- 'الاخبار'
يوم دخل بشير الجميل مسرعاً للقاء شارون
محمد بدير:
نشرت صحيفة &laqascii117o;يديعوت أحرونوت" أمس ملحقاً خاصاً لمناسبة مرور 30 عاماً على &laqascii117o;حرب لبنان الأولى". يروي أحد تحقيقات الملحق قصة العلاقة التحالفية التي جمعت بين إسرائيل والقوات اللبنانية بقيادة بشير الجميل، ويشرح مسار تطورها منذ ما قبل الحرب، مروراً بها، وصولاً إلى ما بعد اغتيال الجميل وارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا. &laqascii117o;عند الساعة الواحدة ليلاً، في الأول من أيلول، 1982، هبطت مروحية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي في أحد المصانع العسكرية في منطقة نهاريا. عند المهبط كانت شاحنة عسكرية تنتظر الضيوف القادمين، الذين اضطروا إلى حشر أنفسهم في خلفية الشاحنة. وبّخ أحد أعضاء الوفد، فادي فرام، ممثلي الموساد المرافقين لهم: &laqascii117o;ليس بهذه الطريقة يُستقبَل رئيس منتخب"... الزيارة لم تكن الأولى للجميل إلى إسرائيل، إلا أنها كانت الأخيرة. يروي التحقيق الذي أعده شمعون شيفر في &laqascii117o;يديعوت" تفاصيل تلك الزيارة وما سبقها وتلاها من أحداث، بالاستناد إلى وثائق سرية، من بينها محاضر اللقاءات بين مسؤولين إسرائيليين وقائد القوات اللبنانية في حينه... في غرفة طعام المصنع كانت القيادة الأمنية والسياسية الإسرائيلية في الانتظار: رئيس الحكومة مناحيم بيغين، وزير الدفاع أرييل شارون، وزير الخارجية إسحاق شامير، رئيس الأركان رفائيل إيتان، وعدد من جنرالات الجيش. لم يكن ذلك اللقاء الأول بين بيغين وبشير الجميل، إلا أن الابتسامات والحرارة التي طبعت اللقاءات السابقة استُبدلت هذه المرة ببرودة قاتمة... بعدما أثنى على بشير وجماعته، ألقى بيغين خطاباً مطولاً يمكن تلخصيه بثلاث كلمات &laqascii117o;أنتم ناكرو الجميل". عرضَ رئيس الوزراء الثمن الباهظ الذي دفعته إسرائيل منذ اندلاع الحرب، وقال بصوت تعب &laqascii117o;أنا أتوقع منكم أن تلتزموا وتوقعوا اتفاقية سلام معنا"... بشير لم يتملص في الجواب، وقال &laqascii117o;إذا كنتم تريدون تصفيتي، فأنا مستعد لأن أوقع الليلة اتفاقاً. أنا لم أكذب عليكم. قلت لكم دائماًَ إن الاتفاق الرسمي سيخرج إلى حيز التنفيذ بعد فترة من العلاقات، كما كانت عليه الحال بينكم وبين شاه إيران. إذا اضطررتموني إلى التوقيع الآن، فعليكم أن تأخذوا بالحسبان أنكم قد تضطرون إلى البقاء في لبنان إلى الأبد، والدفاع عني من الجهات التي تنوي قتلي"... &laqascii117o;انتهى اللقاء. الجميل ومستشاروه دخلوا إلى الشاحنة العسكرية التي أعادتهم إلى المهبط، ومن هناك إلى بيروت. كان ذلك اللقاء الأخير بين بيغين وبشير الجميل"... بدأت العلاقة بين إسرائيل وقوى مسيحية لبنانية عام 1975، حين طلبت هذه القوى من تل أبيب المساعدة في خضم الحرب الأهلية التي كانت تعصف بالبلد. رئيس الوزراء في حينه، إسحاق رابين، استجاب للطلب، وعلى مدى الأعوام التي سبقت الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 82 بلغت قيمة المساعدات الإسرائيلية 118 مليون دولار، إضافة إلى تدريب نحو 1300 عنصر من الكتائب في قواعد خاصة داخل إسرائيل... كان لدى القوات اللبنانية أساليب عدة لشراء زملائهم الإسرائيليين. سريعاً أدركوا أن شارون يحب الطعام الفاخر، فعمدوا عند كل زيارة له إلى استقدام أنواع فاخرة من الجبن والطعام البحري من باريس، إضافة إلى لحوم الضأن ومقبلات أخرى. وخلال كل زيارة لشارون، كانت هناك مائدة دسمة تستمرّ ساعات، لكن في المجال العسكري، لم تكن هناك أي جدوى ترجى من القوات. معظم طلبات إسرائيل لمساعدتها في القتال رُفضت بحجة أنهم غير مستعدين لذلك من الناحية العملياتية... وفيما كانت العلاقة بين إسرائيل والقوات تتوثق، كانت هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي تستكمل خطة الحرب على لبنان. في كانون الأول عام 1981 صدّق شارون على الخطة، وفي كانون الثاني 1982 زار بيروت سراً والتقى بشير الجميل وقيادة القوات. وعندما عاد من الزيارة اتصل شارون بي وقال &laqascii117o;لقد ربطت أرجلهم. كل شيء جاهز من أجل الحرب، وهو سيكونون شركاءنا فيها"...في الأيام الأولى من حزيران 1982، كان شارون في زيارة سرية إلى رومانيا، حين جاءه نبأ محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، شلومو أرغوف. كان ذلك بالنسبة إلى بيغين وشارون ذريعة للدخول إلى لبنان. غداة عودة شارون، عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعاً في السادس من حزيران، وقررت فيه تنفيذ عملية &laqascii117o;الصنوبر الكبير"...في جلسة الحكومة في 15 حزيران، التي نوقش خلالها احتلال الجزء الغربي من بيروت، أوضح بيغين أن هذه المهمة ستلقى على القوات اللبنانية. وفي جلسة ثانية، بعد يومين، قال شارون للوزراء &laqascii117o;إذا تطلب الأمر الدخول إلى بيروت، فإن من سيدخل أمامنا وخلفنا ويطهر المدينة من المخربين هم القوات اللبنانية"... هذه العملية، التي أطلق عليها اسم &laqascii117o;بريق"، كان من المفترض أن تكون درة تاج التعاون بين إسرائيل والقوات اللبنانية. وفي إطارها كان من المفترض أن تدخل قوات بشير الجميل غربي العاصمة، التي كانت مطوقة من قبل الجيش الإسرائيلي، وأن تطهر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في برج البراجنة وصبرا وشاتيلا من المخربين، الذين اختبأوا فيها. في ليلة 20 حزيران، التقى شارون في بيروت قادة القوات اللبنانية، واتفق معهم على أن تبدأ العملية بعد يومين. إلا أن ذلك لم يحصل...في ليلة 22 حزيران، دخلت سيارة رياضية مسرعة إلى الساحة المحمية لبعثة الموساد في بيروت. سائق السيارة كان بشير الجميل، وفي داخل مكتب البعثة كان شارون في انتظاره، وإلى جانبه رئيس الأركان، رفائيل إيتان. حاول بشير أن يشرح لماذا هو غير قادر على أن يأمر قواته بالدخول إلى غربي بيروت. حجته الرئيسية كانت أن القتال إلى جانب إسرائيل سيقضي على فرصه بأن ينتخب رئيساً للبنان. صرخ بشير بصوت عال بالإنكليزية: &laqascii117o;جنرال. لا يمكننا القيام بذلك. نحن غير قادرين على رمي الفلسطينيين خارج بيروت". أجابه شارون بغضب &laqascii117o;اسأل أباك عن كيفية القيام بذلك". في اليوم التالي، هبطت مروحية عسكرية في القدس، وخرج منها بشير مع مستشاريه الأقربين. انتقل الجميع في سيارة مصفحة إلى مقر رئيس الحكومة، حيث كان بيغين في استقبالهم في الطابق الأول. بادر بشير إلى الإطراء على بيغين، قائلاً &laqascii117o;لقد أعطتنا حكومتك ما لم تعطنا إياه أية حكومة أخرى. لقد أعطيتمونا الفرصة لتحقيق أحلامنا". &laqascii117o;صحيح". أجاب بيغين. &laqascii117o;إنها فرصة تاريخية بالنسبة إليكم، ونحن سوف نساعدكم على الوصول إلى الاستقلال الكامل. في نهاية الحرب سوف يجري تتويجك رئيساً للبنان، وستأتي إلى القدس مثل أنور السادات، ونوقّع اتفاقية سلام". &laqascii117o;تحدث بشير عن قدرة قواته المحدودة، وعن حاجتها إلى مساعدة إسرائيلية". أجابه بيغين: &laqascii117o;سوف نساعدكم. ساعدونا فقط في حصارنا لبيروت". في ختام اللقاء أعرب الجميل عن موافقته على الدخول إلى بيروت الغربية في 28 حزيران... إلا أن ذلك لم يحصل. في نهار الانتخابات في 23 آب، فرض الجيش الإسرائيلي إغلاقات على المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان من أجل منع النواب اللبنانيين المتمردين من اجتياز الحدود والتهرب من المشاركة في الاقتراع. وأرسلت وحدات خاصة تابعة للجيش الإسرائيلي إلى بيوت بعض النواب المترددين، من أجل ضمان أمن عوائلهم. وصف أحد ضباط الموساد ذلك بالقول &laqascii117o;تماماً مثل المافيا"...في الأثناء، كان بيغين في القدس ينتظر الأنباء من بيروت. صحيح أن القوات خذلته ولم تنفذ التزامها في تطهير غربي بيروت من المخربين، إلا أن ياسر عرفات كان على وشك مغادرة لبنان، وهذه هي اللحظة المناسبة لتنفيذ الشق الآخر من الاتفاق مع الجميل: توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل...إلا أن الجميل نقل رسائل مخالفة. خلال لقائه مع ديف كمحي، مدير عام وزارة الخارجية، ومهندس الاتصال مع القوات اللبنانية، أوضح الجميل &laqascii117o;سيكون عليكم أن تنتظروا بين ستة إلى تسعة أشهر حتى أستقر في كرسي الرئاسة، وعندها سوف آتي إلى القدس من أجل توقيع اتفاق. وفي غضون ذلك، سوف أقنع دولاً عربية أخرى، وعلى رأسها السعودية، بدعمي. أنا أريد أن أبني جيشاً قوياً، وأن أجهض المقاومة الداخلية في لبنان...". &laqascii117o;طلب بيغين لقاء بشير فوراً. اللقاء المشار إليه أعلاه في نهاريا انتهى دون نتائج عملية وبنبرات حادة. كان ذلك قبل أسبوعين من مقتل بشير.
- 'الاخبار'
ثلاثون عاماً على الاجتياح: إسرائيل تدرك حدود قوتها
علي حيدر:
لم تقتصر إنجازات المقاومة في لبنان على تحرير الأرض والإنسان، بل تجاوزتها إلى دفع إسرائيل إلى إدراك وفهم حدود قوتها، التي انعكست أيضاً في إعادة الجيش الإسرائيلي صياغة عقيدته القتالية
الهزائم التي تلقاها جيش الاحتلال الإسرائيلي في لبنان، ودفعته إلى الانسحاب منها على مراحل، وصولاً إلى عام 2000، تحولت بحسب يديعوت أحرونوت، لدى كل من المؤسسة الأمنية والقادة السياسيين الإسرائيليين الحاليين إلى &laqascii117o;تلمود أمني"، تمثل بمجموعة من العبر التي تلقي بظلالها على أي مقاربة إسرائيلية في مواجهة التحديات والأخطار التي تواجهها الدولة العبرية. لمناسبة مرور ثلاثين عاماً على الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، أجملت صحيفة يديعوت أحرونوت في تقرير طويل، العبر التي استخلصتها إسرائيل جراء فشلها في احتلال لبنان. وأكدت الصحيفة أن العبرة الأولى التي باتت تحفظها كل أجيال القادة العسكريين والسياسيين، بمن فيهم إيهود باراك وبنيامين نتنياهو، هي لازمة عدم الخروج إلى الحرب، ولا حتى إلى عملية محدودة، ولكن واسعة النطاق وطويلة نسبياً، إن لم يكن هناك وعي راسخ لدى الجمهور الإسرائيلي يدعم الأهداف الحقيقية لاستخدام القوة، ويقر بضرورة استخدام القوة العسكرية وسيلةً أخيرة لتحقيقها. أما العبرة الثانية، التي ما زال يُعمل بها حتى اليوم في المؤسسة الأمنية، بحسب يديعوت أيضاً، فهي أن الحسم أو النجاح العسكري للجيش غير كافيين لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، بل ينبغي لتحقيق حد أدنى من الإنجازات، إلى جانب وعي الجمهور الإسرائيلي، توفير شرعية ودعم دوليين، أو على الأقل أميركيين. أما العبرة الثالثة، فتمثلت بالإقرار بأن لا قدرة لإسرائيل على احتلال أرض عربية والبقاء فيها بعد اليوم؛ إذ أكدت يديعوت وجود إجماع داخل المؤسسة العسكرية والأجهزة الاستخبارية، على أنّ من غير المسموح العودة بعد الآن إلى احتلال أرض والاحتفاظ بها لوقت طويل، بما يُمكِّن القوات المحلية من الاستعداد ومطادرة قوات الجيش. وأضافت الصحيفة أن هذا المفهوم عاد وأثبت نفسه في أعقاب حرب لبنان الثانية في عام 2006 وبعد عملية &laqascii117o;الرصاص المسكوب" في قطاع غزة. ضمن إطار المناسبة نفسها، تناولت الصحيفة العلاقات السرية التي نسجتها إسرائيل طوال تاريخها مع الدول المجاورة، سواء في دول الطوق أو الدائرة الثانية. وأشارت إلى العلاقات الشخصية والأمنية والاقتصادية التي طورها عملاؤها مع العديد من القادة العرب وغير العرب، فضلاً عن تسليحها للعديد من المنظمات السرية &laqascii117o;من أكراد البرزاني في العراق، إلى منظمات سرية في أفريقيا". وشددت يديعوت على أن هذه العلاقات قامت على أساس مصلحة متبادلة وأحياناً مصلحة وجودية، ورأت أن سر النجاح فيها كان يكمن في أن الطرفين يعرفان حدود العلاقة، وأنها ينبغي أن تكون سرية، وأن الجيش الإسرائيلي قوة مقاتلة لا تتدخل، &laqascii117o;أنتم لا تقتلون من أجلنا ونحن لا نقتل من أجلكم"، وأن التعاون يبقى قائماً ما بقيت المصالح المشتركة التي ولدته موجودة. وأكدت الصحيفة أن شارون &laqascii117o;أوهم الناس من حوله، سواء العسكريون أو غير العسكريين، بأنهم يديرون دولة كاملة على أصابعهم أو دولتين في الحقيقة، وأن ما لم يستطيعوا فعله في إسرائيل سيفعلونه في لبنان، فيقررون من يكون الحاكم". وعن الأسباب التي دفعت الجيش الإسرائيلي إلى الانسحاب من لبنان، رأت يديعوت أحرونوت أن &laqascii117o;أعداد القتلى هي التي تقرر في نهاية الأمر"، ناقلة عن أحد رؤساء هيئة أركان الجيش قوله إنه &laqascii117o;ما لم يرتفع عدد الجنود الذين يقتلون كل سنة من العشرين إلى ثلاثين، فسيبقى الجيش الإسرائيلي في لبنان إلى الأبد". وأشارت أيضاً إلى أن مطلب الانسحاب من لبنان التزمه كل من إيهود باراك قبل انتخابه، ثم تبعه بنيامين نتنياهو وانضم إليهما أرييل شارون، الذي أراد أن يكون الرجل الذي &laqascii117o;يخرجنا" من لبنان بعدما أدخلنا إليه. وإنه استنتج من فشله أنه &laqascii117o;ينبغي أن نبين للجمهور لماذا نحارب وما هو الهدف وما هو الثمن، وهذا ما لم يُفعَل في حرب لبنان الثانية". أما لجهة حركة الأمهات الأربع، التي تشكلت على خلفية المطالبة بالانسحاب الإسرائيلي من لبنان، فقد دفعت ـــ بحسب يديعوت ـــ إلى مسارات غيرت النظرة إلى الحرب وإلى الجيش في المجتمع الإسرائيلي؛ &laqascii117o;إذ لم يعد يجرِ التعامل مع الجنود على أنهم محاربون، بل على أنهم &laqascii117o;أولادنا جميعاً". وفقد القتال شرعيته في المجتمع، وأصبح عدد القتلى الامتحان الأعلى لنجاح العملية العسكرية. ودُعي المواطنون إلى حماية الجنود، لا العكس. وفي ذلك الحين أصبح المواطن الذي يقتل بقذيفة صاروخية مأساة شخصية، أما الجندي الذي يقتل فأصبح مأساة وطنية". ولفتت يديعوت إلى أن هذه المعايير الجديدة تركت أثرها على العمليات العسكرية الثلاث التي حدثت بعد الانسحاب من لبنان، سواء عملية &laqascii117o;السور الواقي" في الضفة الغربية عام 2002، و&laqascii117o;حرب لبنان الثانية" عام 2006، و&laqascii117o;عملية الرصاص المسكوب"، نهاية عام 2008. ثم بلغت ذروة تأثيرها خلال السعي إلى استرجاع الجندي الأسير في قطاع غزة، غلعاد شاليط. وحذرت الصحيفة الإسرائيلية الدولةَ العبرية من أن يمنعها الفشل في لبنان من تشجيع المعارضة السورية والإيرانية والأكراد في العراق، بنحو سري، إذا ما كان ذلك لمصلحتها. ثم أضافت أن &laqascii117o;لبنان علمنا حدود القوة، وأن إسرائيل لا تستطيع احتلال عواصم العدو والبقاء فيها، ولا تستطيع أن تفرض من يحكم في القاهرة ولا في دمشق ولا في رام الله ولا في غزة، رغم أنها تستطيع أن تستخدم عملاء بنجاح، لكنها تفشل حينما تحاول أن تستأجر خدمات عصابات مسلحة كاملة". وعلى قاعدة &laqascii117o;الحكمة بمفعول رجعي"، رأى رئيس حركة ميرتس السابق، يوسي بيلين، في مقالة له في صحيفة إسرائيل اليوم، أنه كان ينبغي لحزب العمل، الذي كان متحدثاً باسمه في عام 1982، معارضة الحرب، وخاصة أنه كان يراها خطأً شديداً، لكن كان هناك من يعتقد أنه لا يجوز تحويل هذا الموضوع إلى جدل علني. ورأى أنه ينبغي أن ندرس جيداً الحرب في لبنان ودخول بيروت والسنين الطويلة في المستنقع اللبناني، وإقناع الذات بحيوية الوجود الدائم هناك، كي نفهم أنه يمكن الامتناع عن مغامرات كهذه. وان الطريقة لذلك هي عبر الوقوف في وجه الجهة المتحمسة والمتأكدة من أهمية العملية العسكرية لنفهم منها ما الذي تريده بالضبط ولماذا تظن أن الأمر حيوي جداً وكيف تنوي إنهاء العملية وأن نقول لها &laqascii117o;لا"، حتى لو بدا واضحاً أن &laqascii117o;نعم" أكثر شعبية بكثير.
قبل لحظة من الانفجار.. كنا هناك
تروي مراسلة صحيفة يديعوت أحرونوت، سمدار بيري، حكاية الانفجار الذي أودى بحياة بشير الجميّل، قبل لحظات من الموعد المقرر لإجراء مقابلة معه للصحيفة. تتحدث عن الساعات الأخيرة قبل وصولها إلى مقر حزب الكتائب، الذي شهد قبل الخامسة عصراً بعدة دقائق، في 14 أيلول 1982، &laqascii117o;الانفجار المخيف".
تقول بيري: &laqascii117o;كنت هناك مع مصوّر يديعوت أحرونوت، حانوخ غوتمان، ومرافقين محليين (لبنانيين)، وكنا نستعد لإجراء مقابلة صحفية علنية هي الأولى من نوعها، مع رئيس الحزب، الرئيس المنتخب للبنان، بشير الجميّل، قبل أن يدخل القصر الرئاسي". تتحدث بيري عن أن بشير &laqascii117o;ما كان ليقبل بالظهور العلني في صحيفة إسرائيلية، لولا تدخل والده، الصيدلي العجوز، الشيخ بيار الجميّل، الأمر الذي دفعها للتوجه إلى منزل العائلة في بكفيا ومقابلة الوالد". وتضيف: &laqascii117o;لما فاتحناه، قال لنا إن لديه معلومات استخبارية مقلقة عن وجود مخطط لاغتيال بشير، وأضاف هامساً: أي ظهور له في الإعلام، وبالتأكيد في الإعلام الإسرائيلي، يمكن أن يحفز من يريدون به سوءاً. لكننا لم نستسلم، وفي نهاية المطاف، خرجنا مع رسالة توصية من الأب إلى ابنه، بإجراء المقابلة". &laqascii117o;جلسنا في مقر حزب الكتائب ننتظر (تضيف بيري)، لكن ما لبث الانفجار أن دوّى، وقتل الجميّل مع 26 من مرافقيه ومساعديه، ومن ثم أُغلق المكان، ومنع الجميع من المغادرة، لكن لحسن حظنا كانت جوازات سفرنا الإسرائيلية في حوزتنا، فنظر إليها مقاتل من الكتائب، وقال: بإمكانكم المغادرة". تقول بيري: &laqascii117o;في منتصف الليل، في ردهة الفندق، شاهدنا قافلة من السيارات تسير ببطء. في السيارة الثانية كان وزير الدفاع أرييل شارون ورئيس الأركان رفائيل إيتان. لوحنا لهما ليتوقفا، لكنهما فضلا تجاهلنا. وفي صباح اليوم التالي، وصلنا إلى مطار بيروت، ومن هناك، نقلتنا مروحية عسكرية إلى تل أبيب".
- 'الاخبار'
رحلة 'سكاي هوك' فوق بيروت وجونيه
تشهد محطات في العلاقة بين بشير الجميل والإسرائيليين على مدى عمق هذه العلاقة وحميميتها. على سبيل المثال: قبل أشهر من الاجتياح الإسرائيلي للبنان اصطحب قائد سلاح الجو الإسرائيلي، دافيد عبري، بشير الجميل، في رحلة جوية على متن مقاتلة حربية من طراز &laqascii117o;سكاي هوك" فوق بيروت وجونيه. يروي عبري كيف تعرض الجميل لحادث محرج أثناء التحليق، تمثل في تقيئه كل الطعام الذي في معدته. إلا أنه بعدما حط على الأرض شكر الجنرال الإسرائيلي على هذه التجربة الاستثنائية، وقدم إليه عربون شكر، هو عبارة عن خريطة تفصيلية لبنان. بحسب عبري، &laqascii117o;لقد استُخدمت هذه الخريطة في وقت لاحق من قبل سلاح الجو في قصف أهداف لبنانية إبان الحرب". في حادثة أخرى، خطط الجميل لتقديم هديتين إلى شخصيتين إسرائيليتين ساعدتا على انتخابه رئيساً: رئيس الأركان رفائيل إيتان، ورئيس محطة الموساد في لبنان أفنير أزولاي. وكانت كل هدية عبارة عن مسدس كولت 0.45 وصورة شخصية له مع إهداء باللغة الفرنسية. الهديتان وصلتا فقط بعد مقتل الجميل، حين نظف ضباط إسرائيليون خزنته الخاصة في مكتبه من المحتويات.
- 'الاخبار'
شادي المولوي: رمز دولة 14 آذار المدنيّة
أسعد أبو خليل: (استاذ العلوم السياسية في جتمعة كلفورنيا)
تمخّض فكر جون ستيوارت ميل في لبنان، فولّد شادي المولوي. شعر ليبيراليّو 14 آذار بإحراج شديد، فغاب معظمهم عن السمع والنظر. أفلت الأمر من عقالهم بعد سنوات من الدعاية المخادعة والشعارات المفبركة في شركات علاقات عامّة تخصّصت في تجميل الاحتلال الأميركي في العراق باللغة العربيّة (الركيكة). تبيّن أن مُلهم ليبيراليّي 14 آذار ليس جان جاك روسّو أو جون لوك وإنما هيئة كبار العلماء في السعوديّة. صمت ليبيراليّو 14 آذار بعد اندلاع اشتباكات طرابلس. ماذا يقول أصحاب شعارات &laqascii117o;حب (إسرائيل) والحياة" بعد ظهور الملتحين والمعمّمين الذين يصيبون جمهور بعض 14 آذار وقادته بالذعر الشديد؟ ماذا يقول أصحاب شعارات الدولة المدنيّة بعد تبيان حقيقة ساطعة: إن هناك تيّاراً بن لادنيّاً ظلامياً في داخل 14 آذار، وهنا سرّ تنافر مشروع 14 آذار وفشله، إذ إنه يجمع _ أو يطمح إلى أن يجمع _ البن لادنيّين مع الليبيراليّين مع بعض فلول اليسار الحريري. كانت القاعدة السلفيّة البن لادنيّة لـ 14 آذار معروفة، لكنها كانت محجوبة لأنها تناقضت مع الخطاب (الكاذب) لـ 14 آذار، وخصوصاً أنه كان موجّهاً للمسيحيّين بصورة خاصة لأن التنافس بين الكتلتين الطائفيّتين المُتصارعتين هو حول تأييد الطائفة المُرجِّحة. الصوت المسيحي سيكون باهظ الثمن في الانتخابات المقبلة، وسينفق مقرن (في كنف سيّدة حريصا) المزيد من المال. 14 آذار لعبت على المخاوف المسيحيّة الطائفيّة من أجل تخويفهم من حزب الله، ولتنفيرهم من مشروع 8 آذار بالتوافق مع المخطط السعودي المُوالي لإسرائيل. لكن &laqascii117o;غزوة الأشرفيّة" لم تحرج قادة 14 آذار مع أنها كانت تظاهرة سلفيّة بن لادنيّة بامتياز. تستطيع حركة 14 آذار أن تتجاهل ما لا يعجبها، أو أن تزعم أنه لم يحصل قط. وينسى البعض أن إعلام 14 آذار حاول في البداية أن يلوم 8 آذار على &laqascii117o;غزوة الأشرفيّة". توالت الأحداث المشبوهة التي ذكّرت بعض الأجيال في لبنان باندلاع الحرب في 1975. حادثة بعد أخرى بالتزامن مع النيران في سوريا. بدأت بقصّة شادي المولوي، أو بغيرها. والتعاون بين أجهزة الأمن اللبنانيّة (المتنوّعة الطوائف في قيادتها والمتنوّعة الولاء في انتماء قياداتها) وبين الحكومة الأميركيّة وتوابعها ليس جديداً، وخصوصاً بعد 11 أيلول. إن ملف الإسلاميّين وعدم الشروع في محاكماتهم لا يرجع إلى قرار لبناني، وإنما لخوف لدى الحكومات اللبنانيّة من الحكومة الأميركيّة. تخشى الحكومات اللبنانيّة المُتعاقبة أن يُفرج عن إسلامي مُتهم ما (حتى لو لم يكن قد ارتكب جرماً) بسبب الخوف من ارتكابه عملاً عنفياً ما في مكان ما حول العالم، ما أبقى وضع هؤلاء دون حلّ. تخشى حكومات لبنان من الفريقين، الغضبة الأميركيّة لو عُزي عمل إرهابي (أو &laqascii117o;إرهابي") إلى لبناني. شادي المولوي كان &laqascii117o;بطلاً" عند فريق مهم من حركة 14 آذار ولم ندر به. والرجل ذو التاريخ أو الهوى القاعدي تراجع عن اعترافاته بعذر &laqascii117o;التعذيب"، مع أن آثارها لم تظهر عليه ولم يثر محاميه قضيّة التعذيب: لعلّه سرق العذر من محكوم آخر، هو العميل الإسرائيلي المحكوم والمُدان، فايز كرم. لكن أهميّة شادي المولوي ظهرت في احتفاء 14 آذار البالغ في طرابلس به، وفي احتفاء نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي به. ماذا يفعل ثريّان عندما يعانيان من غياب الكاريزما ومن معاناة التوتّر الاجتماعي في الاحتكاك مع الجماهير؟ تصبح السلفيّة والورع آخر ملاذ لطامحي السياسة. ويوغل البعض في التاريخ للبحث عن جذور الإسلام السياسي والسلفيّة، وربط غسان ريفي في &laqascii117o;السفير" بين الظاهرة واحتلال فلسطين الغالية. لكن ما علاقة السلفيّة بتحرير فلسطين وماذا كانت إسهاماتها؟ وماذا كانت إسهامات الإخوان المسلمين في حرب فلسطين غير تصريحات غبيّة مُضرّة لحسن البنّا (وفق قراءتي قد يكون الرجل أوّل من هدّد برمي اليهود في البحر مع أن القول يُعزى خطأً لأحمد الشقيري) ولإرسال بضع عشرات من المتطوّعين الذين لم تذكر المرحلة دوراً لهم بتاتاً. وماذا يقول السلفيّون عن فلسطين اليوم، وماذا فعلت القاعدة ضد إسرائيل في تاريخها البشع؟ ولنذهب في تصديق حميّتهم الدينيّة في مناصرتهم لانتفاضة الشعب السوري المُسلّحة _ وهذا حقّهم، كما أن مناصرة النظام هي حق لفريق حزب الله _ لكن أين كانت هذه الحميّة عندما كان العدوّ الصهيوني يمعن قتلاً وتدميراً في لبنان عام 2006 وعام 2008؟ وأين كان خالد ضاهر ومعين المرعبي يومها؟ من يذكر موقفاً لهؤلاء؟ وقوّات فجر كانت تكتفي بضرب الدفوف والهتاف في الأمسيات.
الأمر لا لبس فيه. الظاهرة السلفيّة نتيجة منطقيّة لسياسات فُرضت على سعد الحريري في لبنان (من واجب الأمانة _ لتقدير حدود معرفة الرجل وعلمه وإدراكه _ التسليم بأنه مجرّد مُنفّذ لسياسات سعوديّة _ أميركيّة في لبنان. والطريف أن أحمد فتفت وغيره يجرؤ على التشكيك في وطنيّة حزب الله عبر الإشارة إلى ولائه لإيران. من سيسأل أحمد فتفت سؤالاً بسيطاً: من يتمتّع بسلطة قرار أكبر وأقوى؟ حسن نصرالله حيال إيران أم سعد الحريري حيال السعوديّة؟) شنّت السعوديّة بالتوافق مع أميركا منذ 2003 حملة تحريض مذهبي فتنوي لا سابق لها في التاريخ الحديث من أجل تحوير أنظار الرأي العام العربي عن الخطر الإسرائيلي نحو خطر (مُختلق) إيراني، ومن أجل تقويض دعائم شعبيّة مقاومات العدوّ الإسرائيلي في المنطقة العربيّة. لكن هذا السلاح الماضي (وهو ضارب في الجذور في العقيدة والتاريخ الوهابي وقد أنفق عليه آل سعود الملايين من قبل، لكنه لم يصبح سياسة رسميّة مُعلنة ومفضوحة إلا في العقد الماضي والحالي) يرتدّ على حامليه ثلاث مرّات: 1) يرص صفوف أعدائه المذهبيّين، وعليه يحصل أحمد الأسعد المدعوم من السعوديّة والحريريّة على ما لا يزيد على 1% من أصوات الشيعة في جنوب لبنان و2) وهو يحدث شرخاً بين الحكومات في السعوديّة ولبنان والإمارات وبين الأعداء المذهبيّين في الدولة عينها، و3) كما أنه يستوعب الجمهور الطبيعي والفعّال في الحرب المذهبيّة، أي المجموعات السلفيّة البن لادنيّة لأنهم جنود الصراع المذهبي المنطقيّون. لم تتعلّم أميركا من درس أفغانستان وتحالفها مع الأمير تركي والجنرال ضياء الحق عندما أنتج الثلاثة جيشاً من المتطوّعين الظلاميّين لمواجهة الشيوعيّة التي أعطت المرأة المسلمة في أفغانستان واليمن ما لم تعطها إيّاه أي حكومات أخرى متعاقبة، بصرف النظر عن سلبيّات في التجربة السياسيّة تلك. وعليه، فإن الحملة المذهبيّة الناجحة التي قادها آل الحريري في لبنان لإبعاد جمهور السنّة عن مقاومة إسرائيل جذبت التيّارات الظلاميّة التي تبدو فعّالة اليوم في الحلبة السوريّة (وبدعم سعودي وقطري وحريري، دون إغفال التركيبة الطائفيّة للنظام السوري أو لحزب الله نفسه، ما يضعف قدرة أي منهما على مواجهة الفتنة المذهبيّة لو أراد). لكن هبّة التنظيمات السلفيّة المسلّحة في طرابلس ولجوءها إلى سلاحها المفضّل (قصف جبل محسن بالصواريخ) تعرّضا لكتابة تاريخ مُستجدّ من قبل دعائيّي 14 آذار. يبزّهم جميعاً أحمد فتفت، الذي يستسهل قلب الحقائق وتزويرها بطريقة تضعف من صدقيّة اختلاقاته وريائه نفسها. وفتفت يثور ضد أي اتهام لفريقه بأنه مذهبي أو حتى طائفي. ينسى أن عضو كتلته، سمير الجسر، اعترف في لحظة إشراق &laqascii117o;إننا كلّنا سلفيّون". ما ثار ضد العبارة تلك أي من جماعة &laqascii117o;الدولة المدنيّة" في 14 آذار (والعبارة تلك لا معنى لها في القانون الدستوري، الدولة إما أن تكون علمانيّة أي مُحايدة في شأن الهوى أو التعاطف الديني أو المذهبي، أو أن تكون دينيّة طائفيّة على طريقة إيران والسعوديّة)، لا بل إن واحداً من فلول اليسار الحريري نظّر بأن قادة الحريريّة هم معتدلون وليبيراليّون (وكتب كلامه في موقع &laqascii117o;ناو حريري" الكثير الاستقلاليّة والليبيراليّة والوهابيّة المُتطوّرة). أحمد فتفت هو نجم الشاشات في هذه المرحلة وهو يستفيد من خطة ذكيّة يعتمدها محاورو 14 آذار: لا يحاورون أو يناظرون من أهم أكثر مهارة منهم في المناظرة، أو من هم في المستوى ذاته من المقدرة. وعليه، فهو مُستعدّ لأن يحاور إيلي الفرزلي المشغول بتفصيل القوانين الانتخابيّة على مقاس الطوائف والمذاهب، لكنه لا يحاور مَن يفحمه. وفتفت حسم الأمر: النظام السوري وحزب الله هما اللذان أشعلا الأزمة في لبنان. (ويضاهي فتفت في المذهبيّة المنمّقة عمّار حوري، الذي عاد من أميركا بتعداد مفصّل عن المذاهب في أميركا، ووصف كل الشيعة بأنهم ينتمون إلى &laqascii117o;مجتمع شمولي"). لنتأمّل قليلاً في هذه السرديّة. يزعم هذا الفريق أن حزب الله أوعز إلى التيّار السلفي في طرابلس بأن يهبّ هبّة واحدة وأن يظهر بسلاحه مُحتجّاً على اعتقال المولوي. ثم أوعز حزب الله إلى جماعة رفعت عيد في بعل محسن (والعلويّون في المدينة يمثّلون نحو 5% من السكّان) بقصف باب التبّانة. وبعدما فعل ذلك، أوعز حزب الله إلى الشيخ عبد الواحد المُدجّج بأن يحاول اختراق حاجز للجيش في عكّار. وعندما انتهى حزب الله من ذلك، أمر شاكر البرجاوي المُحاصَر في الطريق الجديدة بأن يطلق النار على الأكثريّة الحريريّة _ السلفيّة في المنطقة وأن يضحّي بمرافقيه. هذه هي سرديّة 14 آذار. لكن فتفت يزيد عليها نفي تهمة المذهبيّة، مع أنه يعلم أنني أعلم بلقائه مع مراسلة &laqascii117o;لوس أنجلوس تايمز" السابقة في بيروت عندما كان وزيراً للداخليّة، وقد ذُهلت لخطابه المذهبي يومها كما أخبرتني هي. وفتفت يُدلّل على عدم مذهبيّته بالمجاهرة بطلب نقل ضابط في الجيش من الشمال &laqascii117o;مع أنه سنّي" كما يضيف. أوّاه على الدولة المدنيّة، أوّاه. أوّاه على انعدام المذهبيّة، أوّاه.
لكن انتشار السلاح الحريري في أكثر من منطقة في لبنان ووراء شعارات سلفيّة يُلام، طبعاً، فيه حزب الله وسلاح المقاومة. يقول فتفت وغيره، إن على الحزب أن يسلّم سلاحه إلى الجيش. ليس من يسأل: وهل يعرف هذا الجيش أن يستخدم الأسلحة المتطوّرة التي لدى الحزب؟ وقد كان للأحزاب اللبنانيّة والفلسطينيّة في لبنان الكثير من السلاح المتطوّر في 1982، لكنها لم تحسن استخدامها في منظومة مقاومة عام 1982 كما فعل الحزب. ومن قال إن الجيش مؤهّل لمقاتلة إسرائيل؟ هل هناك دليل أو تجربة حسيّة واحدة لمشاركة الجيش اللبناني في مقاتلة أو مقاومة إسرائيل كي يأخذها الحزب كأساس لتسليم سلاحه ولإعطاء ثقته بالجيش في مقاومة العدوّ؟ فتفت الذي يقول إنه لا يزال يفخر بتقديم الشاي للعدوّ في ثكنة مرجعيون يقول _ ومن دون أن يكون ممازحاً _ إن الجيش في العديسة أثبت جهوزيّته في مقاومة إسرائيل، وبناءً عليه يجب أن يتسلّم سلاح حزب الله (ردّد المقولة ميشال سليمان أثناء توقّفه في لبنان خلال رحلاته التي لا تنتهي وتحدّث عن &laqascii117o;نموذج العديسة" _ وكأن استراتيجيا ولدت من طلقة رصاصة). لنقلها دون مواربة: هذا الكلام يهدف إلى حماية إسرائيل لا إلى حماية لبنان من إسرائيل، قصد قائلوه ذلك أو لم يقصدوا. إن إطلاق النار من ضابط شجاع في الجيش على العدوّ لا يشكّل تجربة في مقاومة إسرائيل من الجيش اللبناني. (لا، أكثر من ذلك، أرسلت الحكومة اللبنانيّة وفوداً مدنيّة وعسكريّة للاعتذار من أميركا كي تعيد إرسال الأموال التي يتلقّاها الجيش لمقاتلة المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان _ لا تخجل دائرة التوجيه في الجيش اللبناني من إخراج أفلام عن &laqascii117o;بطولة" الجيش في نهر البارد). لكن تزوير الحقائق والتلفيق ليس صعباً على الذين واللواتي يزعمون أنهم _ وهم حلفاء حسني مبارك وحمد بن عيسى وزين العابدين بن علي وجمعيّة ملوك النفط والغاز وأمرائهما وسلاطينهما _ الذين يمثّلون &laqascii117o;الربيع العربي" وآماله. أحمد الحريري أصبح تشي غيفارا عصره، وهو الذي _ مثل غيره _ يتلقّى الأوامر من الأمير مقرن، الحاكم الفعلي لكل فريق 14 آذار. ليس واضحاً ما حصل. من الصعوبة التقرير بأن فريق الحريري خطّط لكل ما حصل. الأرجح أن ما حصل كان نتيجة غير مقصودة لسياسات وممارسات ممعنة في التحريض المذهبي والفتنوي. شحّت الموارد الحريريّة وتوقّف الدفع للمستفيدين والمنتفعين وبائعي العقائد من سلفيّين وليبيراليّين على حدّ سواء، فكان أن فتح الأمير مقرن خطوطاً متعدّدة مع عدة مصادر وقبضايات وشيوخ في مناطق متعدّدة من المناطق السنيّة في لبنان، ما أنهى الاحتكار السياسي للقيادة الحريريّة التي سلّمها آل سعود لرفيق الحريري. بعد غياب أكثر من سنة، وبعد إظهار إفراط في عدم الكفاءة والقدرة والمعرفة، فقد آل سعود الثقة بقدرة سعد الحريري من دون الاستغناء عنه طبعاً فقط بسبب اسم والده. الحركة السياسيّة التي ولّدتها الحريريّة بالمال والتحريض المذهبي الحادّ قد تتشتّت وتولّدت حركات ضمن 14 آذار وخارجها وحتى ضدّها. لن تكون هذه تجربة جديدة. وضمن هذا السياق، زادت دول الخليج تدخّلها. الملك السعودي بعث إلى رئيس الجمهوريّة برسالة مليئة بالتحريض المذهبي. وبدلاً من لفت النظر إلى خطورة الرسالة (وحدها &laqascii117o;السفير" وعت الأمر)، تنافس ساسة لبنان على الثناء على حكمة الملك السعودي، وكاد نبيه برّي أن يجعل منها أطروحة في التعايش والوئام. لم تكن مرامي الرسالة السعوديّة واضحة، وخصوصاً أن وكلاء المملكة هم الذين كانوا في حالة الهجوم السياسي والعسكري، إلا إذا كان الملك (الأمّي) يرى في حركة رفعت عيد وشاكر البرجاوي خطراً داهماً على الطائفة السنيّة. وحكومات الخليج تنافست في إصدار قرارات منع السفر إلى لبنان، في الوقت الذي يجمع فيه فرقاء النزاع في لبنان على حبّهم للتملّق لشيوخ النفط والغاز. لم تحاول حكومات النفط والغاز أن تشرح سبب المنع، وهي التي لم تصدر منعاً مماثلاً في أزمات فاقت في خطورتها وفي تسيّبها الأمني المرحلة الحاليّة، ما يوحي بأغراض مبيّتة غير مُعلنة. وفي غمرة تسلسل الأحداث، وفي ضوء محاولات مفضوحة لتهريب السلاح لعصابات الجيش السوري الحرّ (يصرّ أحمد فتفت على الذهاب بعيداً في احتقار الحقيقة والمنطق، فيجزم بأن باخرة السلاح المُموّلة من مُعارض سوري معروف أتت إلى حزب الله. هنا يريدنا فتفت أن نصدّق أن حزب الله اختار منطقة الشمال لتهريب السلاح إليه. لكن وصل الأمر بفتفت إلى درجة احتقار صدقيّته الذاتيّة) اختطفت عصابات سوريّة مسلّحة حجّاجاً من لبنان. عاجلت جماعة معارضة الإخوان في المجلس الوطني السوري وفي الجيش السوري الحرّ إلى اتهام النظام السوري في البداية، فيما صمت النظام السوري وكأن اختطاف لبنانيّين من أراضيه لا يعنيه، مع أنه لا يزال يزعم أن مشروعيّته تكمن في حماية الشعب السوري (وهو هنا يفشل فشلاً ذريعاً، كما أن الجيش السوري الحرّ يفشل في الهدف نفسه، مع أنه يطمح إلى وراثة السلطة). وقد ردّد إعلام 14 آذار الاتهامات ضد النظام السوري. لكن بعد أيّام، عاد الجيش السوري الحر والمجلس الوطني والإخوان المسلمون إلى الاعتراف بأنهم يجرون اتصالات مع الجهات الخاطفة، مع إصرارهم أن لا علاقة لهم &laqascii117o;بنوب" مع الخاطفين. والذين ولولوا في لبنان على مدى سنة كاملة احتجاجاً على خطف (مُرجّح) من قبل الاستخبارات السوريّة لرفيق صدّام حسين، شبلي العيسمي، صمتوا عن خطف عصابات معارضة مُسلّحة (ومُموّلة من النظامين السعودي والقطري اللذين جاهرا بدعمهما لتسليح المعارضة، قبل أن يحتجّا وبقوّة على اتهام السفير السوري في لبنان لهما بالتدخّل في الشأن السوري: كيف يكون التمويل والتسلّح تدخّلاً، أرادا أن يقولا) لحجّاج من لبنان. لم نر أكرم شهيّب يعترض ويتظاهر مناصرةً للحجّاج اللبنانيين: هل لأنهم لم يكونوا من حاشية صدّام الحاكمة، كما كان شبلي العيسمي؟ (هذا مع استنكار خطفه، طبعاً). والطريف أن حزب الله وحركة أمل وضعا ثقتهما بسعد الحريري للتفاوض مع الخاطفين الذين ينتمون إلى عصابات مُموّلة منه ومن السعوديّة على الأرجح. يُلام التنظيمان على الثقة تلك. والحزب يتعرّض للاستفزاز في كل ما يحصل. هناك محاولة لاستدراجه إلى صراع مُسلّح في لبنان وفي سوريا. فقدت المقاومة الفلسطينيّة قوّتها بوجه إسرائيل حين غرقت في وحول حروب طائفيّة وشوارعيّة (هذا لا يلغي مشروعيّة تدخّل المقاومة الفلسطينيّة في الشأن اللبناني، لكنّ هناك تدخّلاً: كان جورج حبش يريد أن يدعم فريق الحركة الوطنيّة لقلب النظام برمّته وكسر شوكة القوّات الانعزاليّة، فيما كان ياسر عرفات مشغولاً بتشكيل دكاكين من الأوغاد والطائفيّين). لبنان على شفير حرب أهليّة، لكنه دائماً على شفير حرب أهليّة. قد تندلع الحرب وقد لا تندلع. قد يكون حسن نصر الله المانع بين لبنان والحرب الأهليّة، مع توق بعض الفرقاء في الطرفين إلى الحرب الأهليّة. هناك مَن يظن أن الحرب الأهليّة لا تندلع إلا بقرار دولي: هذه هي نظرة التحليل الدولي لنخبة 14 آذار. نسي هؤلاء لعبة &laqascii117o;الجلّة". طبعاً، الحروب الأهليّة لا تحتاج إلى قرار خارجي: تحتاج فقط إلى همّة أهليّة في العنف وفي استدامته، وإلى حثّ من قبل الجماهير ومن قبل الخارج؟ هذا العنصر متوافر، لكن ميزان القوى مختلّ ضد مصلحة قوى 14 آذار والراعي (الخفي _ الظاهر) الإسرائيلي ليس في وارد التدخّل لعيني الشيخ سعد. تغيّرت المنطقة ودخلت مقاومة رادعة في اللعبة. لكن بعض الحروب الأهليّة تندلع بسبب الرعونة وقلّة التقدير وقصر النظر: وهذه الصفات متوافرة عند قادة 14 آذار وعند رعاتهم في مملكة القهر الوهّابي. تحتاج ملاجئكم وملاجئكنّ إلى صيانة عاجلة.