- 'الاخبار'
الإمارات تخشى 'الربيع'
سحب الجنسيّات وخنق الحريّات وسط دعم قبلي
محمد صالح:
الوضع في دولة الإمارات العربية المتحدة يبدو كالنار تحت الرماد. والرماد هنا هو اجتماع السلطة مع القبلية والرخاء الاقتصادي والنفطي، ما يجعل مسألة الحقوق الدستورية والمجتمع المدني بعيدة عن سلّم أولويات المجتمع الإماراتي الذي يتقاطع بين السكان الأصليين والوافدين إلى الدولة الخليجية. في ظل هذا التوجه، قرر حكام أبو ظبي اتّباع سياسة النأي بالنفس عن ثورات الربيع العربي في الخارج، أما في الداخل فقرروا عدم التساهل مع أي نسمة ثورية، ولو جاء الأمر في سياق انتهاك القوانين والأعراف. فبعد قضية المدوّنين الإماراتيين الخمسة، ها هي الدولة تسحب جنسيات ستة مواطنين بعدما اتهمتهم بالارتباط بمنظمات وشخصيات &laqascii117o;إرهابية"...(للقراءة).
- 'الاخبار'
برج حمود: مهجّرون ومحتلّــون مقيمون في الحــرب
الضاحيّة الأولى التي احتضنت النازحين هي النبعة
أحمد محسن:
أخيراً رُمّم العقار 4427 في برج حمود، الذي أنشئت المباني فوقه عام 1958. كانت أحداث ذلك العام إنذاراً سبق حرب 1975، لم يسمعه أحد. في عام 1976 هُجّر سكان العقار. جاء المحتلون. في عام 2008 استملكت البلديّة المبنى. رحل المحتلون. وحينها، ظهر المهجرون مجدداً. الحرب ــ على العقار ــ مستمرة، وأصبحت على طاولة &laqascii117o;مجلس شورى الدولة"...(للقراءة).
- 'الجمهوريّة'
أزمة الرقم
جورج علم:
لا يزال الرقم مخيفاً عند مقاربة الأمّية والفقر في العالم العربي، لم يغيّر الربيع شيئاً، بل زاد من تفاقم الأوضاع، أخذ الشعوب إلى اهتمامات أخرى، نسيَت فجأةً أنّ انعدام العدالة الاجتماعية كان من أبرز الأسباب التي فجّرت الانتفاضات، فإذا هي اليوم عشائريّة، مناطقيّة، طائفيّة، مذهبيّة، مصلحيّة. لم يطالب أحد بعدالة اجتماعيّة، أو ببرنامج اقتصاديّ – اجتماعيّ واضح الأهداف والمضامين، لم يتحدّث أحد عن توفير الحقوق البديهيّة: التعليم، العمل، السكن، الاستشفاء، وضمان الشيخوخة، الكلّ في حراك غير منضبط يبحث عن الأفضل، عن الحرّية، والعدالة، والحكم الرشيد، فيما النزف مستمرّ، ومعه الفوضى، فوضى في الشعارات، وفي وسائل تحقيقها.
الكلّ في زمن الربيع العربي مشغول بتحديد &laqascii117o;الكوتا" التي يطمح لأن تكون من نصيبه، ومن المهمّ والمفيد أن تتلوّن بلون طائفيّ أو مذهبيّ أو مناطقي أو فئوي. أمّا الاقتصاد، أمّا المال، والأعمال، ومستقبل الأجيال فحدّث ولا حرج، إنّها آخر الاهتمامات، والأصحّ إنّها لم تتمكّن من أن تحتلّ أيّ أولويّة، في أيّ موقع كان، لغاية الآن. في زمن الربيع العربي يثور الشعب، ويجوع الشعب، فيما المسيرة عادت تدور في الحلقات المفرغة...
ولا يزال الرقم مخيفاً في سوريا... سوريا العملة، والاحتياط، والمصرف المركزي، والموازنة، والصادرات والواردات، والرواتب، والمستحقّات... كلّها اهتمامات تحت المجهر، هناك من يراقب ويتابع ويرسم الخطط والسيناريوهات، ويتكهّن بالنهايات المحتملة. الاقتصاد سلاح فعّال في معركة التغيير، وسلاح يعتمد عليه لتجويف النظام من الداخل حتى يصبح عرضة للانهيار مع أوّل عاصفة تهبّ عليه من خارج الحسابات والتوقّعات المتداولة. يفكّر الأوروبّيون هكذا، العقوبات ليست مجرّد ترف مزاجي، إنّها ثمرة درس مُضنٍ، وتخطيط دقيق كامل وشامل، وعندما قرّرت دول الاتّحاد تطبيق العقوبات، إنّما اعتمدت الأسلوب المبرمج، ووفق سلّم أولويّات يأخذ بعين الاعتبار مدى جدواها وفاعليتها، ومردودات تأثيرها السلبي المباشر على النظام، وأيضا على الطبقات الشعبيّة.
الحاسوب الأوروبّي لا يخطئ، ولا الكومبيوتر الأميركي – الغربي، والتوقّعات أنّه في حقبة زمنيّة ما ستكون وتيرة الانهيار سريعة ودراميّة، تفاجئ الجميع إن من حيث التوقيت أو النوعيّة... إذا استمرّت لعبة الدم؟!.
ولا يزال الرقم صعباً في سوريا: من يموّل هيئة المراقبين؟؟ الأمم المتّحدة؟ مجلس الأمن؟ الدول الخمس الكبرى الدائمة العضويّة؟ الدول النفطيّة؟ مَن؟ الموضوع مُلحّ، وقفُ النار بحاجة الى مراقبين، والمتداول تشكيل هيئة تضّم 200 إلى 250 مراقباً دوليّا يصار إلى اختيارهم من القبّعات الزرق المنتشرة في الشرق الأوسط، الى جانب هيئة المراقبين العرب. المفاوضات مستمرّة، وهناك أكثر من بعثة أوفدها كوفي أنان الى المسؤولين السوريّين للتفاوض، هناك تحفّظ سوريّ مبدئي على هيئة المراقبين العرب، لم يعد النظام يعتبر أو يعير اهتماماً للجامعة العربيّة، وما ينبثق عنها من هيئات واجتماعات وقرارات وتوصيات، وليس في وارد تمويل أيّ بعثة مراقبين، لأنّه لا يطلبها، ولأنّ موقفه واضح أنّه ـ من وجهة نظره - قادر على فرض الأمن، وما على المعارضة إلّا أن تستجيب إذا كانت فعلاً تريد حقن الدماء. والرقم مخيف حقّاً في ربيع تونس، أنتجت صندوقة الاقتراع ديموقراطيّة أوصوليّة، وعاد الصراع ما بينها وبين الليبراليّين، الحرّية مكلفة في تونس، كذلك التنوّع والانفتاح. &laqascii117o;البوعزيزيّة" التي أطلقت ثورة الياسمين لم تحقّق شيئا من الشعارات التي رفعتها: البطالة، توفير فرص العمل، السكن، الطبابة، التعليم، الزواج وتكوين الأسرة... كلّها شعارات دفعت بالتوانسة الى الشارع، وعندما تمكّن الحراك من خلع النظام، أصبحت المطالب في خبر كان لأنّ الجميع عاد إلى المربّع الأول: من يحكم في تونس؟ أهل العمامة، أم أهل الإمامة؟!.
والرقم في مصر ضائع... أكثر من 50 بالمئة تحت خط الفقر، في بلد الـ 70 مليون فم، ومعدة. إنّ مصر السياسة في فوضى، والبعض يتذاكى فيقول إنّها في مرحلة المخاض، ولكن ماذا عن مصر الطعام، والرغيف، والمسكن، والمشفى، والجامعة؟ إنّها أولويات، ولكنّها في المؤخّرة حاليّا، التحدّي الآن: تبقى مصر أو لا تبقي، وإن بقيت فأيّ مصر ستبقى؟ مصر التنوّع، والديموقراطيّة، والانفتاح والاستقرار، أو فرعون جديد يأتي ببذّة مرقّطة من صفوف الضبّاط، أو من موقع الحليف للمؤسّسة العسكريّة، لكن بربطة عنق أميركيّة؟!.
الرقم في زمن الربيع العربي في عنق الأزمة، وبدلاً من أن تذهب الأموال النفطيّة نحو التنميّة، فإنّها تستثمر في العنف، إنفاق على الدمار بدلاً من الإنفاق على الإعمار.
- 'السفير'
الدعوة لإنهاء الاحتلال.. لن تنهيه
توماس فريدمان (ترجمة حسن الحاف):
ثمة أحداث كثيرة تجري في الشرق الأوسط اليوم، من المستحيل الإحاطة بها كلها في رأي واحد. لذا، نعرض هنا رأيين بثمن واحد. الرأي الأول: صحيفة &laqascii117o;هآرتس" الإسرائيلية، أفادت الأسبوع الماضي أن السجين الفلسطيني القائد مروان البرغوتي" أطلق موقفاً غير عادي من زنزانته. دعا فيه شعبه إلى إطلاق انتفاضة شعبية ضد إسرائيل، فضلاً عن وقف المفاوضات والتنسيق الأمني إلى جانب مقاطعة إسرائيل. وأوصى البرغوتي شعبه باختيار المعارضة السلمية". والبرغوتي، كما ذكرت &laqascii117o;هآرتس"، يعد أحد أكثر القادة الجديرين بالتصديق الذين أنجبتهم حركة &laqascii117o;فتح"، والقادرين على قيادة شعبهم نحو عقد اتفاقية، (...) ولو أن إسرائيل تريد عقد اتفاقية مع الفلسطينيين لكانت أطلقته من سجنه الآن". وأستطيع بالتأكيد رؤية فعالية المقاومة الفلسطينية السلمية للإسرائيليين في الضفة الغربية ـ إنما بشرط واحد: أن يشفعوا أي مقاطعة او اعتصام او إضرابات عن الطعام بخريطة مفصّلة حول التسوية النهائية للدولتين اللتين يسعيان إليهما. فالدعوة إلى &laqascii117o;إنهاء الاحتلال" لن تنهيه.
على الفلسطينيين ان يرفقوا أي دعوة للمقاطعة، وأي إضراب عن الطعام وأي صخرة يرمونها على إسرائيل بخريطة تحدّد كيف يمكن لهم، من أجل السلام، أن يقبلوا باسترجاع 95 في المئة من الضفة الغربية، فضلاً عن كل الأحياء العربية في القدس الشرقية، بالإضافة إلى استبدال الخمسة في المئة المتبقية بأراض داخل إسرائيل قبل العام 1967. فترتيب كهذا يسمح ببقاء حوالي 75 في المئة من المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، بالتلازم مع إعطاء الفلسطينيين مئة في المئة من الأرض. فمن خلال انخراط الفلسطينيين في عصيان مدني سلمي في الضفة الغربية من جهة، فضلاً عن حملهم تسوية معقولة للدولتين من جهة أخرى، يتبنون الاستراتيجية الوحيدة التي ستنهي الاحتلال الإسرائيلي: دفع الإسرائيليين إلى الشعور بعدم الأمان الأخلاقي، إلى جانب الأمان الاستراتيجي. ذاك أن القانون الحديدي الحاكم لعملية السلام قوامه ان من يجعل الغالبية الصامتة في إسرائيل تشعر بانعدام الأمان الأخلاقي في ظل الاحتلال، المتلازم مع الأمان الاستراتيجي، إنما هو الذي يربح.
الرأي الثاني: أحد الكليشيهات المبتذلة الرائجة عن الشرق الأوسط اليوم مفاده ان اليقظة العربية، نظراً لعدم تركيزها على مسألة الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، تثبت أن الصراع هذا لم يكن مهماً جداً. في الواقع، يجادل البعض، أن التركيز يجب ان يكون على إيران. الحقيقة أن اليقظة العربية جعلت من تسوية السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية ملحة أكثر من أي وقت مضى لسببين. أولاً، من المعلوم ان الأوتوقراطيين العرب استبدلوا بأحزاب إسلامية شعبوية. وفي ضوء ذلك، إذا انفجر العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الضفة الغربية لن يكون هناك جدار حماية ـ وهو الدور الذي كان يضطلع به الرئيس المصري السابق حسني مبارك ـ لمنع النيران من الانتشار مباشرة إلى الشارع المصري. ومن الأسباب التي جعلت العالم العربي راكداً فيما ازدهرت آسيا هو افتقار العرب إلى مثال محلي يمكن احتذاؤه ـ على طريقة احتذاء تايوان باليابان او هونغ كونغ. ومن شأن تعزيز هذا المثال ـ الذي سيقف في حالة تضاد يومي مع نماذج الإسلاميين المجاهدين في غزة وغيرها ـ من شأن ذلك ان يشكل خطوة ضخمة، وذخراً على المدى الطويل لإسرائيل، سيسهم في إعادة رسم العالم من حولها.
- 'الاخبار'
جنرال 3 بواحد
غسان سعود:
ليس في حديث العماد ميشال عون مع &laqascii117o;الأخبار" هذه المرة سؤال عن مصير الحكومة، ولا عن التعيينات أو الفساد أو علاقته بهذا الطرف أو ذلك. الجنرال يتحدث هنا عن يومياته، تياره من بعده وسرّ استمراريته
حين أعلمه العشي قبل يومين أن الغداء مخلوطة، طلب العماد ميشال عون من زوجته الست ناديا وضع يدها في الطبخة: قلت لها، الله يخليكي ديري بالك عليها. &laqascii117o;كنت ولا أزال نباتياً على &laqascii117o;حبوبيّ""، يردد مبتسماً إثر تذكره مقابلة صحافية مع طباخة القصر الجمهوري خلال وجوده في بعبدا، روت فيها عن ولعه بالمجدرة. في غياب ضيوف السياسة، غالباً ما يتغدى الجنرال في المطبخ الصغير، على طاولة لا تشبه طاولات أغلبية السياسيين. وفي حال تعذُّر الغداء &laqascii117o;tête à tête" مع الست ناديا، فسيكون العشاء كذلك. نحن عائلة متراصة، يقول عون، مستصعباً رداً على السؤال، تفضيل حفيد على آخر.
الأب الذكي بنظر عون، هو الذي يحضر في حياة أبنائه حصراً تقريباً حين يحتاجون إليه. في الصالون المعتم، ثلاثة جنرالات في رجل واحد: الجنرال الأب، الجنرال السياسيّ والجنرال العسكريّ. تلك واحدة من ميزات عون، مقارنة مع سياسيين كثر. فعلى المنبر وأمام الكاميرات غالباً ما يأخذ الجنرال العسكري الحيز كله، مغطياً الجنرالين الآخرين. وفي اللقاءات العونية غير المصورة غالباً، يبسط الجنرال السياسيّ نفوذه على سائر الجنرالات فيه. أما في صالون منزله أو في المكتب الضيق فتكثر النجوم؛ إذ يجتمع الجنرالات الثلاثة. هنا يمكن التعرف إلى عون الحقيقيّ، ويمكن فهم بعض سر تأثر هذا الجزء العريض من المجتمع (المسمى الحالة العونية) بالرجل: يستقبل عون ضيفه بدفق هائل من الحنان والاهتمام ليبني معه خلال دقائق قليلة علاقة شخصية، ثم يستعرض الخيارات السياسية في أية قضية تعرض أمامه قبل أن يختار وفق استراتيجية عسكرية ما يراه الخيار الأفضل ويدافع عنه بعناد، تماماً كما يفعل الجنود الميدانيون. لا يمر عسكريّ متقاعد بهذا المكتب إلا ويذكره عون بحادثة جمعتهما أو وردت إليه بالتواتر، فيشعر العسكري بأن لديه هو والقائد تاريخاً مشتركاً. ولا يمر عوني ناقم إلا ويخرج راضياً. يعلم عون في هذا السياق أن الجنرالات الثلاثة يصعّبون كثيراً مهمة من سيأتي بعده.
خلف المكعبات الباطونية التي أقامتها بلدية الرابية قبيل منزل رئيس تكتل التغيير والإصلاح، يتغير المشهد: تبدو الحياة هنا أقرب إلى جزين أو البلدات الكسروانية النائية منها إلى الرابية. في حياته العسكرية الطويلة، كان يعشق التجوال &laqascii117o;قبل طلوع الضو" على خطوط القتال الأمامية، ولا يزال يستيقظ عند الخامسة صباحاً. أول ما يفعله هو حلاقة ذقنه، فزيارة الحديقة الخلفية. نصف ساعة ويعود إلى مطالعة عمودية وسريعة جداً للصحف، ليبدأ بعدها عند السابعة توافد بعض الأصدقاء والمسؤولين في التيار &laqascii117o;ممن يمكنهم الدخول من دون موعد". ومنذ التاسعة تكر المواعيد الرسمية التي يعود لسكرتيره توفيق وهبة تحديد الوقت المحدد لكل منها: ساعة أو نصفها، بحسب أهمية الموضوع.
خلافاً لما يشاع، ولبعض السياسيين الذين يتصرفون كأنهم سيعيشون إلى الأبد، بدأ عون أخيراً يردد أمام ناشطين في التيار الوطني الحر يزورونه عبارات تشبه &laqascii117o;الأعمار بيد الله وعلينا التفكير جدياً بمستقبل التيار الوطني الحر من بعدي". يمكن الحديث هنا عن حزب وزعيم. بداية التجربة الحزبية العونية قامت على فكرة إنشاء بناء هرمي، فتنتخب القاعدة المناطقية مسؤوليها المحليين والمركزيين وقيادة الحزب. لكن سرعان ما حلت الخلافات الشخصية والعائلية والمناطقية وغيرها محل البرامج في صراع الحزبيين، فألغيت الانتخابات وتوقف كل شيء. يرى عون في ذلك أمراً طبيعياً جداً سيواجه أي حزب يسعى إلى خوض تجربة ديموقراطية حقيقية، مقارناً بين نجاح التجربة العونية التنظيمية في شتى النقابات، والتجربة المناطقية الفاشلة، ليؤكد أن تمرس النقابيين في الانتخابات الديموقراطية جعل المأسسة الحزبية ممكنة في النقابات، فيما هي صعبة في المناطق؛ لأن التجربة الانتخابية الوحيدة على هذا الصعيد هي الانتخابات البلدية التي تطغى عليها التجاذبات العائلية. في النتيجة لم يعد التيار الوطني الحر إلى النقطة الصفر، يمكن في مبنى ميرنا الشالوحي في الجديدة رؤية ماكينة عونية، ليست استثنائية لكنها لم تكن موجودة قبل سنتين. أما الزعامة، فيرفض العماد عون، مهما بلغ إلحاح الصحافيّ عليه، الإشارة إلى هوية من يراه قادراً على وراثته، لأن ذلك يؤثر على رأي الناخبين مستقبلاً، ويمثل فرضاً للوريث بطريقة غير مباشرة. وقد وضعت آلية انتخاب الرئيس في التيار الوطني الحر، وسيبرز برأي عون في الوقت المناسب من يفرض نفسه على الناخبين. ويتمنى الجنرال على الرأي العام العوني الضغط في تلك اللحظة لتذكير المجموعة بأن قيمتها بتكتلها، وأنهم كأفراد لا يساوون شعبياً الكثير. ويشار هنا إلى أن إراحة عون نفسه نسبياً من وجع الرأس في الملف الداخلي التنظيمي أتاحت للجنرال الانشغال أكثر بالملفات الأساسية، كالإصلاح المالي وغيره، وحتى داخل التيار الوطني الحر انتقل النقاش خلال السنة الماضية من صخب يتعلق بهوية هذا المنسق أو ذلك إلى بحث في كيفية اجتذاب الناخبين وتسويق أعمال النواب والوزراء العونيين.
يبلع الصمت الغرفة حين يُسأل الجنرال عمّا إذا كان لا يزال قادراً على الثقة بشخص ما. فخلاصة حروبه، سواء العسكرية أو السياسية، لا توحي بقدرته على ذلك. لكن سرعان ما يقاطع الجنرال وجوهاً تعبر أمام عينيه، مردداً أن الخائن الأكبر في حياته كان ضابطاً تبيّن لاحقاً أنه كان ينسّق مع جهاز الأمن في القوات اللبنانية وسرب بالتالي أسرار قيادة الجيش، طوال الحرب بين الطرفين. خيانته كلفت المئات أرواحهم. أو لعل أكثر من أشعره بمرارة الخيانة هم رفاق السلاح الذين طعنوا بقَسَمهم وانضموا في تلك المرحلة إلى الميليشيات. إلا أن هؤلاء لم يكونوا كثراً. في مقابلهم، فاقهم عدداً العسكريون الذين استشهدوا. يتأثر ميشال عون بمن مشوا إلى الموت لا طمعاً براتب ولا بجنة، وإنما بوطن أفضل.
هوذا سر: يفكر عون بأولئك، ويتأثر بوفود تزوره يومياً لتعلن إيمانها بقدرته وحده على اجتراح معجزة إصلاح الدولة أو وضع الأسس الأولية لإنشائها. أكثرية الشعب تهتم برأيه في الفضيحة نفسها، لا بالجهد الذي أدى لانكشافها أو بالمحاسبة اللاحقة لمرتكبيها. لكن ذلك لا يعني أن الشعب فاسد. ثمة جزء من الشعب جدي في رغبته في الإصلاح ويريد أن يقاصص المسؤولين عن خراب بلده، سواء عبر حبسهم أو عزلهم. في الحرب كانت أكثرية الشعب ضد الميليشيات، ومع ذلك فرض أمر واقع ميليشياوي، حاول الجيش كسره في نهاية الأمر، فنسي المتخاصمون عداواتهم وتحالفوا ضده. واليوم هناك أكثرية شعبية ضد الفساد الذي ينجح أربابه في تسويق أنه أمر واقع لا بد من التعامل معه، ويسارعون إلى تناسي خصوماتهم والتحالف معاً حين يحاول أحدهم كسره.
يبقى عنوانان: شربل نحاس صديق، انتهى تعاون التيار الوطني الحر معه من دون خصومة وستعيد الظروف في المستقبل ترتيب علاقة التيار معه. أما فايز كرم فقال القضاء كلمته بشأنه. يكتفي عون بالعبارة الأخيرة من دون الإيحاء بأن القضاء مسيس أو أي شيء آخر، متمنياً عدم الاستفاضة أكثر في السؤال عن كرم.
في الرابية رجل بجنرالات كثيرة. مَن في المكتب الصغير غيره من يطل على المنابر. يودعك على الباب رجل غير الذي استقبلك. ميشال عون رجل هادئ، تعنيه عاطفياً أخبار أصدقاء الجيش المشتتين من العاقورة إلى الناقورة، يصغي باهتمام إلى مزارع يروي عن موسم الدراق هذه السنة، يصدق قصة &laqascii117o;الجمهورية اللبنانية"، تشغله الأوراق المكدسة أمامه موثقة السرقات في هذه الوزارة وتلك الهيئة، ويسره انتقاد الفاتيكان بعده بأكثر من عشرين عاماً لـ&laqascii117o;الفكر القمعيّ للولايات المتحدة الأميركية".