قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الإثنين 14/5/2012

- 'السفير'
مرشـحو الرئاسـة المصريـة ورؤاهـم الإقليميـة
كيف ينظرون إلى إيران والسعودية وفلسطين و...'إسرائيل'؟
مصطفى اللباد(مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية –القاهرة):

استأثرت المناظرة الانتخابية العلنية بين مرشحي الرئاسة المصرية عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح باهتمام الرأي العام المصري والعربي لأسباب مفهومة، نظراً لعدم الاعتياد على هذا النوع من المناظرات. ومع الأضواء الإعلامية والهجوم الشخصي المعتاد من كل مرشح على الآخر وطغيان القضايا الداخلية على السجالات والمناظرات، فقد ظلت قضايا المنطقة ومواقف مصر الإقليمية المرتقبة على الهامش. بدوره، يخلّف هذا الهامش فراغاً تحليلياً كبيراً، خصوصاً أن منصب رئيس الجمهورية في مصر هو الذي يحدد ملامح السياسة الإقليمية والخارجية بشكل كبير. ولعل غياب دستور محدد المعالم حتى الآن، هو المثال الأسطع على ضبابية الحالة التي تعيشها مصر راهناً، لأن المرشحين للرئاسة يطلون على الرأي العام من دون أن يعلموا ـ حتى على وجه التقريب - حدود منصب الرئيس القادم وصلاحياته، وشكل النظام السياسي: هل جمهورية رئاسية يتمتع فيها الرئيس بثلاثة أرباع صلاحيات النظام السياسي كما هو حال مصر منذ العام 1954 وحتى العام 2011، أم نظام رئاسي برلماني على النموذج الفرنسي كما يريد &laqascii117o;الإخوان المسلمون" على وجه التحديد؟ وبالرغم من تركيز المرشحين على القضايا الداخلية، يبقى وجه العملة الآخر ـ أي السياسة الإقليمية والخارجية - مخفياً. تحاول هذه السطور استشراف معالم السياسة الإقليمية للمرشحين الأربعة الأوفر حظاً في الانتخابات المقبلة وهم: عمرو موسى، عبد المنعم أبو الفتوح، حمدين صباحي ومحمد مرسي.
يبدو أن هناك إجماعاً بين المرشحين الأربعة على أولوية قضية مياه النيل لمصر، إذ أن التراجع الفظيع في قوة مصر الناعمة في أفريقيا قد أثر على وضعية مصر القانونية إزاء مياه النيل، بعد ائتلاف دول المنبع بقيادة اثيوبيا، ومحاولة هذا الائتلاف الجديد فرض اتفاقية إطارية تقلب معادلة تقاسم حصص مياه النهر لغير مصلحة مصر. وبالتالي فمن المتوقع في حال فوز أي من المرشحين الأربعة أن تعمد القاهرة إلى تدعيم نفوذها في القارة السمراء حفاظاً على حقوقها التاريخية في مياه النيل. ويزيد من صوابية هذا التوقع أن مصر هي الواحة الأكبر في العالم، وأن تدبير الري وتنظيمه كانا ركناً أساسياً من أركان الدولة المصرية القديمة قبل آلاف السنين، وبالتالي فمقولة المياه هي شريان الحياة لمصر، هي مقولة تعكس واقعاً أكثر منه مجازاً لغوياً. ولعل ميزان القوى الراهن بين دول المصب (مصر والسودان) ودول المنبع بقيادة اثيوبيا ـ مع اختلاله النسبي في السنوات الست الأخيرة لغير مصلحة دول المصب - يمكن تعديله بشكل أيسر نسبياً مقارنة بميزان القوى في الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن يتم هذا التعديل بوسائل القوة الناعمة المصرية، لأن استنكاف مبارك عن الاهتمام بهذه القضية الحيوية لمصر جعل دول المنبع تعقد اتفاق إطار في ما بينها لفرض واقع جديد، في الوقت الذي لوحت فيه رموز نظامه في أكثر من مناسبة بالقوة الصلبة المصرية، للتعمية عن هذا الاستنكاف وتلك الإخفاقات.
ستظل مسألة القضية الفلسطينية وغزة قضية حيوية لمصر، ليس فقط لقرب غزة الجغرافي من سيناء، ولا لأن حلّ القضية الفلسطينية حلاً مرضياً يمثل قضية فائقة الحيوية لمصالح مصر الوطنية، ولكن أيضاً لأن القضية الفلسطينية هي بوابة العبور لموقع القوة الإقليمية. وهي حقيقة يمكن التثبت منها عبر استعراض تجربة مصر في الخمسينيات والستينيات، ولإيران منذ انتصار ثورتها، وتركيا في السنوات الخمس الأخيرة.
اعتبر عمرو موسى في المناظرة الأخيرة إسرائيل خصماً عنيداً، فيما اعتبرها أبو الفتوح عدواً خلال المناظرة ذاتها، والأرجح أن حمدين صباحي ومحمد مرسي يشاطران أبو الفتوح رأيه، كل لخلفيات مختلفة. وبالتالي فالأرجح أن العلاقات المصرية -الإسرائيلية ستدخل في مرحلة من التبريد النسبي - أياً كان الرئيس القادم - مقارنة بحالها في عصر حسني مبارك. ويبدو أن حمدين صباحي باتجاهاته الناصرية الواضحة، وأبو الفتوح بخلفيته الإسلامية سيكونان المرشحين الأكثر تضامناً مع مظلومية الشعب الفلسطيني وقضيته من غيرهما من المرشحين. ومن المتوقع أن يبني كل من أبو الفتوح ومحمد مرسي سياساتهما الفلسطينية المرتقبة بالأساس على قياس حركة &laqascii117o;حماس" ومصالحها، أما عمرو موسى فسيواصل سياسته حيال إسرائيل، أي إطلاق تصريحات قوية مع عدم القدرة على القيام بتغيير حقيقي في أساس المسألة على الأرض. وفي كل الأحوال ستلعب موازين القوى الراهنة دوراً كبيراً في التأثير على سياسات مصر المقبلة حيال إسرائيل، بحيث سيكون السقف وقف تصدير الغاز ووقف التطبيع، وربما تعديل بنود في اتفاقية السلام المصرية -الإسرائيلية للسماح بوجود عسكري مصري في كامل سيناء، وهي أمور أعلنها صباحي في غير مناسبة في الشهور والسنوات الأخيرة.
أخذ الكثيرون على عمرو موسى زلة لسانه التي اعتبر فيها إيران &laqascii117o;دولة عربية"، على الرغم من تصريحاته الانتخابية المتكررة التي ركزت على وصف كل من إيران وتركيا باعتبارهما في حالة منافسة إقليمية مع مصر. وبالرغم من أن موسى كان صاحب مبادرة &laqascii117o;الجوار العربي" العام 2010، إبان توليه منصب الأمين العام للجامعة العربية، التي لقيت انتقاد القاهرة والرياض وقتها، وارتأت الانفتاح على هاتين الدولتين انفتاحا مؤسسيا، إلا أن حملته الانتخابية وعلاقاته العربية والإقليمية فضلاً عن رؤيته للقاهرة الجديدة قد أثرت سلباً إلى حد ما على رؤيته لاسطنبول وطهران. أما عبد المنعم أبو الفتوح، فيبدو واضحاً تأثره بالنموذج الذي تقدمه تركيا، سواء من حيث تركيزه على الجوانب الاقتصادية لمصر، أو شعاره الانتخابي &laqascii117o;مصر من بين أقوى عشرين دولة اقتصادياً في العالم عام 2022" الذي يحاكي خطاب أردوغان ومفردات خطابه السياسي وشعارات حزب &laqascii117o;العدالة والتنمية" في الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة. يبدو الوضع مختلفاً في حالة محمد مرسي، مرشح &laqascii117o;الإخوان المسلمين"، حيث ينظر بإيجابية إلى تركيا وتجربتها في الاقتصاد والسياسة الخارجية، ولكنه ظل وإخوانه، على مسافة ملتبسة بشكل ما من تركيا، بسبب طموحات &laqascii117o;دولة الخلافة" و&laqascii117o;أستاذية العالم" التي يتبناها &laqascii117o;الإخوان" علناً، والتي تتصادم موضوعياً مع تركيا حتى ولو كان الصدام مؤجلاً. أما حمدين صباحي، فقد أبدى انفتاحاً على تجربة تركيا ولاحظ التغير في موازين القوى الإقليمية لمصلحتها، إلا أن جوهر سياسته الخارجية يقوم على فكرة وجود منطقة عربية تحتاج إلى قيادة مصرية، وبالتالي فتركيا يمكن التعاون والتنسيق معها كدولة جوار جيد، وليس أكثر من ذلك.
يعود التباين بين المرشحين الأربعة ليظهر بوضوح في حالة الموقف من إيران، فعمرو موسى لا يحمل حساسية كبيرة حيال إيران، كما كان حسني مبارك، إلا أن جوهر تحالفاته الإقليمية سيبقيه بعيداً عن التحالف معها. الشيء ذاته ينطبق على محمد مرسي، ولكن لأسباب مختلفة عن موسى، لأن البعد المذهبي يبدو واضحاً لجماعة &laqascii117o;الإخوان المسلمين" في التعامل مع إيران بعد &laqascii117o;الربيع العربي"، على الرغم من علاقات &laqascii117o;الإخوان" التاريخية مع إيران، والتي تعود إلى مطلع الخمسينيات من القرن الماضي. من المتوقع أن يكون كل من أبو الفتوح وصباحي أكثر براغماتية وانفتاحاً على إيران والتنسيق معها، مقارنة بموسى ومرسي، إلا أن ميل أبو الفتوح الواضح لتركيا سيجعله يرسي عطاء التحالف الإقليمي عليها، في حين يبدو صباحي الذي يملك علاقات تحالفية مع حركات المقاومة العربية والإسلامية الأقرب بين المرشحين الأربعة إلى رفع مستوى العلاقات مع إيران، وصولاً ربما إلى التحالف والتنسيق معها.
ربما كانت العلاقات مع دول الخليج العربية هي الغامض الأكبر في تصورات المرشحين الرئاسيين ورؤاهم، فلم يأت أيهم صراحة على الإشارة إلى العلاقات المصرية - السعودية. ومع ذلك يبدو واضحاً أن السعودية تفضل عمرو موسى لأسباب متعددة، أولها أن كل من المرشحين: أبو الفتوح وصباحي ومرسي يملك نسقاً فكرياً وعقائدياً لا يتسق بالضرورة مع توجهاتها. ولأن السعودية تتخوف من طموحات &laqascii117o;الإخوان المسلمين" السياسية وقدرتهم النظرية على منازلة النموذج السياسي - الديني الذي تقدمه والانتصار عليه، يبدو محمد مرسي وأبو الفتوح خارج دائرة الرهان السعودي. الشيء ذاته ينطبق على حمدين صباحي، الذي ينطلق فكرياً وعقائدياً من خبرة تاريخية ناصرية في التصادم مع السعودية وطموحاتها والنموذج السياسي - الاجتماعي الذي تقدمه؛ فضلاً عن معاكسة تحالفاتها الإقليمية والدولية.
مختصر الكلام، يقبع التوازن الإقليمي السائد راهناً فوق &laqascii117o;جثة مصر - مبارك السياسية" بالمعنى المزدوج للكلمة، بمعنى أن الغياب المصري في العقود الثلاثة الماضية قد أنتج بمرور الوقت خريطة للتوازنات تقوم في علّة وجودها على غياب الدور المصري. وبالتالي ستؤدي قيامة القاهرة، لا محالة، إلى قلب طاولة التوازنات الإقليمية الواقفة على &laqascii117o;جثة مصر - مبارك السياسية"، وإلى إعادة تشكيل القرار الإقليمي بما يعكس الأحجام التاريخية لمكوناته. يا مصر &laqascii117o;قومي وشدي الحيل!".


- 'السفير'
جدل الانتخابات
ساطع نور الدين:

في الكلام السابق لأوانه عن الانتخابات المقررة بعد عام كامل، وعن قانونها المتخيل مغالطتان تتعديان التوقيت المبكر لفتح تلك المعركة الوهمية، وتسيئان إلى سمعة البلد الذي أنتج على الدوام ما يفوق حجمه وطاقته من مفكرين &laqascii117o;جيوسياسيين"، خانهم التحليل والتقدير هذه المرّة.
لا يعقل أن يكون كلام الانتخابات وقانونها مجرداً من الغرض السياسي، مكللاً بالفروسية والنبل، يتطلع الى التداول السلمي والعادل للسلطة، ويخدم الرغبة المعلنة في تطوير النظام وتحديث الدولة وتحصين المجتمع. فالسياسة ليست لعبة المغفلين بل هي تواطؤ المخادعين. وهذا تقليد عام لا يُستثنى منه بلد يعتمد على صناديق الاقتراع لاختيار موظفيه للخدمة العامة، حيث يجري التلاعب بالقوانين والدوائر والناخبين في كل دورة انتخابية، ويخضع القانون لتعديلات تكاد تكون متلاحقة.
لكن المفارقة في الحالة اللبنانية، هي أن الطبقة السياسية التي طالما أقنعت نفسها وأقنعت الجمهور بأن لبنان مركز الشرق الأوسط ومرآته وانعكاس أحلامه وخيباته، وصورة عن توازناته وتحالفاته، تريد اليوم أن تروّج لمنطق معاكس تماماً، يفيد بأن لبنان أصبح دولة متواضعة وجزيرة معزولة عن الزلازل التي تضرب محيطه العربي المباشر وتخترق حدوده بشكل يومي تقريباً وتنتهك استقراره على نحو متكرر.
الكلام عن الانتخابات اليوم يمسّ هذه الثقافة السياسية اللبنانية التي لم تشذ عنها أي طائفة او مذهب.. لكنه في العرف اللبناني يمثل استمراراً للحرب الأهلية بأدوات أخرى: ما لم يتمّ أخذه بالقوة ويجري السعي إلى ميله بواسطة مراكز اقتراع يُراد لها أن تفتح قبل الأوان، أو قبل أن تتغيّر الأحوال الخارجية التي ساهمت في صنع الموازين الراهنة.
لكن محاولة اقتناص الغالبية النيابية، التي تسير على حافة الحرب الأهلية، لن يكتب لها النجاح. ما يتردّد عن ضغوط خارجية متعددة المصدر لإطلاق المعركة الانتخابية، هو مجرد نداء خفي هدفه إبقاء اللبنانيين خارج الشوارع التي لم تعد تحتمل اختباراً او عرضاً جديداً للقوة بين قوى يتنازعها الشعور بأنها على عتبة نصر تاريخي، او على شفير هزيمة تاريخية.
من دون الابتعاد كثيراً نحو ايران وغيرها من الأزمات الجوهرية التي يتلقى لبنان أصداءها، يمكن الجزم في ان الأزمة السورية وحدها مانع كافٍ للبحث الجدي في الانتخابات وقانونها، لا يمكن لأي فريق لبناني أن يجهله او ان يتجاهله، الا اذا كان يبحث عن ذريعة للاشتباك الداخلي. وما ستكون عليه سوريا في خلال الأشهر الـ١٢ الفاصلة عن موعد دعوة الناخبين اللبنانيين الى صناديق الاقتراع، لن يكون أمراً عابراً يستطيع لبنان بالتحديد أن يقفز فوقه او ان يغض الطرف عنه.
بعض التروي في مقاربة مسألة الانتخابات التي لن تلغى او تؤجل، لكن يمكن أن تطرأ الحاجة الى إجرائها في وقت واحد وبناء على قانون واحد ولوائح موحّدة في لبنان وسوريا.. هذا على الأقل ما تنبئ به اشتباكات طرابلس واضطرابات البقاع المتكررة.


- 'السفير'
هل 'الأطلسي' لحماية إسرائيل ودعمها؟
رون بول: Washington Post:

أعبّر عن معارضتي الشديدة للقانون الرقم 4133، المعروف باسم &laqascii117o;مشروع التعاون الأمني الأميركي ـ الإسرائيلي" المتطور، الذي هو، في الواقع، جزء آخر من التشريعات الأحادية الجانب، وغير المجدية في السياسة الخارجية الخاصة بالولايات المتحدة.ومن الواضح أن القانون المذكور، يستهدف، بالدرجة الأولى، إيران وسوريا، ويقوّض الجهود الديبلوماسية الأميركية، لأنه يؤكد بوضوح أن الولايات المتحدة ليست شريكاً شريفاً يسعى للوصول إلى السلام في الشرق الأوسط.ويفرض هذا القانون على الولايات المتحدة أن تضاعف مرات عدة، حجم مساعداتها لإسرائيل، من الأسلحة المعقدة والمتطورة، كما ينص على أنه من واجب السياسة الأميركية أن &laqascii117o;تساعد إسرائيل على الحفاظ على تفوّقها العسكري النوعي" في المنطقة.ومع أنني أعتقد راسخاً، أن على إسرائيل، وأية دولة أخرى، أن تكون حرّة في تحديد ما يلزمها من أجل الحفاظ على أمنها، فإنني، بالمقابل، أرفض أن يتحمل الشعب الأميركي أعباءها المالية، والقوات الأميركية أكلافها العسكرية.ينص القانون المذكور على أن &laqascii117o;سياسة الولايات المتحدة تقضي بإعادة التوكيد على الالتزام المستمر للولايات المتحدة بأمن الدولة العبرية باعتبارها دولة يهودية". لكن دستورنا ينص على أن سياسة حكومة الولايات المتحدة يجب أن تستهدف حماية أمن الولايات المتحدة وسلامها، وليس لتوفير الضمانة للتكوين الديني أو العرقي أو الثقافي لدولة أجنبية. وفي حقيقة الأمر، دستورنا الأميركي يحظّر فرض أي دين أو معتقد داخل الولايات المتحدة.يبدو لي أن مشروع القانون هذا، يرمي إلى ابتداع مهمة جديدة &laqascii117o;لحلف شمال الأطلسي"، ألا وهي &laqascii117o;الدفاع عن إسرائيل". في الواقع، إن الدعوة لإقامة &laqascii117o;دور واسع وفعال لإسرائيل داخل حلف شمال الأطلسي"، بما في ذلك المشاركات المتزايدة والمكثفة في مقار الحلف وتدريباته ومناوراته، هي عبارة عن تحقيق لحلم دعاة التدخل العسكري، والشركات الكبرى للصناعات العسكرية ـ ولذلك، أكرر ما طالبت به من قبل: &laqascii117o;يجب تفكيك حلف شمال الأطلسي، وليس توسيعه". لن يساعد هذا القانون الولايات المتحدة، على العكس، فهو يساعد إسرائيل، في حين أنه لن يساعد الشرق الأوسط. كما أنه سيفسح المجال واسعاً أمام المزيد من التدخل العسكري الأميركي في المنطقة، في وقت لم نعد قادرين على الإيفاء بالتزاماتنا الخارجية التي سبق أن تعهدنا بها.إلى ذلك، يبدو أن القانون هذا، قد يقود إلى قيام حرب ضد سوريا أو إيران أو كليهما معاً.
رون بول، عضو الكونغرس الأميركي
ترجمة: جوزيف حرب


- 'الأخبار'
حين يتواطأ الرأسمال المحلي والعدو الصهيوني علينا: في انتظار الإنماء المتوازن
ناصر دين الطفار:

لا يكاد يخلو أي بيان وزاري لحكومة، أو أي بيان انتخابي لمرشّح نيابي أو كتلة نيابية من &laqascii117o;العمل على تحقيق الإنماء المتوازن في لبنان". ذلك الشعار الذي لا يزيد شيئاً على ارض الواقع سوى بضع كلمات او احلام في عقل سكّان الأطراف، سريعاً ما تتبدّد مع تمركز اصحاب الشأن في وظائفهم. تختلف المعايير التي تعتَمد لتعريف الإنماء المتوازن بدقّة، فهو يعرّف انطلاقاً من المجالات المقصودة به.هكذا يمكننا أن نتحدّث عن انماء &laqascii117o;مناطقي" وانماء &laqascii117o;قطاعي" متوازن. ويتعدّى الامر تلك المجالات ليبلغ في لبنان مستويات متقدّمة من الصعوبة عندما نتحدّث عن انماء &laqascii117o;طائفي" متوازن، وقد اصبحت مشاهده مألوفة وشبه عاديّة.جرت محاولات عديدة تاريخيّاً للتخفيف من حدّة التفاوت الانمائي حتّى قبل اعلان &laqascii117o;دولة لبنان الكبير"، وقد فشلت كلّها خصوصاً بعد احتلال فلسطين والتزام سكّان المناطق النائية بالمقاومة وتحملهم للعقاب الجماعي من السلطة اللبنانية آنذاك (التزمت السلطة اللبنانية ــ وليدة الانتداب ــ بتحقيق مطالب الاستعمار، وعلى رأسها تسهيل عمليات الاستيطان الصهيوني في فلسطين).
أدرجت الدولة اللبنانية قضية الإنماء المتوازن في الدستور بعد تعديله بموجب وثيقة الوفاق الوطني اللبناني بالقانون الدستوري الصادر في 1990. إذ نصّ البند (ز) من مقدمة الدستور على أنّ &laqascii117o;الانماء المتوازن للمناطق ثقافيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً ركن اساسي من اركان وحدة الدولة واستقرار النظام".
لم تربط الدولة بين الإنماء والوحدة والاستقرار الّا على الورق، إذ لم تتعدّ هذه الأهميّة بضعة مشاريع صغيرة لغايات انتخابية او نفعية في الارياف. وأطلقت رصاصة الرحمة على الإنماء المتوازن عند تسليم مشروع إعادة إعمار وسط بيروت لشركة سوليدير التي قضت على أي توازن قطاعي او مناطقي، وأحكمت السيطرة على قرارات الحكومة التي غالباً ما كانت تصبّ فقط لمصلحة التجّار و&laqascii117o;القطاع الخدماتي".
في تلك الفترة، سلّمت حكومات الرئيس الحريري كلّ مفاتيح القوّة في الاقتصاد اللبناني الى القطاع الخاص، واصبحت بذلك ارباح الاستثمارات تصبّ في الثروات الشخصيّة، وليس في ثروة الدولة اللبنانية ــ بشكلٍ قانوني ــ وتحت شعارات ليبرالية كتحفيز القطاع الخاص وتشحيع الحرية الاقتصادية والتركيز على &laqascii117o;دور لبنان السياحي". واصبح لبنان ينتقل بسرعة الى مظلّة المؤسسات النقدية والمالية الدولية، ويرهن اقتصاده تبعاً لأجنداتها السياسية؛ وفضيحة فشل صفقة الغاء الديون الخارجية للبنان مقابل الدخول في مفاوضات السلام المباشرة مع العدوّ الاسرائيلي لم تكن الّا خطوة في هذا الاتجاه.
استمرّت تلك السياسات الاقتصادية حتّى 1998 وتعمّقت اكثر، واصبحت الدولة اللبنانية غارقة في الاستثمارات والخصخصة والارباح غير الشرعية، واستقدام الشركات العابرة للقارات لتسهيل الاحتكارات والمضاربات التي تصب فقط في مصلحة كبار الاثرياء والسياسيين. ولم تخرج بعد ذلك خطة التصحيح المالي (1998 ــ 2003) التي وضعتها حكومة الرئيس سليم الحصّ عن جوهر النظام الاقتصادي الليبرالي الذي تغلغل بعمق في اقتصاد الدولة، إذ التزمت حكومة الرئيس الحصّ سياسة التثبيت النقدي وخصخصة بعض القطاعات بعد أن كان اركانها قد عارضوا هذه الخصخصة عندما شرعت بها الحكومات السابقة.
كان من الطبيعي في ظلّ هذه السياسات الاقتصادية المتطرفة أن يختلّ مفهوم التوازن في التنمية الاقتصادية في لبنان، إذ كانت القطاعات المالية والتجارية والخدماتية تحقق الايرادات الهائلة وتحظى بالدعم الحكومي لها بشكل كبير، بينما كانت قطاعات اقتصادية اساسية اخرى كالقطاع الزراعي او حتّى الصناعي تعاني من اهمال حكوميّ تام متعمّد، لحصر دور لبنان في كونه نقطة سياحيّة خدماتيّة يستورد السكّان فيه حاجاتهم من الخارج. أمّا على الصعيد المناطقي، فكان من الطبيعي ان تعمد الدولة إلى تحسين وتنمية المناطق التي تتمتّع بميّزات الوجه الاقتصادي الخدماتي فقط.
بعد عودة الرئيس الحريري الى السلطة وتحرير القرى الجنوبية في 2000، تفرّغت المقاومة اكثر للعمل السياسي من داخل النظام، مع انخفاض وتيرة العمليات العسكريّة وتحوّل المعركة الى واحدة تتغيّر نتائجها وفقاً للقرارات السياسية اللبنانية والدوليّة بدل ساحات القتال. وضمن هذا الإطار، صدر القرار 1559 الذي اعقبه اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005، وانقسام البلد الى قسمين متناقضين تماماً. بلغ الانقسام بينهما ذروته بعد خروج الجيش السوري وما تبعه من عمليات اغتيال استهدفت العديد من الشخصيات السياسية والاعلامية والعسكرية، ثمّ العدوان الاسرائيلي على لبنان في تمّوز 2006. وقتها، تعدّى القصف التدميري الاسرائيلي المناطق المعروفة بولائها للمقاومة وتمركز القيادات فيها، وطال المناطق نفسها التي يصيبها الانماء غير المتوازن، كأنّها سلسلة متناسقة محكومة بمصالح مشتركة بين الكيان الصهيوني واصحاب المصالح والقرارات الاقتصادية الليبرالية المحليّة (وقد تبيّن فيما بعد أنّ قصف الكثير من الاهداف في حرب تموز كان له اهدافه ومدلولاته الاقتصادية البحتة).
لم تختلف نتائج برامج إعادة الإعمار بعد الحرب عن النسق السابق للعمل الانمائي الحكومي، وبقيت ورش اعادة الاعمار ــ كما مسيرة الانماء في التاريخ اللبناني ــ تعمل بشكلٍ غير متوازن تبعاً للمصالح الاقتصادية او السياسية للأطراف الرسمية وغير الرسمية (بلغت التعويضات للمتضررين في بعض الحالات ارقاماً جنونية توازي اضعاف المبالغ المطلوبة وفي حالات اخرى كان التعويض شحيحاً لا يوازي نصف المطلوب، بالإضافة الى علامات استفهام لا اجابات حتّى اليوم عنها، وتحديداً في مسألة المساعدات الخارجية التي قدّمت لحكومة السنيورة وكيفية تقسيمها وتوجيهها).
في 7 ايّار 2008، بلغ الانقسام السياسي في لبنان حد المواجهة العسكريّة المباشرة التي تبعها اعلان اتفاق الدوحة الذي نص على إقامة حكومة وحدة وطنية وإزالة اعتصام المعارضة من وسط بيروت. فترت الازمة السياسية قليلاً حتّى اواخر 2010، وخلال سنة 2011 حين اندلعت التحركات الشعبية الاحتجاجية في الدول العربية، واخذت في لبنان طابعاً سياسياً بامتياز، بعد اسقاط الحكومة دستورياً، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي الذي اشار في اوّل تصريح له إلى أنّ &laqascii117o;تنفيذ الطائف هو المدخل لإعادة الثقة بين اللبنانيين وفي ذلك ما يحصن الوحدة ويوفر العدالة والعيش الكريم"، وأنّ &laqascii117o;هذه المسؤولية ستتحملها الحكومة من خلال سياستها والانماء المتوازن".
لم تكن الاشارة الى اهميّة الانماء المتوازن يومها اشارة عابرة بالنسبة لسكّان المناطق المحرومة، بل ترافقت مع الثقة بالثقل السياسي للفريق الذي يمثلهم، واعتبروا انّ هذا التغيير يمثل مدخلاً جديّاً لمخطّط انمائي في المناطق الفقيرة التي دفعت في كلّ العهود السابقة فاتورة التوحش الاقتصادي الرأسمالي الذي قضى على كل مقوّمات العيش فيها.للأسف، تفرغت الحكومة الجديدة للعمل السياسي والامني البحت، وأدارت ظهرها لكل المطالب الاصلاحية، خصوصاً الانمائية منها. كذلك لم يتبلور ايّ تصوّر مفاهيمي شامل للموضوع، وبقي محصوراً في أطرٍ نفعيّة ضيّقة مع بلوغ الفساد المالي والإداري والغلاء المعيشي درجاتٍ قياسية لم يسبق ان شهدها السوق اللبناني من قبل.
يستلزم الإنماء قرارات سياسية واضحة تجعل من تطوير المناطق المحرومة أولوية تمكّنها من مجاراة المناطق الأخرى تنمويّاً (تصنيف المناطق على أسس اجتماعية غير طائفية، تشكيل مجالس تخطيط انمائية فعالة، توسيع نطاق العمل البلدي والحزم في تنفيذ المشاريع ومحاربة الفساد، تخطيط جديّ وشفّاف لتمويل العملية الانمائية بمصادره المحلية والخارجية واعادة النظر في النظام الضريبي المجحف، تفعيل مفهوم المحاسبة...). عندها يصبح التكامل بين الموارد في القطاعات الانتاجية المختلفة امراً واقعاً ينطلق من فهم التفاوت الانمائي على انّه نتاج تاريخي للسياسات الاقتصادية المتطرّفة التي حكمت الفكر الاقتصادي في لبنان حتى يومنا هذا، ما يتطلّب تغيير عقليّة سياسية كاملة عمرها من عمر تأسيس الدولة اللبنانية ترمي بالخيرات بين أيادي الشركات الخاصّة التي لا يهمها سوى الربح والاستثمار، وأيادي الزعامات الطائفية التي لا يهمها سوى النفوذ والثروات بحجج انمائية و&laqascii117o;اعادة اعماريّة".
هل تحقيق الانماء المتوازن يتطلّب في بادئ الأمر الانقلاب على كل المفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي بُنيَت على اساسها الدولة اللبنانية وعلى اساسها وُضِع الدستور؟ كلّا إنّ كل تغيير جديّ في أي مجال لن يتحقق قبل هذا الانقلاب الذي أضحى ضرورة ملحّة لكل اللبنانيين الذين سئموا ان يطالب الرأسمالي والإقطاعيّ بحقوقهم كفقراء... هي ضرورة ملحّة قبل شروع الطبقة السياسية ــ الاقتصادية نفسها باستثمار &laqascii117o;النفط اللبناني".


- 'المستقبل'
الجنرال الوكيل والثورة السورية
دمشق ـ غازي دحمان:

يجسد الجنرال ميشال عون في خطابه السياسي نزعة عنصرية استعلائية وانعزالية في الآن نفسه، حيث تنضح تعبيراته وتوصيفاته عن الربيع العربي، الذي تقوم به شعوب المنطقة العربية وقد رأى كل ذي عينين هذه الحقيقة، بتوصيفات من قبيل العهر والفجر، وهو ما لا يمكن لسياسي عاقل أن يغامر بقوله، حتى في أكثر مجالسه سراً وأمانة، الأمر الذي يطرح السؤال عن سر اندفاعة الجنرال وتسرعه في الحكم العلني والقاسي على ثورات الربيع العربي؟.
لا شك بأن الجنرال، كسياسي يدعي أن له تجربة، بأن الثورات تأخذ وقتاً حتى تستقر على وضع معين، إذ لا يعني وصول أحزاب إسلامية إلى سدة الحكم تأسلم المنطقة، بقدر ما يعني مسألة شكلية، وهي أن الأحزاب الإسلامية، بفعل ظروف موضوعية، هي الأكثر تنظيماً في المرحلة التي أعقبت أنظمة حكم عمدت إلى تجفيف الحياة السياسية، وبالتالي فإن فوز الإسلاميين هو أمر طبيعي، وإن كان لا يعكس مزاجاً عاماً، وإن كان مرحلياً ومؤقتاً بالآن نفسه، لأن السلطة والشأن العام هما محرقة للكثير من الأفكار والرؤى والتعبيرات السياسية، حيث يتحول المثالي إلى واقعي ويفقد صفة القداسة.
الجنرال عون، صاحب الخطاب الارتجالي والسياسات الارتجالية والمزاجية، يدرك هذه القضية، كما يدرك حليفه حزب الله، الذي يمده بالمعطيات والتقديرات الصادرة عن المراكز التي يفتقدها الجنرال، هذه الحقيقة، غير أن جماعة حزب الله، الذين هللوا للثورات في البلاد العربية، كانوا يتوقعون وصول جماعات للحكم ذات رؤية إيرانية، على اعتبار أن المشروع الإيراني، وفق تصوراتهم، هو المشروع البديل للنظم الاستبدادية المعتدلة في سياساتها الخارجية، لكونه مشروعاً ممانعاً، وإن الثورات إنما قامت فقط ضد الاستكبار الأميركي والإسرائيلي، ولا دوافع داخلية لها.
عليه، فإن تصورات حزب الله عن الثورات العربية انحصرت في توقع أن تقوم الثورات في اليوم التالي برفع صور المرشد الخامنئي وحسن نصر الله بشكل أوتوماتيكي، ولما لم تفعل ذلك، وانخرطت في شؤونها الداخلية، فإذاً هي لم تكن ثورات، ولا القضايا التي قامت من أجلها والأهداف التي سعت لتحقيقها هي من نمط الثورات، بل هي نوع من الخطأ التاريخي الذي أوصل الإسلاميين إلى السلطة، وهذا هو الفجر والعهر بعينه.
في ظل ذلك، يبرز الجنرال عون، بوصفه قطباً سياسياً في محور الممانعة، الذي كشف أنه محور وظيفي هدفه ترسيخ حكم فئات ومحاور معينة وضمان سيطرتها على مستقبل المنطقة، وهنا يختطف الجنرال عون المسيحية، المقاومة فعلاً لا قولاً، وذات البعد التاريخي والحضاري المندمج في وسط البيئة المشرقية والمؤسس للكثير من قيمها وثقافتها، ليقصف من منبرها ثورات الربيع العربي المنحرفة عن المثال الإيراني.
ولعل الجنرال يدرك أنه يملك هامشاً من الأريحية والمرونة التي تتيحها له حالة الإدراك المستقر لدى الغالبية الشعبية في المنطقة بأن المسيحية هي من أهم حواضن الفكر والثورة في مصر وفلسطين ولبنان وسوريا أيضاً، وهي ليست في وارد أن تتحول إلى طرف في الصراع، وأن ثمة من يسعى إلى توظيف اسمها في ما يسمى 'تحالف الأقليات'، الذي لم يكن لها فيه ناقة ولا جمل، ولن يكون لها فيه أي مكسب مستقبلي، ولا يمكن للمسيحية، بثقل تراثها التحرري ونضالاتها، القبول باستباحة الدم السوري لكي تضمن لها دوراً ومكانة في سياسات الشرق الأوسط.
علينا أن نعترف بالحقيقة، لقد توقعنا يوم تحالف الجنرال مع حزب الله أن يؤثر في فكر وممارسة هذا الأخير عبر تطعيم فقه حزب الله بثقافة التسامح والتآخي المسيحية وصولاً إلى الأفكار الحديثة عن الدولة والحرية، التي تشربها الجنرال على ما يعترف هو نفسه من المدارس الفرنسية والأميركية، غير أننا اكتشفنا بعد سنوات من التحالف العتيد أن الجنرال قد تحول إلى ملالي بعمة مخفية، والخطر أن يجر شارعه إلى حوزة فكره وممارساته، بعد أن تحول إلى وكيل لحزب الله وإيران في سياسة انعدام المسؤولية.


- 'الجمهوريّة'
نهاية مرحلة قلب النظام السوري وبداية محاربة الإرهاب

فاجأت أوساط أوروبية متابعة للملف السوري، قبل ايام، عدداً من الخبراء لجهة تغيير اللهجة السائدة منذ عام ونيّف، حيث ركزت على 4 محطات أدت إلى الانتقال بنظرها من &laqascii117o;عقيدة قلب النظام" إلى &laqascii117o;محاربة الارهاب الدولي"، الأمر الذي يغيّر المعادلة الحالية بين السلطة ومجموعات المعارضة.
تقرّ بعض الدوائر الأوروبية المعنية بمتابعة الأزمة السورية بوجود تحوّل كبير في مقاربة الأوضاع هناك، يمكن اختصاره بعنوان بالغ الدلالة يَشي 'بنجاح استراتيجية البقاء' التي اتبعتها السلطات السورية خلال المرحلة المنصرمة، على رغم ارتخاء القبضة الحديدية لأجهزة الأمن على مقدرات البلاد، وخروج أنحاء مختلفة عن نطاق سيطرة النظام الشاملة، مثلما كانت الحال قبل اندلاع حركة الاحتجاجات في درعا قبل نحو 15 شهراً. إذ يتفق عدد من المسؤولين الأوروبيين على القول إن 'النظارات القديمة لم تعد صالحة ولا بد من تغييرها لرؤية هذا التحوّل'، ذلك أن دخول تنظيم 'القاعدة' الى الساحة نقل المعادلة من مرحلة 'قلب النظام وتغييره إلى مرحلة محاربة الإرهاب الدولي'. وتجسدت تجليات هذا التحول في العمليات التفجيرية التي حدثت في دمشق وحلب، وكانت ذروتها ما جرى في العاصمة السورية قبل أيام. الأمر الذي يستدعي إعادة مواءمة في المقاربة والحلول، نظراً الى التغيّر الذي طرأ على المشهد الإقليمي والدولي. ولقد سارع مسؤولون أوروبيون، وقبل إعلان 'جبهة النصرة' مسؤوليتها عن تفجيري دمشق الأخيرين، إلى القول إنّ بصمات تنظيم 'القاعدة' واضحة في تنفيذ العمليتين المتزامنتين تقريباً، على غرار ما كان يجري في العراق. ويفسّر هؤلاء هذا التحول بأنه ناجم من تداخل عدد من الجهات الفاعلة الخارجية، ما يزيد من تعقيدات الوضع أكثر فأكثر. فبعد أن ساد اعتقاد بانهيار وشيك للنظام إثر تصاعد الاحتجاجات والمظاهرات، وتوقع انشقاقات كبيرة في مؤسسة الجيش تواكبها مساندة خارجية متنامية للمعارضة بكل توجهاتها وشرائحها والبدء في تنفيذ العقوبات ودخول المراقبين إلى أنحاء متفرقة من البلاد، تبيّن أن لا شيء من هذه التوقعات قد صحّ، لا سيما التحضير لانقلاب لدى أجهزة المخابرات الغربية يقوم على إقناع عدد من الجنرالات بالقيام بذلك لقاء وعود بعدم ملاحقتهم على جرائمهم السابقة. وتعتبر هذه الدوائر الأوروبية أن المعادلة في سوريا قد تغيرت منذ انسحاب القوات الأميركية من العراق في كانون الأول الماضي، ولم يعد الوضع محكوماً بنظرية تغيير النظام أو الانقلاب عليه (regime change) تحت شعار 'الربيع العربي'، بل دخل في إطار جديد ألا وهو 'محاربة الإرهاب الدولي'. وترى هذه الدوائر 'أن التحوّل الذي نشهده الآن مرّ بأربعة مراحل:
ـ أولاً، لم نولِ في الصيف المنصرم اهتمامنا لما كانت تحرض عليه مجموعات إرهابية مرتبطة بـ'القاعدة'، للنيل من الأقليات العلوية والشيعية والمسيحية والدرزية.
ـ ثانياً، صدرت فتوى في 23 تشرين الأول 2011 عن هذه المجموعات لاستهداف أجهزة الأمن السورية، ونفذت أول عملية تفجير نوعية بعد شهرين بالتمام، أي في 23 كانون الأول من العام ذاته. وأشارت المصادر الأوروبية إلى أن المسؤولين الأميركيين يحمّلون 'القاعدة' مسؤولية عمليات كهذه.
ـ ثالثاً، تضمّن تقرير بعثة المراقبين التابعين للجامعة العربية برئاسة الفريق السوداني محمد الدابي الصادر في 19 كانون الثاني 2012 فقرات واضحة (25 و 26 و27) بأن مجموعات من المعارضة تلجأ أيضاً إلى استخدام السلاح وترتكب أعمال عنف. الأمر الذي وظّفته السلطات السورية في معركتها الديبلوماسية والإعلامية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ـ رابعاً، في هذا السياق، وجّه المندوب السوري في مجلس الأمن الدكتور بشار الجعفري رسالة رسمية إلى رئيس الدورة الحالية لمجلس الأمن تتضمن أسماء 26 متطرفاً يشتبه بـ 20 منهم بالانتماء إلى تنظيم 'القاعدة'، وهم: ثلاثة لبنانيين و19 تونسياً وليبي ومصري وأردني وفلسطيني. واستناداً إلى هذه العوامل، تتخوّف المراجع الأوروبية العليمة من تأثير التدخلات الخارجية سلباً، عندما يحين وقت الجلوس الى الطاولة من أجل بدء الحوار السياسي الذي يعمل عليه المبعوث الخاص للأمم المتحدة كوفي أنان. وتشير هذه المراجع إلى السعودية وقطر لمواصلتهما تمويل بعض فصائل المعارضة، وشراء أسلحة لها عبر لبنان وتركيا والعراق في مرحلة ما قبل معركة بابا عمرو في حمص.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد