- 'الاخبار'
قراءة تركيّة للأزمة مع العراق
تحوُّل أنقرة إلى لاعب عراقي داخلي منذ انتخابات 2010 والملف السوري أدخلاها في صلب النزاع السني _ الشيعي
فاطمة كايابال:
لا يزال العقل التركي الرسمي مصرّاً على أنّ انهيار علاقات أنقرة بعواصم الدول المجاورة، كان نتيجة لأخطاء حكّام هذه العواصم. فرضية الخطأ التركي لا تزال مستبعدة بالنسبة إلى أنقرة، رغم كثرة الآراء المخالفة: الأزمة مع العراق نموذجاً.
تعيد الأزمة العراقية ــ التركية المستفحلة أخيراً بين رئيسَي الحكومة نوري المالكي ورجب طيب أردوغان، فتح ملفات قديمة، رغم مساعي البعض في تركيا إلى حصرها بشخص المالكي تحديداً، على خلفية &laqascii117o;مساعيه إلى تعزيز سلطاته على حساب شركائه وبقية المذاهب العراقية"، وفق الاتهام التركي له. ولا تزال التهم المتبادلة بين الرجلين هي نفسها: يعتقد أردوغان أن المالكي يحكم بمنطق مذهبي ويثير شركاءه في الحكم، أي العرب السنّة والأكراد، وهو ما يردّ عليه المالكي بالتشديد على أنّ أردوغان وحكومته يتدخّلان بنحو سافر في الشؤون العراقية الداخلية، ومن منطلق مذهبي أيضاً. وباستعادة سريعة لسياسة تركيا _ العدالة والتنمية إزاء العراق، يلاحظ المراقب أن أنقرة حملت هماً لم يتقدم عليه آخر، هو التشديد على أن دبلوماسيتها مستقلة عن الصراع السني _ الشيعي المستعر في المنطقة. ولترجمة ذلك، أصرّ أردوغان على أن يزور المرجع الشيعي الأبرز علي السيستاني في النجف في آذار من العام الماضي، حيث لدى تركيا قنصلية عامة. والنقطة التي يتفق عليها عدد كبير من المراقبين الأتراك، هي أن التاريخ المفصلي كان الانتخابات العراقية التشريعية في آذار 2010، حين دعمت أنقرة خصوم المالكي وائتلافه &laqascii117o;دولة القانون"، وأصرّت على أحقية &laqascii117o;القائمة العراقية" بقيادة إياد علاوي في تأليف الحكومة الجديدة. حينها بدأت الأزمة الكبيرة؛ إذ إنه مع تولّي المالكي رئاسة حكومة جديدة، فإنه &laqascii117o;لم يلتزم العهد الذي قطعه للقيادة التركية بمشاركة الحكم مع القائمة العراقية، وبدل ذلك سعى، ولا يزال، إلى تركيز كافة السلطات بين أيديه"، بدليل حصره وزارات الدفاع والداخلية بشخصه، بحسب مصادر تركية رسمية. ورغم كل ذلك، ظلّت تركيا، على الأقل إعلامياً، تحاول تبنّي شعار تنظيم مؤتمر وطني للمصالحة ولحلّ أزمة نائب الرئيس طارق الهاشمي. من هنا، يرى مصدر في وزارة الخارجية التركية، في حديث مع &laqascii117o;الأخبار"، أنّ &laqascii117o;قيام المالكي بالنكث بوعوده لشركائه في الحكم، من شأنه زيادة حدة الانقسام المذهبي، وهو ما يستحيل أن تتجاهله تركيا؛ لكون ذلك يهدد بإثارة صراعات طائفية في المنطقة برمّتها". لكن المصدر التركي يعترف بأن الشق الداخلي العراقي من الأزمة المستفحلة بين بغداد وأنقرة، لا يكفي لشرح كافة أوجه الأزمة، من دون استحضار الخلاف الكبير بين الدولتين حيال الملف السوري. ووفق الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط لدى تلفزيون &laqascii117o;خبرتورك"، سيدة كيران، في حديث مع &laqascii117o;الأخبار"، تخلق الأزمة السورية المشكلة الكبرى بين البلدين، وخصوصاً أن &laqascii117o;الوقائع على الأرض في المنطقة تصعِّب على أنقرة مسألة الثبات على أنها غير معنية بالنزاع الشيعي _ السني، بدليل أن المالكي، شأنه شأن عدد كثير من شيعة المنطقة، يرى أنه في حال وصول السنة العرب إلى الحكم في دمشق، فإنّ ذلك سيتبعه وصول العرب السنة إلى الحكم في بغداد أيضاً". إضافة إلى ذلك، &laqascii117o;تخشى أنقرة أن يركّز المالكي كل السلطات بيديه، وهو ما من شأنه أن يوحّد السنة العرب مع الأكراد ضد الشيعة، على خلفية ملفات عديدة، كمسألة تقاسم العائدات النفطية"، علماً بأن تركيا لا تزال الشريك الاقتصادي الثاني للعراق بعد ألمانيا، مع تبادل تجاري يناهز 12 مليار دولار سنوياً، نصف هذا المبلغ يجري تبادله مع الإقليم الكردي. في المحصلة، مهما تعدّدت المعطيات، تبقَ النتيجة واحدة بحسب الكاتب التركي المعروف في صحيفة &laqascii117o;ملييت" المعارِضة، سميح إيديز، الذي يختصر الموضوع بأنّ تركيا خسرت ورقتها الأبرز، وهي &laqascii117o;القوة الناعمة"، أي القدرة على التحدث مع جميع الأطراف في العالم العربي. ويكشف إيديز أن الدبلوماسيين الغربيين العاملين في أنقرة حالياً، باتوا يتناولون تركيا في تقاريرهم إلى عواصمهم بالاشارة إلى أنها &laqascii117o;منحازة إلى المعسكر السني"، وأنها &laqascii117o;فقدت قدرتها على أن تكون عنصراً محايداً مطلوباً للتخفيف من حدة النزاع السني _ الشيعي في المنطقة". كلام لا يوافق عليه بطبيعة الحال بولنت أراس، وهو أبرز مستشاري وزير الخارجية التركية أحمد داوود أوغلو، ورئيس &laqascii117o;مركز الدراسات الاستراتيجية" التابع لوزارة الخارجية. وفي مقابلة معه نشرتها صحيفة &laqascii117o;بوغون" التركية، أمس، ينفي أراس أن تكون تركيا قد انحازت إلى &laqascii117o;المعسكر السني" في الصراع المهيمن على المنطقة حالياً. وذكّر أراس كيف أن بلاده حاولت منذ البداية الحدّ من التوتر الشيعي _ السني وحصره في إطاره الدبلوماسي، حيث لم يكن ممكناً حلّه، لذلك مثلاً &laqascii117o;زار أردوغان المساجد الشيعية العراقية في كربلاء لبعث رسالة أنّه هناك ليس كسنّي ولا كشيعي، بل كمسلم". ويشير أراس إلى أنّ النتيجة كانت ما جاء به استطلاع لمعهد &laqascii117o;غالوب"، الذي أظهر أنّ شيعة العراق يملكون نظرة ايجابية جداً إزاء تركيا، &laqascii117o;وهو ما يكشف عن الدور البنّاء الذي أدّته تركيا في المنطقة" على حد تعبيره. ورداً على سؤال عن مدى مساهمة زيارة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي لتركيا في ارتفاع وتيرة الخلاف التركي _ العراقي المستجد، أجاب أراس بأن &laqascii117o;المشكلة لا تكمن بين المالكي وتركيا، بل بين المالكي والهاشمي، وأزمة المالكي هي أنه يُسقط مشكلته مع الهاشمي على الدول التي تستقبله، وبالتالي، حين تُحَلّ مشكلة المالكي مع الهاشمي، تزول الأزمة مع تركيا". وأعرب كبير مستشاري داوود أوغلو عن مخاوف بلاده من تقسيم العراق واشتداد الأزمة المذهبية فيه، مستذكراً الوضع السائد قبل 2005، أي قبل مشاركة العرب السنة في العملية السياسية، لذلك يشدد الرجل على أهمية إبقاء العرب السنة داخل العملية السياسية الحالية، &laqascii117o;وهو الهم الذي لا يشاركنا فيه المالكي بسبب حصر همّه بالحفاظ على سلطاته واحتكارها".
- 'الاخبار'
قطع الغاز: زوبعة في فنجان علاقات العسكر بإسرائيل؟
الحكومة تهوِّن والجيش يتوعّد
بيسان كساب:
بين الأسباب التجارية ــ المالية من جهة، والسياسية ــ الشعبية التي تقف خلف قرار الطرف المصري إلغاء تصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل، جاء التحذير العسكري المصري من المسّ بسيناء ليعيد توجيه السجال
لا يمكن فصل قرار وقف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، عن اقتراب انتهاء المرحلة السياسية الانتقالية في مصر، والشقاق الشكلي في العلاقة بين جماعة &laqascii117o;الإخوان المسلمين" والمجلس العسكري الحاكم؛ إذ إنّ الجيش أصبح بحاجة ماسة إلى &laqascii117o;تبييض وجهه"، بحسب تعبير أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، العضو السابق في المجلس الاستشاري المعاون للمجلس العسكري، حسن نافعة.
والقرار الذي ربطه الطرف المصري، ممثَّلاً برئيس الشركة القابضة للغازات والمواد الطبيعية محمد شعيب، بإخفاق الطرف الآخر في الوفاء بالتزاماته في التعاقد، هو &laqascii117o;سياسي في الجوهر لا تجاري" بحسب نافعة، مرجحاً أن يستخدمه المجلس العسكري في الدعاية السياسية لمصلحته، &laqascii117o;وخصوصاً أنه (القرار) سيحظى في كل الأحوال بتأييد شعبي واسع". إلا أن نافعة يستبعد بشدة احتمال استخدام المجلس لتلك الشعبية الطارئة ضد معارضيه، بما أن &laqascii117o;قدرة المجلس على المناورة باتت محدودة، في ظل ما يواجهه من ضغوط من قبيل مشروع قانون العزل السياسي لأركان النظام السابق". ويعلّق على الصبغة التجارية للقضية، أي تأخُّر وفاء شركة شرق المتوسط للغاز بالدفع، بالقول إنها سمحت للجيش باتخاذ القرار على نحو يقلل من الضغوط المتوقعة من الولايات المتحدة وإسرائيل عليه. تحذير مبني على تلميحات كتلك التي أوحى بها وزير البترول والثروة المعدنية عبد الله غراب، الذي أوضح في تصريحات بثّتها وكالة &laqascii117o;أنباء الشرق الاوسط" الحكومية، أن &laqascii117o;الإجراء لا يخرج عن كونه خلافاً تجارياً، لا تحكمه أي اعتبارات سياسية، كذلك فإنه لا يعكس أي توجهات من قبل الدول، ويُعد استخداماً لما تنص عليه بنود التعاقد في حال إخلال أحد الأطراف ببنود العقد". وبدا أنّ ما يحذّر منه نافعة بات قاب قوسين أو أدنى بالفعل؛ فبطلة قضية التمويل الأجنبي، أحد رموز عهد حسني مبارك، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي فائزة أبو النجا، قالت إن الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، وهي شريك في شركة شرق غاز المتوسط، أبلغت الطرف الإسرائيلي أنها لا تمانع في إعادة التفاوض لتوقيع عقد جديد لتصدير الغاز المصري إلى دولة الاحتلال، لكن بأسعار جديدة. ولا يمكن النظر إلى احتمالات التراجع عن القرار المصري الذي قد توحي به تصريحات أبو النجا، بمعزل عن المعونة الأميركية لمصر كثاني أكبر مساعدات تقدمها الولايات المتحدة إلى دولة أجنبية بعد إسرائيل، وخصوصاً أن المعونة العسكرية تحتل فيها الموقع الأهم، بقيمة 1.3 مليار دولار مقابل 250 مليون دولار فقط للمعونة الاقتصادية. وقالت أبو النجا إن &laqascii117o;القرار المصري بوقف تصدير الغاز لم يأتِ اعتباطاً، لكنه كان بعدما وجّه الجانب المصري 5 إنذارات إلى إسرائيل لسداد مستحقات الغاز الموجودة لديه"، موضحةً أن آخر مهلة أعطاها الطرف المصري لسداد المستحقات كانت في 31 آذار الماضي. ولم تنحصر التداعيات السياسية لوقف تصدير الغاز إلى إسرائيل في هذا الحدّ، فشركة &laqascii117o;امبال" الأميركية ــ الإسرائيلية، وهي شريك بنسبة 25 في المئة من ملكية شركة غاز شرق المتوسط، وصفت القرار بأنه &laqascii117o;مخالف للقانون"، وكشفت أنها تبحث مع الشركاء كيفية مواجهته. أكثر من ذلك، فقد ذكّرت الشركة بأنها طالبت بالتعويض المالي قبل صدور القرار المصري، بسبب انقطاع إمداد الغاز بعد سلسلة التفجيرات التي تعرّض لها أنبوب الغاز في سيناء على يد مجهولين منذ اندلاع الثورة. البيان قد يبدو تلويحاً باللجوء إلى التحكيم الدولي، &laqascii117o;لكنها قضية خاسرة على كل حال"، على الأقل بحسب أستاذ القانون الدولي في جامعة عين شمس، عضو &laqascii117o;اللجنة لشعبية لاستعادة أموال مصر المنهوبة"، حسام عيسى. ويقول عيسى لـ&laqascii117o;الأخبار" إن التخلف لأربعة أشهر عن سداد مستحقات الطرف المصري، يبدو سبباً وجيهاً لفسخ العقد الذي كان يفترض أن يمتد لعشرين عاماً، بما يسقط أي مزاعم بتسييس القرار أو إرجاعه إلى المطالب الشعبية بوقف تصدير الغاز إلى إسرائيل. مجتمع الأعمال بدأ يتململ على الفور مثلما كان متوقعاً. على سبيل المثال، أصدرت &laqascii117o;الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار"، بياناً جاء فيه أن &laqascii117o;قرار وقف تصدير الغاز إلى إسرائيل يجب أن توضَح أسبابه والأسانيد القانونية التي اتُّخذ على أساسها للمستثمرين الأجانب"، مشيراً إلى أن الوضع الاستثماري القائم يستلزم ضرورة التأكيد أن القرار تجاري وليس سياسياً، &laqascii117o;فالقرار له مقدمات منذ أكثر من عام، ومن بينها الطلب الشعبي لإلغاء اتفاقية تصدير الغاز". وفي ما بدا أنه تقاسم أدوار بين أطراف الحكومة والجيش، توعّد رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المشير حسين طنطاوي، بالرد القاسي على أية دولة تعتدي على حدود مصر، في ردّ مبطَّن على ما نُقل عن وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان، بشأن ضرورة &laqascii117o;الاستعداد لكل الاحتمالات" مع مصر، مقترحاً استحداث &laqascii117o;ثلاث أو أربع فرق جنوبية" تحسباً لتدهور اجتماعي واقتصادي في مصر ولاحتمال زيادة عدد القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء. ونقلت صحيفة &laqascii117o;الأهرام" المصرية عن طنطاوي قوله إن &laqascii117o;حدودنا ملتهبة بصفة مستمرة، لكن نحن لا نعتدي على أحد من البلاد المحيطة بل ندافع عن حدودنا، وإذا اقترب أحد من حدود مصر فسنكسر قدمه، لذلك يجب على قواتنا أن تكون في حالة جاهزية مستمرة". وفي السياق، دعا قائد الجيش الثاني الميداني اللواء أركان حرب محمد فريد حجازي، &laqascii117o;الجميع إلى إعادة حساباتهم قبل التفكير بالاعتداء على أية بقعة من أرض مصر"، وذلك على هامش مناورة بالذخيرة الحية تحمل اسم (نصر 7) في سيناء.
- 'النهار'
كيسينجر يعود إلى هارفرد
نيال فرغوسون:
القاعدة العامة هي أن الخريج الجامعي الناجح يكون محبوباً من الكلية التي تلقّى فيها تحصيله العلمي. كلما أصبح مرموقاً أكثر، يتلقّى مزيداً من الاتصالات الهاتفية من تلك الكلّية. وإذا حقّق فعلاً نجاحاً كبيراً، يتلقّى دعوات لإلقاء كلمة في مآدب عشاء كبيرة، والحصول على شهادات فخرية، وإلقاء الخطب في حفلات التخرّج... وبالتأكيد يُطلَق اسمه على هذا الكرسي أو ذاك أو هذا المبنى أو ذاك (وكذلك على شيك كبير جداً).
لكن هناك بعض الاستثناءات المؤلمة لهذه القاعدة. لم يفعل أيّ خرّيج من جامعة أوكسفورد ما فعلته مارغريت تاتشر كي تستعيد بريطانيا عافيتها الاقتصادية بعد الحرب. لكن عام 1985، صوّت رؤساء الكليات في أوكسفورد ضد منح تاتشر التي كانت رئيسة للوزراء آنذاك دكتوراه فخرية، في خطوة تنم عن ازدراء غير مسبوق. وحصل تباعد مماثل - ولو كان أكثر مرارة - بين هنري كيسينجر والجامعة التي تخرّج منها، هارفرد. لكن الأسبوع الماضي، بعد عقود من الجفاء، عاد كيسينجر إلى الجامعة التي درس فيها وعلّم. كانت مناسبة عاطفية. وكانت مؤشّراً مدهشاً أيضاً للتغيير الذي تشهده أميركا الليبرالية. في السبعينات والثمانينات، كان الأكاديميون الليبراليون يفتخرون بنبذ خرّيجيهم الأكثر نجاحاً لأنهم لا يوافقون على سياساتهم. في حالة أكسفورد، كان السبب وراء الرفض الخفوضات التي أجرتها تاتشر في تمويل الجامعة. وفي حالة هارفرد، كان السبب الحرب في فيتنام. في 8 أيار 1970، بعد وقت قصير من اجتياح القوات الأميركية كمبوديا المجاورة لفيتنام، تلقّى كيسينجر زيارة في واشنطن من وفد ضم زملاء سابقين له بينهم الخبير الاقتصادي توماس شلينغ. رحّب كيسينجر بـ'أصدقائه الأعزّاء من جامعة هارفرد'. فردّ شلينغ 'لا، نحن مجموعة من الأشخاص الذين فقدوا ثقتهم كلياً بقدرة البيت الأبيض على إدارة سياستنا الخارجية، وقد جئنا لنقول لك ذلك'. كانت هذه بداية شرخ استمرّ 42 عاماً. لقد ساهمت كتب مثل كتاب الراحل كريستوفر هيتشنز The Trial of Henry Kissinger (محاكمة هنري كيسينجر) في ترسيخ مفهوم أن السياسة الخارجية لإدارة نيكسون كانت سيّئة جداً. فعلى سبيل المثال، يردّد الليبراليون الذين تقدّموا بعض الشيء في السن، وكأنّه فعل إيمان، أن نيكسون وكيسينجر مسؤولان شخصياً عن الانقلاب الذي أطاح الرئيس التشيلي الماركسي سلفادور أليندي. ولذلك كان متوقّعاً تماماً أنه إذا عاد كيسينجر إلى هارفرد، فسوف تكون هناك احتجاجات على 'جرائم الحرب' التي يُزعَم أنه ارتكبها. ولهذا كانت خطوة شجاعة أن يدعوه رئيس هارفرد، درو فوست، إلى نقاش مفتوح في قاعة ساندرز في الجامعة في 11 نيسان الجاري، والشجاعة الأكبر أظهرها كيسينجر بتلبيته الدعوة. لا شك في أنه ما إن تم تقديم كيسينجر للحضور والتصفيق له حتى بدأ الاحتجاج. لكن الأكثر استثنائية كان الاحتجاج على الاحتجاج. فالمحتج - بالمفرد - كان من فئة الهيبيين المتقدّمين في السن الذين يظهرون دائماً في مثل هذه المناسبات، مع شعر رمادي مربوط. كان هناك شيء من الطابع الشعائري في تعبيره عن غضبه الذي بدأه بالجملة الآتية 'أعلن توقيفه بصفتي مواطناً'. أخرجه عناصر الشرطة في الجامعة بسأم من المبنى. ثم حصل أمر لافت. بعفوية، راح الحضور يصفّق لكيسينجر تصفيقاً حاراً، وعدد كبير منهم صفّقوا له وقوفاً. اللافت هو أن معظم المصفّقين كانوا طلاباً جامعيين. أهلاً بكم في الفجوة الجديدة بين الأجيال. في جلسة الأسئلة والأجوبة، صدرت الحفنة القليلة من الأسئلة البغيضة عن جيل الطفرة الإنجابية المتقدّم في السن. أما موقف الطلاب فكان معاكساً تماماً. فقد وقف عدد كبير منهم في الصف طوال ساعة لدخول القاعة. وفي ختام اللقاء، تهافتوا نحو المسرح لالتقاط الصور مع كيسينجر والحصول على توقيعه. قد يقلّل الساخرون من أهمّية الأمر معتبرين أنها براءة الشباب. سمعت أحد أفراد الهيئة التعليمية يتمتم 'بالنسبة إليهم، فيتنام مجرّد تاريخ، تماماً مثل الحرب الأهلية'. نعم وكلا. السبعينات هي تاريخ فعلاً بالنسبة إلى المولودين في عام 1992. لكن الجيل الذي بلغ مرحلة النضوج بعد 11 أيلول 2001 لديه موقف من الحرب مختلف جوهرياً عن موقف المحتجّ ذي الشعر المربوط. لقد أظهرت رئاسة أوباما أنه على الليبراليين أيضاً أن يستعملوا أحياناً القوّة للحفاظ على أمن البلاد: زيادة عدد الجنود في أفغانستان، والمساعدة على إطاحة نظام سيّئ في ليبيا، وقتل الأعداء (وبينهم مواطن أميركي) بواسطة الطائرات غير المأهولة وفرق الإعدام. من يدري؟ ذات يوم قد يندّد خليفةٌ لهيتشنز بما يعتبره 'جرائم حرب' ارتكبها باراك أوباما. لكن في هذه الحالة، سيكون قرّاؤه في الستّين من العمر أو أكبر سناً. لقد رحّب جيل أكثر شباباً وحكمة بعودة هنري كيسينجر إلى هارفرد. والآن حان دور أوكسفورد لتكبر هي أيضاً.
- 'المستقبل'
قارعته بالحجّة نفسها مستندة إلى مناجد 'عربية وفرنسية'
'المطبوعات' تدين السيد بجرائم القدح والذم بحق رزق
قد تكون المرة الأولى التي تلجأ إليها محكمة المطبوعات في بيروت إلى 'مناجد' وبعدة لغات، لتفسير عبارات تشكل قدحاً وذماً بحق المدّعين امامها بهذه الجرائم، وتكون بالتالي قد قارعت بالحجة نفسها اللواء المتقاعد جميل السيد الذي استعان بدوره بمنجد لتفسير عبارات نابية أطلقها بحق وزير العدل السابق شارل رزق أثناء استجوابه أمامها في الشكوى المباشرة المقدمة بحقه، معتبراً انه استعمل هذه المصطلحات بالمفهوم المتداول بين عامة الشعب وهي لها معنى محدد في اللغة العربية.
وتخرج المحكمة في حكم أصدرته أمس بحق السيد بقناعة ان ما ورد على لسان المدعى عليه ووكيله لاسيما لجهة تحديد 'الدوافع' التي حملته على استعمال المصطلحات بحق الوزير في سياق حلقة 'حديث الساعة' على قناة 'المنار' لا يؤثر على النتيجة التي توصلت إليها المحكمة وهي ادانته وإلزامه بدفع مبلغ أربعة ملايين ليرة للمدعي كتعويض عن الأضرار التي لحقت به، وتغريمه مبلغ ستة ملايين ليرة فضلاً عن إلزام المدعى عليه السيد بالطلب من المدير المسؤول عن البرامج السياسية في تلفزيون 'المنار' باذاعة خلاصة الحكم في مقدمة البرنامج الحواري 'حديث الساعة' على نفقته.
وجاء في حيثيات الحكم الذي أصدرته محكمة المطبوعات امس برئاسة القاضي روكز رزق وعضوية المستشارتين القاضيتين نوال صليبا ورولا عبدالله بعد سردها للوقائع التي تتعلق بالمقابلة التي أجريت مع السيد ضمن برنامج 'حديث الساعة' على تلفزيون 'المنار':
من جهة اولى، حيث ان 'الذم هو نسبة أمر إلى شخص ولو في معرض الشك أو الاستفهام ينال من شرفه أو كرامته'. وحيث ان القدح هو 'كل لفظة ازدراء أو سباب وكل تعبير أو رسم يشفان عن التحقير.. إذا لم ينطو على نسبة امر ما'.
وحيث ان 'الذم' يجنح، في ضوء ما ذكر، باتجاه الخصوصيات بينما القدح يجنح باتجاه العموميات.
وحيث ان التحقير يتضمن كافة التعابير التي تُطلق على شخص ما (موظف) قدحاً أو ذماً أو ازدراء.
من جهة ثانية، حيث ان المقابلة التي اجريت مع المدعى عليه 'اللواء المتقاعد جميل السيد'، في سياق البرنامج الحواري 'حديث الساعة'، والمشار إليها في باب الوقائع، تتناول مرحلة دقيقة وحساسة جداً من تاريخ لبنان الحديث.
وحيث ان المدعى عليه استعرض، خلال هذه المقابلة، وبشكل حاد، وقائع محددة من زاوية معينة، مرتبطة بشخصه، وبالظروف التي هيأت ورافقت، حسب ما جاء على لسانه، عملية توقيفه، وذلك من خلال عرض متكامل لقناعاته الراسخة التي تعتبر ان للمدعي، 'الدكتور شارل رزق'، وزير العدل الأسبق، علاقة مباشرة بهذه الظروف.
من جهة ثالثة، حيث ان الشكوى تتمحور حول المصطلحات التي استعملها المدعى عليه، خلال المقابلة التي أجريت معه، والتي تعكس، حسب ما جاء في متن هذه الشكوى:
'جرائم القدح والذم والتحقير بحق وزير سابق'.
وحيث انه يقتضي تحديد هذه المصطلحات تمهيداً لبيان معنى كل مصطلح منها، لكي يُبنى على الشيء مقتضاه القانوني. وحيث ان هذه المصطلحات هي: 'اللعين' و'السافل' و'الواطي' و'المنحط'.
ـ وحيث ان مصدر مصطلح 'اللعين' هو لعن: لعَنَ ـ لعناً فلاناً: أخزاه وأبعده عن الخير'، (المرجع: المنجد في اللغة والاعلام، طبعة جديدة منقحة، دار المشرق بيروت، الطبعة الثامنة والثلاثون، ص 724 و725).
ـ وحيث ان مصطلح 'السافل' يعكس 'السفالة'، أي 'النذالة والخساسة'، (المرجع: المنجد في اللغة والاعلام، المشار إليها آنفاً، ص 338).
ـ وحيث ان مصطلح الـ'الواطي'، يعني الشخص الذي يتصرف بـ'وطاوة' أي بـBassesse بالفرنسية، وهذا يعني: 'دناءة، خسّة، نذالة، عمل شائن'، (المرجع: المنهل، قاموس فرنسي عربي، تأليف الدكتور جبور عبدالنور والدكتور سهيل ادريس، دار العلم للملايين، الطبعة السابعة، كانون الثاني (يناير) 1983، ص 104).
ـ وحيث ان مصطلح 'المنحط'، يعكس الانحطاط، أي باللغة الفرنسية Decadence، وهذا يعني: الانحلال والتأخر، (المرجع: المنهل، قاموس فرنسي عربي، المشار إليه آنفاً، ص289).
من جهة رابعة، حيث انه يتبين، في ضوء كل ذلك، ومن خلال معنى كل مصطلح من المصطلحات المستعملة، على النحو المنوه عنه آنفاً، ان توصيف المدّعى عليه، 'اللواء المتقاعد جميل السيد'، للمدّعي، وزير العدل الأسبق الدكتور شارل رزق: بـ'اللعين'، وبـ'السافل'، بشكل متكرر، وبـ'الواطي'، وبـ'المنحط'، يسيء إلى المدعي وينال من سمعته ومن شرفه ومن كرامته، ويعكس، في السياق الذي جاء فيه، ازدراء وتحقيراً به، وهو يُعتبر من باب التحقير والذم والقدح به، وينطبق، تبعاً لكل ما ذكر، على أحكام المادة 22 من المرسوم رقم 104 تاريخ 30/6/1977 المعدّل معطوفة على الفقرة (2) من المادة 35 من القانون رقم 382 تاريخ 4/11/1994 وعلى المادتين 385 و383 من قانون العقوبات. وحيث ان ما ورد على لسان المدعى عليه ووكيله، لا سيما لجهة تحديد 'الدوافع' التي حملته لاستعمال المصطلحات المذكورة، في سياق الحلقة الحوارية المنوّه عنها، لا يبرر التحقير بالمدّعي، ولا يؤثر، بالتالي، على النتيجة التي توصلت إليها هذه المحكمة. وحيث انه يقتضي، تبعاً لذلك، ردّه. وحيث ان وكيل المدعي طلب إلزام المدعى عليه بدفع مبلغ 150 مليون ليرة لبنانية كتعويضات شخصية لموكله. وحيث ان ما ورد آنفاً، على النحو المذكور، ألحق بالتأكيد ضرراً معنوياً كبيراً بالمدعي وهو يستوجب تعويضاً. وحيث ان المحكمة، مع تيقنها من ان أي بدل مادي ليس من شأنه التعويض عن الضرر الذي لحق بالمدعي، ترى إجابة طلبه وإلزام المدّعى عليه بدفع مبلغ اربعة ملايين ل.ل. كتعويض للمدّعي عن الأضرار التي لحقت به. وحيث ان المحكمة ترى، بالاضافة الى ذلك، وسنداً لأحكام المادة 32 من المرسوم 104/77 المعدل، إلزام المدعى عليه بالطلب من المسؤول عن البرامج السياسية في 'شركة المجموعة اللبنانية للاعلام ش.م.ل' (تلفزيون المنار) باذاعة خلاصة عن هذا الحكم في مقدمة البرنامج الحواري 'حديث الساعة'، وذلك على نفقته. وحيث انه لا ضرورة، أخيراً، لبحث باقي الأسباب والمطالب الزائدة و/أو المخالفة إما لأنها لقيت رداً ضمنياً، فيما سبق، أو لعدم الجدوى، ويقتضي بالتالي ردّها.