترك للمعسكر الغربي، في حين أن ما يجمع بين روسيا وسوريا صداقة تاريخية إضافة إلى خصومة مشتركة مع هذا المعسكر. وبالتالي يمكن تصنيف وقوف روسيا إلى جانب طهران في إطار استراتيجية &laqascii117o;الدعم"، في حين لا مجال لتصنيف احتضان موسكو لدمشق إلا في إطار استراتيجية &laqascii117o;التبني". الدور الروسي في مجلس الأمن إلى جانب إيران يتمحور حول عدم السماح بالتفوق الأميركي، في حين أنه ينطلق في الوقوف إلى جانب سوريا في المجلس نفسه، من ثابتة حفظ النظام السوري ومنع خصومه من مواجهته تحت ستار &laqascii117o;الربيع العربي". وجدت موسكو في ملف إيران النووي مدخلاً مثالياً من أجل عودتها إلى الساحة الدولية كقطب دولي فاعل. جهدت في إبقاء هذا الملف عالقاً بين الحلّ السلمي والحسم العسكري. وافقت على أربعة قرارات دولية تدين إيران بالشكل، لكنها لا تعيق مشروعها النووي بالفعل. حاولت ما أمكن تزويد هذه الأزمة بوقودٍ يضمن ديمومتها، وهي تهدف بذلك إلى إضعاف منطق التفوق الأميركي في الإقليم، متغاضية عن قضاياها العالقة مع إيران في بحر قزوين، وعن تخوفها من تحوّل إيران إلى قوّة إقليمية عظمى بنحو قد يتعارض مع مصالحها.
- 'السفير'
'أبو كاليبس' إذا انهارت الهند والصين
ستيفن روتش:
ثمة مخاوف متزايدة من أن تكون الصين والهند على حافة التحول إلى الضحيتين التاليتين للمجزرة الاقتصادية الجارية في العالم. وإذا ثبُتت هذه المخاوف فإن التداعيات ستكون كارثية، إذ أن قارة آسيا سوف تكون عرضة للخطر الشديد، والركود الاقتصادي العالمي سيتحول إلى معضلة بالغة الخطورة، ذلك لأن الاقتصاد في هذين البلدين يعتمد كثيراً على المناخ العالمي الأوسع. وإذا كانت الصين حساسة لمخاطر الجانب السلبي على الطلب الخارجي، حيث أن 38% من إجمالي صادراتها في العام الماضي كان إلى الولايات المتحدة وأوروبا، فإن الهند، في ظل احتياجاتها إلى التمويل الخارجي، تصبح أكثر عرضة للظروف القاسية التي تجتازها الأسواق المالية العالمية. وبما أن الهند صاحبة الاقتصاد الوحيد في آسيا الذي يعاني من عجز الحساب الجاري، فإنه من غير الممكن الاستخفاف بالمشاكل المرتبطة بالتمويل الخارجي للهند. وإذا كان زخم النمو الاقتصادي في الهند بدأ بالانحسار، مثلها في ذلك مثل الصين، فإن الانحدار الهندي كان أكثر وضوحاً، كما هبط الناتج المحلي الصناعي السنوي كثيراً في السنة الماضية. والمشكلة الفعلية هي ان السلطات الهندية، على عكس نظيرتها الصينية، تتمتع بقدر أقل بكثير من المرونة السياسية الصينية. ويبدو أن العملة الهندية (الروبية) تشارف الآن على مرحلة السقوط الحر، الأمر الذي يعني أن مصرف الاحتياطي الهندي، الذي رفع أسعار الفائدة القياسية 13 مرة، منذ بداية عام 2010 في محاولة لعلاج مشكلة التضخم، قد أصبح عاجزاً عن تخفيف وطأة السياسة النقدية. وفضلاً عن ذلك، فإن عجز الموازنة الحكومية الموحد الهائل، والذي وصل إلى نحو 9% من الناتج المحلي الإجمالي، يعمل على إعاقة قدرة السياسة المالية في الهند على المناورة. وفي حين تُعدّ الصين في وضع أفضل من الهند، فإنه من غير المرجح أن ينهار الاقتصاد في أي من البلدين من تلقاء ذاته، بل إن الأمر سوف يتطلب تلقي صدمة أخرى خارجية لتحريك الهبوط العنيف في آسيا. ومن بين الاحتمالات الواضحة اليوم أن ينهار الاتحاد النقدي الأوروبي. فإذا حصل ذلك، فإن كلاً من الصين والهند ـ كما أغلب اقتصادات العالم ـ قد تنزلق إلى مصاعب خطيرة، في ظل ما يحصل من انكماش كبير للصادرات الصينية، وتصاعد الضغوط المفروضة على التمويل الخارجي بالنسبة إلى الهند. من الواضح ان الغرب قد بدد قواه باستسلامه لإغراءات الازدهار الزائف التي قدمها الاقتصاد السياسي. أما آسيا فقد نجحت، مدفوعة في ذلك بالحس الاستراتيجي السليم والاستقرار، في البناء على قوتها الجديدة. وقد أصبح لزاماً على آسيا الآن ان تعيد اختراع نفسها، ذلك لأن الركود على النمط الياباني في العالم المتقدم، من شأنه ان يفرض تحدياً هائلاً على آسيا التي تعتمد على التصدير إلى الخارج، وأن يدفعها إلى تحويل اهتمامها وتركيزها إلى الطلب الداخلي. والواقع أن الضغوط السلبية التي تعتصر الصين والهند حالياً، تؤكد بقوة على هذا التحدي. ولعل اللحظة الحاسمة في تحديد مصير آسيا باتت قريبة الآن.
ملحق
- 'الاخبار'وادي خالد قاعدة متقدمة لـ&laqascii117o;الجيش الحر" [3/ 3]:
مستشفى &laqascii117o;خاص" في طرابلس والحرب الإعلامية تُدار من هنافي أحد مستشفيات طرابلس، طبقة كاملة مخصصة لعلاج جرحى &laqascii117o;الجيش السوري الحرّ" الذين يُهرَّبون إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية. هناك، يشرف طبيب بيطري، تطوّعاً، على علاجهم، قبل نقلهم الى &laqascii117o;منازل آمنة" تؤوي ناشطين وجنوداً إلكترونيين، مهمتهم إدارة جزء من &laqascii117o;الحرب الإعلامية" على النظام السوري عبر الفضائيات العربية والمواقع الإلكترونية المتعاطفة معهم.
تؤدي ضراوة المعارك في مناطق التوتر السورية الى سقوط عشرات الجرحى. يُعالج قسم كبير من هؤلاء في مستشفيات ميدانية، فيما يجري نقل ذوي الإصابات البالغة، عبر المعابر غير الشرعية، في الشمال والبقاع، ليخضعوا للعلاج في لبنان. يتوزع هؤلاء على ثلاثة مستشفيات في الشمال، أحدها في طرابلس مخصص للجرحى من مقاتلي &laqascii117o;الجيش السوري الحرّ" الذي يدفع بدل إيجار طبقة كاملة منه، ويتولى الإشراف على الإجراءات الأمنية فيه. في هذا المستشفى، التقت &laqascii117o;الأخبار" نحو عشرة جرحى من &laqascii117o;الجيش الحر". الطبيب السوري، الذي رافقنا، قال إنه يعمل في الأساس طبيباً بيطرياً!، وإنه قدم من السعودية &laqascii117o;للتطوع في خدمة الثورة". يشير إلى أن النقص في المساعدات الطبية يؤدي، في كثير من الأحيان، إلى تأخير خضوع بعض المصابين للعمليات الجراحية اللازمة. في إحدى الغرف، يستلقي جريحان على سريرين متجاورين. أحدهما مصاب برصاصة في عضوه الذكري. اخترقت الرصاصة قدمه ومحالبه قبل أن تخرج من جسده. يسأل الطبيبَ عن حقنة المورفين، فيردّ الأخير: &laqascii117o;اصبر قليلاً يا محمد". ينفث محمد دخان سيجارته بنشوة يبدو أنها تنسيه ألمه. يقول إنه أصيب أثناء محاولته &laqascii117o;حماية المتظاهرين من غارات الشبيحة". يصمت قليلاً ويضيف: &laqascii117o;لم يبق لنا شيء، فلماذا نبخل بأرواحنا". الجريح الآخر مصاب برصاصتين في مشط قدمه وساقه. يعرّف عن نفسه باسم أحمد، ويقول: &laqascii117o;أنا جندي منشقّ عن الجيش السوري، التحقت بالجيش الحر لأحمي عرضي وأهلي". لن يتماثل للشفاء قبل أشهر، &laqascii117o;لكنني لن أنتظر. سأحمل السلاح ما إن أتحسّن قليلاً. سأتكئ على عكاز بيد وأحمل الروسية (الكلاشنيكوف) باليد الأخرى". ويضيف: &laqascii117o;خلقنا للموت، وسنموت في سبيل الله. عاهدنا رب العالمين على أننا سنقاتل حتى الشهادة". لا يعلم المصابان كيف وصلا إلى لبنان، وأي طرقات سلكها عناصر &laqascii117o;الجيش الحر" لنقلهما الى المستشفى، حالهما كحال كثيرين من المصابين في بقية الغرف. خارج الغرفة، يقف خالد الذي يصفه الطبيب بـ&laqascii117o;الملاك الحارس" لبعض الجرحى. إذ إنه تولى نقل معظم الجرحى الموجودين في هذا المستشفى. يقول خالد: &laqascii117o;قبل الثورة" كان عامل بناء، وإنه انضم إلى مجموعة مهمتها نقل الجرحى عبر الحدود غير الشرعية. ويضيف: &laqascii117o;في كل مرة أقطع الحدود لنقل جريح، أودّع زوجتي لأني أشعر بأنني قد لا أعود". ويوضح أنه يستخدم في مهماته الدواب والدراجات النارية، &laqascii117o;وأحياناً ظهورنا"، مشيراً إلى أن &laqascii117o;عشرات الجرحى" توفّوا بين يديه أثناء محاولة العبور بهم الى الأراضي اللبنانية. نغادر المستشفى إلى أحد &laqascii117o;المنازل الآمنة" في طرابلس. في الطبقة الخامسة من المبنى، يستقبلنا عشرة شبان سوريين، اثنان منهم لا يزالان يخضعان للعلاج الفيزيائي جراء إصابتهما، يقول أحدهما إنه منشق عن الفرقة 18 مدرعات. بين الموجودين، أيضاً، الطبيب السوري م. الذي كان يعمل في مستشفى ميداني في حمص قبل قدومه إلى لبنان، حيث يشرف على معالجة العسكريين الجرحى. يقول إن المستشفى الميداني يقدم الإسعافات الأولية فقط، ولا يمكنه معالجة الإصابات التي تستهدف الرأس والظهر والحالات الحرجة التي تستدعي عمليات جراحية، وهذه يتم نقلها إلى لبنان، مشيراً الى أن &laqascii117o;نحو 10 جرحى فارقوا الحياة أثناء نقلهم إلى الأراضي اللبنانية. إذ إن الرحلة إلى لبنان طويلة". ويؤكد أن &laqascii117o;جريحين على الأقل" يدخلان يومياً إلى لبنان، لافتاً إلى أن هناك &laqascii117o;غض نظر" من استخبارات الجيش على تحركهم في الشمال، ومثمّناً &laqascii117o;الاحتضان الشعبي الذي يوفّره الأهالي لنا".
جريحان على الأقل يدخلان يومياً إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية
في المنزل، نلتقي جنوداً من نوع آخر. يقول هؤلاء إنهم &laqascii117o;اللواء الخفي" في &laqascii117o;الجيش السوري الحر"، ويطلقون على أنفسهم تسمية الجنود الإلكترونيين. يكشف أحدهم، محمد، أنه ناشط سياسي وأستاذ في مادة التاريخ، كان يتولى التنسيق مع وسائل الإعلام لنقل صور ما يدور في مدينة بانياس، وأنه اعتُقل مع عائلته خلال حملات المداهمة التي نفّذتها قوات الأمن، وتعرّض للتعذيب قبل أن يُخلى سبيله بعد عشرة أيام. يشدّد على &laqascii117o;وطنية الثورة"، نافياً ما يُلصق بها من أوصاف &laqascii117o;إسلامية" و&laqascii117o;طائفية". لدى &laqascii117o;الجنود الإلكترونيين" مخزون لا ينضب من صور وأفلام فيديو لمواجهات وجثث قتلى وجرحى يقولون إنهم سقطوا على أيدي الجيش السوري، يتولّون إرسال مقاطع منها إلى المحطات التلفزيونية، أو يُحمّلونها على المواقع الإلكترونية. في &laqascii117o;منزل آمن" آخر، في وادي خالد هذه المرة، نلتقي &laqascii117o;جندياً إلكترونياً" لبنانياً متزوّجاً بسيدة سورية. يقول إنه &laqascii117o;المنسّق بين الجنود الإلكترونيين"، وإن مهمته هي توزيع الكاميرات على الجنود الداخلين إلى سوريا، وإعادة جمع بطاقات الذاكرة منهم لدى عودتهم. يفصّل الشاب الثلاثيني آلية العمل بثلاث خطوات: &laqascii117o;أُرسل الكاميرات وأستعيد اليو أس بي التي تحتوي على الصور، ثم أضعها على الكمبيوتر وأنقلها الى محطة تلفزيونية لتعرضها للعالم". نوع الكاميرا الرائجة هي &laqascii117o;FLIP". يقول إن الهدف &laqascii117o;عرض أكبر كمية من الصور ليعلم العالم كله ما يجري في سوريا"، ويؤكد أن هناك صوراً لم تعرض بعد. كيف يبرر تدخّله في شؤون دولة أخرى وشعب آخر؟ يجيب الشاب: &laqascii117o;أنا لبناني، لكن دمي مع الشعب الذي يقتل. أنا ناشط مع الثورة السورية. ومستعد لتجنيد كل أقاربي لخدمة هذه الثورة. لا أشعر بعد بأني فعلت شيئاً، وأريد أن أقدم المزيد". وقبل أن ينهي حديثه، يكشف أن جزءاً كبيراً من &laqascii117o;أفلام الفيديو اللي عم تشوفن على الجزيرة أو الإنترنت من عندي".
البيت الآمن
ينتقل معظم جرحى الجيش السوري الحر، الذين أنهوا علاجهم في مستشفيات لبنان، إلى منازل مستأجرة يُطلقون عليها تسمية &laqascii117o;البيت الآمن". تتوزع هذه المنازل بين طرابلس ومناطق الشمال، وسط تجمعات سكنية. يبعد الواحد عن الآخر مسافة ليست قصيرة. وتجد في كل منزل قرابة عشرة أشخاص. المنازل لا تؤوي جرحى فحسب، بل هناك نشطاء سوريون فارّون من سوريا يشاركون الجرحى السكن. أثاث المنزل عبارة عن &laqascii117o;حصيرة" وتلفزيون صغير وفراش نوم لكل شخص. إضافة إلى كومبيوتر محمول بحوزة كل فرد من أفراد المجموعة. في هذه المنازل، يخضع الجرحى للعلاج الفيزيائي، ويتحوّلون بمعظمهم إلى نشطاء سياسيين. يخابرون القنوات الفضائية ويدلون بالتصريحات، تحت مسمى &laqascii117o;ناشط سياسي". يشاركون في التحليلات السياسية ويُعطون أرقاماً ومعلومات عن الجرحى والقتلى الذين يسقطون. أما &laqascii117o;الجنود الإلكترونيون"، فيتولون نشر الأخبار الواردة من الداخل السوري على المواقع الاجتماعية، ويقومون بتحميل الصور والمقاطع المصورة على شبكة الإنترنت. وهؤلاء على تواصل دائم مع أقاربهم ومواطنيهم بواسطة الهواتف الخلوية العادية. تجدر الإشارة إلى أن تسمية &laqascii117o;البيت الآمن" يُطلقها كل من أجهزة الاستخبارات والتنظيمات الإسلامية على المنازل التي يتخفى فيها عناصرها.
الكلام عن الدعم &laqascii117o;نصفه صحيح"
يذكر &laqascii117o;أبو سامر"، مسؤول مجموعة نقل الجرحى بين سوريا ولبنان، لـ&laqascii117o;الأخبار" أن هناك نحو 30 جريحاً في المستشفى ينقصهم العديد من الاحتياجات. فـ&laqascii117o;الدعم المقدّم يكاد لا يُذكر"، كما أن &laqascii117o;تكلفة ما بعد الاستشفاء عالية جداً". ويشير إلى أن هناك مشكلة أدوية تحول دون إجراء عشرات العمليات. يستنكر &laqascii117o;عدم تعاون الدولة اللبنانية الشقيقة، التي وقفنا إلى جانبها في حرب تموز". فالدولة اللبنانية &laqascii117o;لم تعترف بنا كلاجئين. ولم يعطونا حتى حق اللاجئ". يضيف: &laqascii117o;نريد فقط بطاقة تسهيل مرور". ويقول: &laqascii117o;في أي لحظة يمكن أن اختطف أو أتعرض للتصفية"، مضيفاً &laqascii117o;ارحمونا. خلّونا نحس أننا في حماية الدولة اللبنانية مش بكابوس أحزاب موالية لسوريا". وعن الكلام عن الدعم، يرد بأن &laqascii117o;نصفه صحيح فقط". يؤكد الأربعيني السوري أن &laqascii117o;الشارع الشمالي متعاطف معنا والجمعيات تقدم، لكن ذلك وحده لا يمكن أن يكفي". ويسأل: &laqascii117o;عندما ينهي الجريح علاجه داخل المستشفى، أليس بحاجة إلى منزل يأوي إليه؟". ويقول: &laqascii117o;لا يمكننا أن ننكر موقف تيار المستقبل، لكن بعض المنتفعين والانتهازيين يسيئون أحياناً". وللدلالة على سوء الوضع يقول أبو سامر: &laqascii117o;أنا أُفضل الموت في جبال سوريا بدلاً من الوضع المأسوي الذي نعانيه"، مناشداً المغتربين السوريين تقديم ما أمكنهم من دعم ومساعدة &laqascii117o;لأننا ماضون في الثورة حتى النهاية"، إذ إن &laqascii117o;أنصاف الثورات مقتل للرجال".