قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الثلاثاء 5/6/2012

- 'الجمهورية'
الفتنة المذهبية... نار تستعر تحت الرماد
علي الحسيني:

تشنّج واضطراب في الشارع، وتبقى القضية هي نفسها، تحريض مذهبي يلوّث الجوّ ويحكم القرارات الفردية والجماعية. كلّما حاول الناس التنفّس، جاءهم صوت القادة السياسيّين ورجال الدين شاحناً ومهيّجاً، طائفة تهاجم أخرى، فيعود معها زمن الاشتباك المسلّح مخلّفاً وراءه قتلى وجرحى ويتامى. هي جوقة العزف على الوتر المذهبي، تأبى إلّا أن تنفّذ مخطّطاً هدفه العودة بلبنان الى زمن لا نعرف إن كنّا قد نسيناه.
هل من يأخذ العبر حتى لا تتكرّر المأساة؟
هي فتنة يُراد من خلالها إشعال لبنان بحرب طائفية تعيده الى زمن الانقسام والتقاتل، إلى زمن المتاريس والمحاور والمعابر والخطف على الهوية، هي فتنة مذهبية بدأت تطرق الأبواب في بعض المناطق صاحبة الأرضية، فهل يُستجاب لطلبها ويُفتح لها؟ هي فتنة نائمة سيلعن الله من يوقظها. اللبنانيون وبمختلف انتماءاتهم المذهبية يعيشون هذه الأيّام هاجس العودة الى زمن الحرب الأهلية بسبب ما شهدته بعض المناطق من اشتباكات متنقلة، مع فارق بسيط أنّ زمن تلك الحرب قامت على مبدأ العداوة بين فريقين أساسيّين يتكوّن منهما النسيج اللبناني المسيحي - الإسلامي، والتي أدخلت البلاد في صراعات لم تخرج منها إلّا بعد 17 عاماً، بعدما أتت على البشر والحجر. واليوم تعود هذه الهواجس مع ارتفاع حدّة الاشتباك السياسي على المحور الشيعي - السنّي المهيّأ للتطوّر الى اشتباك مسلّح بسبب الاختلاف في وجهات النظر بدءاً من اغتيال الرئيس رفيق الحريري وصولاً الى الحوادث الأخيرة في الشمال والطريق الجديدة، مع الأخذ في الاعتبار المسبّب الأساسي لهذا الانقسام وهو ما يجري في سوريا. من يتحمّل مسؤولية التوتّر الحاصل، وما هو الدافع وراء التحريض المتنقّل من منطقة الى أخرى، ومن هي الأيادي الخفيّة التي يحمّلها الجميع هذه المسؤولية؟ هل هم فعلاً القادة السياسيّون أم الدينيّون، أم أنّ للمواطن الدور الأبرز في تنمية الأحقاد المذهبية؟ سؤال تردّ عليه أوساط سياسيّة في 'حزب الله' رفضت الكشف عن اسمها فتقول: 'لا دور لنا في كلّ ما يجري من انقسام على الساحة اللبنانية، وليس لنا أيّ خطاب مذهبيّ على رغم كلّ الأقاويل التي يطلقها البعض ويتّهمنا من خلالها بالسعي الى السيطرة على البلد'. وتشير إلى 'أنّنا لسنا في وارد الدخول في مهاترات جانبية لا تخدم سوى العدوّ الإسرائيلي وملحقاته في لبنان، والكلام عن تدخّل لنا في الأحداث التي حصلت في الشمال أو بيروت هو في غير محلّه، فنحن متأكّدون أنّ هناك من يريد زجّ المقاومة في الصراعات الداخلية لينزع عنها حجّتها في مقاومة العدوّ الإسرائيلي فقط'. وتسأل الأوساط: 'هل يستطيع تيار 'المستقبل' وحلفاؤه أن ينكروا حيازتهم للأسلحة بعد الذي رأيناه في الشمال والطريق الجديدة؟ وهل لهم أن يعترفوا بالجهات التي تموّلهم بهذا السلاح؟ يكفي كذباً وتذاكياً على اللبنانيين، فلم تعد هناك جهة في 14 آذار لا تمتلك السلاح وبأنواع مختلفة'، مضيفةً: 'إذا كانت مطالبة البعض بإقامة ضاحية شماليّة بهدف مقاومة إسرائيل ولحماية قيادات تلك المقاومة، فهو أمر مرحّب به ونحن معهم، أمّا إذا كان الهدف منها إثارة النعرات المذهبية أو إقامة مناطق عازلة لحماية ما يسمّى بالجيش السوري الحرّ ليصبح لبنان منطلقاً لعمليّاتهم ضدّ الجيش السوري، فهذا ما لن نسمح به على الإطلاق'. وتختم الأوساط بالقول: 'مقاومة 'حزب الله' هي شرف لكلّ مواطن عربي، ويُسجّل لنا أنّنا من أشرف الحركات المقاومة التي ظهرت على مرّ التاريخ، إذ إنّنا لم ننجرّ الى معارك رخيصة كتلك التي يحاول تسويقها بعضهم خدمة للمشروع الأميركي - الإسرائيلي، ومن يريد أن يحفظ في ذاكرته تاريخ 7 أيّار، عليه أن لا ينسى البيانات التي استهدفت سلاح الإشارة في المقاومة قبل يومين من هذا التاريخ'. كلام 'حزب الله' لم يلقَ استحساناً لدى عضو كتلة 'المستقبل' النائب خالد الضاهر، فهو يرى في حديثه لـ'الجمهورية' أنّ 'حزب الله' 'يتحجّج دوماً بشيء اسمه المقاومة، مع العلم أنّنا عندما كنّا ندير دفّة المقاومة في جنوب لبنان، وذلك قبل أن يوجد الحزب، لم نكن نستعمل قوّتنا في الداخل من أجل إثارة النعرات الطائفية، بل كان كلّ همّنا مصوّباً نحو مقاتلة العدوّ الإسرائيلي'، ويلفت الى انّ 'حزب الله' بدأ فتنته يوم أراد تطويع مركز رئاسة مجلس الوزراء للمخطّط الإيراني السوري متناسياً أنّ هذا المركز يمثّل شريحة كبيرة من اللبنانيّين أي الطائفة السنّية'. ويشير الضاهر الى أنّ الحزب 'يكرّس إثارته للفتنة السنّية - الشيعيّة من خلال دعمه الجزر الأمنية التابعة له في الشمال والعصابات التي تحاول أن تنخر المجتمع الطرابلسي والشمالي، ومن خلال شرائه لذمم الكثير من الشخصيّات السياسية والدينية، وجميعهم يتقاضون رواتب شهرية منه، إضافة إلى دعمه مناطق جبل محسن بالسلاح الإيراني من أجل قصف مناطق السنّة في طرابلس'، ويسأل: 'كيف يفسّر الحزب غزواته المتكرّرة لمناطق أهل السنّة بدءاً من برج أبي حيدر التي أحرق مسجدها وصولاً الى منطقة عائشة بكّار مروراً بيوم القمصان السود؟ أليست كلّها أموراً تدلّ على إثارة الفتنة المذهبية؟' ويضيف الضاهر: 'إنّ أوّل من بادر في الإساءة الى رموز أهل السنّة هو رئيس الهيئة الشرعية في 'حزب الله' الشيخ محمد يزبك، يوم شبّه الجيش التابع للسيّدة عائشة زوجة النبي. بالجيش الأميركي والإسرائيلي، كما أنّه لا يوجد زعيم أو مواطن من الطائفة السنّية تهجّم على العقائد التي يؤمن بها الشيعة أو ذمّ بها، إنّما نتحدّث عن المشروع الصفوي الإيراني المعادي للعرب وللشيعة العرب أيضاً'، معتبراً أنّ 'من يدعم الحوثيّين بالمال والسلاح من أجل الانقلاب على دولة حكمها للسنّة، ومن يحتلّ جزراً في دولة الإمارات ومن يقف في وجه الشعب السنّي في سوريا ومن يحرّض ضدّ الحكم في البحرين هو مَن يثير النعرات المذهبية في لبنان والمنطقة'. ظاهرة تداخل الدين في السياسة ليست جديدة، ولكنّها تستفحل يوماً بعد يوم في لبنان، حتى أصبح لرجل الدين التأثير الأكبر في حياة المواطن وسلوكه، وهناك من يعتبر أنّ بعض هؤلاء قد أصبحوا مطيّة بيد رجال السياسة وأنّه لم يعد لديهم سوى تنفيذ القرارات إن من خلال شدّ عصب الشارع أو من خلال توجيه الرسائل لهذا الزعيم أو ذاك، وهذا الأمر يعتمد على القدرة المادّية التي يمتلكها هؤلاء السياسيّون. دينيّاً، إمتنع 'حزب الله' عن إعطاء 'الجمهورية' إذناً لمحاورة أيّ من مشايخه، خصوصاً أنّنا كنّا تقدّمنا بطلب من مركزه الإعلامي بحسب الآليّة التي يعتمدها. لكنّ إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير يشير في حديثه لـ'الجمهورية' إلى أنّ الحزب 'شاطر جدّاً ما شاء الله في تسويق عنوانه السياسي، فهو له القدرة الكاملة على تسييس معظم رجال الدين الذين ينتمون لطائفته عن طريق المال الإيراني الذي ينفقه بوفرة، ولأنّه يتقن فنّ السلاح، فهو يعمل على إنشاء معارك وهمية لإلهاء الخصم، وما يحصل من أحداث متنقلة هي واحدة من فنونه'. ويلفت الأسير إلى أنّ الحزب 'يتّهم الجميع بالمذهبية بينما في الواقع هو رأس المذهبية، يحمل عنواناً عريضاً أكبر منه اسمه المقاومة ويستعمله كحصان طروادة ضمن مشروع مذهبيّ يفتخر بولاية فقيه تبدأ في طهران ولا نعرف أين تنتهي'. ويقول: 'كنت من السبّاقين الذين رفعوا قلماً وقالوا كفى استخداماً وهيمنة، ولكنّ صوتي خافت في هذه الأحداث، وهذا يدلّ على أنّني أسعى إلى تخفيف الاحتقان وضبط النفس،وأنا دعوت أهلنا في عكّار وطرابلس وصيدا الى ضبط النفس لأنّ تأجيج الساحة لا يخدم إلّا النظام السوري'. ويؤكّد الأسير أنّ 'الجرح كبير والدم الذي نزف كثير، وللشرفاء الحق في أن يثوروا، ولكنّ الأمور ستهدأ شيئاً فشيئاً، خصوصاً أنّ المؤسّسة العسكرية واعية للّذي يحصل'. ويرى أنّ 'الفتنة تحتاج الى طرفين، مع العلم أنّ الذي يحصل هو مناوشات بين منطقة وأخرى، واليوم من يسيطر على الدولة ومؤسّساتها هو 'حزب الله'، فمن سيقف في وجهه؟
ويجزم الأسير بأنّ 'هناك ابتعاداً كبيراً بين السنّة والشيعة وأنا أحمّل المسؤولية الى حزب المقاومة وسياسته لأنّ الحجم الذي وصل إليه لم يعد يمكّنه من رؤية العالم كلّه وليس السنّة فقط، بل المسيحيّين والدروز وحتى بعض الشيعة الذين لا يشاطرونه سياسته'. ويختم: 'أدعو الى مخافة الله، ونحن اليوم في أزمة صدق وأخلاق، الفاجعة في الطريق الجديدة كانت كبيرة وكان يمكن أن تمتد الى مناطق أخرى، وأشكر الله على حكمة البعض التي منعتنا من الانزلاق الى مهوار المذهبية التي، إن حصلت، فلن يبقى من بلدنا شيء يذكّر بأنّه كان يوجد بلد اسمه لبنان'. وللشارع اللبناني أيضاً كلمته ورأيه في كلّ ما يحصل، خصوصاً أنّه الوقود التي تستعمل على الأرض لإشعال نار الفتنة. وعلى هذه الأرض يجلس محمد الألطي في إحدى مقاهي الطريق الجديدة مع مجموعة من أصدقائه، فيبدأ بحديثه الأتي: 'منذ زمن بعيد ونحن نسمع من أهالينا وأقاربنا عن المؤامرة التي أدّت الى ضرب حركة الناصريّين 'المرابطون' والتجاوزات التي ارتكبتها بعض التنظيمات اللبنانية المسلّحة بحقّ أهل السنّة وخصوصاً أبناء منطقتنا. صحيح أنّ للنائب وليد جنبلاط دوراً بارزاً في ذلك الزمن، لكنّه عبّر أكثر من مرّة عن أسفه وندمه عمّا بدرَ من عناصره، لكنّ هذا الكلام لم نسمعه من قادة الطائفة الشيعية على رأسهم الأمين العام لـ'حزب الله' السيّد حسن نصرالله الذي سبق أن اعتبر 7 أيّار يوماً مجيداً'. يسرح محمد في عقله لثوان قليلة، ليعود ويسأل 'أليس 7 أيّار يوماً مشؤوماً بامتياز؟
كيف لهم أن يفسّروا حرق منازلنا وأرزاقنا وقتل شبابنا على الطرقات باليوم المجيد؟، وأريد أن أسألهم، لماذا هذا الكره والحقد ضدّنا؟ حتى في مناسباتهم الدينية يتعرّضون لرموزنا الدينية والسياسية'. وهل يعتقد أنّ لرجال الدين دوراً بارزاً في تحريض الشارع؟ يأخذ محمد نفساً عميقاً من 'أركيلته' فيتلاشى جوابه مع الدخان الخارج من فمه وأنفه معاً، فيعود ويجيب: 'نعم بعض مشايخنا يعبّرون عن سخطهم خلال صلاة الجمعة من التعرّض لمشاعر أهل السنّة في الجوامع والحسينيات المقابلة لنا، وهو أمر تعوّدنا عليه خلال السنوات الماضية ولغاية الآن لا زلنا نعيشه'. ويضيف: ' أمّا أحاديثهم عن الماضي، أي زمن الخلفاء الراشدين وإنجازاتهم وبطولاتهم، فهم يعتبرون أنّ عليّ بن أبي طالب أهمّ من النبيّ، وفي المقابل يعتبرون رموز أهل السنّة الدينية أقلّ شأناً من رموزهم. حتى إنّ نظرتهم الى ما يحصل في سوريا مغايرة تماما لنظرتنا، وتصل الى التقليل من الذي يتعرّض له أهل السنّة هناك، مع العلم أنّ الفتنة المذهبية بين الطائفتين الشيعية والسنّية في لبنان وراء الأبواب وهي ليست بحاجة الى وقود لإشعالها، إذ إنّ كلّ ما تحتاجه هو فتح تلك الأبواب فقط، ولتُشاهَد بعدها ألسنة اللهب التي ستندلع'. مع أنّهم يعيشون في وطن واحد، إلّا أنّ لا شيء يجمع بين محمد الألطي إبن الطريق الجديدة وحسين شحرور إبن منطقة الشيّاح سوى 'الأركيلة'، فشحرور يتباهى بأنّ 'حزب الله' هو الأقوى عسكريّاً وحتى جماهيريّاً، 'فنحن في كلّ يوم نزداد اقتناعاً بأنّنا على حقّ، وهذا ما يجعلنا متمسّكين أكثر فأكثر بالاستقرار الأمني'، وعن الكلام الذي يطاولهم من الفريق الآخر في كلّ مناسبة عاشورائية يحيونها هم، يجيب حسين: 'هذه المناسبة السنوية ليست لتكريس مشهد الانقسام المذهبي في لبنان، ولا لإثارة النعرات بيننا وبين المذاهب الأخرى، بل هي للتأكيد أنّنا نسير ضمن خط صادق وواضح، وبما أنّنا نملك السلاح الأقوى للدفاع عن حدودنا فهذا خير دليل على أنّنا نحن من يصون البلد من الفتن التي يختلقها بعضهم ويحاول إلصاقها بنا'. ويضيف: 'إنّ من يريد أن يرى الفتنة المذهبية بشكل كامل، عليه أن يستمع الى سياسيّي تيار 'المستقبل'، 'ولو نجحوا في حرب تمّوز 2006 لكانوا رحّلونا من البلد، لكنّ انتصارنا شكّل لهم صدمة لن ينسوها، وهم قد يكرّرونها في أيّ لحظة تسمح لهم'. يبدو أنّ لكلّ طرف لبناني وجهة نظره الخاصة، والأحداث التي مرّت على اللبنانيين لم تترك أثراً يعلّمهم معنى العيش المشترك. وبناء عليه، فإنّ يوم غد لن يكون مغايراً لليوم الذي سبقه، إذ إنّ هناك مواقفَ سياسية محرّضة ستخرج الى العلن، سيتبعها احتقان في الشارع يسقط خلاله مزيد من الضحايا، فيتبعه استنكارات وتصاريح ومبالغ مالية علّها تعوّض الأهالي بعضاً ممّا فقدوه في شارع لم يعد منضبطاً.


- 'الاخبار'
حروب أميركا غير التقليدية: هكذا يُزعزع الاستقرار
شرمين نرواني:

القول إن الثورات العربية قدمت فرصة فريدة للولايات المتحدة لتحقيق غايتها بنشر الفوضى وإسقاط الأنظمة &laqascii117o;المعادية" وفق عقيدتها، لا يأتي من عبث؛ فسياسيوها ومفكروها وضعوا مفهوماً جديداً للحرب يعتمد على استخدام كل الأساليب القذرة لتحقيق هذه الغاية، وما جرى في إيران وليبيا وما يجري الآن في سوريا يمثل نموذجاً لهذه الحرب غير التقليدية التي تخوضها بأدوات وطنية

&laqascii117o;يتمثّل الهدف من وراء الحروب غير التقليدية، التي تشنّها الولايات المتحدة، باستغلال نقاط الضعف السياسية والعسكرية والاقتصادية والنفسية لدى قوة معادية من خلال تكوين قوى مقاومة ودعمها بغية إنجاز الأهداف الاستراتيجية الأميركية. على المدى المنظور، ستشنّ القوات الأميركية غالباً عمليات حرب غير نظامية"؛ هكذا يبدأ كُتيّب الحرب غير التقليدية للقوات الخاصة التابعة للجيش الأميركي لعام 2010. هذا الكُتيب عبارة عن منشور مؤقّت أُعِدَّ للتطرّق إلى تعريف الحرب غير التقليدية وبعض التناقضات الأخرى في مبدأ الحرب غير التقليدية. لكنّ معظمنا لم يحظَ بمتعة تصفّح هذه المسوّدة المعبّرة التي تظهر كيف تشنّ الولايات المتحدة حروبها القذرة. هذه هي الحروب السرّية التي لم يوافق عليها الكونغرس، ولا سكّان الأمم، الذين سُحِقَت حياتهم بسبب التوجيهات الواردة في الصفحات. يرد في افتتاحية المستند اقتباس عن الرئيس جون كينيدي في عام 1962. تعبّر هذه السطور القليلة عن إيمان أساسي في واشنطن بأنّ القوات الأميركية تملك الحق في زعزعة الاستقرار والتسلل والاغتيال والتخريب، وكل ذلك خدمة لأهداف السياسة الخارجية المريبة، من دون أي اعتبار واضح لاستعداد أي دولة سيادية للتغيير أو رغبتها فيه، تقول الافتتاحية: &laqascii117o;هناك نوع آخر من الحروب، جديدة من حيث القوة، قديمة من حيث الأصول. حروب يشنّها أفراد العصابات والمخربون والمتمردون والقتلة؛ حربٌ من خلال كمين عوضاً عن القتال، من خلال التسلل عوضاً عن الهجوم، السعي إلى النصر من خلال تقويض العدو واستنزافه عوضاً عن العراك معه". إنّها تستفيد من الفوضى.
الهدف: الشرق الأوسط
مهّدت عقيدة جورج بوش الطريق أمام تعميم الحروب غير التقليدية من خلال إرساء مبدأ الإجراءات الوقائية ضدّ دولة، قد تطرح في أحد الأيام تهديداً للمصالح الأميركية. لم تقدّم أي معيار محدد لقياس هذه التهديدات، ولم تحاول أن تفسّر لمَ ينبغي أن يكون أي شخصٍ خارج الولايات المتحدة مسؤولاً عن &laqascii117o;المصالح" الأميركية، سواء تجارية كانت أو أمنية أو سياسية. لم يعترض أحد على هذه العقيدة، التي كانت لها نتائج كارثية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط خلال العقد الماضي. عادة كانت الأهداف الأساسية للحروب غير التقليدية الدول والمجموعات التي تعترض على هيمنة الولايات المتحدة في المنطقة، وبشكلٍ أساسي محور المقاومة الذي يتألف من إيران وسوريا وحزب الله وحماس، لكنّ الحروب غير التقليدية شُنَّت أيضاً في معظم الدول تقريباً التي يملك فيها هذا المحور بعض النفوذ. لعلّ الجانب الشائن للحروب غير التقليدية، فضلاً عن الانتهاكات الواضحة للقانون الدولي المرتبطة بالسيادة وسلامة الأراضي والخسائر في الأرواح والممتلكات، يتمثّل بالسعي الاستباقي والعدواني إلى تحريض الشعب نفسياً على حكومته. في هذه المرحلة تحديداً تخفق الحروب غير التقليدية في كل اختبار أميركي &laqascii117o;للقيم". قدّمت الانتفاضات العربية التي حصلت عام 2011 فرصة فريدة، وسط الفوضى الإقليمية وأحياناً المحلية، لتعزيز نشاطات الحرب غير التقليدية في الدول &laqascii117o;المعادية"، سواء سعت الشعوب إلى تغيير النظام أو لا. والأمثلة الأبرز على ذلك هي إيران وسوريا وليبيا، التي كانت جميعها أهدافاً للحروب غير التقليدية في العام الماضي، بمستويات مختلفة من التسلل ومع نتائج مختلفة تماماً. كان يُفترض بـ14 شباط أن يمثّل بداية الحرب في إيران، لكنّ الجمهورية الإسلامية كانت حذرة ومتنبهة، بعدما اكتسبت خبرة في مجال إطاحة الحكومات من خلال الحروب غير التقليدية، وذلك عقب الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت عام 2009. طبع اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيم الاحتجاجات، ونشر الروايات المناهضة للنظام على نطاق واسع خلال فترة ما بعد الانتخابات في إيران، عهداً جديداً في ثورة الإنترنت العالمية. لم تهدر وزارة الدفاع الأميركية &laqascii117o;البنتاغون" الوقت في المطالبة باعتبار الفضاء الإلكتروني &laqascii117o;مجالاً وظيفياً"، وقد زادت في العام الماضي إلى حدّ كبير مخصصات الموازنة، التي تكرّسها لنشاطات إطاحة الحكومات عبر الإنترنت. في تموز الماضي، أعلن القسم التكنولوجي في وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة &laqascii117o;داربا" عن برنامج كلفته 42 مليون دولار يتيح للجيش الأميركي &laqascii117o;رصد وتصنيف وقياس وتعقّب تشكّل الأفكار والمفاهيم ضمن مواقع التواصل الاجتماعي وتطورّها وانتشارها". تصف مجلة &laqascii117o;وايرد" المشروع بأنّه &laqascii117o;الآلة الدعائية" الخاصة بـ&laqascii117o;البنتاغون" ضمن مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب خططه الهادفة إلى &laqascii117o;اعتراض رسائل عمليات النفوذ المعادي التي رُصدت". وفي سبيل السماح باستعمال أكثر مرونة للمعلومات بغية دعم العمليات (العسكرية) و&laqascii117o;الحماية" من &laqascii117o;النتائج السلبية"، سيتيح المشروع إضفاء الطابع الآلي على العمليات &laqascii117o;لتحديد المشاركين ونياتهم، وقياس تأثيرات حملات الإقناع"، وفي النهاية، التسلل إلى الحملات التي تُنظّم في الخارج وتستند إلى مواقع التواصل الاجتماعي وإعادة توجيهها، عند الضرورة. لكن يبدو أنّ حملة الحرب غير التقليدية في إيران قد تعثّرت نوعاً ما عند مسألة التخريب التكنولوجي والتسلل إلى مواقع التواصل الاجتماعي والاغتيالات. من المؤكّد أنّ السيناريو الليبي كان مختلفاً بعض الشيء لناحية أنّه نُفِّذَ تحت غطاء منظمة حلف شماليّ الأطلسي، مع تولي الجيش الأميركي &laqascii117o;زمام القيادة من وراء الستار". فضلاً عن ذلك، لم يعتمد نجاح عملية الحرب غير التقليدية الواسع النطاق على القتال الميداني بقدر ما اعتمد على الغطاء الجوّي، ومشاركة المعلومات الاستخبارية في ما يتعلّق بالهجمات التي ينفّذها إلى حد كبير الثوّار الليبيون.

تغيير النظام في سوريا
في سوريا، جاءت مهمة شنّ حرب غير تقليدية لتمثل خليطاً من الاثنين؛ فبسبب شعبية الرئيس السوري بشار الأسد وقوته على الصعيد المحلي، التي ظهرت في إحدى برقيات &laqascii117o;ويكيليكس" لعام 2006، كان من الضروري أن تبدأ نشاطات الحرب غير التقليدية مع بعض التدمير على المستوى الشعبي قبل الانتقال إلى سيناريو على الطراز الليبي.
تماماً كما توصي برقية &laqascii117o;ويكيليكس" بالتعرف إلى فرص الكشف عن &laqascii117o;نقاط الضعف" في النظام السوري وزرع الانقسام الطائفي ـــ الإثني، والفتنة ضمن الجيش ـــ الأجهزة الأمنية، إضافة إلى الصعوبات الاقتصادية؛ وفي هذا السياق، يرشد كُتيّب الحرب غير التقليدية القوات الخاصة بشأن كيفية &laqascii117o;استغلال نقاط الضعف السياسية والعسكرية والاقتصادية والنفسية التي لدى قوة معادية". ينعكس المشهد الديموغرافي السوري جلياً من خلال كُتيّب الحرب غير التقليدية: &laqascii117o; في معظم السيناريوات، تواجه حركات المقاومة مجموعة سكانية مع أقلية ناشطة تدعم الحكومة وشريحة مناضلة صغيرة أيضاً تدعم حركة المقاومة. لتنجح المقاومة، ينبغي أن تقنع المجموعة الوسطية غير الملتزمة من السكان بالقبول بها ككيان شرعي. المجموعة السكانية غير الفاعلة هي في بعض الأحيان كل ما تحتاج إليه حركة تمرّد مدعومة جيداً للاستيلاء على السلطة السياسية". ولجعل &laqascii117o;المجموعة الوسطية غير الملتزمة من السكان" تتحوّل إلى دعم التمرد، توصي الحرب غير التقليدية بـ&laqascii117o;زرع جوّ من الاستياء الواسع النطاق من خلال الدعاية والمساعي السياسية والنفسية الهادفة إلى إضعاف الثقة بالحكومة". وفيما يتصاعد النزاع، ينبغي &laqascii117o;تكثيف الحملات الدعائية لجعل السكان يستعدون نفسياً للتمرّد". كيف يحدث ذلك؟ أولاً، ينبغي أن يتوافر جوّ من &laqascii117o;الهياج" المحلي والوطني: تنظيم حملات مقاطعة، إضرابات وغيرها للتعبير عن الاستياء العام، قبل تسلل منظمين ومستشارين أجانب، إضافة إلى الدعاية الأجنبية، والأدوات والأموال والأسلحة والتجهيزات. المرحلة التالية من العمليات تتمثّل بتشكيل &laqascii117o;منظمات الجبهة الوطنية (مثال المجلس الوطني السوري) وحركات التحرير (مثال الجيش السوري الحر) التي قد تحثّ شريحة أكبر من السكان على القبول بالعنف السياسي المتزايد والتخريب، وتشجّع إرشاد الأفراد أو المجموعات التي تقوم بأعمال التخريب في المراكز المدنية". والآن كيف ولماذا ستردّ أكثرية غير ملتزمة ومسالمة ظاهرياً من السكان على لجوء المجموعات المعارضة إلى العنف؟ يكشف كتيّب الحرب غير التقليدية عن طريقة سهلة للتأثير في هذه المجموعة ويقول: &laqascii117o;إذا نفّذت (الحكومة المُستهدَفة) انتقاماً، تستطيع المقاومة أن تستغل العواقب السلبية لحشد المزيد من التعاطف والدعم من الشعب عبر التشديد على التضحيات والصعوبات التي تتحمّلها المقاومة بالنيابة عن الشعب. إن كان الانتقام غير مجدٍ أو إن لم يحصل أي انتقام، تستطيع المقاومة أن تستعمل ذلك كدليل على قدرتها على شنّ قتال فعال ضد العدو. فضلاً عن ذلك، تستطيع المقاومة أن تصوّر عدم قدرة العدو أو تردده في الانتقام على أنّه نقطة ضعف، ما سيربك قوّات العدو ويرسّخ إيماناً بهزيمته المحتملة. وهكذا دواليك".
مؤامرة الأميركي القبيح
اكتسبت عقيدة جورج بوش اليوم، في ظل عهد باراك أوباما، غطاءً جديداً؛ سواء تحت إشراف &laqascii117o;لجنة تفادي الأعمال الوحشية"، التي تشكلت حديثاً، أو تحت لواء &laqascii117o;التدخل الإنساني"، لكن الأهداف تبقى هي نفسها: زعزعة استقرار الناس والأمم لمصلحة السيطرة السياسية والاقتصادية، أي المصالح الأميركية. لم يعد هناك أي نظام في الدول العربية البارزة بمنأى عن المصالح الأميركية؛ من المجتمع المدني الذي يبدو حميداً ويعج بمنظمات غير حكومية تمولها الولايات المتحدة مروراً بالأجهزة العسكرية ـــ الاستخبارية التابعة لهذه الدول، وصولاً إلى صفحات &laqascii117o;فايسبوك" الخاصة بالمواطنين العاديين. الأميركي القبيح أصبح أقبح. في إطار هذه الانتفاضات المستعرة في المنطقة، تخاطر أي مجموعة سكانية عربية لا تنأى بنفسها عن هذا التسلّل الأجنبي بالتحول إلى جندي من المشاة في حرب غير تقليدية ضدّ نفسها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد