قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الأربعاء 18/4/2012

 'السفير'
ماذا بعد تشكيك الحلفاء والأصدقاء بـ'حماس'؟
رأفت مرة(المسؤول السياسي لـ'حماس' في بيروت): 
 
تعرّضت حركة المقاومة الإسلامية &laqascii117o;حماس" في الأشهر الأخيرة، إلى موجة من الانتقادات والتشكيك في مواقفها وتحركاتها بسبب مجموعة من التطورات والأحداث الحاصلة في المنطقة.
وكانت حماس عرضة لاتهامات صادرة من جهات سياسية بسبب مجموعة من المواقف التي اتخذتها الحركة أو التحركات التي أقدمت عليها، ومنها على سبيل المثال تخفيف تواجدها في دمشق، وعدم اتخاذ موقف منحاز تجاه الأزمة في سوريا، وزيارات قيادتها لكل من عمّان والدوحة وأنقرة، و&laqascii117o;إعلان الدوحة" الذي نص على تكليف محمود عباس برئاسة الحكومة الفلسطينية الانتقالية المشرفة على الانتخابات، وصعود &laqascii117o;الإخوان المسلمين" في كل من تونس ومصر وغيرها من الدول العربية، وصدور موقف من أحد قيادات الحركة في غزة يقول إن حماس لن تقف إلى جانب إيران إذا تعرضت الأخيرة لعدوان أميركي أو إسرائيلي.
والمؤسف أن حملة التشكيك والاتهام صدرت من أطراف تربطها علاقات تاريخية واستراتيجية بحركة &laqascii117o;حماس"، وأن هذه الأطراف لها علاقات سياسية متينة مع حركة &laqascii117o;حماس"، وبينها جميعاً آليات تنسيق دائمة.
وهذه الأطراف مطّلعة بالكامل على استراتيجية &laqascii117o;حماس"، ولها إطلالة عميقة على مشروع المقاومة الذي تحمله الحركة، ولها معرفة بالكثير من المواقف السياسية التي اتخذتها &laqascii117o;حماس" سابقاً، وتمسكّت من خلالها بمشروع المقاومة والتحرير والعودة، ورفضت من خلالها أيضاً كل ما يؤدي إلى التفريط بالحقوق الوطنية الفلسطينية. وهذه الأطراف لها إطلالة كبيرة جداً على الجهد الذي تبذله &laqascii117o;حماس" لتحسين وضعها العسكري المقاوم، ورفع مستوى جهوزيتها القتالية للتصدي لعدوان إسرائيلي قادم حتماً، بعد الاستفادة من تجربة العدوان على قطاع غزة العام 2008.
فهذه القوى مطلّة على برامج التسليح والتدريب، كما كانت مطلّة على المواقف السياسية التي اتخذتها &laqascii117o;حماس" في حواراتها السياسية، والتي انتهت إلى تأكيد &laqascii117o;حماس" على تحرير كل فلسطين، وعودة اللاجئين، ورفض الاعتراف بدولة الاحتلال.
هذه التطورات والمواقف والأعمال، لم تكن &laqascii117o;حماس" تخفيها عن حلفائها، بل كانت تضعهم بشكل دائم في صورة مواقفها ومختلف المراحل التي تمر بها، سواء من خلال آليات التنسيق الدائمة، أو من خلال الزيارات الخاصة، أو من خلال اللقاءات التي كانت تحرص قيادة &laqascii117o;حماس" على ترتيبها عند كل حدث، وكان الأخ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة أكثر من قام بهذا الجهد.
كان من اللافت أن يصدر التشكيك والاتهام من بعض القوى الإسلامية والقومية والوطنية التي في غالبيتها على علاقة وثيقة بـ&laqascii117o;حماس"، ومنها قوى بينها وبين الحركة تعاون متميز يصل إلى مستوى التعاون الاستراتيجي أو الشراكة الدائمة.
وهذا التعاون قديم، ويقوم على أسس ومبادئ، وتجمعه قواسم مشتركة كثيرة، واختبر في مراحل كثيرة وأثبت صموده، وتخطى استهدافات خطرة. والمؤسف أن هذه القوى أطلقت مواقفها من دون أن تستمع إلى وجهة نظر &laqascii117o;حماس"، ومن دون أن تعرف حقيقة مواقفها، ومن دون أن تطّلع على ما جرى في دمشق وعمّان، أو لماذا كان &laqascii117o;إعلان الدوحة"، أو ما هو سقف العلاقة بين حماس وتركيا ومضمونها. لذلك، لم يكن من المفهوم مبررات توجيه هذا الاتهام أو التشكيك.
فإذا كان هذا التشكيك ناتجاً عن قراءة سياسية أظهرت تغير استراتيجية &laqascii117o;حماس"، فهي قراءة خاطئة، للأسباب التالية:
1- إن حركة &laqascii117o;حماس" لم تغير استراتيجيتها وأهدافها وخطها السياسي القائم على المقاومة ورفض الاحتلال مطلقاً. وهذا التغيير لم يحصل في أي ثابتة من ثوابت &laqascii117o;حماس". وتغيير برامج &laqascii117o;حماس" وخططها وأولوياتها أمر ليس سرّياً، ولا يمكن إخفاؤه، ولو حدث داخل أي مؤسسة من مؤسسات &laqascii117o;حماس" القيادية، وكان له مؤيدون ـ على افتراض ـ فإن له معارضين كثراً، وهم لن يسكتوا على استبدال المشروع أو تحويل البوصلة أو تغيير الاستراتيجية، التي قامت عليها &laqascii117o;حماس" ومكنتها من إحداث تميز سياسي كان علامة فارقة في التاريخ الفلسطيني.
2- هذا في الاستراتيجية، أما في التكتيك، فإن القراءة السياسية العلمية والموضوعية تظهر أنه لم يحصل أي تبدل سياسي أو أي تغير جوهري في مواقف الأطراف الأساسية المعنية بالصراع في المنطقة، يدفع &laqascii117o;حماس" لتغيير نهجها.
فالولايات المتحدة والكيان الصهيوني لم يقدما على أي تغيير في نهجهما السياسي، وبالتالي ما الذي يدفع &laqascii117o;حماس" اليوم إلى التنازل، وهي التي صمدت في ظروف أصعب منها، على سبيل المثال العام 1993 وقت توقيع &laqascii117o;اتفاق أوسلو"، وبين أعوام 1994-1997 مرحلة محاولة اجتثاث &laqascii117o;حماس" بالكامل، وبينها مؤتمر لمكافحة الإرهاب العام 1996 في شرم الشيخ الذي أعلن حرباً على المقاومة في المنطقة (حماس وحزب الله)، ومنها مرحلة الاستئصال بين عامي 2005-2007 التي نفذتها السلطة في الضفة الغربية، بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، و15 جهازاً أمنياً غربياً وعربياً، ومنها مرحلة الإنهاء العام 2008 (عدوان الرصاص المسكوب) الذي صمد فيه الفلسطينيون وصمدت فيه &laqascii117o;حماس" وأفشلت المخطط.
فإذا صمدت &laqascii117o;حماس" أمام كل هذه الموجات، فما الذي يدفعها اليوم للتنازل أو للانحراف ووضعها الشعبي والسياسي والعسكري أكثر قوة من السابق بكثير، والسلطة قدمت تنازلات ضخمة ولم تحصل على شيء وهو أمر يدركه الجميع؟
إن توصيف حملة الاتهام والتشكيك ضد حماس ناتج عن احتماليْن لا ثالث لهما:
1- وجود رغبات ونوازع ضيقة ومصالح فئوية، تقاطعت مع توجيهات معينة.
2- وجود قراءة سياسية خاطئة، وعدم إدراك دقيق لنهج حركة &laqascii117o;حماس".
وإذا اجتمع العاملان الأول والثاني نصبح أمام واقع صعب عبّرت عنه هذه المجموعات التي استهدفت &laqascii117o;حماس"، وبالتالي أصبحت الأزمة داخل هذه المجموعات وليس داخل &laqascii117o;حماس". لكن ماذا بعد التشكيك بحماس؟!
هناك ثلاثة خيارات أمام هذه المجموعات:
1- البقاء في حالة التشكيك والاتهام، وهذا يعني إصدار مواقف سلبية ضد حماس، وهي حالة لا تقدم ولا تؤخر.
2- الانتقال إلى موقف عدائي أكثر ضد &laqascii117o;حماس" ومعارض لها. لكن هذا الخيار له كلفته السياسية والشعبية ولا يستند إلى معطيات، وسيدخل أصحابه في مواجهة مع &laqascii117o;حماس" وجمهورها الفلسطيني والعربي والإسلامي.
3- العودة إلى المرحلة السابقة، أي مرحلة التفاهم مع &laqascii117o;حماس" وتفهم مواقفها، وهذه المرحلة إن لم تحصل بشكل علمي وموضوعي فستحصل عند أي تطور سياسي أو عسكري تصنعه &laqascii117o;حماس"، وعندئذ تكون هذه القوى تعاملت مع ردود فعل وليس مع حقائق ثابتة.
لكن الخيار الأفضل يبقى في قيام المشككين بإجراء مراجعة نقدية لمواقفهم تقوم على قاعدة إدراك مشروع &laqascii117o;حماس" وطبيعته ومعرفة الوقائع التي تعيشها الحركة. فإذا كانت هذه القوى التي تشكك في حماس اليوم، وهي على علاقة استراتيجية بها، قد اكتشفت بعد 24 عاماً أن حماس &laqascii117o;منحرفة" أو &laqascii117o;مفرّطة" أو &laqascii117o;متذبذبة"، فهذه مشكلتها.
القراءة الموضوعية لحملة اتهام &laqascii117o;حماس" تدفعنا إلى الإقرار، أن هناك مواقف أو تصريحات خاطئة أقدم عليها قادة في &laqascii117o;الحركة" وتتعارض مع ثوابت &laqascii117o;حماس" ونهجها، وهي في الوقت نفسه وفّرت فرصة للإساءة لـ&laqascii117o;لحماس".
لكن لا يمكن لمن يعرف كيف تؤخذ مواقف &laqascii117o;حماس" وكيف يعبر عنها ويعرف ثوابتها، أن ينحرف عن كل ذلك لمجرد سماعه تصريحاً لهذا أو ذاك من المسؤولين في &laqascii117o;الحركة".
فنهج &laqascii117o;حماس" الثابت تجاه المقاومة والأرض والتسوية ورفض الاعتراف بالاحتلال، والوحدة الوطنية، وحق العودة، كلها كانت ولا تزال منذ 24 عاماً، والمؤتمر الأخير للحركة في بداية العام 2012 أكد عليها جميعاً، ولا داعي للقلق أو للتخوف. فنهج الحركة صنيع المؤسسات، والمؤسسات تقوم على مبادئ شرعية ووطنية وثوابت سياسية، وعلاقة &laqascii117o;حماس" مع دولة ليست مطلقاً على حساب أي دولة أخرى، فـ&laqascii117o;حماس" كانت ولا تزال صلب المشروع المقاوم في المنطقة وتحالفاتها تقوم على أسس استراتيجية، وهي لم تغير خياراتها، ولا رهاناتها. 


- 'السفير'
عن الإسلاميين وسلطتهم العتيدة: اطمئنان أميركي وإسرائيلي لتغييب فلسطين
طلال سلمان:

يتقدم الإسلاميون نحو مواقع القرار في السلطة في أكثر من بلد عربي، وإن ظلّت مصر هي ارض المواجهة الأخطر.
وإذا كان قد بات مكرراً ومعاداً القول إن هؤلاء المحازبين لتيارات إسلامية متباينة الشعار والهدف لم يكونوا هم قادة الانتفاضات التي حشدت الملايين في &laqascii117o;الميدان"، بل ولم يشاركوا فعلياً فيها إلا في وقت متأخر وفي ظروف ملتبسة، فالواقع يؤكد أن هذه القوى كانت تملك ـ بالخبرة التاريخية - القدرة على المبادرة وطرح برامجها القديمة بعد إعادة صياغتها بما يتلاءم مع اللحظة السياسية الراهنة.
ولقد نجحت التجربة في تونس، حتى إشعار آخر، لأن الإسلاميين وعوا، ومنذ اللحظة الأولى، أنهم لن يستطيعوا احتكار السلطة، حتى لو كانوا الأقوى بين التنظيمات السياسية التي قاتلها النظام حتى شرد مناضليها بين المنافي والمعتقلات وقبور الصمت. وهكذا، لجأوا وبسرعة خاطفة الى إقامة تحالفات مرتجلة ولكنها تؤمن العبور الآمن إلى مشروع النظام الجديد الذي يجري استكماله وسط تفجرات للقلق من هيمنة &laqascii117o;الأقوى" في هذه اللحظة، لأنه الأفضل تنظيماً وليس الأجدر بأن يكون &laqascii117o;القائد" العتيد لتونس الجديدة.
ولقد تواضع الإسلاميون في ليبيا، بفصائلهم المختلفة، فلم يتصدوا لقيادة البلاد المهددة في وحدة كيانها وقدرة &laqascii117o;القيادة" التي استولدها ضغط الخارج (دولياً وعربياً) على تشكيل واجهة سياسية تغطي الاستباحة الأطلسية بالنار، لتلك &laqascii117o;الدولة" التي تجتمع لحماية تدفق نفطها الى أوروبا دول العالم كله، بذريعة تلبية نداء العجز العربي الذي أطلقته جامعة الدول العربية وأوصلته الى مجلس الأمن الدولي، فكان ما كان.
أما في المغرب فكان التواضع من جانب العرش، إذ قرر الملك - في لحظة ارتفاع المدّ الإسلامي هذه - أن يستبدل ركيزته السياسية ممثلة، بالأحزاب التقليدية التي دمرتها تجارب تولي السلطة بينما القرار ليس في يدها، بحزب &laqascii117o;التنمية والعدالة" الذي ارتضى الدخول في شراكة غير متكافئة، لعل المثل الصارخ على اختلالها صور ولي العهد ـ الطفل وكبار القوم، مدنيين وعسكريين، يتزاحمون على تقبيل يده الشريفة!
ولأن للإسلاميين في سوريا صورة غير محببة شعبياً &laqascii117o;بسبب من تجاربهم السياسية الملطخة بكثير من دماء الاغتيالات بالرصاص أو بالتكفير"، في العقود الماضية، فقد اجتهدوا ـ تحت الرعاية التركية - أن يعدلوا في برنامجهم السياسي العتيق، كما في واجهة قياداتهم، بما قد يجعلهم مقبولين أميركياً (ومن أهل النفط)، وقد يدخلهم عصر التغيير من بوابة الديموقراطية.
أما في اليمن فقد وزع الإسلاميون أنفسهم على معسكري الحكم والمعارضة، ليضمنوا لأنفسهم حصة في السلطة، كائناً من كان المنتصر تحت &laqascii117o;رعاية مجلس التعاون الخليجي" معززاً بالخوف من تنامي القوى التي تنسب نفسها إلى تنظيم القاعدة الذي يحظى برعاية قوى متعارضة، ويتلاقى على أرض &laqascii117o;الجنوب" مع المعارضة العائدة إلى ميدان المطالبة بالانفصال وإعادة جمهورية اليمن الديموقراطية بعاصمتها عدن إلى الحياة في &laqascii117o;الجنوب" بعدما كان الظن أن هذا الجنوب قد عاد إلى وطنه الأم في العام 1990 سلماً ثم في العام 1994 حرباً.
على أن الامتحان الأخطر لمشروع الإسلاميين، إخواناً وسلفيين، يبقى مصر ومستقبل السلطة، بل النظام فيها، خصوصاً أن مصر كانت مهد ولادة &laqascii117o;الأخوين العدوين" اللذين يصعب تحديد حقيقة العلاقة بينهما، وهل هي علاقة تنافس قد يصل إلى الخصومة أم علاقة تكامل قد تنتهي الى الشراكة في مواجهة القوى المنافسة من &laqascii117o;العلمانيين" الذين قد يقتضي التكتيك تكفيرهم، أو أقله فرض الامتحان اليومي عليهم في إيمانهم، أمام مجتمع متدين عامة.
يتبدى للمراقب، خارج مصر، أن الإسلاميين قد نجحوا في إثارة فوضى منظمة في لحظة فاصلة من تاريخ أكبر وأقوى دولة عربية، وبينما يعود شعبها الى الميدان وقد أنهى عصر تغييبه وتهميشه.
ويحار المتابع في تفسير العلاقات الملتبسة بين الإسلاميين ـ بشقيهم - وبين المجلس العسكري، خصوصاً أن تجربة &laqascii117o;الميدان" قد كشفت نوعاً من التواطؤ بينهما في مواجهة الشباب الذين فجروا الانتفاضة وقادوا حركتها على امتداد شهور، حفلت بالعديد من المناورات والتحالفات المريبة والمواجهات، ولكنها صبت جميعاً في مصلحة الطرفين، حتى لقد ذهب الظن بالبعض إلى افتراض وجود شراكة من نوع ما، أو تلاق في المصالح يتصل بطبيعة نظام المستقبل في مصر ومواقع الأطراف الفاعلة فيه.
ولقد عزز هذا الانطباع قدر من الرضى الأميركي، بل الرعاية الاميركية، كما ذهب البعض إلى الافتراض، لهذا التحالف أو التكامل، ولو مؤقتاً وبما يخرج شباب الميدان ـ بتلاوينهم الفكرية والسياسية - من دائرة الفعل، مستبقياً لهم شيئاً من التمثيل الرمزي، للتدليل على ديموقراطية التحالف المستجد بين الخصمين التاريخيين: &laqascii117o;العسكر" و&laqascii117o;الإخوان".
ولقد تأكد هذا التحالف، او فلنعتبره تلاقياً في المصالح، خلال الإنجاز الأول الذي استولد قيصرياً ومشوهاً، وهو الإعلان الدستوري... فقد وضع هذا الإعلان ألغاماً قاتلة على طريق إنهاء النظام القديم، بل ومكن من مد عمره، خصوصاً أنه استتبع بمحاكمة سينمائية للرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه ولأركان نظامه.
لم تكن تلك فترة سماح للنظام القديم برئيسه وأركانه فحسب، بل لقد أمكن خلالها الإفادة من افتراق شباب الميدان، الذين حاولوا استدراك النقص في تنظيم قواهم وتوحيد صفوفهم لخوض الانتخابات التي فرضت مواعيدها وقوانينها قبل إنجاز الدستور.
في ظل هذه الظروف كان طبيعياً أن يحصد الإسلاميون أكثرية المقاعد في المجلسين، وأن ينحسر نفوذ شباب الميدان، وأن تتظهر عوامل فرقتهم وتوزعهم على تيارات متقاربة ولكنها غير موحدة، وأن تتبلور حقيقة كانت مطموسة أو مهمشة وهي أن أجهزة التواصل الحديثة &laqascii117o;الإنترنيت" و&laqascii117o;التويتر" و&laqascii117o;الفايسبوك" لا تُنشئ أحزاباً ولا تنفع قاعدة لجبهة سياسية بين قوة شبابية لا تملك الخبرات التنظيمية ولا هي نجحت في التلاقي على برنامج سياسي موحد يواجهون به جحافل الإسلاميين، إخواناً وسلفيين، الأغنى بالمال والتجربة والتحالفات، في الداخل والخارج.
وفي ظل هذه الظروف كان طبيعياً أيضاً أن تتكشف علاقات لم تكن واضحة للمجلس العسكري ببعض أركان النظام القديم(!) الذي لم يصبح قديماً بعد، وأن يندفع عدد من هؤلاء إلى إعلان ترشيح أنفسهم للرئاسة في ظروف مريبة، ووسط تشجيع معلن (بالصوت والصورة) وإحاطة عسكرية اتخذت شكل تظاهرة الشرطة العسكرية في حماية عمر سليمان وهو ذاهب إلى تقديم ترشيحه.
وبغض النظر عن التطورات المقبلة وكيف ستحسم معركة الرئاسة، وأين سيكون موقع المجلس العسكري ـ أو الجيش - في العهد المقبل، فلا بد من التوقف أمام بعض المظاهر المقلقة، ومنها:
÷ أن الإسلاميين، إخواناً وسلفيين، قد أكدوا أنهم الأكثر استعداداً لخوض هذه المعركة... فهم أصحاب الأكثرية في المجلسين، بما يوحي وكأنهم الأعظم شعبية في البلاد، ويهمش القوى السياسية الأخرى المختلفة عنهم ومعهم فكرياً وسياسياً، لا سيما أن الإسلاميين منظمون ومنتظمون خلف مرشحهم كالبنيان المرصوص.
ثم إنهم الأغنى مادياً، والأكثر كفاءة في إدارة المعارك، بمناوراتها وتكتيكاتها التي لا بد منها، ومما يسهل عليهم الأمر تعدد المرشحين الآخرين، والذين يمكن الطعن في ولائهم للثورة، باعتبارهم كانوا من أهل بيت &laqascii117o;الطاغية".
÷ إن سوابق التواطؤ أو التكامل بين العسكر والإسلاميين، منذ بدء الكلام عن تعديل الدستور ثم إجراء الانتخابات، وصولاً إلى إرجاء البت بالدستور الجديد قبل معركة الرئاسة، وبحيث تجري بموجبه، ومن خارج شبهة التواطؤ بين الطرفين، كل ذلك يطلق في الجو شكوكاً وريباً جدية.. حول &laqascii117o;مدنية" النظام الجديد وحول ركائز الديموقراطية التي ستعتمد قاعدة له.
÷ في ظل هذه الملابسات من الطبيعي أن تسود فوضى عظيمة في مصر بأرجائها كافة، وأن تتعاظم أسباب قلق المصريين على دولتهم بنظامها الجديد. ومن الطبيعي أن تتسع دائرة القلق، عربياً، لتشمل كافة الأقطار العربية، سواء حيث انتصر &laqascii117o;الميدان" أم حيث ما زال في طور التحرك سعياً إلى التغيير.
ولعل الإسلاميين يعتبرون أن وصولهم إلى السلطة الآن، وبعد نضال استمر طيلة عقود، سواء خلال العهد الملكي، أو بعد اصطدامهم بثورة 23 يوليو، ومن ثم عبر &laqascii117o;تحالفهم" أو &laqascii117o;تواطئهم" مع الرئيس أنور السادات للتخلص من &laqascii117o;الناصريين" وصولاً الى &laqascii117o;تحالفهم المؤقت" مع مبارك، هو انتصار تأخر الاحتفال به لعقيدتهم ولجهادهم الطويل، وقد حان موعد قطف ثماره الشهية.
ومن حق الوطنيين داخل مصر، والعروبيين في مختلف أنحاء الوطن العربي، أن يقلقوا من هذا الهجوم الإسلامي لاحتكار السلطة فيها مع توجيه رسائل تطمين إلى الأميركيين، وعبرهم إلى الإسرائيليين، في حين أن هذه التيارات الإسلامية لم تجتهد كثيراً في طمأنة شباب الميدان، ومن ثم العرب خارج مصر، إلى ثوابت سياستها الوطنية وأولها فلسطين وهي عنوان المصير المشترك.
..وفلسطين هي العروبة وهي الإثبات القاطع على نجاح الانتفاضة وانتصار الميدان وفتح الباب أمام المستقبل في مصر- الثورة.


- 'السفير'
أبعد من الجزر
ساطع نورالدين:

المشكلة التي تسبب بها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد مع دولة الامارات العربية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي ومع عرب كثيرين عندما زار الجزر الثلاث المتنازع عليها في مياه الخليج السبت الماضي، في اللحظة التي كان فيها وفد ايران يجلس في اسطنبول مع مجموعة الدول الخمس زائداً واحداً، لم تكن عبثا بالمفاوضات ومحاولة لحرفها عن مسارها، بقدر ما كانت صدى لصراع داخلي في طهران يقترب من محطاته الاخيرة.
كانت المرة الاولى التي يزور فيها رئيس إيراني الجزر المتنازع عليها، كما كانت المرة الاولى التي ينكر فيها رئيس إيراني وجود الحضارة العربية ويعلن صراحة ان الحضارة الفارسية هي الوحيدة التي عرفتها المنطقة. كان نجاد يتوسل اشتباكا مع الخارج فحصل عليه، وكان يخاطب جمهورا إيرانيا يشبهه، فتلقى على الارجح الثناء الذي توقعه من فريق هزم في معركة النفوذ داخل النظام الايراني.
لم يكن نجاد يشاغب على مفاوضات اسطنبول، كما شاع. فهو لم يعد يمتلك القدرة على القيام بمثل هذه الخطوة في الفترة المتبقية له من ولايته الثانية التي تنتهي في حزيران العام ٢٠١٣، بعدما تحول الى بطة عرجاء، حسب التوصيف الغربي الشهير لأي مسؤول يستعد للخروج من منصبه من دون ان يكون له دور بارز في صنع القرار. كما انه لم يكن يميل أصلا الى تعطيل فرصة مفاوضات مع الغرب لطالما كان من أنصارها وكان من محبذي الحوار والتسوية مع أميركا.
لم يكن لكلام نجاد صدى في اسطنبول، لان الوفد الايراني كان يتمتع بتفويض مباشر من مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي، ولان الوفد السداسي الدولي المقابل كان يدرك ان نجاد أصبح الى حد ما رئيساً سابقاً، ولا يمكنه أن يملي على المفاوضين بندا لم يكن على جدول الاعمال ولا يمكن ان يكون.. إلا اذا كان المقصود هو إثارة مسألة التزام دولة الامارات وبقية دول الخليج في العقوبات الدولية المفروضة على ايران، والذي يبدو انه صار مؤذيا للاقتصاد الايراني أكثر من أي وقت مضى، ولن تزيده زيارة الجزر إلا إيذاء.
وفي هذه الحالة، يمكن إدراج خطوة نجاد في سياق سلوكه التقليدي الخارج عن المنطق السياسي والخاضع للمزايدات الداخلية الايرانية، والذي بلغ الاسبوع الماضي حد القول ان ايران قادرة على الصمود باحتياطياتها المالية لسنتين أو ثلاث سنوات من دون تصدير النفط والغاز، وهو وعد لا يجوز لأي مسؤول أن يطلقه، ولا تستطيع أي دولة أن تجاهر به مهما كانت ثروتها.. لأنه يعني اعداد شعبها للعيش في حالة حصار تام.
قصد نجاد استفزاز الخارج من أجل إرضاء الداخل. كالعادة، من الصعب حساب الأرباح والخسائر التي حققها على الجبهتين. لكن ما ستحفظه الذاكرة من تلك الزيارة المثيرة للجدل الى الجزر هو انه انتهك محرمات الصراع، باعتدائه العلني على الحضارة العربية ذات المحتوى الاسلامي، الذي يفترض انه يتخطى أي خلاف سياسي مهما كان.


- 'السفير'
المعتقلون الفلسطينيون يواجهون إسرائيل
نهلة الشهال:

البارحة، بدأ الاسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية إضراباً عن الطعام احتجاجاً على أوضاع قسوى لا تطاق، منها العزل الانفرادي التام والمتمادي لتسعة عشر أسيراً من بينهم، بعضهم مضت عشر سنوات على عزله التام، بحيث لم يلتق بأي أسير آخر، ولا بأي فرد من أسرته. ومن مطالبهم وقف المداهمات الليلية للزنازين، ووقف سياسات الإذلال المتمثلة بالتفتيش العاري، والسماح لأهالي المعتقلين من غزة بزيارتهم، وإعادة حقهم بمتابعة برامج الدراسة الثانوية والجامعية، وتحسين شروط العناية الصحية، وإلغاء الاعتقال الإداري، هذه البدعة التي اخترعتها اسرائيل والتي تسمح لسلطاتها بتجديد احتجاز من تشاء بلا محاكمة كل ستة أشهر، وذلك بلا حدود ولسنوات. ويقارب عدد الأسرى الفلسطينيون الستة آلاف، يبدو أنه تقرر مشاركة أكثر من ألف وخمسمئة أسير من بينهم في الاضراب عن الطعام. وهي خطوة هُيئ لها بعناية وتخطيط بعد مفاوضات شاقة مع إدارة السجون الاسرائيلية. والخاصية الهامة لمثل هذه الإضرابات هو التوصل الى وحدة موقف للأسرى الى أي جهة سياسية انتموا، فهو شرط نجاح الإضراب نفسه في تحقيق المطالب، أو بعضها. ولذا تبدو الانقسامات المحتملة بشأنه تهديداً لحظوظه، علاوة على معانيها المحبطة. لا سيما أن كتلة الاسرى تميزت على الدوام بحركية سياسية متقدمة بالقياس على بقية الواقع الفلسطيني المضطرب والمنقسم، والذي تواجه قواه ما يمكن وصفه بـ&laqascii117o;أزمة العمل الوطني الفلسطيني الراهنة" بقدر عال من الضياع وانعدام الخيال والأفق، وطغيان الصراعات الصغيرة والتي تحمل على اليأس...منها!
الإضراب عن الطعام حدث كبير، وهو يتبع خططاً دقيقة ومبنية. والتعامل معه يتطلب إدراكاً لخصائصه. كم كان سخيفاً أن تواجَه هناء الشلبي، التي اضربت لـ45 يوماً وانتزعت من سجانيها قراراً بإطلاق سراحها مع إبعادها الى غزة لثلاث سنوات، أن تواجه بتبرم البعض الذين كانوا &laqascii117o;يفضلون" أن تستمر حتى &laqascii117o;النهاية"، أي بلا صيغة التسوية التي تمكنت منها! فكل إضراب عن الطعام هو صراع سياسي رغم مشهديته التي تحمل بعداً &laqascii117o;تضحوياً" بالنفس، والتي تهدف الى استنفار الرأي العام واستدعاء تضامنه، وإدخاله في ذلك الصراع الى جانب المحتجين. وهو سلاح سلمي تماماً، ولكنه في غاية العنف: عنف ذاتي يعلن الاستعداد للموت من أجل قناعات ومبادئ ومطالب محددة، ويحمِّل المجتمع المُشاهِد مسؤولية ترك هؤلاء يصلون الى الموت، فيما لو لم يمارس ضغوطاً لمصلحتهم، وعنف مقابل يمكنه أن يتجاهل ذلك كله ويُترك المضربون يموتون، طالما &laqascii117o;ذلك هو خيارهم" كما قالت مارغريت تاتشر، وكانت رئيسة وزراء بريطانيا، في مواجهة اضراب المعتقلين الايرلنديين العام 1981. يومها مات عدد منهم، كان أبرزهم &laqascii117o;بوبي سانز" الذي أصبح إيقونة لشعبه وللعالم، وسمحت تضحيته بنفسه للحركة الايرلندية أن تنتقل الى مستوى سياسي آخر من &laqascii117o;الشرعية الجماهيرية"، كانت بداية لمنعطف أدى في النهاية الى خسارة تاتشر ونهجها السياسي، والى تحقيق الايرلنديين لمطالبهم وحقوقهم. وقد خرج عن &laqascii117o;ساندز" فيلم سينمائي رائع اسمه &laqascii117o;الجوع"، نال جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان &laqascii117o;كان" 2008، بينما انتهت تاتشر تعاني من مرض الخرف، بعدما لاحقتها اللعنات، لأنها بقيت في الوجدان العام كمثال عن الشراسة القبيحة، وكممثل بارز لليبرالية المتوحشة والمفقِرة.
يقول استطلاع أجري منذ يومين أن نصف البريطانيين يرغبون في الهجرة من بلادهم بسبب الضائقة المالية الناتجة عن سياسات تلك الليبرالية المتوحشة. وفي الاسبوع الماضي، أعلنت منظمات خيرية انكليزية عن &laqascii117o;تعاظم أعداد البريطانيين الذين يقاربون حالة المجاعة" (من &laqascii117o;البيض" وليس من أبناء المهاجرين!).
وليس بعيداً عن فلسطين، يواجه عبد الهادي الخواجة عنف وصلف السلطة البحرينية عارياً إلا من إرادته. وهو تعرض عند اعتقاله في نيسان/ابريل 2011، الى الضرب المبرح، ثم نال في المعتقل صنوفاً من التعذيب المريع والمتمادي، تضمنت الاعتداء عليه جنسياً وكسر عظام وجهه وضلوعه. وقررت المحكمة العسكرية التي نظرت في ملفه إنزال عقوبة السجن المؤبد به &laqascii117o;لتآمره على قلب نظام الحكم". والتهمة سخيفة، فالرجل ناشط حقوقي معروف على نطاق عالمي، وهو يمثل في منطقة الشرق الاوسط منظمة... إيرلندية/عالمية لحقوق الانسان. يتميز عبد الهادي الخواجة بالصلابة، ولعل تلك الصفة تمثل تحدياً لا يطاق لسلطة لم تتمكن من كسر حركة الاحتجاج العارمة في البلد والتي تتجدد كل بضع سنوات. لقد تجاوزت مدة اضراب الخواجة الشهرين، وهو في حال حرجة للغاية. ورفضت سلطات البحرين طلباً رسمياً تقدمت به الدنمارك (التي يحوز الخواجة على جنسيتها)، لنقله اليها، مغلقة الباب أمام تسوية تحفظ لها ماء وجهها وتحافظ على حياة الرجل. كما تجاهلت تلك السلطات نداءات الفدرالية الدولية لحقوق الانسان ومنظمة العفو الدولية وإداناتهما لها. فهل سيتحول عبد الهادي الخواجة الى &laqascii117o;بوبي ساندز" جديد؟ هل تتحمل سلطات البحرين هذا، وهل يفيدها؟
الاضراب عن الطعام وسيلة نضالية في غاية القوة، لأنها تحمل طبقات متعددة من المعاني، لا يمكن اختصارها بالرسالة الاولى منها، وهي إعلان استعداد المضرب للتضحية بحياته تمسكاً بفكرة أو مطلب، ودفاعاً عنهما، أو احتجاجاً على وضع يراه مشيناً. فهي أيضاً وسيلة لخوض صراع مع الطرف الأقوى، السلطة، سواء كان المضربون في السجن أو خارجه. وهي تخاطب الرأي العام، مستدعية تدخله في ذلك الصراع، محملة إياه جزءاً من المسؤولية فيما لو تجاهل الموقف. وهي أخيراً تكشف طبيعة السلطة الحاكمة. فحين تتشدد في مثل هذه الحالات، فهي إنما تفضح عنفها وكذلك نقاط هشاشتها. هذه الوسيلة السلمية تماماً، تحمل رمزية عالية تتعلق بأهمية القيم التي يحيا من أجلها الانسان (أو يموت). وأشهر اللاجئين اليها هم غاندي، والايرلنديون، والأكراد في تركيا (وهم اليوم يخوضون من جديد إضراباً عن الطعام، بعد إضراب 2001 الشهير الذي أوقع عشرات الضحايا)، والفلسطينيون مراراً، كما أن هناك عدداً كبيراً آخر من حالات الاضراب عن الطعام الجماعية والفردية. وكلها تعبر عن المعنى العميق نفسه، وتستدعي أوسع تضامن عام ومستمر ومتصاعد.
ذلك أنه لن تُكسب المعركة ضد إسرائيل بالضربة القاضية. ومن يظن ذلك فهو إنما يعفي نفسه من المهمة الشاقة: خوض صراع مستمر مع إسرائيل، وفي كل الميادين. والحرص على توسيعه باطّراد وعلى ابتداع أساليب تواكب الضرورات. من ذلك حملات التضامن الدولية، سواء اتخذت عنوان &laqascii117o;المقاطعة"، او الأسطول البحري الى غزة، أو، وكما بالتزامن مع إضراب الأسرى، مبادرة &laqascii117o;أهلاً في فلسطين" التي أقلقت السلطات الاسرائيلية واضطرتها الى إغلاق أجوائها على الطيران منعاً للمتضامنين الدوليين من الوصول، مما وُصف من قبل المعلقين الإسرائيليين أنفسهم بـ&laqascii117o;السلوك الجنوني". والتضامن مع الأسرى جزء من تلك المعركة... الشاملة.


- 'السفير'
وثيقة 'المجلس الوطني' على يسار النظام أم على يمينه؟

كامل عباس:

نشرت جريدة &laqascii117o;السفير" بتاريخ 13/4/2012 مقالا للكاتب قاسم عز الدين، تحت عنوان وثيقة &laqascii117o;المجلس الوطني" أشد استبداداً من النظام. يمكن اعتبار المقال بحق خطوطاً عريضة لبرنامج سياسي نقيض للبرنامج السياسي &laqascii117o;للمجلس الوطني" تتبناها تيارات سياسية يسارية كلاسيكية عربية بشكل عام وسورية بشكل خاص، أضيف اليها تيار إسلامي جديد يقوده &laqascii117o;حزب الله" في لبنان. ينطلق هؤلاء من أولوية المسألة الوطنية على المسألة الديموقراطية كما كان الحال مع اليسار أيام الحرب الباردة، وكأن لا جديد تحت الشمس، فبناء الدولة يمكن أن يؤدي الى الحريات الديموقراطية لا العكس، والمراهنة على الحريات الديموقراطية سبيلا للتنمية الاقتصادية، خرافة من دون أي سند في التاريخ الاجتماعي كما يقول الكاتب.
أما ما قالته الحياة عن كون الديموقراطية السياسية ممراً إجبارياً للديموقراطية الاجتماعية، حسب رأي تيار عريض من اليساريين القدامى الذين قرأوا تجربتهم السياسية بعين نقدية، فذلك لا محل له من الإعراب في قاموس الأكاديمي. هؤلاء أمينون لثوابتهم الاشتراكية أمانة النظام السوري لثوابته القومية والوطنية، اما النظام العالمي الجديد فليس سوى مؤامرة حاكتها الامبريالية والصهيونية ونجحت من خلالها في السيطرة على العالم، وكل من يقول بالوقوف في صف القانون الدولي والاستقرار والسلام في المنطقة، كما تقول وثيقة &laqascii117o;المجلس الوطني" هو عميل وخائن مثله مثل السادات، لأن القانون الدولي هو قانون مُفصّل بما يلائم أميركا وأعوانها، ولذلك يجب وضع اسم &laqascii117o;المجلس الوطني" بين هلالين صغيرين اعتراضاً على وطنيته. يرفض هؤلاء اقتصاد السوق ويراهنون على الحل الاشتراكي، والحل الاشتراكي طرحه ماركس قبلهم بمئتي عام ودعا الى إسقاط النظام الرأسمالي بالعنف، ولكن النظام الرأسمالي الآن اقوى مما كان عليه أيام ماركس، وكل من له عقل يفكر به سيصل الى نتيجة مفادها: لو أن ماركس ورفاقه عملوا من داخل الرأسمالية لجاء عملهم أكثر نفعاً للطبقة العاملة، من عملهم على قلب النظام الرأسمالي.
تحضرني هنا الأزمة المالية الأخيرة التي لم تنته بعد، وقد تليها أزمات متعددة في المستقبل، وكيف نظر اليها الاشتراكيون السوريون (الأزمة بنيوية وهي في الرأسمالية وليست في المصارف، والحل هو بتجاوز الرأسمالية) ولذا صاحوا على صفحات جرائدهم ـ إنهض أيها النبي ماركس من قبرك.
ينهي الكاتب مقالته كما يلي: &laqascii117o;وأغلبه ـ أي الشعب السوري - يريد تغيير النظام في حل سياسي لا تغيير السلطة نحو سلطة مشابهة للسلطات الجديدة في ليبيا واليمن. معظمه يأمل بحل سياسي يفضي الى نظام يضمن الحقوق الوطنية والاجتماعية ـ الاقتصادية الى جانب الحريات المدنية والسياسية. فالنظام الذي يكفل لغالبية الشعب السوري حقوقه وتحرره من الاستبداد والاضطهاد الاجتماعي سواء بسواء هو على يسار النظام الحالي لا على يمينه".
أتفق مع هذا الكلام بشكل تام، وأدعو الى العمل من اجل نظام جديد على يسار النظام الحالي لا على يمينه، ولكنني أرى كما يرى &laqascii117o;المجلس الوطني" أن ذلك النظام يتوفر في نظام مشابه عرفته سوريا في الخمسينيات، ولم يكن اشتراكياً كما يريد الكاتب، بل كان نظاماً بورجوازياً أنتج برلمانه في انتخابات حرة، دولة وطنية، لها قرارها الوطني المستقل، تتعامل مع الشرق والغرب بدليل مصالحها الوطنية، وقد تحطمت كل المؤامرات التي حيكت من قبل أميركا وأعوانها في المنطقة على صخرة صمودها الوطني.
أسأل الكاتب هل إقامة نظام كهذا هو على يمين أم على يسار النظام الحالي؟
إن مساهمة الاشتراكيين الى جانب المجلس الوطني من اجل نظام يقوم على المواطنة يساعد في ألا يتفكك النظام الحالي الى نظام على يمينه يفضي بنا الى سلطة جديدة تقوم على المحاصة الطائفية وتنتهج نهجاً مشابهاً لنهج السادات الخياني.
أما إذا أصّر الاشتراكيون السوريون المدعومون من الاشتراكيين في لبنان والعرب والعالم على الحل الاشتراكي في سوريا فإنه يصدق القول فيهم:
&laqascii117o;إن الطريق إلى جهنم مفروشة بذوي النيات الحسنة".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد