قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الإثنين 13/2/2012

- 'الاخبار'
الملك ينقذ الحريري: مكرمة بـ 2 مليار دولار
مشكلة سعد مع نايف لم تُحلّ ومنافسة بينه وبين آخرين على المشاريع والعقود
زياد الزعتري:

قبل أيام، كان سعد الحريري مفلساً. اليوم عاد مليارديراً. فالملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز غيّر الأمر جذرياً بكلمات قليلة: &laqascii117o;يُمنح سعد الحريري قرضاً حسناً بقيمة 7 مليارات ريال لمصلحة شركة سعودي أوجيه". يعني أن الحريري تلقّى دعماً قوياً تفوق قيمته المعنوية ملياري دولار
ما الذي يجري مالياً لسعد الحريري ومؤسساته؟ هل هناك أزمة حقيقية تعصف بالإمبراطورية المالية التي خلّفها رفيق الحريري قد تصل إلى حدّ الإفلاس، أم الأمر لا يتعدى كونه مجرد مرحلة انتقالية لا بد منها لتصحيح الكثير من الأخطاء التي شابت سنوات الماضي؟ هل فعلاً يقدر سعد الحريري على وضع نهاية لهذه الأزمة متى أراد ذلك، لكنه ينتظر تطوراً ما؟ أسئلة تدور على كثير من الألسن، بدءاً من مورّد الأجبان والألبان إلى قصور الحريري، وصولاً إلى الطبقة السياسية والمالية في لبنان وحول العالم. أسئلة لا تجد إجابات حتى لدى الحلقة المقرّبة من &laqascii117o;الشيخ"، إلى درجة أن مطّلعين يقولون إن &laqascii117o;دولتو" نفسه لم يعد يقدر أخيراً على الإجابة عنها. في هذا الموضوع، تداخلت الأمور وتعقدت بنحو أصبح حلّها من الناحية النظرية صعباً جداً. وكانت تتعقّد أكثر يوماً بعد يوم. في علم مأسسة الشركات، نادراً ما يمكن العثور على ما وجده المدققون الذين استقدموا لتصحيح اعوجاجات شركات الحريري الكثيرة، لا سيما سعودي أوجيه وروافدها. فبعض الخبراء الآتين من كبريات شركات التدقيق المالية الدولية، لم يجدوا تفسيراً مقبولاً لهذا الكم من التداخل ما بين السياسي والاقتصادي والمالي والشخصي والمهني والاجتماعي.

البنوك متخوّفة

قبل أسابيع، رشح عن مصادر مطّلعة في المملكة أن نحو ثلاثة مصارف سعودية كبيرة رأت أنه يمكن تصنيف سعد الحريري وشركاته في خانة الشركات المهددة مالياً. كيف ذلك؟ تشرح المصادر أنه منذ نحو عام تقريباً، تلكّأ أحد المصارف الكبرى في المملكة عن إقراض شركة سعودي أوجيه نحو 300 مليون دولار أميركي. وبعد تدخّل شخصي من الرئيس الحريري، جرى تجاوز التمنّع، إلا أن الأمر عُدّ إشارة إلى سابقة لم يكن أحد في السعودية يتوقع أن تحدث يوماً لابن رفيق الحريري. وإثر عودته إلى المملكة بعد فرط عقد حكومته الأخيرة، جهد الحريري لمتابعة مسار التصحيح الذي كان قد بدأه في سعودي أوجيه منذ أكثر من سنتين. ومع اشتداد الأزمة المالية، راهن الحريري على أن سداد الدولة السعودية لمستحقات شركته المتأخرة بسبب تلكّئه عن تسليم عدد من المشاريع الإنشائية الكبرى، سيكون كفيلاً بمعالجة كل الأزمات المتراكمة. فـ&laqascii117o;سعودي أوجيه" واحدة من أهم شركات المملكة، وهي &laqascii117o;حاجة" للمشاريع أكثر منها مجرد شركة عاملة، وبالتالي كل ما في الأمر لا يتعدى كونه تأخيراً في السداد، على حدّ قول عدد من المقرّبين من الحريري. ويضيف هؤلاء: إن أي مشروع من المشاريع الجديدة التي تضمنتها موازنة السعودية الأخيرة الإنفاقية العملاقة كفيل بأن يعيد إطلاق الشركة بشكل صاروخي في عالم المال والأعمال. لكن ما نُقِل عن مسؤولين مصرفيين سعوديين قبل مدة قصيرة أظهر وجود &laqascii117o;فجوة" بين ديون الحريري، وبين المستحقات التي لشركته في ذمة الدولة، أو ما يتوقعه من عائدات من مشاريع جديدة، وخاصة في ظل اشتداد المنافسة في السوق السعودية، وكثرة الحاسدين والمتربصين بالحريري وأداء شركاته من العائلة الحاكمة والسعوديين ككل. كان هذا الأمر يعني أنه على أفضل التوقعات، فإن العجز المالي للحريري بات يكبر بطريقة جعلت الرجل مفلساً دفترياً.

فك &laqascii117o;الشيفرة السعودية"
يرى مطّلعون ممن عايشوا الرئيس رفيق الحريري في بدايات انطلاقته في المملكة أن الرجل نجح في &laqascii117o;فّك شيفرة" العقلية السعودية في عالم المال والأعمال، الأمر الذي مهّد للنجاحات الكثيرة التي حققها في ظروف ومواقيت محددة قد لا تتكرر اليوم. أما الابن، فعلى الرغم من أنه نشأ في المملكة، لكنه لم ينجح في فهم العقل السعودي بالنحو الصحيح. ويسوق أصحاب هذه النظرية الكثير من البراهين على كلامهم، لعل أقواها المشكلة غير المبررة التي أوجدها الشيخ سعد لنفسه، والتي لا يزال حتى اليوم يعيش تداعياتها على أكثر من صعيد، وهي استعداؤه &laqascii117o;لملك السعودية الفعلي" الأمير نايف بن عبد العزيز، عبر انتقاده لولده محمد من دون مبرر، وفي لحظة تخلّ تظهر الفارق الكبير بين الحريري الأب وولده. ويقال إن الشيخ سعد، بينما هو طريح الفراش جرّاء حادثة التزلج في جبال الألب، كان ينتظر مكالمة كانت لتريحه كثيراً في معاناته لو أنها حصلت. مكالمة من الأمير نايف أو من ينوب عنه، تحمل إشارة إلى طيّ صفحة لا يعرف الحريري كيف يمحوها من الوجود.ما إن تولّى نايف ولاية العهد، حتى برز سؤال عمّا إذا كان هذا الأمر يحمل تهديداً لعلاقة الحريري بالمملكة؟ يقال في المملكة إن سعد الحريري لا يواجه فقط سوريا وإيران وحزب الله، بل هو يخوض معركة قوية داخل عرينه في السعودية حيث الحظوة التي تمتعت بها &laqascii117o;سعودي أوجيه" لزمن طويل باتت تخبو شيئاً فشيئاً، مع كثرة الأسئلة والحاسدين. لكن، منذ فترة طويلة، يتداول في أوساط الحريري وفلك المرتبطين بمؤسساته، سواء على نحو مباشر (كموظفين وعاملين ومنتفعين) أو بنحو غير مباشر (كمدينين ومورّدين)، أن الأيام المقبلة ستحمل الفرج. كان يقال للمطالبين بحقوقهم التي طال عليها الزمن &laqascii117o;في الشهر المقبل ستسدّد كافة الديون، وستُفتح صفحة جديدة". إلا أن هذا الشهر لم يصل منذ أكثر من سنتين. يقول مصدر متابع أن الرئيس الحريري بقي طوال تلك الفترة يتخبّط في إدارته لشؤونه المالية على نحو بات واضحاً جداً، خاصة لدى المقربين منه. وهو يرتجل العديد من قراراته، ليعود عنها لاحقاً. ويشير المصدر إلى أن الشيخ سعد لجأ إلى سياسة شراء الوقت، مراهناً على حل سيأتي &laqascii117o;من فوق"، يعيد تعويم جميع شركاته ومؤسساته. وبالفعل هذا ما حصل منذ أيام كما يؤكد مطّلعون. فمن دون أيّ مقدمات، قرر الملك عبد الله بن عبد العزيز منح الحريري وشركة سعودي أوجيه &laqascii117o;قرضاً حسناً" بقيمة 7 مليارات ريال سعودي. وأتت الخطوة على شكل &laqascii117o;مكرمة" طال انتظارها، وهي جاءت في توقيت يحمل الكثير من الدلالات في السياسة كما في الاقتصاد. فأزمة الحريري المالية بلغت مرحلة من التأزم بما يفوق القدرة على التحمّل. وذهب مصرفيّون في المملكة، ممن توقفوا عن توفير قروض للحريري، إلى درجة الحديث عن &laqascii117o;عملية إفلاس حقيقية". في السياسة، جاءت الخطوة على أعتاب مرحلة من التغيير في التعامل الخليجي مع ملف الأزمة السورية، ما يعني أن المكرمة الملكية أتت لإعادة بث الروح في الحريري ومؤسساته، وفي الدور المرتقب منه في الفترة المقبلة. وفي هذا السياق، تسأل مصادر متابعة لشؤون &laqascii117o;سعودي أوجيه" عن مصير صفقة بيع حصة من &laqascii117o;أوجيه تيلكوم" لمصلحة شركة الاتصالات السعودية، والتي تمّت بأكثر من قيمتها الفعلية بتوجيهات من الملك. أين أصبحت المليارات الثلاثة التي كان يفترض بالحريري الحصول عليها؟ هل جرت فرملتها في الأروقة البيروقراطية ما دفع الملك إلى &laqascii117o;الإقراض الحسن، الشخصي والمباشر"؟ سؤال كبير لا إجابة عنه عند الكثيرين، لكن الأكيد أن قرار الملك الأخير سيتخطّى قيمته المادية ليشير إلى الكثير من المعطيات التي ستتكشّف قريباً.


- 'السفير'
التحدي الربيعي للمسلمين
ميشال سبع:

