قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الإثنين 6/2/2012

- 'السفير'
سوريا.. 'الرجل المريض'    
نصري الصايغ:

Iـ سوريا.. في عامها الأول
شبه سنة مرَّت على لحظة الاندلاع. استبعد النظام أن تكون سوريا على لائحة الحراك. قرأت السلطة الحدث التونسي والتحول المصري والانفلات الليبي، بطريقة خاطئة.. وحصل ان دخلت سوريا في مرمى الثورة بسرعة لم يصدقها أهل النظام، ولا صدّقها حلفاؤه.. أخطأوا في القراءة وفي التقدير وفي الحساب. ولهذا، سوريا اليوم، على تخوم عامها الأول من المحنة الدامية، ولا علامة تشير إلى خلاص قريب. المتفائلون جداً يقولون: فلنر بعد خمس سنوات. لا فائدة من تكرار القراءة الصحيحة الأخرى: تكلس النظام، عصيانه عن التغيير، اعتماده على مثلث الأمن ورجال المال ورجال الدين... ولم يعد مفيداً أيضا تكرار: هذه ثورة حقيقية، وتواجه بتكرار كذلك: بل هذه مؤامرة خارجية، تهدف إلى حرف سوريا عن الممانعة، أو، تقسيم سوريا، أو... انتهى كل ذلك. جدل غير بيزنطي طبعاً. هو جدل دموي، دفع فيه الحراك شهادات غالية، ودفع فيه النظام خسائر لم تكن تخطر في باله، مذ اعتبر الاستقرار المؤبد فضيلة سياسية دائمة يمكن الاعتماد عليها... انتهى ذلك كله.. سوريا الآن، برغم اهتمام العالم، كل العالم، بما يحدث فيها، وبما يمكن أن يصل إليها وتصل اليه، أسيرة مرضها الجديد، وهو مرض بانت أعراضه كلها، وعنوانه: لا حل بعد ولا شفاء. سوريا اليوم. هي الرجل المريض. لما بلغت السلطنة العثمانية حالة العجز عن التغيير، برغم المحاولات الجادة، التي بذلها رجال نهضة وحداثة وتطوير من أتراك وعرب، ولما راحت السلطة تشتري الوقت لإنقاذ نفسها من استحقاقات كثيرة، أبرزها: وضع دستور للبلاد، إطلاق الحريات، تحديث المؤسسات، الاستجابة لمطالب الشعوب والقوميات المنضوية تحت لواء السلطنة أو في قبضتها... ولما راهنت على شراء الاستقرار، بقفزات سياسية شبيهة بانقلابات القصور، اشتدت الرغبة لدى الدول الكواسر في الغرب، لتشديد الضغط على اسطمبول، ريثما تنضج التفاحة وتسقط في يد من تأهل لقطف الثمرة. كانت تركيا يومذاك، الرجل المريض الذي تتآكل سلطته على أرضه المترامية في آسيا وأوروبا وأفريقيا... وكانت الثورات المتنقلة من دول البلقان إلى اليونان إلى أرمينيا إلى مصر إلى بلاد الشام وبلاد الحجاز، تنقض على الرجل المريض، وتقضم منه أطرافه، تاركة له بر الأناضول، لصراع في داخل البيت العثماني، وليفوز به في النهاية، جماعة العسكر، أصحاب الحلول النهائية الجذرية، وأصحاب الحسم العسكري، وأبطال التبرع بدخول الحرب الكونية. لم تجد تركيا حلا لها من الداخل، وفشلت في إيجاد حل للقوميات والاثنيات، وفشلت في تغيير &laqascii117o;طبائع الاستبداد" عندها، فسقطت، وتبعثرت &laqascii117o;ممتلكاتها"، بين سايكس ـ بيكو، في سوريا الطبيعية، إضافة إلى سقوط مناطق عزيزة على تركيا، فتناوبت على احتلال أجزاء منها، كل إيطاليا وفرنسا واليونان.

II ـ الرهانات الخاسرة
الجميع في مأزق. عنق سوريا في الزجاجة، وحتى اللحظة، ليس في مقدور أحد، من الداخل أو من الخارج، ان يدق العنق أو يحطم الزجاجة. بعد ما يشبه السنة، وبعد اعتماد سياسة القبضة الامنية، بلوغاً إلى مرحلة الحسم الأمني (مهما بلغت الكلفة البشرية)، تبين أن المزيد من الأمن، يعادل المزيد من التدهور، والمزيد من العسكرة، نقل التظاهر السلمي إلى مرحلة العمل المسلح على طريقة حروب العصابات: &laqascii117o;أضرب واهرب".
وبعد حراك شعبي (يسميه النظام مؤامرة) بدأ يسيراً وزهيدا في درعا، تحول إلى حراك دام متعدد، وكلما تقدم وعظم شأنه اصطدم بحاجز السلطة التي تزداد تشدداً وعسكرة. ونتيجة لذلك خرّ الحوار صريعاً بسرعة. كانت السلطة ترفض الحوار، ثم اعلنت المعارضة رفضها كذلك. كان الدم هو اللغة السائدة، وسقطت سوريا في العجز. فلا السلطة، مهما بالغت في القمع، ولا المعارضة، مهما تفوقت في الصبر والمجالدة والعطاء، ثم العسكرة، قادرتان على الحسم. النظام بما لديه قوي، والمعارضة بما ليس لديها قوية أيضاً. مراهنة النظام على الحسم العسكري، لم تثبت جدواها، ومراهنة المعارضة على إسقاط النظام، لم تثبت فعاليتها. الاثنان في عنق الزجاجة. لا حل من الداخل، سوريا مريضة، ومرضها لا نهاية له. لا حياتها ممكنة، وموتها ليس قريبا. هي في منزلة الشقاء السياسي.
III ـ سراب الحلول
لا جديد يأتي من الداخل. المعركة مستمرة. والدم حصاد الفشل، والخوف ثمرة السقوط في المجهول.
ولا حل يأتي من الخارج كذلك، سوريا مريضة والاقليم أشد مرضاً. العرب إما في امتهان الانتهاز أو في محطة الترقب. ليس فيهم سيد. الجامعة تمثل أدواراً يكتبها الآخرون. لا تجيد الصياغة، وتعرف فقط كيف لا تخطئ في الاملاء. لا أمل يرجى. الخطة العربية بلا قدمين. تعرج على أنظمة عربية اسماً، أميركية فعلاً، وتتعكز على مجتمع دولي، مصاب بالحول، وازدواجية المعايير. ولا حل يأتي من غير العرب. تركيا وإيران، يتنازعان تركة الرجل المريض. إيران تريد الاحتفاظ بسوريا، وتركيا تريد سوريا بوابة لها، عبر تسليط من يشبهها، علها بذلك تقيم التوازن الاقليمي بينها وبين إيران. ويتداخل العامل الجيو استراتيجي مع العوامل المذهبية، والسياسات الخارجية، وتتحول سوريا إلى مرمى: النظام يضرب المعارضة بقوة، مؤيداً بالدعم الإيراني المباشر والقريب، والمعارضة تضرب عبر كر وفر، مؤيدة بالدعم التركي، إلجاءً وتدريباً وتسليحاً، فيما التمويل تتكلف به منظومة الدفع النفطي والاعلامي في دول الخليج العربي. لا حل يأتي من تركيا أو إيران. فيما يعلو صوت الضحايا، على إيقاع القبضة الأمنية، وبورصة الاعلام المنحاز والأعمى، وانتظارات الدول الكبرى. ولا حل يأتي من مجلس الأمن... روسيا التي غُدِرَت في ليبيا، وأضاعت فرصة التعويض على خسائرها هناك، مستشرسة في الحفاظ على علاقتها بسوريا... سوريا بوابة موسكو الأخيرة إلى المنطقة. سوريا حلقة وصل وفصل. تصل روسيا بمياه المتوسط والخليج، وتفصل بين تركيا وبعض الدول العربية.. إيران لاعب أول في سوريا وروسيا لاعب أقوى في سوريا. والحليفان يواجهان، مع النظام، تحالف المعارضة مع قوى الاستئثار الدولي، ومنظومة التخلف العربي... ولم يفز أحد حتى الآن.

IV ـ فات الأوان؟
يعاني الرجل المريض سكرات لا تميته قبل أوانه. من علامات المرض، تكرار النوبات بقوة وحرارة وضغط أكبر. لذلك، تتكرر نوبات درعا وحمص وحماه ودير الزور وريف دمشق... وأحيانا يصاحب التكرار، انتقال العدوى إلى أمكنة نائية، كان يظن انها بريئة من &laqascii117o;فيروس" الثورة... من علامات المرض، تكرار التظاهرات التي أنتجت سلمية مطعونة بقوى عسكرية، تضرب وتهرب. ويتحول التظاهر، لتكراره، إلى استدعاءات مذهبية. حرب لبنان التي بدأت في عين الرمانة، انتقلت، بسبب طبيعة القوى المتحاربة، إلى حروب طائفية ومذهبية وقومية واشتراكية وليبرالية ثم تحولت إلى &laqascii117o;حرب الجميع ضد الجميع"، وتدخلت فيها قوى عربية عظمى وصغرى، ومنظمات فلسطينية من كل لون، ودول أجنبية مختلفة، وتوّجت بدخول اسرائيل واحتلالها بيروت وتحوّلها إلى عامل سياسي شديد الحضور في رأس الهرم السلطوي في لبنان. كان لبنان يومها، الرجل المريض، وفي تلك الحروب، قتلت كل القضايا والنبيلة، وفازت فقط، القضايا الخسيسة، ولا زلنا نعاني اليوم من إفرازاتها، أحقاداً وفوضى ودولة مخلّعة الأوصال. من علامات المرض الدائم والمستفحل في سوريا، أن القوى العسكرية المنتشرة تعاني من خسائر ميدانية وفرار لعديد، بلا عتاد، من مذهب واحد، يشكلون عسكراً يتصرف برد الفعل، وهو أسوأ السياسات على الإطلاق. وازدياد هذه الظاهرة، يبذر الشكوك بين أفراد القوى المسلّحة، فتتصرف غير مأمونة في صدرها أو في ظهرها.. من علامات المرض الدائم، انعدام فعالية أي علاج سياسي أو أمني، في وقت تتدهور فيه صحة الاقتصاد، وصيغة &laqascii117o;التعايش" و&laqascii117o;المدن الآمنة"، تهجس بانتقال العدوى إليها.

فات الأوان.
الأغلاط التي ارتكبت في القراءة، منذ البداية، نقلت سوريا من دولة مواجهة مع العدو الإسرائيلي، إلى دولة مواجهة مع شرائح من شعبها... ولم يحن بعد تعداد مجمل الخسائر. فاوت الأوان. لا وقت لغير انتظار الأسوأ. من كان يظن ذلك قبل عام؟ سوريا الماضي القريب أفلت. لا عودة إلى الوراء.. سوريا الراهن قطعت مع كل الماضي. تعيش الانهيارات بفداحة السقوط، بلا وصول إلى القاع.. سوريا الغد! من يستطيع ان يتعرف عليها بعد هذا الركام، بعد هذه الآلام، بعد هذه الأحقاد، بعد هذه الاستحالات، بعد حمص ودرعا وحماه و... و...؟
لا أحد.


ـ 'الشرق'

صاعق عون السياسي والأمني؟!
الفرد النوار:  

 هل يكفي الرئيس نجيب ميقاتي القول أنه لن يستقيل ولن يحرد ولن يعتكف، للرد على إثارات تكتل التغيير والإصلاح، مع أنه يعرف أن آخر إهتمامات وزراء التكتل إحياء نشاط مجلس الوزراء. أي إنه قد التقى طوعاً مع العماد المتقاعد ميشال عون على نسف جلسات مجلس الوزراء ومعها التعيينات الإدارية والتشكيلات القضائية والمناقلات الديبلوماسية وكل ما من شأنه ضخ دم جديد في مؤسسات الدولة!
المؤكد أن غاية الرئيس ميقاتي مختلفة تماماً عما يتطلع إليه عون مع وزرائه، خصوصاً إن من مصلحة الثاني الظهور بمظهر من ليس مهتماً إلا بما يحقق له مشروعه السياسي، ويوصله بالتالي الى قصر بعبدا من دون أن يتوقف لحظة عند معاني وأبعاد فراره المذل من موقع الرئاسة الأولى الذي إغتصبه على حساب الدستور والقوانين والشرائع. فيما تبدو تصرفات عون الحالية غير محرجة، أقله من جانبه وجماعته، لأنه يتمتع بغطاء من حزب الله &laqascii117o;الحليف الذي إشتراه بأبخس الأثمان المادية والمعنوية والوطنية؟
صحيح أن العماد المتقاعد يشعر بنشوة إحراجه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، طالما أن غطاء حزب الله مؤمن له مهما تضاعفت أخطاؤه واستفزازاته، من دون أن تتأمن له طريق بعبدا مهما إختلفت وسائل تعاطيه مع خصومه المجمعين على أنه علة العلل، بقدر ما هو &laqascii117o;صاعق سياسي - أمني قابل للإنفجار عندما لا تدعو حاجة حزب الله وسوريا، حيث هناك رهان على معرفة أميركا ودول غربية وعربية إن إزاحة الرئيس بشار الأسد لن تمر بسلام ومن غير تفجير الوضع اللبناني الداخلي.
والأصح أيضاً، إن حزب الله قال صراحة إنه لن يسمح باسقاط بشار الأسد، حتى ولو إقتضى الأمر فتح جبهة حرب مع إسرائيل. وعندما لابدّ من أن يكون الاسد قد وضع ورقة نهاية نظامه قيد التسريع الميداني، مع ما يعنيه احتكاك الحزب بإسرائيل بطلب أو من دون طلب من &laqascii117o;ولي الأمر" في الجمهورية الإسلامية الإيرانية!
إلى أي مدى ينسجم تهديد حزب الله بتوجيه ضربة إلى إسرائيل ومن يؤازرها؟!
المراقبون يجمعون ربما على أن تفكير حزب الله بضرب إسرائيل ستسبقه بالضرورة ضربة إسرائيلية موجعة لإيران، على أساس أن &laqascii117o;عامل الوقت يفرض على حكومة بنيامين نتنياهو إفهام إيران وكل من له علاقة بها إن مشاكلها مع العالم ستنتهي فور إستهدافها بعملية عسكرية إسرائيلة مغطاة من أميركا والغرب". وعندها لابد وأن تختلف حسابات الداخل والخارج بالنسبة الى تعقيدات المنطقة، ومن ضمنها أزمة الحكومة في لبنان وأزمة مصير الحكم في سوريا؟!
وفي حال حصلت الضربة الإسرائيلية، بما في ذلك ضربة حزب الله،  لن يكون تأثير لأي فيتو يصدر عن موسكو وبيكين، لأن الأوراق الدولية والإقليمية تكون قد خلطت بطريقة حاسمة لا يعود ينفع معها التهديد بطرح مصير لبنان في سوق النخاسة السورية. فضلا عن ان امور المنطقة ككل ستطرح مجددا بما يشبه بدايات البحث في تقسيم السودان، وما اذا كان درس الربيع العربي يحتاج الى مزيد من التقسيمات لتستقيم امور بعض الدول الشقيقة مرة واحدة واخيرة؟!
ان ذريعة موسكو وبيكين لاستخدام الفيتو في مجلس الامن الدولي جاءت على خلفية المحافظة على سيادة سوريا وحريتها واستقلالها، فيما لم يقل احد من ثوارها انه سيطرح سيادة بلاده وحريتها واستقلالها في السوق الاقليمية او الدولية. لكن التعبير الذي استخدمه الروس والصينيون لتبرير رفضهم التعرض لنظام الاسد، جاء مختلفا تماما عن معنى استمرار النظام في اعمال القتل والتدمير (...)
وما يقال عن سوريا، لا بد وان يقال مثله واكثر عن العراق، ربما لان الاقنية السياسية والديبلوماسية مع ايران لم تحقق المرجو منها. وهذا ينطبق على سياسة رئيس حكومتنا نجيب ميقاتي الرامية الى تجنب فتح معركة اثبات وجود مع حزب الله وحليفه ميشال عون، كي لا يغضب دمشق، وفي الحالين لم تعد الخيارات المتاحة امام ميقاتي تسمح له بتوجيه رسائل ومواقف من دون ان يحدد عنوانها وطبيعة علاقاته المستقبلية مع المرسلة اليه؟!


ـ 'صدى البلد'
'الحسم' في مُنجِد 'الأسد': الحرب
علي الأمين:

انتقل النظام السوري من 'الحلّ الأمني' الى 'الحسم الامني'، في مواجهة الانتفاضة المستمرة ضده منذ 15 آذار 2011. هذا ما دلت عليه التسريبات الاخيرة التي ظهرت على السنة سياسيين لبنانيين نقلوا عن الرئيس السوري بشار الاسد ان مرحلة الحسم قد بدأها النظام السوري في مواجهة ما سماه 'العصابات المسلحة'.
ولم يستطع 'النظام'، بماكينته الامنية السياسية ولا العسكرية، فرض الحل الامني كما أفلحت الحكومة الايرانية في مواجهة الثورة الخضراء اثر الانتخابات الرئاسية الاخيرة عام 2009. في طهران تمكنت الحكومة من إنهاء الاحتجاجات رغم التحريض الخارجي الدولي والعربي ورغم المؤمرات التي نجحت السلطة الايرانية في استخدامها لانهاء الاحتجاجات الداخلية بأقل الاكلاف الممكنة. في المقابل، ورغم سقوط نحو 7 آلاف مواطن سوري وعشرات الآلاف من الجرحى وامثالهم من المعتقلين، فشل النظام السوري في تجاوز الازمة، ربما بسبب اصراره على انتهاج هذا الحل.
لذا ادرك 'النظام' ان الحل الامني الذي استمر على انقاض الحل السياسي، بمعنى اقرار النظام بالآخر والمباشرة بالتنازل عن جزء اساسي من السلطة لمعارضيه، ادرك انه اصبح مستحيلا، في ظل تنامي القطيعة العربية والدولية، واشتداد الحصار عليه والحصيلة الدموية للمواجهات، وأنّه ذاهب باتجاه تكريس وجوده وتثبيت سيطرته من خلال الحسم الامني: الحرب.
والفارق بين 'الحل' و'الحسم' هنا. فالحسم يعني خوض الحرب، وهو ما بدأت تبرز ملامحه بارتفاع معدلات سقوط الضحايا يوميا من نحو 30 ضحية الى ما يقارب المئة، وهو رقم مرشح للازدياد مع تسارع وتيرة الحسم. الملمح الثاني يبرز في دخول المدفعية والسلاح الثقيل وآليات تدمير البيوت إلى لغة تخاطب النظام مع المحتجين ومعارضيه.
ويعبر هذا المسار الدموي عن اقتناع كامل مكونات النظام الفعلية بأنّ خيار الاصلاح او المرحلة الانتقالية للسلطة غير وارد، وبالتالي فإنّ فرص زيادة عمر النظام او بقائه تكمن في استخدام النظام كل قوته الامنية والعسكرية وبطشها، واسوأ احتمالات النظام هو الدخول في نفق الحرب الاهلية، وهو خيار يتيح له، بعدما فقد فرص استمراره كما كان قبل انفجار الازمة، ان يكون الاقوى داخل سورية بعدما سلّم بحقيقة أنّه لن يستطيع وقف الانتفاضة، ولكنّه قادر على استدراج الداخل والخارج الى العسكرة.
وفيما كان النظام السوري يراقب عملية نزع اوراق قوته الاقليمية والداخلية طيلة الاشهر الماضية، إندفع اليوم بقوّة نحو رفع كلفة سقوطه. اذ ليس عاديا ان يرى النظام السوري كيف يتولى الاخوان المسلمون السلطة في مصر وتونس وفي ليبيا. ومؤخرا راقب فوزهم المدوّي في الكويت. وها هي قطر نفسها اليوم تستضيف على اراضيها الزعيمين الفلسطينيين أبو مازن وخالد مشعل، لتقديم دفعة دعم قطرية للمصالحة الفلسطينية بعد الدفعة المصرية، في خطوة لا تخلو من دلالة تعرية النظام السوري من اوراقه الفلسطينية.
بين تعرية النظام السوري من ابرز اوراقه الاقليمية، وتمدد الاخوان المسلمون على بساط الانتخابات التشريعية، وتضييق الخناق الاقليمي والدولي على النظام، ومع تبلور المكون المذهبي لمحوري الصراع في المنطقة العربية برأسين تركي وايراني، يبدو النظام السوري في اسوأ ايامه. فهو نظام تقوم مفاصله الرئيسة على العائلة التي اختصرت حزب البعث وعلمانيته، والعصبية الطائفية التي تقبض على الجهاز الامني السياسي المسيطر على الدولة، ونظام المافيا الذي يضخ المال لتعزيز هذه السلطة وتأبيدها. واذا كانت ايران رفعت الشعار الاسلامي وروجت لنظام ولاية الفقيه بين اتباعها العرب، فثمة من يلتقط سحر الشعار الاسلامي وبراغماتيته في مواجهتها ايضا: في العراق تمددت ايران وانتصرت بشعار اسقاط الديكتاتور والصحوة الاسلامية ورفع الغبن عن الشيعة، في سورية ايضا يجري اسقاط النظام السوري من بوابة رفض الاستبداد وحكم الاكثرية وهي بالطبع اسلامية لكنها ليست ايرانية.
خلاصة ما ينتظر سورية اليوم ازمة تطول: ليس هناك من يستعجل حقن الدماء، لا داخل النظام ولا بين الفرقاء الاقليميين والدوليين المتنازعين على سورية. واذا كانت الثورة فعلية في سورية ومبررات استمرارها متوفرة، الا أنّ ذلك لن يلغي حقيقتان تترسخان اليوم مع الفيتو الروسي، هما سقوط حتميّ للنظام، وكلفة دموية عالية ستقدّم من ارواح السوريين على مذبح التغيير... هذه الورقة الاخيرة التي يحملها النظام اسمها: الحرب... ويسميها النظام السوري: الحسم الامني.


ـ 'الحياة'
السلفيون و'الإخوان'... خلاف الأيديولوجيا وصراع السياسة
ماهر فرغلي (كاتب مصري):

هناك بون شاسع بين العالم الافتراضي للحشد الإسلامي الدعوي، وعالم الانتخابات والبرلمان الذي يتطلب تربيطات وتحالفات وبرامج، وفي حالات متعددة رصدها الإعلام بعد ثورة 29 يناير، كانت الصورة تنذر بخلاف متوقع أثناء العملية الانتخابية المصرية أو تحت قبة أول برلمان بعد الثورة. أولى هذه الصور تتمثل في فشل التحالف والحشد التنسيقي بين الإخوان والسلفيين فضلاً عن الأحزاب الإسلامية الأخرى، وثانيها الصراع الانتخابي بين السلفيين والإخوان في أغلب الدوائر تقريباً، والذي وصل إلى محاولات استقطاب الجماهير وتقطيع صور المرشحين، والتشويه الإعلامي بين الطرفين في الإعلام الجديد على اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي.

وإذا بدأنا بالسلفيين سنجدهم تجاوزوا حالتهم الراكدة في ممارسة السياسة، وعكست حالتهم الجديدة طبيعة التطور (وربما المخاض) الذي تمر به &laqascii117o;الحالة السلفية" في مصر، ولكن، إلى الآن بقي السلفيون في حالتهم النمطية القديمة يمارسون السياسة بغاياتها ومآلاتها وليست بوظائفها وأدواتها، وأصبح العمل السياسي لديهم هو مجرد أداة لتحقيق أهداف أخرى، ووسيلة لتحقيق غايات، وكان عليهم أن يتحملوا حسابات السياسة وممارساتها التي قد يتعارض بعضها مع فهمهم لأصول الدين وفروعه ولأيديولوجية الإخوان والسلفيين أنفسهم.

وبدا من لغة الخطاب السياسي التي حملت بعض التصريحات لقادة السلفيين وأحزابهم الجديدة مثل &laqascii117o;إلغاء التعامل الربوي"، أو &laqascii117o;تطبيق الشريعة الإسلامية"، أن ظاهرة السلفيين ستبقى مرهونة بقالبهم النمطي، الذي يهتم بالعلم والدراسة ويعنى بأفكار نصوصية أول أهدافها هو اكتشاف خبرات السلف ودلالتها، ومحاولة تطبيق هذه الدلالات. ويبدو أن السلفيين سيظلون معتبرين أن شرعية وجودهم تقوم على الاتصال بالناس ونشر الدعوة، وأن شرعية السلطة الحاكمة كذلك ستستمد من نشرها للإسلام وممارستها لذلك، وإلا اعتبرت سلطة غير شرعية مقصرة في حق الدين. فيما ستستمر نظرتهم إلى الحياة الدنيوية بأنها معاناة، وأن الإنسان سيدخل في امتحان عسير لإثبات ايمانه، ومن ثم فإن ممارسة الحكم هي نوع من الاختبار، وبما أن السلطة ضرورة وحقوق، وعلى رغم أنها تنبع من مفهوم الطاعة، إلا أن لا طاعة لما هو مخالف للتقاليد الدينية.

في الناحية الأخرى يظل &laqascii117o;الإخوان المسلمون" كما هم بالعقلية نفسها والعقيدة ذاتها التي ترى أن احتكارها العملية السياسية من لدن الأطراف الإسلامية الأخرى هو الأولى والأفضل، في ظل اعتقاد قياداتها أن تراكم خبراتهم هو الأولى كذلك ليكون حاكماً للمرحلة، فضلاً عن كون نجاحات الإخوان منذ أيام الثورة الأولى هو الدليل الواضح على أن الجماعات الإسلامية كلها أخطأت في أنها لم تتبع السبيل نفسه، ولم تدر في فلك جماعة الإخوان نفسه، وفي الوقت ذاته، فإن الجماعة عليها واجب أن تقوم هي بدور المرشد والهادي للسلفيين أو غيرهم، باعتبار موازين القوى، والخبرات المتراكمة والنجاحات الأخيرة.

وعلى ما سبق فقد نظر الإخوان للسلفيين وأحزابهم نظرة دونية كشفت عن الحجم الذي يرونه لأحزاب السلفيين أيام الانتخابات البرلمانية، فرفضوا إعطاءهم دوراً متقدماً في القوائم الانتخابية على اعتبار قوتهم على الأرض وهذا ما أفشل التنسيق الإخواني - السلفي. واتسمت خريطة التحالفات السياسية بغياب الاتساق الأيديولوجي بين أحزابها، ما أدى الى تفككها قبيل بدء الانتخابات، وطغت الخلافات حول ترتيب القوائم على الأهداف الوطنية التي أنشئت من أجلها تلك التحالفات.

ولم يكن ما سبق وليد اللحظة الراهنة، بل ثمة تاريخ حافل قبل ثورة 25 يناير المصرية من مشاعر الاستعلاء، والتعصب والإحساس باقتناص الحق المطلق كانت تتضخم بين السلفيين والإخوان، حيث تحول العمل الإسلامي إلى مباريات ومشاكل، وتصاعدت المنافسة لتؤدي إلى انقسامات وأوصاف فكرية وعملية وخلقية، كل منهما ينزلها على جماعته، فيصبح هو صاحب الحق ومحتكر الحقيقة، وكان السبب الرئيس في ما سبق هو حصر العمل للإسلام فى جماعة واحدة يراها البعض ضرورة يحتمها الواقع، وأنها وحدها تمثل الحق الخالص.

وكان ذلك نابعاً من قداسة القيادة عند القاعدة من أفراد الإخوان، وتلك الهالة والنظرة المثالية لمشايخ السلفيين، ما جعل ميراث التعالي هائلاً ومليئاً بالخوف والمحاذير. وباختلاف المفاهيم والتوجهات حدثت الاختلافات، وبرزت انقسامات حادة في الرؤى التي التقطت بعض الخيوط والمسائل الفقهية والفكرية الفرعية لتكون سلاح كل جماعة للتميز والتفرد، ما عكس تلك الحالة التناحرية السائدة، ومظاهر التأزم في بنية الفكر وبنية كل من جماعة الإخوان والسلفيين على مستوى الأفكار والأشخاص. ولم يكن مردّ التدافع إلى تنازع حول تحقيق المراد وإثبات بعض الأمور العلمية التى أدى خفاؤها وتراكم الغبش حولها إلى الاختلاف في التوصيف، إنما كان السبب الأول هو الأصول العلمية الضابطة لهذه القضايا، إذ كانت الممارسات السياسية لدى الإخوان سبباً يراه السلفيون يستوجب نقد الإخوان.

وفي الجهة الأخرى، كانت الأصولية الشديدة النابعة من التراث لدى السلفيين وجهاً كبيراً لخلاف الإخوان معهم، وكان نقد السلفيين لممارسات الإخوان السياسية السبب الأقوى للخلاف. كما أن الولاء الحركي الذي يصب عند السلفيين في مشايخ السلف، ويتجسد عند الإخوان في الولاء للقيادة وسياساتها، يصل في أحيان كثيرة إلى تعارض أهداف الطرفين ومصالحهما، بصرف النظر عن (هوية) و(كنه) الغير.

ومع المركزية التنظيمية التي جعلت لكل من الحركتين مرجعية تنظيمية تقرر أساليب وطرق العمل الدعوي بناءً على وسائل متعددة تتراوح بين القرار الفردي، كما هي الحال في الدعوة السلفية، إلى الشورى المقيدة عند الإخوان المسلمين، تصبح هناك عناصر استدامة الفصام الذي عانى منه كلا الفريقين، لتظهر الخلافات في أداء السلفيين والإخوان قبل ثورة 25 يناير، وقبل أول انتخابات برلمانية وبعدها.

ونظراً لما يمتلك السلفيون من عيوب هيكلية وإدارية تحول دون انفتاحهم انفتاحاً تاماً على الآخرين، ونظراً لطبيعة النص العقائدي الذي ينطلقون منه والذي يختلف تماماً عن طبيعة السياق الواقعي والسياسي المحيط بهم، فإن سلفيتهم الجديدة التي ظهرت مع الثورة المصرية لتمارس السياسة، لم تتكيف تكيفاً تاماً ومرناً مع ما يحيط بها، وإلى المدى الذي يمكنهم عموماً من اتخاذ دوافع المصلحة والمرونة والتكيف مع الواقع المتغير، وتقديم نموذج إسلامي معاصر، وإلى المدى الذي يمكنهم من اتخاذ دوافع براغماتية وموقف وسط بين الأيديولوجية والسياسة، ستصبح هناك خلافات واضحة تحت قبة البرلمان، أو تحت قباب المساجد ومنابر الدعوة الإسلامية.

عملياً، فإن الحركات الإسلامية تختلف اختلافاً جذرياً عن الحركات السياسية الأخرى، في منظومة القيم الحاكمة لها، والتي تصبح في الوقت نفسه حاكمة عليها من الجمهور، هذا ما ينظر السلفيون إليه، وبنظرة أشد من الإخوان الذين خبروا اللعبة السياسية منذ زمن بعيد، بعكس السلفيين الذين سيعتبرون أنهم كلما اقتربوا من تلك المنظومة، وكلما تشددوا في الأخذ بها حافظوا على رصيدهم الشعبي، الذي أعطى أصواته للقيم ولم يعطها للسياسة، وبناء عليه سيتشدد السلفيون داخل الملعب السياسي للحفاظ على نمطهم المتشدد، فيما يصبح الإخوان أكثر براغماتية، ما يرجح اختلافاً وخلافاً بين الأطراف المشتركة على أرض الملعب.

وعلى رغم أننا شهدنا سلفيات جديدة متنوعة في مصر، وظهر أكثر من حزب سلفي، انتقل من دوره القديم في المساجد والزوايا إلى اللعبة السياسية والبرلمانية، إلا أنهم جميعاً يؤمنون بمرجعية واحدة، لا تفكر سوى بعقيدة لها سياسة تختلف عن تلك التي تتعامل بها الأحزاب الوطنية. وحين تمضي العملية إلى نهايتها، ويصبح السلفيون أكثر دراية بأرض الملعب السياسي، من المتوقع أن يشهد السلفيون انقساماً، يعيد إنتاج سلفيات أكثر سياسة، أو ائتلافات تتمحور حول فقه المرحلة والواقع، بل تنفصل عن المرجعيات القديمة، فيما يعود آخرون إلى الزوايا والمساجد وهم يكفرون بتلك اللعبة إن لم تحقق لهم استراتيجيتهم في تطبيق الشريعة الإسلامية. وهذه هي التصورات المتوقعة لمآلات التجربة السلفية في البرلمان، التي يمكن أن تنتهي بأن يكون جبل الجليد السلفي عقبة حقيقية في وجه البراغماتية الإخوانية.

التنافس في حقل الانتخابات لم يكن تنوعاً في الأفكار والسياسات بقدر ما كان نقلة وأسلوباً جديداً في التعاطي مع التنوعات والظروف المحيطة بمصر بعد ثورة 25 يناير، وبما له صلة بتكوين أفراد الجماعتين الذاتي ورؤيتهما الشرعية، وهناك فرق بين التنوع والتعاطي، خصوصاً إذا كان التعاطي يدور في سياق الظروف السياسية المنفتحة، من دون تجاوز ثقافة الخطاب الأيديولوجي لكل منهما، أو حدوث تقارب للخطابين، لذا فإن الخيارات المتوقعة كلها ليست سهلة، وبدلاً من حال الاستقطاب الاسلامي العلماني سنشهد حال الاستقطاب الإخواني السلفي، لتضعهما على محك التجربة العملية لمشروعهما، وستحوي في داخلها تدافعاً مع الإخوان الذين تخطوا مراحل للسلفيين كثيرة، ويتدخل فيها الليبراليون بكل تشكيلاتهم، فيما الكل سيصبح محشوراً في زاوية البرلمان، ليثبت نجاح أيديولوجيته.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد