قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الأربعاء 9/5/2012

- 'السفير'
الإسلام بديلاً من العروبة :أين موقع إسرائيل.. وهل سقطت فلسطين سهواً؟!
طلال سلمان:

تستطيع إسرائيل أن تحتفل، مطمئنة ومزدهية، بالذكرى الخامسة والستين لإقامة كيانها - بالقوة العاتية - فوق أرض فلسطين وطرد شعبها منها ليتوزع مجاميع من &laqascii117o;اللاجئين" في &laqascii117o;دول الجوار العربي" وأشتاتاً من الباحثين عن أي ملجأ في أربع رياح الأرض يمنحهم المأوى وفرصة تربية أبنائهم على حلم العودة.
وبرغم أن إسرائيل لا تنكر أنها أقوى من مجموع الدول العربية، عسكرياً واقتصادياً، وأعظم تقدماً منها في مجالات العلوم كافة، فإنها تواصل تعزيز قدراتها براً وبحراً وجواً، وها هي الغواصة النووية الرابعة تصلها من ألمانيا كهدية، بينما تكمل الولايات المتحدة بناء القبة الفولاذية التي تحميها من احتمال أي هجوم على المدن في الأرض المحتلة بصواريخ المقاومة التي قد تنطلق مجدداً من لبنان، كما حدث في صيف العام 2006.. أو من أية حدود عربية أخرى، رداً على أية محاولة لاجتياح جديد.
ثم إن &laqascii117o;قضية فلسطين" تغرق في بحور النسيان، لا تستطيع السلطة المنشقة على ذاتها أن تدّعي أنها قد حفظتها، خصوصاً أنها أقيمت بقرار من خارج إرادة شعبها المشرد والمفقر و&laqascii117o;المنبوذ" في ديار اللجوء، والذي يعامله أهل النظام العربي بامتهان يزيد في قسوته عن معاملة العدو الإسرائيلي.
أما الشعوب العربية المثقلة بهموم عيشها، والمقهورة بأنظمة الطغيان التي قام معظمها أصلاً على أكتاف القوات المسلحة وبذريعة العودة الى ميدان الصراع مع العدو الإسرائيلي، فهي تجاهد من أجل التغيير.. يتفجر غضبها انتفاضات وثورات عفوية ولا قيادات مؤهلة ولا برامج محددة ولا خط سير واضحاً في اتجاه النظام البديل المنشود.
أليس لافتاً أن يغيب أي ذكر لفلسطين عن هتافات الملايين المحتشدة في الميادين، إلا نادراً، وان تختفي الإشارة إلى شعبها المشرد أو إلى قضيتها المقدسة، ويغَيّــــــب - بالتالي - الاحتلال الإسرائيلي وجرائم القهر بالسجن المؤبد للمجاهدين... والأخطر: القفز من فوق مسألة الاستيطان والتوسع المتمادي في بناء المستعمرات على أراضي من تبقى من أبناء فلسطين فيها.حتى غزة، التي ينفرد الإخوان المسلمون &laqascii117o;بحكمها" ويمنعون مشاركة &laqascii117o;إسلاميين" آخرين فيها، نراها تسقط قصداً، وليس سهواً، من البيانات والخطابات والمواعظ، بما فيها خطب الجمعة، في الدول التي أسقطت الميادين الطغاة فيها وتقدمت تنظيمات إسلامية الشعار نحو السلطة تشارك حيث يتعذر الانفراد بها أو تحاول احتكارها حيث تفترض أنها جاهزة بما يكفي لطرد القوى الأخرى من جنتها.وإذا ما افترضنا الصحة والدقة في الذرائع التي يُسوقها الإسلاميون في مجال تبرير &laqascii117o;حقهم" في الهيمنة على السلطة الجديدة بعد إسقاط الطغيان والقائلة بأن الجيوش التي اقتحمت القصور وأسقطت حكام هزيمة 1948قد انشغلت بالحكم عن قضية فلسطين كما عن قضايا الشعب عموماً، فإن ما يطرحه الإسلاميون المتقدمون نحو &laqascii117o;السلطة الثورية" لا يأتي على ذكر فلسطين، ولا يحدد موقفاً واضحاً من العدو الإسرائيلي الذي أدام احتلاله لأراض عربية، بعضها في مصر (سيناء في &laqascii117o;حماية" المراقبين الدوليين الذين يختارهم من جنود دول صديقة له) وبعضها في الأردن، فضلاً عن الجولان السوري، وبعض الأرض اللبنانية.ويمكننا أن ننسى أو نتناسى بعض التصريحات التي صدرت عن قادة إسلاميين والتي تتسم بالحياد والتلطي خلف &laqascii117o;معاهدة السلام" والحرص عليها وكذلك على اتفاق تزويد إسرائيل بالنفط والغاز المصري.لا بأس، هنا، من عودة سريعة إلى تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي.منذ البدء قال الإسلاميون- عموماً - إن فلسطين قضية إسلامية بقدر ما هي إسرائيل قضية يهودية. وكان ذلك المنطق المغلوط يصب في مصلحة ادّعاءات الحركة الصهيونية، ويخرج من حومة الصراع بعض مكونات الأمة وهم المسيحيون بمختلف طوائفهم، وهم من كانوا وما زالوا في صلب النضال والمقاومة، فكراً وجهاداً بالسلاح.ثم إن هذا المنطق يتهاوى أمام واقع أن المليار مسلم المنتشرين في العالم ليسوا شعباً واحداً بل هم شعوب في دول عدة، بعضها لا يعرف من فلسطين وعنها إلا ما يتصل بالإسراء والمعراج والمسجد الأقصى، وبمعنى القداسة الدينية وليس بالدلالة السياسية.ليس من التجني القول إن &laqascii117o;الإسلاميين" عموماً قد تعاملوا مع الحركة القومية العربية وكأنها أعدى الأعداء، وأن مواجهتها وإلحاق الهزيمة بها يجب أن تكون لها الأولوية على مجابهة قوى الاستعمار عموماً وإسرائيل على وجه الخصوص.وانه لأمر غير واقعي ان تحال فلسطين على المسلمين، سواء بتنظيماتهم السياسية أو بهيئاتهم الدينية وهي مجتمعة لا تشكل قوة فعلية لا في السياسة ولا في الحرب، وإن كانت تزعم أن الدين هو المرجعية الفعلية للتحرير لا الوطنية أو العروبة ولا حلم الوحدة العربية بل هو وهم الوحدة الإسلامية.ولقد اكتسب منطق &laqascii117o;الإسلاميين" بعض الشرعية عبر انكشاف ادّعاءات أنظمة الطغيان عن صحة تمثيلها للحركة القومية العربية.لكن ذلك لم يضف كثيراً إلى شرعية اعتماد &laqascii117o;الإسلام" سلاحاً للتحرير.. خصوصاً أن الإسلام إسلامات متعددة ليس فقط بعدد الفرق والمذاهب والشيع وإنما بعدد الأغراض والأهداف السياسية التي تختلط فيها العصبية الدينية مع الإصرار على تطمين الغرب عموماً وأميركا خصوصاً عن استعداد الإسلام لحوار الأديان مع المسيحية شكلاً ومع اليهودية أو إسرائيل عملياً.وإذا ما استثنينا تجربة جمال عبد الناصر، بكل ما لها وعليها، فإن سلوك الأنظمة العسكرية التي استولت على السلطة في أكثر من بلد عربي في ظل شعارات التحرير والتقدم، رافعة الراية العربية، إنما قدمت خدمة ثمينة لكل خصوم العروبة في الداخل ولكل أعداء النهوض العربي والتقدم في اتجاه التكامل، اتحاداً أو وحدة، في الخارج.من الضروري الاعتراف أن بعض أنظمة الطغيان التي حكمت بالشعار القومي قد أهانت الشعار وحقرته... فالعسف والقهر واحتكار السلطة، والادّعاء الكاذب بتمثيل العمال والفلاحين وسائر الفئات المسحوقة في مختلف الأقطار العربية، كل ذلك قد أعاد الاعتبار إلى الأنظمة الملكية وصورها ارحم بالشعوب التي حكمتها من &laqascii117o;الجمهوريين" المزركشين بشعارات الاشتراكية والحرية والوحدة لمخادعة الرعايا والتحكم بحاضرهم ومستقبلهم.لقد أساءت أنظمة الطغيان بشكل خاص إلى هدف تحرير فلسطين، وبالتالي الى شعار الوحدة، أكثر من خصومها وأعدائها بالمصلحة، وقدمت خدمة جليلة لكل أعداء الأمة في الداخل والخارج، وفي الطليعة منها إسرائيل ومشاريع توسعها على حساب فلسطين - القضية والشعب، والهيمنة الاميركية وأنظمة العسف الملكية.وها هي تلك القوى المعادية تأتلف وتتكاتف لمنع الثورات التي تتفجر بها الأرض العربية من التكامل والاندفاع إلى مهمتها المقدسة في التحرر والتحرير بغير تردد او معوقات.لقد تنامت النزعة إلى الاستئثار بالسلطة عند الإسلاميين بحيث باتوا يخرجون من صدام مع مطالب التغيير إلى مواجهة من هم - موضعياً - في موقع حلفائهم.وإذا كان إسلاميو تونس قد تصرفوا بدهاء وارتضوا مشاركة القوى السياسية &laqascii117o;المدنية" في السلطة الجديدة، فإن إسلاميي مصر يصرون على احتكار السلطة بمواقعها المختلفة إلى حد التصادم مع &laqascii117o;المجلس العسكري" الذي ذهب كثيرون الى حد اتهامه بالتواطؤ معهم بدءاً بالتعديل الدستوري المنقوص وصولاً الى انتخابات مجلس العشب وبعدها انتخابات مجلس الشورى.أما إسلاميو سوريا، الذين يموهون حركتهم بشعارات مبهمة لا يستطيع شركاؤهم في &laqascii117o;المجلس الوطني" رفضها وان كانوا يستريبون فيها، ويتركون لعلاقتهم الوطيدة مع الحكم في تركيا، وهو &laqascii117o;إسلامي مستنير"، أن تُطمئن القلقين على مستقبل الدولة العلمانية في سوريا، فضلاً عن تهدئة روع الأقليات غير الإسلامية عموماً وغير السنية خصوصاً، الى أن النظام المقبل سيكون علمانياً، بدليل برنامجهم الجديد الذي أعدوه على عجل مقتبسين الكثير من النصوص التركية للعلمانية السورية وبما يرضي أصحاب القرار الكوني في واشنطن ولندن وباريس.. وربما في موسكو وبكين أيضاً، من دون أن ننسى إسرائيل، التي تقرر انها علمانية حتى وهي تعلن عن ذاتها كدولة يهود العالم.لكن هذا التطمين لا يكفي لاكتساب تأييد وبالتالي دعم بعض الدول العربية التي تحكم بالشعار الإسلامي.وليس مؤكدا أن تكون زيارة مفتي الديار المصرية خطوة في هذا السياق، ولكن لا بد من التوقف أمام التبرير الذي أعطاه المفتي من أنها زيارة للمسجد الأقصى فحسب ولم يقدم جواز سفره لشرطة الاحتلال الإسرائيلي..للمناسبة هل تحمل جوازات سفر المسؤولين المصريين مع الرئيس الأسبق أنور السادات أختام الأمن العام الإسرائيلي، وماذا عن جوازات سفر الوزراء عموماً والخارجية خصوصاً، خلال زياراتهم المتعددة للكيان الصهيوني؟!).باختصار: إن للإسلام السياسي وجوهاً شتى، بينها انه يقدم الدين على الهوية الوطنية، وبالتأكيد على الهوية القومية.. وربما تشكل هذه الحقيقة مدخلاً لفهم تحفظات الوطنيين والقوميين عموماً، فضلاً عن أتباع الديانات الأخرى (او المذاهب الإسلامية الأخرى) في مصر وسائر الأقطار العربية، وفلسطين على وجه الخصوص، على شعارات الحكم الإسلامي الذي تبدت بعض تجلياته في الميدان ثم أمام وزارة الدفاع في القاهرة، وأخيراً وليس آخراً في زيارة الاعتذار المدوي إلى السعودية.


- 'السفير'
الخفة الإسرائيلية
 ساطع نور الدين:

كانت مضيعة للوقت، وخيبة أمل لجميع الذين اتجهت أنظارهم في الايام القليلة الماضية الى اسرائيل حيث اضطرب الوسط السياسي وانفعل الوسط الإعلامي بخبر تبين في ما بعد أنه كان مجرد خدعة، لكنه شغل العالم كله وتحول الى مادة لتحليلات وتقديرات بأن الحرب باتت على الأبواب.الدولة التي كانت في الماضي توصف بأنها الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، تكاد تصبح مسخرة، ليس فقط لان بعض جيرانها العرب يستكشفون القيم الديموقراطية، ويؤسسون لتجارب ديموقراطية حقيقية، بل لان سياسييها الحاليين يتصرفون مثل زعماء المافيا، بعدما كان أسلافهم رواد الانتقال من العصابات والمليشيات الى المؤسسات والاحزاب والنقابات في لحظة التأسيس الاولى للكيان.قبل أيام تردد ان اسرائيل تتجه نحو انتخابات مبكرة في مطلع أيلول المقبل، لان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو يود انتهاز فرصة ارتفاع شعبية حزبه، الليكود، في استطلاعات الرأي لكي يضمن أربع سنوات جديدة في الحكم. وكان يفترض ان يتم التصويت في حل الكنيست صباح امس الى ان فاجأ نتنياهو الجميع باتفاق توصل اليه تحت جنح الظلام مع زعيم حزب كاديما شاؤول موفاز على ضمه الى حكومته التي باتت تتمتع بغالبية نيابية غير مسبوقة في تاريخ اسرائيل، تضم ٩٤ مقعدا من اصل ١٢٠.الصفقة هي جزء من اللعبة السياسية في أي دولة في العالم، على الرغم من ان بعض المتضررين منها وصفوها بأنها خدعة نتنة ومهينة لأسس الديموقراطية الاسرائيلية، وهي تكشف انحطاط مستوى السياسيين الإسرائيليين وانتهازيتهم وسعيهم المحموم الى البقاء في السلطة بأي ثمن.. وهو ما لم يكن رأي الجمهور الاسرائيلي الذي أيد بغالبيته الائتلاف الجديد وأثنى على دهاء نتنياهو وحنكة موفاز. لكن الأهم من هذه التفاصيل الصغيرة، هو ان إطلاق فكرة الانتخابات المبكرة كان مناسبة لسيل من التحليلات الغريبة التي لن يعتذر عنها أحد، بلغت حد القول ان نتنياهو اختار اللجوء الى هذه الخطوة لأنه يريد ان يضمن تمديد بقائه في الحكومة قبل فوز الرئيس الاميركي باراك أوباما في الانتخابات الاميركية المقررة في تشرين الثاني المقبل، وهو يود أن تكون الحرب على ايران وحزب الله في الصيف المقبل جزءا من حملته الانتخابية ووسيلته السياسية لفرض أمر واقع على الأميركيين.. وقيل أيضاً انه يرغب في ان يكون جاهزا ومحاطا بغالبية نيابية مريحة، عندما يحين موعد التغيير في سوريا!.هذه التخيلات سقطت دفعة واحدة عندما أذيع نبأ الصفقة بين الليكود وكاديما، وعاد الخبر الاسرائيلي الى حجمه الطبيعي، واستقر وزن دولة اسرائيل على أخف مما كان يعتقد حتى قبل الربيع العربي.. ولن يكون من المستبعد أن يكون نتنياهو أو موفاز قد لجآ الى أحد الحاخامين لطلب فتواه في جواز التحالف وفي حرمة الدعوة الى انتخابات مبكرة في شهر أيلول المقبل!.


- 'السفير'
الانتخابات السورية أو الحرب بوسائل أخرى
نهلة الشهال:

ليست &laqascii117o;الانتخابات" النيابية التي جرت في سوريا أمس الأول &laqascii117o;مهزلة" فحسب، على ما اشترك في وصفها بذلك طيف يبدأ من الامين العام للأمم المتحدة وينتهي بـ&laqascii117o;هيئة التنسيق الوطنية" وبشخصيات من المعارضة السورية لم يعرف عنها يوماً محاباة الغرب أو النفط. بل هي أخطر من هذا بكثير. فهي حلقة جديدة تنتمي الى سياق القمع الذي تنتهجه السلطة القائمة هناك. وهي تتبع منطقاً نَظَم مسلك تلك السلطة منذ انفجار حركة الاحتجاج العامة في سوريا، يقول إنها هي، السلطة، وحدها، من يتحكم بالوضع القائم، سواء كان ذلك بتجريد حملات من القمع الدموي الفظيع، أو بتقرير درجة وشكل وميادين &laqascii117o;الانفتاح" على متطلبات التغيير، إذا ما أُجبرت على ذلك، فيما هي لا ترى حقيقةً أي ضرورة له! وتعمق هذه الانتخابات درجة الانقسام الداخلي في سوريا، وهو حاضنة الحرب الاهلية المحتملة، كما تساهم في إفشال &laqascii117o;الحل الدولي/العربي" المتمثل بخطة أنان، وهو شديد الهشاشة اصلاً. وكل ذلك يضاعف من خطورة ما جرى يوم الاثنين الفائت وما سيليه، ويجعله يتجاوز مجرد &laqascii117o;المسرحية الشكلية"، مما يمكن عادة، وفي ظروف أخرى، تحمله. تأتي تلك الانتخابات لتقضي على الأمل بإرساء منطق الحوار الوطني الواسع، وهو وسيلة رسم خطوات وملامح مرحلة انتقالية فعلية، توفر التغيير سلماً وتدريجاً. ويفترض بمثل ذلك الحوار استيعاب الجميع، أو على الأقل تقديم اطار وآليات لمثل هذا الاستيعاب. فإن رفضه البعض ممن له ارتباطات ودوافع مشبوهة، لا علاقة لها بالقلق على مستقبل سوريا، فهو ساعتها إنما يعزل نفسه ويفضح نياته. ولذلك الحوار الوطني المؤسِس للمرحلة الانتقالية شروط، في مقدمتها أن توافق كل أطرافه، بما فيها السلطة، على الحاجة لتغيير جدي وأساسي. وهو بالضرورة يترافق مع صراع بين قواه المختلفة على حدود هذا التغيير ومجالاته وايقاعه ومدده، الى آخر ذلك. أي أنه ليس طريقاً معبداً بالورود، ولا بالنيات الحسنة. ولكن ميزته الاساسية تبقى أنه قادر على الإحاطة بالعنف، وتعطيله الى حد ما، وإبراز امكانية التصارع السياسي بوسائل مضبوطة، مقننة وسلمية.لم تأخذ الامور هذا المنحى في أي لحظة في سوريا. وعلى الرغم من ذلك، بقي هذا هو البديل عن الانزلاق المستمر نحو الجحيم. لم تأخذ الامور هذا المنحى لأن السلطة القائمة شنت حملات قمع دموي بغاية كسر الاعتراض ومحوه، متعاملة معه وفق استراتيجية الإلغاء. وكذلك، لأن كتلة المصالح المختلطة بالأوهام التي تحيط بسوريا كانت من القوة بحيث أنها دفعت بمجموعات وفصائل سورية معارضة الى ما يمكن وصفه بالقطيعة التامة. فراح &laqascii117o;المجلس الوطني السوري" يتصرف بما يشبه تصرف السلطة، كما لو أنه بديلها الجاهز والموشك على استلام الحكم. لقد أدى هذان النبذان الى المأزق. وإن كانت مسؤولية السلطة أعظم، وجريمتها أكبر، بسبب قدراتها القمعية التي لم تتوان عن استخدامها، فإن مسؤولية المعارضة لا تقل شأناً كونها معنية بتوفير الأفق الآخر، وهو ليس تتويجها هي بأي حال من الأحوال، بل إطلاق آلية عامة تفرض ضرورة البديل وتطرحه كمهمة وتنسج عناصره.ولأن السياسة تموت حين تُصاب بفقدان الذاكرة، وحين تُقطَّع اوصال اللحظات وتؤخذ كل واحدة منها براهنية فورية، فلنستعد حقيقة أن المعارضة تلك قامت بنقيض هذا تماماً: طرحت حلاً يبدو جاهزاً (أو أوهمت بوجوده) وقطعت الطريق على ذلك التفاعل المطلوب. رُبًّ قائل إنها اضطرت الى هذا المسلك بسبب دموية النظام، ولكنها تحديداً الحجة المردودة. ليس في تلك الدموية ما هو مفاجئ وغير متوقع، بل يفترض ان تدخل كمعطى أساسي في الخطة المعتمدة من أي معارضة. وبالمحصلة اليوم، تشبه تلك المعارضة في مجمل مسلكها السلطة التي تقاتلها. وهذه أيضاً تقول إنها تقود الانتقال عبر ما تسميه خطة الاصلاح التي اقرتها... لوحدها، فعدلت الدستور وألغت المادة الثامنة التي تنص على قيادة البعث للمجتمع، وأقامت استفتاء للموافقة على التعديل، وها هي تقيم انتخابات عامة &laqascii117o;تعددية" بعدما رخصت لتسعة احزاب جديدة، واستبدلت لائحة &laqascii117o;الجبهة الوطنية التقدمية" بـ&laqascii117o;قائمة الوحدة الوطنية"(!)، وطبلت وزمرت للخطوات على لسان معارضة مفبركة تدلي بتصريحات من قبيل أن الانتخابات &laqascii117o;نقطة بداية لعملية سياسية" و&laqascii117o;تخفض القمع للوصول الى حوار". وحين سيفوز &laqascii117o;حزب البعث" بأغلبية المقاعد ويشكِّل الحكومة، أو يرأسها على الأقل، فسيكون ذلك عين الديموقراطية. لا يوجد غير روسيا والصين ليريا في ذلك تدابير معقولة ومنجزات.ولكن الأمر يقاس نوعياً، وليس بتراصف وتلاحق تدابير الديموقراطية الجبرية تلك. يقاس بمعيار كونه جزءاً من مسار وعلامات عليه، فأن يقال إن الانتخابات شهدت إقبالاً في &laqascii117o;الأحياء الهادئة"، يمكن أن يترجم الى كلمات اخرى: لقد شاركت فيها الفئات والأحياء التي يتكثف فيها سكنٌ من ألوان طائفية محددة ما زالت تؤيد النظام القائم. هي إذاً تعميق للانقسام القائم ودمقرطة للغلبة القسرية. ومن المضحك تسجيل &laqascii117o;سرقة صندوق اقتراع في مضايا"، كخرق. أليس ذلك &laqascii117o;لطيفاً"، يقصد القول إن كل شيء تمام التمام. ومن يستمع للإذاعة السورية يوم الانتخابات يظن نفسه في سويسرا وليس في بلد غارق بدماء أبنائه، ودمرت أحياء كاملة من بعض مدنه الكبرى.والحق أن السلطة القائمة في سوريا غير مهتمة بكل ذلك على الإطلاق. فخطتها الفعلية، تلك المفتكرة والمهندسة، تقوم على مطاردة الحركة الاعتراضية وسحقها. وإلا فكيف يمكن، علاوة على التفرد بالتحكم الممارس ذاك، تفسير اعتقال معارضين بينهم شباب وشابات قالوا على الإنترنت بعض قناعاتهم، وبينهم كتّاب كسلامة كيلة لا يظن أحد أنه متورط بسلاح ولا بمؤامرات.ولهذا كله، تبدو سوريا وكأنها تعيش &laqascii117o;لحظة انتقالية" مديدة. ولكنها ليست لحظة جامدة، معطلة، &laqascii117o;ستاتيكية". وكلما استطالت، فهي تقضي على حظوظ ولو ضعيفة، بتجنب الأسوأ: استقرار الفوضى والحرب الأهلية، وإن منخفضة الوتيرة في بعض الأحيان. لا يمكن التصرف وكأن ما جرى ويجري ليس سوى قوسين انفتح أولهما ويجري العمل على إغلاق الثاني. ثم يستتب الأمر.. بل هو الوعد بالجحيم.


- 'الاخبار'
أمر عمليات أميركي: شتتوا إسلاميي مصر!
إيلي شلهوب:

فصل جديد من فصول سرقة الثورة المصرية تشهده هذه الأيام أرض الكنانة التي تستعد لانتخابات رئاسية، يبدو واضحاً أنها لا تعني القوى السياسية المصرية الحيّة فقط، بل تشغل بال قوى رئيسية في العالم والمنطقة. بات واضحاً أن احتدام معركة انتخابات الرئاسة المصرية لا يعود فقط إلى الصراع السياسي الداخلي على الفوز بالكرسي الأول في هذا البلد الكبير. ففي الميزان أمور أكثر أهمية على المستوى الاستراتيجي لكثيرين من داخل أرض الكنانة ومن خارجها، لعل أولها الدور الإقليمي لمصر وموقفها من القضايا الجوهرية، والمقصود حصراً أميركا (أو الإمبريالية) وإسرائيل (أو الصهيونية). عنصران يبدو أنهما مرتبطان عضوياً على ما تفيد وقائع العقود القليلة الماضية.مصر _ عبد الناصر التي رفعت لواء حركات التحرر ضد الإمبريالية والمقاومة ضد الصهيونية، جعلت القاهرة قوة عظمى إقليمية نفوذها يمتد من طنجة إلى حضرموت وبابل وساحة أميّة. مصر _ السادات التي تحالفت مع أميركا وصالحت إسرائيل، نُبذت عربياً وإسلامياً بعدما جرى عزلها. ومصر _ مبارك التي حالفت إسرائيل إلى أن أصبح رئيسها &laqascii117o;كنزاً استراتيجياً" للصهيونية، انطوت على نفسها، وبات كل أملها حفظ نظامها الذي أطاحته الجماهير في ميدان التحرير.ماذا ستكون عليه مصر الغد؟ أياً من النماذج الثلاثة ستعتمد؟ موقف العسكر مهم هنا، لا شك. حاجات مصر الاقتصادية تشكل معطى لا يمكن تجاهله، بالتأكيد. لكن القرار الحاسم لن يكون إلا في أيدي السلطة السياسية التي ستتشكل من رحم القوى الشعبية الحيّة التي أودت بالنظام السابق، وهي معركة إطارها الأساسي انتخابات الرئاسة المقبلة، التي لم تبق قوة إقليمية أو دولية معنية بهذا الملف إلا حشدت نفوذها كله لضمان فوز المرشح الأقرب إلى تحقيق مصالحها.وقد يكون اللاعب الأساسي هنا الولايات المتحدة، نظراً إلى ما تتمتع به من علاقات تاريخية مع مصر، نظاماً سابقاً وعسكراً ومجتمعاً مدنياً، ولما لها من تأثير على قوى المنطقة المتورطة في هذه اللعبة.وفي هذا السياق، تنقل مصادر دبلوماسية عربية عن تقرير أميركي، تقول إن أجهزة الاستخبارات رفعته للإدارة الأميركية حيث عممته وزارة الخارجية على بعض دول المنطقة، إقراره بأن &laqascii117o;المواطن العربي والمسلم يشعر بمؤامرة على عروبة مصر وإسلاميتها ودورها وريادتها، وقيود على عودتها إلى العالمين العربي والإسلامي، بهدف منعها من أن تأخذ موقفاً مناهضاً لأميركا وإسرائيل، بدأت إرهاصاته في قطع الغاز، وهناك مخاوف من أن يتدحرج إلى حد إلغاء معاهدة كامب ديفيد".ويضيف التقرير، وهو عبارة عن تقدير وضع يتضمن توصيات لطريقة مقاربة الإدارة لانتخابات الرئاسة المصرية، أنه &laqascii117o;لا بد من تمزيق الإسلاميين، وضرب بعضهم ببعض، وخلق صراعات في ما بينهم، السلفيين ضد الأخوان، و&laqascii117o;القاعدة" ضد الفلول،... والهدف منع حركة الإخوان المسلمين من الانتصار بأي ثمن كان".وتشير المصادر الدبلوماسية إلى أن اشتباكات العباسية كانت أولى تجليات هذا الصراع حيث ظهرت الرايات السود للمرة الأولى، لافتة إلى أن التقرير يتحدث عن ضرورة دعم عمرو موسى وأحمد شفيق بحيث يجري التأكد من فوز أحدهما بكرسي الرئاسة المصرية. وبما أن &laqascii117o;الأميركيين يدركون أن شفيق لا يصلح، ذلك أنه لا يملك الكاريزما ولا القاعدة الشعبية ولا المشروعية للفوز بأصوات المصريين، فإنه تم تكليف فريق من أجهزة الاستخبارات البريطانية، مهمته دعم جهود عمرو موسى الرامية إلى الوصول إلى كرسي الرئاسة من وراء الستار".المصادر نفسها تستدرك بأن &laqascii117o;هذا لا يعني أن هذا الفريق يعمل ضمن مكتب موسى أو أن الأخير وافق عليه أو حتى يعرف بوجوده"، مشيرة إلى أن الأفضلية في نظر واشنطن للأمين العام السابق للجامعة العربية لأنه &laqascii117o;يحسن التلفظ بكلام جميل، عن العرب ومصر وفلسطين وما إلى ذلك، لكنه لن يمتلك يوماً القوة التي تمكنه من تنفيذ ما يقوله".ويضيف التقرير، بحسب المصادر نفسها، أنه &laqascii117o;على الضفة الأخرى، يجب زيادة حدة الشقاق والصراع بين المرشحين الإسلاميين الثلاثة، سليم العوا، ومحمد مرسي، وعبد المنعم أبو الفتوح، لتشتيت أصوات الإسلاميين"، مشيراً إلى أنه &laqascii117o;في حال العجز عن ضمان فوز موسى أو شفيق، فالأفضلية لأبو الفتوح، باعتباره منشقاً إسلامياً لا يمتلك القاعدة الجماهيرية التي تجعله يعيد الدور الريادي لمصر، ذلك أن فوزه سيقلّص من حجم حركة الإخوان، التي عمرها 80 عاماً، في عيون الناس". استبعاد المرشح الأساسي للإخوان خيرت الشاطر من سباق الرئاسة كان الخطوة الأولى في هذا السيناريو.وتنبع المخاوف الأميركية من الإخوان المسلمين من واقع أنها &laqascii117o;الكتلة الوحيدة التي تمتلك ما يكفي من قوة جماهيرية ومشروعية تاريخية ودينية لإعادة مصر إلى الخريطة الإقليمية والدولية، رغم خطابها المنخفض تجاه كامب ديفيد وإسرائيل. فطبيعتها وتراثها والراية التي ترفعها من عشرات السنين عن فلسطين ومناهضة الإمبريالية تتهدد بجعلها حركة أقرب إلى الحركة الإسلامية الخمينية في إيران، من حيث مقاربتها لملفات المنطقة". بناءً عليه، بحسب المصادر الدبلوماسية، إن &laqascii117o;أمر العمليات الأميركي يقضي أولاً بمنع وصول الإخوان إلى كرسي الرئاسة لأنهم يحملون هذه المواصفات، أو بالأحرى هذه الجينات العقائدية. وثانياً بكسر هيبة المشروع الإسلامي يساعدهم في ذلك ضعف خطاب الإخوان أنفسهم".وتلفت هذه المصادر إلى &laqascii117o;وجود مؤشرات، من داخل مصر، إلى جهود تُبذل من أجل حثّ المرشحين الإسلاميين الثلاثة على التحالف مع الناصري حمدين صباحي والاتفاق على مرشح واحد يستطيع أن يضمن الفوز من الدورة الأولى له وللمشروع الإسلامي _ القومي الداعم له". وتوضح أن &laqascii117o;خطوة كهذه قد تكون شبكة الخلاص التي ستمكن القوة الشعبية الأكبر في البلاد من التعبير عن إرادتها، وأن تفرض نفسها كقوة داخلية مهيمنة، ما يفتح لها الطريق في لملمة نفسها وفرض برنامجها السياسي الذي سيحدد موقع مصر على الخريطة الجيواستراتيجية في المنطقة".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد