قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الجمعة 2/3/2012

-'السفير'
هــل صـعــدت قـطــر 'بـالصـدفــة'
دنيز يمين:

لم يعد المثير في الدور القطري الحالي على مستوى الشرق الاوسط، وفي تونس وليبيا وسوريا تحديدا، يُقرأ فقط من خلال &laqascii117o;دبلوماسيتها" الخارجية أو &laqascii117o;استفادتها من الصعود الاسلامي" أو &laqascii117o;تمكّنها السياسي بفضل الجزيرة وخطابها الاعلامي"، كما لم يعد يقتصر على تسليحها للميليشيات في ليبيا أو الاسلاميين عموما في المنطقة ... اذ ما يفي بالغرض هو إلقاء نظرة أعمق الى ما وراء الوجه السياسي المستجد للدوحة، أي ما قبل عام الثورات 2011، الذي يبدو انه ظرف اقليمي استغله القطريون لتتويج سنوات من &laqascii117o;التغيير" داخل الدولة الخليجية، وسنوات اقل من &laqascii117o;الودّ والتنسيق" بين أوروبا &laqascii117o;المأزومة" وقطر &laqascii117o;المتخمة" باستقرارها ومواردها.
... فازت باستضافة كأس العالم للعام 2022، استثمرت مليار دولار في مناجم الذهب في اليونان، استحوذت على 5 في المئة من مصرف &laqascii117o;سانتاندر" في البرازيل الذي يُعد أهم مؤسسة مالية في اميركا اللاتينية، تتولى استثمار بناء أعلى برج في أوروبا ومقره لندن، اشترت فريق &laqascii117o;باري سان جرمان" الفرنسي لكرة القدم (أكثر من 11 استثمارا ضخما في فرنسا)، اشترت حصة في شركة &laqascii117o;جنرال موتورز" الاميركية للسيارات، تستثمر في 70 في المئة من عقار &laqascii117o;الروابي" في فلسطين المحتلة... كلها مؤشرات على محاولة قطر لعب دور الدولة &laqascii117o;العظمى" بمقدّرات مالية ضخمة، في وقت يحذر مراقبون كثر من ان يكون ذلك مجرد فقاعة، لن يطول انتفاخها.
قطر الأمس
منذ اكتشف القطريون، بعيد انتهاء الوصاية البريطانية العام 1971، انهم أصحاب بلد ثري بالنفط وحقول الغاز، تحوّلت قطر الى أكثر المملكات غنى في المنطقة بدخل فردي هو الاعلى في العالم: ففي وقت لم تكن الدوحة تتمتع بأحسن العلاقات مع جيرانها الخليجيين، أتى الامير حمد بن خليفة آل ثاني بانقلاب ضد والده العام 1995، فاتحا صفحة جديدة حُسم بموجبها العام 2001 خلاف على الحدود مع السعودية، وخلاف آخر حول جزر حوار مع البحرين. تصفية المآخذ الخليجية - الخليجية، لم تُغرق قطر في الالتحام الكلي مع جيرانها، بل دفعها ذلك الى التخطيط لمبدأ &laqascii117o;التميّز" عن سواها في منطقة &laqascii117o;يملك الجميع فيها النفط كما الغاز"، فوجدت ان &laqascii117o;الاتكاء على ما تملكه من موارد فقط لن يمنحها فرصة التقدم على مستوى السياسة الاقليمية" كما رأى الكاتب في مجلة &laqascii117o;اوبن ديموكراسي" تيمور اخمتوف.
قصة قطر الامس يرويها الكاتب في &laqascii117o;لوموند" الفرنسية بنجامان بارت بالتفصيل. &laqascii117o;لتفهم ما وصلت اليه مملكة آل ثاني، عليك، كما قال الامير الوريث، تميم، ان تعود الى حقبة الخيول واللؤلؤ... خلال الثمانينيات، يوم كان الشيخ حمد الشاب آنذاك، مسافراً في اوروبا، أوقفه عامل في احد المطارات الغربية متسائلا وهو يلوّح بجواز سفره: قطر؟ أين تقع هذه الدولة؟ هل موجودة بالفعل!؟". لا شك بأن هذه العبارة انطبعت بثقلها في ذهن ابن الامير، الذي استغل وجود والده في سويسرا في العام 1995، ليطلق مملكته الجديدة، وليصلح ما كتبه اخمتوف في تعريفه قطر: &laqascii117o;صاحبة الالتزامات المتعددة الاتجاهات والناشطة في أكثر الملفات سخونة في المنطقة"، في وقت فضّل آخرون تسميتها &laqascii117o;بلد تعمل فيه.. وتصمت"، في اشارة الى المضايقات الفكرية والحقوقية.
التحوّل الأول
أولى الخطوات الجدية التي تخطر ببال المراقب للأداء القطري منذ التسعينيات الى اليوم، هو انطلاق &laqascii117o;الجزيرة" بعيد عام من وصول حمد الى سدة الحكم. قد يكون كذلك بالفعل، خصوصا لجهة ارتداء القناة لفترة طويلة الثوب الاعلامي لدبلوماسية الدوحة.. الاستنسابية. لكن الاهم في تاريخ قطر - حمد، هو تشريع أبوابها للبنتاغون العام 2003، الذي استقر في رمالها مبقياً على أكبر قاعدة عسكرية أميركية جوية خارج الولايات المتحدة: &laqascii117o;جسر العمليات الاميركية في العراق وأفغانستان" على حدّ تعبير &laqascii117o;لوموند"... أما بالنسبة لإسرائيل، فلم يتأثر خيط العلاقة الدبلوماسية معها منذ بداية التسعينيات إلا في العام 2009، يوم اعتدى الجيش الاسرائيلي على قطاع غزة.
انفتاح قطر على الاميركيين على هذا النحو يعود لإبرام &laqascii117o;الاتفاق الدفاعي المشترك" العام 1991، وهي الخطوة التي كرّست تطوير التعاون العسكري بين الدولة الخليجية والغرب، وذلك قبل أكثر من عقد على اختيار الولايات المتحدة، بعد سحب قاعدتها العسكرية من السعودية، قطر مقرا لقاعدتها الجوية الكبرى.. &laqascii117o;يومها ضمن القطريون أمنهم بوجود القوات الاميركية على أرضهم"، وفق تعبير &laqascii117o;اوبن ديموكراسي".
الازدواجية القطرية
وبالرغم من وصف العديد من المتابعين سياسة قطر الخارجية بالسياسة &laqascii117o;الغربية"، كان انتقادها على ذلك في المنطقة شبه غائب خلال السنوات الماضية (أي ما قبل عام الثورات). يعود ذلك بالدرجة الاولى الى انشغال قطر في تطبيق &laqascii117o;لعبة التوازن" بين الغرب والعالم الاسلامي، وذلك في وقت اُفرغت الساحة العربية من مرشح آخر للاضطلاع بهذا الدور: حليف للغرب والاميركيين من جهة ومقرّب من السوريين والايرانيين من جهة اخرى، حليف للسعودية من جهة ومقرّب من ايران من جهة اخرى، حاضن للشخصيات الاسلامية أمثال يوسف القرضاوي (الذي اُرغم على مغادرة مصر منذ الستينيات) والشيخ الليبي (الاخواني) علي الصليبي وزعيم حزب &laqascii117o;النهضة" التونسي راشد الغنوشي من جهة، و&laqascii117o;صديق" لحزب الله وحركة حماس، المصنفين &laqascii117o;إرهابيين" على لائحة واشنطن، من جهة اخرى. هذا ما جعل قطر أشبه بـ&laqascii117o;حليف الأضداد" متمكّنة من التوسط بين الحكومة اليمنية والمقاتلين الحوثيين في العام 2007 لوقف الحرب، ولعب دور مشابه بين جيبوتي واريتريا في العام 2010 اثر نزاع حدودي، واقتراح الدوحة على السودان ومقاتلي دارفور في العام ذاته اتفاقا ينهي الخلافات (والذي اُسقط لاحقا)... &laqascii117o;حليف الاضداد" لقب يستبدله آخرون بـ&laqascii117o;الازدواجية القطرية" التي تلحق بمصالحها اينما ذهبت..
التحوّل الثاني
كان بإمكان الدور القطري ان يبقى على هذا المنوال، محصورا ببعض الوساطات من هنا أو هناك، تحت عنوان &laqascii117o;التوازن الدبلوماسي". غير ان إتيان &laqascii117o;الفرصة الذهبية" قلب الصورة رأسا على عقب. يروي بنجامان بارت من الدوحة ان &laqascii117o;الازمة الاقتصادية بدّلت كل شيء. في ظل تعثر روسيا والصين، اتجه العالم نحو الخليج. صدفة قطر المثالية كانت ان يصل نضج إنتاج الغاز الى قمّته في ذلك الوقت. انطلاقا من هذه اللحظة بالذات، بدأت قطر الاستثمار في أهم الاسماء العالمية: فينشي، هارودز.." وشملت البورصات والزراعة والفنادق والعقارات والرياضة والصناعة والطاقة والنقل... بتعبير آخر، لولا الازمة الاقتصادية لما ازداد توسّع أعمال &laqascii117o;جهاز قطر للاستثمار"، الذراع المالية للإمارة، حتى قيمة 60 مليار يورو.. ولما تضخّم دور قطر.
ويتابع بارت &laqascii117o;في وقت كان اتخاذ القرار في ابو ظبي المجاورة، يحتاج لتوافق عدد من الاشقاء، كانت الاستراتيجية في قطر توضع بجهد رباعي: الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، نجله تميم، زوجته الشيخة موزة (على رأس شركة &laqascii117o;قطر فاوندايشن") ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، مدير جهاز قطر للاستثمار".
.. وفي 2011، هبّ &laqascii117o;الربيع العربي" برياحه العاصفة، فكانت قطر جاهزة مرة اخرى.. ليس لأنها اختبرت الديموقراطية أو لأنها نادت بها قبل سواها، بل لان غياب كل من مصر، والجزائر والمغرب والسعودية فتح لها مجال حمل شعلة التغيير العربية.. بالرغم من انها لم تألف يوما تجارب مماثلة.


- 'السفير'
السعودية تنضم إلى قيادة حركة التحرر العالمية
هذا الانقلاب العالمي إلى أين؟
سمير كرم:

نعم هو انقلاب عالمي كامل وشامل. ولا يمكن ان يكون غير ذلك، او اقل من ذلك.
حتى وإن بدا ان مركز الانقلاب الزلزالي العالمي هو سوريا، فإن تمهيدات خطيرة له وقعت بالفعل في تونس ومصر وليبيا واليمن. واذا اخذنا بوجهة النظر الخارجية، اي اذا توجهنا بنظرنا الى الولايات المتحدة الاميركية فإن الانقلاب قد شملها. بل اننا اذا التفتنا الى المملكة العربية السعودية نجد دليلاً أكيداً وأكثر صدقية على ان الانقلاب قد غطى المملكة التي عرفت منذ تأسيسها في بداية القرن الماضي بالجمود والثبات ومقاومة التغيير.
من يمكن ان يدّعي ان لا انقلاب وقع، وهو يرى الولايات المتحدة تغير مواقعها فتتحول نحو دعم وتأييد تنظيم القاعدة؟ تنسحب من العراق وتشير الى نية الانسحاب من افغانستان وتعلن انها تتزعم الآن قوى التحرر العالمية وتؤيد &laqascii117o;ثورات الربيع العربي" وتستعد عسكرياً، بعد ان اطمأنت الى سيطرتها ومعها حلف الاطلسي على ليبيا، لدخول سوريا حليفة للقاعدة من اجل اهداف انسانية بحتة، لا تختلف عن تلك التي حققتها في ليبيا، او التي تسعى بطرق اخرى لتحقيقها في مصر. بل ان استعدادات اميركا العسكرية تتجاوز هذه الحدود وتضع منطقة الشرق الاوسط برمتها في دائرة الاهتمام.
الآن انضمت السعودية الى قيادات حركة التحرر العالمية بزعامة الولايات المتحدة. انها تؤيد حركة التحرر التقدمية التي وجدت في سوريا قاعدة جديدة لها. وهي ايضا تتزعم القوى التي اطلقت على نفسها اسم &laqascii117o;اصدقاء سوريا" بعد ان اكتسب تعبير الصداقة معنى آخر ينحو به نحو التحرير والتقدمية. ويبقى مثال ما وقع في ليبيا هو المثال الاقرب للتطبيق لمفهوم المساعدة الانسانية. فماذا يمكن ان يكون من معنى للمساعدة الانسانية الا ما نراه حدث ويحدث في ليبيا، ولا بد ان نتوقع ان يحدث في سوريا، وربما يحدث في مصر وتونس وقد سبق وحدث في البحرين؟الانقلاب كبير الى حد انه حول القوى الامبريالية العالمية والقوى التابعة لها الى قوى تحررية وإنسانية، تهدف الى إتاحة اوسع الفرص للشعوب، للاستفادة من قدرات محتليها السابقين في عهدهم الجديد الذي يتسم بالانسانية والتحرر. هل يمكن ان نطلق على هذه الآن تسمية &laqascii117o;الامبريالية الانسانية"؟ هل اصبح من المتعين على شعوب العالم ان تنظر الى جيوش اميركا وحلف الاطلسي نظرة جديدة تميز فيها هذا الطابع الانساني التحرري؟ ان ما حدث في ليبيا بالأمس وما ترمي اليه هذه الجيوش الخيّرة في سوريا غداً يلزم الجميع بأن يرى الامور ليس فقط كما تراها قيادات الولايات المتحدة العسكرية وكما تراها قيادات حلف الاطلسي، انما كما تراها النظم القائمة في ليبيا والبحرين ومصر واليمن وتونس، بعد ان شاعت فيها &laqascii117o;ثورات الربيع العربي" وأشاعت خير الانقسام والصراع والتصادم هروباً من خطر النظم القديمة.
لقد اكتسب التدخل - الذي كنا في السابق نسميه التدخل الغربي- طابعا جديدا وإن كانت الطوابير العسكرية ونظم الاسلحة الاميركية والاوروبية هي هي، طابعاً إنسانيا وتحررياً ينعم بلمسة الصداقة والمودة والحرص الشديد الى اقصى حد على مصالح الشعوب، كما تفهمها منظمات مثل &laqascii117o;القاعدة" من وضع الحليف للتدخل الاميركي والاطلسي. فإذا قرأنا في الصحف السعودية التي تصدر في اوروبا (لأسباب معروفة ومفهومة في كل الظروف) نقلا عن قادة عسكريين اميركيين، ان الولايات المتحدة تخطط لمد يد العون لشعب سوريا عن طريق التدخل العسكري من دون انتظار ومن دون حاجة الى قرار دولي يضفي الشرعية على هذا التدخل، لا بد ان نفهم ان انقلابا قد وقع في اميركا ليحول البنتاغون من اضخم اداة عسكرية في العالم الى اكبر مؤسسة خيرية لتقديم المساعدات للشعوب المغلوبة على امرها. ويمكن - من دون ان يلعب الشك والظنون السيئة بعقول الشعب السوري او اي من شعوب المنطقة -ان يعتبر هذا التدخل عملا خيريا انسانيا، حتى اذا شمل امداد القوى &laqascii117o;الثورية" بما يلزمها من اسلحة، لكي تستمر في مواجهة الجيش السوري وحتى تقضي عليه اذا لزم الامر. ولقد تبين من الآن وقبل ان تبدأ هذه الامدادات الانسانية بإمكانات البنتاغون، ان المخطط الانساني الاميركي يتضمن فرض حظر جوي في سماء سوريا يمنع اي تحرك الا ذلك الذي يمد &laqascii117o;الثوار" بالاسلحة والعتاد الانساني، فيوقف كل حركة طيران حربي او مدني تحمل علامات سوريا وعلمها. ولقد نفذت الولايات المتحدة هذه الاستراتيجية من قبل في حربها في كوسوفو في تسعينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من ان تسمية هذه الاستراتيجية لم تكن قد حملت صفة الانسانية او الخيرية، الا انها كانت مقبولة لنا نحن مسلمي العالم، لأنها كانت تمد يد العون للمسلمين البلقانيين.
القوى التي ترفض التدخل الخارجي في سوريا -وفي مقدمها روسيا والصين- توصف الآن بأنها القوى المعرقلة للمساعدات الانسانية والقوى المناهضة للثورة، والقوى التي تجبر الخطط الانسانية الاميركية والاطلسية على تجاوز الشرعية الدولية، بفرض التدخل الانساني عسكريا ومصاحبته بأقصى عقوبات ممكنة على سوريا، اي على الشعب السوري. اما القوى التي تؤيد هذا التدخل العسكري الانساني فإنها تحظى بتأييد السعودية، باعتبار السعودية المجتمع الانساني العربي الاكثر ديموقراطية والأعمق تحرراً. وبطبيعة الحال فإن من المسموح - بل من المطلوب - من السعودية ان توائم دعمها للتدخل العسكري الانساني بكل ما يعزز ديموقراطيتها وتحررها. فهذان هما السندان الرئيسيان لقبول اميركا دور الاسرة السعودية الحاكمة كممول لتنفيذ الخطط الاميركية والاطلسية للتدخل العسكري الانساني في سوريا على غرار التدخل العسكري الانساني السعودي في البحرين. إن اتساق السياسة السعودية مع نفسها يمتد من البحرين الى ليبيا ومن ليبيا الى مصر واليمن وتونس وحيثما لزم انتهاج التدخل العسكري الانساني.
أين مصر في هذا كله؟هل تحولت الى قوة صغيرة حائرة بين اغنياء النفط العربي؟
تقف مصر مترددة قدر ما هو ممكن لأطول وقت قد يمتد لأسابيع او اشهر ولكنها لا تلبث باسم الانسانية والتحرر والحرص على المصلحة العربية ان تسير في الاتجاه الذي تمليه وتتوقعه السياسة الاميركية الجديدة. عندما كانت الولايات المتحدة تحارب في صف القاعدة ضد النظام الافغاني المدعوم من الاتحاد السوفياتي كانت مصر تقدم ما تستطيعه من دعم للمؤسسة العسكرية الاميركية. وعندما خرج السوفيات من افغانستان تحولت اميركا الى المواجهة العسكرية ضد القاعدة. وكما هي العادة المرعية مدت المؤسسة العسكرية المصرية ولا تزال يد العون الى الجانب الاميركي في الحرب ضد القاعدة. الآن تعود القاعدة - بعد ان انتشرت قوتها في معظم البلدان العربية والاسلامية - الى موقع حليف لاميركا في ليبيا وفي تونس وفي اليمن والآن في سوريا. فهل نعود الى السؤال وأين مصر في هذا التحول، ام نستنتج ان مصر تقتفي الظل الاميركي والظل السعودي اينما توجها؟
ولكن لمصر وضع خاص في ظروفها الراهنة. انها في منتصف الطريق بين الثورة الكاملة المظفرة - وحينئذ تشكل خطرا هائلا على خطط اميركا والاطلسي الخيرية الانسانية - وبين التحلل الى حالة تشبه ما يجري في سوريا او ما يجري في ليبيا، وحينئذ يزول خطرها وتشكل عبئا آخر على خطط التدخل الانساني الاميركية الاطلسية. والامر المؤكد ان اميركا - وبصفة خاصة المؤسسة العسكرية الاميركية ترقب الوضع المصري عن كثب ومن خلال ما يطرأ على العلاقات الخاصة بين المؤسستين العسكريتين المصرية والأميركية. ولقد ترددت مصر طويلاً- قياساً الى الموقف السعودي الذي يمثل ترمومتر الاستجابة للخطط الاميركية - ولكنها بعد هذا التردد دخلت عصبة &laqascii117o;اصدقاء سوريا" واتخذت الخطوات الضرورية لدعم المساعدات الانسانية لسوريا كما تحددها اميركا. وأهم هذه الخطوات سحب السفير المصري من دمشق وهي خطوة تعادل قطع العلاقات بين القاهرة ودمشق.
قطع العلاقات بين القاهرة ودمشق. قد تكون هذه النقطة - او هي بالقطع- اقصى او اقسى ما يمكن ان يكون في علاقات مصر وسوريا. فأين الثورة المصرية من كل ما يجري فيما يتعلق بسوريا؟ انها في النقطة الحرجة بين ادراك حقائق ما يجري في سوريا وحقائق ما يمكن ان يجري في مصر. انها في النقطة التي يمكن التعبير عنها بالموقف الذي لا يدعم بشار الأسد ولا يدعم &laqascii117o;المعارضة". فالثورة المصرية اقرب ما تكون الى إدراك نقاط الضعف السياسية في النظام السوري وإدراك نقاط الخطر التي تنطوي عليها اتجاهات وقناعات المعارضة. الثورة المصرية لا تستطيع ان تتقبل هذا التدخل الاميركي الاطلسي في سوريا معتبرة اياه خطرا على مصر والثورة، ولا تستطيع ان تتقبل &laqascii117o;المعارضة" السورية حتى وإن اطلقت على نفسها في بعض الأوقات صفة &laqascii117o;الثورة".
على اي الاحوال فإن مصر الحائرة تمثل اطمئنانا للجانب الاميركي - الاطلسي. فمن مصلحة الانقلاب العالمي ان تبقى مصر في موقف الحيرة والتردد. ولكن هذا لن يمنع الجانب الاميركي من الضغط خلال الفترة الانتقالية في مصر وبعدها لكي تتخذ مصر ازاء سوريا، الموقف نفسه الذي اتخذته تجاه ليبيا بعد تردد طال لعدة اشهر. وسيهدف الضغط الاميركي على مصر الى إرغامها على مساعدة خطط التدخل الانساني الاميركي الاطلسي في سوريا.
واذا رضخت مصر لهذا الضغط فإنها تفتح المجال على مصراعيه لتعاون اميركا مع التيار الديني المتطرف ضد الثورة المصرية، خاصة حينما يحين الوقت لتدخل عسكري اميركي ليس مستبعداً في كتابات المعلقين الاميركيين بالنسبة لمصر وتستخدم فيه القوات الاميركية التي انسحبت من العراق وتلك التي ستسحب من افغانستان.
ما هي الظروف التي يمكن ان تدفع اميركا وتسمح لها بمثل هذا التدخل في مصر بعد سوريا؟
سؤال مشروع ومبرر في عهد الانقلاب العالمي الذي اكتشفت فيه الولايات المتحدة ان تحالفها مع التيار الديني المتطرف في هذه المنطقة اجدى وأكثر ربحية للمصالح الاميركية من ترك المنطقة &laqascii117o;نهباً للثورات المتتالية".
ان سوريا لن تكون لقمة سائغة للتدخل العسكري الانساني من جانب الولايات المتحدة وحلف الاطلسي. تستطيع الولايات المتحدة ان تحسب الامور بحساب قواتها وربما بحساب ما جرى في ليبيا. ولكن من المؤكد ان سوريا ليست هدفاً سهلاً لتدخل اميركي اياً كانت اهدافه،الحقيقي منها والزائف. وليس مستبعداً أبداً أن تلجأ الولايات المتحدة فيما بعد الى الامم المتحدة لتخلص نفسها من اعباء تدخلها في سوريا. وعندئذ قد تجد نفسها على طريق طلب المساعدة من روسيا والصين، الزميلتين لها في العضوية الدائمة لمجلس الأمن.وما دمنا لا نستبعد هذا الاحتمال فإنه ليس مستبعداً أبداً أن تلجأ الولايات المتحدة الى اسرائيل لمساعدتها على سوريا.اسرائيل هي الطرف الأوحد الذي لم يتأثر دوره بالانقلاب العالمي.


- 'النهار'
مولود أمني جديد
مازن حايك:

يبلُغ حجم أعمال شركات التجسّس الخاصة في الولايات المتّحدة الأميركية نحو 45 مليار دولار سنوياً، وتُعتَبر 'ستراتفور' من أبرز تلك الشركات التي تعمل لحساب مؤسسات حكومية وشركات ومتنفّذين. وفي خطوة مفاجئة، عمد موقع 'ويكيليكس' إلى نشر نحو 5 ملايين رسالة بريد إلكتروني عائدة الى 'ستراتفور' وعمليّاتها الدولية. وبإسم الديموقراطية وحرية الرأي وحقّ النشر والمساءلة، يستمر 'ويكيليكس' – المرشّح لنيل جائزة 'نوبل' للسلام - بفضح المستور، والسعي إلى إرساء ركائز الحكم الصالح والشفافية والمحاسبة لدى العاملين في القطاعيْن العام والخاص.في لبنان، تمّ بـ'نجاح' منذ سنوات تلزيم معظم المهمات الأمنية والاستخباراتية الفعليّة، ومعها القدرات القتالية والدفاعية واللوجستية والتكنولوجية الرسمية، إلى سلطة وصاية من هنا، أو حزب 'إلهي' من هناك، أو الاثنيْن معاً... تارةً بإسم 'مقاومة العدو'، وطوراً من خلال رفع شعار 'الممانعة'. لذا، فإنه من الضروري لأي 'سياسة دفاعية' أن تأخذ في الاعتبار، ليس فقط مسألة السلاح غير الشرعي وبسط سيادة الدولة على كامل التراب، بل أيضاً فكرة إنشاء 'وزارة الأمن القومي'، لتَضُم كل المؤسسات الأمنية والأجهزة الاستخباراتية، وتعمل على إعادة هيكلة هذه الأخيرة، وإلغاء بعضها، وإعادة تجهيزها وتطويرها وجعلها أكثر قوة واحترافاً ومناعة، وذلك تحت قيادة واحدة. كما يُمكنها أن تَضُم 'مديرية المخابرات' في الجيش، و'فرع المعلومات' في قوى الأمن الداخلي، والأمن العام، وأمن الدولة، وأمن السفارات والشخصيات، وغيرها. عندها، يُصبح لدى الجيش القدرة على التفرُّغ للمهمات العسكرية الموكلة إليه أصلاً في الدفاع عن الوطن وحماية سيادته وحدوده وشعبه، تحت أمرة السلطة السياسية المتمثّلة بوزارة الدفاع ومجلس الوزراء، حيث السلطة التنفيذية الخاضعة - مبدئياً - لرقابة مجلس النواب. وعندها أيضاً، تنحصر مسؤولية وزارة الداخلية في 'البلديات' وعمل المخاتير واللامركزية الإدارية، فيما يتمّ تنظيم الانتخابات والإشراف عليها من 'الهيئة المستقلّة'، التي لا يجوز أن تخضع للوزارة أو للسياسيين.يبقى التحدّي في مدى قدرة 'سوبر وزارة' أمنية كهذه على التمتُّع بالصلاحيات والموازنات اللازمة، وعدم التدخّل في السياسة أو السعي للحدّ من الحريات العامة والخاصة، والتقيُّد بالقوانين والأصول في حالات الرصد والمراقبة والتنصّت والتوقيف الاحتياطي والرقابة والعمليات 'العسكر – الأمنية'، وغيرها... وألاّ تنسى أنه ما من أحد فوق القانون، ولا أسرار دائمة (بعد 'ويكيليكس'!)، ولا أفعال من دون مسؤولية ومحاسبة، والمهمّ العقاب... لكن الأهم أن يكون ولاء 'المولود الأمني الجديد' للبنان، أولاً وأخيراً، دائماً أبداً!.


- 'السفير'
أميركا والبحث الدائم عن حرب
سمير التنير:

قبل البحث في الاستراتيجية الدفاعية الأميركية الجديدة التي أعلن عنها باراك أوباما في بداية شهر كانون الثاني الماضي، لا بد من إلقاء نظرة سريعة على ما كانت عليه تلك الاستراتيجية في زمن الحرب الباردة وما بعدها، حين تربعت الولايات المتحدة على عرش القطبية الأحادية.
قبل 35 عاماً، كانت روسيا والصين قوى عظمى تهدد أميركا وتثيران حروباً في وجهها، وتسلحان حروب العصابات، وتؤيدان حركات التحرر الوطني في مختلف بقاع الأرض، وتقفان ضد أي اقتراح أميركي في مجلس الأمن. أما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فقد وقف البلدان في منطقة رمادية. لم يكونا مع أميركا ولا ضدها. وفي بعض الأحيان كانا يتعاونان مع الولايات المتحدة. وكانت ميزانية الدفاع الأميركية الأكبر في العالم، أما في روسيا فقد كانت تلك الميزانية تبلغ 35 صاروخاً عابراً للقارات، في حين كانت أميركا تملك 850 صاروخاً. وكانت أميركا تسيطر على امدادات الطاقة، وخاصة في ممالك وإمارات الخليج الواقعة تحت حمايتها المباشرة. وكانت دول الخليج تشتري الأسلحة الأميركية، وتضع أموالها في البنوك الأميركية، وتقبل كل الإملاءات الأميركية. وهذا الوضع سيستمر إلى حين نفاد النفط (على ما نعتقد).
لقد غيرت حرب العراق وأفغانستان والحرب الاسرائيلية على لبنان في صيف عام 2006 والعدوان على غزة في بداية عام 2009 كل المفاهيم والاستراتيجيات العسكرية في العالم. وتسببت الحرب الاميركية في العراق بفوضى سياسية وصعود للإثنيات والمذهبيات، ودمار كامل للدولة، وهجرة 2 مليون عراقي إلى البلدان المجاورة. أما المفاجأة الأخرى فكانت في جنوب لبنان، حيث استطاع حزب الله الصمود وتحقيق الانتصار رغم تفوق الأسلحة الاسرائيلية.
يقول خبراء الاستراتيجية إن أميركا تواجه أخطار الجهادية الاسلامية، التي تلجأ إلى استعمال الانتحاريين في عمليات استشهادية. ولكن الخطر الأكبر يكمن في حصولهم على أسلحة دمار شامل. وعلى الرغم من تشكيل جبهة عريضة من الدول المعادية لهم والتي تتبعهم، فإن الجهادية الإسلامية تستمر في العمل ضمن خلايا صغيرة. كما تستند أيضاً إلى إثنيات متعددة مثل قبائل البشتون في أفغانستان وباكستان. ويمكن اعتبار حركة طالبان كحركة محلية، لا تتطلع إلى إقامة أنشطة في العالم، مثل تنظيم القاعدة.
يعتبر الخبراء الأميركيون إيران كدولة مارقة، وتشكل تهديداً لهم، على الرغم من ان الاقتصاد الأميركي يساوي 68 ضعفاً للاقتصاد الإيراني. وكما ان ميزانية التسلح الأميركية تعادل 110 أضعاف ميزانية الدفاع الايرانية. اما حصول إيران على القنبلة الذرية، فسيؤدي إلى نشوء وضع جيو ـ سياسي معقد جداً في الشرق الأوسط. ويقلب كل المعادلات والتوازنات.
أعلن باراك أوباما في بداية العام الحالي اعتماد استراتيجية عسكرية جديدة تعكس متطلبات التطورات الاستراتيجية التي تواجهها الولايات المتحدة، في القرن الحادي والعشرين، وخصوصاً في منطقة شرق آسيا لمواجهة الصعود الصيني. ولتقليص العجز المالي، الذي يقتضي خفض الانفاق العسكري بقيمة 487 مليار دولار للعقد القادم.
تضرب الاستراتيجية الجديدة صفحاً عن الحرب البرية طويلة المدى، على طراز حربي العراق وأفغانستان. ولكن الحضور الأميركي سيكون كثيفاً في منطقة شرق آسيا. كما ان التعاون مع حلف الأطلسي سيستمر. وستبقى أميركا متيقظة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة من حيث التصدي لإيران.
تقضي الاستراتيجية الجديدة بخفض عدد القوات الأميركية والتخلي عن سياسات قديمة كانت سائدة خلال الحرب الباردة. بما في ذلك تخفيض الترسانة النووية، والفرق المدرعة الكبيرة، التي كانت معدة لمحاربة الاتحاد السوفياتي في السهول الأوروبية. وسيطال التقليص عديد القوات الأميركية في أوروبا التي يبلغ عددها 80 ألف جندي، لصالح أنشطة عسكرية أخرى مثل الاستخبارات، والارهاب، والتصدي لأسلحة الدمار الشامل، واستخدام الطائرات من دون طيار، والقاذفات وطائرات الهجوم، وتطوير القوات الخاصة، والمواجهة الالكترونية.
سوف يخفض عديد القوات الأميركية بموجب الخطة الجديدة من 570 ألف رجل إلى 490 ألف رجل، وذلك خلال العقد المقبل، وذلك بعد خسارة حربي العراق وأفغانستان وما تكبدته من تكاليف كارثية في الارواح والعتاد. ولذلك فإن الحروب البرية الطويلة المدى لن تتورط فيها اميركا بعد الآن. وسيجري عوضاً عن ذلك تقوية التحالف مع الدول الصديقة والاستخدام المكثف للقوة الجوية.
ستتخلى أميركا ايضاً عن خوض حربين في وقت واحد. وستكتفي بخوض حرب برية واحدة. ولكنها ستحتفظ بقدرة &laqascii117o;هزيمة عدوان واحد ومنع أي أحد من تحقيق أهدافه ودفع ثمن غير مقبول في مسرح آخر".
على رغم الخفض في الميزانية العسكرية وفي العديد فإن واشنطن (على ما تقول الخطة الجديدة) مصممة على الاحتفاظ بتفوقها التقني والنوعي. سيُخفض الانفاق على صناعة الطائرات المقاتلة ويُركز على الطائرات بدون طيار. وسيجري المحافظة على عدد حاملات الطائرات (11 حاملة) للاحتفاظ بالقدرة على نشر القوات في أي بقعة من بقاع الأرض، ولمنافسة الصين.
ان التحول باتجاه آسيا والمحيط الهادئ أساسي في الاستراتيجية الجديدة، خصوصاً، لان المنطقة مرشحة لان تكون محور الاقتصاد العالمي، في القرن الحادي والعشرين. ولان التحديث العسكري الصيني يجري بسرعة. اما في منطقة الشرق الأوسط فلا يزال عدم الاستقرار يظلل المنطقة. وقد أطلق الربيع العربي تغييرات سياسية كبرى أعادت تشكيل المنطقة، بصورة غير مسبوقة. كما تبقى اسرائيل الركيزة الاساسية في استراتيجية واشنطن لأمن الشرق الأوسط محاصرة ومعزولة، أكثر من أي وقت مضى.
تحاول الادارة الأميركية من خلال استراتيجيتها الجديدة ان تنتهج أداء دفاعياً يوازن بين تركيزها الجديد على آسيا والمحيط الهادئ من جهة، وإلى متابعتها عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، حيث تبدو مصالحها مهددة كما يتصور ساستها. وقد سارع معارضو أوباما، وخاصة المحافظين الجدد، إلى انتقاد الاستراتيجية الجديدة واعتبروها تقهقراً عسكرياً، سوف يشجع أعداء أميركا وخاصة ايران على استغلال الموقف. ولكن في كل الأحوال سيبقى الوجود الأميركي العسكري في الخليج العربي كثيفاً جداً، لحماية &laqascii117o;الكنز" النفطي.


- 'السفير'
أحمدي نجاد يخسر والنظام يربح
حبيب فياض:

الانتخابات التشريعية الإيرانية، التي تجري اليوم، هي الأكثر حساسية وأهمية في تاريخ الجمهورية الإسلامية. هذا ما يُجمع عليه مختلف المسؤولين الإيرانيين، وعلى رأسهم قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي حيث قال &laqascii117o;إن الانتخابات البرلمانية الحالية أكثر حساسية من كل الانتخابات السابقة".
المنافسة الانتخابية هذه المرة لا تنحصر بين المرشحين. هي في احد وجوهها، بين النظام الإيراني بكل مكوناته وخصومه الخارجيين. الانتخابات هذه، تشكل داخلياً فرصة أمام الإيرانيين، لإعادة إنتاج سلطة منسجمة وقادرة على مواجهة التحديات. وهي تشكل خارجياً، بنظر هؤلاء الخصوم ،فرصة للعمل على إعادة إحياء &laqascii117o;الفتنة الخضراء"، ووصل إيران بقطار &laqascii117o;الربيع العربي" على الطريقة السورية.
الانتخابات البرلمانية الإيرانية التاسعة، تعتبر مفصلية للنظام والسلطة معا. أولاً، لأن نسبة المشاركة فيها ستؤدي إلى كشف مدى تأييد الشعب للنظام الإسلامي، في ظلّ رهانات أجنبية على انخفاض هذه النسبة، للتشكيك في شرعية هذا النظام. ثانياً، كونها الانتخابات الأولى التي تحصل بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009 وما تلاها من أحداث. ثالثاً، باعتبار أن النتائج المترتبة عليها ستلعب دوراً حاسماً، في تحديد من سيخلف احمدي نجاد على رأس الجمهورية.
المنافسة، في الانتخابات الراهنة، خرجت عن المألوف مع خروج معظم الإصلاحيين من السباق إلى البرلمان. غير أن انحصار المنافسة بين المحافظين لن يمنع من حدتها بين الأجنحة المحافظة.
التشكيلات الإصلاحية البالغ عددها ثلاثة وعشرين، منقسمة في الانتخابات بين ثلاث قوى مشارِكة، لن تغير مشاركتها في التوازنات الانتخابية، وعشرين مقاطعة، لن تؤدي مقاطعتها إلى انخفاض كبير في نسبة الاقتراع. المعدل الوسطي للمشاركة الجماهيرية في العمليات الانتخابية التي شهدتها إيران ـ الثورة قارب الـ62 في المئة. ومن المستبعد انخفاض النسبة هذه المرة عن الخمسين في المئة، ذلك أن بعض الإصلاحيين لا يقبل بمقاطعة العملية الانتخابية، بوصفها استفتاءً على النظام، ولو على طريقة أداء التكليف بورقة بيضاء. فيما بعضهم الآخر ما زال يمني النفس بالعودة إلى السلطة من بوابة الشارع لا من بوابة البرلمان.
المحافظون، بدورهم، منقسمون بين &laqascii117o;الأصوليين" المعارضين للرئيس احمدي نجاد و&laqascii117o;المهدويين" المؤيدين له. الأصوليون موزعون بين لوائح عديدة أبرزها &laqascii117o;الجبهة المتحدة" و&laqascii117o;الصحوة" بالإضافة إلى لوائح أخرى. علما أن كثيراً من المرشحين مدرجون على لوائح الأصوليين كلها في الوقت نفسه. وبحسب تعبير (أحد أبرز قادة المحافظين) آية الله مهدوي كني &laqascii117o;أردنا تشكيل لائحة واحدة من الأصوليين فإذا النتيجة ثلاث عشرة لائحة". لكن اللافت في هذه اللوائح المنافسة الإيجابية، على اعتبار أن اختلافها انتخابي وليس سياسياً. بالمقابل، لائحتا &laqascii117o;جبهة الاستقامة" و&laqascii117o;التوحيد والعدالة" القريبتان من أحمدي نجاد، أقل حظاً بالفوز، رغم التأييد الذي يحظى به الرئيس من شرائح واسعة.. الحظ أقل، بسبب حساسية الشارع الإيراني من تدخل الرؤساء في العملية الانتخابية. الأمر هذا، يعيدنا إلى تجربة هاشمي رفسنجاني في العام الأخير من ولايته الرئاسية الثانية، حيث بدأت شعبيته بالتراجع مع محاولته ضمان مستقبله السياسي عبر دخوله على خطّ انتخابات عام 1996 النيابية. هذا، وثمة من المحافظين اتجاه ثالث ووسطي، يخوض الانتخابات بزعامة النائب علي مطهري- نجل المفكر الشهيد مطهري- بلائحة &laqascii117o;صوت الشعب"، تحت شعار &laqascii117o;الحوار مع الإصلاحيين"، ولا يُستبعد أن يحصد هذا الاتجاه نسبة لا بأس بها من الأصوات.
عاملان أساسيان يتحكمان بوجهة أصوات الناخبين: البرنامج الاقتصادي في زمن العقوبات، والقدرة على مواجهة التحديات الخارجية في ظل التهديدات.
أهمية الانتخابات الإيرانية الحالية، تتجاوز نتائجها المباشرة إلى تداعياتها اللاحقة على مجمل المشهد الإيراني. وإذا كان من المبكر رسم معالم هذا المشهد، فمن المرجح أن أبرز هذه التداعيات هي: إصلاحات بلا إصلاحيين، ومحافظون بلا أحمدي نجاد.


- 'السفير'
قوس الأزمات... المشتعل
جاسوانت سنغ(وزير الخارجية والدفاع الهندي السابق):

قبل 33 سنة، تحدّث مستشار الأمن القومي الأميركي آنذاك، زبيغينو بريجنسكي عن &laqascii117o;قوس أزمة" يشمل الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. واليوم، يبدو ان الأحداث الجارية في سوريا وباكستان، والتفجيرات الأخيرة في بانكوك ونيودلهي، توحي بأن &laqascii117o;قوس" بريجنسكي أصبح أكثر بروزاً من أي وقت مضى.
ومن بين المخاطر الكثيرة المتوافرة في هذا القوس اليوم، هناك المخاوف الناجمة عن ردّ إسرائيل والولايات المتحدة، على ما قد ستؤول إليه الأمور إذا وصل البرنامج النووي الإيراني إلى نقطة اللارجوع، بعد أن تبين أن طهران قد أقامت منشآت لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض، قرب مدينة &laqascii117o;قم" المقدسة، لا يمكن تدميرها إلا عبر قصفها بقنبلة نووية.
الصقور الإسرائيليون يقولون ان وقت الضربة العسكرية قد حان الآن، قبل أن تتوصل إيران إلى إنتاج سلاح نووي. أما واشنطن فتحذّر من التسرّع، قائلة إن العقوبات قد تؤتي ثمارها. وإذا تحركنا شرقاً ضمن هذا &laqascii117o;القوس"، نرى أن باكستان تنحدر أكثر فأكثر إلى الفوضى. وفي الغرب، يبدو أن الوضع في سوريا يتدهور يوماً بعد يوم. والدعم الخارجي للمتمردين السوريين لا يستهدف نظام الرئيس بشار الأسد فحسب، بل أيضاً النظام الإيراني.
وعلى مدى امتداد هذا &laqascii117o;القوس"، تبدو الأخطار الأمنية مخيفة ومترابطة في ما بينها. فإلى الخطر النووي يجب ان نضيف التطرف الإسلامي والإرهاب الناجم عنه أحياناً، ناهيك عن أخطار الميليشيات العقائدية مثل &laqascii117o;طالبان" والأحزاب الدينية الأخرى. وهذا التعقيد الكبير هو الذي يعيد إلى الذهن فكرة أخرى كان طرحها بريجنسكي وهي: &laqascii117o;ان الاستقرار في آسيا لم يعد بالإمكان فرضه عبر الاستخدام المباشر للقوة العسكرية الأميركية".
إذا كان التحدي يتمثل في وقف برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم، &laqascii117o;فلمَ لا ينطبق هذا على إسرائيل؟"، كما يتساءل كثيرون في المنطقة. أما الجواب، من وجهة النظر الأميركية والغربية، فهو أن إيران، بكل بساطة، لا يمكن الوثوق بها، بألا تستخدم برنامجها التخصيبي لأهداف سلمية. لكن الواضح بالنسبة إلى الأميركيين هو أنه ما من مسؤول إيراني يستطيع قبول الإذلال والتخلي عن الحق في استخدام الطاقة النووية لأهداف مدنية، بحسب ما تنص عليه معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي وقعتها طهران عندما كان الشاه يحكمها.
لا حاجة هناك إلى خيال واسع لإدراك أسباب ودوافع السياسة الغربية تجاه إيران، ومنها التعقيدات الأمنية في المنطقة، وسباق التسلح مع كل من تركيا والسعودية ومصر. غير ان الخطر الأكبر هو ان الرهانات كبيرة لدرجة أن أي خطوة خاطئة يمكن ان تتحول إلى أزمة غير معروفة الأبعاد.
ولإيران أيضاً مخاوف أمنية واجتماعية مباشرة في جارتها أفغانستان. وبسبب عدم وجود علاقات دبلوماسية لها مع الولايات المتحدة، لا تبادر طهران إلى وضع إطار لاتفاقية سلام قابلة للحياة، من أجل فرض الاستقرار من أفغانستان بعد انسحاب القوات الغربية منها. وهي أيضاً لها مخاوفها من باكستان التي تؤوي ميليشيات مناوئة لإيران، وتقوم، بصورة منتظمة بتقتيل الأقلية الشيعية.
وبدلاً من أن تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بتفكيك صواعق هذه الأزمات المعقدة، نراهم يعملون على تكثيف هذه الصواعق. وهذا يعني أن &laqascii117o;قوس الأزمات" يمكن أن يتحول إلى &laqascii117o;دائرة من نار".


- 'الحياة'
الثورات والسنّة في لبنان
حسام عيتاني:

تعتقد الزعامة الحالية للسنّة في لبنان، أنها ستجني ثمار الربيع العربي وخصوصاً نتائج الثورة السورية. لكن مؤشرات كثيرة تقول إن الاعتقاد هذا وهْمٌ جسيم. ويَروج بين انصار الزعامة الحريرية، أن الطابع الاسلامي (السني) للثورات العربية والدور الفاعل في الوقت ذاته، للتيارات الليبرالية في الثورات، وبداية تفكك محور الممانعة مع ما يرافقه من تهافت في خطاب &laqascii117o;حزب الله" المنحدر صوب مستوى مرضي من الانفعال والتوتر، كلها عناصر ستصب في مصلحة &laqascii117o;تيار المستقبل" وتعمل على تجديد وتكريس قيادة سعد الحريري وأقاربه للطائفة السنية في لبنان. ينطلق هذا الافتراض من قراءة أحادية الجانب للواقع، فصحيح ان النظام السوري قد انتهى أمره أو كاد، وباتت مسألة البحث عن البديل هي المطروحة الآن وليس إنقاذ النظام الذي سقط بالمعنيين السياسي والاقتصادي، وصحيح ان الصراعات الداخلية التي تواجهها إيران بين المرشد والرئيس وانقسام التيار المحافظ، عميقة وتفاقم من خطورتها التهديدات والعقوبات الخارجية، وصحيح أيضاً وأيضاً أن &laqascii117o;حزب الله" فقد قوته الدافعة ولم يعد لديه ما يقول في السياستين الخارجية والداخلية سوى الكلام عن أحداث القطيف، ما يستبطن رغبات وأمراضاً شتى من جهة، والإفراط في استغلال الغطاء العوني المسيحي الذي لا يقل توتراً عنه، من الجهة الثانية. بيد ان كل ما تقدم، لا تمكن ترجمته ترجمة آلية وإدراجه ضمن رصيد &laqascii117o;تيار المستقبل"، فقدرة الأواني المستطرقة على نقل الخسائر والأرباح بين مكونات السياسة الطائفية في لبنان، تشترط لتمامها وجود أوعية قادرة على تجميع حصيلة خسائر الاطراف المقابلة. نزعم ان &laqascii117o;المستقبل" أصيب بضربات ونكسات بحيث لم يعد قادراً على الاستفادة من التبدلات الحالية، وخصوصاً تلك التي ستعم المنطقة قريباً. لقد أظهرت قيادة سعد الحريري في الأعوام السبعة التي تسنمت فيها زعامة سنّة لبنان، قدراً مذهلاً من انعدام الكفاءة، وخصوصاً من عدم القدرة على التعلم من أخطائها وعجزها عن رؤية الصورة الأكبر للوضع في المنطقة والعالم. هذا بغض النظر عن صعوبة المرحلة السابقة وشراسة الخصوم الداخليين والضغوط التي مارستها السلطات السورية، ذلك ان القيادات الحقيقية تظهر وقت الأزمات وليس أوقات الاسترخاء السياسي. وإذا كان المجال هنا لا يتسع لجردة بأعمال الزعامة الحريرية، يتعين في سياق الحديث عن الثورات العربية الحديث عما يبدو كخطأ مركزي ارتكبته الحريرية السياسية (طبعة سعد الحريري)، بمحاولتها إحياء العصب الطائفي عند السنّة في لبنان. ومن يراجع تاريخ هذه الطائفة وانتشارها الجغرافي والديموغرافي، يرى انها النقيض التام لمنطق التمترس الطائفي والانغلاق الجهوي والتحصن في غيتوات مقفلة. أدى ذلك الى أداء السنة اللبنانيين، منذ قيام لبنان الكبير على الأقل، أدواراً كبيرة في تشكيل &laqascii117o;الوطن" اللبناني، بانفتاح مكوناته بعضها على بعض، والعمل على مخاطبة الآخر المختلف، من رياض الصلح الى رفيق الحريري (مع العديد من التحفظات، بطبيعة الحال). غني عن البيان ان الزعامة الحريرية بخطابها الركيك والمفكك المستوحى من كلام أبوي، لا تستطيع التوجه الى اللبنانيين عامة، فكان أن أنكفأت الى المعازل الطائفية، في ما يشكل خروجاً على تقليد الانفتاح. عليه، تبدو سياسات &laqascii117o;تيار المستقبل" كمن يسبح في بركة صغيرة فيما تهدر الثورات العربية في بحر شاسع. وأغلب الظن أن التغيير الآتي الى المنطقة سيشمل لبنان ايضاً، لكن ليس بالصورة التي يتمناها الحريري.


- 'الشرق الاوسط'
أهمية لبنان إيرانيا!

الوضع اللبناني مأزوم داخليا لأسباب عربية. أصيبت معظم الأطراف باليأس من كثرة ألاعيب القوى والفصائل السياسية اللبنانية. بيزنس السياسة اللبنانية أرهق البنوك المركزية لكثير من دول الخليج. الطرف الوحيد المهتم باستمرار ضخ التحويلات شهريا في موعدها المنتظم، هو الطرف الإيراني. لبنان بالنسبة لإيران هو ما تسميه الصديق.. هو قاعدة سياسية وأمنية واستخباراتية متقدمة للنظام في طهران. لبنان بالنسبة لإيران هو تطبيق عملي لمشروع متقدم لوثوب طهران إلى المتوسط وإلى دول المشرق العربي بهدف تطبيق حلم الهلال الشيعي. ويشهد ربي أني لست مذهبيا وليس لدي ثأر شخصي مع أي فصيل ديني أو مذهبي. ولكن حينما أتحدث عن المشروع الإيراني، فإنني أتحدث عن الشحن والتمويل السياسيين لمشروع سيطرة فارسية على المنطقة. وكنت دائما أحلم بإيران الصديقة المسلمة ذات التاريخ المشترك، وذات القدرة الشعبية والفكرية في دعم دول الجوار العربي، ولكن للأسف الشديد تحول المشروع الإيراني إلى خطر على شعب إيران أولا، وعلى المنطقة ثانيا. المشروع الآن في حالة قلق شديد بسبب الأوضاع المضطربة لنظام حكم الرئيس بشار الأسد التي طال الزمن أو قصر سوف تنتهي بتصدع هذا النظام الحليف لطهران. الشارع السوري لديه ثأر خاص مع إيران التي تساند نظام الحكم السوري بالمال والسلاح وخبراء إدارة المعارك والمعلومات الاستخباراتية لقمع السوريين. من هنا يصبح لبنان الآن ذا أهمية استثنائية لإيران، أكثر من أي وقت مضى. ومن هنا أيضا يصبح مصير حزب الله بعد نهاية حكم الأسد مصدر خوف وقلق شديدين لطهران. السؤال العظيم: إذا كانت المنطقة تتغير أمام طهران.. فهل تفكر القيادة الإيرانية - أيضا - في التغير؟!


- 'الحياة'
تفكيك اللغز القطري
باتريك سيل (كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الأوسط):

من بين الفاعلين كافة في الربيع العربي، كانت قطر الدولة الأكثر فاعلية وربما الأكثر إثارة للاهتمام. فهذه الدولة الصغيرة المؤلفة من صحراء قاحلة والواقعة على الجانب الشرقي من المملكة العربية السعودية تمتد كإصبع باتجاه الشاطئ الإيراني على الجانب المقابل من الخليج. ويقوم الإنجاز الذي حقّقته قطر الواقعة بين عملاقين إقليميين والتي تقيم مع كلّ واحد منهما علاقات متوترة، على إنشاء دور مستقل وطموح لنفسها. كيف أصبحت هذه الدولة الصغيرة جداً محركاً ومؤثراً على مستوى العالم؟ ما الذي تسعى إلى تحقيقه؟ يطرح كلّ شخص يزور الدوحة، عاصمة قطر الرائعة المطلة على البحر، هذه الأسئلة على نفسه لا سيّما أنّ التباين كبير جداً بين طموحات البلد العالمية وموارده البشرية المحدودة. وتقتصر بعثاتها الخارجية الفاعلة على عدد من الجبهات في أنحاء العالم على حوالى 250 ديبلوماسياً. كما يبلغ عدد شعبها الأصلي 200 ألف نسمة. ويحظى هذا الشعب الصغير المحظوظ الذي يصل معدل الدخل السنوي للفرد الواحد فيه إلى أكثر من مئة ألف دولار وهو الأعلى في العالم بخدمة وتدليل ودعم من مهاجرين عرب وآسيويين يقدّر عددهم بمليون و700 ألف نسمة. وعلى مدى نحو عقدين، حظيت قطر بسمعة حسنة في ميدان الوساطة في النزاعات المعقّدة والمتعبة أحياناً. كما حاولت ونجحت في تهدئة النفوس وفي إرساء اتفاقات بين الأفرقاء المتخاصمين. ومن بين المساعي الكثيرة التي قامت بها خدمة لقضية السلام، عملت قطر على حلّ النزاع بين إريتريا واليمن عام 1996 وبين إريتريا والسودان بعد سنوات عدة وبين اليمن والمتمردين الحوثيين عام 2007 وبين الأحزاب اللبنانية المتخاصمة عام 2008، الأمر الذي وضع حداً لأزمة دامت 17 شهراً وحال دون عودة الحرب الأهلية وبين السودان والتشاد عام 2009 وبين إريتريا وجيبوتي عام 2010 وبين الفصائل الفلسطيني

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد