إسكندر حبش
في كتابه &laqascii117o;الأرض مستديرة مثل كرة، جيو ـ سياسة كرة القدم"، يدخلنا الباحث الفرنسي باسكال بونفياس إلى قراءة مختلفة لظاهرة كرة القدم. فعبر سؤالين بسيطين هما: &laqascii117o;ماذا تعلّمنا هذه الرياضة الأكثر شعبية في العالم، عن العالم نفسه"؟، و&laqascii117o;كيف تستطيع هذه الكرة المستديرة أن تدير لنا رؤوسنا"؟، يعود ليقرأ &laqascii117o;سيرة" العالم المعاصر جيو ـ سياسياً. صحيح أنّها جيو ـ سياسة كرة القدم، إلا أنّ الباحث سرعان ما يتحوّل صوب الحديث عن &laqascii117o;العولمة"، وكيف أصبحت اللعبة الممثل الحقيقي لهذه الفكرة في جميع اتجاهاتها.
أمثلة عدّة يقدّمها بونفياس في كتابه هذا؛ كأن يجد مثلاً أن الأوروغواي بدأت تفرض نفسها كدولة في مواجهة جارتيها الكبيرتين الأرجنتين والبرازيل، بعدما فازت بأوّل كأس للعالم العام 1930. وربما كانت ألمانيا ما بعد الحرب قد عادت لتجد مكانة محترمة لها في &laqascii117o;حفل الأمم"، بعد انتصارها الجميل العام 1954. بالطبع نستطيع أن نضيف أنّ تحديد الهوية، وتحديد العامل السياسي وعلاقات الهيمنة، فوق أراضي الملاعب، هي أكبر بكثير مما نجده في أروقة الأمم المتحدة. في أي حال، ثمّة حروب اندلعت أيضاً بسبب هذه اللعبة (بين الهندوراس والسلفادور في ثمانينيات القرن الماضي). وصحيح أيضا أن ثمّة &laqascii117o;علاقات طائفيّة" تدخل في صلب اللعبة: فالصراع مثلا بين الناديين الانكليزيين &laqascii117o;ليفربول" و&laqascii117o;ايفرتون"، وقبل أن يكون من جراء المنافسة بين فريقين من المدينة عينها، هو في الأساس صراع &laqascii117o;مذهبي" بين البروتستانت والكاثوليك، والحال عينها نجدها في اسكتلندا بين &laqascii117o;السلتيك" و&laqascii117o;الرينجرز"، ولا ننسى &laqascii117o;الصراع القومي" كما نجده في إسبانيا بين فرق الباسك والفرق القشتالية.
كل هذا أصبح مفهوماً اليوم بسبب الدراسات العديدة التي تناولت الموضوع، لكن ما هو غير مفهوم تأجيج &laqascii117o;النعرات" المذهبية التي يمررها بعض معلقي &laqascii117o;بي إن سبورتس"، خلال تعليقهم على مجريات بعض المباريات في بطولة العالم الحالية. من يستمع إلى المعلّق القطري على مباراة غانا وألمانيا، لا بدّ أن يشعر بالصدمة بعد أن شعر بالتقزّز. إذ لم يتوقّف المعلّق، عن العودة كل برهة، إلى تذكيرنا بـ&laqascii117o;دين" هذا اللاعب أو ذاك. في البداية تظن أنها فكرة عابرة، لكن في تكرار القول، لا بدّ أن تسأل عن معنى ذلك، وما هو السبب الكامن وراءه. استفاض المعلّق تلك الليلة بالحديث عن بعض لاعبي غانا، مذكّراً أنهم لن يفطروا خلال شهر رمضان فيما لو استمروا داخل البطولة. يضيف أنّ لاعباً غانياً، ورغم أنّ اسمه جوردان، إلا أنه &laqascii117o;لا يهمل فرضاً"، ويكمل الحديث عن كيفية صلاته وعن الحسنات التي يقدمها.. قد تفهم اندفاع المعلق فيما لو اعتبرنا أنّه، كروياً، مع غانا (الضعيفة) ضدّ ألمانيا (القوية). لكنه سرعان ما انتقل إلى مدح لاعِبيَن من الفريق الألماني هما مسعود أوزيل (التركي الأصل) وسامي خضيرة (التونسي الأصل).. والمدح ليس لأنهما من اللاعبين المميزين بل لأنهما أيضاً يصليان ويصومان. ولا أعرف لماذا شعرت أنّ المعلّق امتنع عن القول إنّ باقي اللاعبين ليسوا سوى كفار، لا يستحقون أن يسيروا فوق الأرض. أمر مشابه سمعناه أيضاً في التعليق على مباراة الجزائر وكوريا، حين احتفل المعلّق بفوز الفريق الجزائري.. &laqascii117o;الإسلامي" (ولم يقل المسلم). هل يقصد بذلك أن الكوريين بوذيون مثلاً ولا يستحقون العيش؟
لست في وارد مناقشة إيمان كلّ لاعب، فهذا حقّ الجميع، ولكن هل يجوز إثارة تلك النعرات في سياق مباراة رياضيّة؟ كل ذلك، يطرح سؤالاً عمّا إذا كانت سياسيات الشبكة القطريّة في الترويج لأفكار معيّنة، تشمل أيضاً قنواتها الرياضيّة. فهل تساهم &laqascii117o;بي إن سبورتس" في تشكيل العالم من جديد وفق هويّاتٍ طائفيّة؟ ربما. ألم تنتشر على &laqascii117o;فايسبوك" منذ أيام &laqascii117o;نكتة" أن &laqascii117o;داعش" نصّب ميسي (اللاعب الأرجنتيني) أميراً على بلاد أميركا اللاتينية لأنه سجل هدف الفوز على منتخب إيران (الروافض)؟ تعليق لا يقل سوءاً عن &laqascii117o;تعليق" المعلّق على المباراة. لم نعد فعلاً أمام مباراة رياضية. أنسوا الروح الرياضية. إننا أمام حروب طائفية ومذهبية مستمرة، وبطريقة مختلفة. فعلا إنها جيو ـ سياسة كرة القدم بنظر أصحاب &laqascii117o;بي إن سبورتس".
المصدر: صحيفة السفير