قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الأربعاء 25/4/2012

- 'السفير'
التدويل .. لمصلحة مَن؟ 
فواز طرابلسي:

إذا كانت سياسة &laqascii117o;الممانعة"، في وظيفة من وظائفها، قامت على اكتساب موقع وشرعية وقوة خارجية للنظام السوري جرى توظيفها لأغراض السيطرة الداخلية، وإذا كان الاستقواء على الداخل بالخارج عن طريق الأدوار العربية والإقليمية والدولية شكل نهجا ثابتا للسلطة السورية الحالية على امتداد اكثر من أربعة عقود على وجودها، يجوز التساؤل الآن، والإجماع قائم على اعتبار ان الازمة في &laqascii117o;منعطف" جديد: أليس النظام الحالي يكرّر سياسة الخورجة هذه، اي يعيد استخدام نهج الاستقواء بالتعريب المدوّل على معارضة شعبية عارمة، تفرّع عنها جناح عسكري؟ علما ان المهمة الآن ليست فرض السيطرة وإنما إطفاء ثورة وإنقاذ نظام؟
منذ أن كانت الأزمة الدموية السورية لم يتردد الحكم في دمشق مرة في استدعاء الوساطات الخارجية. بدأ بتوسيط تركيا. وانتقل منها الى وساطة قَطَرية موجزة تولت الإمارة الغازية بسرعة تجييرها الى الجامعة العربية. وبعد التعثر المبتسر لمهمة المراقبين العرب، استعجلت السعودية وقطر نقل ملف الازمة الى الامم المتحدة. في الحالات الثلاث المذكورة، شكلّت الوساطات أغطية لنهج ثابر عليه النظام في كسب الوقت وتصوير أزمته على أنها حرب يخوضها ضد مجموعات بدت &laqascii117o;تخريبية مسلحة" الى ان انضوت دعايته في خط &laqascii117o;الحرب الدولية ضد الارهاب" فصارت الصيغة الرسمية للعدو هي &laqascii117o;مجموعات إرهابية مسلحة ". طبعا، لم يقتصر الامر على تصوير الازمة. عولجت الازمة عمليا على اعتبارها حربا عسكرية وأمنية تمارس أنواعا دموية شتى من
الترهيب والترويع على المدنيين المتظاهرين في مئات من مواقع الاحتجاج في طول البلاد وعرضها.
فجأة اكتشفت وزيرة الخارجية الاميركية ان &laqascii117o;تنظيم القاعدة" قد اخترق المعارضة السورية. ومهما تكن الدلالة بعيدة المدى لذاك الاكتشاف فإنه غطّى، ولو جزئيا، بدء مرحلة جديدة من الحل العسكري سمّيت مرحة &laqascii117o;الحسم" كانت ذروتها اقتحام أحياء من مدينة حمص وعمليات كرّ وفرّ في سائر المدن والبلدات والمواقع الخارجة جزئيا أو كليا عن سلطة النظام وقواه العسكرية والامنية على مدار البلد.
لم يحسم &laqascii117o;الحسم" الى الآن. لكنه فتح المجال امام مرحلة جديدة من الخورجة تتولاها المؤسسة الدولية حيث أمكن للفيتو الروسي فرض تسوية، أميركية ـ روسية، تلتقي أقلا عند أولوية وقف إطلاق النار من الطرفين والانسحاب (انسحاب المدرعات خصوصا) من المدن، في ظل رقابة ثلاثمائة رقيب دولي خلال مهلة ٩٠ يوما. ومع ان المبادرة تدعو عمليا الى إطلاق سراح &laqascii117o;المعتقلين عشوائيا"، الا ان التباس الصيغة وفقدان آليات الرقابة الفعلية عليها تفقدها أية قيمة عملية.
في اليوم الثالث عشر من وقف إطلاق النار والثالث على بدء مهمة المراقبين الدوليين، إذ يستعجل المبعوث الدول كوفي أنان الانتقال الى &laqascii117o;العملية السلمية"، سجلت بورصة الدم في سوريا، قبل حلول المغرب من يوم امس، مزيدا من القتلى معظمهم في مدينة حماة. وقف اطلاق نار غير مطبق عمليا والانسحابات شكلية. والجيش النظامي مستمر في استخدام السلاح المدفعي خصوصا على الاحياء المدنية. حتى أن بان كي مون، والرجل الذي يحتاج للا أقل من مئة جثة يومية لينطق، اضطر لإدانة &laqascii117o;الهجوم الوحشي المروع" .
باختصار، لا شيء يشبه قرب الانتقال الى &laqascii117o;العملية السياسية" المنشودة. على ان المبادرة تستدعي هذه الملاحظات.
÷ أولا، تفصل المبادرة بين الامن والسياسة. وهو النهج الدائم للقوى الغربية في التعاطي مع الثورات العربية جميعها حيث ان فرض الامن سبق البحث في عوامل الازمة وأسباب الاحتجاج، أي أسباب اختلال الامن. التمسك بحكم العسكر في مصر مثالا. عدا المبادرة الاميركية الخليجية في اليمن حيث جرى إهمال كل عوامل الانفجار والقوى المعارضة، باستثناء المعارضة الرسمية، باسم الأمن.
÷ ثانيا، نحن بإزاء تدويل منافق يزعم تسليم الامر للسوريين. &laqascii117o;يجب ان يقرر السوريون بأنفسهم مصير سوريا "، تقول الخارجية الروسية. وعلى اللاعبين السياسيين الخارجيين &laqascii117o;ان يساعدوا السوريين على بدء الحوار السياسي بهدف إقامة نظام ديمقراطي تعددي". وحقيقة الامر ان ما يفرض على السوريين هو نمط من التدويل يساعد اكثر ما يساعد على المحافظة على النظام القائم والاوضاع القائمة.
÷ ثالثا، يتبيّن ان ما يسمّى &laqascii117o;البرنامج الاصلاحي الشامل" الذي صاغه النظام هو برنامج مدوَّل بامتياز. يستلهم الخارج ويتوجه له، إذ يسعى لأن يبدو منسجما مع رطانة ليبرالية رسمية سنّتها إدارة جورج بوش عن التعددية وحقوق الانسان والعمليات الانتخابية.
هكذا لديك عدم اعتقال الصحافيين. ولكن لا حرية صحافة ولا حرية لتأسيس وسائل الاعلام.
ولديك تعددية حزبية. ولكنها خاضعة للإجازة من السلطة التنفيذية.
وحق التظاهر مصان بشرط الاستحصال على إذن مسبق من وزارة الداخلية.
وثمة قانون انتخاب يكرر القانون السابق ويقسّم المرشحين الى ثلاث فئات تسمح بالتحكم السلطوي والحزبي فيها: عمال وفلاحين ومستقلين
وفي قمة كل هذه &laqascii117o;الإصلاحات" يتربّع دستور جرى إقراره بواسطة استفتاء تعترف مصادر النظام قلة الاقبال عليه. يريدنا نائب وزير الخارجية ان نصدق انه &laqascii117o;يعدّ من الدساتير العصرية في العالم". إذا كانت عصريته تعني أنه من أواخر الدساتير التي صدرت، فهذا أكيد. أما عن كونه ينطوي على أي إصلاح جاد للنظام القائم فأمر آخر. فجلّ ما يعد به الشعب السوري هو العودة الى بيت الطاعة في ظل نظام سياسي قائم على تعددية سياسية واعلامية وحزبية مضبوطة في ظل حاكم فرد مطلق الصلاحيات يجمع السلطات التشريعية والتنفيذية والامنية والعسكرية الى كونه غير قابل للمساءلة أو المحاسبة.
وحتى لو وضعنا جانبا ان النظام لم يعترف بالمعارضات السورية على تعددها مع انه يشكوها للقاصي والداني بأنها لا تريد محاورته، فإن الحوار الفعلي الذي يجريه كناية عن اتصالات مباشرة او عبر وسطاء مع كتل معارِضة دون سواها وخصوصا مع شخصيات معارضة او مستقلة يجري البحث معها بالدرجة الاولى في تشكيلة وزارية تقطع الطريق عمليا على &laqascii117o;الحوار" العتيد.
هل أن السلطة مستعدة لوضع &laqascii117o;برنامج الاصلاح الشامل" هذا موضع حوار على طاولة &laqascii117o;الحوار الوطني"؟ كيف يمكن تصديق ذلك عندما يقرأ المرء ان المصادر الرسمية السورية لا تزال تعتبر ان ثلاثة عشر شهرا دمويا هي نتاج &laqascii117o;الهجمة الاعلامية الشرسة التي تتعرض لها سوريا عن طريق بعض القنوات الفضائية التي باعت شرفها المهني، لتشارك في سفك دماء السوريين عن طريق أكاذيبها". 


- 'السفير'
الجدار كمطلب لبناني
ساطع نور الدين:

قد يكون منظر الجدار الإسمنتي بشعاً، ومسيئاً للبيئة، ومزعجاً لحركة العصافير والطيور، لكنه على الأرجح سيكون مفيداً لصحة الانسان اللبناني وتوازنه العقلي والسياسي.
منذ ان أعلن خبر بناء الجدار في كانون الثاني الماضي، لاذ الجميع في لبنان بالصمت، لم يعتبره أحد خطراً على الجبهة اللبنانية، أو على الاقل تهديداً لموقع رمزي من التاريخ أو لمعلم سياحي جذاب، كما لم ير فيه أحد نصراً أو هزيمة أو تحولاً في مجرى الصراع.
ترك الامر لوساطة الامم المتحدة وحسن تقديرها وتدبيرها. وأحيل الى حق الآخر الذي يبني الجدار في ان يفعل ما يشاء في جغرافيته، أو الى خوفه من المجهول الذي يمكن ان يخرق تلك العلامة ويتسبب بأزمة، أو من المعلوم الذي يقترب بين الحين والآخر من ذلك الشريط الشائك لكي يطل على أرضه ويثير حنينه.. حتى ولو كلفه ذلك تقديم ١١ ضحية، كما جرى في مسيرة يوم الارض العام الماضي.
تورط البعض في تسميته بجدار الفصل العنصري، أسوة بالتسمية الخاطئة والمثيرة للجدل في الوسط الفلسطيني للجدار الذي يشق الاراضي وحتى البيوت في الضفة الغربية المحتلة والذي لا يمكن ان يوصف بالعنصرية لان الكلمة تضمر الرغبة في التعايش مع المحتل، أكثر مما تسلط الضوء على الاحتلال النهائي للمزيد من الارض الذي يكرّسه الجدار الإسمنتي المشؤوم.
امتداده مسافة كيلومترين فقط هو السؤال، وكذلك ارتفاعه عشرة أمتار. لماذا بين بلدة كفركلا ومستعمرة المطلة وحدهما؟ إنهاء حالة بوابة فاطمة ليس السبب الرئيسي، ولا طبعا سد الثغرات التي يمكن ان تتسلل منها المقاومة يوماً ما. الكل يذكر أن تلك المنطقة كانت وربما لا تزال مفراً للعملاء والمهربين. لم تكن يوماً سوى دليل على تفاعل غير مشرّف على جانبي الحدود.
ليس للبنان أن يقبل أو يرفض بناء الجدار، تم أخذ العلم فقط من الامم المتحدة. ولن يكون مضطراً الى تغيير أو تعديل أي من خططه الدفاعية، الرسمية والشعبية، لكنه سيكون مدعواً الى التعبير عن مشاعره الحقيقية إزاء هذا الحاجز الإسمنتي الذي يحجب الرؤية، لكنه لا ينهي خطراً، نادراً ما كان يسير على الارض بل كان ينتهك السماء.
الجدار ليس حماية أو وقاية لأحد على جانبيه. قد يكون العكس تماما. ما يحاك خلف الجدران المرتفعة هو في الغالب أخطر مما يخطط في العلن وفي مدى النظر. فكرة العدو هي تفادي الاحتكاك أو الاشتباك أو حتى تبادل النظرات عبر هذه النقطة من الحدود. ليس في الامر ما يحرج لبنان أو ما يتحداه. لعله مطلب لبناني مفترض، أي أن يغيب العدو عن النظر ما دام لن يغيب عن أرض الواقع، ولا مانع أن يمتد الجدار على طول الحدود، أو أن تكون مبادرة توسيعه لبنانية، توفر قدراً إضافياً من الإنكار المتبادل لما يقع خلف أمتاره العشرة.
لن يتيح الجدار، حتى ولو امتد على طول الحدود وارتفع عشرات الأمتار إنهاء الصراع، لكنه قد يعرقل بعض أشكاله الفولكلورية.. وربما ينبئ بيوم تقفل فيه تلك الجبهة المفتوحة التي آن لها أن تنضم الى بقية الجبهات العربية، من دون اعتراف أو تفاوض أو صلح.


- 'الأخبار'
دمشق بين الجبهتين الداخلية والخارجية
سلامة كيلة:

أعلن &laqascii117o;المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية"، على لسان مديره أنور البني صباح أمس، اعتقال الكاتب سلامة كيلة فجر الثلاثاء في دمشق من قبل &laqascii117o;عناصر من أحد الأجهزة الأمنية السورية لم تعرف هويتهم". كتحية تضامن مع زميلنا الذي ألف السجون السورية طويلاً، ننشر آخر ما أرسله لصفحة رأي في &laqascii117o;الأخبار". بعد أكثر من عام على بدء الثورة، يمكن طرح السؤال: إلى أين وصل الوضع السوري؟ فقد حاولت السلطة أن تشيّع بأنّها حسمت الأمر، رغم أنّها زادت من عنفها من خلال التدمير الممنهج لبعض المدن، وتوسيع القصف ليطاول كل المناطق التي تشهد حراكاً كبيراً، ووسعت من حملات الاعتقال. وظهر بأنّها تخوض حرباً شاملة على كل رقعة سورية، وهو الأمر الذي يوضح أنّها لا تزال غير قادرة على وقف الثورة. وظهر في الفترة الأخيرة أنّها محمولة على &laqascii117o;الحليف الخارجي"، أي روسيا والصين وإيران، أكثر مما هي محمولة على قوتها الداخلية. لهذا يتضح الآن أنّ المسألة تتعلق بالمصير الذي سوف تؤول إليه هذه السلطة أكثر مما يتعلق بوضع الثورة الذي يتضح كل يوم أنّها مستمرة. فقد باتت تشمل كل مناطق سوريا تقريباً، وصار واضحاً أنّ حلب ودمشق أصبحتا مشاركتين بقوة، وهما المدينتان اللتان كانتا المثال لوقوف جزء كبير من الشعب مع السلطة. هناك بعض المناطق التي لم تشارك بعد نتيجة الخوف والتخويف الطائفي الذي مارسته السلطة، وأكثر الخوف هو من النظام البديل انطلاقاً من التخوّف العام من وصول &laqascii117o;الإسلاميين" إلى السلطة. لكن هذا الأمر سيختلف في الفترة المقبلة نتيجة الأفق الذي بدأ يتّضح للثورة ذاتها.
وهذا الوضع هو الذي فرض على السلطة الانتقال داخلياً إلى خوض الحرب الشاملة، وخارجياً الاتكاء على &laqascii117o;الحلفاء الروس".
داخلياً، لن تفيد الحرب في هزيمة الثورة. يمكن أن تضعف الميل العسكري إليها نتيجة عدم التكافؤ، لكنّها لن تستطيع وقف الحراك الشعبي الذي بدأ وليس من الواضح بأنّه يتراجع، رغم كلّ العنف الممارس، وكلّ الدموية التي يواجَه بها المنتفضون. ولا شك في أنّ إبقاءه في &laqascii117o;مستوى منخفض" يحتاج إلى استنفار كل أجهزة السلطة القمعية، والاستعانة بآخرين من هنا وهناك. وهو الأمر الذي يستهلك السلطة ويهلك الدولة نتيجة &laqascii117o;العجز عن التمويل" الطويل الأمد، وانهيار &laqascii117o;الروح المعنوية"، وتفكك القوى التي تُدفع إلى الحرب. ولكن أيضاً العجز عن استمرار توفير &laqascii117o;الحماية الدولية" للسلطة من قبل الروس.
وهذا الوضع يفرض أحد أمرين، إما تراجع قدرة الاستنفار وتراخي الأجهزة القمعية، وهو الأمر الذي يقود إلى تصاعد الانتفاضة و&laqascii117o;احتلال الساحات" كما يحلم المنتفضون، وبالتالي سقوط السلطة، أو تفكك داخلي كبير يطيح السلطة بشكل أو بآخر، لكي يُفرض حل يوقف القتل ويحقق بعض مطالب الشعب المنتفض.
خارجياً، لن يستطيع الروس حماية السلطة إلى ما لا نهاية، وخصوصاً وهم يرون عجزها عن الحسم وضعفها الداخلي. وإذا كان دورهم مهماً في دعم السلطة، لا سياسياً فقط بل أكثر من ذلك (وهم يتحملون جنائياً ما يحدث من قتل وتدمير)، فإنّ وضعهم العالمي سوف يكون مرتبكاً أكثر، إذ يخسرون &laqascii117o;النقلة" التي قاموا بها (مع الصين) حينما حاولوا &laqascii117o;وقف العربدة الأميركية" في مجلس الأمن، وعملوا على فرض إيقاع &laqascii117o;نظام عالمي جديد". فالولايات المتحدة (التي لا تريد إسقاط النظام، الآن على الأقل) تعمل في إطار سياسة إنهاك الروس في مشكلة عويصة (ربما تكون شبيهة بما جرى للاتحاد السوفياتي في أفغانستان، من دون أن يعني ذلك التدخل العسكري الروسي كما حدث هناك)، تغذيها الدموية التي تمارسها السلطة، والتي تُظهر الروس كمدافعين عن &laqascii117o;همجية" لا مثيل لها. إذاً، أميركا (والدولة الصهيونية كذلك) لا تريد نهاية قريبة للصراع في سوريا، وليست معنية بانتصار الثورة، ربما على العكس، تريد تكريسها بعد أن تُنهك، وتحكم قبضتها عليها (ورجال الأعمال الجدد الحاكمون يريدون اللحاق بها منذ زمن). وربما تعتقد بأنّها تستطيع ذلك من خلال إنهاك الروس من خلال عجزهم عن إيجاد حل، والدفاع المستمر عن السلطة. والروس من خلال تمسكهم بالسلطة ودفاعهم المستميت عنها يخسرون كل ما حاولوا تحقيقه على صعيد عالمي. كل ذلك دون أن يربحوا سوريا. وروسيا بذلك توضح أنها أصبحت إمبريالية، لكن من دون أن تستطيع ممارسة الإمبريالية على نحو صحيح، يفضي إلى خدمة مصالح رأسماليتها. ربما ذلك نتيجة سيطرة رأسمالية مافيويّة فيها. لهذا فهي إلى الآن تبرز كإمبريالية غبية. طبعاً، حتى فيما إذا تراجع الروس عن الفيتو في مجلس الأمن، ليس هناك ميل إلى التدخل العسكري في سوريا، بل إنّ الدول الإمبريالية تميل إلى تأزيم الوضع وتخثره كما أشرنا قبلاً. ولذلك سيبدو أثر الموقف الروسي في &laqascii117o;شد" بنية السلطة أكثر من أي شيء آخر، وهذا ما يسمح فقط في إطالة أمد الصراع من دون أن يفضي إلى سقوط السلطة. هل سيتغيّر الموقف الروسي؟ بالتأكيد، وربما بدأ. لكن يجب ملاحظة أنّ دورهم سيكون أضعف، وإذا كانوا قد طرحوا حلّاً يشبه الحلّ اليمني عبر تسليم السلطة لنائب الرئيس وتشكيل حكومة &laqascii117o;وحدة وطنية" (أو مجلس انتقالي) لقيادة مرحلة انتقالية، وهو الحل الذي رُفض من قبل السلطة، فإنّ العزف على مستوى أدنى للحل، أو حتى الحفاظ عليه لم يعد ممكناً بعد تصعيد القتل والاجتياح العسكري من قبل السلطة، وتصاعد العنف بشكل لا سابق له. فلا الحل دون الرحيل ممكن، ولا تلفيق &laqascii117o;وحدة وطنية" يمكن أن يسهم في الوصول إليه. فقد تجاوز الصراع كل الحلول الشكلية التي يطرحونها وبات يحتاج إلى حل حقيقي. وأول مسألة هي التخلي عن &laqascii117o;حمل" السلطة وحمايتها كيفما كان، وهذا ممكن، دون الخوف من تدخل &laqascii117o;غربي" ليس قائماً، أو التهويل من ذلك لتبرير سياسة هي ضد الشعب السوري. لقد عجزت السلطة عن الحسم بأقصى درجات العنف، واستهلكت خلال ذلك بنيتها وتماسكها، وباتت تتداعى. ولن ينقذها &laqascii117o;الحليف الدولي"، لا روسيا ولا الصين ولا إيران أو حزب الله. إنّ فعل سنة وشهر من الثورة يتضح اليوم في ما آلت إليه السلطة من عزلة وعجز وضعف. فحين يصمم الشعب على التغيير، لا أحد يمكن أن يوقف ثورته إلا تحقيق التغيير. هذه بديهية تعلمناها من التاريخ، وهي ماثلة أمام أعيننا اليوم، حين تدمّر القذائف والصواريخ (التي لم تطلق على الدولة الصهيونية) أحياء ومدناً. سنة 2011 هي ليست سنة 1980، والخطة التي نجحت آنذاك هي فاشلة اليوم، إذ إن فئة صغيرة طائفية ليست هي التي تخوض الصراع، بل الشعب.


- 'الأخبار'
الحراك السوري: هل الحرب هي الطريق الأمثل إلى الديموقراطــية؟
محمد شامي (كاتب لبناني):

تعددت الرؤى والمناهج في التعقب والنظر الى التحوّلات والتغيّرات التي تطاول مجتمعاتنا العربية، والناظر لا يخفي مقاييسه المعرفية ولا خلفياته الأخلاقية. وهو إذ يصطدم بتضارب المعلومات وتناقضها، لا بد له من استشراف الخطط العامة والمسارات والتداخلات الإقليمية والدولية، لينكشف المشهد أمامه على عنف متواصل، تتلاعب به مونتاجات اعلامية لا تخلو من الركاكة والفظاظة. فلا يفاجئك في حمأة الأحداث في سوريا، خبر انفجار قبل حصوله بيوم، او مشهد طبيب يظهر على شاشة التلفاز يقلب أطفالاً جرحى بطريقة غير انسانية. فضلاً عن تظاهرات نراها كل يوم تجتر نفسها ولو بعناوين وتواريخ مختلفة.قد يكون جسم النظام السوري &laqascii117o;لبّيساً"، الا أنّ اعتبار الحشود الضخمة في المدن والدساكر المؤيدة له بالمرتشية او المرغمة لهو ظلم فادح لا يقبله عقل، وكذلك الأمر في اشاعة مسؤوليته عن الوقوف خلف التفجيرات والعنف المنظم. فهل تمهّلنا قليلاً لنوقف هذا التخريف؟
صحيح أنّ مجتمعاتنا العربية تحتاج الى جهود متواصلة، لتطوير انظمتها ومؤسساتها، وتحديث القوانين التي تحترم الرأي وتشجع على الحوار والاعتراف بالآخر، لكن البعض يتناسى أنّ النظام السوري الذي يملك من القوة ما لا يردعه عن استخدام العنف، تستغيثه شرائح شعبية واسعة، للتخلص من ارهاب الجماعات المسلحة، وكذلك في غياب أي انشقاق على المستوى الدبلوماسي حتى الساعة، الامر الذي يجعل من الحديث عن الديموقراطية في المسألة السورية ذا تشعبات ومرامٍ عدّة، إذ لا يعقل التصديق مثلاً، بأنّ السلفية السورية التي تمعن في القتل والتشريد المذهبيين وتنكفئ امام العدو الاسرائيلي، تسعى إلى تحقيق الديموقراطية، من غير الهرع للسلطة.
لم تكن فكرة الاصولية الاسلامية بالمعنى الذي يراد منه، تكرار احداث وتواريخ دون العودة الى التمحيص والتأويل واستنباط العبر واستبطان المحصلات الفكرية التي قد تخدم تطوراً ما او تنمية اخلاقية وفلسفية، فالغرب ساهم في تغذية هذا المنحى وفعّله، لعلّه يستفيد منه في زمن وظروف لاحقين. هو الغرب نفسه الذي لم يمتنع عن تحويل الصديق القديم عدواً جديداً والعكس صحيح، بما فيه التوظيف السياسي للسلفية السنيّة في مواجهة جهادية شيعية مفترضة او حقيقية. فقد ظلّ هاجس الغرب من خطر تمدد النموذج الايراني المتنامي والقابل، الى حدّ ما، للتعميم، ماثلاً، لقدرة الأخير على تهجين ثقافي يلحظ مفاهيم الحداثة وشبكها بالبعدين الديني والثقافي، مستجيباً لطموحات وتطلعات شرائح اجتماعية واسعة.
لقد نهضت الدولة في مجتمعاتنا على ترئيس نخبة سياسية تتنازعها انتماءات وولاءات طائفية وقبلية، وإن تكن قد انتجت تمثيلاً &laqascii117o;ديموقراطياً" في بعض الحالات، فيما عمل &laqascii117o;تصدّي" هذه النخب للتبعية والسيطرة الغربيتين في بعض الدول العربية، على انعاشها ومنحها الشرعية الاهلية، مما جعل من المطالب الديموقراطية المحقّة اشبه بالمؤامرة عليها. الا أنّ التستر خلف المطالب الديموقراطية في ظل غياب البدائل الواضحة، كما في نموذجها السوري المعارض، يفاقم النزاعات الاهلية والعنف. فما معنى المطالبة بحريات وتغيير في سوريا، ونحن ازاء هجمة شرسة تعج بقوى فيها من لا يفقه للديموقراطية معنى؟ وأبرز دليل على ذلك قول بعض هذه القوى (السلفية مثالاً) بفوات اوان التسويات السياسية، الذي يشي بمراهقة سياسية لا تستقيم مع أصول التفكير الديموقراطي.
يضاف الى ما سبق، أنّ التحركات الشعبية العربية تقاطعت مع رغبة غربية في نشر الفوضى وتقويض الدولة واعادة المجتمعات الى مكوناتها المكبوتة او المعلنة، وتأجيج خلافاتها وتناقضاتها وادخالها في حروب اهلية يطول امدها، بهدف وقف تنامي المقاومات والممانعات العربية والاسلامية، لذلك فإنّ النفاق الغربي لم يغب عن المشهد، فكان الداعم لدول مستبدة، لكنّه في لحظة ما، عاد ملتفاً ومناوراً لتعديل او تحوير المسارات السياسية للتحركات الشعبية. ويمكننا تلخيص هذا الالتفاف بما يأتي:
* خلق الاضطراب العسكري في المجتمعات العربية على مستوى المفاهيم الوطنية والدينية والمذهبية ليستبدل العداء لاسرائيل بآخر لايران.
* شيطنة المعتقدات ومذهبة التوجهات السياسية المعادية للغرب واسرائيل، وتحويل ثقافة الاستشهاد بمعاونة أجهزة عربية الى انتحار وقتل عشوائيين.
* تعديل وتلفيق عناوين للممانعة كالهلال الشيعي او الفارسي، وانعاش للتناقضات ضمن المكونات الدينية والمذهبية للجماعات والافراد. كان الحراك السوري امتداداً للحراك العربي في الظاهر، فوراء الأكمة رغبات غربية وعربية لتسديد ضربة للنظام السوري المتحالف مع المحور الايراني الروسي الصيني والمقاومة. لا يعني هذا أنّ المطالب الديموقراطية السورية لم تنهض من عدم، اذ استندت الى امتداد &laqascii117o;ثوري" تغييري في لحظة تمرد عربي على انظمة مستبدة موالية للغرب، وهو ما اخفى دوافع الحراك السوري او موّهه، وجعله يبدو منطقياً. غير أنّ الفبركات الاعلامية الخليجية المستعجلة جداً لتغيير المعادلة الجديدة واسقاط النظام السوري كضرورة ملحة لدخول الوطن العربي في سبات عميق، كشفت المستور والمموّه، وأنبأت عن هشاشة المعارضة السورية وقلّة مناصريها، وان تكن المطالب الاصلاحية مطلوبة ومفهومة ومأمولة.
كان لا بدّ اذاً من تعديل لموازين القوى الاقليمية لكسر حلقة الوصل بين المقاومة والعمق الاستراتيجي الايراني، حيث تتعذر الضربة العسكرية لايران، أو تهميش الحلف الروسي الصيني الجديد، الا انّ القيادة السورية استطاعت الثبات والصمود، وخاصة أمام تدخل انظمة الخليج التي انكشفت عوراتها. اما السؤال، فكيف يمكن لانظمة الخليج التي لا تتضمن دساتير وقوانين وانتخابات وديموقراطية وحريات تعبير، ان تدعم ثورات شعبية حداثية ما لم تكن هناك مؤامرة؟
لقد تمكن النظام السوري من توسيع رقعة استيعابه للنخب السياسية والاقتصادية والطائفية والجهوية، ومن إحداث تنمية اقتصادية في المدن الرئيسية وأريافها، كما انّه افلح في سياق توجهه المقاوم والممانع، في جعل الفئات الشعبية تتمكن من هضم مسألة الحريات والفساد ولو الى حين، لأن عوامل التفتيت الداخلية لا تزال اضعف واقل شأناً من قدرة الدولة على التوحيد والدمج، كما أنّ امتداد الدولة نحو الاطراف وإلحاقها بمؤسسات الدولة، قلّلا من اهمية التمحور المذهبي والفئوي، وهو الامر الذي عمل على ابرازه المحور الغربي العربي، الذي فاقم من حجم الالتفاف الشعبي حول النظام. إنّ هذه المسألة بالتحديد هي ما قد يفسر لنا بعض الامور العالقة، ومنها، انّ افتعال الفتن الفئوية والمذهبية يفتّ من عضد الالتفاف الشعبي حول النظام، أي يربك اواصر لحمته وامتداداته المتعددة الطوائف، كما انّ قتل الاطفال والنساء وعمليات الخطف الممنهج يراد منها اظهار عنف النظام لتبرير التدخل الخارجي.
لقد تبنت السلطة السياسية المطالب الشعبية من حيث أحقيتها وشرعيتها، وخاصة بعدما وقع النظام في أخطاء امنية هنا وهناك. اما مقولة تأخر النظام في ذلك، وعدم شروعه في الاصلاحات فوراً وبكبسة زر، فدونه صعاب وعقبات. ذلك انّ النخبة الحاكمة عمرها عشرات السنين وهي راسخة وذات قواعد اجتماعية لا يمكن تغييرها في ساعات او ايام.
يبدو انّ نخبة سياسية جديدة يقودها الرئيس على ما نظن، قد أبصرت النور، وهي ذات حضور وانتشار شعبيين ترغب في احداث اصلاحات في النظام نفسه، والدخول في تنمية اقتصادية وسياسية وعسكرية، كانت بداياتها في الصراع مع محور خدام ــ كنعان، ثم خروج سوريا من لبنان، وصولاً الى حرب تموز 2006 على لبنان والمقاومة، وهي فرص ذهبية ساهمت في تنشيط هذا المحور الجديد.
انّ اجراء الاصلاحات كان يهدف من وجهة نظر النظام الى تحسين ادائه وتحصينه، لأنّ المحور الجديد ادرك انّ الممانعة لم تعد كافية وممكنة، ما لم تحدث تغييراً في بنية الدولة والاجهزة ومؤسساتها، لكي تتلاءم مع طبيعة القوى الغربية والخارجية وقدراتها التقنية والسياسية. ولم يعد مقبولاً الحديث عن المقاومة والممانعة في ظل تعسف اجهزة وانتشار الفساد وغياب حرية التعبير.
إنّ قوى المعارضة السورية بشقها الخارجي على الاقل، قد اظهرت ارتباطاً بالغرب الذي يركز على التوجه السياسي والفكري للنظام السوري وتحالفأ مع انظمة الخليج، كما انّها لم تعلن برنامجاً واضحاً سياسياً وظلت عاجزة ومنقسمة ومتناقضة، كذلك فإنّ رفضها للتسويات والحوار بسبب الضغوط ذات المآرب المختلفة، جعلها تبدو تدميرية وعبثية. وإذا كانت السياسة فن الممكن، فإنّ الرفض هنا مراهقة سياسية، وبعيد عن البديهيات وغرق مجاني في الوحول.
إنّ الحكمة السياسية والصبر أثبتا أنّ القيادة السورية جادة وراغبة في الاصلاح، ما فعّل من حجم الالتفاف الشعبي حولها، وخاصة انّ الامور باتت تسير نحو منحى خطير ومهدد للدولة نفسها، مشرعاً ابواب الحروب الاهلية.
في كل الاحوال، لقد اظهر الاستفتاء على الدستور الجديد في سوريا أنّ الاجتماع الشعبي مؤكد وحقيقي، وسواء كنا معارضين ام موالين، لا بد لنا من الرضوخ للارادة الشعبية، أوليست هذه هي الديموقراطية؟ طالما لم يحدّثنا البعض عن تزوير للاستفتاء وهو امر لم تكشفه حتى اسرائيل!.


- 'الأخبار'
الحرية لسلامة كيلة 
إبراهيم الأمين:

سلامة كيلة موقوف في سوريا. خبر عادي في بلد مثل سوريا اليوم. وسلامة معارض عنيد للنظام في سوريا. ما يعني أن اعتقاله خبر عادي أيضاً. وسلامة معارض لتسويات جزئية من هنا أو هناك، ولذلك لديه مشكلة مع مؤسسات النظام في سوريا. ما يعني أن خبر اعتقاله عادي أيضاً.
ماذا يعني اعتقال معارض مثل سلامة كيلة؟ الرجل لديه تصوره للأزمة السورية. يصر على مقاربة المشهد من زاوية طبقية، مستعيناً بأدوات التحليل الماركسي للأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تقف خلف الاحتجاجات التي انطلقت في سوريا.
سلامة لا يؤيد العنف. يدينه بقوة عندما يأتي من النظام، ويدينه بشدة عندما يأتي من الشارع. وهو ليس في موقع يخوّله إجراء محاكمات أو إصدار أحكام ميدانية أو حتى أخلاقية. لكنه بعد كل الذي حصل، لم يتراجع عن قناعته بأن النظام في سوريا يتحمل القسم الأكبر من المسؤولية. وهو في الوقت نفسه، يدين أي معارض يلجأ إلى الخارج، مهما كان هذا الخارج، فكيف إذا كان من جماعة الناتو أو مشيخات النفط أو جماعات الغرب على أنواعها؟
السؤال ليس عن اعتقال سلامة. السؤال هو، الآن، هل هناك مكان على المسرح السوري لمعارضين من قياس سلامة، أو من صنفه؟السؤال هو: هل النظام في سوريا، الذي نجح في مواجهة موجة أولى وكبيرة من الحرب العالمية ضده، في وضع لا يسمح له بتحمل معارض من وزن سلامة؟ هل هذا يعني أن النظام يقول لنا في خطوة اعتقال سلامة، إنه إما لا يتحمل أي نوع من المعارضة، أو أنه مرتاح إلى حدود لا يهتم فيها لأي رد فعل على اعتقال معارض من صنف سلامة؟لن يكون بمقدور أيٍّ منا توقع إجابة واضحة وسريعة على خطوة غبية ومدانة، مثل تلك التي أقدم عليها من قرر ونفذ اعتقال سلامة كيلة. وربما من الأفضل عدم انتظار إجابة؛ لأن الأمر يتجاوز الحسابات التي يمكن عقلاً مركباً بطريقة منطقية أن يتعامل معها.
ثمة قدر عال من العنجهية أو الغباء يقف وراء من قرر هذه الخطوة، لأنه يريد منا التصويب عليه، بينما نحن لم ننتظر منه إشارة للتصويب على الأعداء الحقيقيين لسوريا، ولا ننتظر منه جزاءً ولا شكورا!

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد