قضايا وآراء » بهشت مادران.. جنّة النساء في طهران


زينب مرعي
هناك شيء يجعل النساء ينتهكن في بعض الأحيان معايير الحشمة واللّباقة المتعارف عليها في مجتمعهن، عندما يبتعدن عن أنظار الرجال. نحن لا نتكلم هنا عن المسابح الخاصة بالنساء في بيروت، إنّما عن &laqascii117o;بارك النساء" في طهران، حيث لا يختلف المشهد على باب الحديقة كثيراً عن ذاك الذي نألفه على أبواب مسابح النساء في لبنان: نساء يضعن اللمسات الأخيرة على وجوههن، أو يتابعن ارتداء ملابسهنّ أمام المدخل، يحملن بيد أغراضهن أو أكياسهن ويمسكن أطفالهنّ باليد الأخرى. ولا يبدو أنّ اللافتة على مدخل الحديقة، التي تدعو النساء إلى عدم التخلي، بشكل كامل، عن لباسهنّ الإسلامي في الداخل، لها الأهمية ذاتها لدى جميع النسوة.
إلهام وصديقاتها لا يتجاوزن العشرين من العمر. يجتمعن في بارك &laqascii117o;بهشت مادران" أو &laqascii117o;جنة الأمهات"، يتركن أحجبتهنّ والـ&laqascii117o;مانتو" الإيراني الشهير في غرف تبديل الملابس، ويخرجن للجلوس بثيابهن الصيفية. لكن ضمن هذه المجموعة، من الصعب أن تجد من تتجاوز خطوط &laqascii117o;الحشمة" الحمراء، بما أنّ أهميّة هذا البارك بالنسبة إلى إلهام هي في أنّه يسمح للنساء بالتمتع بحريّتهنّ من دون خرق قوانين الحجاب. فهي لا يعنيها &laqascii117o;تقليد" صبايا أخريات يتمخترن من حولها بالسروال القصير والملابس الصيفية الخفيفة، &laqascii117o;لا لزوم لذلك" تقول الشابة الإيرانية.
بدورها، لا تتخلى هايده عن حشمتها بينما تجلس لتقرأ وحدها. إنّه يوم الخميس، بداية العطلة الأسبوعية في طهران، ويوم عطلتها الخاص الذي تحب أن تقضيه في المطالعة بعيداً عن منزلها والواجبات المنزليّة التي لا تنتهي. المكان يسمح لها بأن تأخذ إجازة من العمل المنزلي، ومن زوجها على حدّ سواء. فتقول ممازحة إنّه لا يستطيع أن يقاطعها هنا، إنه يومها وحدها. ورغم عدم التزام هايده بالحجاب &laqascii117o;التقليدي" خارج البارك، فالوشاح الذي تغطي به رأسها يظهر معظم خصلات شعرها، إلاّ أنّها لا تبدّل ملابسها داخل البارك، بل تكتفي بإزالة الوشاح عن رأسها ولفّه حول عنقها.
في ناحية أخرى من البارك، تجلس مهسا وصديقتها ترسمان. هذا البارك ملائم لهما كثيراً، بما أنّهما تستطيعان أن ترسما براحة أكبر فيه. ولا تخفي الفنانتان رغبتهما بالخروج إلى الشارع من دون حاجتهما إلى وضع الحجاب. نقاش حول الموضوع يدور في مجموعة الأصدقاء والأقارب، التي تضمّ سكينة ومرجان. فسكينة الأربعينيّة، تحبّ كل ما تمنحها إياه دولتها، من قدرة على الاستمتاع بالشمس وحريّة اللباس في بعض الأماكن والمحافظة على الهويّة الإسلاميّة للبلاد في الوقت ذاته. لا يعجب هذا الكلام مرجان العشرينيّة، التي تبدأ بالتذمّر. هي تريد أن تخرج بملابسها الصيفية &laqascii117o;خارج حدود البارك".
تفصل بين هايده، التي تريد المطالعة بهدوء، وبين من أتين للاحتفال واللهو، أمتار شاسعة. ففي إحدى المساحات، تستمتع النساء بممارسة الرياضة على آلات الرياضة الموجودة في البارك في الهواء الطلق، وفي ناحية أخرى تجلس مجموعات النساء اللواتي أتين من أجل النزهة أو الـ&laqascii117o;بيك نيك" والتسامر، مع طعامهنّ الجاهز أو الراغبات بالمطالعة أو الدرس في الهواء الطلق، فيما تأخذ النساء اللواتي أتين بنيّة الرقص والغناء زاوية خاصة، ما إن يدخلها المرء، حتى يجد نفسه فجأة وكأنه دخل أحد الأعراس: موسيقى صاخبة، نساء تنقرن على الدف أو الدربكة، زغاريد وتصفيق ورقص، ودخان الشواء يغطي المساحة.
في هذه الزاوية الاحتفالية، تأخذ الفتيات وضعيات مختلفة بين الأشجار، أمام كاميرات الهواتف المحمولة، وطبعاً ستأخذ الصور طريقها في دقائق إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. أما أخريات، لا تتجاوز أعمارهنّ السادسة عشرة، فيثرن حفيظة النساء في المنطقة &laqascii117o;الهادئة"، حين يتجولن بقصات شعرهنّ الصبيانية، حاملات مكبّر صوت يبثّ إحدى أغاني الراب الإيرانية، بحثاً عن زاوية تحتضنهنّ.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد