قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة السبت 21/4/2012

- 'الاخبار'
عندما برّأ سمير فرنجيّة إســرائيل
أسعد أبو خليل:

في مقابلة نُشرت بالفرنسيّة قبل نحو أسبوعيْن، أو أكثر قليلاً، أفتى سمير فرنجيّة بما يأتي: قال إنّ 70% من أسباب الحرب الأهليّة في لبنان تعود إلى النظام السوري وتدخّلاته، فيما لا يتحمّل اللبنانيّون إلا المسؤوليّة عن 30% من أسباب الحرب. هكذا أفتى سمير فرنجيّة. طبعاً، تدخل فتوى سمير فرنجيّة في نطاق الأباطيل والنظريّات المُستجدّة عن الحرب الأهليّة التي توالت بعد 1982. وقد أنعشت الحريريّة السياسيّة (وهي تعبّر عن عقدة نقص فظيعة من قبل عائلة رفيق الحريري نحو المسيحيّين في لبنان) الروايات الكتائبيّة والقوّاتيّة عن الحرب، فأصبح حزب الكتائب، الذي برز وجلّى في القتل على الهويّة، حزب &laqascii117o;مقاومة" لبنانيّة لم يفعل غير صدّ محاولات فلسطينيّة (مزعومة طبعاً) للتوطين في لبنان (وكأنّ حزب الكتائب والقوّات تقاعدا عن ارتكاب جرائم الحرب بعد رحيل القوّات الفلسطينيّة)... (... للقراءة).


- 'الاخبار'
من رأى حمامة بيضاء فوق مؤتمر اسطنبول؟
صباح أيوب:

بعد قطيعة دامت عاماً حافلاً بالعقوبات، عادت واشنطن وطهران الى طاولة المفاوضات حول النووي الإيراني. مؤتمر اسطنبول بثّ جواً من التفاؤل الحذر على معظم التحليلات الصحافية الأميركية التي رصدت مؤشرات اتفاق قريب... (للقراءة).


- 'الاخبار'
أكراد سوريا 'خارج الرقصة'
صباح أيوب:

أكراد سوريا لم يشاركوا في التحركات المعارضة بعد ولا يطالبون بإسقاط النظام. أمر لفت بعض الصحف الاميركية التي سلّطت الضوء، ولو بشكل خجول، على واقع الاكثرية الساحقة من الاكراد الذين لا يثقون بالمعارضة السورية ولا بالثورة ومن يديرها... (للقراءة).


- 'الاخبار'
'سباق الدم' غداً... هل ستصل رسالة الثوار؟
صباح أيوب:

لعلها الجولة الأكثر إثارة للجدل في موسم &laqascii117o;الفورمولا 1". السلطات البحرينية تحدّت الجوّ المتوتر وفتحت حلبتها للمتسابقين، والثوار قبلوا التحدي وتوعدوا بأيام غضب ثلاثة. بعض الصحافيين الغربيين رددوا أهازيج السلطة، والبعض الآخر كشف عن أزمة لن تنطفئ قريبا...ً (للقراءة).


- 'النهار'
قبول ايران بشروط مؤتمر اسطنبول مؤشر لتصدع اقتصادي بالغ
سليم نصار:

توقّف دول اتحاد الامارات عن التعامل بالريال الايراني أحدث هزة اقتصادية اثّرت على مشاريع الخدمات والتنمية في الجمهورية الاسلامية خصوصاً ان هناك أكثر من ثمانية آلاف شركة ايرانية مموهة في الامارات، وهذا تفسير ممكن لزيارة التحدي التي قام بها الرئيس الايراني الى جزيرة ابو موسى.
في جلسة مجلس الوزراء السعودي، اثير موضوع الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى جزيرة ابو موسى. ورأى الجميع ان نجاد قد تجاوز بعمله الاستفزازي كل الخطوات القانونية المتفق عليها بين طهران ودولة الامارات المتحدة. أي الخطوات التي تخضع للمفاوضات الثنائية او التحكيم الدولي للفصل في قضية جزر الامارات الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.
وزير خارجية الامارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، استغرب الزيارة غير المتوقعة التي قام بها الرئيس الايراني بعدما قطعت الدولتان مراحل متقدمة في التفاوض على آلية مناسبة لانهاء الخلاف. وعلّق على كلامه من طهران وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي، مكرراً رغبة بلاده في اقامة علاقات جيدة مع الامارات. ولكنه وصف عملية ضم الجزر الثلاث الى السيادة الايرانية بأنه قرار نهائي غير قابل للتفاوض. وهدد صالحي مختلف الدول العربية المعنية، بأسوأ الاحتمالات اذا هي تصرفت بأسلوب بعيد عن الاصول الديبلوماسية.
وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، عقدوا اجتماعاً طارئاً في الدوحة برئاسة وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل – رئيس الدورة الحالية – بهدف مناقشة ما وصفه بـ'الاحتلال الايراني لجزر تابعة للامارات العربية المتحدة'. واعربوا عن تضامنهم مع قضية يعتبرونها جزءاً لا يتجزأ من الأمن الخليجي. في الوقت ذاته، كانت اسطنبول تستضيف سكرتير المجلس الاعلى للامن القومي الايراني سعيد جليلي ووزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاترين اشتون، اضافة الى ممثلي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن، وممثل المانيا. الوزيرة اشتون اختصرت طبيعة المحادثات بالقول انها كانت 'بناءة ومفيدة'، وان استئنافها في بغداد (23 ايار المقبل) سيكون مثمراً جداً شرط المحافظة على الاجواء الايجابية. وحول مفاوضات اسطنبول، اصدر الجنرال حسين سلامي، نائب قائد 'الحرس الثوري'، بياناً، أعلن فيه 'ان الدول الست الكبرى امتثلت لارادة الشعب الايراني في استيفاء حقوقه النووية المشروعة!'. وجاء في ختام البيان: 'ان اجتماع اسطنبول تمخض عن نتيجتين باهرتين، الاولى ان الغرب امتثل لحقيقة ان ايران لا تريد سلاحاً نووياً. ومثل هذا الموقف ينسجم مع رؤية المرشد علي خامنئي بأن ايران لا تسعى مطلقاً الى امتلاك سلاح نووي. أما النتيجة الباهرة الثانية، فيمكن تسجيلها ضمن انجازات مقاومة الشعب الايراني، كونها تعترف بحقنا في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية'. ويستفاد من المحصلة التي عرضها نائب قائد 'الحرس الثوري'، ان ايران قد تراجعت عن قرار تصنيع القنبلة الذرية، لقاء وعود مغرية سوف يكشف عن تفاصيلها في مؤتمر بغداد المقبل. وقد كُلّفت الشخصية الثانية في الحرس الثوري – اي الجهاز الحاكم من وراء الستار – بتطمين الشعب الى النتيجة المرضية. وفي هذا السياق، يرى المراقبون ان طهران حققت في مؤتمر اسطنبول امرين مهمين: الاول، ان الدول الكبرى وعدتها بمنع اسرائيل من تسديد ضربة وقائية استباقية إذا هي أوقفت عملية تخصيب الاورانيوم لاغراض عسكرية... واكتفت باستخدامه لغايات مدنية سلمية. والسبب الثاني، ان تتعهد ايران بتجميد كل مسعى لامتلاك سلاح نووي، مقابل الغاء كل القرارات الدولية والعقوبات التي تستهدفها. وهذا ما يفسر استياء رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، وتخوفه من عواقب الفترة الزمنية التي منحت لايران قبل انعقاد مؤتمر بغداد.  في مطلق الاحوال، يتبين من تصريحات كبار المسؤولين الايرانيين، ان اهتمامهم كان منصباً على ضرورة الغاء العقوبات الاقتصادية كثمن لأي تقدم في المفاوضات. وهذا ما اوحى به رئيس لجنة الامن القومي في البرلمان علاء الدين بروجردي، الذي أكد في تصريحه الاخير: ان الغاء العقوبات الاقتصادية، سواء المصرفية او النفطية، سيكون في مقدم الاولويات التي سيطرحها الوفد الايراني في قمة بغداد. وقال ان طهران ستكتفي من عملية التخصيب بما يؤمن حاجات البلاد. وفي تركيا، نشرت الصحف خلاصة الموضوع المركزي الذي أثاره الوفد الايراني والمتعلق بأهمية شطب ستة قرارات دولية منها اربعة مرفقة بعقوبات. وقد أتبع الاميركيون والاوروبيون هذه القرارات باصدار حظر تجاري ومالي ونفطي. ومن المتوقع ان يدخل القرار المتعلق بالنفط حيز التنفيذ في الاول من تموز المقبل. كذلك فتحت واشنطن الباب لفرض عقوبات جديدة على ايران في نهاية حزيران المقبل. من خلال هذه المشكلة المعقدة يمكن تفسير زيارة التحدي التي قام بها الرئيس احمدي نجاد لجزيرة أبو موسى. صحيح ان دول مجلس التعاون الخليجي التزمت كلها تطبيق قرارات المقاطعة... ولكن الصحيح ايضاً ان توقف دول اتحاد الامارات عن التعامل بالريال الايراني، أحدث هزة اقتصادية أثرت على مشاريع الخدمات والتنمية في الجمهورية الاسلامية. خصوصاً  ان هناك أكثر من ثمانية آلاف شركة ايرانية مموهة فتحت فروعاً لها في أبو ظبي ودبي والشارقة وأم القوين وعجمان ورأس الخيمة والفجيرة. كل ذلك لخدمة أربعمئة ألف ايراني يعيشون في هذه المشيخات ويستعينون بخدماتها في حقلي الاستيراد والتصدير وكل ما هو غير نفطي. اضافة الى هذا، فإن مشكلة التجار الايرانيين تتعدى هذه المحظورات لتدخل في أزمة مزدوجة: أي أزمة رفض التبادل بالريال الايراني من قبل المصارف الخليجية... وأزمة فرض القيود الحكومية المتشددة على اخراج العملة الصعبة من ايران. لهذه الاسباب راجت عمليات تهريب الاموال بالحقائب المنقولة جواً الى أوروبا، أو بحراً الى دبي. الادارة الاميركية تسعى من وراء زيادة العقوبات الاقتصادية، الى مضاعفة الاعباء المعيشية على المواطنين العاديين بحيث يؤدي الضغط الى حدوث عصيان مدني يجبر النظام على تغيير سياسته النووية المكلفة. وتشير ارقام الأمم المتحدة الى الاضرار التي الحقتها العقوبات بالطبقات الوسطى والفقيرة. كما تؤكد مصادر المعارضة ان نسبة ثمانين في المئة من الشعب تعيش تحت خط الفقر. وان الدولة اضطرت الى اقفال عدد كبير من المصانع بسبب ندرة المواد الخام وصعوبة المعاملات لشرائها. ويجمع المراقبون على القول ان قبول طهران بشروط مؤتمر اسطنبول، ليس أكثر من مؤشر بالغ الدلالة، الى وجود تصدع اقتصادي حاولت حكومة نجاد امتصاص عواقبه. من هنا القول ان مؤتمر بغداد المقبل يشكّل مرحلة جديدة من مراحل التقدم في مجال تخصيب الاورانيوم... أو حل مشكلة سوريا... أو البحث عن دور اقليمي يلجم تصرفات ايران داخل محيطها. بين الاسباب الضاغطة التي دفعت الولايات المتحدة الى تشجيع حلفائها الأوروبيين للمشاركة في مؤتمر اسطنبول، ما كشفت عنه صحيفة 'هآرتس' الشهر الماضي. فقد ذكرت ان موسكو أبلغت الرئيس باراك أوباما بضرورة اتخاذ أقصى درجات الحذر في التعامل مع موضوع اسقاط النظام في سوريا. ونقلت عن مصادر اميركية مسؤولة ان التخوف من مهاجمة سوريا مثلما هوجمت ليبيا، هو تهديد ايران بالانتقام في مواقع استراتيجية مثل البحرين وينابيع النفط في دول مجلس التعاون الخليجي. كل هذا في سبيل افتعال أزمة دولية كبرى تصرف الانظار عن سوريا الى منطقة الخليج. وقد أكد قائد القيادة المركزية في الجيش الاميركي الجنرال جيمس ماتيس، هذه التهديدات، مشيراً الى حروب الظل التي تخوضها ايران في افريقيا والشرق الاوسط. وقال ان خفر السواحل اليمنية نقلوا صوراً حية لعشرات القوارب التي يستخدمها 'فيلق القدس' التابع للحرس الثوري، في نقل الاسلحة المتطورة الى المتمردين الحوثيين. في ضوء هذه المستجدات التي تربك ايران وخصومها معاً، قررت واشنطن رفع العقوبات عن نظام الملالي مقابل التزامه بعدم تصنيع اسلحة نووية. ويبدو ان مؤتمر اسطنبول كان الاختبار الاول لعملية تسوية طويلة سوف تكون بغداد محطتها الثانية. ومن المتوقع ان تعرض الدول الغربية على ايران تسوية شاملة تدخل فيها حليفتها سوريا، مستوحاة من طبيعة النظام الاقليمي الذي فرضه 'الربيع العربي'. وهو نظام يحول الدول الايديولوجية الاسلامية جمهوريات حديثة مثل تركيا. وبما ان الأسرة الدولية تتطلع الى ايران كقوة ثورية متفجرة منذ عام 1979، فإن تحولها من 'قضية' الى 'دولة' يقتضي المرور في مراحل عدة. تقول الوزيرة اشتون، انها تتوقع من محادثات بغداد المقبلة، خطوات ملموسة بهدف التوصل الى تسوية تفاوضية شاملة تعيد الثقة الدولية في الطابع السلمي للبرنامج النووي الايراني. أي التخصيب لتأمين الحاجات الداخلية للبلاد. لهذا تبدو التوازنات الاقليمية القائمة، مرشحة للتغيير انسجاماً مع واقع الانظمة الجديدة. وفي مؤتمر بغداد، ستخير الدول الكبرى المرشد علي خامنئي، بين ابقاء النظام قضية ثورية منفلتة... أو تحوله سلطة منضبطة تعين المنطقة على ترسيخ قواعد الاستقرار الاقليمي؟!


- 'السفير'
من عوامل قوة الحراك: الشعب أقوى من النظام (1)
ميشيل كيلو:

أثارت قوة الحراك الشعبي السوري ذهول ودهشة العالم. وكنت قد قلت في مقالة: إن الانتفاضة الفلسطينية كانت إحدى المدارس الكبرى التي تعلم الشعب السوري فيها شجاعة التمرد والثورة، فاعترض صديق فلسطيني على قولي وأخبرني إن الانتفاضة كانت بحق مدرسة تعلم العرب فيها الحرية والمقاومة، لكن دروسها لا تقارن، أقله من حيث حجمها وتضحياتها، بما يعلمه الشعب السوري اليوم لغيره من العرب والأجانب، ودلل على ذلك بمقارنات حول عدد الشهداء، وحجم ونمط العنف الذي استخدم في الحالتين الفلسطينية والسورية.
تنبع قوة السوريين من الطابع المجتمعي لتمردهم، الذي يكاد يكون شاملا، ويستند إلى اعتقاد يتقاسمه قسم كبير جدا من بنات وأبناء الشعب، يرى أن النظام الراهن لم يعد قابلا للحياة، وأنه فقد طابعه الوظيفي وشرعيته ودوره التاريخي والعملي، وفقد بالتالي قدرته على فعل أي شيء إيجابي للسوريات والسوريين، وفقد حتى قدرته على إطلاق وعود صادقة يستطيع الالتزام بتحقيقها فيصدقها الشعب. ومن يفقد دوره وشرعيته وقبول الناس به يفقد حقه في الوجود. إذاً، فإن أهم ما يميز الحراك الشعبي السوري هو شموله وعمقه، اللذان مكناه من الاستمرار طيلة عام ونيف، وجعلاه يبدو كأنه لم يعد ينتمي إلى زمن النظام القائم، بل إلى الزمن التالي له، زمن النظام القادم، رغم ما يقال عن قوة السلطة الأمنية والعسكرية، التي تأخذ صورة عنف يتعاظم انتشاره من مكان لآخر، مع أن العنف نادرا ما يكون دليل قوة، بل يكون غالبا دليل ضعف وارتباك عندما يستخدم لحل ازمات سياسية واجتماعية، لا تحل بغير السياسة وأدوات عمل اجتماعي يمليها ويوجهها العقل الوطني وحده .
هذا الطابع المجتمعي العام هو نقطة قوة الحراك، الذي ليس حزبيا أو فئويا أو طبقيا او نخبويا، وإنما حشد قوى المجتمعين المدني والأهلي ووحد نضالهما طيلة عام واجها خلاله أهوال سياسات أمنية مخيفة، أطاحت بجزء كبير من المجتمع المدني، وخاصة شبابه، في حين واصل المجتمع الأهلي تمرده واحتجاجه، وتحمل ما لم يكن يخطر ببال أحد أنه يستطيع تحمله، وصمد في وجه ضغوط قاتلة، مع أنه كان يبدو بعيدا جدا عن السياسة، سعيدا بعزلته وبعده عن الشأن العام وهمومه، وعن السلطة وأجهزتها وأحزابها.
هذه نقطة ثانية من نقاط قوة الحراك الشعبي: فقد أوصل قيم الحداثة، وخاصة منها قيم المواطنة والحرية والمدنية والديموقراطية، إلى مواطن المجتمع الاهلي، الذي فرض عليه الجهل بها، خلال نصف قرن، هي عمر النظام السائد، وابعد عن السياسة وأغرق في وعود جذابة هطلت عليه من سماء السلطة. وحين شعر باليأس يلف وجوده، وبالحرمان يفقده حقوقه، عاد إلى الشأن العام من بوابة قيم الحداثة والمجتمع المدني، طالبا حصته من الحرية والكرامة والعدالة، وباذلا دماءه في سبيل نمط جديد من الحكم يكون مشاركا ومسؤولا فيه.
تعرض المجتمع المدني الذي قاد الحراك وشارك بكثافة شديدة فيه لما يشبه الإبادة على يد قوات الأمن، على أمل أن يتراجع مع تلاشي دوره ودور المجتمع الأهلي إلى درجة تمكن النظام من إخماد تمردهما، لكن هذا المجتمع لم يخرج من الصراع، بينما أفلح المجتمع المدني في البقاء على رأس الحراك في مناطق كثيرة، بفضل نمط غير مركزي من القيادة، مرن وقابل للتجدد الذاتي التلقائي، استحال معه توجيه ضربة حاسمة إليه تدمر جهازه العصبي فتبقى كتل المناضلين الكبرى في حال من الشلل، على غرار ما كان يحدث خلال حملات النظام ضد المعارضة الحزبية، عندما كان اعتقال القيادة، جهاز الحزب العصبي، يفضي إلى شل بقية أعضائه، وخاصة قاعدته، فيسهل عندئذ رصدها وملاحقة عناصرها الناشطة واحدا بعد آخر.
هنا، وبسبب انتشار الجهاز العصبي القيادي واتساع صفوفه واكتسابه طابعا محليا، لم يتح اعتقال أعضاء منه تقويض جسده، أي المجتمع الأهلي، ولم يحل دون تبلور قيادات بديلة، حتى أنه ليبدو اليوم أن القضاء على هذا الجهاز يتطلب القضاء على المجتمع نفسه، خاصة بعد ان برزت عناصر كثيرة من المجتمع الأهلي، كقوى قيادية موهوبة، عوضت النقص في القيادة الشبابية المدنية، وتمكنت من قيادة ومواصلة الحراك محليا وبالتنسيق مع المناطق القريبة، وحالت دون تراجع الاحتجاج والتمرد في معظم مناطق سوريا، بل وضمت أفواجا جديدة من المتظاهرين إلى الصفوف المرابطة في الشوارع، التي عجز النظام عن إخراجها منها وكسر شوكتها، رغم التصعيد العسكري/ الحربي المتواصل، الذي لجأ إليه خلال العام المنصرم.
بوحدة المجتمعين المدني والأهلي، التي كانت تعني وحدة القيادة الحديثة مع السوريين العاديين من سكان الأرياف والمدن على مختلف أسمائها، وببلورة أشكال من النضال تتناسب والحاجة إلى الرد على حملات النظام الأمنية، وبروز قوى ميدانية عجزت خبرات النظام الأمنية عن القضاء عليها، وبصيانة خلفية السوريين الوطنية المشتركة، فشلت سياسات التحريض الطائفي في تفجير التناقضات بين ابناء الوطن الواحد في جعلها تتخذ صورة اقتتال أعمى يغطي مجمل مناطق البلاد، رغم وقوع بعض التوتر ـ الشديد أحيانا ـ هنا أو هناك، وحدوث تعديات محدودة مناهضة للروح الوطنية وللحمة المجتمعية. هذا الفشل كان نتيجة من أهم نتائج قوة الحراك، المستمدة من قوة المجتمع ومن تضامنه، وهو سيبقى برهانا على عمق انتماء السوريين بعضهم إلى بعض، وعجز سنوات الشحن التفريقي والتمييزي الطويلة والمركزة عن دفعهم إلى تبني أنماط سلوك تقوض ولاءاتهم المشتركة والعليا، وتحل محلها ولاءات ثانوية أو دنيا لا يستقيم وجود وطني موحد معها، ولا تبقى وحدة وطنية في ظلها. لم تقم في سوريا حروب أو معارك طائفية، ويرجح أن لا تقوم في المستقبل أيضا، لأسباب كثيرة، ربما كان أهمها أن النظام لم يعد يلبي حاجة أغلبية المواطنين الساحقة إلى الحرية والأمان والعدل، ولا يمثل أي قطاع مجتمعي محدد، بل هو نظام من يديرونه وينتفعون منه، من مختلف الأطياف والمصالح والتيارات والمذاهب. نظام هؤلاء الذين انفصلوا عن شعبهم بمجمله، ووضعوا أنفسهم في مواجهته، وتفننوا في تخويف أقلياته المذهبية من اغلبيته الدينية، وها هم يحصدون الخيبة ويقاتلون كممثلي سلطة تغربت عن شعبها ضد أغلبيته العظمى، ويفعلون ذلك باسم نظامهم المغلق والاستبعادي، الذي ينتمي إلى ماض لم يعد قادرا على الاستمرار، في حين يناضلون هم باسم مستقبل مفتوح على الحرية، يعد حتى أهل السلطة بموقع مضمون من العمل السياسي والمشاركة في إدارة شؤون سوريا القادمة. تنبع قوة الحراك من مستقبليته وماضوية النظام، ويستمد عزيمته من مجتمعيته التي تتيح له مواجهة فئوية السلطة وطابعها الأقلوي كسلطة تمثل مصالح المنتفعين بها دون غيرهم من فئات الشعب، وتعيش من الإكراه والقمع اكثر مما تعيش من قبول المواطنين العام، الذي يلغي انتفاؤه شرعيتها، بينما يبدو الحراك شرعيا بفضل أعداد المشاركين فيه وإصراراهم على التخلص من الاستبداد، وانتمائهم إلى بدائله من عوالم حرة ومفتوحة، يحقق الفرد فيها ذاته كمواطن حر ومنتج بعد أن حرم من حقه في أن يكون فردا ومواطنا وحرا ومنتجا، ومساويا لغيره، بسبب النظام وخياراته وسياساته. اثار صديق قبل مدة مسألة الفترة الزمنية التي استغرقها الحراك، وتحدث عن قوة السلطة، التي وصف أجهزتها بالمتماسكة، وعن صمودها طيلة عام كامل. لو أن أحدا سأل هذا الصديق في الأول من آذار عام 2011 عن احتمال نشوب انتفاضة شعبية في سوريا قد تدوم يومين، لأجابه: هذا احتمال يكاد يكون مستحيلا، بل هو الاستحالة عينها. واليوم، يصعب القفز من فوق واقعة أن الشعب صمد خلال عام عصيب مضى، وأن مجتمعا يفعل ذلك هو بالتأكيد والقطع أقوى من سلطته، لأنه دخل المعركة دون استعداد يجاري ولو من بعيد استعداداتها طيلة نيف ونصف قرن، لمواجهة حالة كالتي تعيشها سوريا اليوم، لكنه بقي عصيا على الإركاع، في واقعة تعتبر إعجازية بجميع المعايير، تؤكد أن زمنا جديدا يبزغ في سماء العرب، تقرر شعوبهم اليوم ملامحه وتضحي بالغالي والرخيص في سبيل قدومه، سيكون عكس زمن وعدهم بالحرية، وأتاهم باستبداد جثم بلا رحمة على قلوبهم وعقولهم وأرواحهم، ينفضون اليوم نيره عن كاهلهم، ليس كي يصيروا أحرارا، بل لأنهم أحرار ويصبون لإقامة مجال سياسي بديل: حر حقا ووطني حقا ومستقل حقا، سيكون قيامه أعظم علامات قوتهم، التي تبهر العالم.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد