قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الإثنين 30/4/2012

- 'النهار'
توقعات أميركية: النووي الإيراني.. مقابل حكم الأسد وسلاح المقاومة
سيمون عواد:

من الباكر القول إن المعركة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة الاميركية بدأت، لأن التوقعات والاحصاءات الأولية تضع كفة باراك أوباما وميت رومني على معدل الـ46 في المئة بالتساوي حتى الآن. ومن حيث أكتب هذه المقالة أي ولاية ميشيغين مسقط رومني المرشح الجمهوري، يخشى أن لا تكون هذه الولاية هي المرجحة إذا بقيت المعركة على 'المنخار'، بل الولايات فلوريدا وبنسلفانيا، وخصوصاً أوهايو التي يحظى فيها رومني بحظوظ أكبر.
خبير صديق من واشنطن يرجح أن تكون اية عودة لأوباما مقرونة بتسوية مع إيران توضع قبلها أو معها طريقة فك الارتباط مع حكم الأسد في سوريا، وتسهيل انتقال السلطة الى مرشح 'علوي' ذي ماض عسكري يحفظ وحدة الجيش في بوتقة بعيدة عن السلفيات الدينية التي تتوجس منها موسكو لئلا تمتد طفيلياتها الى حدودها!خلال ذلك لا يتخوف مسؤولون كبار من تدهور أمني في لبنان ولا بصدامات ولا باغتيالات، لأن مبرر التمديد في عمر هذه الحكومة، على بلائها، مرتبط بحفظ الأمن وتقطيع المرحلة على أن يسبق خروجها قبل الانتخابات النيابية عام 2013 تأليف حكومة تكنوقراط محايدة للإشراف على العملية الانتخابية التي ترسم وجه الرئيس المقبل للبلاد.واذا كان العهد الأمني الحالي في سوريا مرشحاً للرحيل حتماً، كما تؤكد توقعات الكونغرس، جمهوريين وديموقراطيين، فان أتباع هذا النظام سيعودون الى أحجامهم في توازن القوى، بعد أن تتولى إيران في 'تعهد' للغرب، بسحب سلاح المقاومة الذي تملك مفاتيحه دون غيرها مقابل غضّ الطرف عن مضيها في مشروعها النووي بإشراف دولي محكم من الوكالة الذريّة الدولية.واذا كانت روسيا – بوتين استعانت بحلف 'البريكس' لتعويم دورها الدولي، فإن مجرد التراجع الذي تشهده الثورات العربية، وخصوصاً في مربعها الأساسي المصري، تنبئ بلجم حركة الاخوان المسلمين بالفريق العسكري الحاكم خلال الفترة الانتقالية وهو الأمر الذي 'يرتدّ' برداً وسلاماً على قلقها المتعاظم من الهجمة الأحادية المتنامية على أطراف الانتفاضات، والتي أصبحت موضع تنازع على صعيد الغرب والشرق!.


- 'السفير'
عقلنة العلاقات المصرية ـ الإيرانية III .. التفاؤل المستبعد.. والتشاؤم الباهظ
 مصطفى اللباد:

يقوم استشراف المستقبل على تقييم المعطيات والمؤشرات، ويمكن ببعض التبسيط تقسيم السيناريوهات المتوقعة للعلاقات إلى ثلاثة سيناريوهات.
السيناريو الأكثر تفاؤلاً
يقوم تحالف بين البلدين الكبيرين، وفق هذا السيناريو، ولا يخفى أن تحالفاً كهذا سيكون كاسراً للتوازن الإقليمي الراهن ومصطدماً بمصالح دولية وإقليمية متعددة. لهذه الأسباب يبدو هذا السيناريو مستبعداً جداً لأسباب متباينة يتقدمها الثمن السياسي المرتفع لهذا التحالف من الجانب المصري، خصوصاً في المرحلة الانتقالية الراهنة، فضلاً عن مغادرة فكرة هذا التحالف الواقع الموضوعي في الإقليم، ناهيك عن غياب السقف الدولي المشترك مثلما كان الأمر عليه في غالبية فترات القرن الماضي. وتعد نقطة الضعف الأساسية في هذا السيناريو صعوبة وجود قواسم مشتركة ممكنة بين البلدين دون تخلي أحدهما عن جوهر تحالفاته الإقليمية والدولية؛ فلا إيران ستتخلى عن نفوذها بالخليج والمشرق العربي إرضاء لمصر، ولا مصر ستتخلى عن تحالفاتها العربية الخليجية والإقليمية إرضاء لإيران. كما أن المنظومة القيمية للبلدين ليست في درجة من الانسجام، بحيث يمكن معها تصور قيام تحالف بين البلدين، حتى بعد 25 يناير/كانون الثاني 2011. لذلك تؤشر المعطيات القائمة إلى أن هذا السيناريو غير وارد على الأرجح.
السيناريو العقلاني
يعاد، وفق هذا السيناريو، ترتيب العلاقات المصرية - الإيرانية وتركيبها على أساس المصالح الوطنية المصرية مع حساب معادلة التكلفة/العائد بدلاً من تغليب الاعتبارات الأيديولوجية. ووفقاً لهذا السيناريو العقلاني لا يخدم الاستمرار في سياسة مصر السابقة حيال إيران المصالح المصرية في الإقليم، لأنها تحد من قدرة القاهرة على المناورة الإقليمية وتعطل الطاقات المصرية الكامنة، إذ &laqascii117o;لا مبرر للعداوة مع إيران رغم الاختلافات الكبيرة معها". ولذلك، وفي ضوء موازين القوى الراهنة في مصر والإقليم، يمكن أن تتطور العلاقات المصرية - الإيرانية بالتدريج.تبدو مصر الدولة الأكثر تأهيلاً لرأب الصدع السني - الشيعي في المنطقة، عبر رعاية حوار بين الطرفين، بغرض تلطيف حدة التناقضات الطائفية المتفاقمة في المنطقة. وإذ يشكل المسلمون الشيعة ربما نسبة لا تتجاوز 12-15 في المئة من مجمل المسلمين في العالم، فإنهم يشكلون حوالى خمس سكان المنطقة الممتدة على ساحل الخليج من الناحية العربية. فإذا أضفنا إيران والعراق إلى المعادلة، يصبح المسلمون الشيعة أغلبية واضحة في هذه المنطقة، التي تشكل حزام النفط، وهي نتيجة لها أهمية جيو-سياسية فائقة. يتطلب قيام مصر بأدوار الوساطة ابتداء موافقة إيران على ذلك، وهو أمر لا يمكن تعقله بدون حد أدنى من العلاقات معها. ولا يخفى أن الثمن السياسي والاقتصادي للعب هذا النوع من الأدوار الإقليمية يعد زهيداً في مقابل العائد السياسي والاقتصادي المتحقق منه، حيث لا تملك مصر حتى الآن مشروعاً أيديولوجياً متبلوراً، مثلما تفتقر حالياً إلى تحالفات سياسية متنوعة بما يكفي خارج حدودها، فضلاً عن أنها لا تملك القدرات الاقتصادية اللازمة راهناً، وكلها مستلزمات ضرورية للأدوار الإقليمية.ويحقق هذا السيناريو العقلاني الفوائد التالية لمصر:
1- تحسين شروط الدور المصري في الإقليم متمثلاً في أدوار الوساطة التي تؤهل مصر للعودة إلى توازنات المنطقة، دون امتلاك أثمان العودة الإقليمية. ولكن العودة تحت هذه الشروط تتطلب توافقاً من الأطراف المختلفة على ضرورة الوساطة المصرية.
2- يسمح التحسن التدريجي للعلاقات مع إيران بتحقيق مجموعة من المصالح المصرية الممكنة في الملف النووي الإيراني، الذي يعد من قضايا المنطقة الكبرى. ومن هذه المزايا الممكنة: أ- تدعيم قوة مصر الناعمة كطرف لا يمكن تجاهله عند البت في قضايا الإقليم الكبرى. ب ـ المشاركة في تقرير مصير قضايا الإقليم الكبرى مثل الإخلاء من السلاح النووي. ج ـ الاستفادة من خبرات إيران في مجال الطاقة النووية. د ـ استثمار المعارف المصرية المتقدمة نسبياً في قضايا المفاوضات التقنية لإبراز الحضور العربي في قضايا المفاوضات النووية. هـ ـ تنشيط الدور المصري في قضايا عالمية مثل انتشار الأسلحة النووية وفي منظمات عالمية مثل &laqascii117o;الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
3- تنويع علاقات مصر الإقليمية.
4- الإطلال على قضايا عربية من زوايا متعددة مثل العراق ولبنان.
وفي مقابل الفوائد المصرية الممكنة من التحسين التدريجي للعلاقات مع إيران، يتوقع أن يتأطر هذا التحسن ـ إن حدث - وفق أطر وضوابط تضمن تحقيق الأهداف المنشودة وتحد من آثاره السلبية الممكنة على علاقات مصر الإقليمية. وهذه الأطر والضوابط هي الأربعة التالية:
1- بلورة معادلة العائد/الثمن في علاقات القاهرة مع طهران، بحيث لا تصبح إعادة العلاقات مع إيران ورقة بيد الأخيرة تستخدمها من جانب واحد لتحقيق مصالحها فقط.
2- ملف العلاقات مع إيران يجب عدم التعامل معه بتسرع وتحت الضغوط، لأنه من ناحية يفتح الباب أمام أدوار مصرية فائقة الأهمية تعيد القاهرة إلى المنطقة راعياً لتسويات كبرى بين السنة والشيعة دون الاضطرار لدفع تكاليف باهظة سياسياً واقتصادياً.
3- ربط رفع مستوى العلاقات المصرية - الإيرانية بتقارب موازٍ ومماثل مع دول الخليج العربية، بحيث يترافق رفع مستوى العلاقات المصرية - الإيرانية مع تصورات مصرية لتعزيز العلاقات مع دول الخليج العربية والسعودية، باعتبار أن القاهرة والرياض يشكلان العمود الفقري للرقم العربي المطلوب في معادلات الشرق الأوسط.
4- سيكون مريحاً للتشكيلة السياسية الجديدة في القاهرة أن تظل مسألة معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية شأناً مصرياً خالصاً تتوافق عليه القوى السياسية المصرية حصراً، ليس لأن هذه المعاهدة ممتازة أو مقدسة وهي ليست كذلك على الإطلاق - ولكن لضمان عدم انحراف الإيقاع في العلاقات المصرية -الإيرانية؛ بما يربك الأولويات المصرية في المرحلة المقبلة.
السيناريو الأشد تشاؤماً
يستمر التباعد بين البلدين، وفق هذا السيناريو، على خلفية تشكل محور واصطفاف جديدين على أنقاض &laqascii117o;محور الاعتدال"، الذي تواجه مع إيران على ساحات المنطقة في العقد الأخير، ولم يبل بلاء حسناً في مفاصل أساسية. ووفقاً لهذا السيناريو تدخل مصر وتياراتها السياسية الفاعلة في اصطفاف مع دول &laqascii117o;الانتفاضات الشعبية" التي تعرف تشكيلة سياسية - أيديولوجية متشابهة بعد انتخاباتها البرلمانية، إلى جانب دول الخليج العربية ومؤازرة تركية، في مواجهة المحور الذي تقوده إيران في المنطقة. قامت الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط الموسع خلال العقود الماضية على نظرية توازن القوى، بحيث تضمن واشنطن مصالحها في المنطقة بأقل تورط عسكري مباشر. ووفقاً لفكرة &laqascii117o;توازن القوى": فقد شاهدنا في العقود السابقة ثنائيات الهند في مواجهة باكستان، العراق في مواجهة إيران، إسرائيل في مواجهة دول الطوق العربية. وهي الثنائيات التي تمنع اختلال توازنات القوى لمصلحة إحدى القوى، وبالتالي إبقاء الكتل المتصارعة في حال &laqascii117o;احتواء ذاتي". ومع تراجع توازن القوى القائم في باكستان منذ 2001 والعراق منذ 2003 ودول الطوق العربية في تواريخ سابقة، فقد أصبحت واشنطن في مأزق بسبب انسحابها من العراق ومحاولتها منع إيران من ترسيخ نفوذها في بلاد الرافدين.
تستطيع مصر ـ نظرياً - بعد &laqascii117o;الانتفاضات الشعبية" العربية، أن تتحدى المعادلة السياسية القائمة في المنطقة، والتي ارتاحت فيها إيران طيلة العقدين الأخيرين: &laqascii117o;جبهة المقاومة الإسلامية" التي تقودها إيران في مواجهة &laqascii117o;الاستكبار العالمي وأعوانه في المنطقة". ومن شأن إعادة صياغة المباريات السياسية الإعلامية الدائرة مع إيران وتحويلها إلى مواجهة سياسية على خلفية مذهبية، أن يحرم إيران من مظلتها الأيديولوجية المفضلة؛ وبالتالي يضرب مشروعها الإقليمي في الصميم. تملك مصر قدراً كبيراً نسبياً من الشرعية السياسية، خصوصاً بعد 25 يناير/كانون الثاني 2011، بالتوازي مع غياب شرعية إيرانية إقليمية موازية لتضخم أدوارها في السنوات الأخيرة. تضافرت مجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية لتعزيز وضعية مصر التساومية حيال إيران بعد &laqascii117o;الانتفاضة الشعبية"، أولها تحسن مواقع مصر السياسية بعد &laqascii117o;الانتفاضة الشعبية" وبعد الانتخابات البرلمانية التي أعقبتها. وثانيها تفاقم أزمة النظام السوري حليف إيران في العالم العربي، وثالثها تفاقم الضغط الغربي على إيران في ملفها النووي، ورابعها التوتر القائم حالياً في العلاقات الإيرانية - التركية على خلفية التنافس على الأدوار الإقليمية. أفرزت الانتخابات المصرية أغلبية للتيار الإسلامي (&laqascii117o;الإخوان المسلمون" و&laqascii117o;السلفيون") مع أقلية ليبرالية (&laqascii117o;الكتلة المصرية" و&laqascii117o;الوفد")، بالإضافة إلى أحزاب أخرى. وبالتالي سيسهل رفع عناوين الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية من أغلب التيارات السياسية المصرية، وربما مع حمولة فكرية إضافية ولكن معادية من طرف &laqascii117o;السلفيين،" في المقارعات السياسية -الإعلامية مع إيران. باختصار يمكن أن تصبح إيران أحد الخاسرين من &laqascii117o;الانتفاضة الشعبية" في مصر وفقاً للسيناريو المتشائم.
أصبحت القاهرة بعد انتفاضتها الشعبية، لأول مرة منذ أربعة عقود على الأقل، مالكة زمام المبادأة في علاقاتها مع إيران، فهي تستطيع تغليب سيناريو عقلنة العلاقات بما يعود بالفوائد على الطرفين، وهي تستطيع في الوقت نفسه الانخراط في الاصطفاف الجديد الذي يبدو متشكلاً حيال إيران برعاية دولية وإقليمية وفقاً للسيناريو المتشائم. تملك مصر، لأول مرة منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، الحمولة السياسية - الإعلامية التي تمكنها من مواجهة طهران في المباريات السياسية -الإعلامية التي لم تنفك دائرة في المنطقة. إذ في مقابل الممانعة ومعاداة واشنطن وتل أبيب على الجانب الإيراني، تستطيع مصر الاستناد إلى القيم المؤسسة لانتفاضتها الشعبية التي استدعت تعاطفاً جماهيرياً إيرانياً تجلى في محاولة &laqascii117o;الحركة الخضراء" الإيرانية الإصلاحية القيام بتظاهرة في طهران؛ تأييداً لانتصار &laqascii117o;الانتفاضة الشعبية" المصرية، وذلك لأول مرة منذ عقود خلت. وفي النهاية سيبقى ترجيح القاهرة لأي من السيناريوهين الأقرب احتمالاً، العقلاني أو المتشائم للعلاقات المصرية - الإيرانية، مرتهناً بمجموعة من المحددات. أولها توازنات القوى داخل مصر وبخيارات قواها السياسية الفاعلة وبالتحديد جماعة &laqascii117o;الإخوان المسلمين" صاحبة الأغلبية الشعبية وفق الانتخابات البرلمانية 2011، وثانيها حجم التكالب الدولي والإقليمي على مصر لناحية الحيلولة دون الوصول إلى السيناريو العقلاني، وثالثها قدرة المكونات الأساسية للنظام السياسي المتشكل على مجابهة الضغوطات الخارجية، ورابعها حجم التغيير المتوقع في مؤسسات الدولة المصرية، وخامسها مدركات هذه المؤسسات وتعريفها الخاص للمصالح الوطنية المصرية في المنطقة، وهي المحددات الخمسة التي ستنعكس على العلاقات المصرية -الإيرانية في الفترة المقبلة.
رئيس مركز الشرق للدراسات الاقليمية والاستراتجية ـ القاهرة


- 'المستقبل'
رؤية جديدة تحت شعار 'الشيعة ليس لديهم مشروع خاص في المنطقة'
فضل الله: تعزيز مفهوم المواطنة.. نور الدين: التواصل صمّام أمان
باسم سعد:

يلاحظ المتابع لحركة 'تيار الوعي' أو 'التيار الحركي الإسلامي' وغيرها من التسميات التي تتصل بمؤسسات المرجع السيد محمد حسين فضل الله، والحلقة المثقفة التي تشكلت وتتشكل من حولها، أن غياب المرجع فضل الله لم يدفع بهؤلاء إلى الجمود والتراجع بل إلى الاندفاع الذي يبرز على مستويين:
- منزل السيد فضل الله الذي يشعر الداخل إليه بأن الحركة فيه مع العلامة السيد علي فضل الله تتواصل على الطريقة التي كانت أيام والده، استقبالات للأحزاب والتيارات والشخصيات السياسية من الاتجاهات كافة، إضافةً إلى المراجعين في الشؤون الشرعية والاجتماعية والتربوية وغيرها.
- المؤسسات والتي من بينها 'المركز الإسلامي الثقافي' و'مركز الدراسات' الذي يحمل اسم مؤسسات الفكر الإسلامي المعاصر والتي نظمت الكثير من المؤتمرات التي قاربت أكثر الأمور تعقيداً، في السنوات الأخيرة من مؤتمر 'الفلك' الذي أسس للأرضية العلمية الشرعية في اعتماد الحسابات الفلكية مع بدايات الشهور وخصوصاً شهور رمضان، إلى المؤتمر الذي عالج أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية، إلى ما يتصل بشؤون المرأة، وصولاً إلى الربيع العربي، وأخيراً المؤتمر المغلق الذي ضم النخب الإسلامية الشيعية من لبنان وخارجه والتي بحثت في ما يتصل بالموقف الإسلامي الشيعي من مجمل التحديات الراهنة على الساحتين العربية والإسلامية.
لا يبدو الأمر غريباً على مؤسسات كان مرجعها يدعو الى محاورة السلفيين وغيرهم، وقد دفع ثمن دعوته للوحدة الإسلامية بين السنة والشيعة أثماناً كبيرة.. ليس غريباً أن تندفع نخبه وكوادره لتلمس الطرق الأفضل في رسم خريطة مستقبلٍ زاهر للوطن، للأمة، للعالم الإسلامي.
بدأ الحراك الفكري يتبلور وسط الساحة الإسلامية الشيعية بعدما كثر الكلام عن مستقبل التشيّع في العالم وسط الثورات العربية، وتنطلق مجموعة من المثقفين والباحثين اللبنانيين والعرب وعلماء الدين، في إبراز منطق التعاطي مع الدين وليس مع المذهب عبر التركيز على مسألة الدعوة إلى الإسلام لا الدعوة إلى المذهب، فضلا عن النقد الذاتي وحرية الرأي، واعطاء أولوية للوحدة بين المسلمين، ونقد الخطاب الطائفي المتعصب وكل دعوات الإقصاء، ورفع الغطاء الديني عن كل الممارسات الطائفية التي تغذي نزعة الكراهية والعداء بين المسلمين وإعادة النظر بالموروث الثقافي المسيء الى المذهب.
ولبلورة الصورة الحركية الجديدة التي انطلقت من مؤتمر عقد الاسبوع الماضي في مطعم الساحة بيروت، افتتحه العلامة السيد علي فضل الله الذي رأى أن التشيع هو امتدادٌ لنهج النبوة الرسالي، وبوصلته إسلام القرآن، كما طرح بعض الاولويات الضرورية لتحسين الواقع الشيعي، تمحورت حول تعزيز مفهوم المواطنة والتنمية الفعلية للداخل الإسلامي، وتأمين حالة من الحراك الفكري بالإضافة إلى تحديد المسافات التي نقف عليها مع الآخر ومراجعتها باستمرار بما يعزز التوافق مع المذاهب الاخرى، وينزع فتائل التفجير المصطنعة التي يغذيها ويستفيد منها المتربصون شراً بالأمة الإسلامية سنّة وشيعة، داعياً إلى تأكيد أولويات الوحدة الإسلامية وممارسة الشعائر بحكمة.
يشير مدير مركز الدراسات في مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر الدكتور نجيب نور الدين إلى أن الرؤية العامة حيال ما تتداول به المؤسسة هي من صياغة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، فهو الذي صاغ الرؤية ووضع المنهج لما تقوم به المؤسسة التي تضم نخبة من المتخصصين والمستشارين والإعلاميين، وعندما يتطرق نور الدين إلى المؤتمر الأخير الذي عالج في جلساته البحثية المغلقة علاقة المسلمين الشيعة بمحيطهم يقول: 'انه في السنوات العشر الماضية بدأ الشيعة بحراك واسع في مختلف الاقطار العربية، وأصبح لهم حضور سواء في الدول التي يشكلون فيها الأكثرية أم الأقلية. إن هذا الحراك هو ابن بيئته وهو ليس خارج السياق. وكي لا يفهم الشيعة على نحو خاطئ من اخوانهم واشقائهم الذين يشكلون واياهم اغلبية الأمة الإسلامية، ووسط التساؤلات التي تطرح عن خلفية هذا الحراك، ارتأينا كمثقفين شيعة أن نتناقش وسط الآراء المتناقضة من الحراك القائم حيث ان هناك من يؤيد وهناك من يتحسب أو يتخوف منه، خصوصا بعد الكلام عن المشروع الشيعي الخاص الخ'.
ويتابع: 'أردنا ـ من جهتنا ـ توضيح الصورة والرؤية إلى كل من يرغب أن نجيب على أسئلته 'كيف يفكر الشيعة وخصوصاً المثقفين منهم وكيف يفكرون لمستقبلهم؟. نحن محكومون بخلفية رؤية المرجع السيد محمد حسين فضل الله التي يقول فيها ' انه ليس عند الشيعة مشروع خاص، الشيعة جزء من هذه الأمة، وهم والسنة يشكلون قوة هذه الأمة وحصانتها ومنعتها، وقضاياهم واحدة كما وأن دينهم وقرآنهم ونبيهم واحد. والقضايا الاساسية هي قضايا واحدة، ومستقبلهم هو مستقبل كل المسلمين في هذه المنطقة وأنه لا مستقبل خاصاً لهم، وكان سماحة السيد يعتبر أن الحراك الشيعي ينبغي أن ينطلق من ضمن البيئة التي ينتمي إليها وأن لا يكون موجهاً ضد أحد، فهو ليس موجهاً ضد مذهب آخر أو ضد عرق معين. إن الهاجس الأكبر هو الدخول الأجنبي على خط المنطقة على قاعدة العمل في كل ما يفرق بين السنة والشيعة، والحؤول دون التقريب بينهما، لأنهما المكونان الأساسيان في المنطقة العربية، وبالتالي الحؤول دون اقترابهما، مما يفسح في المجال أن يبقى الصراع بين الطائفتين وبالتأكيد يضعف القوتين الأساسيتين، ويفسح المجال للتدخلات الأجنبية في شؤونها. في حين أن الوحدة هي القوة المانعة والتي تحصن هذه الأمة من أي ضرر، لان هذه الأمة ليس لها غنى عن العالم، فهي تعيش على هذه الكرة الارضية على اختلافها وتنوعها، لكن هناك فرقاً في ان تدير شؤونها بنفسها وباستقلالية تامة وتقيم علاقات متكافئة ومتوازنة وتبادل مصالح مع كل دول العالم، وبين أن تكون تابعة أو مستتبعة'.
ويوضح نور الدين: 'نحن كمسلمين شيعة ومن منطلق هذه الخلفية السياسية عملنا للتأسيس عليها، فجمعنا النخب لكوننا نعجز عن جمع رؤساء الدول ورؤساء الأحزاب، وهي تشكل عينة تمثيلية للقوى الشيعية الموجودة في المنطقة وكان هناك شبه إجماع على أن الشيعة ليس لديهم مشروع خاص في المنطقة، وأي حراك فكري أو غير فكري ليس موجها ضد احد وخصوصا ليس موجهاً ضد الطائفة السنية، بالعكس هناك هاجس عن الشيعة وقياداتهم كيف نطمئن اخواننا في المذهب السني إلى أن حراكنا السياسي أو غيره هو حراك يتكامل معهم وليس موجهاً ضدهم؟ خصوصاً بعد الأقوال عن 'هلال شيعي' أو 'ارتباط شيعة العرب بإيران'، كل ما يريده الشيعة، هو أن يكونوا مواطنين كغيرهم وأن يتساووا مع الآخرين في الحقوق والواجبات، وأن يعطى كل ذي حق حقه.
ويؤكد أن 'الغلو والتطرف ضمن الساحة الإسلامية يدمر كل المشروع الإسلامي الوحدوي ويجذر الخلافات، وينبغي الوقوف في وجه التيارات المغالية والخرافية بصرف النظر عن هويتها المذهبية، ليس بالسلاح طبعاً إنما بالفكر والرؤية والإعلام، والحد من موجات التطرف التي تريد أن تفرض رأيها على الجميع، سواء أكانت تدري أو لا تدري أنها تخدم مشروع الانقسام الذي يعمل الآخرون عليه.
يجب أن نعيد النظر في الكثير من الموروث وأن ننقي الشوائب، كما دعا المرجع فضل الله في حياته، لنقدم خطابنا بطريقة غير استفزازية خصوصاً في المناسبات الدينية التي قد تشكل استفزازاً للآخر، لنفتح المدى للتواصل بين الحركات الإسلامية السنية والشيعية الرسالية التي قد تشكل صمام أمان لأنها تمثل طلائع المجتمع التي يمكن أن تتحرك سريعاً لمواجهة أية مشكلة طارئة'.
وتابع: 'كما أكدنا على الحرية وقضية فلسطين، لأننا جزء من هذا الحراك، لأن خلاص المنطقة هو، في أن تعبر كل مكوناتها عن قناعاتها بحرية وتكون حقوق المواطن المسلم والعربي على قدر المساواة بصرف النظر عن هويته المذهبية أو ما إلى ذلك'، مشيراً الى ان 'أصل الفكرة كانت في العمل للقاء سني شيعي موسّع، لكن فكّرنا في أن نعمل في البداية على بلورة الفكرة الشيعية من الحراك القائم ومن ثم تتوسع الحلقة باتجاه أخواننا من أهل السنة لنصل إلى التكامل في الرؤية والتعاطي الإيجابي مع كل الملفات المطروحة على قاعدة احترام الآخر، فنخرج بخلاصات إسلامية عامة'.
ويختم بالقول: 'إن هذا الحراك ليس ضد احد وليس مع أحد، انطلق من التحسس من مستوى المخاطر المحدقة بالمنطقة، على ضوء الفتن التي تحاك، وليس منطلقاً للتأسيس لأي كيانية جديدة تضاف إلى الكيانات الأخرى، وهو حالة فكرية ثقافية دعوية متنورة يهمها التعاطف مع قضايا المسلمين سنة وشيعة ويهمهما تشخيص الداء ووضع اليد على المشكلات الأساسية وأن يعمل لإضاءتها ومعالجتها من خلال أهل الشأن، ويمكن أن نكون واسطة خير لتنفيذها. وأن نقدم الفكرة في إطار 'كيف يمكن أن يفكر المثقفون الشيعة'.
وقد ركزت التوصيات التي صدرت على 'نقد الخطاب الطائفي العصبوي والتطرف واحترام الخصوصية للمكونات السياسية وتطوير الوعي والعمل على تقليص الهوّة بين القيادات الشيعية والقاعدة الشعبية والعمل على إصلاح ما خرُب من المنبر الحسيني والمراسم العاشورائية بشكل علمي ودون انفعال أو مواقف ارتجالية وغيرها من البنود الاصلاحية التي يحتاجها المجتمع الشيعي'.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد