اسكندر حبش
مارك دولوز، شاعر فرنسي معروف في العديد من الأوساط الثقافية الفرنسية، خاصة الشعرية (تُرجمت مختارات من شعره إلى العربية)، فهو يشرف ويدير الكثير من المهرجانات التي تستقطب شعراء من فرنسا ومن باقي العالم. وكان أحد الأساسيين الذين أسسوا مهرجان &laqascii117o;لوديف الشعري"، وإن لم يستمر طويلاً فيه، في الفترة الأولى، قبل أن يعود إليه في السنوات القليلة الماضية، بعد أن انقسم المهرجان بين مهرجان &laqascii117o;لوديف" و&laqascii117o;مهرجان سيت".
في أي حال، من أفكار دولوز &laqascii117o;المهرجانية" الأولى كانت فكرة جمع أصوات المتوسط، إذ اعتقد أنه يساهم &laqascii117o;في السلام" والتقريب بين وجهات النظر الإسرائيلية الفلسطينية. لذا أحب في الدورة الأولى أن يجمع في قراءة واحدة بين شعراء عرب وإسرائيليين، لكن وبعد رفض الشعراء العرب لذلك، رضخ المنظمون للأمر الواقع، وتغير &laqascii117o;تنظيم" المهرجان، أي أصبح العرب يقرأون بعيداً عن الإسرائيليين والعكس أيضاً، من دون أن يلتقوا.
ويبدو أن فكرة &laqascii117o;التقارب" عاودت دولوز مؤخراً، إذ ينظم الأحد في 22 الحالي في باريس قراءة شعرية مشتركة بين الشاعر الفلسطيني مازن معروف والشاعر الإسرائيلي أمير أور والفنانة الكاتالونية لورا تيخيدا، والمناسبة صدور ترجمتين فرنسيتين للشاعرين (وتشارك في القراءة أيضا الشاعرة السورية عائشة أرناؤوط).
بالتأكيد لا يمكننا إلقاء اللوم على الشاعر الفرنسي، إذ وفق رؤيته للأمور لا بدّ من أن يعتبر أنه حقق &laqascii117o;انجازاً فريداً" على جدول &laqascii117o;السلم العالمي"، لكن السؤال المطروح فعلاً هو حول الشاعر الفلسطيني مازن معروف (مواليد بيروت العام 1978، من عائلة طرد أفرادها في العام 1948، ويعيش من سنتين تقريباً في إيسلندا وفق منحة كتابة). ولن أطرح السؤال على الشاعرة السورية بالطبع، بعد أن عولج العديد من أفراد المعارضة (وليس كلهم) في مستشفيات إسرائيل، بل أطرحه عن قبول معروف التواجد مع شاعر إسرائيلي في مكان واحد. وبعيداً عن خطاب التطبيع، وما يستتبع ذلك كله من مواقف (لنا الحق فيـها بالطبع) ألم يسأل معروف نفسه، قبل الموافقة، كيف له أن يصافح شخصاً يحتل بلده وطرد أهله منها؟
ولكي أكون دقيقاً، أرسلت أمس بالـ&laqascii117o;إيميل" رسالة إلى الجهة المنظمة، سائلاً إن كان الشعراء سيحضرون شخصيا أم أن هناك قراءة لشعرهم فقط، فكان الجواب أنهم سيحضرون جميعاً، إلا مازن معروف الذي لم يجب بعد بشكل نهائي.. وحاولت الاتصال بالشاعر الفلسطيني هاتفياً فـلم يـرد أحد، وعبر البريد الالكتروني، وكانت النتيجة نفسها.
وإلى أن يثبت العكس، لن يكون الشعر بريئاً في هذه الحالة. كل خطاب هو ممارسـة سلـطة. والشعر كونه خطابا من هذه الخطابات، لا بدّ من أن يشكل سلطة بدوره. من هنا حتى ولو لم يكن أمير أور منتمياً إلى أي منظمة صهيونية (لا معلومات تؤكد ذلك، كما لا تشير إلى عكسها)، إلا أنه سيبقى شاعراً إسرائيلياً، حاملاً علم دولته، الذي يمثل احتلالاً، شاء الشعر أم أبى.
من أجمل ما في الشعر أن يحدد البوصلة أيضاً، بيد أن المشكلة صارت تكـمن في الشـعراء الذين أضاعوها ويحاولون أن يضيعوه معها.
القضية مطروحة على مازن معروف الذي ننتظر إجابته حول هذا الموضوع برمته.
المصدر: صحيفة السفير