لطالما طرحت الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا مقولتهما في الديموقراطية، معتبرتين أن شرعة حقوق الانسان لا يمكن تطبيقها إلا عندما تتحقق الديموقراطية. وعملياً، كل الديكتاتوريات في العالم تدّعي الديموقراطية حيث الانتخابات الشعبية هي التي تفرز نتائج مذهلة تعطي الرؤساء الديكتاتوريين 99% من أصوات الناخبين. وعندما أصبح هذا الواقع عبئاً على أصغر العقول في تصديقها نزع الربيع العربي - الاسلامي ورقة التوت الديكتاتورية بإسقاط رؤوسها ورموزها، وأعطى فسحة جديدة للانتخابات الشعبية، التي أفرزت المساحة الكبرى للاسلاميين. ولقد كانت النتائج إسقاط يد الدول الغربية التي لم تعد تستطيع أن تجد حجة في إسقاط شرعية الانتخابات مما دعاها الى التعامل مع الامر الواقع والتسليم به. المسلمون والاسلاميون يحتاجون بلا شك للتعامل مع الغرب، لأنهم يتعرضون لرياح التعامل الاقتصادي المفتوح، وهم ليسوا بوارد الانغلاق أو التوقع، وبالمقابل، فإن الدول الغربية والآسيوية تحتاج الى المواد الأولية والاسواق الاستهلاكية العربية ـ الاسلامية والاسلامية غير العربية. هذا التعامل يسير على خطين متوازيين لا يلتقيان في المسار، لكنهما يلتقيان في المصير. واذا كانت الدول الاسلامية تريد من السفيرات الاوروبيات أن يضعن وشاحاً قبل تقديم أوراق اعتمادهن، فإن السفيرات مستعدات لوضع الحجاب والبرقع ايضاً اذا لزم الأمر، فالمهم هو أكل العنب لا قتل الناطور. وعنب النفط خمرة الاقتصاد العالمي. وبالتالي فالعلاقات الجديدة في منطقة شرق المتوسط وقسم كبير من آسيا ستفرض على الاسواق البسملة والوشاح، وهذا لا يغير الغرب لكن الاساس يبقى كما هو، النفط والمواد الأولية في حين ان العالم الاسلامي يجمّع أمواله الفائضة ليشتري المزيد من الاسلحة لمحاربة اسرائيل. الربيع العربي ـ الاسلامي يزهر اذا غيّر في ذهنيته الفكرية، إنه يحتاج لأن يقايض علاقاته مع الغرب وحتى الشرق الآسيوي بعلاقات مقطوعة مع اسرائيل، لأن أساس معضلته هو في هذا الوجود السرطاني المزروع في صدره. وهذا لن يتحقق بسهولة إلا اذا خرجت الدول الاسلامية من ذهنية ان اسرائيل هي عدوة العرب والمسلمين الى ذهنية ان اسرائيل هي دولة إرهابية وعنصرية يجب القضاء عليها وتغيير بنيتها. ان أي شعار يرفع في أي بلد عربي وإسلامي أمام الغرب يبيّن ان الصراع ديني بين الاسلام واليهودية سيعطي المزيد من القوة الدفعية للمسيحيين المتصهينين بأن يشحنوا الغرب المسيحي ولو اسماً كي يقفوا ضد الاسلام الذي يتجاوز عدده المليار أمام دولة لا تتجاوز بضعة ملايين من الناس. ان المؤتمرات حول الحوار المسيحي ـ الاسلامي واعتبار ان الحفاظ على الوجود المسيحي في الشرق هو ورقة المسلمين تجاه الغرب هي ورقة صغيرة وملهاة أمام القضية الكبرى، ولعل الرئيس بري في كلمته الاخيرة أمام المغتربين في مؤتمر &laqascii117o;المسلمون والمسيحيون في زمن التحولات الكبرى" أكدّ على ضرورة عدم الانجرار وراء الأحداث الطائفية والمذهبية التي تبعدنا عن المشكلة الاساس والقضية المركزية ألا وهي السرطان الاسرائيلي. تحجيم المرأة ودورها وإلباسها وتغليفها واعتبارها أساس العلة يشير الى اعتبار ان الانسان العربي والمسلم يعيش هاجس الجنس الذي يتجمع في هذا المخلوق المسمى بالمرأة. وهذا إجحاف وتحجيم للفكر العربي والاسلامي وإعطاء صورة مشوهة عن القدرة العربية والاسلامية على مجابهة عالم العولمة والدخول في نوعية العلاقات الدولية. وعوضاً من ان يكون المطلب العربي ـ الاسلامي هو التزام السفيرات الاجنبيات وضع غطاء الرأس فليكن كشف الحقيقة والسريرة عن أسس علاقات حقوق الانسان التي محكها هي حقوق الشعوب في تقرير مصيرها وحريتها في استعادة وجودها وعلى رأسها الشعب الفلسطيني والدولة الفلسطينية. ومن المعيب إغراق نواب الشعب المنتخبين ديموقراطياً في إيجاد الشرائع الذكورية واختراع معجزات الكلام في تطمين الاقليات عوضاً عن وضع التشريعات لعالم ما بعد الحداثة. الشعوب الاسلامية والعربية التي ارتضت الإسلام حكماً وديناً تعرت اليوم من ديماغوجيتها وأنهت قهرها وصارت على (المكشوف)، وهذا رهان وتحدٍ لتثبت للعالم ان الاسلام قادر لا ان يعطي حلولاً فقهية للتعاملات اليومية بين الناس، بل ان يلعب دوراً أممياً في مجال الاقتصاد والإبداع والفكر، وقادر على ان يصل الى ذهنية الثلث الثاني من العالم المتمثل بالعالم المسيحي ولو اسماً وذهنية الثلث الثالث الآسيوي الذي لا يعني له الدين الكثير. ان الاسس المشتركة التي يرى المسلمون أنفسهم في تحدٍ أمامها مع الآخرين هو العمل والانتاج وأهم من ذلك إيجاد المؤسسات العلمية لا الدينية والابداعية لا التراثية والتبادلية السلعية لا الحوارية العقائدية التي لا تقرّب السماء بقدر ما تشتت الارض والانسان.


- 'السفير'
لهذه الأسباب طلّقت تركيا 'الاعتدال' ..وعادت إلى أحضان حلفاء الماضي
 هيفاء زعيتر:

ليس ثمة حاجة لإعادة نعي سياسة 'صفر مشاكل' التي أُعلن مؤخراً انهيارها بشكل نهائي بعد أن اكتسبت زخماً جيو – استراتيجياً جديداً في مرحلة 'الربيع العربي' الأولى، كما لا داعي للتأكيد على أن شعار 'النموذج التركي هو الحلّ'، بات ككلام رومنسي جعل أنقرة في فترة من فترات الثورة تتوهّم أن بإمكانها ضبط شؤون المنطقة العربية بـ'القوة الناعمة'. فمع اندلاع الأزمة السورية، في الفناء الخلفي لتركيا، أدرك المسؤولون في حزب 'العدالة والتنمية' أن الانخراط في سياسات المنطقة يتطلّب أكثر من مجرّد إرسال بعثات تجارية إلى العالم العربي أو إنتاج المسلسلات التلفزيونية.. أو حتى الدفاع عن القضية الفلسطينية. وباختصار، لقد حسمت الأزمة في سوريا بشكل فاضح موقف أنقرة، فكان طلاقاً تركياً بائناً مع سياسة الاعتدال التي بدأها رئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان منذ عام 2002، لا سيما مع طهران ودمشق، في خطوة بدت واشنطن المستفيد الأكبر منها، وربما إسرائيل.

سوريا..'مكسيك تركيا'
لقد أقحمت الأزمة المحتدمة في سوريا الجارة أنقرة في ثقب السياسة الأسود الذي يتطلّب أكثر من 'قوة ناعمة' لحسم الأمور. ويشبّه تقرير لمجلة 'ذا ناشيونال إنترست' حجم ما يواجهه الأتراك من تحديات في ظلّ الأزمة التي ترزح تحت وطأتها جارتها الجنوبية، التي تتشارك معها أطول حدود، بحجم الاستنفار الذي كانت ستقوم به واشنطن فيما لو كانت الجارة المكسيك مهددة بالانزلاق في حرب أهلية مفتوحة. في الواقع، مرّت العلاقات التركية – السورية في العديد من المراحل، وإن كان طابعها العام هو التوتر على خلفية دعم دمشق لحزب العمال الكردستاني الذي أوصل إلى ما يشبه الحرب بين البلدين، كما كان السبب المباشر وراء التعاون العسكري الوثيق بين تركيا وإسرائيل. في عام 2003، شهدت العلاقات الثنائية انفراجها الأوسع بعد أن وجدت تركيا نفسها غارقة في سلسلة من المشاكل مع واشنطن بشأن سياساتها في الشرق الأوسط، وقد بلغت ذروتها في رفض أنقرة للغزو الأميركي للعراق. أما مع وصول أردوغان إلى السلطة فقد تحسن التعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين إلى حدّ كبير نتيجة لتغيّر الرؤية التركية للمصالح الوطنية. فحاول أردوغان التوفيق بين تحسين علاقاته مع سوريا والحفاظ عليها مع إسرائيل من خلال تسهيل عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين عام 2008، وهي مبادرة ما لبثت أن انهارت بعد الهجوم الإسرائيلي على 'مافي مرمرة'. ولكن منذ بداية الأزمة في سوريا خلال العام الماضي، وعندما فشل وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو في أن يكون 'كسينجر السياسة التركية' بعد اجتماع دام ست ساعات عجز خلاله عن إقناع الأسد بضرورة وقف العنف، أعطى أردوغان الضوء الأخضر لمساعدة المعارضة السورية والجيش السوري الحرّ، كما أدلى بتصريحات شديدة اللهجة تضمنت أوامر بإلغاء مشاريع التنقيب المشترك عن النفط وغيرها من المشاريع الاقتصادية بين البلدين، فضلا عن التهديد بوقف إمدادات الكهرباء. وقد أخذت التهديدات التركية بعداً أكثر خطورة، عندما وضعت الدعوات الغربية المتكررة للتدخل العسكري في سوريا تركيا على رأس حربة الهجوم، لا سيما أنها بلد مسلم لديه ثاني أكبر حجم للقوات المسلحة في حلف شمال الأطلسي، بعد الولايات المتحدة، وواحد من أكبر الجيوش في العالم. وكانت صحيفة 'كريستيان ساينس مونيتور' أكدت أن أي تحرك عسكري ضدّ سوريا يتعيّن على تركيا أن تكون في مقدمته، لا سيما أن دور الأخيرة كان مفصلياً خلال العام الماضي في ليبيا، مشيرة إلى أن هذا الأمر يمكن أن يناقشه داوود أوغلو خلال لقائه نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون اليوم.

إلى الحضن الأميركي..مجدّداً
صحيح أن العلاقات التركية – الأميركية دخلت في فترة مضطربة بعد غزو العراق، ولكن هذه المرحلة الصعبة يبدو أنها انتهت مع بداية 'الربيع العربي'. العام الماضي فقط، كانت العلاقات الأميركية - التركية في حالة سيئة، حيث كان ثمة خلافات بين الجانبين حول عدد من المواضيع، مثل علاقات تركيا مع إسرائيل، وكيفية التعامل مع ملف إيران النووي، العقوبات على إيران... أما اليوم، فيمكن القول، إن الولايات المتحدة وتركيا تعيشان شهر عسل بعد أن نسج الرئيس الأميركي باراك أوباما وأردوغان أفضل علاقة ربما بين رئيس أميركي ورئيس وزراء تركي منذ عقود. يذكّر الباحث سونر كاغابتاي، في تقرير نشره 'معهد دراسات الشرق الأوسط'، بتصويت تركيا في حزيران عام 2010 في مجلس الأمن الدولي ضد مقترح يدعو إلى فرض عقوبات على طهران، معتبراً بأن هذه الخطوة ظهرت كما لو أنها ستقطع العلاقات الأميركية - التركية. ولكن الحديث الصريح والمباشر الذي أجراه أوباما مع أردوغان على هامش قمة مجموعة العشرين في تموز من العام نفسه غيَّر كل شيء، حيث أخبر الرئيس الأميركي أردوغان بمدى الاستياء الذي يشعر به بعد تصويت تركيا في الأمم المتحدة ضد المقترح، وقد 'ساعدت صراحته على تنقية الأجواء بين الرجلين، ثم سرعان ما تغيرت سياسة تركيا، حيث توقفت أنقرة عن الدفاع عن طهران وبدأت العمل مع واشنطن'. ومنذ الصيف الماضي، اتخذت العلاقة بين البلدين مساراً تصاعدياً، إذ كثيراً ما يتحدث الزعيمان في ما بينهما، اثنتي عشرة مرة على الأقل هذا العام فقط، ويتفقان على السياسات في كثير من الأحيان، ويظهر ذلك في إجماعهما حول قضايا 'الربيع العربي'. وفي حين ساعدت العلاقات الشخصية بين الرئيسين على وضع الأسس النظرية للعلاقات الثنائية، أتى 'الربيع العربي' ليجعلها واقعاً بشكل غير متوقع وذلك عبر التقاء المصالح الأميركية والتركية في الشرق الأوسط. وكانت الأزمة السورية بمثابة الاختبار الفاصل للسياسة التي بدأها حزب 'العدالة والتنمية' بعد انتخابه عام 2002 القائمة على الانخراط في سياسات المنطقة والتكامل مع الدول المجاورة. وبعد أن خلصت أنقرة إلى أن الحكام المستبدين مثل القذافي في ليبيا سيسقطون لا محالة، بدأ البلدان تنسيق سياساتهما حول المنطقة، ولكن التعاون كان عميقاً بشكل خاص بخصوص سوريا، حيث صعدت تركيا إلى الواجهة باعتبارها الخصم الرئيسي في المنطقة للقمع الوحشي الذي يواجه به نظام الأسد المتظاهرين، وهو ما يناسب جيداً أوباما الذي يركز حالياً على مواضيع داخلية في أفق انتخابات 2012. وفي هذا الخصوص، يشير كاغابتاي إلى أن كلاً من واشنطن وأنقرة تأملان في 'هبوط سلس' في سوريا، أي في نهاية لحكم بشار من دون انزلاق البلاد إلى الفوضى. كما يقدر أوباما استعداد أنقرة لتحمل عبء سياسي تجاه سوريا، من فرض عقوبات ضد الأسد إلى دعم المعارضة.

إيران في الميزان التركي – الأميركي- الإسرائيلي
عندما وصل أردوغان إلى السلطة عام 2002، أطلقت أنقرة سياسة تقارب تجاه طهران، ومع بداية الغزو على العراق عام 2003، ونتيجة لشعورها بأنها محاصرة من قبل الجيش الأميركي في أفغانستان والعراق، أدركت طهران من جهتها أن عليها كسب ود تركيا لكسر العزلة المفروضة حولها. فأصبح البلدان، بشكل أو بآخر، بمثابة أصدقاء. غير أن عودة تركيا كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط أدى إلى تنافس مع البلد الآخر في المنطقة الذي يسعى إلى الهيمنة: إيران. وهكذا، بدأ تنافس 'ناعم' بين البلدين عندما دعم كل واحد منهما فصائل متعارضة في انتخابات 2010 في العراق. ثم فسح هذا الصراع المجال أمام منافسة صريحة حول سوريا، حيث تقوم طهران بدعم وتمويل نظام الأسد في حين تستضيف أنقرة أعضاء من المعارضة وتدعمهم. وتسعى سوريا جاهدة لوضع حدّ لحرب تركيا على الأسد، فيما تخوض تركيا وإيران لعبة الصراع على السلطة في سوريا، علماً أن طهران هددت بإخراج سلاح حزب العمال الكردستاني مجدداً لحماية حليفها الأهم في المنطقة من خطر العضو الأكبر في حلف شمال الأطلسي. ومهما كانت نتيجة الصراع، يعتبر كاغابتاي أن التنافس التركي - الإيراني على المدى الطويل سيقرِّب أنقرة أكثر من واشنطن، وربما حتى من إسرائيل. وعودة المياه إلى مجاريها مع إسرائيل نتيجة يفرضها فشل سياسة 'صفر مشاكل' مع دول الجوار، من الحرب على سوريا إلى التصادم مع إيران والمنافسة التركية - الإيرانية في العراق، علماً أن عودة التحالف بين البلدين لن يكون على أسس الصداقة السابقة بقدر استناده إلى قاعدة المصالح المتبادلة. ويعزّز هذه الفرضية أن المبادلات التجارية بين البلدين ما زالت في أوجها، كما أن هناك تقارير دبلوماسية تشير إلى اتجاه الأمور في هذا المنحى. وفي النهاية، وفي حين أن التوتر ما زال قائماً بين واشنطن وأنقرة حول عدد من المواضيع، ومن ذلك مستقبل العلاقات التركية - الإسرائيلية، فإنه بعد عقد من الخلاف عادت تركيا إلى أحضان حلفائها، وإذا كانت علاقة أوباما - أردوغان قد أسست لقاعدة جديدة للعلاقات الأميركية - التركية، فعلى ما يبدو أن البلدين سيكونان مرتبطين بمصالح مشتركة في الشرق الأوسط حتى بعد أن يغادر هذان الزعيمان السلطة.


- 'الاخبار'
صراعات المنطقة بعيون اقتصادية: الأجندة الخفية
حسن خليل:

ما بعد الفيتوين الروسي والصيني غير ما قبلهما، خريطة استراتيجية جديدة في طريقها إلى الرسم في المنطقة بأبعاد سياسية وعسكرية واقتصادية، قد تكون مقدمة لحرب باردة من نوع جديد، مع انقسام العالم إلى معسكرين واضحي المعالم، في أجواء تذكّر بما كان سائداً قبل اندلاع الحروب العالميّة.
كان لافتاً ما صرّح به الجنرال المتقاعد ليونيد إيغاشوف، عضو مجلس القيادة العسكرية الروسية سابقاً، بقوله عندما سئل عن المناورات الروسية في حال جرى ضرب إيران عسكرياً: &laqascii117o;سوف تستعرض هذه المناورات استعداد روسيا لحماية مصالحها الوطنية بقوة السلاح، ولتعزيز موقفها السياسي بالقوة العسكرية". ربط الجنرال السابق سوريا بإيران، وقال إنهما حليفا روسيا المضمونان، وتساءل إن كانت الضربة ستوجه إلى سوريا أو إلى إيران أولاً، جازماً بأن أيّ ضربة لإحداهما هي ضربة للمصالح الروسية، وستؤدي إلى خسارة كبيرة لها. ولذلك، فإن روسيا بدفاعها عن سوريا إنما تدافع عن مصالحها القومية وعن العالم الحر ضد الفاشية المستشرية أخيراً على غرار النمط الهتلري. إلى أي مدى يمكن أخذ هذا التصريح بحرفيّته؟ وما هي حقيقة الصراع المحوري الكبير على سوريا ومن ورائها إيران؟ هل فعلاً ضمير الغرب وبعض العرب لم يعد يستطيع تحمّل مناظر القتل في سوريا؟ وهل صحيح أن روسيا، ومن ورائها الصين، معنيّتان بالنظام السوري بخلفية موقعي إيران وسوريا الجيوسياسيين؟ أم هناك أجندة مخفية للصراع بين الغرب الذي لم يعد غرباً بالكامل والشرق الذي لم يعد شرقاً بالكامل؟ لم يكن استعمال الفيتو الروسي مرتين بالأهمية نفسها لولا ترافقه مع فيتو صيني. كان يمكن الصين &laqascii117o;النأي بالنفس" على غرار النباهة اللبنانية، ولكن رسالتها كانت واضحة: &laqascii117o;أنا أيضاً معنية بالصراع على سوريا وإيران، لأنهما تمثلان تهديداً للمصلحة القومية الاقتصادية الصينية"، ولذلك صرّح مسؤولوها بأن الصين لن تقف متفرجة في حال تعرضت إيران لضربة عسكرية، وهذه أول مرة تصرّح الصين علناً بموقف كهذا بعد أن نأت بنفسها لمصلحة النمو الاقتصادي، مبتعدة عن السجالات السياسية العالمية خلال الـ20 سنة الماضية. الموقفان الروسي والصين العاليا النبرة يتزامنان مع حرب إعلامية كونية هي الأشرس، بعد الحملة الإعلامية الغربية التي سبقت غزو العراق وإسقاط صدام حسين. لذلك بدأ المسؤولون الروس بإطلاق بعض التصريحات لمعادلة نسبية للتصعيد الإعلامي، منها أن تقدم المشروع النووي الإيراني مضخّم إعلامياً لتخويف دول الاعتدال العربي وتحويل الأنظار عن القضايا العربية المركزية.

حقيقة الخلاف
كانت &laqascii117o;الأخبار" أول صحيفة عربية أشارت إلى &laqascii117o;استفاقة التنين" في كانون الثاني 2010، عندما ذكرت أن حجم الاقتصاد الصيني أصبح ( 4.9 تريليونات دولار) أكبر من الياباني لأول مرة تاريخياً، وأن عدد حملة الدكتوراه في الصين سيبلغ 50 مليوناً، بينما ستصل الكتلة البشرية المتوسطة الدخل إلى حجم أكبر من سكان الولايات المتحدة أو أوروبا (راجع الأخبار 15/1/2010). مع اتساع الخلافات المبطنة بين الغرب والشرق، ظهرت الأزمة السورية لتطفو على السطح الخلافي أزمة ثقة عميقة بين الطرفين. في ظل هذه الأجواء المتشجنة، التي لا يعرف أحد مدى تفاقم نتائجها، تطرح عدة تساؤلات بشأن حقيقة الخلاف الغربي وبعض العربي مع روسيا والصين، والبعض العربي الآخر لا تمثّل الأزمة السورية إلا رمزيته وساحة التعبير عنه: 1 ـــ ما حقيقة ماهية الخلاف: هل هي سياسية فعلاً لها علاقة بالنفوذ في المنطقة، أم الأجندة الحقيقية للخلاف هي القلق المتزايد بشأن مصادر الطاقة الحيوية وتوزيعها والسيطرة علىها بين الطرفين؟
2 ـ نتيجة ذلك، هل صحيح أنه جرى إبرام صفقة استراتيجية بين الغرب والإخوان المسلمين، بحيث إن الإسلاموفوبيا انتهت وأصبح التعايش مع الإسلام المعتدل ممكناً، مع التوافق المتزامن على حماية المصالح مع المتشددين كطالبان وحماس.
3 ـــ ما هو دور تركيا في هذه الأمور؟ ولماذا همدت درجة النبرة التركية أخيراً بعد التصعيد الروسي ـــ الصيني؟
4 ـــ إلى أي مدى يستعد الطرفان الروسي ـــ الصيني لمواجهة التحالف العالمي ضد سوريا ـــ إيران؟ وهل من ثمن يقبله هذا الطرف ويدفعه الغرب لتغيير المواقف الحالية؟ وفي هذه الحال، إلى أي مدى تستطيع إيران ومعها سوريا الصمود اقتصادياً أو في حال التهديد الوجودي عسكرياً؟ كل هذه الأسئلة مطروحة ومصحوبة بالتساؤل عن إمكان صمود إيران وسوريا (ومعهما العراق) وروسيا والصين كجبهة واحدة أمام جبهة أخرى تضم الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج (الدول العربية الأخرى لها هجومها ولن تظهر موقفاً علنياً) وتركيا، وما جدية التهديد الاقتصادي بمقاطعة البضائع الروسية والصينية والمحاصرة المصرفية لإيران وسوريا؟

الصين وروسيا
يجمع الخبراء المصرفيون على أنّ من غير المنطقي (انطلاقاً من السؤال الأخير) على الغرب أن يواجه الصين وروسيا اقتصادياً، ومن ورائهما الهند، تحت أي ظرف، نتيجة ترابط الاقتصاد العالمي والمديونية العالمية. أما بالنسبة إلى العالم العربي، فليس لروسيا تبادل تجاري يُذكر سوى السلاح، وزبونها الأول هو سوريا بعد أن خسرت ليبيا. أما الصين فالتهديد بمقاطعة بضائعها عربياً أشبه برمي حصاة في بحر هائج. فبحسب فلينت لافريت، الباحث في &laqascii117o;مؤسسة أميركا الجديدة"، الصين فقدت ثقتها بالولايات المتحدة في إدارة النزاعات في الشرق الاوسط، ولذلك فهي قلقة بشأن أمن تمويلها بالطاقة من هذه المنطقة. صحيح أن حجم التصدير الصيني إلى دول الشرق الأوسط، بما فيها تركيا، قد تضاعف من 28 مليار دولار سنة 2005 إلى 59 مليار سنة 2010، ولكن استيرادها أيضاً ارتفع إلى 65 مليار دولار من 34 ملياراً. حجم التصدير الصيني إلى المنطقة يساوي حوالى 7% فقط من التصدير الاجمالي، يقوم به صغار التجار، بينما استيراد الصين حيوي، لكون أكثره نفطاً وغازاً تقوم به الدولة. وتعتبر الصين أكبر مستورد للنفط الشرق أوسطي في العالم، حيث تستهلك حوالى 23% من التصدير الإيراني الذي يساوي حوالى 11% من الحاجة الصينية. كذلك فإن الصين وروسيا تتعاملان مع المنطقة بدون إملاء رغباتهما إلا في إطار علاقات العمل، عكس الولايات المتحدة التي تمارس الضغوط مقابل توفير الحماية الأمنية لدول المنطقة، ولا تتردد دول الخليج في الجهر بذلك. في المقابل، تُعتبر الصين الشريك التجاري الأول لأميركا (يبلغ حجم التصدير إليها حوالى 240 مليار دولار، والاستيراد 77 مليار، وهذا يساوي عشرة أضعاف حجم التبادل بين الصين وإيران). فهل ستختار الصين بين أميركا وإيران؟ وهذا السؤال بمنحى آخر يُسأل للروس.
الجواب ليس بهذه البساطة، ولن يأتي من باب حجم التبادل التجاري الذي لن توقفه مواقف سياسية في محطات ما، حيث يقول جوني الترمان، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية ـــ لندن، إن الصين لن تضع نفسها في موقف اختيار، وستبقي علاقات مع الطرفين، لكن تطور الأمور في سوريا اليوم والمحاصرة المستمرة لإيران دفعتا بعض المراقبين إلى الاختلاف مع الترمان بشأن هذا التقييم؛ فروسيا والصين تنظران بقلق إلى السيطرة شبه الكاملة عسكرياً للولايات المتحدة وحلفائها على منطقة الشرق الأوسط، وخاصة دول الطاقة. فهناك القاعدة الأكبر في قطر، والقاعدة البحرية للأسطول الخامس في البحرين، والقاعدة الفرنسية في أبو ظبي، والقاعدة المزدوجة مع بريطانيا في عُمان. ولذلك فإن روسيا والصين قلقتان من إمكان الابتزاز المستقبلي لهما للحصول على الطاقة، وهذا ما يبرر خاصة الموقف الصيني الداعم لروسيا، حيث للأخيرة اكتفاء ذاتي في الطاقة.

حدود الحصار ومأزق تركيا
يتساءل المراقبون عن إمكان صمود إيران وسوريا مالياً واقتصادياً في وجه محاصرتهما، لكون الدول المعنية لا تستطيع إرضاخهما عسكرياً. مما لا شك فيه أن العملات الرئيسية من الدولار والجنيه الاسترليني واليورو، باتت غير متوافرة للدولتين المستهدفتين، كذلك هي الحال بالنسبة إلى الحصار الاقتصادي من تصدير مواد رئيسية إليهما، كالمواد الأولية أو استثمارات تحتاج إليها الدولتان لتطوير بنيتهما التحتية أو النفطية. لا تظهر حتى الآن جدّية تطبيق حظر استيراد النفط والغاز ومشتقاته، وما هو واضح حتى الآن أن الحظر ما هو إلا تهويل إعلامي لن يبدأ تطبيقه قبل تموز 2012، ولذلك ردّت إيران بتهديد معاكس. صحيح أن الأمن القومي الروسي والصيني مهددان بالدرع الصاروخية الاميركية وبالتمدد الاسلامي على النموذج التركي الذي يرتبط بالعرق التركماني والنزعة الانفصالية، كما حصل في الشيشان أو بعض مقاطعات الصين سابقاً، وصحيح أن تركيا هي لاعب أساسي إن لم تكن اللاعب الأساسي كأداة لتنفيذ هذا التهديد من قبل الناتو، لكونها أكبر مركز له خارج أوروبا، لكن تركيا معنية أيضاً بألا تتفاقم الأمور خارج السيطرة، لأن نموّها الاقتصادي واستقرارها في العشر سنوات الأخيرة وارتفاع سعر عملتها قائمة أساساً على الاستقرار الاقليمي، بعد أن يئست تركيا من أوروبا ووجّهت بوصلتها نحو الشرق الغني بدل أن تلتحق بأوروبا مستجدية. لكن تركيا خففت من لهجتها التصعيدية تجاه سوريا، وهي أصلاً لم تصعّد إطلاقاً تجاه إيران نتيجة شعورها بأن أي مواجهة حتمية ستزعزع الاستقرار السياسي التركي نتيجة تعقيدات تركيبة المجتمع فيها، وستهدّد ركائز الاقتصاد الذي استغرق سنوات مريرة ليصل إلى ما هو عليه، والذي يعتمد على حركة تجارية تصل إلى 30 مليار دولار مع العراق، فضلاً عن الاستثمارات فيه وفي كردستان، وإلى 15 مليار دولار مع إيران ويتجه تصاعدياً إلى 40 مليار خلال الخمس سنوات المقبلة. إذن هناك حدود معينة تربط يدي تركيا للمساهمة في الحصار على سوريا وإيران. بالنسبة إلى حركة البضائع والتجارة البينية، فمن الصعب تطبيق مقاطعة ما من دون أخذ قرارات حكومية بذلك، لأن الشعوب نادراً ما تلتزم، فكيف ستفعل ذلك في هذه الأجواء غير المنطقية، وهي التي لم تطبّق فعلياً برنامج مقاطعة إسرائيل ولا البضائع الدنماركية في أزمة الرسوم الكاريكاتورية.

إلى أين؟
التطورات الأخيرة في المنطقة فتحت نافذة استراتيجية لروسيا والصين لفرض نفسيهما شريكاً فعلياً في النفوذ على مصادر الطاقة قد لا يحصلان عليها مستقبلاً إن بقيتا متفرجتين اليوم. روسيا حتماً لا ثقة متبادلة بينها وبين الولايات المتحدة، أما الصين فثقتها تتزعزع باستمرار نتيجة التدخل الأميركي في شؤونها الداخلية ومطالبتها المستمرة بالمساهمة في خطّها السياسي التي رأت الصين أنها تفضل النأي عنه، وآخرها قلقها العميق من جدية التوسع العسكري الأميركي مشرقاً. أما بالنسبة إلى الأمن القومي الاقتصادي، فقد كتبت جريدة التايمز البريطانية عن الاحتياط النفطي العراقي بأنه سيكون قريباً الأكبر في العالم، ليصل إلى 350 مليار برميل، بعد أن كانت الأرقام السابقة تقدّره بـ143 مليار برميل. وهذه الأرقام تجعل العراق الأهم استراتيجياً بين دول النفط، وخاصة أن التنقيب يجري على عمق قليل، عكس الدول الأخرى. ومن المتوقع في حال جرى الاستثمار فيه أن يرفع إنتاجه اليومي من مليوني برميل يومياً إلى 6 ملايين برميل خلال العشر سنوات المقبلة. أما إيران، فقد ثبت أن لديها الاحتياط الثاني في العالم من الغاز بمقدار 33 تريليون متر مكعب، أكثره في مناطق غير متصلة بعضها ببعض. إضافة إلى ذلك، وبحسب مركز الدراسات النفطية الإيرانية، فإن إيران لديها ثالث احتياط نفطي في العالم، وثاني مصدّر أيضاً. فإيران تنتج حوالى 4.2 ملايين برميل يومياً، تصدّر منها حوالى 2.6 مليون برميل، وتتوقع وكالة مهر الإخبارية أن يصل إيراد إيران من الطاقة إلى 250 مليار دولار إذا ما طوّرت حقولها في المستقبل. هذه الأرقام كألحان الموسيقى للآذان الروسية والصينية، خاصة بعد مقاطعة الشركات الأميركية والأوروبية لعمليات التنقيب. فمن المعلوم أن كلاً من إيران والعراق سينفقان بين 100 مليار و500 مليار دولار خلال السنوات المقبلة في تطوير قدراتهما في الطاقة، وهذه المبالغ مغرية جداً للشركات الصينية والآسيوية. لكن الأهم أن الصين وروسيا لن تُفرّطاً بفرصة سانحة طرأت عليهما نتيجة الإدارة الغربية للأزمات، لتصبحا شريكاً منافساً ومضارباً لتأمين أمنهما القومي الاقتصادي من جهة، ولإعادة التوازن عسكرياً في ضوء الاندفاع القوي والعناد الأميركي لإكمال نشر منظومة الصواريخ في تركيا وروسيا وبولندا حتى مشارف شرق آسيا. لا أحد يمكنه أن يتوقع ما ستؤول إليه الأمور، وكيف يمكن أن تتفاقم. ولكن الثابت أن الحالة الردعية القائمة حالياً بين المعسكرين هي جدّية، ولو حتى بين أميركا وحلفائها من جهة وإيران وحلفائها من جهة أخرى. فالأكيد أن أيّ مغامرة من أحد الطرفين لاختبار الآخر ستؤدي إلى كوارث قد تهدد الاستقرار العالمي، ولا بد من إيجاد ممر يسلكه الطرفان لإعادة تسوية ما تقدم على الاعتراف بأن الساحة تسع الطرفين، وإلا قد تصل الأمور إلى ما يشبه أزمة الصواريخ الكوبية سنة 1961. صحيح أن التهديد الأميركي يصل إلى مقاطعة بعض الشركات الآسيوية إذا التزمت تعهدات في سوريا وإيران، لكن يعتقد الباحثون أن التطورات الأخيرة ستجعل روسيا والصين خلف إيران وسوريا بالكامل، ولن تسمحا لهاتين الدولتين بأن تضعفا بعدما وصلت المواجهة إلى هذه الحدود. لذلك بات العالم في حرب باردة جديدة، ولم تبدأ المواجهة حتى الآن، ولكنه في حرب فاترة مع بعض الفقاقيع. إنه عالم مجنون تحكمه الغطرسة وغرور القوة، مع مفارقة واضحة: أحد طرفي هذا الصراع يعتبر نفسه في مواجهة تقليدية، بينما يجد الطرف الآخر أنه في صراع وجودي. هل وصل العالم إلى ظروف ما قبل الحروب العالمية حيث خلا من العقلاء؟

تحدّي الروبل واليوان
يبقى التحديان الكبيران، ألا وهما إلى أي مدى يمكن الروبل الروسي واليوان الصيني والعملات الآسيوية الأخرى أن تكون بديلاً للعملات الرئيسية بالنسبة إلى سوريا وإيران؟ وإلى أي مدى ستُلبّي روسيا والصين والدول المرادفة حاجات الدولتين المحاصرتين؟ تجارب الحصار السابقة في ظروف مختلفة لم تبرهن نجاحها، وهي لم تنجح في ليبيا التي لم يكن لديها منافذ كسوريا وإيران، ولم تنجح في كوريا الشمالية لأن حليفيها هما نفس القطبين الرئيسين المعنيين بالأزمة الحالية. هذا لا يعني على الإطلاق أن إيران وسوريا لا تشعران بتضييق الخناق عليهما. فهناك تقارير قد تكون صحيحة أو من ضمن الحصار الإعلامي، أن ماليزيا أوقفت تصدير زيت النخيل إلى إيران بسبب التأخّر في الدفع، نتيجة تضاؤل كمية العملات الصعبة. كذلك فإن هناك تقريراً لوكالة رويترز يفيد بأن الصين أوقفت استيراداً بقيمة 2 مليار دولار من الحديد الخام من إيران، وأن الهند وأوكرانيا لم تعودا قادرتين على تلبية حاجاتها من الأرز نتيجة قرارات المقاطعة في الأمم المتحدة. تمثّل الصين الزبون الأول لإيران في الحديد، ولكن لا أحد يستطيع تأكيد أو نفي توقّفها عن استيراد الحديد الإيراني.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد