- 'الاخبار'
في الأرض السائبة: السفّاحون ومجــرمو الحرب ضيوف الدولة
زياد الزعتري:
&laqascii117o;جلادو بابا عمرو". هكذا عنونت مجلة درشبيغل الألمانية تحقيقاً نشرته قبل أيام، أجرت فيه مقابلات مع جلّادَين، اعترفا بارتكابهما المذابح، يخضعان للاستشفاء في مستشفيات طرابلس، على اسم &laqascii117o;أطفال الثورة ونسائها". في البلد المضياف لبنان، يعالج مجرم الحرب. يأخذ استراحته هنا ويغادر لاستئناف نشاطه في الذبح لاحقاً. كلامهم لا يخلو من &laqascii117o;قطع رأس أو نحر رقبة". تسأل عن سبب اختيار الذبح وسيلة للقتل، فيأتيك الجواب بأن &laqascii117o;الرصاصة خسارة في الكلاب الشاردة". هكذا هم دوماً، يتحدثون عن الآخر بشبق الدم. يفاخر أحدهم بذبح من هو من طائفة أخرى وعن غارات ليلية ينفّذونها دورياً للخطف، فضلاً عن الحواجز التي تفصل بين القرى لاصطياد &laqascii117o;الدخيل".في محلة أبو سمرا في طرابلس، ثمة مستشفى يشغله بأكمله جرحى سوريون، يُحضرون إلى لبنان بطرق غير شرعية. معظمهم مقاتلون أصيبوا في معارك مع الجيش السوري. يُنقلون إلى هنا حيث الأمن والأمان، فالمستشفى يحظى بحماية أمنية معلنة. يتولّاها أربعة مسلّحين، بورديتين صباحية ومسائية. لا يقاس الزمن بالأيام هنا، بل بأعداد الجرحى الذين يُدخَلون. لا يكاد يمر يوم من دون إدخال 4 أو 5 جرحى. أحياناً يصل الرقم إلى 25 جريحاً. المستشفى المذكور ليس الوحيد الذي يستقبل الجرحى السوريين، لكنه الوحيد الذي يحظى بـ&laqascii117o;سيطرة" الجيش السوري الحر.في المشفى الكائن في أبو سمرا كانت الجولة كالمعتاد. هنا جريحٌ يُعصّب رأسه بعلم &laqascii117o;الجيش الحر". يرفض الحديث إلى الصحافة. يجلس بقربه شابان يردّان التحية ويعتذران عن استقبالنا. في الغرفة المجاورة، يستلقي جريحان ملتحيان. أحدهما مصابٌ في بطنه ورجليه، فيما إصابة الآخر في عينه. وجهاهما مألوفان. جمعتنا معرفة سابقة. بناءً عليها، يستقبلك الرجلان. تُهنّئهما بالسلامة وتدخل لتجلس. الرجلان معروفان وسط الموجودين بكنية أبو علي وأبو أحمد. هما قياديان في &laqascii117o;الجيش الحر". يتولى الأول إدارة العمليات في منطقة القصير الحدودية، فيما الثاني شقيق المسؤول العسكري أبو عمر دندشي الذي قُتل في واحد من اشتباكات تلكلخ (في حوزة &laqascii117o;الأخبار" مقطع مصوّر يوثّق المقابلة). تعلم أن الرجلين أُصيبا خلال اشتباكات وقعت في الليلة الماضية قرب المنطقة الحدودية، ولحراجة إصابتيهما اضطرّا إلى دخول لبنان. دخل برفقتهما 3 مسلّحين، فوصلوا إلى طرابلس قرابة منتصف الليل. كان يُفترض أن يُجري أبو علي عملية جراحية لأمعائه التي تمزّقت من شظية أصابته. فقد كان يودّ العودة إلى بلاده في الصباح الباكر، لكن الطبيب أرغمه على البقاء يوماً إضافياً كي ينال قسطه من الراحة.في اليوم التالي للعملية الجراحية حدث اللقاء. يتحدث أبو علي عن أحوال المقاتلين في الجانب السوري. يسرد مجريات المعارك، فيتطرق إلى تفاصيل الهجوم الذي أصيب فيه، لافتاً إلى أن مجموعة مؤلفة من تسعة مسلّحين نفّذته ضد مركزٍ للجيش السوري. يقول أبو علي إنه كان ضابطاً في الاستخبارات السورية برتبة رائد، لكنه انشق ليدير عمليات &laqascii117o;الجيش السوري الحر". هيئته الخارجية وتصرّفاته تشيان بأنه متشددٌ دينياً. تسأله إن كان يحكم توجّهاته ميلٌ أُصولي فيجيبك: &laqascii117o;لم أكن كذلك، لكني صرت الآن". يتحدث عن &laqascii117o;تخلي المجتمع الدولي عنّا، باستثناء الإخوة في الدين". تسأله عن الحرب الطائفية فيؤكد أنها قائمة. يوجّه أصابع الاتهام بتأجيجها لأطراف ثلاثة هم: &laqascii117o;نظام الأسد وحزب الله الشيعي وإيران". يتحدّث عن &laqascii117o;بدء طرد (أبناء طائفة محددة) من القرى السورية"، وعن تصفية نحو مئة من أبناء تلك الطائفة في ليلة واحدة. يُسمّي القرية التي حصلت فيها العملية، مؤكداً أنها جاءت ردّاً على قتل &laqascii117o;20 شابّاً من أهلنا" في قرية مجاورة. يرفض الحديث عن تعايش، فذلك &laqascii117o;صار من الماضي. نحن الآن في حرب. يقتلون إخواننا ويغتصبون نساءنا ويذبحون أطفالنا". يُردف قائلاً: &laqascii117o;العين بالعين والبادئ أظلم، لكن تعاليم ديننا تردعنا عن اغتصاب نسائهم. حُكمهم القتل ذبحاً أو بالرصاص". بدوره، يتحدث أبو أحمد، القيادي في &laqascii117o;كتيبة الفاروق"، عن &laqascii117o;فرَق موت تشكّلت للأخذ بالثأر والانتقام من أعداء الدين". يتحدث عن قيامه وبعض رفاقه بذبح الرجال. يُكرّر قصصاً وفظائع سردت بعضاً منها صحيفة درشبيغل الألمانية في حين ما خفي أعظم. فنون القتل كثيرة، واللافت في ناقلها حديثه ببرودة دم. يسرد أكثر من حادثة. تسأله عمّا يحصل لنساء وأطفال &laqascii117o;الضفة الأخرى"، فيردّ بأن القتل يستهدف &laqascii117o;حصراً الرجال الذين يعتدون علينا".الرجلان المذكوران عيّنة من أشخاص تؤويهم مستشفيات لبنان ومراكز الإغاثة التابعة للحكومة اللبنانية. المؤكد أن بينهم رجالاً وأطفالاً ونسوة أبرياء هربوا من جحيم المعارك الدائرة في بلادهم. والمؤكد أيضاً أن بينهم مقاتلين معارضين للنظام، من الواجب مداواة جراحهم. لكن من المؤكد أن بينهم أيضاً مقاتلين يفاخرون بالجرائم التي يرتكبونها بدم بارد، من دون أن يسائلهم أحد عمّا يقومون به. وبعض هؤلاء يهدد بالانتقال إلى العمل ضد جزء من اللبنانيين بعد الإجهاز على النظام في سوريا.إزاء هذا الوضع، وانطلاقاً من الانقسام السياسي، انتفض عدد من الوزراء على طلب وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور &laqascii117o;تخصيص 100 مليون ليرة لوزارة الشؤون الاجتماعية لصرفها على موظفي الوزارة الذين يهتمون بملف النازحين في غياب أي مراكز للهيئة العليا للإغاثة لاستقبالهم وتدبير أمورهم وتقديم المساعدات الضرورية لهم ". استغرب وزير الثقافة غابي ليون أن &laqascii117o;يقدم لبنان مساعدة لشخص يتباهى بأنه يمتهن الذبح". يرى ليّون أن &laqascii117o;كل إيواء وتسهيل هو تدخل غير مباشر بالقتال"، إذ إنه &laqascii117o;يوفّر الراحة النفسية للمقاتل". ليس هذا فحسب، فقد ذهب ليون أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن &laqascii117o;تسهيل الإيواء وتوفير الغذاء هو مشاركة في القتال". وإذ أكّد ليون &laqascii117o;أننا لسنا ضد إسعاف أي جريح"، حمّل القوى الأمنية مسؤولية ضبط الحدود، متسائلاً: &laqascii117o;ليست كل سوريا مضطربة، فلماذا لا ينزحون إلى القرى الهادئة في بلادهم". وأشار ليون إلى أن تقديم مساعدة من هذا القبيل من شأنها أن تفتح باباً يستحيل على الدولة اللبنانية إغلاقه.من جهته، أكد وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، أن معظم الحالات التي يجري استقبالها مدنية، لافتاً إلى أن نسبة الرجال متدنية. وتساءل أبو فاعور قائلاً: &laqascii117o;عندما يُقدم النازح نفسه على أنه مدني كيف يمكن أن أعلم إذا كان مشاركاً في معارك؟".وعن إجراء تحقيق يساعد في تحديد خلفية النازح، أشار أبو فاعور إلى أن المسألة ليست من اختصاص الوزارة، طالباً إبقاء الموضوع بشقّه الإنساني بعيداً عن الانقسام السياسي.ويوم أمس، أقيم في السرايا الحكومية اجتماع برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، بهدف تنظيم عملية إغاثة النازحين السوريين، بحضور أبو فاعور والأمين العام للهيئة العليا للإغاثة إبراهيم بشير الذي أكد لـ&laqascii117o;الأخبار" أنه لم يتلقّ &laqascii117o;معلومة واحدة من الجانب السوري تدّعي استفادة عناصر من الجيش الحر"، مشيراً إلى أنه &laqascii117o;فتح تحقيقاً لتحديد ما إذا كان هناك مقاتلون استفادوا من تقديمات الهيئة".على المستوى الأمني، ثمة قرار بعدم توقيف أي جريح. لكن اللافت أن أحداً لا يسائل الجرحى، بعد شفائهم، عن دورهم في ما يجري في بلادهم. يقول أمنيون لبنانييون إن &laqascii117o;الأجهزة الأمنية اللبنانية لا تستطيع تمييز الجريح المدني من الجريح المقاتل، والمقاتل العادي من الجزار ". وبناءً على ما تقدّم، لا توقف السلطات اللبنانية غير المطلوبين للقضاء اللبناني، ولا تتدخل في شؤون غيرهم، إلا من يُضبطون حاملين الأسلحة عبر الحدود.
فرق استقصاء &laqascii117o;العواينية"
كثُرت المجموعات المسلّحة التي تدخل الأراضي اللبناني آتية من سوريا. فهي تتوزّع على عدة فرق تتنافس في ما بينها. فهناك المنشقون عن الجيش السوري النظامي الذين يؤلفون ما يُعرف بالجيش الحر. وهناك &laqascii117o;الجماعات السلفية التي تقاتل تحت راية الإسلام لإعلان الإمارة في سوريا أو في قرية ما في سوريا". يضاف إليهم المسلّح المتعاطف مع الجهتين. أعداد القادمين من سوريا كبيرة، تناهز العشرين ألفاً. جزءٌ منهم منضوٍ أصلاً في واحدٍ من الصفوف، فيما هناك ملتحقون جدد يصار إلى استقطابهم. الأرقام الكبيرة سمحت لعناصر من استخبارات الجيش السوري باختراق هذه المجموعات كمخبرين. يُطلق عليهم &laqascii117o;العواينية"، أي أعوان النظام. ساهم هؤلاء في فضح كثير من الخطط لعمليات عسكرية كان المسلّحون بصدد تنفيذها. من هنا، خرجت فكرة &laqascii117o;مجموعات استقصاء" تتولى مراقبة المشتبه في &laqascii117o;عمالتهم" للنظام، ومن يُضبط منهم يوقَف في مراكز احتجاز داخل لبنان، قبل أن يُنقل إلى سوريا وتجري تصفيته.
- 'السفير'
مصر ـ السعودية: علاقة العرش بالثورة (1)
عبد الحليم المحجوب: (ينشر بالاتفاق مع 'شرق نامة' المصرية)
(...) الحديث عن المستقبل والأمن القومي العربي، لا بد أن ينصبّ على الدولتين الأهم والأكثر تأثيراً في السياسات العربية على مدى العقود الستة الأخيرة وهما مصر والسعودية، وذلك دون إغفال لأهمية أدوار أخرى مثل الدور السوري أو العراقي أو الجزائري. إلا أنه يتضح أيضاً أن هذه الأدوار تتميز من حيث تأثيرها بالموسمية، حيث تظهر في فترات وتكاد تختفي في فترات أخرى. بل إن واحداً منها، وهو الدور العراقي، يكاد ينعدم في الظروف الراهنة ويحتاج ربما لعقود مقبلة حتى يستعيد حيويته على النطاق العربي. كما تتميز هذه الأدوار بالانتقائية أي نلمسها في ميادين بينما تختفي من ميادين أخرى. أما الدوران المصري والسعودي؛ فيستندان إلى مقومات جغرافية تؤهل كلاً منهما لممارسة تأثير فعال في مناطق ومواقع بالغة الحساسية من الزاوية الاستراتيجية، وإلى خلفيات تاريخية تدعم امتلاكهما قدرة المبادرة والفعل على الصعيدين العربي والإسلامي وليس فقط انتظار رد الفعل. كما يملكان من الثروات الطبيعية والبشرية ما يؤهلهما لتحمل أعباء الأدوار والمسؤوليات المفروضة على كل دولة على حدة أو عليهما معا.
سنطرح في البداية مجموعة من الافتراضات التي نعمل على تأكيدها أو نفيها في المحصلة النهائية وتشمل ما يلي:
1- أنه في ضوء الأهمية الاستراتيجية للبلدين فإن توافقهما حول سياسات مشتركة يمثل عامل استقرار جوهرياً في المنطقة العربية وأن المطلوب فقط هو البحث في آليات التوافق، أما دخولهما في مواجهات صراعية فيمكن أن يحدث اضطراباً عاماً في النظام العربي.
2- أن التمكين في الداخل وامتلاك كل دولة مقومات الاستقرار الحقيقية هو المحرك الرئيس لانتهاج سياسات إقليمية ودولية نشطة ومثمرة، في مواجهة كل المشروعات والاستراتيجيات المناوئة للعرب والمسلمين.
3- ليس هناك ما يسمى بتصدير الثورة، وقد فشلت التجربة الإيرانية في هذا المجال، بل هناك فقط أصداء للثورات والأفكار المستجدة والتي تتفاعل مع أوضاع داخلية كامنة يعمّق من تأثيرها القفزة التكنولوجية والثورة المعرفية التي تتحكم في عالم اليوم، بحيث يسأل كل مواطن نفسه عن موقعه مما يجري حوله.
4- وأخيرا نفترض أنه ليس في الواقع تصادم استراتيجي أو تضارب في المصالح بين كل من مصر والمملكة العربية السعودية، وأن اختلافات المنهج السياسي يمكن معالجتها في إطار احتياجات الأمن القومي كما تفرضها الأوضاع الجيوستراتيجية.
البعد التاريخي للعلاقات المصرية ـ السعودية
يمكن القول إن الملك عبد العزيز قد نجح - منذ أن كان سلطاناً على نجد وحدها - وقبل استكمال سيطرته على شتى أقاليم الدولة وإعلان قيامها عام 1932، في تأسيس قاعدة راسخة للعلاقات مع مصر والاستفادة منها في بناء الدولة في الداخل، وفي تطوير علاقاته مع الدول الإسلامية الأخرى. وظل هذا التأسيس يحدث تأثيره الإيجابي ومن خلاله يتم احتواء الخلافات التي قد تظهر هنا أو هناك حتى وقوع العدوان الثلاثي على مصر تقريباً، لتبدأ مرحلة ثانية مع قيام الوحدة المصرية - السورية وتستمر حتى نكسة 1967. ثم تبدأ مرحلة ثالثة من هذا التاريخ حدد معالمها الملك فيصل (وكان هو الفاعل الرئيسي في المرحلة الثانية ولكن بمعايير وفكر مختلف)، واستمرت حتى اليوم. ومن المفيد أن نلقي الضوء على كل مرحلة على حدة.
المرحلة الأولى
تبدأ هذه المرحلة في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وفشل &laqascii117o;الثورة العربية الكبرى" التي قادها شريف مكة الحسين بن علي، حيث كان عبد العزيز آل سعود حاكماً على نجد وحدها. ويواصل حملاته على باقي مناطق شبه الجزيرة العربية معتمداً بالدرجة الأولى على تنظيم عسكري وديني يسمي &laqascii117o;الإخوان"، يعمل وفقاً لتعاليم الوهابية ويستهدف بالدرجة الأولى إقليم الحجاز، حيث الأماكن المقدسة في مكة والمدينة. وقد نصحه مستشاروه في عام 1923 بضرورة تطوير علاقاته الخارجية بالتوازي مع نشاطه العسكري، حتى يتمكن من تثبيت أوضاعه في الداخل واحتواء تعاطف بعض القوى الإسلامية، خاصة في الهند مع الشريف حسين. وأشاروا عليه أن يبدأ بمصر نظراً لمكانتها في العالم الإسلامي، فبدأ في عام 1923 بإرسال برقية تهنئة إلى الملك فؤاد بمناسبة افتتاح أول برلمان مصري بعد ثورة 1919. وفي سبتمبر/أيلول عام 1925 حاول وفد مصري أوفده الملك فؤاد برئاسة الشيخ المراغي، قاضي المحكمة العليا؛ التوسط بين الملك عبد العزيز والشريف حسين؛ لكن عبد العزيز استبدل هذا المسعى باقتراح أن يقوم الملك فؤاد بالدعوة لعقد &laqascii117o;مؤتمر إسلامي" في القاهرة للنظر في مستقبل إقليم الحجاز ودور الدول الإسلامية في تأمين الأماكن المقدسة. ومع انتصارات عبد العزيز العسكرية جرى التراجع عن هذه المبادرة، واستبدالها بمؤتمر عقد بمكة في نوفمبر/تشرين الثاني 1926 وأسفر عن اعتراف العالم الإسلامي بعبد العزيز ملكاً على الحجاز. في هذه الأثناء كانت العلاقات مع مصر تشهد توتراً نتيجة حادثين: أولهما تصدي عناصر من تنظيم &laqascii117o;الإخوان" المشار إليه لرحلة المحمل المصري، الذي يحمل كسوة الكعبة وإجباره على العودة بدعوى اقترانه بمظاهر احتفالية لا تتفق وتعاليم الدعوة الوهابية. أثار هذا الأمر استياء الملك فؤاد، وكان الشريف حسين قد سبق أن اتخذ الإجراء نفسه مع المحمل، رداً على معارضة الحكومة المصرية لثورته ضد العثمانيين. أما الحادث الثاني فقد ارتبط برغبة الملك فؤاد في إعلان نفسه &laqascii117o;خليفة المسلمين" بعد سقوط الخلافة العثمانية في اسطنبول، على يد مصطفى كمال أتاتورك، ودعوة الملك فؤاد لعقد مؤتمر لزعماء العالم الإسلامي في القاهرة لهذا الغرض. وبرغم إخطار الملك عبد العزيز الحكومة المصرية موافقته على هذا المسعى، إلا أنه تحت ضغط الأحداث في بلاده ونتيجة أيضاً للوشايات لم يحضر المؤتمر. ومرة أخرى أئار غضب الملك فؤاد حيث فشل المؤتمر في تحقيق طموحاته. لكن سرعان ما تم احتواء آثار الحادثين والتقت إرادة الطرفين على تجاوزهما، ففي عام 1926 دعت الحكومة المصرية الأمير سعود، ولي العهد السعودي، لتلقي العلاج في مصر من مرض الرمد. قوبل الأمير سعود بحفاوة بالغة استثمرها بعض السياسيين المصريين في التوسط بنجاح لتحسين العلاقات بين البلدين. إلى أن تمكن علي ماهر، رئيس الحكومة المصرية، ووكيل الخارجية السعودية، فؤاد حمزة، في مايو/أيار 1936 من عقد &laqascii117o;معاهدة صداقة وتعاون" تضمنت اعتراف مصر بالمملكة العربية السعودية، وإقامة تمثيل دبلوماسي معها، وتصفية المشكلات المثارة بين البلدين؛ بما في ذلك استئناف إرسال كسوة الكعبة من مصر والمساهمة في عمارة الحرمين الشريفين. كما وقّعت اتفاقية أخرى عام 1939، وتلتها اتفاقيات أخرى كلها تدور حول أسس تطوير العلاقات والدور المصري في بناء وتنمية الدولة والتوسع في البعثات الدراسية للطلبة السعوديين.
شهدت السنوات التالية استقراراً ملموساً في العلاقات وارتفاعاً في معدلات التنسيق والتشاور في ما بينهما حول القضايا الهامة، وخاصة القضية الفلسطينية ومسألة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ثم الموقف بعد إعلان الدولة العبرية. وكثف الملك عبد العزيز من اتصالاته مع الملك فاروق بهدف إقناعه بإرسال الجيش المصري إلى فلسطين، وإحباط ما اعتبره وقتها &laqascii117o;تواطؤاً" من الملك عبد الله ملك الأردن مع الحركة الصهيونية، والتي دعمها بمراسلات مختلفة لكل من الرئيس الأميركي روزفلت ومن بعده ترومان. ومع ونستون تشرشل، رئيس الحكومة البريطانية، لشرح الموقف العربي وبيان مخاطر المشروع الصهيوني. اقترن هذا التحسن أيضا بجهود سعودية حثيثة لدى بريطانيا لتأييد المطلب المصري لإنهاء الاحتلال البريطاني لمصر، والتضامن معها في رفض المشروعات الغربية لإقامة تحالف مساند للغرب في الشرق الأوسط. وقد شارك الملك عبد العزيز في عدة اجتماعات مع الملك فاروق في القاهرة والرياض، وانضم إليهما في بعض الأحيان الرئيس السوري، شكري القوتلي، جاءت كلها تعبيراً عن متانة العلاقات المصرية - السعودية وأهمية التنسيق المستمر إزاء القضايا الحيوية في العالم العربي والرغبة في التصدي للمحور الهاشمي المشكل من العراق والأردن، والذي استهدف إحياء مشروعات &laqascii117o;الهلال الخصيب"، أو &laqascii117o;سوريا الكبرى"، كامتداد لحلم الشريف حسين في إقامة &laqascii117o;المملكة العربية المتحدة" تحت سيطرة التاج الهاشمي.
تواصل هذا المعدل العالي من الاتصالات بين البلدين بعد قيام ثورة يوليو/تموز 1952، وبعد اعتلاء الملك سعود العرش إثر وفاة عبد العزيز في نوفمبر/تشرين الثاني 1953 كانت أول زيارة يقوم بها خارج السعودية هي زيارته لمصر في 20 مارس/آذار 1954، وكان أيضاً أول رئيس دولة يزور مصر رسمياً بعد الثورة. وفي هذه الزيارة تم الاتفاق على تأسيس &laqascii117o;المؤتمر الإسلامي" كمنظمة تعنى بشؤون المسلمين، وتنسيق مواقف البلدين تجاه قضايا المغرب وتونس والدفاع عنها في الأمم المتحدة وكذلك تجاه مشروع &laqascii117o;حلف بغداد" وانضمام العراق له. على أنه بدءا من ربيع 1956 بدأت القاهرة تستشعر محاولات أميركية وبريطانية للوقيعة بين البلدين، وتأليب الملك سعود على مصر باعتباره الزعيم الذي يمكن الاعتماد عليه في المنطقة في حشد العالم الإسلامي والدول العربية لمواجهة التهديد الشيوعي. وذلك بعد &laqascii117o;صفقة الأسلحة التشيكية" التي وقعتها مصر في أكتوبر/تشرين الأول 1954، ورفض الثورة المصرية التجاوب مع مشروعات الأحلاف الغربية وتنامي دعمها لثورات التحرير العربي خاصة في الجزائر، وهو ما تكشف في ما بعد في ما عرف بالخطة &laqascii117o;أوميغا" التي وضعت بالمشاركة بين واشنطن ولندن. وترتيباً على هذه الشكوك، بادر عبد الناصر بزيارة الرياض في 20 إبريل/نيسان 1956 لطمأنة الملك، والتحقق مما إذا كان هناك تغيير محتمل في مواقفه. لكن الملك أكد ثبات مواقفه وانتهت الزيارة بتوقيع اتفاقية عسكرية، وأخرى لتوثيق علاقات الصداقة بين البلدين. ومع إعلان عبد الناصر تأميم قناة السويس فى26 يوليو/تموز من العام نفسه، بادر الملك سعود بإعلان تأييده الكامل لهذه الخطوة. كما أكد ولي عهده، الأمير فيصل، الموقف نفسه في حديث للإذاعة المصرية، وتواصل الموقف نفسه خلال العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر/ تشرين الأول 1956. وتنوعت صور التأييد السعودي ما بين الدعم المالي والتحركات السياسية والدبلوماسية، بل إعلان التعبئة العامة وإبلاغ عبد الناصر أنه يضع كل الإمكانيات ويضع القوات السعودية، إضافة للمطارات والموانئ السعودية تحت تصرفه وتصرف الجيش المصري.
المرحلة الثانية من 1956 إلى 1967
مع انتهاء العدوان الثلاثي وخروج القوات الأجنبية من الأراضي المصرية، شهدت المنطقة العربية صعوداً غير مسبوق للتيار القومي العربي، بزعامة جمال عبد الناصر، وتنامي النزعة الاستقلالية التي تدعو لكسر احتكار الغرب للنفوذ في الشرق الأوسط. بينما عمل الغرب من جانبه على الدفاع عن نفوذه بكل الوسائل، وكثفت الإدارة الأميركية من اتصالاتها في المنطقة، وكان الملك سعود من أكثر المستهدفين بهذه الاتصالات. ويقول أيزنهاور في مذكراته عن هذه الفترة: &laqascii117o;إن الملك سعود هو الشخص الوحيد الذي يستطيع بنجاح أن يتحدى عبد الناصر في قيادة العالم العربي، ويحوّل حركة القومية العربية من مساندة الاتحاد السوفياتي لتكون في جانب الغرب ولا أرى أمامنا غيره، وهو الشخص الذي يجب علينا أن نتمسك به".
وواصلت الأجهزة الأميركية المختلفة جهودها للوصول بالخطة &laqascii117o;أوميغا" إلى نهايتها المرجوة أميركياً، وقد احتوت يوميات أيزنهاور، المحفوظة في مكتبة الكونغرس، على العديد من المؤشرات في هذا المجال والتي تعكس الرغبة الجامحة لدى الإدارة الأميركية لعزل السعودية عن مصر وإحداث انقسام بينهما. وتشير التطورات اللاحقة بعد ذلك إلى نجاح التحالف الغربي (الولايات المتحدة الأميركية - بريطانيا - قيادة &laqascii117o;حلف الناتو") في تحقيق الهدف المنشود.
بدا، من جانب آخر، أن انشغال عبد الناصر بالتطورات التي أعقبت انتصاره السياسي الضخم في مواجهة العدوان الثلاثي، وصعوده كزعامة قوية للتيار القومي، قد أدى إلى تراجع اهتمامه ولو مؤقتاً بالموقف السعودي. وضرورة متابعة متغيراته مقارنة بما كان يجري قبل العدوان؛ مما أفسح المجال للتآمر الغربي أن يجني ثماره في إثارة الفتنة وعزل الرياض عن القاهرة. لكن التداعيات داخل السعودية نفسها كانت أكثر عمقاً، فقد انفجر الصراع داخل الأسرة المالكة، وبدأ الأمير فيصل يستحوذ على السلطة الفعلية تدريجياً مع تصدير الملك سعود كواجهة فقط لاستيعاب الانتقادات وتحمل مسؤولية الأخطاء. وبدأ الخط البياني للخلافات يتصاعد حتى حُسم بالفعل بإقصاء سعود واعتلاء فيصل عرش السعودية في منتصف عام 1964، حيث كانت أزمة الصراع المصري - السعودي في اليمن قد بلغت ذروتها. واتخذت العلاقات بين البلدين نهجاً مغايراً تماماً للأسس التي وضعها الملك عبد العزيز، منذ توليه الحكم. وبغض النظر عن بعض فترات التهدئة التي تخللت هذه المرحلة، وما بدا من محاولات للتسوية السياسية، إلا أن نهج العداء والدخول في مرحلة كسر الإرادات كان هو السمة الغالبة التي صبغت العلاقات طوال هذه الفترة ارتباطا بمشهدين رئيسيين: المشهد الأول هو ظهور الاتحاد السوفياتي بقوة في الأزمة اليمنية، وتوافق سياسته في بعض الأحيان مع مواقف القيادة العسكرية المصرية في إبقاء الصراع العسكري مشتعلاً إلى أن يستقر الأمر تماماً لمصلحة قيادة النظام الجمهوري. وخروج البريطانيين من الجنوب العربي المحتل، ولا مانع في هذا المناخ من العمل على إفشال أية اتفاقات أو جهود سياسية لتسوية الأزمة سلمياً، مما أثر على حرية الحركة المتاحة للقيادة السياسية ورغبة عبد الناصر في إنجاح التسوية السياسية، والخروج من المأزق، خاصة بعد تكالب قوى عديدة، عربية وغير عربية، لتنفيذ خطة استنزاف منظمة للقدرات المصرية. أما المشهد الثاني، فكان على الطرف السعودي حيث تميز بدوره بالعداء الشديد لعبد الناصر والتيار القومي، والحرص على إسقاط أية قيود قد ترد على المنهج السعودي في إدارة الصراع في سبيل تحقيق أهدافه. وتمثلت الأخيرة في التخلص من عبد الناصر وهزيمة التيار القومي وإعادة الملكية لليمن، وفي هذا الإطار تنوعت جهود السعودية لمحاصرة الدور المصري على الصعيدين العربي والإسلامي. من تأسيس تحالفات عسكرية وسياسية مع كل من الأردن وإيران، وغض النظر عن دخول إسرائيل طرفاً مباشراً في العمليات العسكرية من خلال طلعات جوية لإسقاط المؤن والسلاح والمعدات من الجو للقوات الملكية في مواقعها، وذلك بعد هروب بعض الطيارين الأردنيين والسعوديين المكلفين بهذه المهمة إلى مصر طلبا للجوء السياسي. ثم حثت السعودية الإدارة الأميركية على اتخاذ إجراء محدد ضد عبد الناصر، مباشرة أو بواسطة إسرائيل. وقد برر كمال أدهم، رئيس المخابرات السعودية الأسبق، في حوار مع محمد حسنين هيكل، هذه التحركات بأنها كانت دفاعاً عن العرش السعودي الذي يتحمل الملك فيصل مسؤوليته.
- 'السفير'
تحالف عراقي إقليمي لإسقاط المالكي
إيلي شلهوب:
يستعيد العراق هذه الأيام أجواء ما بعد انتخابات عام 2010، من حيث تكتل أطراف عراقية وإقليمية، تتقدمها السعودية وقطر، لإسقاط نوري المالكي، لغايات متعددة، بينها استنتاج خليجي بأن &laqascii117o;الطريق إلى دمشق تمر ببغداد"، في ظل معلومات عن اعتماد تكتيك &laqascii117o;الضغط بالأمن لانتزاع مكاسب بالسياسة"، مع ما يعنيه ذلك من مخاوف من حمامات دم في بلاد الرافدين.
كأن العراق بات محكوماً بالمأساة. الأزمة الداخلية تزداد تعقيداً، وتتهدد بتفجير العملية السياسية، ومعها الوضع الأمني، مع عودة السعودية وقطر إلى اللعب بالنار العراقية، ببرَكَة تركية، في خطوة تستهدف إطاحة رئيس الحكومة العراقية، نوري المالكي، وتشديد الطوق على سوريا، بعدما برهنت تطورات الأشهر الأخيرة أن الطريق إلى دمشق تمر من بغداد. وما إرجاء مؤتمر المصالحة الوطنية الذي كان مقرراً إلا تفصيل صغير في هذا السيناريو. أوساط المالكي تتحدث عن معلومات أمنية تفيد بأن جهات سعودية وقطرية، بدعم من أطراف داخلية، تستعد لشن موجة من الهجمات والتفجيرات، في محاولة للضغط أمنياً على رئيس الوزراء لانتزاع تنازلات سياسية منه، في الداخل عبر تعزيز وضع الأطراف المناوئة له في الحكم، وفي الخارج خاصة حيال سوريا. وتوضح أن جهاز أمن رئاسة الوزراء اعتقل قبل القمة العربية، التي عُقدت أخيراً في بغداد، مجموعة من الخلايا وصادر كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة، بينها صواريخ حديثة، كانت تستعد لاستهداف القمة وتنفيذ ما يطلب منها بعدها. الأوساط نفسها تؤكد أن &laqascii117o;الغاية كلها مما يجري هي العمل على إعادة العراق إلى حظيرة السعودية، وهو ما لن يحصل. يراهنون على إسقاط المالكي، معتقدين أن خليفته سيدفع البلد شيئاً فشيئاً نحن المحور السعودي القطري". ويبدو أن القيادات السعودية والقطرية شعرت بأن المالكي يؤدي خدمات للمحور الإيراني. يأخذون عليه أنه فوت الفرصة عليهم لتصعيد الضغط على دمشق. تصريحاته المؤيدة لبشار الأسد والجازمة بأنه &laqascii117o;لن يسقط" لم ترقهم، وحبر بيانات القمة لم يجف بعد. أيقنوا أن كل الكلام المهادن قبيل القمة لم يكن إلا لضمان انعقادها، وليس تغييراً في الموقف العراقي. بات واضحاً بالنسبة إليهم أن التغيير في دمشق لن يحصل إلا عبر تغيير في بغداد، حيث هناك أطراف عديد تدفع باتجاهه لحسابات محلية ضيقة، عنوانها اتفاق أربيل وتوزيع السلطة والثورة. إلا أن المشكلة الرئيسية في الحسابات الإقليمية بات واضحاً أنها نقل العراق من محور إلى آخر.
وبغض النظر عن خلفية كل من الأطراف، النتيجة الوحيدة المحسومة هي أن الأزمة لا تزال في ريعان شبابها، وتكتيك &laqascii117o;ضرب الأمن للإمساك في السياسة" سيسفك الكثير من الدماء، و&laqascii117o;سيبقى المالكي ما دام الله وإيران راضيين عنه". جرت العديد من المحاولات، خلال الأسابيع الماضية، لخلط الأوراق في العراق، عبر مصالحة المالكي مع أسامة النجيفي، ليشكلا مع جلال الطالباني محور سلطة، في مواجهة محور آخر يضم مسعود البرزاني ومعه طارق الهاشمي برفقة إياد علاوي. إلا أنها جهود بات واضحاً أنها لم تبلغ نهايتها السعيدة. أوساط النجيفي تلقي باللوم في ذلك على المالكي الذي لا يستقبل رئيس البرلمان ولا يرد على مكالماته الهاتفية، برغم أنه أحد كبار القادة السنّة وشاغل إحدى الرئاسات الثلاث. كذلك الأمر بالنسبة إلى أوساط صالح المطلك التي تؤكد أن طريقة تعامل المالكي معه هي نفسها مع كثير من الساسة، مثلاً كأن يستغل إذن سكنهم في المنطقة الخضراء سنوياً للضغط عليهم، فضلاً عن قطع الكهرباء والماء أو وضع دبابة أمام منزلهم للغاية نفسها. يقولون إنهم حاولوا أكثر من مرة الانفتاح عليه وتحسين العلاقات معه، بوساطة أطراف إقليمية، من دون استجابة من قبله. على العكس، يبدو أن الأمور انتهت إلى اتفاق بعيد عن الأضواء، حاكى التفاهمات التي كانت معقودة عشية الاتفاق على تأليف الحكومة الحالية. مكوناته: القائمة &laqascii117o;العراقية" ومعها التحالف الكردستاني، وبعض الأطراف الشيعية. هدفه: الضغط بشتى الاتجاهات في الداخل، والطلب إلى الدول والأطراف الإقليمية المعنية بالقرار العراقي، تغيير نوري المالكي. لسان حاله: مستعدون للقبول بأي رئيس حكومة تطرحونه. فليكن إبراهيم الجعفري، وإن حصلت معوقات فلا مانع من أحمد الجلبي. رسالة يفترض أن ينقلها رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجريفان البرزاني في زيارته لطهران، فيما يستعد رئيس الإقليم مسعود البرزاني لحملها معه إلى واشنطن، وآخرون لإبلاغها للأطراف الإقليمية الأخرى المعنية. من يستمع إلى أوساط هؤلاء يستشف من بين ثنايا كلامهم وكأن هناك من سرب لهم أن موقف طهران من المالكي قد اهتز، في معلومات، بغض النظر عن مدى صحتها، شكلت بالنسبة إليهم الحافز الأساسي للتحرك.
التحالف ضد المالكي
نظرة عامة على التحالف ضد المالكي تظهر وكأنه يضم الفئات الكبرى العراقية الثلاث: الأكراد والسنّة والشعية. لكن نظرة لصيقة بتشكيلات هذا التحالف تظهرهم على الشكل الآتي:على الساحة الكردية، يبدو الفريق الأكثر تطرفاً ضد المالكي هو مسعود البرزاني. أصلاً مجرد استقباله لطارق الهاشمي، ومعه التصريحات النارية ضد رئيس الوزراء خير دليل على ذلك. أليس هو من وصف المالكي بأنه الديكتاتور الجديد، وأليس هو القائل إن &laqascii117o;قاتل الشيعة يجلس اليوم على كرسي القائد الأعلى للقوات المسلحة". ولا شك في أن موقف البرزاني مفهوم. هو والمالكي أعداء بحكم مواقعهم وتوجهاتهم السياسية. واحد يدفع نحو لامركزية ترقى إلى حد الانفصال وآخر نحو مركزية صارمة ترقى حد القبضة الحديدية. لكن إلى جانب البرزاني، هناك جلال الطالباني الذي يبدو أنه يمسك العصا من الوسط، في ترجمة أمينة لواقعه: من ناحية، هو كردي يحلم بكردستان، ومن ناحية أخرى هو رئيس الجمهورية المؤتمن على وحدة العراق. هو شريك البرزاني في كردستان، وشريك المالكي في العراق. صديق للدول العربية وتركيا الداعمة لتوجهات البرزاني، وحليف وثيق لإيران الداعمة للمالكي.وعلى نقيض هذا وذاك هناك، هناك &laqascii117o;حركة التغيير" الكردية التي يتزعمها نيشروان مصطفى، وهي ضد الحزب الديموقراطي وضد الاتحاد الوطني ويستبعد أن تسير معهما في تصويت لإقصاء المالكي من الحكومة، يدفعها إلى ذلك العلاقات التي تربطها بهذا الأخير.على الساحة السنية، والمقصود هنا القائمة &laqascii117o;العراقية"، فهي لم تعد كما كانت عليه يوم فازت بمقاعدها الـ٨٩. وقتها جمع مكونات العراقية عداؤهم للمالكي وما يمثله، قبل أن تفرقهم المصالح وكعكة السلطة، ليعود الزعماء بينهم للتكتل ضد المالكي وإنما بجسم متصدع نالت منه صراعات العامين الماضيين: &laqascii117o;العراقية البيضاء" انسحبت من القائمة الكبرى ومعها جماعة رئيس الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية جمال الكربولي، فضلاً عن ظاهرة التسرب الفردي التي عصفت بالقائمة العراقية وجعلت جسمها ضعيفاً هزيلاً. تبقى الساحة الشيعية، حيث من المؤكد أن تكتل دولة القانون والتكتل الثلاثي الذي يضم حزب الفضيلة ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق، لا يزالان على تأييدهما للمالكي. يبقى المجلس الأعلى، وإن كانت هناك تسريبات تشير إلى أنه في الطرف الآخر، إلا أنه لا يستطيع أن يجاهر بموقفه هذا، لا في الكلام ولا في البرلمان، وبالتالي فهو مضطر إلى اعتماد سياسة الغموض. والتيار الصدري، الذي يبدو أنه لا يسير في ركب معارضي المالكي، على الأقل ظاهرياً، فضلاً عن استبعاد أن يكون في الخندق نفسه مع المجلس الأعلى في هذا الملف. وإذا ما اعتمد القياس بمواقفه من الأزمة الحكومية السابقة، فهو لا بد من أنه سيناكف المالكي لانتزاع أكبر قدر من المكاسب منه من دون أن يخرج من كنفه.وصحيح أن قطر والسعودية، ومعهما تركيا، تدعم بالكامل هذا الحراك المستجد، لكن المعلومات الواردة من طهران، لا تُظهر أي تراجع في الدعم الإيراني للمالكي، بل على العكس، تتزايد في الجمهورية الإسلامية معدلات التمسك بالمالكي &laqascii117o;الذي أثبت أنه حليف يمكن الاعتماد عليه"، بدليل مواقفه الصارمة من الانسحاب الأميركي من العراق ومن الملف السوري... &laqascii117o;وهل ينسى أحد كيف وقف إلى جانب (الرئيس الأميركي باراك) أوباما يعلن رفضه تنحي (الرئيس السوري بشار (الأسد)". أما سورياً، فيبدو بديهياً أن دعمها له، وإن حصل عليه بضغط إيراني ولضرورات إقليمية عند تشكيله حكومته الحالية، إلا أن مواقفه من الأزمة التي تعصف بدمشق لا بد أنها جعلت هذه الأخيرة من أشد داعميه.الفريق الدافع باتجاه إقالة المالكي يطرح تنفيذ اتفاقات أربيل عنواناً لمعركته مع المالكي. يقول بضرورة تطبيقها قبل أي مصالحة على المستوى الوطني. ومعروف أن هذه الاتفاقات، التي شُكلت الحكومة بناءً عليها، تنص على آلية لتشكيل حكومة برئاسة المالكي وفقاً لتسعة بنود هي احترام الدستور، والحكم بالتوافق والتوازن، وإنهاء عمل هيئة المساءلة والعدالة، وتفعيل المصالحة الوطنية، وتشكيل حكومة شراكة وطنية. الاتفاق نص أيضاً على منح منصب رئاسة الوزراء للتحالف الوطني وتشكيل مجلس جديد أطلق عليه &laqascii117o;مجلس السياسات الاستراتيجية" تناط رئاسته بالقائمة العراقية، وتحديداً بشخص إياد علاوي الذي قرر في وقت سابق التخلي عن المهمة. في المقابل، فإن المالكي وفريقه يقود المعركة تحت عنوانين: الأول أن مشاكل العراق أكبر بكثير من اتفاقية أربيل، ولا بد من وضعها كلها على بساط البحث من أجل التوصل إلى مصالحة وطنية، من قضيتي توزيع الثروة والسلطة، إلى مسألة كركوك والمناطق المتنازع عليها، وغيرها من القضايا الخلافية. أما العنوان الثاني فهو الاحتكام للدستور لحل هذه الخلافات.الفريق الأول متمسك بتطبيق اتفاقيات أربيل قبل الجلوس إلى طاولة المصالحة، فيما الفريق الثاني متمسك بحل رزمة شاملة، وهو السبب الرئيس الذي دفع بالنجيفي يوم أمس إلى إعلان إرجاء مؤتمر المصالحة الذي كان الطالباني قد أعلن عقده في الخامس من الشهر الجاري، إلى أن &laqascii117o;تستقر الرؤى والافكار ونتوصل إلى تهدئة للوضع السياسي"، داعياً إلى &laqascii117o;الاتفاق على جدول الأعمال" أولاً.حكاية طارق الهاشمي تفصيل آخر في هذا الصراع الذي يدافع فيه المالكي عن نفسه، فيما الفريق الآخر يلعب ورقته الأخيرة مقتنعاً بأن أي تراجع له يعني نهايته. حال لا بد أن تستغلها دول مثل السعودية وقطر أبعد استغلال، في لعبة عنف دامية، بانتظار ضغوط الوسطاء الإقليميين باتجاه اتفاقات جزئية مؤقتة (مثل مصالحات بين المالكي وبين بعض الرموز) تريح الوضع بعض الشيء في بعض الجوانب من دون أن تنجح في تحقيق تسوية شاملة.
تراجع عن كلامه
زار وفد عراقي سياسي قبل نحو أسبوعين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. انطباعه أن الزعيم التركي يبدو محبطاً من الوضع في سوريا، لكنه لا يزال عند تشنجه من نظام الرئيس بشار الأسد. ولما سئل ما العمل؟ كان جوابه &laqascii117o;اذهبوا وابحثوا أنتم عما يجب فعله". كذلك زارت شخصية عراقية بارزة السفير الأميركي في بغداد قبل أيام. ولما سئل السفير عن النظام في سوريا كان جوابه &laqascii117o;أسحب كلامي السابق النظام باقٍ". وكان السفير نفسه قد قال للشخصية نفسها أواخر العام الماضي، رداً على السؤال نفسه، &laqascii117o;لا تتعبوا أنفسكم، إن نظام الأسد ساقط حتماً". وأخيراً، أفادت مصادر عراقية معنية بأن رئيس المجلس الوطني السوري، برهان غليون، أجرى أخيراً سلسلة اتصالات بقيادات من القائمة &laqascii117o;العراقية" يطلب إليها العمل على إغلاق الحدود في وجه المقاتلين المؤيدين للأسد الذين يتوجهون إلى سوريا، في مقابل تسهيل مرور المقاتلين الذين يرغبون في مقاتلته ومعهم أسلحتهم.
- 'النهار'
لا دِين للدولة: هل يجرؤ السوريون غير الأصوليين؟
جهاد الزين:
مهمة فصل الدين عن الدولة قد تكون 'أسهل' في سوريا وتونس عما هي في مصر. وهذا له 'ترجمة' جوهرية آن الأوان لصياغتها في مشروع ديموقراطي بعدما حاول بعثيو الستينات وأوائل السبعينات صياغتها في مشروع سلطوي بالقوة العسكرية.هنا المقال الثاني
يكاد يكون التاريخ السياسي الحزبي لسوريا المعاصرة بعد العام 1963 هو تاريخ الصراع بين حزب البعث العربي الاشتراكي وجماعة 'الإخوان المسلمين'. واذا كانت مواجهات الخمسينات الانتخابية بينهما، لاسيما في دمشق، كرا وفرا ديموقراطيا لكل منهما، فإن السمة العنفية طبعت معظم مواجهات منتصف الستينات واوائل السبعينات التي كان فيها 'البعث' شاهرا سيف القوة العسكرية للدولة و'الإخوانُ' سيفَ الاحتشاد في الجوامع لإحراج أخصامهم البعثيين، الى أن حصلت القطيعة النهائية مع انتقال 'الإخوان' للمواجهة المسلحة الشاملة مع النظام البعثي الذي كان قد أصبح منذ اكثر من 8 سنوات تحت القيادة المُحْكَمة للرئيس حافظ الاسد.
بعثيٌ معارض سابق وعتيق فرّ طويلا من سوريا حتى أواخرالسبعينات و يقيم منذ ذلك الحين بسلام بين 'حي الميدان' في 'جُلّق' (أحد أسماء دمشق الشائعة) وبيروت، هو نبيل الشويري، كَتَب في كتابه الأخير 'الهوية والذاكرة' الصادر عن 'دار رياض الريس'(2010) أنه كان على معارضي حافظ الاسد أن يبادروا الى إدانة مجزرة الكلية العسكرية في حلب التي ارتكبها 'الإخوان المسلمون' عام 1978 وذهب ضحيتها مئات تلامذة الضباط البعثيين والعلويين... لكي يحق لهم أخلاقيا وسياسيا برأيه إدانة المجزرة الأفظع التي سيرتكبها النظام لاحقا في حماه (ص208-209). والذي كنا نخشاه بعد القرار الدولي الإقليمي بـ'عسكرة' الثورة السورية بدأ يحصل ويتكرر بذلك الالتباس الأخلاقي السياسي الذي يشير اليه كتاب الشويري. فقد أخذ كثيرون الآن بالقول ان المجازر الحاصلة لم يعد يتحمّل مسؤوليتها النظام وحده بل المعارضة 'المُعسكَرة' أيضا. وها هي طلائع هذا الموقف تظهر في الصحافة العالمية مع تقرير 'ديرشبيغل' عن حمص.كانت مواجهات 1964 التي امتدت الى دمشق وحلب وبانياس - وانفجرت في حماه - هي مواجهات بين'الإخوان المسلمين' ومعهم نسبيا الناصريون المستَبعَدون من السلطة و بين الشخصيات (السُنّية) على رأس 'البعث' بقيادة الرئيس أمين الحافظ كرئيس للدولة وصلاح الدين البيطار كرئيس للوزراء ونورالدين الأتاسي كوزيرللداخلية ولكنها بلغة تلك الأيام 'القيادة القومية' المسيطرة والمتعددة الطوائف فعلا بقيادة ميشال عفلق. فوزير إعلام المواجهة المتحمس جدا لقمع 'الرجعيين' كما تُظهِر البيانات التي كان يصدرها هو (الدرزي) شبلي العيسمي (الذي نتمنى له العودة سالما من اختطافه المشين من عاليه) فيما كان عبد الحليم خدام هو محافظ حماه كما سبقت لي الاشارة في مقال سابق.ثمة ملاحظة يستوجبها ذلك الاستذكار هي تلك التي يرصدها الباحث الاميركي المرموق ستيفن هايدمان في كتابه الصادر عام 1999 عن 'منشورات جامعة كورنل' الذي أهداني الكاتب الصديق نسخة منه قبل بضع سنوات: Aascii117thoritarianism in Syria وصدر مؤخرا عن 'دار رياض الريس' بالعربية تحت عنوان:التسلطية في سوريا. في هذا الكتاب الذي يرصد علاقة تشكّلِ المؤسسات بالصراع الاجتماعي في سوريا بين عامي 1946 و1970 يتابع هايدمان نوع التواصل وحدوده بين جماعات التجار والصناعيين السوريين وبين 'الإخوان المسلمين' في مواجهات 1964 فيلاحظ أن نوعا من التنسيق كان يظهر بوضوح بين الفئتين كلما كان 'البعث' عبر الدولة يتخذ إجراءات اكثر اشتراكية كاستكمال تأميم بعض الشركات.
وهو تحالف تَفكَّك بمعناه الداخلي لاحقا مع انتصار السلطة البعثية ولايزال متفككا الى اليوم في الحرب الاهلية المندلعة خلال الثورة السورية عبر 'هدوء' دمشق وحلب ... إنما علينا ان نتساءل في ظل الظروف الجديدة كليا الى متى يمكن لـ'هدوء' البورجوازية السورية القديمة والجديدة السنية والمقيمة في الداخل ... ان يستمر وكيف؟ وإذْ نميّز بين بورجوازية داخل وبورجوازية خارج فلأن تراكما لثروات كبيرة حققها أفراد سوريون في الخارج وخصوصا حول 'الإخوان المسلمين' في دول الخليج النفطية. لكن لا ينبغي الالتباس هنا. فلا في الماضي - بعد عام 1963 - ولا في الحاضر كان هناك شعار اقتصادي يتقدم على الشعار الديني او السياسي لـ'الإخوان المسلمين'. بينما كانت القيادة البعثية في زمن وجوه 'سنية' قيادية فاعلة كالحافظ والبيطار والأتاسي والعديدين غيرهم تخوض أحيانا معارك سياسية بسبب محاولتها تمريرعلمنة للدستور من نوع عدم الاشارة الى الاسلام كدين رئيس الجمهورية. وغالبا ما تصيَّدها 'الاخوان المسلمون' بنجاح و أحبطوا محاولتها هذه. كان لـ'البعث' فعلا مشروع علماني ما بدينامية متعددة الطوائف من شرائح من الطبقة الوسطى. لكنه كان مشروعا سلطويا انقلابيا بعدما فقد حزب'البعث' طاقته الديموقراطية التي كانت له في عصره الذهبي الديموقراطي بين العام 1954 والعام 1958 .اليوم تَحوّل خطاب 'الإخوان المسلمين' الى خطاب ديموقراطي مع قدَر غير واضح ولكن أكيد من العودة الى الانخراط العنفي المسلّح ضمن 'عسكرة الثورة'. لكن لنلاحظ أنه كلما ازداد خطابهم انخراطا في مشروع تعددي ديموقراطي منذ 2001 حتى صدور 'ميثاقهم' الأخير كلما ازداد توغلهم في اللغة غير الدينية. ذلك يضيئ على حقيقة جوهرية ان السياق الديموقراطي بحكم تكوينه العميق هو سياق 'علماني' اي سياق المزيد من فصل الدين عن الدولة. لغة 'الاخوان' المعلنة تندفع بهذا المعنى ليس فقط في مجتمع متعدد مثل سوريا بل في المجتمعات الوحدانية دينيا، نحو مآلٍ 'سيكولاري' غير ديني في مقاربة النظام السياسي سيجد 'الإخوان المسلمون' وسنجد معهم انهم سيصلون في نهاية الامر الى مفترق خطير: التخلي عن مشروعهم الديني او تغيير طبيعته. وهذا ما أخذ 'حزب النهضة' التونسي يكتشفه على مستويين: الضرورة الديموقراطية والضرورة الوطنية اي ضرورة الوفاق الوطني. وهذا مفترق سيجد أيضا 'الإخوان المسلمون' المصريون أكثر فأكثر أنفسهم لا يستطيعون تلافيه.لكن إذا كانت مصر دولة 'سلطانية' التقاليد أي لرئيس الدولة، ملكاً او رئيسَ جمهوريةٍ، موقعُ 'الخليفة' بعد الفتح الاسلامي حيال الكنيسة القبطية التي ورثت بدورها هذه العلاقة، فإن تونس ليست كذلك، كما أن سوريا رغم انطوائها على بعض هذا المعنى 'السلطاني' الا انه ليس معنى متجذرا ولهذا فإن مهمة فصل الدين عن الدولة قد تكون أسهل فيهما؟ (سوريا وتونس). وهذا له 'ترجمة' جوهرية آن الأوان لصياغتها في مشروع ديموقراطي بعدما حاول بعثيو الستينات وأوائل السبعينات صياغته في م