قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الأربعاء 15/2/2012

- 'الجمهورية'
هكذا تمّ التحضير للقرار 1559؟
مي الصايغ:

&laqascii117o;الطريق الى 1559، لبنان في صلب إدارة جورج دبليو بوش"، هو كتاب وثمرة في الوقت عينه لجهود الديبلوماسي الأميركي من أصل لبناني وليد معلوف، بالتعاون مع نظيره اللاتيني من أصل لبناني، والذي ظهرت بصماته في انضاج مسودة القرار 1559 في قلب الكتاب من دون أن يكشف عن اسمه.
على رغم انّه ليس خافيا على أحد أنّ الـ1559 القرار الأكثر إثارة للجدل، جاء نتيجة توافق أميركي-فرنسي في العام 2004، الا أنّ 'الطريق الى 1559 الذي حمل توقيع الكاتب ستيفن كوفمان القريب من دوائر الخارجية الاميركية، يظهر أنّه لم يكن ليبصر النور لولا تضافر العديد من الناشطين في الانتشار اللبناني، ولولا متابعة حثيثة قام بها معلوف داخل أروقة البعثة الاميركية الدائمة لدى الامم المتحدة'. ويلقي كوفمان من خلال العديد من المقابلات التي اجراها مع ديبلوماسيين مخضرمين، الضوء على حقائق تنشر للمرة الأولى، وتوضح أنّ 'افكار معلوف جعلت القرار 1559 ممكنا'، وفق شهادة نائب وزير الخارجية الاميركية السابق جون نغروبونتي. يروي الكتاب قصة شاب مهاجر الى الولايات المتحدة وشغفه بلبنان، ورفضه الوجود السوري على أراضيه، وعمله الدؤوب لتحويل حلم لطالما راوده إلى حقيقة. يقول معلوف لـ'الجمهورية': 'طريقي الى القرار 1559 بدأ في تموز من العام 1979، عندما وطأت قدماي نورث كارولينا'، وعلى رغم استحالة هذا الامر في البداية، الا أنّ إيماني في أن الاحلام تتحقق في بلاد العمّ سام، أمدّني بحماسة زائدة لمتابعة المسيرة'. في 25 كانون الثاني 2003، تطوّع معلوف في الحزب 'الجمهوري' وانخرط في دعم حملة بوش- تشيني الى الانتخابات الرئاسية الاميركية. أتاح له انضمامه إلى صفوف الجمهوريين، أن يبدأ مهنته السياسية في الحكومة الاميركية بتعيينه مندوبا سياسيا لدى الامم المتحدة في ايلول من العام 2003، حيث كان مجرد التفكير في أنّ سوريا 'ستنهي فجأة خلال سنة ونصف وجودها الذي استمر 28 عاماً في لبنان، ضربا من الوهم'. إذ تصرفت الادارات الاميركية المتعاقبة بعد الهجمات على قواتها في العام 1983 في بيروت، كما لو أنّ لسوريا حقا طبيعيا ومقبولا في السيطرة على جارها الأصغر. وكان أمرا مستحيلا مجرد التفكير في أنّ الولايات المتحدة وفرنسا اللتين تدهورت العلاقات بينهما الى ادنى مستوياتها عقب الهجوم الاميركي على العراق، ستوحدان موقفيهما لاستصدار قرار من مجلس الامن، يطالب سوريا بالخروج من لبنان. متسلحا بجذوره اللبنانية، أخذ معلوف، مندوب الولايات المتحدة الاميركية في الجمعية العامة للامم المتحدة في دورة 2003-2004، المبادرة في إعداد مسودة قرار لمجلس الأمن يطالب بانسحاب القوات السورية من لبنان، مستفيدا بذلك من 'مشروع بوش لتطبيق الديموقراطية في الشرق الاوسط'. ثلاثة أشهر قضاها في الامم المتحدة، خاض خلالها معارك لغوية حول مضمون خطاباته، سواء مع 'أشباح الخارجية الاميركية' كما يصفها، أو مع ممثلي بعثة سوريا الدائمة في الامم المتحدة في شكل خاص. لعلّ ابرزها مشادته الكلامية مع السفير السوري في الامم المتحدة فيصل المقداد، حيث توجه في كانون الاول من العام 2003 اليه بالقول: 'سترى ماذا استطيع ان افعل'. تحذير كاد يودي بحياة معلوف، لولا انتزاع الادارة الاميركية ضمانات من السوريين بعدم التعرّض له. ما اقدم عليه المصرفي الاميركي السابق، كان خرقا لتفاهم مضت عليه عشرات السنين، يعتبر أنّ الوجود السوري في لبنان لا يصحّ أن يشكّل مادة نقاش جدّي في المنابر الدولية. يقول معلوف: 'أهمية القرار ليس بصدوره، بل لأنّه عكس تغييرا جذريا في سياسة الولايات المتحدة تجاه الوجود السوري في لبنان وبصدوره، ربحنا المعركة الديبلوماسية ضد نظام البعث السوري، بعد 28 عاما من احتلال لبنان'. ظهرت مسودة القرار 1559 إلى العلن في كانون الاول 2003، حيث سارع معلوف إلى توزيعها على زملاء مختارين في الحكومة الاميركية واعضاء مجلس الامن، قبل ان تشارف مدة عمله في الامم المتحدة على الانتهاء. مضى بمفرده للعمل على كسب تأييد المندوبين الاجانب في مجلس الامن. طلب معلوف الى السفير الروسي آنذاك سيرغي لافروف الحصول على دعم روسيا مستقبلا. وتوجه الى لافروف بالقول: 'لبنان يحتضر، ارجوك الا تمارس حق النقض على هذا القرار'، وبالفعل اكتفت موسكو بالامتناع عن التصويت على القرار من دون أن تمارس حقها في 'الفيتو'. ثم اتصل معلوف برئيس البعثة الفرنسية الى الامم المتحدة ميشال دوكلو، بناء على نصيحة مدير شؤون الشرق الادنى في مجلس الامن القومي الاميركي آليوت إبرامز، الذي نصحه بأن يكسب تأييد الفرنسيين وتبنيهم للقرار بشكل يجعل القرار قرارهم. في موازاة ذلك، عمل التحالف اللبناني - الأميركي بقيادة جوزف الجبيلي على الحشد لهذا القرار في عواصم الغرب. مطلع العام 2004، أكّد الرئيس السوري بشار الاسد نيته التمديد للرئيس اللبناني السابق اميل لحود. عندها قررت إدارة بوش، التدخل الى جانب الحريري والنائب وليد جنبلاط، في مواجهة لحود وسوريا. كان الاميركيون مستائين من موقف الرئيس الفرنسي جاك شيراك إزاء الحرب على العراق عام 2003، وكانت مسودة القرار هذه مفاجأة للرئيس الاميركي جورج بوش ليتفق مع شيراك على مساحة خلال اجتماعهما في اوائل حزيران 2004. في 2 ايلول من العام نفسه، تسلمت بعثات الدول في مجلس الامن مسودة القرار الذي تضمن حذف الاشارة المباشرة الى سوريا من متنه. خاب أمل معلوف، الا أنّ اقرار القرار بتسعة أصوات، مثّل في نظره ايذانا بقرب نهاية ما يقارب ثلاثة عقود من الوجود السوري في لبنان. لا يعزو معلوف انسحاب القوات السورية من لبنان إلى القرار 1559 وحده، إذ لا ينكر مساهمة الثورة الشعبية التي عمّت البلاد كردة فعل على اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري بذلك. ويقول: 'انسحبت سوريا تنفيذا للقرار 1559. لقد أمّن هذا التدبير غطاء ديبلوماسيا لدمشق كي لا تتهم بالانصياع لاحتجاجات الشارع'. نشاط معلوف في الاغتراب لم يصرفه عن التفكير بدخول المعترك السياسي اللبناني، إذ ترشح الى الانتخابات النيابية في العام 2009 عن منطقة الشوف، ترشيح أراده إنذارا الى النخبة السياسية في لبنان بأنّ 'المغتربين قادمون ويريدون المشاركة في العملية السياسية'، لكنّه لم يوفق. في النهاية، استطاع معلوف الذي حلم ان يصبح ضابطا في الجيش اللبناني، ان 'يخدم بلده على طريقته'، وأن ينقل إلى القارئ من خلال فصول الكتاب التي تتوالى في شكل سلس ومشوق، خفايا ما شهدته أروقة الامم المتحدة من شد وجذب للتوصل إلى هذا القرار، ما يجعل هذا الكتاب جديرا بالقراءة والاهتمام.


- 'الجمهورية'
معلوف لـ'الجمهورية': هذه خريطة تطبيق 1559

شهد فندق &laqascii117o;بيكمان تاور" أمس في نيويورك حلقة نقاش في شأن القرار 1559، ضمّت كلّاً من الممثّل السابق للولايات المتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة وليد معلوف، ومساعد وزير الخارجية الأميركية السابق السفير ريتشارد مورفي، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص لقرار مجلس الأمن 1559 تيري رود لارسن، ومساعد نائب وزير الخارجية الاميركية السابق سكوت كاربنتر، ورئيس المركز اللبناني للمعلومات الدكتور جوزف جبيلي.
استهلّ معلوف حديثه لـ'الجمهورية' بالتشديد على أنّ 'القرار 1559 فتح الباب أمام الربيع العربي، من ثورة الأرز إلى ثورة الشعب السوري، وقد ساهم بتثبيت السيادة اللبنانية'.وقال في كلمته أمام لجنة مناقشة القرار 1559، والتي انفردت 'الجمهورية' بالحصول عليها: 'نحن شعبان مختلفان في دولتين مختلفتين، لكن قدرنا واحد، نحن ضحية المعتدي نفسه. فخلال الاربعين سنة الماضية، ساهمت عائلة الاسد في تدمير الشخصية اللبنانية، واقتصادنا، ومكانتنا في العالم'، وأضاف: 'الآن هذه الأسرة نفسها تدمّر شعبها للحفاظ على ديكتاتوريتها'. وأوضح معلوف لـ مورفي أنّه في سبعينيّات القرن الماضي وثمانينيّاته: 'كنْتُ مثل غالبية اللبنانيين، نَتّهِمك ببَيع لبنان الى الرئيس الراحل حافظ الاسد'، إلّا أنّ هذه النظرة 'المجحفة' تغيّرت، بعدما أدليت بشهادتك في كتاب الطريق الى القرار 1559. لقد أدركنا ما عانيته مع نظام الاسد'. ولتوفير الأرضية المناسبة للمضي قدماً في تطبيق 1559، اقترح معلوف: أن يكون لبنان 'بلدا مُحايدا'، الأمر الذي من شأنه أن يمكّنه فيما بعد من نزع سلاح الميليشيات الموجودة على أراضيه. وقال: 'يجب أن يتّبع لبنان الحياد في سياسته الخارجية ليتجنّب تورطه في صراعات الشرق الاوسط في المستقبل'، داعيا الى استصدار 'قرار دولي يقضي بترحيل اللاجئين الفلسطينيين إلى دول مضيفة حول العالم، بما يتيح استيعابهم في هذه المجتمعات في شكل حقيقي'. وأضاف: 'العالم مسؤول عن محنة الفلسطينيين، وعليه أن يجد حلّا لهذه المأساة عبر مؤسساته، ولقد تحمّلنا 60 عاما من حروب إسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب وإيران'، موضحا: 'عندما يكون هناك قرار دولي صادر عن مجلس الامن، ويحوز على موافقة الحكومة اللبنانية، لن يُسمح فيما بعد لأي دولة جارة بفرض أجندتها الاقليمية او الدولية'. وعن هواجس فلسطينيّي المخيمات من تسليم سلاحهم، واتفاقهم مع الحكومة اللبنانية على آلية لضبطه بالتنسيق مع الجيش اللبناني، قال معلوف: 'هذا ليس منطقيّا، وتجزيء للسيادة'، متسائلا: 'هل يتولّى فلسطينيّو المخيمات امنهم في سوريا والاردن، لماذا يشكل دائما لبنان استثناء؟' وإذ لفت إلى أنّه لم يُنفَّذ من البنود الستّة لـ 1559 سوى بندين، أولهما يتمثل بخروج الجيش السوري، وثانيهما بإجراء انتخابات رئاسية حرة، أسف معلوف لعدم مطالبة الحكومة اللبنانية بهذا القرار، مشيرا إلى أنّ 'البطريرك مار بشارة بطرس الراعي اكّد له انّ أحدا لا يطالب بتطبيقه، في حين أنّ الدولة ممثلة برئيس الجمهورية ميشال سليمان لا تتحدث الّا عن القرار 1701'. وعن اصراره على تطبيق 1559 من دون غيره من القرارات الدولية الخاصة بلبنان، قال معلوف: 'هذا ليس صحيحا، نطالب بتطبيق هذا القرار الى جانب القرار 1680 الذي يدعو إلى ترسيم الحدود مع سوريا، والقرار 1701 الذي يؤكّد ضرورة بسط الدولة اللبنانية سلطتها على أراضيها كافة، ويدعو إسرائيل ولبنان الى دعم وقف إطلاق نار دائم وحلّ النزاع القائم بينهما'. ولدى سؤاله عن طلبه حياد لبنان من النزاع العربي - الاسرائيلي، مع استمرار انتهاك الدول العبرية أجواء لبنان واحتلالها أراضيه، قال: 'لو نُفِذت القرارات الدولية الثلاث المذكورة، لزالت هذه المشكلة'. وأوضح: 'انّنا كلوبي لبناني لا نتوقف عن مطالبة الادارة الاميركية بضرورة استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وتأكيد لبنانيتها، لكن السوريين لم يرسلوا كتابا رسميا الى الامم المتحدة يوضح موقفهم، يريدون أن تبقى هذه الاراضي ذريعة لاستمرار وجود سلاح حزب الله'.


- 'الشرق الاوسط'
طفل لبناني في إسرائيل من أبناء 'جيش لحد' مهددون بضياع هويتهم
صرختهم على عتبة مكتب نتنياهو: 'أوقفوا الذل والإهانة لجنود لبنان الجنوبي الذين ضحوا بأرواحهم من أجلكم'
نظير مجلي:

فجرت فتاة لبنانية، من عائلات اللاجئين في إسرائيل، قضية 1200 طفل وفتى لبناني يعيشون في ظروف قاسية اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا، وتتهدد بالضياع هويتهم القومية ولغتهم العربية؛ حيث باتت اللغة العبرية أشبه باللغة الأم. وأطلقت صرختهم قبل 5 أيام، الفتاة فاطمة حجاج (14 عاما)، التي بدأت إضرابا عن الطعام، في خيمة أمام مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، احتجاجا على استمرار الإهمال والتعامل المهين اللذين تتعرض لهما عائلات الجنود السابقين في &laqascii117o;جيش لبنان الجنوبي" (جيش أنطوان لحد) منذ لجأوا إلى إسرائيل بعد الانسحاب من جنوب لبنان سنة 2000، وأوقفته أمس بعد أن وعدها نتنياهو. كانت هذه الفتاة قد طالبت بأن يقابلها نتنياهو لتطرح أمامه مطالب هذه العائلات، وقصة عائلتها التي تستصعب إيجاد مأوى لها. لكنه لم يدعها إليه إلا بعد 4 أيام من الإضراب عن الطعام. وإضرابها لم يحظَ باهتمام كبير، خصوصا من السياسيين الإسرائيليين. وفقط عضو واحد في الكنيست زارها متضامنا. والوزير يوسي بيلد، الذي يتولى شؤون هؤلاء اللبنانيين في الحكومة، استقبلها في مكتبه وأخبرها بأن صلاحياته القانونية محدودة ولا يستطيع مساعدتها. وعندما أصرت على الإضراب، اجتمع بها نتنياهو، ووعدها بأن يحل مشكلة عائلتها ومشاكل بقية العائلات اللبنانية في إسرائيل. وقال إنه أقام لجنة وزارية خاصة ستحضر الأسبوع المقبل إلى طبرية للبحث مع مندوبي هذه العائلات في طرق تسوية مشاكلهم. وفاطمة هي طفلة لبنانية واحدة من مجموع 3000 لبناني يعيشون في إسرائيل، وهم من بقايا عائلات جنود جيش لحد، الذين خدموا إسرائيل ما يزيد على 20 سنة، لدى احتلالها الجنوب اللبناني. وبينهم عائلات قام أربابها بخدمة إسرائيل حتى قبل هذا التاريخ. ومنذ وصولهم إلى إسرائيل قبل 12 عاما، وهم يعانون مسلسل إهانات وتيئيس؛ فالسلطات الإسرائيلية نسيت لهم خدماتهم لها ولمخططاتها وتذكر لهم بالأساس أنهم عرب، وأن استيعابهم في إسرائيل يشكل &laqascii117o;خطرا ديمغرافيا" عليها، وهي التي تريد ضمان الأكثرية اليهودية للدولة العبرية. وبعد صراع طويل مع السلطات، أدى إلى يأس الكثيرين منهم، عاد نصفهم إلى لبنان ومثلوا أمام محاكمه وفضلوا العقوبات اللبنانية على الذل الإسرائيلي. وبعضهم هاجر إلى بلدان أخرى، خصوصا ألمانيا وكندا، أما الذين بقوا منهم في إسرائيل، فقد منحتهم السلطات الحكومية حق الإقامة المؤقتة، ثم قسمتهم إلى قسمين: الضباط السابقون في جيش لحد، وهم الأقلية، تم استيعابهم في مختلف الأعمال وتوفير مسكن لهم، والقسم الثاني وهو الأكثرية الساحقة، يعيشون في حالة فقر وعناء وتشتت. قسم كبير منهم يعرفون الجوع عن قرب. وبعضهم ينامون في الحدائق العامة. ويوجد لهم 1200 طفل تقل أعمارهم عن 17 عاما، ويعيشون في بلدات يهودية أو بلدات مختلطة (حيفا ويافا)، بسبب رفض القرى العربية لفلسطينيي 48 استيطانهم بينهم. ونشأوا من دون دراسة لغتهم العربية؛ حيث يتعلمون في مدارس عبرية وباللغة العبرية. ويخدم 70 شخصا منهم في الجيش كمتطوعين، على أمل أن يتم استيعابهم في المجتمع الإسرائيلي. ويوجد بينهم عدد من المسنين. وترمي إسرائيل إلى إقناعهم بالعودة إلى لبنان، عن طريق إهمالهم ورفض الحلول المقترحة لتسوية مشاكلهم. وهم يحظون بتعاطف من طرف قلة من الإسرائيليين، الذين يخجلون من طريقة الحكومات المتعاقبة في التعامل معهم. وكتب عومر باراك، في صحيفة &laqascii117o;معاريف"، قائلا إنه مذهول من نكران الجميل الإسرائيلي لهم. وتساءل: &laqascii117o;الضباط الإسرائيليون من الجيش والمخابرات، الذين خدموا في لبنان عبر سنوات طويلة، أصبحوا اليوم جنرالات في مختلف الأجهزة الأمنية ونوابا في البرلمان ووزراء في الحكومة، فأين هم؟ لماذا لا يتدخلون لمناصرة هؤلاء المساكين؟ لماذا لا يتحركون لإنقاذ شرف إسرائيل من هذا العار المذهل؟". لكن، حتى هذا الكاتب يُفعِّل قلمه اليوم فقط بعد أن أقدمت هذه الفتاة الصغيرة على إعلان الإضراب عن الطعام. واللافت للنظر أن هذا الإضراب أعلن بتشجيع من منظمة &laqascii117o;بيتار"، التي تعتبر شبيبة حزب الليكود وغيرها من أحزاب اليمين المتطرف. وهم يمنعونها من الحديث مع الصحافة العربية. وحتى اسمها العربي جعلوه &laqascii117o;طال" (اسم عبري). وعندما تزورها صحافة عبرية أو أجنبية يلفونها بالعلم الإسرائيلي. وهي تقول إنها لم تعد لبنانية &laqascii117o;لأنني لا أعرف لبنان ولا أرى منه أي خير". وتضيف: &laqascii117o;أنا صهيونية إسرائيلية". وهي تهاجم حكومات إسرائيل على تعاملها المهين وتقول إنها لا تريد سوى حقوقها كمواطنة إسرائيلية. والدها يعمل في أعمال غير منظمة، ووالدتها تعمل في تنظيف البيوت. ما يحصلانه لا يكفي لتسديد أجرة البيت والطعام، وتقول إنها نامت ليالي طويلة وكثيرة وهي تعاني الجوع. ويعاني أحد أشقائها مرضا مزمنا في الكبد ووالدتها مريضة بفقر الدم.


- 'النهار'
'النهار' في باب التبانة وجبل محسن بعد أيام من الاشتباكات
خوف من تجدّد الانفجار بسبب تحرّكات مسلّحين في الخفاء
صهيب أيوب:

لا شيء يوحي ان معارك قد اندلعت هنا سوى انتشار حذر لعناصر من الجيش اللبناني في أجزاء متفرقة من شارع سوريا ومدخل جبل محسن و'سكة الشمال' الفاصلة بين أحياء سنية وأخرى علوية، على رغم ان تداخل الديموغرافيا في هذه المناطق الشعبية والفقيرة يبدو جليا وواضحا، ولم تستطع الحروب المتقطعة ان تمحو أثره.
يغادر ابو حسين (56 سنة) محله في شارع سوريا لبيع 'قطع' غيار السيارات المستعملة الى المسجد لأداء صلاة الظهر، فيما ينشغل جاره ابو خالد (43 سنة) بتجهيز بعض البضاعة من البورسلان لتاجر من الضنية. الحياة تمضي بهدوء حذر، يقول ابو حسين ان:' السكان اعتادوا المعارك وكل شيء يعود الى ما كان عليه فور انتهائها'. بعض المحال مفتوحة تستقبل زبائنها من ابناء مناطق ريفية مجاورة ومن احياء طرابلسية قريبة حيث توجد أسواق شعبية، كسوق الخضار وسوق الحسبة وسوق القمح على تخوم الشارع الحربي، فيما بقيت محال أخرى مغلقة يقف اصحابها بحذر وهم يرتشفون قهوتهم، ويلعنون، بشيء من الانكسار، 'قدر' هاتين المنطقتين.
 رجال ملتحون يحملون بأياديهم الخشنة أجهزة 'التيكي ويكي' تصدر 'خشخشة' من حين الى آخر، يتفحصون الداخل والخارج بنظرات حادة، يتوزع قربهم شبان مراهقون تبدو ملامحهم الذكورية وكأنها مستوحاة من فيلم قتالي، وهم يراقبون مداخل احيائهم وينتظرون. لكن ماذا ينتظرون؟، يجيب احدهم بجدية:'ننتظر ما اذا كانت ستندلع مرة اخرى ام لا'. وبسؤالنا له عن مصدر السلاح الذي يحملونه اثناء المعارك على رغم انهم فقراء، اجاب باقتضاب: 'هذه الحيلة والفتيلة من مالنا الخاص، نبيع ما نملك كي نحصل عليها لندافع عن انفسنا'.
لوهلة تستطيع ان تشعر بانك تدخل مربعاً امنياً مأهولاً بسكان لا يعرفون الهدوء، بحركتهم العادية وكأن شيئاً لم يكن. وبطريقة 'محلية' يكتفي هؤلاء الرجال، الذين يسمون انفسهم 'حماة' الاحياء الداخلية، بالجلوس على كراس خشبية حول بائعي قهوة ليترقبوا تداعيات الجولة الحربية الاخيرة، التي خاضوها مع مقاتلين يجابهونهم على هضبة تعلو شوارعهم وازقتهم، ولا يفصل ما بين المنطقتين سوى شارع واحد، واحياء صغيرة اسماؤها غير مألوفة.

باب التبانة
داخل احياء 'باب التبانة' شيء من الفقر ينهش واجهة الابنية، التي لا يكاد النهار يبدأ الا ويلتحم الضجيج بأفقها الباطوني الكثيف المتراكم فوق بعضه البعض، مشكلاً كتلة اسمنتية من أحزمة البؤس. تعيش في تلك الأبنية المهترئة وشبه المدمرة و'المفقوعة'، بسبب التقنيص والرصاص الطائش وشظايا 'الانرغا'، عائلات واسر خلّفها الفقر هناك لتقتات الزمن بكل مرارته. يتلاءم الناس في تلك البيوت الصغيرة مع حياة الضجيج العارم وببقايا اساليب يومية توحي بالشقاء الدائم. هنا لا يعود الهم اليومي مرتبطا بضجيج الحياة، أكثر من انتظار لحظة موت بطيئة ولأسباب وجيهة ربما، يصبح الحديث عن الموت امرا عاديا ومكررا في مجتمع ينهشه العوز وتقيده القلة. في الشوارع الداخلية تمر الساعات ثقيلة ورتيبة. ابنية باهتة ومحال صغيرة وكامدة. جدران مليئة بالكتابات السوداء، والشعارات التي لا يزال بعضها صامدا منذ ايام الحرب الاهلية. جدران علقت عليها صور لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان والشيخ عدنان العرعور، وأخرى لمجازر في حمص ولافتات تناصر الشعب السوري. حوادث سوريا حاضرة في كل جلسة في التبانة، ونصرة شعبها كما يقول محمد فرحات 'واجب شرعي وانساني'، وهنا نقطة الجدال السياسي بين المنطقتين. على الجدران ايضا رمز النضال في المنطقة 'ابو عربي' عكاوي. يحلفون بالرجل تأكيدا لصدقهم ويتمنون عودته لينصرهم كما نصرهم سابقا. يقول فؤاد طرابيشي:' يا ريت في رجل طرابلسي يشبه ابو عربي'. حماس الشباب الى الكلام يرافقه كثير من الحذر. يتوقف الكلام الامني، لنسألهم عن اوضاعهم المعيشية. وهنا تعلو ضحكات هستيرية. 'وضع معيشي؟' يسأل الشاب العشريني بسخرية ليضيف: 'يا عمي نحنا مدفونون في هذه الحياة. لا نعرف مصير منطقتنا ونحن فقط مستعدون للموت'. عن اي موت يتحدث؟ تسأله، فيجيب: 'الموت بكل معانيه. نحن هنا نتهيأ للموت لأننا لسنا احياء اصلا. هل تعتبر اننا نعيش ونحن في ظل فقر مدقع واوضاع اقتصادية بائسة؟'. وكأنك فتحت الباب مشرعا لكثير من التعليقات من الشباب الذين يستمعون الى حديثنا، وبين ايديهم 'نباريش' الاراكيل يضيف كل منهم ما هو محبوس في فمه. 'لا اشغال ولا اعمال وكل شيء سيئ' وفق ربيع.م. (26 سنة). ربيع خطب مرتين ولم يستطع ان يتزوج 'الوضع الاقتصادي سيئ للغاية ولا قدرة على الزواج. والشقة في التبانة صار سعرها 50 الف دولار. من معه في هذه الايام دولار واحد في جيبه؟' إذاً لا عمل وسط بطالة مخيبة للآمال وضمن بيئة فقيرة يجتاحها الخوف من المجهول. هربا من هذا الواقع تبقى المقاهي الشعبية الصغيرة مرتعا لهؤلاء الشبان الذين لا يعملون. يتجمعون حو ل'نفس' النرجيلة ويتحدثون عن حال منطقتهم. نفس النرجيلة في التبانة لا يتعدى ثمنه الـ1500 ليرة. وايضا الدفع لا يكون مسبقا بل مذيلا بحساب دين طويل، يدونه رامي (صاحب المقهى) بمضض، مؤكدا ان الاحوال تعيسة للغاية و'علينا ان نتحمل بعضنا'. في النهاية نحن ابناء منطقة واحدة، وكلنا نعرف حقيقة الظروف التي نعيشها وبالتالي 'مندير بالنا ع بعض'. حال المرارة هذه، يقابلها الكثير من التلاحم، فيشبّه لنا احد الشبان باب التبانة بـ'باب الحارة' في المسلسل السوري الشهير. عادات وتقاليد لا تزال راسخة في اذهان الناس هنا لم تندثر. الإلفة ما بين العائلات 'خصوصا اثناء المعارك' كما يقول. حيث تتحول ساحة الحرب الى 'خلية نحل' فيها المساعدة والتعاون بين نساء الحي ليؤمنوا العتاد والزاد للمقاتلين من ابنائهم وابناء احياء اخرى. الجولة في 'باب التبانة' تبث شعورا بالالم على حال اهلها. من شارع حرز الجبنة وبعل الدقور الى شارع الجهاد والشل وحي ابو عربي والبزار الى سوق الخضار... الحال عينها. شوارع مكتظة بالسكان لكنهم لا يظهرون. ضجيجهم كفيل بإظهارهم. محال مختلطة قرب بعضها البعض تبيع كل شيء اجمالا. وعروض مختلفة تساير ظروف الناس المعيشية، 'وعلى رغم ذلك القدرة الشرائية خفيفة وفي بعض الاحيان معدومة' وفق ابو خالد، احد بائعي السمانة في حي 'السبيل'. نكمل جولتنا ويبدو ان آثار المعارك لا تزال حاضرة في النفوس وفي المشهد. فلا تستمتع الحاجة جميلة (54 عاماً) بـ'شرب نفس النرجيلة' بهدوء. تتوقع على الدوام ان 'تشتعل' المعارك ما بين لحظة وأخرى. وعلى رغم ان بيتها يقع في حي داخلي من 'باب التبانة' (بعل الدقور) الا انها تشعر بالتوتر دائماً. تجلس هي وجاراتها على شرفة شقتها الصغيرة المكونة من 3 غرف ينام فيها 9 اشخاص، اضافة الى زوجها. زوجها يعمل في 'لمّ التنك' ويبيعه عند المرفأ قرب 'السقي' بأسعار بخسة حتى يحصل على بضع ألوف من الليرات 'يستر' بها عائلته ويطعمها. الوضع الأمني يؤثر دائماً على حياة السكان في 'باب التبانة'، وحالهم مثل حال سكان 'جبل محسن'. تتحدث الحاجة جميلة عن وضع زوجها 'المتخبط واللامستقر مثل وضع هذه المنطقة' كما تقول، وتضيف بحسرة: 'يوم بيشتغل ويوم ما بيشتغل. وحين 'تعلق' (تشتعل الاشتباكات) تصبح حالنا مزرية. يأكلنا الفقر على الرغم من ان بعض الجهات تقدم لنا المساعدات والمؤن' (في اشارة الى جهات سياسية نافذة في المدينة).

وجبل محسن
الجلسة على رغم هدوئها لا توحي بالطمأنينة للنسوة اللواتي يرتدين عباءات سوداء ويرتشفن القهوة بعجل. الانتظار والترقب هما سيدا الموقف هنا في 'باب التبانة'. وحين نصعد الى فوق(جبل محسن) الحال لا يتبدل. عشرات العائلات تركت بيوتها وانتقلت الى بيوت اقاربها خوفاً من 'عودة الاشتباكات'. والمسؤولون السياسيون في 'الجبل' يؤكدون ان هناك محاولة لـ'زج المنطقتين في مشروع فتنة يفيد منه اعداء لبنان'. الفقر اياه يتغلغل في بيوت حي المهاجرين و'بعل الدراويش' و'الحارة الجديدة' في جبل محسن، حيث مشاهد الفقر والتشويه العمراني. وحدها صورة رفعت لعلي عيد، الشاب الذي يعول عليه اهالي المنطقة في مسيرة طائفة تعتبر نفسها 'اقلية'، تتصدر واجهة احدى البنايات مكتوب عليها: 'حامل الأمانة'. في الشارع الرئيس ابنية عادية، تسكنها عائلات متوسطة الحال. سكان يعيشون من مهن مختلفة، لكن معظمهم يتوزع في مجالات المقاولات وصناعة الالبسة وتجارة الموبيليا، وبعضهم الآخر يخدم في السلك العسكري، الذي يطالبون بان تتم ترقية ابنائهم فيه مثلهم مثل باقي ابناء هذا البلد. هم، كما يرددون ويفتخرون، 'جزء من نسيج طرابلس الاجتماعي'، لكنهم في الوقت عينه ملتزمون خطهم السياسي الواضح والصريح والذي لا يتنازلون عنه: 'خط الممانعة'. ليست سوريا من تسكن لبنان عبر اهالي الجبل، فهم يرفضون ان يتم وصفهم كـ'فيلق' تابع للنظام السوري واعوانه. لكنهم ملتزمون سوريا ونظامها. تتكدس البيوت فوق بعضها في هذه الأحياء الضيقة، عامرة بشبان يستمتعون برشف فناجين 'المتة' وبمشاهدة المسلسلات السورية في وسط الشارع، أو داخل المقاهي الصغيرة العتيقة. تقول السيدة منال الماما (47 عاماً) انها تعيش بهدوء اعتيادي، ولكنها تخاف دائماً من أن تعود الحوادث الامنية الى الواجهة فتحذر أولادها، وتطلب منهم العودة باكراً في المساء. وعادة لا تكون سهرات هؤلاء الشبان خارج أحيائهم. أولاً لحساسية أوضاعها الأمنية، وثانياً لعدم قدرتهم على التمتع بسهرات شبه مكلفة خارج مقاهي حاراتهم. تشتري نساء جبل محسن كل الخضار من سوق الخضار في باب التبانة وتؤكد السيدة منال ان 'هناك شبه احتكاك يومي بين اهالي المنطقتين'، مشيرة الى انها تتمنى لو ان الأوضاع تبقى على هدوئها الحالي، وان لا تشعر هي ومحيطها بالخوف من ان 'تعلق' مجدداً. نتجول داخل احياء الجبل، نمضي في الشوارع الضيقة الى 'الحارة الجديدة' الواقعة قرب خط تماس مباشر مع باب التبانة. بيوت وابنية مهدمة ومهملة ومنسية، متروكة للزمن. مقهى صغير اسمه غريب 'مقهى الضبع'. هنا تتوزع مقاعد خشبية مهترئة في باحته الخارجية حيث بائع المصبات ربيع محمد (31 عاما) يجلس مع شبان عاطلين عن العمل. وهذه مشكلة 'عويصة' لدى شباب الجبل، لان معظمهم لا يعمل، ويقضون معظم ساعاتهم في المقاهي الشعبية الصغيرة يحتسون القهوة و'المتّة' المشهورة هناك. نكمل رحلتنا ونصل الى 'حي المهاجرين' الذي رمم 'الصندوق الكويتي' واجهات ابنيته، لكن هذا الترميم لم يستطع محو لون الاهمال عن هذا الحي الفقير. ومن ثم ندخل في زواريب مشروع الحريري التي لا تزال بقع الدمار منتشرة على جدران ابنيته البيضاء. نصل الى شارع 'الاميركان' الهادئ والذي تبدو بيوته الواطئة وابنيته الصغيرة ذات الطبقات القليلة مستكينة وخارجة عن المحيط. ننزل من الشارع الى 'حي الوادي' ومن ثم الى زقاق 'المحطة'، ثم تباعا نكمل جولتنا في شارع 'الرمبوان' المنطقة الحديثة في جبل محسن. ثمن الشقة السكنية هناك يصل الى 250 الف دولار اميركي. بنايات حديثة، وثانوية جديدة قيد البناء، ومقاه شبابية مختلفة عن باقي مقاهي الجبل الشعبية. من هناك نتحول الى مطل على تخوم مخيم المنكوبين. مسجد السيدة فاطمة الزهراء يبدو شامخاً بقبته الخضراء. إمام المسجد الشيخ علي سليمان يقول ان 'سوريا تمثل عمق العروبة والمقاومة ولذلك تتم محاسبتها'، مؤكدا ان 'السنة في طرابلس والعلويين هم اخوة في الاسلام ولهم مصالح مشتركة وقرابات ومصاهرة، ولا يجب ان يتم اختزالها برأي سياسي'. يعول سليمان على دور وسائل الاعلام في 'تهدئة' الاوضاع واحياء السلام من خلال عملها الصحافي.
في الجولة لا تسأل السيدة الواقفة على 'درابزين' شقتها في احد الزواريب عن الزائر. تقول لجارتها ان تستقبلنا في مدخل البناية الصغيرة ذات الطبقات الاربع والتي يعود بناؤها الى ستينات القرن الماضي حين بدأت تزدهر حركة البناء في الجبل. ترحب بنا بلا مقدمات وتسأل فقط عن القهوة التي نشربها. تدخل مطبخها الصغير وتخرج حاملة ركوة القهوة وهي تقول: 'اهلا وسهلا'. وبعد ان ننتهي من شرب فنجان القهوة تقول لنا السيدة 'بيوتنا مشرعة ومفتوحة للجميع. نحن اهل كرم وضيافة واهل طرابلس اهلنا'. وتلفت السيدة الخمسينية الى ان 'الجبل' يعاني من مشكلات كثيرة ليس اقلها الطرق غير المزفتة وقلة المدارس والاستشفاء النادر (يوجد مستوصفان تابعان لجمعيات خيرية وحزبية) وتقول وهي تتنهد: 'يا ريت الدولة تنظر الينا وتعتبرنا مواطنين من الدرجة الثانية'. فوق او تحت لا فرق. الجو هو نفسه والاحتقان، على رغم الكلام 'الرومانسي' الذي يردده بعض المتفائلين امنياً، لا يزال حاضراً بقوة. حركة دؤوبة للمسلحين في الخفاء وكلام سياسي كثير ومتراكم يشعل الحساسيات ويوتر الجو في منطقتين تحاولان دائماً الخروج من الأزمات، لكنهما، دائماً، على شفير 'الاشتعال'.


- 'الاخبار'

إغلاق هرمز: العراق بانتظار الكارثة
علاء اللامي:

لا يزال احتمال إغلاق مضيق هرمز، موضوع الساعة، في العراق على الأقل. فهناك، سيكون وقع هذه الخطوة أكثر من كارثي حتى من دون الحديث عن إمكان تأثر هذا البلد بحرب حقيقية. العراق مهدَّد بفقدان ثلثَي عائداته النفطية التي تمثّل 95 في المئة من الموازنة العراقية العامة إذا أُقفل المضيق الاستراتيجي، لكنّ تطمينات الرسميين في بغداد تذهب إلى عكس ما تنذر به العديد من المؤسسات والخبراء، وتبشر العراقيين بأنهم ذاهبون إلى الجنة لا إلى الخراب الاقتصادي والاجتماعي، الذي قد يضع البلاد في قلب المجاعة والاضطرابات، ذلك أنّهم في بغداد ينتظرون غلاء سعر النفط، متناسين أنه لن يعود هناك طريق لبيعه إذا أُقفل هرمز. بين إعلان الحكومة العراقية أنّ العراق &laqascii117o;سيكون أقل الدول تضرراً إذا أغلقت إيران مضيق هرمز" من جهة، والحقائق والإحصائيات التي يعلنها الخبراء والمؤسسات المستقلة التي تؤكد أن العراق سيخسر ثلثَي عائداته المالية، التي يمثّل النفط أكثر من 95 في المئة منها من جهة ثانية، بون شاسع. فقد رأى مراقبون أن هذا النوع من التطمينات الحكومية المتفائلة في بغداد، مجرّد تكرار للطريقة التقليدية التي تتعامل بها الحكومات الشمولية والدكتاتورية العادية على قاعدة أن &laqascii117o;الأمور على خير ما يرام"، أو أنها، وفق القول العراقي الشعبي، &laqascii117o;عال العال"، حتى لو كانت &laqascii117o;القيامة قائمة". وبالفعل، حاول المتحدث باسم وزارة النفط العراقية، عاصم جهاد، تبرير تفاؤله الحكومي وفق المعادلة التالية: في الوقت الذي لا تمتلك فيه دول المنطقة الأخرى منافذ بديلة، فإن العراق يمتلك منفذاً بديلاً، وهو المنفذ الشمالي بمعدلات تصديرية تقارب 450 ألف برميل من النفط يومياً، على حد تعبير جهاد. في المقابل، خلص مصدر آخر في الوزارة، هو مدير العقود والتراخيص، عبد المهدي العميدي، إلى أن &laqascii117o;يبيع السمك في الماء" للرأي العام، فذكّر بأن وزارته &laqascii117o;عازمة على إنشاء أنبوب بطول 1800 كيلومتر لنقل النفط العراقي من البصرة إلى ميناء بانياس السوري، بطاقة مليونين ونصف مليون برميل يومياً". ومن المعروف أنّ هذا المشروع الواعد، الذي يمكن أن يُغْني العراق عن أي خطوط تصديرية أخرى، ظل حبراً على ورق طوال نصف قرن تقريباً، ولم يجرؤ أحد منذ حكم الرئيس الأسبق الراحل أحمد حسن البكر، مروراً بصدام حسين، على تنفيذه. والخشية هنا، بحسب بعض المهتمين، تكمن في إغضاب تركيا، التي ستفقد جزءاً مهماً من العائدات النفطية التي تحصل عليها من جراء مرور أنابيب النفط العراقية الرابطة بين كركوك وميناء جيهان على البحر المتوسط، فتعاقب العراق بقطع المزيد من مياه الرافدين عنه، رغم أن هذين النهرين دخلا مرحلة &laqascii117o;الاحتضار". مراقبون آخرون يعيدون عدم تنفيذ المشروع إلى الخلافات والأزمات العديدة التي حكمت العلاقة بين نظامَي حزب البعث في العراق وسوريا، وانعكست على شتى القضايا البينية. محلّلون وخبراء في الشأن النفطي علّقوا على تصريحات العميدي قائلين &laqascii117o;حتى إذا صدّقوا عزم وزارته على تنفيذ هذا المشروع وشُرِعَ فعلاً بتنفيذه، فإنه لن يكون حلاً فعلياً بديلاً (عن هرمز) إلا بعد بضع سنوات". غير أنّ المصدر الوزاري الأول، أي عاصم جهاد، &laqascii117o;حَسَبَها" بطريقة مختلفة، ربما ظنها أكثر مردودية عندما قال إن &laqascii117o;التوقعات تشير إلى أنّ عملية إغلاق هرمز ستؤدي إلى رفع أسعار النفط إلى أضعاف أسعاره الحالية، وبالتالي سيعوّض العراق خسائره من خلال ارتفاع الأسعار". النائبة نجيبة نجيب، عضو اللجنة المالية في البرلمان، أوضحت قبل أيام أنّ &laqascii117o;نحو ثلثَي واردات العراق المالية من تصدير النفط مهددة بسبب تحذيرات إيران بإغلاق مضيق هرمز". وأثبتت نجيب بالأرقام أنّ &laqascii117o;العراق يعتمد في وارداته المالية على تصدير النفط على نحو شبه مطلق، وهو يصدّر حالياً مليونين و600 ألف برميل يومياً، يمر نحو 60 في المئة منها عبر مضيق هرمز". إذاً، فالعراق سيخسر ثلثَي عائداته النفطية لا الثلث كما تقول الحكومة، وبعض الخبراء وكتاب الإنترنت المؤيدين لها، كالكاتب حمزة الجواهري، الذي دوّن قبل أيام ما مفاده أنه &laqascii117o;في حال إصرار إيران على إغلاق مضيق هرمز، فإنّ ذلك سيؤدي إلى مشاكل كبيرة للاقتصاد العراقي، لكونه يعتمد بنسبة 92 في المئة على إيرادات النفط، ما سينعكس سلباً عليه، علماً أنّ باستطاعة العراق أن يصدر 650 ألف برميل عبر أنبوب جيهان التركي، لكن رغم ذلك، سيخسر ثلث عائداته المالية لكونه معتمداً اعتماداً أساسياً على الأنبوب النفطي الجنوبي". وحتى إذا أخذنا برقم الجواهري، لا برقم وزارة النفط، وهو بحدود 450 ألف برميل، فلن يكون ممكناً اعتبار هذه الـ 650 ألفاً، الثلثين، من إجمالي الكميات المصدرة والبالغة مليونين و600 ألف. خبير نفطي عراقي آخر هو حسين علاوي، قدّم أرقاماً قريبة من تلك التي قدمتها النائبة نجيب، وأشار إلى أن قدرة إيران على إغلاق المضيق لن تتجاوز أكثر من 30 يوماً. بمعنى أنّ الأزمة لن تدوم أكثر من ذلك، لكن، يتساءل مراقبون مستقلون، ما الضامن بألا تسوء الأوضاع أكثر وتتحول إلى حرب تدمير شامل؟
لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي اجتمعت أخيراً، وخرجت برؤية وقرارات مكررة، منها أن &laqascii117o;الموازنة العامة للبلاد المعتمدة على النفط، ستتأثر بإغلاق المضيق المفضي لخفض الصادرات"، لذلك طالبت السلطات التنفيذية بضرورة توسيع التصدير عبر ميناء جيهان التركي، وإعادة تشغيل الأنابيب مع كل من السعودية وسوريا والأردن، إلى جانب تحرك وزارة الخارجية العراقية لإقناع طهران بعدولها عن التفكير في قرار كهذا". وبخصوص الدعوة إلى توسيع التصدير عبر خط &laqascii117o;كركوك ــ جيهان"، فهي محكومة بالقدرات الفنية المحدودة للأنابيب ذاتها، وقد يبالغ البعض ممن يطالب بزيادة قدرتها إلى مليون برميل يومياً. أما بخصوص الدعوة إلى &laqascii117o;إعادة تفعيل" الأنابيب النفطية العراقية المارة في الأراضي السعودية، التي تصل طاقتها الاستيعابية إلى مليون و800 ألف برميل، والتي كان العراق يصدّر عن طريقها نفطه حتى حرب الخليج الثانية، فقد أُجهضت هذه الفكرة تماماً بقرار سعودي مفاجئ، إذ قرّرت المملكة مصادرة هذه الشبكة من الأنابيب العراقية، وأصبحت بالتالي ملكاً للدولة. غير أن هذا القرار السعودي لم يدفع الحكومة العراقية إلى القيام بأي إجراء أو رد فعل حتى من باب رفع العتب، أو العلم بالشيء، رغم عدم صدور تكذيب سعودي رسمي لتلك الأنباء. وقد رجّحت مصادر نفطية متخصصة أن تقوم السعودية بتحوير هذه الأنابيب العراقية التي تنتهي عند البحر الأحمر فنياً لتستعملها هي في نقل نفطها من المناطق الشرقية في المملكة إذا أُغلق مضيق هرمز.
لا سكَّر ولا أرزّ
لمعرفة الحجم الحقيقي للكارثة المتوقعة على العراق إذا أُغلق مضيق هرمز، وبالتالي فقد العراق ثلثَي عائداته المالية، يقدّم الخبراء أرقاماً تثير الرعب؛ فالموازنة العراقية المقترحة للعام الجاري 2012، التي تعتمد على العائدات النفطية اعتماداً شبه كامل، يذهب منها 68 في المئة منها كموازنة تشغيلية، ومعظمها كرواتب لجيش هائل من الموظفين الحكوميين يقترب من ثلاثة ملايين موظف يعيلون العدد نفسه من الأسر. وإذا قدّرنا متوسط عدد أفراد الأسرة العراقية بخمسة، فإن العديد السكاني المعتمد على العائدات النفطية يناهز الـ 15 مليوناً. وحين تضاف إلى هذه الملايين، ملايين أخرى من غير الموظفين والمهمّشين والعاطلين من العمل تحت خط الفقر، فإن الغالبية الساحقة من المجتمع العراقي ستكون مُهَدّدة فعلياً بالكارثة الاقتصادية المحتملة. ورأى محللون أن الكلام عن مجاعة وكارثة اقتصادية ليس فيه من المبالغة الشيء الكثير، بدليل قول الخبير صادق الركابي، مدير &laqascii117o;المركز العالمي للدراسات التنموية" في لندن، &laqascii117o;لن نأتي بجديد حين نقول إن اعتزام إيران أو تلويحَها بإغلاق مضيق هرمز سيمثّل كارثة لن يُستثنى أحد من أضرارها التي تبدأ بالنفط وتصل إلى ارتفاع معدلات البطالة، مروراً بفقدان السكر والأرز".


- 'السفير'
الإسلام السياسي بين الأتراك والعرب
الياس سحاب:

لا شك بوجود شراكة تاريخية طويلة في انظمة الإسلام السياسي، بين الشعوب العربية من جهة، وعدد من شعوب الجوار القريب والبعيد، من جهة ثانية، ومن بين هذه الشعوب، الشعب التركي. بل إن الشراكة بين العرب والاتراك في مجال الاسلام السياسي، هي الاقرب تاريخياً، وبالتالي الأشد حضورا في الذاكرة، كما في طيات الاحداث السياسية الراهنة. عنيت بها طبعا الشراكة التي كانت قائمة عبر قرون اربعة (من مطلع القرن السادس عشر الى مطلع العشرين). ومع ان ناظم هذه الشراكة، الامبراطورية العثمانية، قد تفكك وانهار منذ مطلع القرن العشرين، فإن هذا القرن لم يخل، حتى مطلع القرن التالي الحالي، من ردود افعال جغرافية - سياسية لمفاعيل تلك الشراكة القديمة الطويلة، وردود الفعل المتبادلة بين تطوارت التاريخ الحديث لتركيا، بعد عصر اتاتورك، وتطورات التاريخ الحديث للمنطقة العربية، بعد انسلاخها عن حطام الامبراطورية العثمانية. لا شك بأن الحدث المفصلي في هذا المسار الحديث، كان التحول الذي قاد به مصطفى كمال اتاتورك تركيا، في عملية وداع للعصور القديمة، المفترض انها ولت مع انهيار الامبراطورية العثمانية، واقتحام للعصر الحديث، عبر علمنة الدولة و&laqascii117o;أوربتها"، اي اعادة صياغتها على الطراز الداخلي والخارجي للدول الحديثة في القارة الاوروبية. وهو الاتجاه الذي اتخذ اشكالا شديدة الحدة في الانقطاع الكلي عن الماضي، والاقتحام المجهول لآفاق المستقبل، والتي منها، على سبيل المثال لا الحصر، إلغاء الخط العربي المعتمد سابقا في كتابة اللغة التركية، واعتماد الحرف اللاتيني. إن خلاصة التجربة الاتاتوركية، التي يكاد يمر عليها قرن كامل، والتي شهدت ارتدادا قويا عنها في العقدين الاخيرين، يمكن رصدها في ذلك التوازن الدقيق بين المكونات التاريخية الطبيعية لشعب ما حيث تتسع المساحات الفاصلة بين الشعوب، وطموحة نحو اكتساب ملامح العصور الحديثة، حيث تتسع المساحات الواصلة بين الشعوب. ولا شك بأن طلاق التجربة الاتاتوركية، مع الاسلام السياسي، بصفته من المكونات التاريخية للشعب التركي، حيث كان السلطان التركي يلعب دور النسخة الاكثر حداثة عن الخليفة الاسلامي في الدولتين الاموية والعباسية، هذا الطلاق حدد مسيرة صعود وهبوط التجربة الاتاتوركية. فمع كل انجازات هذه التجربة في امتلاك الشكل الخارجي الكامل للحداثة، الا ان حدة انفصالها الكامل عن الجذور التاريخية الاسلامية لشعب تركيا، تحول بها، مع مرور السنين، الى نظام، انتقلت فيه سيادة الحكم بالتدرج من الشعب الى المؤسسة العسكرية، في تناقض واضح مع روح الحداثة السياسية. ومن جهة مقابلة، وقعت بعد ذلك احزاب الاسلام السياسي في تركيا، في اواخر القرن العشرين، في عدم توازن من نوع آخر، حيث كانت ترجح كفة الامانة للجذور التاريخية، على كفة الانتماء للعصور الحديثة. لذلك، كان الفشل حليف الصيغ الثلاث الاولى لحزب الاسلام السياسي في تركيا، حتى اضطر الى تغيير صيغه وزعاماته وأسمائه، بل توجهاته الاساسية. ومن الواضح ان حزب الاسلام السياسي في تركيا لم يصل الى صناديق الاقتراع بأغلبية كاسحة، صححت مسار التجربة الاتاتوركية، الا عندما اعاد التوازن الدقيق بين الانتماء للجذور، والانتماء لروح العصور الحديثة، القائمة على سيادة الشعب، وسيادة الحريات العامة، مثل حرية المعتقد السياسي والديني، وحرية التعبير، وحرية الابداع وحرية البحث العلمي الى آخر قائمة الحريات العامة. ان في قصة تطور الاسلام السياسي تراجعا وتقدما، بين تجربة اتاتورك، وتجربة الصيغة الاخيرة من الحزب الحاكم في تركيا (بعد تغيير صيغتين فاشلتين سابقتين لهذا الحزب)، ان في هذه القصة درسا بليغا لأحزاب الاسلام السياسي العربية، بشكل خاص في كل من تونس ومصر. ان التطمينات اللفظية التي تطلقها جماعة الاخوان المسلمين والسلفيين في مصر بشأن الحريات العامة (روح الحداثة) لن تقف حاجزا امام سقطة مدوية لهم في صناديق الاقتراع في اي دورة مقبلة. انها قصة التوازن الدقيق التي لا يمكن لأي قوة سياسية العبث به، بين مكونات الجذور الشعبية، وروح الحداثة والعصر الحديث. وعلى العموم، فإن احزاب الاسلام السياسي في مصر امام تجربة العمر، لكني المح منذ الآن ميلا شديدا بالإخلال بالتوازن الدقيق بين المكونات التاريخية لشعب مصر، ومستلزمات الحداثة. لا يغركم نجاح حزب الاسلام السياسي في تركيا، ولا تسيئوا تقليده، فمع كل ما انجز حتى اليوم، ما يزال مصيره معلقا بالتمسك بذلك التوازن الدقيق بين الجذور الاسلامية للشعب في تركيا، وبين روح الحداثة، الذي لا يحتمل العبث او التحايل بأي عنصر من عناصرها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد