قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الجمعة 9/3/2012

- 'النهار'
إسرائيل والأحداث في سوريا
رندى حيدر:

برزت في الفترة الأخيرة داخل إسرائيل أصوات تدعو الحكومة الإسرائيلية الى تقديم المساعدات الإنسانية للمواطنين السوريين الفارين من العنف وأعمال القتل والباحثين عن ملاذ آمن، باعلان فتح الحدود في الجولان مع سوريا لإستقبال اللاجئين واقامة مخيمات خاصة بهم، وتأمين الحماية لهم، على غرار ما فعلته تركيا، وما يفعله الأردن ولبنان لاحتضان موجة نزوح السوريين من مناطق القتال الى مناطق آمنة.
وكان قد سبق لوزير الخارجية الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان ان ابدى استعداده لتقديم المساعدة الإنسانية إلى أي مواطن سوري يطلبها، بينما التزمت الحكومة الإسرائيلية الصمت حيال ما يجري في سوريا وحاولت قدر الإمكان الامتناع عن الادلاء بأي موقف أو تصريح علني يمكن أن يعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية السورية. في هذه الأثناء بدأ يبرز جدل بين المؤيدين لتقديم المساعدة الانسانية للسوريين وفتح الحدود أمامهم، والرافضين لذلك رفضاً قاطعا. إذ يرى الرافضون فكرة تقديم المساعدة أن الشعب السوري شديد العداء لإسرائيل، وأن المعارضة السورية لا يمكن أن تكون من أصدقائها. ويتذكر أصحاب هذا الرأي التجربة الإسرائيلية الفاشلة في تقديم المساعدة الى المسيحيين في لبنان خلال الحرب الأهلية، والتي انتهت باحتلال إسرائيل لجنوب لبنان أكثر من 18 سنة وتكبيدها خسائر بشرية كبيرة.
من الصعب اعتبار الكلام الإسرائيلي عن تقديم مساعدات إنسانية إلى الشعب السوري من باب التعبير عن موقف 'أخلاقي إنساني' وخصوصا في ضوء ممارساتها اليومية غير الأخلاقية وغير الإنسانية في حق الشعب الفلسطيني. من هنا السؤال عن الدلالة الفعلية للمواقف الإسرائيلية في هذا المجال.
على المستوى النظري، يمكن تفسير هذا الكلام بأنه نتيجة لانعكاسات الثورات العربية، والدرس الذي تعلمه الإسرائيليون بضرورة ايلاء المزيد من الاهتمام لما يجري داخل المجتمعات العربية المحيطة بهم وليس تركيز الاهتمام على دوائر القرار والطبقة السياسية الحاكمة. أما على الصعيد العملي، فيمكن ادخال هذا الكلام في دائرة النقاش الدائر في شأن ما بعد نظام بشار الأسد. فإذا كانت إسرائيل عاجزة عن التأثير في الأحداث التي تشهدها سوريا، فهناك من يعتقد أن عليها على الأقل الايحاء بصورة غير مباشرة بوقوفها ضد نظام الأسد.
لكن كل ذلك لا يحجب الحقيقة القائلة ان المواجهة الشرسة التي تخوضها إسرائيل ضد السلاح النووي الإيراني أعطت سقوط نظام بشار الأسد، حليف إيران، في نظر إسرائيل قيمة عسكرية واستراتيجية تفوق من حيث أهميتها المخاطر التي قد تواجهها إسرائيل جراء الفوضى الناتجة عن سقوط هذا النظام.


- 'السفير'
أسس التآزر بين مصر وإيران
سمير كرم:

اذا كنت مصرياً وتعرضت لما تعرضت له مصر في الآونة الأخيرة من إهانة وطنية وقومية على يد النفوذ السياسي الاميركي على بلادك، فيما حدث من استهانة بالسيادة المصرية وبالاستقلال القضائي المصري، من اجل حرية عدد يقل عن العشرين من الاميركيين، فإنك لا بد ان تشعر بأن الولايات المتحدة استخدمت نفوذها على من يحكمون بلادك في ممارسة اعلى درجة من الفجور السياسي.
أياً كان ما ظننت، فإن الولايات المتحدة ربما تكون قد تعمدت إذلال الثورة المصرية ومؤسسات الحكم التي تمارس الحكم باسمها، ابتداء من القضاء الى المجلس الاعلى للقوات المسلحة الى مجلس الشعب الذي انتخبه المصريون حديثاً الى الاعلام المصري، وحتى الى الجماهير المصرية فرداً فرداً. وربما تكون قد اعتقدت ان الولايات المتحدة انما مارست ما اعتادت ان تمارسه على مصر طوال نحو اربعين عاما من حكم انور السادات وبعده حسني مبارك، فلم تعر اهتماماً بالتغيير الذي جرى في 25 يناير 2011، ومضت الى إجراء ما كان ليلفت نظر الحكام او المحكومين. وربما تكون قد اعتقدت ان الولايات المتحدة اكتفت - كما اكتفت منذ توقيع اتفاقية &laqascii117o;كامب ديفيد" برعايتها بين مصر واسرائيل- فاعتبرت ان العلاقة بينها وبين المؤسسة العسكرية المصرية، ممثلة في اعلى اجهزة السلطة فيها، تكفي لتجاوز كل مبادئ السيادة ومعانيها وضوابطها، لتجبر مصر على إطلاق سراح الاميركيين المتهمين باستخدام المال لشراء مجموعة من شباب المجتمع المدني ومنظماته، بينما بقي الشبان المصريون المتهمون بقبول هذا الترتيب القبيح غير القانوني في قفص الاتهام.
او لعلك اعتقدت، ان الولايات المتحدة ترى في حجمها الدولي الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي ما يبيح لها ان تضغط على اي كيان وطني قومي بحجم مصر، لتمكين مواطنين اميركيين من الإفلات من عقاب مستحق او غير مستحق، ففعلت ما فعلت بالضغط والتهديد او بالتلويح بالمكافأة، مالية او سياسية من اي حجم او نوع.
إن الولايات المتحدة مارست عدواناً مباشراً على سيادة بلادك. وإن الطرف او الاطراف التي قبلت بهذا العدوان الاميركي تبقى في حالة استحقاق للعقاب بحجم الجريمة، لا اقل ولا اكثر. والجريمة متعددة الاوجه. لكن الاخطر من هذا كله يتمثل في غياب -اوما يمكن ان نعتبره غياب - اسرائيل عن المشهد برمته. اذ لم يبد في اي لحظة من هذه اللحظات الحرجة التي انتهت بـ&laqascii117o;تهريب"- أليس ما جرى اقرب الى التهريب -؟ الاميركيين بطائرة حربية اميركية الى خارج مصر، ان اسرائيل لعبت دوراً في هذه الماساة/المهزلة. فهل هذا صحيح؟ ولكن الحقيقة ان اسرائيل تابعت وبكل اهتمام هذا الحدث، وكان لها تأثيرها في اتخاذ القرار الاميركي بتوجيه صفعة الى مصر.
نتبين هذا من خلال الاتصالات الاميركية - الاسرائيلية التي جرت في هذا التوقيت الحرج بهذا الشأن، ونتبينه من خلال حرص اسرائيل على متابعة ما يجري في مصر من زاوية الاهتمام الاسرائيلية، وهي الزاوية المتعلقة اساسا بعلاقات مصر الثورة بمجريات الامور في المنطقة العربية. كان المحرك الرئيسي لاهتمام اسرائيل بالعلاقات المصرية - الاميركية يتعلق بما يمكن ان تتطور باتجاهه هذه العلاقات، وبالتالي ما تتطور نحوه مواقف مصر الثورة بالنسبة لقضايا المنطقة، ابتداءً من سوريا وإيران، وصولا الى علاقات مصر بما يجري في بلدان ما اسمي &laqascii117o;ثورات الربيع العربي".
لقد تابعت اسرائيل باهتمام الضغط الاميركي على السلطات المصرية صاحبة القرار بشأن ما يجري في سوريا معتبرة ان مصر تأخرت كثيرا في اتخاذ موقف يرضي واشنطن بشأن احداث سوريا، الى ان صدر القرار المصري بسحب السفير المصري في دمشق. وهو القرار الذي ردت عليه دمشق بسحب السفير السوري من مصر وهو رد تلقائي ومتوقع. على اي الاحوال فإن اسرائيل أبدت لكل من القاهرة وواشنطن ارتياحها الى هذا القرار. ولم يكن رد الفعل الاسرائيلي هذا متعلقاً بسوريا قدر تعلقه بإيران. فالتقدير الاسرائيلي للخطوة المصرية اعتبرها تأكيداً لقرب موقف القاهرة من موقف واشنطن وتل ابيب إزاء إيران. فقد كانت تل ابيب في حالة توتر من احتمالات استئناف العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران. وتدل مناقشات مؤتمر &laqascii117o;لجنة الشؤون العامة الاسرائيلية الاميركية"- المعروفة باسم &laqascii117o;الإيباك"، على ان الشأن الايراني كان يلعب دور الموجّه لهذه المناقشات. ان اسرائيل مقتنعة بأن احداث سوريا تقلق إيران وتأخذ من اهتمامها الكثير، ولكنها كانت تنظر بدرجة عالية من الايجابية الى ما بدا من احتمالات التقارب بين مصر وإيران. الامر الذي بدا في معالجات الاعلام المصري وفي تصريحات دبلوماسيين مصريين. ومن الطبيعي والمفهوم، ان هذه الاحتمالات الايجابية كانت تقلق اسرائيل وبالتالي اميركا. وبالتالي فكان تركيز الضغط الاسرائيلي - وضمنه ضغط اللوبي الصهيوني في اميركا ـ على الرئاسة الاميركية وعلى الخارجية الاميركية لدفع مصر بعيدا عن هذا القرار باستئناف العلاقات مع إيران.
وقد اعتبر المشاركون في مؤتمر &laqascii117o;الإيباك" في واشنطن ان القرار المصري بشأن سوريا هو تأكيد لنتيجة مرجوة لضغط اميركي على صانع القرار في القاهرة بتأجيل - على الأقل - قرار العلاقات مع إيران. ومن الواضح، ان سيطرة الشأن الايراني على اسرائيل، ادت الى احتواء هذا الشأن لمناقشات اللوبي الصهيوني في اميركا في اقوى اجنحته التي تتمثل في &laqascii117o;الإيباك". وبطبيعة الحال فإن الشأن الايراني في مؤتمر &laqascii117o;الإيباك" كان اوسع مدى من العلاقات بين مصر وإيران. اذ لم تستطع هذه المناقشات ان تخفي حقيقة الاختلاف والخلاف بين اميركا واسرائيل، فيما يتعلق بتقدير كل منهما لضرورة او عدم ضرورة توجيه هجوم عسكري الى إيران، بهدف نسف البرنامج النووي الإيراني مدنياً كان او عسكرياً.
واذا كنت إيرانياً فلا بد أن يبدو لك هذا الحوار، نصف السري نصف العلني، بين واشنطن وتل ابيب بشأن ضرورة توجيه مثل هذا الهجوم الى ايران ذروة الفجور السياسي الاميركي - الاسرائيلي. ليس فقط لأن لعبة الخلاف بين أميركا وإسرائيل حول هذه النقطة الحرجة للغاية تبدو في بعض الأحيان جدية وتبدو في أحيان اخرى تمثيلية سقيمة، خاصة في وقت يبلغ فيه النفوذ الصهيوني على الحياة السياسية الاميركية في نقطة الذروة بسبب حملة انتخابات الرئاسة الاميركية. هذا هو الوقت الذي تحرص فيه الإدارة &laqascii117o;الديموقرطية" الأميركية والمعارضة &laqascii117o;الجمهورية" على إبداء أقصى درجات الميل الى قبول كل شروط اسرائيل، خاصة فيما تعتبره اسرائيل أمراً مصيرياً، او بتعبير السياسيين الابرز في حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية الاسرائيلية &laqascii117o;الخطر الوجودي الايراني على اسرائيل".. اي الخطر الايراني على الوجود الاسرائيلي.
قد لا يتقرر مصير الخلاف بين اميركا وإسرائيل حول مسألة توجيه ضربة عسكرية الى إيران في مناقشات مؤتمر &laqascii117o;الإيباك" في واشنطن. ولكنه قد يتقرر في اهم لحظات حملة انتخابات الرئاسة الاميركية. وأياً كان القرار - بالإيجاب او السلب - فإن اسرائيل تلح منذ شهور طويلة على معرفة موقف مصر من هذه الخطوة ضد إيران، تؤيدها او تعارضها. وقد كانت هذه النقطة محل مناقشات وثيقة بين القادة العسكريين الاميركيين الكبار، الذين زاروا مصر في الشهور الماضية، وبين المجلس الاعلى للقوات المسلحة المصرية. وبطبيعة الحال فإن هؤلاء القادة قد ابلغوا المجلس العسكري المصري بوجهة النظر الاميركية في هذا الشأن، وأبلغوه ايضاً بوجهة نظر اسرائيل.
ومن المؤكد ان يكون موضوع تأثير الازمة المصرية - الاميركية الاخيرة على موقف مصر في دائرة الاهتمام الاميركي والاسرائيلي خلال الفترة المقبلة. إلا أنه لن يفوت أياً من الاطراف إدراك حقيقة ان الموقف الرسمي المصري - كما يتمثل في المجلس العسكري - سيختلف بالتأكيد عن الموقف الشعبي لجماهير المصريين الذين تصاعد عداؤهم لأميركا وسياساتها في الأسابيع الأخيرة الى مستويات لم يبلغها منذ ستينيات القرن الماضي، منذ سنوات زعامة جمال عبد الناصر.
إن من المؤكد ان تتفاعل احداث العلاقات المصرية - الاميركية وأحداث الصدامات الاميركية - الايرانية الى اقصى درجاتها. وبالتالي فإن الهوة الواسعة بين الموقف الرسمي المصري من اميركا والسياسات الاميركية والموقف الشعبي المصري منهما مرشحة لأن تلعب دوراً مهماً في العلاقات بين مصر واسرائيل وفي تكوين الموقف المصري بوجهيه الرسمي والشعبي اذا تحققت التهديدات الاميركية - الاسرائيلية بتوجيه هجوم عسكري على ايران. ولقد قالت شبكة &laqascii117o;بلومبرغ" الاخبارية الاميركية انه على الرغم من رفع حظر سفر الاميركيين العاملين في منظمات المجتمع المدني ومغادرتهم مصر فإن التوترات التي لم تحل بين البلدين لا تزال مرتفعة... وفي الوقت الذي حذر فيه المسؤولون الاميركيون من تداعيات محتملة زاد نظراؤهم في مصر من حدة الانتقادات الموجهة للولايات المتحدة بشأن تدخلها في مسألة تخص السلطة القضائية المصرية". وقالت وكالة &laqascii117o;اسوشييتدبرس" الاميركية &laqascii117o;إن قادة المجلس العسكري المصري يواجهون رد فعل عنيفاً بسبب سفر المتهمين الاميركيين في قضية التمويل الاجنبي".
وباستطاعة اي محلل سياسي او دبلوماسي ان ينظر الى الازمة الراهنة بين القاهرة وواشنطن باعتبارها وسيلة لتقدير حجم - وشدة - الازمة التي يمكن ان تنشأ بينهما في حال اقدمت الولايات المتحدة و/أو اسرائيل على مهاجمة ايران عسكرياً. قد يبدو الامران متباعدين، لكن ليس من زاوية الهوة بين موقف مصر الرسمي كما تعبر عنه قرارات المجلس الاعلى للقوات المسلحة والموقف الشعبي كما تعبر عنه ردود الفعل المتوقعة من جانب الجماهير الشعبية. ويتساوى هذا التقدير في حالة ما اذا وقع الهجوم على إيران قبل نهاية الفترة الانتقالية التي يمارس السلطة العليا خلالها المجلس العسكري او وقع بعد انتهاء هذه الفترة الانتقالية. ذلك ان نفوذ الولايات المتحدة على السياسة المصرية لن ينقضي تماماً بنهاية هذه الفترة الانتقالية في نهاية شهر حزيران/يونيو القادم.
إن رضوخ الولايات المتحدة للنفوذ الصهيوني فيما يتعلق بسياسات اميركا في هذه المنطقة يدفع بكثير من المصالح الاميركية فيها الى مآزق شديدة الحرج بحيث يبدو مستقبل النفوذ الاميركي معلقاً بالتخلص من هذا النفوذ الاسرائيلي على القرارات الاميركية. فإن اسرائيل تبدو وقد تبادلت المواقع مع الولايات المتحدة. نشأت اسرائيل في اواخر اربعينيات القرن الماضي كقاعدة عسكرية للنفوذ الاميركي في المنطقة. اما الآن فإنها تلعب الدور معكوساً، اذ تبدو اميركا في دور قاعدة للنفوذ الاسرائيلي في هذه المنطقة.


- 'السفير'
إيران بعد الانتخابات.. الإصلاح والتصحيح
حبيب فياض:

المشاركة الإيرانية الواسعة في الانتخابات التشريعية الأخيرة حسمت ولاء أكثرية الشعب للنظام. وأكدت توحد الإيرانيين بوجه التهديدات الخارجية، على رغم اختلاف التيارات الفاعلة في &laqascii117o;الجمهورية" حول ملفات داخلية أساسية. المشاركة هذه حملت دلالة تحصين الداخل أمام الخارج. وحملت أيضاً مؤشرات تبلور &laqascii117o;داخل" سياسي جديد على الساحة الإيرانية. ثمة توازنات داخلية في طور التشكل، تحمل معها إمكانية الحوار والتفاهم، بقدر ما تحمل من إمكانية التباين والاختلاف، بين القوى الفاعلة تحت سقف النظام.
إذن، المشهد في إيران مختلف هذه المرة. السباق إلى البرلمان أطلق شرارة السباق إلى الرئاسة الإيرانية قبل أوانها. وبين السباقين، استحقاقات كثيرة، تراوح بين ترتيب البيت الداخلي والتعامل مع التحديات الخارجية.
الانتخابات التشريعية ليست نهاية الشوط بل بدايته. فوز المحافظين لا يعني استسلام الإصلاحيين. هذا الفوز لن يلغي استمرار المنافسة بين الأجنحة المحافظة (الجبهة الأصولية والمقربين من أحمدي نجاد) في مرحلة ما بعد الانتخابات. تفوق الأصوليين في الملف الانتخابي على الرئيس الإيراني لن يمنعه من العمل للتفوق عليهم في ملفات أخرى. هذا، وفشل الوسطيين بالفوز بمقاعد كثيرة في المرحلة الأولى من الانتخابات، لن يُضعف حضورهم في البرلمان المقبل. أما حصاد المستقلين لأكثر من ربع المقاعد، فسوف يجعل منهم عامل تجاذب بين الأصوليين، لتعزيز أكثريتهم، وحلفاء الرئيس، لتحسين موقعيتهم الأقلوية.
في الوسط المحافظ، ستكرس هذه الانتخابات الاختلاف بين الأصوليين والرئيس أحمدي نجاد. الأصوليون سيلجأون إلى أكثريتهم البرلمانية لتشديد الرقابة على الحكومة النجادية. فيما لا يبدو أن هذا الأخير سيكون أقل اندفاعاً في استكمال برامجه الاقتصادية والاجتماعية المعروفةً. وأيضاً، قد تفتح نتيجة الانتخابات الباب أمام تشعبٍ في وسط الأصوليين أنفسهم، بين جناح يقوده رئيس مجلس الخبراء الشيخ مهدوي كني وآخر يقوده منظّر الثورة الشيخ مصباح يزدي. ما يعزز هذا التوقع، فشل الجهود التي بُذلت قبيل العملية الانتخابية لتوحيد اللوائح المقربة منهما. علماً أن هذا التشعب ليس مرشحاً ليكون انقساماً حادّاً، باعتبار أن الرجلين مقربان من قائد الثورة، والاختلاف بينهما في &laqascii117o;الحاشية وليس في المتن".
في الوسط الإصلاحي، ثمة انقسام بدأ يظهر. تقارب بين الرئيسين خاتمي ورفسنجاني، على قاعدة مشاركتهما، اقتراعاً، في الانتخابات الأخيرة. موقفهما هذا، أبعدهما عن الإصلاحيَّيْن الآخرَين موسوي وكروبي، اللذين كانا ضد المشاركة. من المحتمل عودة خاتمي ورفسنجاني إلى الحراك السياسي من بوابة المشاركة هذه، وعلى قاعدة الحوار الذي قد يفضي إلى تقارب ما مع الجبهة الأصولية، كما قد تدفع خصومة أحمدي نجاد مع هذه الجبهة إلى خطوة &laqascii117o;إيجابية"، من قبله، باتجاه خصميه اللدودين موسوي وكروبي.
هي طريقة الثورة الإيرانية في استيلاد تياراتها.. في العقد الأول من الثورة، شكلت مجموعة رجال دين مقربة من الإمام الخميني رابطة العلماء المناضلين، حيث ما لبثت أن تحولت إلى رابطتين، الأولى (روحانيت) أخذت منحى اليمين بزعامة مهدوي كني، والثانية (روحانيون) أخذت منحى اليسار بزعامة الشيخ مهدي كروبي. في العقد الثاني خرج رفسنجاني من الرابطة الأولى (1996) وأسس لما عُرف بـ&laqascii117o;تيار الوسط" (حزب كوادر البناء). فيما خرج من الثانية الرئيس محمد خاتمي (1997) وأسس لما عُرف بـ&laqascii117o;التيار الإصلاحي"، مقابل التيار المحافظ الذي تشكلت نواته من تحالف بين أطراف فاعلة في الرابطتين. في العقد الثالث (2005)، حُمل أحمدي نجاد إلى السلطة على أجنحة المحافظين. وعلى أبواب العقد الرابع للثورة، قد لا تتسع عباءة المحافظين للأصوليين وأحمدي نجاد معاً، ما قد يدفعه إلى الخروج من تحتها وهو يطمح في بقاء &laqascii117o;النجادية" تياراً حاضراً تحت سقف النظام.
الخارطة المرتقبة لقوى الداخل الإيراني ستكون خارج التصنيفات المعهودة. وسيكون &laqascii117o;التصحيح" إلى جانب &laqascii117o;الإصلاح" عنوانَيْ المرحلة المقبلة في إيران.


- 'الأخبار'
السياسيون في لبنان وآفــة الارتهان إلى الخارج
سعد الله مزرعاني: 

تشير تقلبات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي و&laqascii117o;جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط، إلى جانب من الأزمة اللبنانية، لكنّها ليست هي من يولِّدها. التأثر بالخارج وبصراعاته وتوازناته أمر قديم جديد بالنسبة إلى القوى السياسية اللبنانية. هذا التأثر الذي هو طبيعي عموماً، يكفّ عن أن يكون كذلك عندما يتحوّل إلى شكل راسخ من أشكال الاستقطاب أو الارتباط أو الارتهان، أو هذه كلها مجتمعة!
لقد أدت ظروف وأسباب عديدة، موروثة وجديدة، موضوعية وذاتية، إلى عدم ثبات وليد جنبلاط على علاقة واحدة، كما فعل الآخرون. لذلك، فقد اتسمت هذه العلاقة بالتحرك والقفزات والانتقال من موقع إلى آخر، ومن معسكر إلى معسكر نقيض. تصادف ذلك أيضاً لدى الرجل مع مزاج مطابق أضفى على التبدلات والتقلبات نكهة خاصة لا يجيدها، ولا يسعى إليها، سواه.
موضوعنا الآن، ما هو ثابت من التحالفات والعلاقات والارتباطات بين القوى والكتل السياسية اللبنانية، وبين القوى والكتل السياسية الخارجية، دولاً أو مراكز دينية أو مواقع قرار أو تأثير سياسي أو عقائدي أو مالي أو هذه كلها مجتمعة!
ونستطيع أن نقول، اليوم، ليس دون أسف وقلق عميقين، إنّ مسألة علاقات القوى السياسية اللبنانية بالخارج قد بلغت ذروة غير مسبوقة في التاريخ اللبناني. إنّنا أمام علاقات شديدة الاتساع، تتكامل فيها الجوانب السياسية مع الجوانب الدينية والمذهبية، مع الجوانب المالية، مع الجوانب العقائدية والفكرية، مع الجوانب الأمنية والتنظيمية. وكلّما برز الاستقطاب الإقليمي وذهب عميقاً في الاتجاهات والحقول كافة، كذلك يتبلور ويترسخ التفاعل الداخلي اللبناني في صيغ ارتباط شاملة وثابتة لا تترك كبير مجال لهامش استقلالٍ أو حركة أو مناورة، مهما كان محدوداً.
في الآونة الأخيرة، لم يعد أحد، رغم بعض المناورة أو المكابرة أحياناً، يجد حرجاً في إعلان ما أقامه من ارتباطات، وما هو عليه من التزامات وواجبات خارجية. تظاهرتا الأحد الماضي في ساحة الشهداء، ليستا سوى تعبير رمزي عما ذكرنا. قبل ذلك بوقت طويل، تبلور مسار أُعلنت فيه مواقف وروجت أخبار بنحو احتفالي مهيب، وبلا خجل أو وجل أو تحفظ أو استدراك. بل إنّ هذه الارتباطات، باتت بالنسبة إلى معظم المعنيين بها مصدر فخر واعتزاز. لقد أُعلنت من &laqascii117o;البيال" مراراً في مؤتمرات ومناسبات ضخمة لفريق 14 آذار ارتباطات بـ&laqascii117o;العروبة الجديدة". وجاهر رموز انعزال تقليديون بانتمائهم إلى محور الـ&laqascii117o;اعتدال" العربي، ورفعت في امتداد ذلك صور ضخمة، على غير جاري العادة، للملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز. وفي السياق نفسه، أصبح الحديث عن &laqascii117o;الانفراج المالي القريب"، حديثاً شبه رسمي في &laqascii117o;أوساط تيار المستقبل". وهو حيث كان يشير دائماً، وبالخط العريض، إلى أنّ &laqascii117o;المملكة" دفعت كذا، أو ستدفع قريباً ما من شأنه تيسير الأمور وإعادة ضخ ما ينبغي من الأموال والمساعدات والهبات...
في المقابل، ومن موقع الشعور بالدفاع عن قضية وطنية وقومية وإسلامية، كانت تُعقد اللقاءات وتُعلن الارتباطات والتحالفات &laqascii117o;الممانعة"، وتنشر الصور للأقطاب والرؤساء والقادة. وكذلك أيضاً، أُعلن بنحو احتفالي وافتخاري لا جدال بشأنه، بأنّ ثمة أموالاً ومساعدات تُقدم، وهي &laqascii117o;نظيفة" ومتواصلة ومعبِّرة عن التزام يبعث بدوره على الطمأنينة بالنسبة إلى المقبل من الأيام، في صراع لا يعرف حدوداً أو مهلاً (عنينا الصراع مع العدوانية الصهيونية).
بعد الحقلين السياسي والمالي، يأتي الحقل &laqascii117o;العقائدي". وهو هنا ما يتصل بالانتماء الديني، والمذهبي خصوصاً، وما يتفرع عنه. و&laqascii117o;يصادف" أيضاً أنّ كل طرف في الداخل، وكل محور في الخارج، يستند هو الآخر، إلى مرجعية خاصة، هي في الوقت عينه مرجعية دينية ومذهبية ناشطة وفاعلة ومستقطبة و&laqascii117o;قادرة".
ولسنا بحاجة أيضاً إلى الحديث عن تفرعات ما تقدم ذكره من العوامل الأساسية، في الشؤون التربوية والمدنية والأهلية والتجارية. لكن يجب التوقف خصوصاً عند العوامل الأمنية التي تطل برأسها، وخصوصاً في مناسبة اندلاع الأزمة السورية وتماديها، في صور مقلقة، بعضها شهدته أخيراً منطقة الشمال، وبعضها الآخر، برز أو هو مرشح للبروز أكثر، إذا ما تمادت الأزمة في سوريا وأُقفلت دونها الحلول والتسويات، كما حصل حتى اليوم. هذا من دون أن نتحدث عن شلل مؤسسات الدولة، بما فيها الحكومة، بسبب الانقسام والفئوية ومشاريع الدويلات، وبسبب الهدر والفساد والسرقة.مصدر الخلل الرئيسي في كل ذلك، قائم أساساً في نظام المحاصصة الطائفية ـــــ المذهبية اللبناني. وهو خلل يتفاقم بسبب إغلاق الطاقم السياسي اللبناني الأبواب والنوافذ في وجه الإصلاح السياسي والاجتماعي.لكن الأمر في تفاقمه، لم يعد مجرد حاجز أمام قيام دولة حصينة وموحَّدة ومستقرة وسيدة فحسب؛ ففي ظل المشاريع التي تجتاح المنطقة في أكثر من موقع وكيان، على ما نشهد وشهدنا في السودان واليمن وليبيا، تصبح المخاطر أكثر. مخاطر الانقسام والتقسيم والتفتيت التي ستمر، بالضرورة، عبر الاقتتال والاحتراب الأهلي وعبر التدخلات الخارجية من كل نوع، بما فيها التدخل العسكري المباشر أو غير المباشر.
الخطير في الأمر أنّ التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية، وكذلك استدراج هذا التدخل للاستقواء، قد أصبح شأناً داخلياً لبنانياً! لقد أصبح أحد التقاليد اللبنانيّة التي تفاخر بها الأطراف جميعاً. أليست نظريّة الرئيس نبيه برّي المعبّر عنها بـ&laqascii117o;السين ـــــ سين" تعبيراً مباهياً ومباشراً عن ذلك؟من يجادل في الأمر لا يعترض على مبدأ التدخل، بل على الجهة المتدخلة أو الجهة التي يُرتبَط بها، والارتهان الشعبي أو الرسمي لها. يجتمع هنا الخلل البنيوي مع الخلل السياسي. وسط كل ذلك &laqascii117o;يضيع" وليد بيك الذي لا يسعفه مزاجه الفردي على الاستقرار، ولا تسعفه موازين القوى على الأرجحية والانصهار. ما يشده إلى نظام المحاصصة، يبقى هو الثابت الوحيد. أما حجم الحصص فيجري البحث عنها هنا وهناك وهنالك، في متاهة لا قرار لها، ما دام الصراع مفتوحاً، وهو يوم لك ويوم عليك.
المشكلة في النظام، ولا يفعل الجميع سوى مفاقمتها. هذه المشكلة مرشحة اليوم لأن تتحوّل إلى كارثة، فهل يمكن تدارك ذلك؟ الشعب اللبناني اجترح معجزات في حقول المقاومة والانفتاح والحرية. هل يفعل ذلك اليوم، ومن يفعل ذلك؟.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد