قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الثلاثاء 14/2/2012

- 'السفير'
قلق أميركي من تراجع الجهوزية.. واتجاه لتوسيع نطاق المساعدات لتشمل القوات البرية
إدارة أوباما تطلب من الكونغرس 75 مليون دولار للجيش اللبناني

الميزانية الفيدرالية الأميركية للسنة المالية 2013 خصصت مبلغ 75 مليون دولار من المساعدات العسكرية الى الجيش اللبناني، ولا يُستبعد ان يسلم الجانب الاميركي اسلحة ثقيلة هذا العام في ظل قلق من تراجع جهوزية الجيش اللبناني مع تباطؤ المساعدات وضمن اتجاه اميركي جديد لمقاربة شاملة تهدف الى توسيع نطاق المساعدات العسكرية لتشمل ليس فقط القوات الخاصة بل محور الجيش اللبناني اي القوات البرية.
بعدما وصلت المساعدات العسكرية الاميركية الى الجيش اللبناني، ضمن برنامج 'تمويل الجيش الاجنبي'، الى مبلغ 100 مليون دولار في السنة المالية 2010، تراجعت في السنة المالية 2011 الى 74,85 مليون دولار ضمن تقليص عام في الميزانية الفيدرالية. تقدير وزارة الخارجية للمساعدات العسكرية للجيش اللبناني للسنة المالية 2012 هو 75 مليون دولار، وهي طلبت رسميا من الكونغرس بالامس مبلغ 75 مليون للسنة المالية 2013.
يقول الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية آرام نركيزيان لـ'السفير' ان المساعدات العسكرية الاميركية كانت 'مفيدة' بالنسبة الى الجيش اللبناني ومستوى المساعدات العسكرية الاميركية ليس جامدا بل ارتفع وانخفض منذ عام 2007، واشار الى انه حتى منتصف العام 2011، لا تزال معظم الاموال المخصصة للجيش اللبناني في برنامج 'تمويل الجيش الاجنبي' للسنتين المالية 2009 (مجموعها 159 مليون دولار) و 2010 (مجموعها 100 مليون)غير مستخدمة 'ومع ذلك، معظم تلك الاموال لديها مخطط إنفاق لها' بانتظار قرار صرفها وتسليمها. تجدر الاشارة الى انه في نهاية عام 2010، سلمت الادارة الاميركية اجهزة الرؤية الليلية والصباحية وتلسكوب القنص (نطاق القنص) الذي يساعد على التصويب وذخيرة من العيار الصغير والمتوسط واسلحة نارية ومركبات دعم للاستخدام العسكري. لكن نركيزيان يقول انه خلال عام 2011 'نظرا لتعليق المساعدات على الاسلحة الفتاكة، تركزت معظم المساعدات التي تم تسليمها على استدامة واصلاح المعدات الحالية والاتصالات التكتيكية ومركبات 'هامفي' ومركبات أخرى ومعدات للعسكريين'. ويضيف 'المساعدات الهجومية والدفاعية ومعدات الدعم هامة. الولايات المتحدة والجيش اللبناني مهتمان بالانخفاض الحقيقي في جهوزية ورماية المشاة نظرا للكمية المحدودة من الذخيرة الخفيفة للتدريب، وهي ذخيرة لم يتم تجديدها منذ عام 2011 بسبب تعليق المساعدات'. وعن مصير المساعدات العسكرية الاميركية لهذا العام، يقول نركيزيان 'لا يزال غير واضح' لكنه يضيف 'لا يمكن إستبعاد استئناف انظمة الاسلحة المتوسطة والثقيلة مثل الصواريخ المضادة للدبابات ومدافع هاوتزر في العام 2012'. ويرى نركيزيان ان الجيش الاميركي 'يستمر في الاعجاب بنوعية القوات الخاصة اللبنانية وفي قدرتها على استيعاب التدريب' لكن 'مع مرور الوقت سيركز برنامج تمويل الجيش الاجنبي اكثر على هدف الجيش اللبناني في تعزيز جهوزية وتدريب وقدرات القوة الرئيسية في الجيش اللبناني، اي 11 كتيبة آلية'. واعتبر نركيزيان ان هذه القوة في الجيش اللبناني تعمل بمعظمها في مناطق رئيسية في جنوب الليطاني ونهر الاولي وهي بالتالي 'رئيسية ليس فقط لاستقرار لبنان الداخلي ودفاعه القومي، بل ايضا لادارة السياسة الامنية على طول الخط الازرق' وتابع قائلا 'الجهود لدعم قوة اوسع داخل الجيش اللبناني ستكون على الارجح مكثفة بالوقت والموارد بالنسبة الى كل من اللبنانيين وموفري المساعدات العسكرية مثل الولايات المتحدة'. الكونغرس في الصيغة التي اقرها في قانون 'مراقبة الميزانية' نهاية العام الماضي، طلب من وزارة الخارجية الحصول على 'ضمانات ان الشروط السياسية تبرر المساعدات الاميركية' الى لبنان وتأكيد ان هذه المساعدات لن تصل الى وزارة او مؤسسة 'يسيطر فعليا عليها 'حزب الله' او اي منظمة ارهابية اجنبية'. وتؤكد مصادر في الكونغرس لـ'السفير' ان هذه الميزانية الفيدرالية ستحتاج حتى تشرين الاول المقبل على الاقل لاقرارها، لا سيما ان هذه سنة إنتخابية في واشنطن. واعتبرت ان هذا القانون كان 'صفقة كبيرة لفترة عشر سنوات' بين الكونغرس والادارة، وهي صفقة قد تتغير معالمها بطبيعة الحال بعد الانتخابات. قانون الكونغرس يضع سقف التمويل للادارة، وطلب الميزانية الذي تقدمت به الادارة بالامس يعكس تفاصيل هذه الميزانية، وفي حال لم يوافق عليها الكونغرس ستنفق الادارة مواردها كالعادة كأن السنة المالية 2012 لا تزال سارية المفعول. وعلمت 'السفير' ان قائد القيادة الاميركية الوسطى الجنرال جيمس ماتيس تطرق في اللقاء السنوي الذي إنعقد مؤخرا في وزارة الخارجية مع سفراء دول منطقة 'القيادة الوسطى' الى موضوع المساعدات الى الجيش اللبناني. وبعد كلمة ترحيب من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، كان هناك حوار بين ماتيس والسفراء الحاضرين ومن بينهم السفير اللبناني انطوان شديد الذي سأل ماتيس عن تأثير التقليص في الميزانية الفيدرالية على المساعدات الى الجيش اللبناني. وقد أثنى ماتيس في جوابه على الجيش اللبناني، مؤكدا ان الادارة الاميركية حريصة كل الحرص على مواصلة الدعم لهذا الجيش الذي 'على مفترق طرق' في المنطقة. وذكر ماتيس ان زيارته الأخيرة الى بيروت ولقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين كانت ناجحة وايجابية، وتمنى تفهم السياسة الداخلية الاميركية ودور الرقابة الذي يلعبه الكونغرس والذي يؤثر على برنامج المساعدات العسكرية الى لبنان. المساعدات الاميركية لقوات 'اليونيفيل' كانت حوالي 152,000 دولار في السنة المالية 2011 والتقديرات للعام 2012 حوالي 178,000، وطلبت وزارة الخارجية من الكونغرس بالامس مبلغ 161,000 لهذه الغاية. من ناحية 'صندوق الدعم الاقتصادي'، المساعدات الى لبنان كانت 84,725 دولارا في السنتين الماليتين 2011 و 2012، لكن في طلب وزارة الخارجية بالامس تراجعت الى 70,000 دولار. المساعدات لمكافحة المخدرات وفرض القانون كانت 250,000 دولار للسنة المالية 2011 ولم تطلب الادارة اي مبلغ للسنة المالية 2013. برنامج التدريب العسكري للجيش حافظ على مستوياته، كان 2,476 مليون دولار للسنة المالية 2011 والتقدير للعام 2012 حوالي 2,375 مليون وطلبت الادارة 2,25 مليون للسنة المالية 2013. طلبت وزارة الخارجية مبلغ 70 مليون دولار 'لدعم المؤسسات اللبنانية التي تقدم الاستقرار الداخلي والاقليمي وتكافح نفوذ المتشددين وتشجع الشفافية والنمو الاقتصادي'، مشيرة الى ان هذه الاهداف 'تدعم شرق اوسط سلمي وتعزز بشكل مباشر الامن القومي الاميركي' وتتابع الوزارة عن لبنان في ميزانيتها 'لا تزال الولايات المتحدة تراقب عن كثب التطورات في لبنان، لا سيما امتثال حكومة لبنان بالالتزامات الدولية وحكم القانون'. وطلبت مبلغ 15,5 مليون دولار للقوى الامنية اللبنانية 'لزيادة احترافتها ومواصلة توجهها نحو حماية وخدمة اللبنانيين فيما تستمر في تحسين التصورات حيال القوى الامنية في انحاء البلاد كمؤسسة محترفة وغير طائفية'. وترى الوزارة ان هذه المساعدات 'ستواصل ايضا تحسين قدرة القوى الامنية على ممارسة سلطتها السيادية في انحاء الاراضي اللبنانية، بما في ذلك مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، التي هي حاسمة للتنفيذ الناجح للقرار 1701'. وعن الاطار السياسي لدور الجيش اللبناني، يقول نركيزيان ان على لبنان 'ألا يسمح للاحداث في سوريا ان تقوض إستقراره، وليس على الفصائل على جانبي خطوط الانقسام في لبنان ان تلعب دورا في سياسة سوريا الداخلية'. واعتبر ان دور الجيش اللبناني اساسي في 'تحقيق استقرار لبنان والحفاظ عليه فيما تتصاعد الازمة الاقليمية المحيطة في سوريا'. وذكر نركيزيان ان هناك إدراكا داخل الحكومة الاميركية لهذا الدور الذي يلعبه الجيش في وجه الانقسامات الداخلية، وبالتالي ليس هناك مؤشر اميركي لابطاء المساعدات العسكرية الى هذا الجيش مشيرا الى ان الجانب الاميركي يدرك انه 'ليبقى لبنان مستقرا، يجب ان يكون الجيش قادرا على لعب دور في تحقيق الاستقرار' وختم قائلا 'الولايات المتحدة ستدعم على الارجح هذا الجهد في المستقبل المنظور، لكن العائق الوحيد المحتمل، والذي كان صحيحا لسنوات، كان وسيبقى التحول داخل الكونغرس الاميركي'.


- 'الاخبار'

الحركات الإسلاميّة وضرورة التنظير
جعفر محمد حسين فضل الله(باحث لبناني):

أظهر سياق التطوّرات للثورات العربيّة أنّ للإسلاميّين جمهوراً واسعاً على امتداد العالم العربيّ والإسلاميّ. أولئك الذين يلتزمون بالإسلام كقاعدةٍ للحركة السياسيّة، كما هو في المجالات الدينية التقليديّة الأخرى، من عباديّة وأخلاقيّة وما إلى ذلك. وقد شكّل هذا الصعود السياسي للإسلاميّين، خصوصاً أولئك الذين لهم تاريخ في الجهاد ضدّ العدوّ الصهيوني، ولا سيّما حركة الإخوان المسلمين، أملاً في نفوس الكثيرين في تلاقي الحركات الإسلاميّة على هذا الهدف الكبير، الذي يمثّل القضيّة المركزيّة للعرب والمسلمين، أعني فلسطين، فيتمّ رفع منسوب القلق لدى العدوّ الصهيوني، استكمالاً لحالة الضغط التي يعانيها داخليّاً وخارجيّاً، على أثر الهزائم الاستراتيجيّة التي مني بها، منذ بداية القرن الحالي. لكنّ نوعاً من الصدمة أصابت كثيرين، عندما طالعتنا وسائل الإعلام بمواقف لإسلاميّين وازنين في حركات إسلاميّة صاعدة، تتضمّن رسائل تطمين للعدوّ الصهيوني تجاه بعض الاتّفاقيّات المعقودة من قبل النظم أو الرموز البائدة، أو منفتحة على وسائل إعلام العدوّ عبر تصريحٍ هنا أو إجابات على أسئلة هناك... أو مواقفُ توحي بأنّ ثمّة &laqascii117o;إسلاماً" آخر يبرز إلى واجهة الأحداث. إسلامٌ يُراد له أن يكون منسجماً إلى حدّ كبير مع سياسات الدول الغربيّة الكُبرى التي كانت ــ تاريخيّاً ــ المسؤول الأوّل عن حماية الأنظمة الديكتاتوريّة، وكلّ الظُلم والقهر الذي لحق بالشعوب، ومنها الحركات الإسلاميّة نفسها، طوال عقود، وليس ما يشي حاضراً بتغيّر في بنية سياسات تلك الدول على أثر سقوط تلك الأنظمة ورموزها. وعلى أثر ذلك، بدأ الإعلام يعكس مواقف نقديّة طائرة من هنا وهناك لهؤلاء الإسلاميّين؛ ليتحدّث بعضٌ عن تسرّع في المواقف، أو عن صفقات تحت الطاولة بين بعض الحركات الإسلاميّة والدول الغربية الكُبرى تجاه فلسطين تحديداً، أو يذهب بعيداً في اتّجاه التخوين المُطلق. ويحلو للبعضِ، في غمرة التحليلات، أن يتحدّث عن عالمٍ &laqascii117o;سنّي" صاعد، وعالمٍ &laqascii117o;شيعيّ" يُراد له أن يستريح من عبء تحمّل قضايا الأمّة المركزيّة، التي تنتمي مذهبيّاً إلى العالَم الأوّل، ليأخذ دوره وخياراته في هذا المجال... كلُّ ذلك يجري على وقع التأجيج المتزايد للشعور التقسيمي، المذهبي تارةً، والطائفيّ أخرى، والقوميّ ثالثةً، عبر تضخيم الأوهام المتعلّقة بخطرٍ هنا وتهديد وجوديّ هناك؛ ومن شأن ازدياد منسوب الشعور التقسيمي العصبوي، أيّاً كان، أن يشكّل أرضيّة خصبةً لتقبّل أكثر المواقف تطرّفاً، حتّى تجاه القضايا المركزيّة، إذا ما قدّمت على طَبَق المناوأة والتنافر مع الخصم المذهبي أو الطائفي أو القومي، حسب ما دلّت عليه كلّ اختبارات تاريخنا المأزوم على امتداد القرون الماضية. ونحن إذ نحذّر أنّ من ذلك هو نوعٌ من الفتنة الذي قد يكون جزءاً من مؤامرة تهدف إلى ضرب ثقة الحركات الإسلاميّة بعضها ببعض، فلا تقترب من بعضها بعضاً أو تتلاقى على قضاياها المركزيّة التي تعني الأمّة جمعاء. وبغض النظر عن أنّ الركون إلى مثل تلك التحليلات إفرازٌ طبيعيّ ــ مع الأسف ــ لارتفاع منسوب الشعور والخطاب المذهبيّين، فإنّ المطلوب هو عدّة خطوات نحسبُها ضروريّة للتخفيف من حدّة سقوط الواقع كلّه تحت وطأة تسارع حركة الضغط الدولي القابض على أكثر من حراكٍ في العالم العربي في السنوات الأخيرة، وفي العام المنصرم خصوصاً.

أوّلاً: التأصيل الشرعي للحركة السياسيّة
لا بدّ لكلّ حركة إسلاميّة من أن تقدّم خطاباً لقواعدها التنظيمية والشعبيّة على السواء، تبيّن فيه مستنداتها الشرعيّة الإسلاميّة في أيّ موقفٍ من مواقفها السياسيّة؛ إذ ليس الفقهُ الإسلاميّ مقصوراً على مسائل الصلاة والعبادات وبعض المعاملات التجارية والأحوال الشخصيّة فحسب؛ لأنّ أيّ حركة تَنسبُ نفسَها إلى الإسلام، لتعتبر نفسَها حركةً إسلاميّة، فمعنى ذلك أنّها تُعلن أنّ الإسلام، في نظريّاته ومفاهيمه، يمثّل قاعدتَها في رؤيتها وأهدافها وبرامجها، وكذلك في خطابها وأساليبها ومواقفها السياسيّة. أيْ أنّ حركتها على الأرض تمثّل صدىً للإسلام، فكراً وشرعاً ومنهجاً؛ وإلا لكانت مجرّد حركة سياسيّة تحمل عنواناً إسلاميّاً من غير مضمون واقعيّ. وإنّما نطرح تعميم الخطاب هنا لأنّ كلّ حركة إسلاميّة لا تقدّم تجربة سياسيّة فحسب، بل تقدّم تجربة إسلاميّة في ميدان السياسة، وهي بذلك تمارس تثقيفاً لجماهيرها الشعبية وقواعدها التنظيمية بنحو غير مباشر، بمنهج العمل السياسي الإسلامي، ممّا ينبغي أن يُواكب العمل على أرض الواقع، بحيث ترى تلك الجماهير والقواعد النظريّة الإسلاميّة وتطبيقها على أرض الواقع. ومن شأن هذا التأصيل أن يخدم الأهداف الآتية: 1. أنّه يُعطي القاعدة الشعبية والتنظيمية الموازين والمعايير التي تقيس بها مدى انسجام القيادة مع الخطّ الإسلاميّ الشرعي. وهنا تلعبُ القاعدة الشعبيّة والتنظيمية دور الناقد والمصوّب لمسار القيادة، ودور المثبّت لمواقفها كذلك. ويُمكن للقيادة هنا أن تتّكل على القاعدة الشعبيّة والتنظيمية الواعية لدعمها في أيّ مشروع من مشاريع الإصلاح التي قد يعرقلها بعضُ من &laqascii117o;طال عليهم الأمد فقست قلوبهم"، ممّن لا يقوون أو لا يريدون أن يواكبوا أيّ حركة تطوير في جسم التنظيم أو النظام. أضف إلى ذلك أنّ القواعد الشعبيّة التي تفهم منطلقات القيادة السياسية يُمكنها أن تشكّل هامشاً واقعيّاً للقيادة، تستند إليه للتخلّص من أيّ ضغوط خارجيّة تدفع باتّجاه أخذ مواقف معيّنة قد لا تكون في مصلحة الاستراتيجيا.
2. أنّ هذه المعرفة والثقافة تؤمّن الأرضيّة لاستمراريّة قيم الحركة الإسلاميّة عن طريق الإعداد العفوي والموجّه لمشاريع القادة القادرين على مواكبة المتغيّرات والتحدّيات، من خلال الرؤية الإسلاميّة ومنهج الحركة، ممّا يُساهم في تقوية البنية الذاتيّة للحركة الإسلاميّة عبر تحقيق التلاحم المستمرّ بين القيادة والقاعدة الجماهيريّة في الثقافة الحركيّة الإسلاميّة الموحّدة.
3. أنّ ذلك يهيّئ لحوارٍ موضوعيّ بين الحركات الإسلاميّة حول مواقفها المتباينة، خصوصاً في هذه المرحلة التي تختلط فيها الأوراق، وتتعقّد فيها المواقف والقضايا، بدلاً من التقييم للمواقف على أساس مذهبيّ يأخذ من سلبيّات التنافر المذهبيّ سلبيّاته، فيُبعد كلّ حركة إسلاميّة عن تلمّس العناصر الإيجابيّة في تجربة الحركات الإسلاميّة الأخرى، وتقع حينئذٍ في محاذير الازدواجيّة في معايير التقييم بين من يوافقها في القاعدة المذهبيّة فيغدو موقفه إيجابيّاً، وبين من يخالفها فيغدو الموقف نفسه منه سلبيّاً، فتقع القاعدة الجماهيريّة في فوضى المفاهيم وضبابية تطبيق المعايير، فيسهل على اللاعبين الخارجيّين تغذية عناصر الفرقة، وإبعاد تراكم المواقف الإيجابيّة لخدمة الهدف الكبير الذي يقع في صلب أدبيّات كلّ تلك الحركات.
4. أنّ ذلك يؤسّس لثقافة مشتركة لدى القواعد الشعبيّة لكلّ الحركات الإسلاميّة، تجاه ما يواجهها من تحدّيات؛ وكلّما ارتفع منسوب الوعي الجماهيري لقواعد السلوك والخطاب والمواقف السياسيّة، أصبحت تلك الجماهير أكثر تماسكاً وتآزراً؛ وكلّما انخفض منسوب الوعي لديها أصبحت أكثر عرضةً للإثارة العصبيّة والغرائزيّة وما إلى ذلك. ومن هنا وجدنا أنّ الوعي الجماهيري نقيض كلّ الحكومات الجائرة والظالمة في مدى التاريخ، ولا يزال هو الذي يجري اللعب عليه عبر سياسات التجهيل والتسطيح الثقافي والفكري، وخصوصاً عبر وسائل الإعلام التي تمتلك اليومَ فاعليّة تضاهي فاعليّة الجيوش الجرّارة.

ثانياً: مُصارحة القاعدة قوّة مضاعفة
نحن لا ننكر أنّ ثمّة ذهنيّة لا نزال نُعاني منها في الشرق عموماً، وهي أنّ النقد أو بيان القواعد التي تحكم الحركة السياسيّة وغيرها، لا بدّ من أن يقتصر على الدوائر المغلقة، فلا يناسبُه الضوء الإعلامي، بحجّة أنّ ذلك يعرّف الأعداء بمنطلقات سياسة الحركات الإسلاميّة، ممّا قد يُساهم في إلغاء الهامش الذي تحتاج له أيّ حركة إسلاميّة في مواجهة الضغوط والتحدّيات. لكنّ ذلك مجرّد وهمٍ ضخّمناه، بسبب خوفنا من تأثير نقاط ضعفنا على مشروعيّتنا الجماهيريّة في الساحة، والحال أنّ الإسلاميّين، كغيرهم، لا ينبغي أن يُعفوا أنفسهم من الوقوع في الخطأ أو من نقاط الضعف التي تعتري العاملين في أيّ مجالٍ، بل أن يعملوا على تحويل نقاط الضعف إلى نقاط قوّة، وأن تكون المصارحة جزءاً من عمليّة تثقيل القاعدة الجماهيريّة التي تواكب عمليّة الإصلاح بعد وضع خططها. وإذا أراد الإسلاميّون نموذجاً، فليقرأوا ما في القرآن الكريم عن حال المُسلمين قبل أن يدخلوا المعركة في &laqascii117o;بدرٍ"، وعن الهزيمة في &laqascii117o;أُحُد" بسبب حبّ الدنيا، وعن الفرار في &laqascii117o;حُنين" بسبب الإعجاب بالكثرة والاتّكال على الانتصارات السابقة؛ حتّى أنّنا قرأنا في وقعة &laqascii117o;الأحزاب" قول الله تعالى عن المسلمين: &laqascii117o;وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظنونا، هنالك ابتلي المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً شديداً" (1)؛ وكان كلّ ذلك توجيهاً من القرآن للعمل المستمر ّــ من قبل القيادة والقاعدة معاً ــ على مواجهة نقاط الضعف من موقع الواثق بمواقع القوّة الأخرى التي يملكها في السيطرة على نقاط الضعف وتمتينها في العمليّة المستمرّة لبناء القوّة الذاتية. ثمّ إنّ هذا العصر كشف ثقافات الجماعات على مصراعيها، ولم يعد بإمكان أيّ أحد الاختباء وراء أي خطابٍ تلميعيّ للأحوال والمواقف، كما أنّ منسوب الوعي والحسّ النقدي ارتفع لدى كثير من الشرائح التي حصلت على قسطٍ وافر من العلم والخبرة، ممّا يعني أنّ التعامي عن الثغر والسلبيّات التي تحتضنها أيّ ساحة أو دائرة، وعدم الإجابة عن الأسئلة الحائرة لدى الجماهير، تجاه مدى الانسجام بين المواقف والقواعد الشرعيّة التي ألفتها في حركة التثقيف التقليدي، ولا سيّما في ظلّ التقلّب السريع في المواقف؛ كلّ ذلك سيصيب ساحة تلك الحركات بشيء من الانكشاف الذي قد يتّسع شيئاً فشيئاً، حتّى تتّسع الثغر التي يُمكن الأعداء أن ينفذوا من خلالها إلى ساحاتنا. غير أنّنا نفهم السرّية في المعلومات الحسّاسة التي تتّصل بالحركة الواقعيّة، التي يُمكن أن تدخل في تفشيل الخطط الموضوعة للمواجهة وإدارة الصراع؛ لا في القواعد الثقافيّة التي تدخل في إطار التثقيف والتربية الاجتماعيّة والدينية، وفي البنية الفكريّة للحركة السياسيّة وما إلى ذلك، ممّا هو مفتوح بطبيعته أمام أيّ مقاربة بحثيّة ساذجة أو علميّة. كما أنّه يمثّل الحركة المستمرّة لصوغ الثقافة الحركيّة لدى القواعد الشعبيّة التي ينبغي أن تخرّج قيادات مؤمنة بالخطّ ومبادئ الحركة، لا على طريقة أولئك الذين ارتبطوا بالعنوان، وغاب عنهم المضمون من أولئك الذين قال الله عنهم: &laqascii117o;فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون" (2).

ثالثاً: الصورة المذهبيّة وقراءة الأحداث
إنّ التأجيج التقسيمي الذي أخذ شكلاً قوميّاً في اللعب على الوتر العربي ــ الفارسي أوّلاً، ثمّ في تحميله النغمة المذهبيّة ثانياً، نتيجة أحداث وعوامل عديدة أوجدت أرضيّة مأزومة لقراءة هذا الفريق المذهبي للمواقف والأحداث الصادرة من قبل أتباع الفريق المذهبي الآخر، فأصبح من السهل أن يرمي كلُّ فريقٍ مذهبيّ أيّ فريق يملك السلطة أو الحضور أو الفاعليّة بالعمالة للأجنبيّ، أو بالعمل على زرع الفتنة والشقاق في المجتمع، أو ما إلى ذلك، كما شهدنا ذلك في رمي الحركات الإسلاميّة الشيعية بالعمالة للاحتلال الأميركي في العراق، أو في رمي حركة المقاومة الإسلاميّة في لبنان بمحاربة المُسلمين السُنّة. وهو الأمرُ عينه الذي قد يُنظر فيه إلى الحركات الإسلاميّة السنّية الصاعدة، على أنّها تحارب المسلمين الشيعة، أو أنّها تتحرّك في فلك السياسات الاستكباريّة في مواجهة خفيّة مع مشاريع شيعيّة موهومة. وإذا كنّا نتحدّث هنا في شكلٍ عامّ، فإنّنا لا ننكر وقوع أيّ من الحركات الإسلاميّة في أخطاء في العمل أو في التشخيص؛ لكنّ ذلك لا يُلغي الفكرة التي نذكرها من أساسها، كما لا يعني مشروعيّة اختزال عنوان الحركة بخطأ ارتكبته، فضلاً عن اختزال المذهب الذي يقف وراءها بذلك، سواء كانت حركات إسلاميّة شيعيّة أو سنّية. وعلينا أن نعي نقطة مهمّة هنا، وهي أنّ كلَّ مذهب من المذاهب الإسلاميّة يحمل في إطاره صورةً نمطيّة عن المذهب الآخر وأتباعه، جرى توارثها عبر تاريخ الصراعات المأزومة التي رعتها ــ دائماً ــ السلطة السياسية وأجّجت نارها، وهذا يعني أنّ تغييب الخطاب الذي تبيّن فيه الحركات الإسلاميّة لقواعدها الشعبيّة الأسس الشرعية والقيمية التي ترتكز عليها في إطلاقها لمواقفها من كثير من الأحداث والقضايا، ولا سيّما القضيّة المركزيّة للمسلمين، وهي فلسطين، إضافة إلى غياب الحوار الموضوعي الذي يقيس المواقف والسلوك على طبق تلك القواعد، كلّ ذلك سوف يستدعي حكماً تلك الصورة النمطيّة للمذهب الآخر وأتباعه، أفراداً وحركاتٍ، وهي صورةٌ سلبيّة بطبيعة الحال، في الحكم على الواقع عبر النوايا السلبيّة المُفترض أنّ الآخر ينطلق منها في هذا الموقف أو ذاك، ممّا يُعزّز تلك الصورة النمطيّة أكثر، وليس غريباً حينئذٍ أن تُلصق تهم العمالة بهذه الحركة الإسلاميّة أو تلك، من قبل من يخالفها في المذهب، من دون النفاذ إلى القواعد الشرعية والقيمية التي حكمت هذا السلوك أو الموقف.

رابعاً: واقعيّة السياسة الإسلاميّة
نحن لا ننفي فكرة أنّ السياسة الإسلاميّة هي سياسة واقعيّة، بمعنى أنّ الحكم الشرعي يتغيّر بتغيّر الزمان والمكان والظروف، التي قد تفرض موقفاً مرحليّاً على طبق العناوين الثانويّة، كالضرورة مثلاً، التي يصار من خلالها إلى تجاوز الظروف الضاغطة لحماية العناوين الأوّلية التي تمثّل المبادئ الإسلاميّة الكُبرى، من باب التزاحم بين الأهمّ والمهمّ، حيث يتجمّد الحكم الشرعي المهمّ ــ الذي قد يكون الوجوب أو الحرمة ــ لمصلحة الأهمّ الذي يرتبط عادة بالمبادئ الكلّية التي لا يُمكن التنازل عنها استراتيجياً. وبالتالي، نحن لا نريد أن نفرض ظروف كلّ حركة على الحركات الأخرى. يُمكن للحركة الإسلاميّة أن تفترض أنّ ظروف البلد والمجتمع التاريخيّة تفرض عليها اتّخاذ مواقف مرحليّة من بعض القضايا الكُبرى، لكنّها لا بدّ أن تتمّ من خلال الدراسة الدقيقة لطبيعة الظروف الموضوعيّة للبلد ومحيطه، على حدّ سواء، وفي المديين القصير والبعيد؛ لأنّنا نفهم ذلك حركة تكتيك لخدمة الاستراتيجيا على نهج قول الله تعالى: &laqascii117o;يا أيّها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولّوهم الأدبار، ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلا متحرّفاً لقتال أو متحيّزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير" (3)، بحيث لا يُلغي ذلك الموقف المهادن مرحليّاً الاستراتيجّة الشرعيّة في عدم جواز التنازل عن الحقوق والأرض والمكتسبات، أو تشتيت الموقف الإسلاميّ العامّ في ما تفرضه علاقة الأخوّة والتعاون بين الحركات الإسلاميّة.
أخيراً: إنّ الحركات الإسلاميّة كلّها، ليست معنيّة بالانفتاح بعضها على بعض فحسب، بل على التعاون في مواجهة القضايا الكُبرى، والتحدّيات التي تعصف بالإسلام والمسلمين، إضافةً إلى مواجهة أيّ مخطّط استعماريّ يتّجه إلى المنطقة بطريقة مقنّعة، وأن تستفيد كلّ حركة إسلاميّة، خصوصاً تلك التي تتسلّم الحكم، من كلّ التجارب الإسلاميّة الأخرى التي سبقتها في عالم الحكم والسياسة، بغضّ النظر عن انتماءاتها المذهبيّة. فلتُدرس التجربة الإسلاميّة للحكم في إيران بمعزل عن عناصر الإثارة المذهبيّة، ولتُدرس التجربة الإسلاميّة في تركيا بمعزل عن الإثارة المذهبيّة كذلك، ولتُدرس التجارب السياسيّة للحركات الإسلاميّة في ظلّ الأنظمة التي لا تتخذ من الإسلام قاعدة لها، على أساس كلّ كتاب الله وسنّة نبيّه، إضافةً إلى إعادة قراءة كلّ التجارب الإسلاميّة التاريخية وتقويمها في ضوء تراكم تجاربنا العمليّة، وبعيداً عن &laqascii117o;التابوات" المذهبيّة التي لا تفرز لنا إلا استعادة لتاريخنا المأزوم بكل أخطائه وتراكماته إلى الواقع المعاصر الذي يزداد تعقيداً، يوماً بعد يوم. وإنّنا إذ نطرح هذه الأفكار، فليس معنيّاً بها حركة إسلاميّة بالخصوص، لكنّها محاولة للتفكير في القواعدة العامّة التي ينبغي أن تحكم كلّ الحركات الإسلاميّة التي قد تغيب في مفردات السياسة وخصوصيّات الظروف عن حقيقة أنّها حركة إسلاميّة، ينبغي أن تقدّم تجربة إسلاميّة رائدة لجماهيرها ولكلّ العالم، تؤكّد فيها قدرة الحركة الإسلاميّة على التنظير إسلاميّاً في إطار الفكر السياسي، والتطبيق العملي لكلّ المبادئ التي تؤكّد خطأ الفكرة التي ترى أنّ المبادئ الدينية هي مبادئ مثاليّة غير واقعيّة، وأنّ الأخلاق والسياسة لا يجتمعان؛ والله من وراء القصد.


- 'الحياة'
لبنانية تعتصم أمام مكتب نتانياهو ... وتلف نفسها بعلم إسرائيل
امال شحادة:

لا يمكن تفادي المشاعر المتناقضة التي تنتابك عندما تشاهد تلك الفتاة عبر شاشات قنوات التلفزيون الإسرائيلية في الليلة ذاتها. للوهلة الأولى يظهر التقرير عادياً. فتاة جميلة تجلس أمام مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، في القدس مع عدد من الإسرائيليين المتضامنين معها. ثم تتجول مع أحدهم، الذي اعتبر نفسه في ما بعد ولي أمرها بغياب والدها. لغتها العبرية متقنة وفي لكنتها بعض الحروف العبرية تلفظها مثل الأشكنازيين البيض الذين أقاموا إسرائيل ولا يزالون يحكمونها، والتي يستخدمها البعض كأسلوب مفاخرة. جميع هذه العناصر تظهر أن موضوع التقرير فتاة يهودية. أما اسمها &laqascii117o;طال" فيقطع الشك باليقين. لكن سرعان ما يظهر على الشاشة تعريفها ليتبين أن هذه الفتاة لبنانية، وهي ابنة أحد ضباط &laqascii117o;جيش لبنان الجنوبي". وصلت مع عائلتها إلى إسرائيل، وكان عمرها سنتين، عندما هرب ستة آلاف لبناني من جنوب لبنان في عام 2000. الفتاة اللبنانية لا تتحدث العربية وتقول إنه لا يربطها شيء بوطنها لبنان. وعندما تتحدث عن احتمال عودتها إلى الوطن تستخدم مصطلح &laqascii117o;لا سمح الله". مشاهدات كهذه تثيرك فتشعر بغضب واشمئزاز ممزوجين بالشفقة. هذه الفتاة ومعها نحو ألف ومئتي لبناني ولبنانية، يعيشون في إسرائيل، منهم سبعون شاباً يخدمون في الجيش الإسرائيلي. والغالبية العظمى من الشبان والشابات لا تتقن العربية، كتابة ولا لفظاً، ذاك أن مدارسها عبرية بالكامل، فهي لم تنخرط بمجتمع الإسرائيليين العرب، الذين بدورهم لم يتقبلوا محاولات بعضهم الاقتراب. ولعل الفتاة &laqascii117o;طال" هي مثل صارخ لوضعية هؤلاء الفتية اللبنانيين. حاولنا لقاء &laqascii117o;طال"، حيث تعتصم أمام مكتب بنيامين نتانياهو في القدس، لكننا منعنا. والسبب؟ والد الفتاة لا يرافقها ومن يتولى أمرها ناشط من قيادة حزب الليكود اسمه &laqascii117o;بيتار" في طبريا والفتاة عضو ناشط في حزبه. بيتار منعها من الحديث مع صحافيين عرب! لم تقبل &laqascii117o;طال" الحديث معنا فيما لفّت جسدها بعلم إسرائيل ليلتقطوا لها الصور ولتنشرها الصحف الإسرائيلية.

صهيونية كبيرة
&laqascii117o;طال" هي فاطمة اللبنانية قبل أن تصبح إسرائيلية وتغير اسمها، أو &laqascii117o;قبل أن يطلق عليها أصدقاء وجيران أهلها اليهود هذا الاسم. وتقول، وفق وسائل الإعلام العبرية: &laqascii117o;أنا صهيونية كبيرة. تكبرني شقيقتان واحدة أنهت الخدمة المدنية والثانية تستعد للذهاب للخدمة في الجيش الإسرائيلي". وتقول إنها لا ترغب في العودة إلى لبنان &laqascii117o;إذا عدنا إلى لبنان، لا سمح الله، فحياتنا ستصبح جهنم". ولدت في بنت جبيل. والدها كان قائد وحدة مدرعات في &laqascii117o;جيش لحد" لمدة 12 عاماً. عندما انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان في عام 2000، وصلت طال مع عائلتها وسكنت في طبريا. اليوم للعائلة خمسة أولاد. والدتها عاملة نظافة في بيوت وفنادق في طبريا. تعمل ساعات طويلة وتعود أحياناً عند الحادية عشرة ليلاً. احد أشقائها يعاني مشاكل في الكبد وقد أجريت له عمليات جراحية عدة. أما الوالد فلا يوجد في مكان عمل ثابت ولا مهنة محددة وأطلق على ولديه اللذين ولدا في إسرائيل بعد اللجوء اسمي &laqascii117o;عومري" و&laqascii117o;لئور". وعندما سأل صحافي طال: &laqascii117o;كيف كان وضعكم في لبنان؟ أجابت: &laqascii117o;تركنا في لبنان جزءاً مهماً من حياتنا ووصلنا هنا لوحدنا. وأنا اليوم أشعر بأنني جزء من هذه البلاد (شقيقتي الكبيرة صابرينا أنهت خدمة مدنية قبل أسابيع وشقيقتي الثانية تنتظر تجنيدها في الجيش الإسرائيلي". وتروي &laqascii117o;طال": والدي قال مرات عدة لأمي، إذا استمر الوضع على حاله فسيقرر العودة إلى لبنان مهما كلفه الثمن. وعندما أسمعه أسأل نفسي، لماذا فجأة لبنان؟ أنا أعيش هنا منذ سنوات واليوم أنا إسرائيلية".

أريد لقاء نتانياهود
تقول إنها لن توقف اعتصامها وإضرابها عن الطعام قبل أن يخرج إليها بنيامين نتانياهو ويلتقيها. وقد اتخذت قرار الاعتصام هذا بعد أن بعثت برسالة إلى رئيس الحكومة تشرح فيها وضع عائلتها المأسوي، وتطالب بتأمين بيت للعائلة يضمن الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية وبمساعدة تضمن لهم لقمة خبز. فوفق الفتاة ينام الإخوة ليالي كثيرة &laqascii117o;بأمعاء خالية" وملابس خفيفة من دون تدفئة كافية. وشرحت وضعية بيتهم المأسوية. ففيه غرفتان بوضعية سيئة، البرد القارس يخترق الجدران والمدفأة لا تكفي العائلة عندما تجتمع حولها. وتضيف المزيد من التفاصيل في رسالة كتبتها لرئيس الحكومة. تقول &laqascii117o;شرحت معاناتنا وكنت على ثقة بأن الرسالة ستلقى آذاناً صاغية وبأن عند قراءتها سأدعى لسماع المزيد. لكن شيئاً لم يحدث فقررت أن أصل بنفسي لنقل رسالة أخرى إلى نتانياهو وهذه المرة بالإضراب عن الطعام أمام مكتبه في القدس. وسأواصل إضرابي حتى ألتقيه". طال ليست الفتاة اللبنانية الوحيدة التي يتم استغلالها لإطلاق صرخة اللبنانيين الذين بقوا في إسرائيل منذ سنة 2000. وقضية السكن بالذات تحولت إلى أزمة وكابوس لديهم. وقد سبق أن وصلت إلى نتانياهو رسالة موقعة من &laqascii117o;الجيل الثاني من اللبنانيين" تطالبه بحل أزمة السكن. وتضمنت الرسالة احتجاجاً على التمييز في التعامل مع العائلات اللبنانية والمطالبة بوضع حد لمعاناتهم الإنسانية والاجتماعية، بخاصة ما يتعلق بالسكن. ويعتبر الفتية اللبنانيون أنفسهم &laqascii117o;سفراء السلام، المخلصين لهويتنا اللبنانية ولدولتنا الثانية إسرائيل". ويضيفون في رسالتهم في محاولة لاستعطاف الحكومة الإسرائيلية ورئيسها: &laqascii117o;عائلات جيش جنوب لبنان فقدت 1100 شخص ويعيش فيها 1400 معاق أصيبوا خلال مشاركتهم في الحرب إلى جانب دولة إسرائيل وقد دفعت ثمناً باهظاً مع انسحاب الجيش من جنوب لبنان"، ويختتمون الرسالة بالقول &laqascii117o;ما أصعب أن يقتلع الإنسان من بيته ويفقد حياة أبناء عائلته".


- 'الحياة'
'إخوان' الأردن بدأوا حواراً مع الأميركيين...لاختبار النيات
تامر الصمادي:

الحوار بين جماعة &laqascii117o;الاخوان المسلمين" في الأردن والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، قضية أثيرت كثيراً خلال السنوات الماضية داخل الغرف المغلقة للجماعة. ويبدو أن الانفتاح بين الطرفين يزداد قوة وكثافة يوماً بعد يوم، وذلك بالتوازي مع النتائج التي أحرزها إسلاميو تونس والمغرب ومصر في انتخابات ما بعد الربيع العربي، وهي التحولات التي دشنت مرحلة جديدة من العلاقة مع الغرب والولايات المتحدة. خضعت علاقة الإسلاميين في الأردن مع أميركا وبريطانيا لـ &laqascii117o;فيتو" متبادل استمر لسنوات، فالجماعة وذراعها السياسي ممثلاً بحزب جبهة العمل الإسلامي تمسكا منذ العام 2003 بقرار القطع مع أميركا وبريطانيا نتيجة غزوهما العراق، بالمقابل استثنت سفارتا البلدين قيادات الجماعة من سلسلة اللقاءات والدعوات العامة التي تعقدها بشكل دوري لقوى المجتمع المدني، فإخوان الأردن لا يخفون دعمهم غير المحدود لحركة حماس الفلسطينية المصنفة أميركياً وبريطانياً ضمن المنظمات الإرهابية. القطيعة لم تكن كاملة، وحوار الإسلاميين الأردنيين مع الأميركيين والبريطانيين خلال السنوات الماضية جرى بصورة توصف بـ &laqascii117o;العرضية"، ومن خلال قنوات غير رسمية تمثلت بباحثين، وإعلاميين سياسيين، وأمنيين سابقين. لا تقرأ مسارات الحوار بمعزل عما تشهده المنطقة والإقليم من تغيرات، إذ أن الشعوب التي أوصلت حركات إسلامية إلى سدة الحكم فرضت على الغرب والولايات المتحدة معطيات جديدة في التعامل معها، وفق سياسيين بارزين في عمان حاورتهم &laqascii117o;الحياة". والربيع العربي الذي قاد القوى الإسلامية إلى احتلال مواقع الديكتاتوريات العربية التي طالما اتهمت بممالأة الغرب وحراسة مصالحه، هو ذاته الذي دفع المسؤولين الأميركيين إلى زيارة مقرات الإخوان المسلمين في مصر (الجماعة الأم) ولقاء قادتها، وصولاً إلى تفاهمات مع أجنحتها، بحثاً عن إجابات تتعلق بالحريات الدينية، والديموقراطية، وحقوق المرأة، والأهم من ذلك احترام القادة الجدد للمواثيق الخاصة بدولهم، في إشارة إلى الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل. تحولات العلاقة بين إسلاميي الأردن والغرب بدأت مع بريطانيا، وهو ما كشفت عنه لـ &laqascii117o;الحياة" قيادات بارزة في الجماعة، أكدت كسر الحظر على الحوار مع المسؤولين البريطانيين، والجلوس قبل أيام إلى طاولة البحث عبر السفارة البريطانية في عمان، في جلسة لم تخلو من المجاملات. وغدت مقرات الإسلاميين أشبه بخلية نحل ديبلوماسية، مع وفود دول أوروبية على وجه الخصوص؛ حرصت على عقد لقاءات مستمرة مع قادة الجماعة.

دعوات متكررة
وتكشف معلومات &laqascii117o;الحياة" عن دعوات متكررة وغير معلنة وجهها مسؤولون أميركيون عبر سفارتهم في عمان إلى قيادة الجماعة تعكس رغبة قوية في تدشين الحوار، وصولاً إلى توافقات حول ملفات محلية وصلت إلى درجة ترحيب واشنطن بمشاركة الإسلاميين الفعالة في تشكيل الحكومة القادمة. آخر هذه الدعوات جرت الشهر الماضي، إذ توجهت السفارة إلى الشخصية الأكثر جدلاً في الجماعة زكي بني ارشيد، وأكدت له عبر وسطاء أردنيين وأوروبيين ضرورة إنجاز الحوار في أسرع وقت ممكن، لكن الجماعة المنهمكة بترتيب بيتها الداخلي أبدت رغبة في تأجيل اللقاءات إلى ما بعد الانتخابات الداخلية التي من المتوقع أن تجري أواخر الشهر الجاري. وطلبت رسائل أميركية سرية نقلها وسطاء لقيادات إسلامية تحديد المكان والزمان لبحث بعض الملفات بعيداً من دائرة الضوء، ومرة أخرى فضلت تلك القيادات التريث، لعدم توافر الظروف المناسبة، وخوفاً من اتهامهم بعقد صفقات تضمن وصولهم إلى الحكم مقابل غضهم الطرف عن الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، وهو أمر غير وارد، وفق قيادي إسلامي فضل عدم ذكر اسمه. ولم يستبعد القيادي ذاته حصول لقاءات لم يعلن عنها مع الأميركيين، مشيراً إلى أنها على الأرجح عقدت مع قيادات إسلامية بصفتها الشخصية. وكانت إحدى وثائق &laqascii117o;ويكيليكس" المسربة كشفت عن لقاء سابق جمع قادة من الحركة الإسلامية في الأردن مع مسؤولين بالسفارة الأميركية في عمان، وتحدث عن السياسات الانتخابية في المملكة، وعلاقة أميركا بالجماعات الإسلامية. وسيط بارز بين السفارة والإخوان قال لـ &laqascii117o;الحياة"، إن &laqascii117o;المرحلة القادمة هدفها اختبار النيات وجس النبض بين الطرفين". وبينما تتجنب السفارة الأميركية الكشف عن طبيعة نشاطها في عقد اللقاءات وفق مقربين منها، أكد الوسيط وجود تفاصيل أخرى لا يستطيع الكشف عنها حرصاً على إنجاز الحوار. وأضاف أن &laqascii117o;العلاقة الثنائية التي بدأت بالتشكل، تسعى من خلالها الولايات المتحدة إلى استكشاف الحركة الأردنية بشكل مباشر لمعرفة موقفها من الديموقراطية، وحقوق الأقليات، والمرأة، واقتصاد السوق، والعلاقة مع إسرائيل". وكشف الوسيط الذي فضل عدم الكشف عن هويته، وجود اتفاق مبدئي بين الطرفين على النقاط الأربع الأولى، باستثناء الموقف من إسرائيل، التي ترفض الحركة الإسلامية الاعتراف بها. لكنه توقع تحييد الملف الإسرائيلي عن النقاش في هذه المرحلة، وصولاً إلى اتفاق مشابه لما أكدته حركات إسلامية أخرى، حول احترامها الاتفاقات التي وقعتها دولها.

توصية إخوانية
وفي الأثناء كشفت مصادر إسلامية لـ &laqascii117o;الحياة" عن توصية إخوانية أكدت ضرورة الانفتاح على أميركا عبر سفارتها في عمان، تبنتها اللجنة السياسية في الجماعة والحزب. وأشار مصدرو التوصية إلى أن إخوان الأردن جزء من النسيج العام للحركات الإسلامية في دول الربيع العربي، التي دخلت في حوار مباشر مع المسؤولين الأميركيين. ورأوا انه ليس من المنطق رفض الدعوات الأميركية، والانفراد بموقف مخالف للتوجه العام. ودعت التوصية إلى حوار يقوم على أساس تحقيق المصالح المشتركة على قاعدة الندية والاحترام المتبادل بين الطرفين، بعيداً عما سمته بـ &laqascii117o;الهيمنة الأميركية". وتكمن أهمية الحوار - استناداً للتوصية - في توضيح الصورة الحقيقية للحركة الإسلامية بعيداً عن تشويه المواقف، وطمأنة الطرف الآخر الى ما وصفتها التوصية بأنها &laqascii117o;هواجس وأوهام عززتها مخاوف اسرائيل وأنظمة عربية". في المقابل، أكدت التوصية رفضها الاستقواء بالخارج لتحقيق ما قالت إنها &laqascii117o;مطالب داخلية ملحة". ويبدو أن إجماعاً داخل التيارات الإخوانية المختلفة، أفضى إلى قبول مسبق للحوار مع الولايات المتحدة قبل أن تقرره القيادة الجديدة، رغم تمنع قيادات تاريخية عن ذلك، ذهبت إلى حد القول إن فكرة الانفتاح على أميركا خطيئة يجب التراجع عنها. زكي بني ارشيد، القيادي المحسوب على التيار المتشدد داخل الجماعة، ردد أكثر من مرة لـ &laqascii117o;الحياة" إن الولايات المتحدة قوة كبيرة لا يمكن تجاهلها. واعتبر أنه ليس من المصلحة أن ينعزل الإخوان بعيداً من المجتمع الدولي. لكن القيادي المحسوب على تيار الصقور التقليدي محمد أبو فارس، قال لـ &laqascii117o;الحياة" إنه لا يرى مبرراً للدخول في حوار مع الولايات المتحدة والغرب. وأبو فارس المتخصص في العلوم الشرعية هو صاحب الفتوى الشهيرة التي وصفت أحد أبرز أعداء أميركا أبو مصعب الزرقاوي الذي قتل في العراق عام 2006 بالشهيد. لكن القيادي رحيل الغرايبة، المحسوب على التيار الإصلاحي، يجادل بأن المبدأ العام للحركة الإسلامية هو الانفتاح على كل دول العالم باستثناء إسرائيل، نافياً وجود صفقة بين الإخوان والغرب. رئيس مجلس شورى الإخوان عبد اللطيف عربيات، المحسوب تاريخياً على تيار الحمائم التقليدي، حرص في حديثه لـ &laqascii117o;الحياة" على القول إن الحوار مع الغرب واجب شرعي هدفه تبادل الأفكار. لكن الموقف الرسمي للجماعة يقرره الناطق باسمها جميل أبو بكر، الذي اكتفى بالقول إن قيادة الإخوان &laqascii117o;ما زالت تدرس طلبات الحوار". وعلى الصعيد السياسي الرسمي لا يوجد موقف موحد داخل مطبخ القرار الأردني في ما يتعلق بكيفية التعامل مع الإخوان. وتتحدث معلومات عن وجود تيار تقليدي داخل الدولة لا يتردد في التعبير عن قلقه من صعود التيار الإسلامي، وتتبنى هذا الموقف قيادات في المؤسسة الأمنية، في حين تحرص قيادات بالديوان الملكي على حضور الإسلاميين في أي حكومة قادمة ضمن شروط محددة تقع في خانة إبقاء حدود صلبة للعبة الديموقراطية، والتصدي لجموح الإخوان بالحد من الصلاحيات الممنوحة للملك.

نحو تفاهمات؟
ويجري تداول موضوع الإسلاميين على نطاق واسع داخل الأوساط السياسية، على اعتبار أن الجماعة قد تشكل الحكومة بعد تحقيقها حصة معتبرة من مقاعد مجلس النواب المقبل. وفي الوقت الذي تبدي قيادات في الدولة حماستها لحوار الإخوان مع أميركا والغرب، معتبرة أنه سيشجع على إندماج الإسلاميين في الدولة، تعبّر قيادات أخرى عن قلقها من تشكل مؤامرة إخوانية أميركية تهيئ الأجواء لإعلان الوطن البديل. حوار الإخوان مع الغرب وأميركا على وجه الخصوص، سيقود إلى تفاهمات ضمنية على المرحلة القادمة، أهمها الالتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل، والاعتماد على المساعدات الخارجية في حال نجح الإسلاميون بتشكيل الحكومة القادمة، وذلك وفق رؤية الكاتب سامي الزبيدي. لكن الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية محمد أبو رمان؛ يعتقد بأن الحوار سيؤدي إلى نتائج غير عميقة، باعتبار أن الإسلاميين لن يشكلوا الحكومة القادمة، بل سيكونون جزءاً منها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد