قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الجمعة 24/2/2012

ـ صحيفة 'اللواء':
حسابات نصر الله

ألقى زعيم حزب الله حسن نصرالله مؤخرا خطابين يدلان على قدرة الردع أو انعدام الردع الاسرائيلية تجاه حزب الله. كيف يمكن تفسير تصريحاته؟ في أحد خطابيه كلف نصرالله نفسه عناء الإشارة الى أنه في حالة هجوم اسرائيلي على إيران، فان حزب الله سيتخذ قراراته بشكل غير متعلق بايران، وليس بالضرورة سيهاجم. في خطاب آخر شدد على أنه كثأر على موت مغنية، فان حزب الله سيضرب مسؤولين اسرائيليين كبار، وذلك لانه ليس من كرامته المس بالدبلوماسيين والمدنيين. فماذا كان يقصد عندما قال هذه الأمور؟
بحث حديث في وحدة تمثيل الأدوار الأمنية السياسية الداخلية والخارجية في مدرسة الحكم في المركز متعدد المجالات في هرتسيليا فحص قرارات نصرالله من خلال برنامج تشخيص أنماط اتخاذ القرارات.
وذلك في محاولة لتشخيص &laqascii117o;سر القرار" لديه واستخلاص الاستنتاجات بالنسبة لقراراته المستقبلية. بين النتائج: البقاء السلطوي والجسدي لنصرالله يملي الكثير من خطواته؛ نصرالله عقلاني وذكي؛ وهو ليس متذبذبا مثل أحمدي نجاد أو عاطفيا مثلما كان القذافي، بل متفكر جدا.  بالنسبة لقوله حول عدم تعلقه بإيران، فان نصرالله يقول عمليا: لا تسارعوا الى تدمير نصف لبنان وتصفيتي على الطريق، إذ ان ما يعنيني هو تصعيد سيطرتي السياسية على لبنان أكثر من الخروج الى معركة اخرى ضد اسرائيل، والتي لا يمكنني أن اخرج منها بخير. عمليا، الطريقة التي اختارها نصرالله لعرض الامور هي &laqascii117o;مقلوب على مقلوب"، ينبع من القوة وليس من الضعف. كما أنه يعد العالم العربي مسبقا لحقيقة أن لحزب الله توجد شرعية في عدم العمل إذا هاجمت إسرائيل إيران.
بالنسبة لادعائه الثاني والذي يقضي بان ليس من كبرياء حزب الله المس بدبلوماسيين ومدنيين، فان نصرالله يسعى مرة أخرى الى أن ينقل رسالة عبر وسائل الإعلام، ينفض عنه بها المسؤولية عن الهجمات على دبلوماسيين اسرائيليين في العالم. عمليا يقول: لا تسارعوا الى اتهام أو ربط حزب الله بالاحداث الاخيرة (التي لم تنجح ايضا)، ولا تركضوا نحو الرد ضدي وذلك لاني لا افعل امورا كهذه. غير أنه لو كان نصرالله يقول هذا فقط، لبدا على نحو غير جيد في أوساط مؤيديه، ولهذا فقد ادعى ايضا بانه لا يضرب الا الكبار.
تحليل متأنٍ للخطابين يلمح اساسا بان زعيم حزب الله يخشى من المس به نفسه ومن الرد الشديد لاسرائيل في لبنان في حالة مواجهة بين اسرائيل وايران، سواء جاء في أعقاب هجوم محتمل اسرائيلي أو في اطار ما يلوح كحرب التصفيات المتبادلة بين إيران وإسرائيل .الردع ينجح عندما يكون الطرف الآخر واعيا لنوايا الرادع. لقد حسم الامر لدى نصرالله. فهذه عمليا هي المرة الاولى التي يعترف فيها بان الردع الاسرائيلي ضده ينجح، إذ أنه يقول صراحة انه على وعي بالرد الاسرائيلي الشديد وعمليا يسعى الى منعه مسبقا.
يحتمل أن يكون نصرالله &laqascii117o;يخدع". فهو لم يقل انه سيهاجم او لن يهاجم، ولكنه أثبت في الماضي في أنه في كل ما يتعلق بالتهديدات والافعال يمكن الاعتماد على كلمته. في مواجهة محتملة مع اسرائيل حول ايران، لديه ما يخسره وهو يعرف ذلك جيدا. وهو لا يمكنه أن يربح من مثل هذه المواجهة، الا إذا هوجم واضطر الى الرد بقوة.
دون صلة، بتقديري يحتمل أن يأتي اليوم الذي يتمكن فيه من السير خارج المخبأ بفضل الردع الذي يخلقه تجاه اسرائيل من خلال عشرات الاف الصواريخ التي يمكن لحزب الله أن يطلقها في كل لحظة اذا ما مس احد بزعيمه. بالاساس اذا ما بقي خارج المواجهة المحتملة لاسرائيل مع ايران، اذا ما وقعت مواجهة كهذه.
عميد مدرسة لاودر للحكم في هرتسيليا
معاريف


- 'السفير'
معنى التدخل الأميركي في سوريا - بدأت الولايات المتحدة تدخلها العسكري في سوريا.
سمير كرم:

هذا هو معنى ومدلول تحليق أعداد غير محدودة من طائرات التجسس الاميركية بلا طيارين (وتسمى من قبيل التعمية طائرات استطلاع) لمراقبة تحركات القوات النظامية السورية. لن يغير هذا التفسير ببدء التدخل العسكري الاميركي في سوريا ما حرصت المصادر العسكرية (مصادر البنتاغون) والمخابراتية الاميركية ما اعلنته من ان تحليق هذه الطائرات في اجواء سوريا لجمع المعلومات عن مواقع القوات النظامية السورية 'هو بغرض المراقبة وليس من باب التحضير لتدخل عسكري اميركي... إن إدارة الرئيس الاميركي باراك اوباما تريد فقط جمع الأدلة وقراءة تحركات الحكومة السورية واتصالاتها العسكرية لاستخدامها لاحقاً في الدفع باتجاه استجابة دولية واسعة ضد نظام الأسد'. فإما أن هذه المصادر الاميركية بهذا النفي فيما يتعلق بالتدخل العسكري تفترض السذاجة في الآخرين، بمن فيهم الاطراف المعنية المحيطة جغرافياً بسوريا، ومنهم الذين تربطهم بسوريا علاقات تجعل هذا التدخل جريمة بحقهم، أم الذين تربطهم بسوريا حالة عداء تصل الى درجة احتلال جزء من اراضي سوريا والتلويح بما هو اكثر. او ان هذه رسالة اميركية مشفرة ومعكوسة الى المنطقة بأسرها بأن اميركا تقترب من خطوط اقتحام سوريا، حتى وإن فشلت في استصدار قرار من مجلس الامن الدولي، يعطي لأميركا وحلف الأطلسي إشارة ضوء اخضر بأن تكرر في سوريا ما سبق ان قام به الحلف بقيادة الولايات المتحدة بالتدخل العسكري في ليبيا. لم تكتف المصادر الاميركية العسكرية والمخابراتية بهذه التعمية، بل اضافت ان مناقشات تجري في البيت الابيض ووزارتي الدفاع والخارجية الاميركيتين بشأن إمكانية إيفاد 'بعثات إنسانية' الى سوريا، وأن مخاوف قد نشأت خلال تلك المناقشات من عدم إمكانية إرسال مثل هذه 'البعثات الانسانية من دون تعرض المشاركين فيها للخطر، مما ستكون نتيجته الحتمية اضطرار الولايات المتحدة للقيام بدور عسكري في سوريا'. ومعنى هذا هو ان التصريحات التي بدأت بقصد نفي التمهيد لتدخل عسكري في سوريا بتحليق طائرات الاستطلاع الاميركية في سماء سوريا، انتهت بتأكيد استعداد اميركي لتدخل من هذا القبيل. رافق هذا النفي/التأكيد الاميركي المتضارب المقصود، عدد من الظواهر التي تتعلق بهذا الاحتمال القوي للتدخل، ضاربة عرض الحائط بمجلس الامن والفيتو الروسي والصيني الذي منع صدور قرار من هذا المجلس، تحت ضغوط الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وعدد من الدول العربية تتقدمها المملكة العربية السعودية. اول هذه الظواهر المصاحبة لتمهيدات التدخل الاميركي يتمثل في اهتمام المصادر الاميركية بالاشارة - في اليوم نفسه - الى ان سفينتين حربيتين ايرانيتين، وصلتا الى ميناء طرطوس في سوريا، بعد ان عبرتا قناة السويس بموافقة من السلطات المصرية على هذا العبور. وكأن المصادر الاميركية تعطي مبرراً 'إيرانياً' للتدخل الاميركي في سوريا بالقول، بأن إيران تتدخل في احداث سوريا. وبهذا تغفل المصادر الاميركية حقيقة ان وصول السفينتين الإيرانيتين سبقه الحصول على تصريح من السلطات السورية المعنية. هذا فضلاً عن استخدام اسلوب الضغط الاميركي على مصر التي وافقت سلطاتها على عبور السفينتين الإيرانيتين قناة السويس، في حين تعرف هذه المصادر الاميركية قبل غيرها ان حرية الملاحة في قناة السويس مفتوحة لجميع دول العالم بما فيها الولايات المتحدة التي لا تكف سفن اسطولها الخامس والسادس عن عبور القناة، وبما فيها اسرائيل، التي تعبر سفنها قناة السويس في الاتجاهين. اما المظهر الثاني الذي رافق خطوة التحليق الجوي الاميركي في سماء سوريا فكان أنه تزامن مع الخطوة التي اتخذتها السلطات المصرية بسحب سفيرها من دمشق، في خطوة لا بد ان تكون قد فاجأت سوريا، بقدر ما فاجأت الرأي العام المصري، الذي يرقب احداث سوريا بقلق وخشية من التدخل الاميركي والاطلسي. وأما المظهر الثالث الذي صاحب التحليق الاميركي بطائرات التجسس في سماء سوريا وخطوة سحب السفير المصري، فكان إبداء مرونة من الجانب الاميركي في محادثات تجري في القاهرة وفي واشنطن ازاء النزاع بين البلدين، حول تقديم مسؤولين في منظمات المجتمع المدني المصرية - بينهم اميركيون ومصريون - للمحاكمة بتهمة تلقي اموال من جهات رسمية اميركية لممارسة النشاط في مصر. يبقى المظهر الرابع - الذي قد يبدو بعيدا عن هذه التطورات للوهلة الاولى - وهو محاولة الوفد الاسرائيلي في الجمعية العامة للامم المتحدة اضافة صوت اسرائيل الى الدول التي تبنت قرار الجمعية العامة بإدانة العنف في سوريا. وقد قام الوفد المصري بالتصدي لهذه المحاولة الاسرائيلية، الامر الذي تناقض تماما مع قرار القاهرة بسحب السفير المصري في دمشق. ولعل هذا تم في إطار محاولة لإيجاد توازن في الموقف المصري ..لكنه بدا على أي الاحوال ادنى بكثير من الموقف الروسي - الصيني في مجلس الامن. وليس خافياً ان الموقف المصري كما تمثل في سحب السفير قد تم اتخاذه تحت ضغط من جماعة الإخوان المسلمين وحزبها (حزب الحرية والعدالة) وهي حليف 'استراتيجي' لجماعة الإخوان المسلمين التي تلعب دوراً أساسياً في احداث سوريا، والتي أيدت بلا تردد دعوة لتدخل خارجي - اميركي اطلسي - في سوريا. لقد ارادت اسرائيل ان تضم اسمها الى اسماء الدول العربية التي صوتت مع قرار الجمعية العامة ولكن وفد مصر رفض هذا رفضاً تاماً، ووجه تهديداً الى الوفد الاسرائيلي بأن تفتح مصر موضوع حقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية المحتلة. وهنا تراجع الوفد الاسرائيلي عن مطلبه (...). الآن يبدو ان التدخل الاميركي (والاطلسي) في سوريا هو السيناريو الاكثر احتمالا، على الرغم من انه يتم ضد ارادة مجلس الامن، وضد ارادة المجتمع الدولي. إن اميركا تريد ان تلحق سوريا بالدول العربية الاخرى التي دخلت في اطار الهيمنة الاميركية - الاطلسية. ولقد يتصاعد التدخل الاميركي في سوريا الى درجة قصوى حتى خلال الايام القليلة القادمة، بل خلال الايام الثلاثة بين كتابة هذه السطور ونشرها. ذلك ان الادارة الاميركية - في وقت تسيطر فيه حملة انتخابات الرئاسة الاميركية على كل الاعتبارات الاخرى - تريد ان تظهر انها لا تحجم عن التدخل، كي لا يظهر ان الفيتو الروسي والصيني على مشروعها بالتدخل 'الدولي' من جانب مجلس الأمن كافيان لردع خطة التدخل الاميركي. لكن هذا لا ينفي ان اميركا تخشى رد الفعل الإيراني اذا نفذت هذا التواطؤ العدواني مع اسرائيل، أياً كانت صورة هذا التواطؤ، ونصيب كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في تنفيذه. وليس من المستبعد اصلا ان تكون عمليات التحليق بطائرات التجسس الاميركية بدون طيار في الأجواء السورية رامية الى تحقيق الهدفين في وقت واحد، وهما التجسس على القوات النظامية السورية وتحركاتها والتجسس في الوقت نفسه على الجانب الايراني القريب جغرافياً الى الاراضي السورية. فليس يخفى على احد في هذه الظروف ان قدرة الطائرات الاميركية في مجال التجسس تغطي عدة مئات من الاميال. ومن المؤكد ان ايران لن تقابل بالسكوت مثل هذا الاحتمال في هذه الظروف الصعبة والمعقدة. في الوقت نفسه تعمل اميركا لرد الفعل الإيراني ألف حساب، الامر الذي دفعها الى ممارسة ضغط غير مرئي - ولكنه مفهوم ومتصور - على اسرائيل لكي تمتنع عن شن هجوم عسكري على ايران خشية من 'ردود الفعل والنتائج الكارثية التي يمكن ان تصيب العالم بأسره'، حسب تعبير كثير من الصحف الاميركية والبريطانية بشكل خاص. لكن بينما تخشى اميركا من رد الفعل الإيراني اذا تعرضت ايران لهجوم عسكري اميركي و/أو اسرائيلي، فإن الادارة الاميركية تتصرف على نحو يظهر بجلاء أنها تخشى الآن من أي رد فعل يمكن ان ينال من الجانب العربي في هذا الصدد، مع كل ما هو متصور من ان الرد الايراني على هجوم يستهدفها لا بد ان يطال دول الخليج النفطية العربية ومؤسسات النفط الهائلة المفتوحة لأي هجوم جوي او صاروخي.. حتى وإن كانت ايران قد طمأنت اطرافاً عربية الى أنها لن توجه ضرباتها الى اهداف عربية رداً على هجمات اميركية و/أو اسرائيلية على اهداف ايرانية. ان الادارة الاميركية تعطي في تصريحاتها كل انطباع بأنها تحسب ان ايران ستوجه ضربات قاصمة الى المنشآت النفطية في الخليج. ولعل من اكثر القوى إظهاراً للتشكك في النيات الاميركية - سواء ضد سوريا اوايران- هو 'الرأي العام المصري'، وهذا تعبير تستخدمه المصادر الاميركية العسكرية والمخابراتية والسياسية الاميركية لأنها تفضله لاعتبارات مفهومة على تعبير الجماهير الشعبية. ويصل الشك المصري الى حد عدم التعامل بثقة مع الخلاف الراهن بين الادارة الاميركية والادارة المصرية - ممثلة في المجلس الاعلى للقوات المسلحة، صاحب السلطة الاعلى في مصر الآن. إن الرأي العام المصري يتابع تفصيلات الخلاف بين واشنطن والقاهرة في الوقت الذي تجري فيه زيارات الوفود الاميركية والمصرية في الاتجاهين، كما يتابع مسلسلاً تلفزيونياً يكاد يعرف خطوات السيناريو فيه من البداية حتى الخاتمة النهائية. وتشير توقعات المصريين الى ان الوئام بين النخبتين الحاكمتين في اميركا ومصر سيعود بالتأكيد في اقرب وقت ممكن. فالتوجيه المنتظر من الجانبين لا بد ان يسير نحو وئام بينهما يحافظ على العلاقات بين الدولتين باعتبارها علاقات تحالف، كما كانت طوال الاربعين عاما الماضية. كما يدرك المصريون ان حرص الجانب الاميركي على المصالح الاسرائيلية يفرض على ادارة الرئيس اوباما ان توجه سياساتها مع مصر في اتجاه المحافظة على علاقات السلام بين مصر واسرائيل. وهذا عامل يؤدي دوره بصورة اكثر حرصاً وإلحاحاً في وقت تتصاعد فيه مطالب المصريين بإلغاء معاهدة واتفاقات 'كامب ديفيد' مع اسرائيل. وقد اضر تأكيد الاخوان المسلمين وحزبهم على الالتزام بـ'كامب ديفيد' بصورة الجماعة والحزب بعد ان كانا قد جنيا الكثير من المكاسب السياسية - خاصة في انتخابات مجلس الشعب. والآن فإن الجماهير المصرية ترقب بكل دقة واهتمام الى اين يكون المسار السياسي للإخوان المسلمين وحزبهم في الشهور والسنوات القادمة. هل تتنبه الولايات المتحدة الى ان مواقف الحكومات العربية اصبحت تتناقض بصورة تكاد تكون تامة مع مواقف الشعوب؟ وهل يكون تنبهها الى هذه الحقيقة قبل فوات الأوان؟ هل تتنبه الولايات المتحدة بشكل خاص الى ان الشعوب العربية تقف في صف ايران وليس في صف حكوماتها؟ تقف ضد اسرائيل وضد التعامل معها، فضلاً عن التواطؤ معها في الخفاء؟ ليس في التاريخ الاميركي مع هذه المنطقة ما يدعو للاطمئنان.


- 'السفير'
هل تردّ إيران على الضربة قبل حصولها؟
حبيب فياض:

الأزمة بين إيران والغرب آخذة بالتفاقم. المرحلة مصيرية والوقائع متسارعة. الشهور القليلة الماضية اختزنت سنين طويلة من التاريخ المأزوم بين الجانبين. تدافع الأحداث ينبئ بصعوبة الجمود والمراوحة. لم يتبقَ في البَيْن ما يشير إلى إمكان التسوية. لا مبالغة بالقول إن الأزمة هذه قد شارفت على نهاياتها الحاسمة. والوقتُ بات يؤشر إلى اقتراب لحظة المواجهة. لا معنى للمفاوضات بين إيران والغرب. إيران لم تنتزع مرّة من الغربيين اعترافاً بحقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها. الغرب لم ينتزع تنازلاً واحداً من الإيرانيين على مدى عشر سنوات من التفاوض. طهران تريد من طاولة المفاوضات إثبات شفافيتها في مشروعها النووي. المعسكر الغربي لا يجد بديلاً من الطاولة نفسها، لتمويه إفلاسه في التعامل مع إيران. لا نتيجة من المفاوضات، سواءً اقتصرت على الملف النووي، أو طاولت ملفات المنطقة كلها. لم يكن التفاوض يوماً إطاراً صالحاً لإبرام صفقات كبرى بين الجانبين. التفاوض المرتقب في اسطنبول قد يكون آخر المفاوضات. فالأمر لن يعدو كونه وقتاً مستقطعاً بانتظار لحظة الحسم. أوروبا تتخذ قراراً مؤجلاً بوقف شراء النفط الإيراني. طهران ترد بقرار نافذ بوقف تصدير نفطها إلى فرنسا وبريطانيا. العقوبات الغربية على الجمهورية الإسلامية لم تؤد إلى أي تغيير في المواقف الإيرانية. سياسة العقوبات لا تعدو كونها إجراءات كيدية قد تربك إيران في كل شيء ما عدا قطاعها النفطي وملفها النووي. لإيران بدائل عن زبائنها الأوروبيين كما لهؤلاء بديل عن النفط الإيراني. إذن، العقوبات، كالمفاوضات، محاولة لاسترضاء إسرائيل ومنعها من استعجال الخيار العسكري وإجراء تمويهي يبرر لأميركا تأجيلها الخيار نفسه..العقوبات إجراء لن يمنع من الوصول إلى لحظة القرار الصعب. لأول مرة، إيران تبدي استعدادها للقيام بخطوة استباقية دفاعاً عن مصالحها وأمنها القومي. ذلك مصحوب باستراتيجية مناورات لا تهدأ في كل أرجاء البلاد. بوارج حربية إيرانية تعبر قناة السويس ذهاباً وإياباً. لهجة تصعيد إيرانية غير مسبوقة في التعامل مع أميركا وحلفائها. طهران تتعامل، أكثر من أي وقت، مع التهديدات ضدها على قاعدة التهديد الفعلي لا التهويل. إيران معرضة لضربة وقد ترد عليها قبل تلقيها وليس بعدها.. قد تدافع عن نفسها هجوماً. إنها استراتيجية إيران الجديدة في التعامل مع خطورة المرحلة. بالمقابل، &laqascii117o;كل الخيارات مطروحة على الطاولة". عبارة أميركية باتت تعني الاحتفاظ بحق بدء الحرب في المكان والزمان المناسبين. الخلاف بين واشنطن وتل أبيب لا يتصل بالمبدأ بل بالتوقيت. يبدو أن ضرب إيران لدى هذه الأخيرة بات مرتبطاً بالقدرة وليس بالنيّة. توفر القدرة سيحوّل النيّة إلى قرار.اتخاذ القرار يستدعي موافقة أميركية. &laqascii117o;الابتزاز" الإسرائيلي لأميركا باستعجال ضرب إيران، سيتحول في لحظة ما إلى تنسيق فعلي بغية تنفيذ الخطوة.
في غابة التصريحات والمؤشرات، يجدر التوقف عند أمرين. الأول: أميركا كانت قد تعهدت لإسرائيل بضرب إيران قبل امتلاكها السلاح النووي. الثاني: وزير الدفاع الأميركي أعلن، آخر الشهر الماضي، أن الإيرانيين يحتاجون نحو عام لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب، لصنع قنبلة ذرية، وأن واشنطن ستقوم &laqascii117o;بكل ما يلزم" لمنع ذلك. ينتج عن الأمرين أن واشنطن ذاهبة الى ضرب إيران. لكن تبقى المسألة: هل تكون الحرب بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية كما تفضل إدارة أوباما، أم قبل ذلك وبالطريقة التي تستعجلها إسرائيل. انتخابات رئاسية في أميركا العام المقبل، قد تدفع الأميركيين إلى تأجيل قرار الحرب.. انتخابات برلمانية في إيران الأسبوع المقبل، قد يكون الوقت مناسباً، بعدها، لانتقال الجمهورية الإسلامية من مرحلة انتظار الحرب إلى مرحلة استباقها.المنطقة على شفا حفرة من الحرب؟!


- 'الاخبار'
'مؤتمر أصدقاء سوريا': السيناريو الليبي مجدّداً؟
نزار مقني، ناجي الخشناوي:

يجتمع أصدقاء أعداء النظام السوري، من عرب وغربيين، في تونس اليوم ليدشّنوا مرحلة إما ينتج منها اقتراب لخيار التدخل العسكري، أو لولادة جبهة سورية معارِضة موحدة يمكن أن تؤدي دوراً مستقبلياً في إدارة حملة إسقاط النظام.
في جوّ يذكّر إلى حدّ بعيد بأجواء الحرب الباردة، يُعقد في تونس، اليوم، &laqascii117o;مؤتمر أصدقاء سوريا"، بمبادرة تونسية، وتمويل من الجامعة العربية، هو تمويل قطري بالتحديد بحسب بعض التقارير الإعلامية. ولعلّ هذا الجو البارد يوحي بسيناريوهات كثيرة يمكن أن يحسمها هذا المؤتمر الذي يشبه إلى حدّ بعيد جولات &laqascii117o;مجموعة الاتصال الخاصة بليبيا"، التي عقدت اجتماعاتها الثلاثة في لندن والدوحة وإسطنبول، والتي شرعت للتدخل العسكري الأجنبي في ما بعد.


- 'الحياة'
عودة روسيا إلى الشرق الأوسط
باتريك سيل:

بعد غياب طويل، تطالب روسيا حالياً بالحصول على مقعد لها على رأس طاولة شؤون الشرق الأوسط. ويبدو أنها مصممّة على التعبير عن رأيها حيال مسائل أساسية طارئة مثل الأزمة في سورية وخطر شنّ حرب على إيران وطموحات إسرائيل التوسّعية وبروز الإسلام السياسي في أنحاء العالم العربي. وتمّت مناقشة هذه المواضيع بعمق خلال المؤتمر الذي عُقد في 17 و18 شباط (فبراير) الجاري في مدينة سوتشي التي تقع على شاطئ البحر الأسود في روسيا في قاعة رخامية فخمة في منتجع تبلغ مساحته 22 هكتاراً كان الزعماء السوفيات يرتادونه في ما مضى وفيه مصعد خاص يؤدي إلى الشاطئ. واهتم منتدى فالداي للحوار في روسيا بتنظيم المؤتمر بعنوان &laqascii117o;تحوّل العالم العربي ومصالح روسيا" الذي حضره حوالى 60 شخصاً من عدد كبير من البلدان. ومن بين الروس الذين دافعوا عن هذه المصالح، كان ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية، وفيتالي نعومكين، مدير معهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم الروسية، وأليكسي فاسيلييف مدير معهد الدراسات الأفريقية والعربية في أكاديمية العلوم الروسية، وأندري باكلانوف مدير دائرة العلاقات الدولية في المجلس الفيديرالي الروسي. وترى روسيا أنّ الشرق الأوسط يقع على مقربة منها. وتشعر أنّ استقرارها الداخلي مرتبط بالتطوّرات في العالم العربي بسبب وجود 20 مليون مسلم في شمال القوقاز لا سيّما مع بروز الأحزاب الإسلامية. وفي حال تبيّن أنّ هذه الأحزاب متشدّدة، فهي يمكن أن تشجع المسلمين في روسيا وفي آسيا الوسطى. وقال البروفسور فيتالي نعومكين، مدير معهد الدراسات الشرقية في روسيا: &laqascii117o;أؤمن أنّ الديموقراطية ستصل إلى العالم العربي عن طريق الإسلاميين وليس عن طريق التدخّل الغربي". وأقرّ بأنه يجب الانتظار لمعرفة ما إذا كانت الأنظمة الإسلامية في الدول العربية ديموقراطية أم لا. وجاءت ردة فعل موسكو الأولية على الثورات العربية حذرة لأنها عانت بالطبع من عواقب الثورات في جورجيا وأوكرانيا وقرغزستان. إلا أنها أدركت تماماً الحاجة إلى بناء علاقات مع القوى الجديدة في العالم العربي. وقد تؤثر الأحداث في الشرق الأوسط على الانتخابات الرئاسية في روسيا إلى حدّ إعطاء دفع لطموحات فلاديمير بوتين. ومنذ الزيارة التاريخية التي قام بها إلى المملكة العربية السعودية والخليج عام 2007 والتي كانت الأولى من نوعها لزعيم روسي، أعلن بوتين أنه يعرف كيفية إدارة شؤون الشرق الأوسط. ويعدّ الوضع في سورية مصدر قلق كبير في موسكو. وبدا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف حازماً حين أصدر ما يشبه إنذاراً إلى القوى الغربية إذ أعلن انه &laqascii117o;لا يسع روسيا أن تسمح بحصول تدخّل من جهة واحدة في النزاع". ومن الخطأ إجبار بشار الأسد، &laqascii117o;وهو رئيس دولة ذات سيادة" على التنحي. وكانت روسيا تسعى إلى قيام حوار من دون شروط مسبقة. وكانت تستكمل اتصالاتها مع المعارضة. لكن، في الوقت نفسه أشار بوغدانوف إلى ضرورة أن تبعد المعارضة نفسها عن المتشدّدين. وحين يفكّر الروس في موضوع سورية يبدو أنهم يتأثرون كثيراً بما حصل في ليبيا. ويرى بوغدانوف أنّ القوى الغربية ارتكبت أخطاء عدة في عملية الإطاحة العنيفة بالقذافي. وفسّر البروفسور نعومكين أنّ &laqascii117o;روسيا تشعر بأنها تعرضت للخيانة على يد شركائها الدوليين. فتحوّل الحظر الجوي الذي فُرض على ليبيا إلى تدخّل عسكري مباشر. ويجب عدم تكرار ذلك في سورية". ومن شأن تسليح المعارضة زيادة القتل. وثمة خطر اندلاع حرب أهلية. ويجب أن يتمّ إعطاء الإصلاحات فرصة. ولا ترغب الأكثرية في سورية بتنحي الرئيس الأسد. كما يجب ألا تتدخّل القوى المسلحة الخارجية. وعلى رغم أن نعومكين لم يعلن ذلك صراحة، سرت إشاعات في المؤتمر بأنّ روسيا نصحت الأسد بوضع الدستور الجديد الذي لا يكرّس احتكار حزب البعث للسلطة ولا يبقيه &laqascii117o;قائداً للدولة والمجتمع". ومن المتوقع أن يتمّ إجراء استفتاء على الدستور بعد غد الأحد تليه انتخابات متعدّدة الأحزاب. وكما كان متوقعاً، انتقد عدد كبير من الموفدين العرب إلى المؤتمر دور روسيا في حماية الرئيس الأسد، لا سيّما استخدامها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع تمرير قرار يدعوه إلى التنحي. ودافع نعومكين عن هذا التصرّف بالقول: &laqascii117o;نحن نسعى إلى إرساء إستراتيجية شراكة جديدة بين روسيا والعالم العربي. نحن عازمون على تحدّي أولئك الذين لا يحترمون مصالحنا". وشدّد على أنّ مصالح روسيا في الشرق الأوسط ليست تجارية. كما أنها لا تملك علاقة مميزة مع أحد (وكان يعني على ما يبدو عائلة الأسد) ولا تملك وسطاء أو دمى لها في المنطقة. كانت روسيا ديموقراطية يانعة. فقد استمعت إلى الرأي العام. وكانت تدافع عن رؤاها المتعلّقة بالعلاقات الدولية والقائمة على احترام سيادة الدول وعلى رفض التدخّل المسلح الخارجي. ومن بين كافة العرب الحاضرين، لم يكن مستغرباً أنّ الفلسطينيين بدوا أكثر حرصاً على الحصول على الدعم الروسي في إطار نضالهم غير المتكافئ مع إسرائيل. وفيما عادت روسيا إلى الساحة الدولية كلاعب أساسي، تمّت دعوتها إلى وضع كامل ثقلها لمصلحة عملية السلام ومحمود عباس &laqascii117o;الذي يعدّ آخر زعيم فلسطيني معتدل". وقدّم احتكار أميركا لعملية السلام غطاءً للتوسع الإسرائيلي. وأسف المتكلّم تلو الآخر على عملية السلام غير الفاعلة التي أطلقتها اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدّة). فضلاً عن ذلك، ذكّر المتحدث الإسرائيلي الحاضرين بأنّ اكتشاف محميات غاز كبيرة خارج الشواطئ الإسرائيلية يعني أن إسرائيل ستكون قريباً &laqascii117o;شريكاً أساسياً في سوق الطاقة" حين يبدأ الغاز بالتدفق في السنة المقبلة وستكون أقلّ حماسة للتحدّث في شأن السلام. وكان يعني على ما يبدو أنّ العالم سيواجه &laqascii117o;إسرائيل كبرى مع غاز". ودعا بعض الفلسطينيين إلى تفكيك اللجنة الرباعية وأن يتم استبدالها بتدخل معزّز من الأمم المتحدّة. وأقرّ بعض الإسرائيليين أنّ بلدهم ارتكب أخطاءً إستراتيجية في توسيع الاستيطان في الضفة الغربية وفي تعزيز الحصار على قطاع غزة. إلا أنّ الرأي العام الإسرائيلي عارض عملية السلام فيما يقوم هدف رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو على إسقاط حلّ الدولتين. ودفع ذلك السفير أندري باكلانوف إلى إعلان الحاجة إلى إعادة إطلاق عملية سلام متعدّدة الأطراف في الشرق الأوسط لتحلّ مكان المحادثات الثنائية الفاشلة. فضلاً عن ذلك، برزت رسالة المؤتمر الأكثر وضوحاً في دعوة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا إلى لعب دور أكبر في إرساء آلية متعدّدة الأطراف للأمن الإقليمي. ومن أجل وقف القتل في سورية أو إبعاد احتمال شنّ حرب أميركية - إسرائيلية ضد إيران، هل سترعى روسيا عملية وساطة مع شركائها، أي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا؟ هل ستسعى إلى إعادة إحياء عملية السلام العربية - الإسرائيلية المحتضرة من خلال رعاية مؤتمر دولي في موسكو؟ بقيت هذه الأسئلة من دون إجابة. من الواضح أنّ طموح روسيا يقوم على لعب دور أكبر في الشؤون الدولية. لكن هل سيؤتي ذلك ثماره؟

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد