قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الخميس 26/4/2012

ـ 'السفير'
'لجنة تفادي الأعمال الوحشية': خطة أميركية لـ'مأسسة' التدخل العسكري؟!

اختار الرئيس الأميركي باراك أوباما زيارته الرسمية الأولى لمتحف &laqascii117o;المحرقة" التذكاري (&laqascii117o;الهولوكوست") في واشنطن مناسبة للكشف عن أحد أهم بنود الإستراتيجية الأميركية الجديدة: إنشاء &laqascii117o;لجنة تفادي الأعمال الوحشية".
وفيما يعكس اسم اللجنة الوظيفة المنوطة بها، وهي مساعدة الولايات المتحدة في تحسين قدرتها على تحديد تهديدات الأعمال الوحشية، والردّ عليها بالشكل الملائم، يثير توقيت الإعلان وشكله جملة أسئلة حول ما الجديد الذي تحمله هذه الصيغة على سياسة التدخل الأميركي المعهودة، والتي تعززت بعد هجمات 11 أيلول؟
بداية لا بدّ من توضيح بسيط لآلية عمل اللجنة، التي تحظى بدعم مباشر من الرئيس الأميركي، حيث تضم أعضاء من جميع الوزارات، ومن بينها الخارجية والدفاع والخزانة والعدل والأمن الداخلي فضلاً عن وكالات ومنظمات أخرى. وتجتمع اللجنة مرة في الشهر وفي حالات الطوارئ، ويجتمع المسؤولون مرة سنويا لمراجعة أدائها وطريقة عملها. أما الأهم، في هذا الإطار، فهو هوية رئيستها: إنها المديرة الأقدم للشؤون متعددة الأطراف في مجلس الأمن القومي والمستشارة المقربة من أوباما سمنتا باور. علماً أن باور هي صاحبة كتاب &laqascii117o;مشكلة من الجحيم: أميركا وعصر الإبادة الجماعية" الحاصل على جائزة &laqascii117o;بوليتزر"، وقد عرفت بأنها &laqascii117o;ملهمة" أوباما في ما يخص التدخل العسكري في ليبيا.
ما سبق، فضلاً عن التهليل الذي استقبل به &laqascii117o;دعاة التدخل" في أميركا إنشاء اللجنة، اعتُبر مبرراً للمخاوف التي رافقت الإعلان عن &laqascii117o;مأسسة" نزعة التدخل العسكري في البلدان الأخرى. ويُذكر أن من بين أشد &laqascii117o;المهللين" كانت مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن سوزان رايس، المرشحة لخلافة وزيرة الخارجية الحالية هيلاري كلينتون. ورايس كانت من أكثر المدافعين عن التدخل الأجنبي في ليبيا. وإلى جانب رايس كان هناك سفير أميركا السابق لدى &laqascii117o;الناتو" كيرت فولكر، الذي رحب في مقال في &laqascii117o;كريستيان ساينس مونيتور" بالفكرة، وكذلك مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في عهد بيل كلينتون، التي كتبت في مجلة &laqascii117o;فورين بوليسي" أنها تدعم هذا &laqascii117o;الحلّ البراغماتي".ولكن &laqascii117o;أميركا في حاجة لأسباب تمنعها من التدخل، لا تحثها عليه".. قد تكون هذه العبارة التي وردت في تقرير نشرته مجلة &laqascii117o;ذا ناشيونال إنترست" خير تعبير عما أثاره قرار واشنطن في المقابل من شكوك ومخاوف.
بداية، يعتبر التقرير أن مجرّد الإعلان عن إنشاء لجنة لدراسة طرق التدخل هو بمثابة اعتراف بأن واشنطن لم تمتلك في &laqascii117o;تدخلاتها" السابقة إستراتيجية واضحة.
من ناحية ثانية، ثمة أسباب عدة للقلق من &laqascii117o;لجنة تفادي الأعمال الوحشية" هذه. الأول، بحسب المجلة، القلق من أنها ستعمل وفقاً لأهواء مؤسسيها، وبالتالي ستقود إلى مزيد من التدخل في المستقبل من خلال إيجادها كتلة ضغط قوية داخل الحكومة، وإتاحتها أدوات تسهل عملية التدخل، كما تكريسها لفكرة أن &laqascii117o;تفادي الأعمال الوحشية والمجازر يعد حماية للأمن القومي، وهو مسؤولية معنوية تتحملها الولايات المتحدة".
مصدر ثان للقلق تطرحه المجلة يتمثل بسؤال &laqascii117o;إلى أي درجة يُعدّ منعهم مسؤولية على الولايات المتحدة. ما يطالب به أوباما سيجعل من البديهي تورط أميركا في التدخل لا العكس. واليوم ما تحتاجه أميركا هو أسباب لعدم التدخل. وهذا ما يودي بدوره إلى مجموعة من الأسئلة لا يجيب عنها القرار الحالي: أي مجازر نحن مسؤولون عنها؟ جميعها؟ ما الذي يمكن تصنيفه في خانة المجزرة؟ لماذا يعد مقتل تسعة آلاف شخص في سوريا مجزرة فيما لا ينطبق الأمر على مليون شخص قتلوا في الكونغو؟ ومن دون صياغة واضحة للشروط التي ستعمل بموجبها اللجنة فإن هذا القرار يبدو سياسياً أكثر منه رسم سياسة".
مصدر ثالث هو أن &laqascii117o;تصبح الولايات المتحدة أكثر تجهيزاً للتدخل فهذا يعني انخراطاً اكبر في الصراعات. أوباما قال بأنه من دون وجود بنية تحتية للتدخل تقتصر خيارات الولايات المتحدة على اثنين: إما التدخل على نطاق واسع أو عدم التدخل، ولكن التدخل الجزئي مجرّد أسطورة، وتفادي وقوع الجرائم عمل صعب وخطير ومكلف للغاية".
وبينما تؤكد المجلة على &laqascii117o;النبل" الظاهر لفكرة اللجنة، إلا أنها تأسف لمدى العسكرة التي أصبحت عليه سياسة أميركا الخارجية، فـ&laqascii117o;الأموال التي صرفناها بعد 11 أيلول على التدخل أو التهديد بالتدخل خير دليل. فضلاً عن ذلك، فإن الاعتماد النهائي على الحلّ العسكري يؤجج العداء ضدّ أميركا، كما أنه يفتقد إلى أي نوع من الخيال أو الإنسانية بعكس ما يقدم له، لا سيما عندما يكون هدفك منع أحدهم عن القتل فهذا يعني قتل البعض".
وفي سياق متصل، تبقى سوريا المحور الأساسي في النقاش بشأن الهدف من اللجنة، إذ يعتبر البعض أن الأزمة السورية قد تكون أول اختبارات هذه اللجنة. ويعزز أصحاب هذه النظرية، أمثال بول ستارز في &laqascii117o;مجلس العلاقات الخارجية"، ذلك بسوق ما قاله أوباما في خطاب الإعلان عن إنشاء اللجنة بأن &laqascii117o;ما يحدث في سوريا كان أحد الأمثلة الأساسية على الأزمات التي دفعتنا لإنشاء مثل هذه اللجنة".
وكان للكاتب في مجلة &laqascii117o;ويكلي ستاندرد" لي سميث موقفه السلبي من اللجنة.. ولكن على طريقته، إذ اعتبر أن هذا القرار هو &laqascii117o;مجرّد مأسسة أو تبرير لتجاهلنا ما يحدث في سوريا".
وينتقد سميث في هذا الإطار ما يسميه &laqascii117o;في أحسن الأحوال، تردّد واشنطن في سياستها الخارجية إزاء سوريا. ففي البداية اتهمت المعارضة بأنها مشرذمة، وهي لا تعرف من تدعم، ثم تخوفت الإدارة من ان تكون القاعدة قد تسللت إلى داخل المعارضة".(&laqascii117o;السفير")


- 'السفير'
عقلنة العلاقات المصرية ـ الإيرانية II .. لـم يـحـن أوان الـتـطـبـيـع بـعـد!
مصطفى اللباد*:

اشتعل التراشق الإعلامي بين مصر وإيران خلال &laqascii117o;الانتفاضة الشعبية" المصرية، ومع احتدام الاحتجاجات ضد الرئيس السابق، وعقب الخطاب الذي وجهه السيد علي خامنئي، مرشد الثورة الإيرانية، إلى المصريين بمناسبة &laqascii117o;الانتفاضة الشعبية" في مصر، نشرت صحيفة &laqascii117o;الأهرام" تحقيقاً عنوانه &laqascii117o;إيران والإخوان وأميركا ثلاثي القفز على الشباب" اتهمت فيه إيران بتدبير الأحداث. ورد أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية الأسبق قائلاً: &laqascii117o;إن حديث مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، عن التطورات الداخلية في مصر يكشف عن مكنون ما يعتمل في صدر النظام الإيراني من أحقاد تجاه مصر ومواقفها السياسية وأنه لم يفاجأ بما تضمنه من تطاول". ومع اشتداد أزمة نظام المخلوع وظهور عجزه عن اجتراح مخرج من أزمته وانكشاف قرب نهايته، نشرت &laqascii117o;الأهرام" مقالاً تضبط فيه نفسها على الإيقاع الجديد للانتفاضة المصرية، ولكنها تستمر في انتقاد إيران باعتبارها &laqascii117o;تتدخل في الشؤون الداخلية المصرية". وحتى بعد سقوط الرئيس المخلوع مباشرة، شن أحد كبار كتاب &laqascii117o;الأهرام" هجوماً ضارياً على إيران: &laqascii117o;لم نكن نعرف أن آية الله روح الله المرجعية خامنئي عينه على مصر.. وأنه ينتظر الفرصة لكي يقفز عليها ويضمها تحفة في التاج الفارسي.. مسكينة مصر مطمع لإيران ومطمع لإسرائيل". (أنيس منصور).
قرأت إيران بعمق التحولات في المنطقة العربية عموماً وفي مصر خصوصاً بفعل &laqascii117o;الانتفاضات الشعبية"، وتحسبت من فقدانها قوتها الناعمة في المنطقة. لذلك عمدت طهران إلى دمغ &laqascii117o;الانتفاضات الشعبية" العربية ضد حكامها بأنها &laqascii117o;إسلامية". صحيح أن التيار الإسلامي كان حاضراً في &laqascii117o;الربيع العربي"، وهو الفائز في الانتخابات البرلمانية التي أعقبته، ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال توصيف &laqascii117o;الانتفاضات الشعبية" العربية بأنها &laqascii117o;إسلامية"، ناهيك عن القول بأنها &laqascii117o;استوحت الثورة الإيرانية"، التي تعود إلى أكثر من ثلاثين عاماً خلت. ويعكس الإصرار الإيراني على التسمية تخوفاً من انتقال المبادأة الأيديولوجية من طهران إلى عواصم &laqascii117o;الانتفاضات الشعبية"، وفي مقدمها القاهرة. في هذا السياق بالتحديد يمكن رؤية التظاهرة التي حاولت &laqascii117o;الحركة الخضراء" في إيران يوم 14/2/2011 القيام بها لتأييد &laqascii117o;الانتفاضة الشعبية" في مصر، وقمع السلطات الإيرانية هذه التظاهرة. وهكذا، ولأول مرة منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، تستقطب مصر متظاهرين لتأييدها هناك في مواجهة النظام الإيراني؛ وبحيث يمكن القول إن هناك تحديات جدية للنموذج الذي تقدمه إيران على وقع &laqascii117o;الانتفاضة الشعبية" المصرية مقارنة بالانتصار الواضح لنموذجها السياسي في مواجهة نموذج مبارك.
تزحزحت العلاقات المصرية - الإيرانية نسبياً بعد 25 يناير/كانون الثاني 2011، حيث قدمت إيران طلباً إلى السلطات المصرية بعبور سفينتين حربيتين قناة السويس لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود. كان الطلب الإيراني &laqascii117o;اختباراً" للقيادة المصرية الجديدة، ومحاولة لاستشراف موقفها من مسألة العلاقات مع إيران. سمحت السلطة المصرية الجديدة للسفينتين الإيرانيتين بالعبور، مظهرة اختلافاً ملحوظاً عن نهج النظام السابق في التعاطي مع إيران..
جاءت تصريحات وزير الخارجية الأسبق نبيل العربي بشأن &laqascii117o;إعادة النظر" في علاقات مصر مع إيران، لتستقطب الانتباه الإقليمي والعالمي، حيث قال &laqascii117o;الهدف من الاتصالات الحالية بين مصر وإيران هو تطبيع العلاقات في وقت ما"، موضحاً أن مصر لم تقطع العلاقات مع إيران، بل إيران هي التي قطعتها العام 1979. وأشار العربي إلى أن &laqascii117o;مصر الثورة ترى أنه يجب أن تكون على علاقة طبيعية مع جميع دول العالم، مشيراً إلى أن تصريحاته الاخيرة بشأن إيران أدت إلى صدور بيانات طيبة تجاه مصر من جانب إيران". دفعت هذه الإشارات الإيجابية الكثيرين إلى الاعتقاد بحدوث تقارب مصري - إيراني يتخطى حتى إعادة العلاقات بين البلدين الكبيرين إلى مستوى السفير، لكن فات هؤلاء ملاحظة تصريح فائق الأهمية في اليوم نفسه الذي أطلق فيه نبيل العربي تصريحاته الإيجابية حيال إيران، وكان التصريح من أعلى سلطة في البلاد، &laqascii117o;المجلس العسكري الأعلى"، الذي أعلن في لقاء مع رؤساء تحرير الصحف الرسمية المصرية: &laqascii117o;مصر لن تكون في يوم من الأيام إيران أو غزة"، في إشارة رسمية واضحة إلى المسافة التي تقفها القاهرة بعيداً عن طهران. وبالرغم من تلك الإشارة فائقة الدلالة، فقد بلغ التفاؤل الإيراني بعودة العلاقات مع مصر حداً صرح معه القائم بالأعمال الإيراني في القاهرة، خلال إحدى الندوات، أن &laqascii117o;العلاقات المصرية - الإيرانية ستعود خلال أيام". ولكن وزير الخارجية المصري نبيل العربي، أخبر نظيره الإيراني علي أكبر صالحي، أن مسألة رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين هي أمر يقرره البرلمان المصري القادم. ولعل مقالة أحد المنظرين البارزين للنظام السابق، تلقي الضوء على عدم الحماسة المصرية حيال رفع مستوى العلاقات مع إيران حيث يقول فيها: &laqascii117o;الحالة الثورية الديموقراطية المصرية بالتأكيد تدخل مصر في تناقض مع إيران غير الديموقرطية وغير المدنية؛ والحالة الاستراتيجية تجعل تناقض المصالح هائلاً. لاحظ هنا أن القضية ليست عما إذا كانت مصر تريد إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إيران أم لا؛ ولكن القضية تدور حول ماهية العلاقة بين الطرفين وعما إذا كانت تجر على مصر تناقضات ليست لديها القدرة على تحملها في هذه المرحلة أولا". (عبد المنعم سعيد ـ الأهرام. 21/4/2011).
حرص رئيس الحكومة الانتقالية المصرية، عصام شرف، في جولته الخليجية التي شملت السعودية والكويت وقطر، على طمأنة دول الخليج العربية قائلاً: &laqascii117o;حرص حكومة الثورة على فتح صفحة جديدة مع كل الدول وبينها إيران، لا يعني أن يكون ذلك على حساب العلاقات التاريخية والعميقة بين مصر ودول الخليج". واستمرت السياسة المصرية المتحسنة نسبياً حيال إيران، والتي لا تمتد على استقامتها لرفع العلاقات إلى مستوى السفير، فسمحت القاهرة بزيارة وفد شعبي مصري إلى إيران، بدعوة إيرانية. التقى الوفد الشعبي المصري الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ووزير الخارجية صالحي، وخلال الزيارة أكد الرئيس الإيراني أنه &laqascii117o;سيلبي فوراً الدعوة إلى زيارة مصر في حال توجيهها وأن إيران مستعدة للاستثمار في مصر بكل ثقلها". من ناحيته استقبل عصام شرف الوفد الشعبي المصري الذي زار إيران للوقوف على انطباعاتهم بشأن الزيارة، ووعد بالبحث في الموضوع دون أن يسفر البحث عن شيء. واعتبر سعيد جليلي، رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، في حديث خاص إلى &laqascii117o;الأهرام" أنه &laqascii117o;لا عقبات أمنية تمنع إعادة العلاقات بين مصر وإيران.. في الظرف الراهن الذي نشهد فيه انتصار ثورة عظيمة للشعب المصري تتشابه أهدافها مع أهداف الثورة الإسلامية في إيران". ثم زار علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، القاهرة في شهر أغسطس/آب 2011 معتبراً أن &laqascii117o;إيران ليس لديها أي قيد أو شرط لإعادة العلاقات الثنائية مع مصر". وعادت صحيفة &laqascii117o;الأهرام"، في ظل ما بدا موجة ثانية من التفاؤل الإيراني برفع مستوى العلاقات مع مصر، لتنشر حديثاً صحافياً مع مريم رجوي، زعيمة منظمة &laqascii117o;مجاهدي خلق"، التي تعادي النظام الإيراني وتعتبرها كثير من الدول الغربية &laqascii117o;إرهابية". من ناحيتها أدركت طهران الصعوبات التي تواجه القاهرة والثمن الخارجي الكبير الذي يجب عليها أن تدفعه لقاء إعادة العلاقات معها؛ فعادت وخففت لهجتها المتفائلة وصرح وزير خارجيتها، علي أكبر صالحي، إلى &laqascii117o;الأهرام" بأن &laqascii117o;إيران تتفهم شروط مصر لإعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة".
ظل التبادل التجاري بين البلدين هامشياً للغاية بحيث يعجز عن أن يصبح رقماً في حسابات الجدوى لإعادة العلاقات بين البلدين. ووعياً من طهران بأهمية العامل الاقتصادي في دفع العلاقات مع مصر، فقد توالت تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي تحمل إغراءات اقتصادية لمصر. حيث أعلن وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، في حديث خاص إلى صحيفة &laqascii117o;الأهرام" وفي محاولة لإغراء القاهرة بعائدات السياحة الإيرانية، أن &laqascii117o;10 ملايين إيراني يمكنهم زيارة مصر سنوياً". كما عرض الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أثناء استقباله الوفد الشعبي المصري، استعداده لبيع قمح إيراني لمصر بخفض 10% عن الأسعار العالمية.
عمدت إيران إلى طرق الأبواب المصرية من طريق الاقتصاد، بعد تعثر محاولاتها للتقارب السياسي في الشهور الأولى التي أعقبت &laqascii117o;الانتفاضة الشعبية" المصرية، حيث أعلن رئيس الوزراء المصري، كمال الجنزوري، عن مفاوضات مصرية - إيرانية لتنفيذ مشاريع استثمارية إيرانية بقيمة تقدر بحوالي خمسة مليارات جنيه مصري في جنوب مصر. وأوردت صحيفة &laqascii117o;الأهرام" المصرية شبه الرسمية التالي: &laqascii117o;يتم حالياً بحث إقامة شراكة مع مستثمرين إيرانيين لإنشاء مصانع داخل مصر والاستحواذ على مصانع مغلقة وإعادة تشغيلها. وصرح العقيلي، ممثل الشركة العربية للتجارة الدولية، بأن تلك الاستثمارات في حدود خمسة مليارات جنيه وأن الشركة حصلت على مليوني متر من الأراضي، وأن أغلب الاستثمارات ستكون في بني سويف وسوهاج، حيث سيتم إقامة مطاحن للدقيق ومشاريع للغاز الطبيعي ومصانع للسيارات". ومع كل تلك الإغراءات المالية من إيران، فقد بدا واضحاً ان القدرات المالية للسعودية ولدول الخليج العربية تتفوق على نظيراتها الإيرانية في التأثير على القرار السياسي المصري. وتبين، بمرور الوقت وضغط السعودية والدول العربية الخليجية ووعود المساعدات التي قدمتها، أن القاهرة رضيت أن تستخدم بتعجل ملحوظ ملف العلاقات مع إيران كأداة قصيرة الأجل لتنشيط التعاون الاقتصادي المصري ـ الخليجي، الذي بقي بانتظار تحول الوعود إلى أفعال.
يقود التحليل الموضوعي للعلاقات المصرية - الإيرانية، في الفترة التي أعقبت 25 يناير/كانون الثاني 2011 ونهاية العام 2011، إلى استنتاج مفاده أن القاهرة غيرت نسبياً من خطابها الإعلامي الرسمي حيال إيران؛ فأبدت انفتاحاً سياسياً وإعلامياً محسوباً ولكن هذا الانفتاح بقي تحت سقف عودة العلاقات الكاملة بين البلدين، لارتفاع تكلفتها الإقليمية والدولية. وبالرغم من السقف المعلوم، فقد راعت القاهرة مع ذلك أن يتواكب الانفتاح الإعلامي النسبي المحسوب تجاه طهران، مع تطمينات إلى دول الخليج العربية بأن هذا الانفتاح لن يكون على حسابها. وعليه فقد استمر الإعلام الرسمي المصري متراوحاً بين إتاحة الفرصة لمسؤولين إيرانيين للحديث بإيجابية عن العلاقات المصرية -الإيرانية، وبين انتقاد إيران بضراوة تشبه فترة الرئيس المخلوع، ولكن في كل الأحوال دون تغيير جدي في العلاقات المصرية - الإيرانية.
للبحث تتمة
* رئيس مركز الشرق للدراسات الاقليمية والاستراتيجية ـ القاهرة
ينشر باتفاق مع &laqascii117o;شرق نامه" المصرية


- 'السفير'
لا نهاية لحروب أميركا
جميل مطر:

لا شيء يعادل متعة مناقشة موضوع صعود الإنسان وانحداره، سوى مناقشة موضوع صعود الأمم وانحدارها. بعيدا عن النظريات، وبعضها يعود إلى قرون خلت، تعددت في الآونة الأخيرة الخلافات بين المفكرين الأميركيين وترددت الاتهامات المتبادلة حول ما إذا كانت أميركا أمة انحدرت، ام أمة متوقفة تلتقط الأنفاس لتستأنف الصعود. تيار يتهم الانحداريين بأنهم يعكسون في كتاباتهم توجهات &laqascii117o;طبقة ثرثارة" وتيار يتهم المتفائلين دوما والواثقين بدون تردد بأنهم متعصبون وخياليون، بل أنهم بتطرفهم يتسببون في أن يكون الانحدار الذي ينكرونه أسرع والعواقب وخيمة.
[[[
لم يدرك الرئيس باراك أوباما أن اصراره على التأكيد أن أميركا بخير ولا صحة لما يقال عن انحدارها سيزيد نار الخلافات الفكرية في المجتمع الأميركي اشتعالا. خرج مثلا إدوارد لوس، الإعلامي المعروف وكبير المحررين في صحيفة &laqascii117o;فاينانشيال تايمز" بكتاب بعنوان &laqascii117o;حان وقت البدء في التفكير: أميركا وسمعة الانحدار"، حلل فيه مظاهر التدهور التي شابت مختلف أوجه الحياة في أميركا. كتب عن &laqascii117o;نظام سياسي يقف في طريق مسدودة، وثقافة سياسية حقودة الطابع والسلوك، وتشوهات اقتصادية ومالية تسببت فيها انحرافات في أسواق مال ومصارف وسياسات وول ستريت الخرقاء، وقلة كفاءة التعليم الابتدائي والثانوي، ومرافق عامة متدهورة وأيديولوجية معادية للعلم". يناقش لوس في كتابه وفي مقالات نشرها في الصحيفة التي يعمل لحسابها حال أمة انتشرت فيها كازينوهات القمار، وتعاني أجهزتها للرعاية الاجتماعية والصحية من صعوبة مواجهة الأمراض الاجتماعية والعقلية والجسمانية الناتجة عن زيادة عدد المواطنين الذين يمارسون القمار. ويعيد تأكيد دعاوى اليسار، وبخاصة ما يتعلق منها بسوء توزيع الدخول والاتساع الرهيب في الفجوة بين الأغنياء والفقراء. مجتمع المليونيرات أصبح مجتمعا للمليارات، بينما انخفضت بشدة مداخيل الطبقة الوسطى، وهي الطبقة التي تدفع الآن الثمن الأكبر للانحدار الأميركي، بل إنها بما أصابها من إفقار أصبحت هي نفسها عاملا من أهم عوامل توالي الانحدار. يعتقد لوس أن أخطر ما في قضية الانحدار هذه هو أن كثيرا من المسؤولين الأميركيين لا يدركون مدى خطورة الوضع الذي آلت إليه الأحوال وأن الانحدار مسألة تستحق أن تحظى بأولوية اهتمام القادة الذين لا يتوقفون عن رفض كل إشارة إلى الانحدار، ومنهم الرئيس نفسه.
إيان بريمر، كاتب آخر لا يقل شهرة، يصدر له كتاب بعنوان &laqascii117o; كل أمة لنفسها" ينعى فيه نهاية الولايات المتحدة كدولة عظمى، لكن في الوقت نفسه يحذر من وضع دولي يخلو من القيادة الدولية. ففي غياب أميركا لن توجد &laqascii117o;G8" أو &laqascii117o;G20" أو &laqascii117o;G2" (الصين وأميركا). سيكون هناك ما يمكن أن يطلق عليه &laqascii117o;G Zero". عالم بلا قيادة أي عالم الفوضى، ما لم تسارع أميركا بالنهوض مجددا.
[[[[
تتراوح ردود الطرف الآخر، أي الطرف الرافض طرح المتشائمين والانحداريين، بين ردود سطحية وانفعالية وردود حادة صادرة عن قناعات ايديولوجية أو سياسية. يرد أحد الكتاب على لوس مستغربا تجاهله حقيقة أن أميركا، التي يزعم أنها تنحدر، أخرجت للبشرية &laqascii117o;غوغل" و&laqascii117o;الفيس بوك" وبحوثا علمية رائعة وتكنولوجيا للفضاء وجامعات هي الأفضل في العالم. يقول مارك دامازير إن القوة الناعمة الأميركية ما زالت تلعب دورا مؤثرا في المحافظة على مكانة أميركا، وإن التنبؤ بانحدار أميركا مسألة مألوفة منذ العام 1979 حين تنبأ إيزرا فوغل، الأستاذ الشهير في جامعة &laqascii117o;هارفارد"، بسقوط أميركا عندما أصدر كتابه ذائع الصيت &laqascii117o;اليابان الدولة الرقم 1" .
ردود أخرى تستحق التأمل ثم التعـمق. كتب والتر راسـيل ميد الأستاذ بكلية بارد والكاتب المرموق يقول إن جـماعة في أميركا تصورت خطأ وبدون تدقيق كاف أن عمـلية التغيير التي يشهدها توازن القوى الدولي في الوقت الراهن تعني انحدار أميركا. يجد ميد لهذه الجماعة بعض العذر، إذ انها استيقظت فجأة على أزمة مالية طاحنة ومؤشرات على سقوط الرأسمالية الأنغلوسكسونية وصعود نموذج الرأسمالية الصينية. استيقظت على حربين في أفغانستان والعراق استنزفتا قوة أميركا ودمرتا قدرتها على إدارة الصراع في الشرق الأوسط.. هذه الجماعة فسرت اجتماع هذه الظواهر في وقت واحد بأنه يعني أمرا واحدا، يعني &laqascii117o;انحدار أمة".
[[[[
لدى ميد وجهة نظر تستحق الاهتمام، فهو يرى أن الأمر ليس بهذه البساطة، بل يراه شديد التعقيد. أميركا، في رأيه، تمر في وسط مرحلة &laqascii117o;إعادة توازن" تاريخية. لقد عاش العالم عقودا عدة على أكتاف تحالف ثلاثي أقامته أميركا بعد الحرب العالمية الثانية. هذا التحالف المتكون من أميركا وأوروبا واليابان لم يعد قادرا على الوفاء بالمهمات الملقاة على عاتقه.
ويعتقد البروفسور ميد أن بوش وأوباما، كل منهما بذل جهودا خارقة لوضع سياسة خارجية تسعى لبناء شراكة حديثة تناسب المهمات الجديدة مثل حرية التجارة وتبني سياسة نقدية جديدة، ودمج العالم النامي في النظام المالي العالمي ومساعدة الدول الخارجة من حلف وارسو على سرعة الانتقال إلى العالم الغربي. ولا شك في أن أحداثا مهمة وقعت وفرضت نفسها على التحالف الثلاثي الذي تولى قيادة العالم بعد الحرب، فقد انكمشت أوروبا على نفسها لتتمكن من التركيز على عملية اندماج دول أوروبا الشرقية في النظام الأوروبي الجديد، وتطرفت أوروبا الجديدة فارتكبت أخطاء معينة مثل تبني اليورو، الامر الذي تسبب في تعطيل عمليتي إصلاح سوق العمالة وسياسات الدعم.
وفي آسيا وقع تطور لا يقل أهمية، إذ استفادت دول كثيرة في آسيا من نظام حرية التجارة والتوسع في الاستثمارات فنمت بسرعة كبيرة، لكن على حساب اليابان. بمعنى آخر تراجعت أوروبا واليابان في وقت واحد تقريبا، وصارت أميركا وحيدة في حلف ثلاثي، ركنان فيه أصابهما العطب، لكن لم يختفيا.
في الوقت نفسه، كانت تركيا تبتعد عن أوروبا، وباعتبار أن قيمتها ارتفعت وبخاصة بعد أن أصبحت قوة مؤثرة في الشرق الأوسط ولاعبا معتبرا فيها، لم يعد خافيا أن تأثيرها تجاوز تأثير الاتحاد الأوروبي في بعض القضايا وفي دول الشرق الأوسط. من ناحية أخرى خرجت الهند والصين إلى ساحة السباق للتنافس على من يحل محل الاتحاد الأوروبي كلاعب اقتصادي أول في افريقيا.
هكذا وجدت أميركا نفسها تقود العالم في إطار &laqascii117o;مجموعة سباعية" بعد أن اشتركت في قيادة العالم لستين عاما في إطار &laqascii117o;مجموعة ثلاثية". وجدت نفسها مع مجموعة تضم إلى جانب اليابان وأوروبا تركيا والصين والهند والبرازيل. لاحظت وأنا أقرأ ما كتبه البرفيسور ميد أنه يتعمد عدم الإشارة إلى روسيا وهو بذلك يندرج ضمن عدد من المفكرين الأميركيين الذين ينكرون أهمية روسيا في الحال والمستقبل. ويتنبأ الكاتب بأن السنوات القادمة ستكون سنوات شاقة بالنسبة للدبلوماسية الأميركية التي يتعين عليها أن تضع شبكة من المواءمات والترتيبات والمؤتمرات التي تساعد دول القيادة السباعية على فهم بعضها للبعض الآخر والتأقلم مع أساليب حديثة في قيادة النظام الدولي. ستكون الحاجة ماسة إلى مباحثات طويلة مع الشركاء الجدد بدون تجاهل الشريكين القديمين، وبناء قاعدة من المؤسسات السياسية كتلك التي بنيت بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، وإقامة مراكز بحث مشتركة وتبادل مكثف للزيارات الفنية والدبلوماسية والعسكرية. وبحسب هذا المنطق في التحليل ستكون أميركا كما كانت على امتداد الاعوام الستين الماضية، الدولة الرئيس في مجلس ادارة لكن بأعضاء أكثر من أعضاء مجلس الادارة السابق.
[[[[
أما الرد الأقوى على تيار الانحداريين فجاء بقـلم الكـاتب اليـميني الكبير روبرت كاجان صاحب الكتاب الشهير بعنوان &laqascii117o;العالم الذي صنعته أميركا". يقول كاجان في مقال حديث، إن كثيرا من الناس يخطئون إذا اعتقدوا أن هناك سياسة خارجية أميركية خاصة بالجمهوريين والمحافظين وسياسة خارجية أخرى خاصة بالديموقراطيين. السياسة الخارجية الأميركية، في كل الأوقات وتحت كل القيادات، انعكاس دائم ومتواصل لمبادئ المحافظين الجدد، أي أنها في الأصل الثابت سياسة خارجية يمينية متطرفة. يقول كاجان هذا الكلام وهو العضو في مجلس السياسة الخارجية الملحق بمكتب السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، وفي الوقت نفسه هو المستشار في الشؤون الدولية لحملة ميت رومني المرشح ذي الحظوظ الأوفر في الحزب الجمهوري.
يقول كاجان بكل الصراحة الممكنة إن التدخل العســكري الأمـيركي في دول أجنبية تقليد ثابت ودائم في السياسة الخارجية الأميركية. أميركا تدخلت عسكريا أكثر من 25 مرة منذ عام 1898 أي أنها تتدخل مرة كل أربع سنـوات ونصـف السـنة وتتــدخل مرة كل عامين ونصف العام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وتدخلت 16 مرة في السنوات الاثنتــين والعشرين الأخيرة، هي الفترة من 1989 حتى الآن. الأساس في السياسة الخارجية الأميركية بحـسب رأى روبرت كاجان هو مبادئ &laqascii117o;المحافظين الجدد"، لذلك لن نجد في واشنطن إلا قليلين جدا من النادمين على التدخل العسكري في العراق رغم أنهم جميعا يعرفون أن الحرب قامت على الكذب.
وبصراحة مماثلة، يعترف كاجان بأنه مثل الرئيس أوباما يأسف لأنه تعاطف مع الثورة التي أسقطت حاكما مستبدا في مصر. وقال بالنص &laqascii117o;إذا كان الحليف هو مبارك، فأنا اعترف بأنني كنت أحد المنادين بضــرورة التخلي عنه تماما كما كنت أحد المنادين بالتخلي عن أناســتازيو سوموزا دكتاتور نيـكاراغوا، وعن فرنانــدو ماركوس دكتاتور الفيلبين. أعتقد اعتقادا جازما أن دعم أمــيركا لعدد من الحكام المستبدين خلال الحرب الباردة كان خطأ كبيرا وأن دعم المستبدين العرب في المرحلة اللاحقة كان أيضا خطأ كبيرا ونحن ندفع الآن ثمن ارتكاب هذا الخطأ &laqascii117o;. ويستطرد كاجان قائلا، إن أميركا يجب أن تتعامل مع الإخوان المسلمين بعقل مفتوح، ووصف نفسه بأنه &laqascii117o;رخو" عندما يتعلق الأمر بالإخوان المسلمين، مضيفا، ان &laqascii117o;ديموقراطية مصرية بهذه السمات الاسلامية قد تكون في مصلحتنا".
المدهش في النهاية هو أن هذا الكاتب الشهير والمتفائل الكبير والرافض مزاعم الانحداريين يلخص رؤيته لمستقبل أميركا بالعبارة التالية &laqascii117o;حرب دائمة في الخارج ومعاشات تقاعد أقل للمسنين في الداخل.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد