قضايا وآراء » روسيا اليوم تعرف الفرق بين الضحيّة والجلاّد

مأمون الحاج
تداول مشتركو صفحات التواصل الاجتماعي العرب بكثرة حلقتين تتحدثان عن العدوان على غزة من برنامج Breaking The Set الذي يعرض على قناة &laqascii117o;روسيا اليوم" الناطقة بالإنكليزيّة، وتقدمه آبي مارتن. وتستعرض مارتن خلالهما، بشكل ساخر، عناوين بعض الصحف الأميركية، فتقول مثلاً: &laqascii117o;نيويورك تايمز تجعل الأمر وكأن هنالك تساوياً في القوة بين الطرفين فتكتب ببساطة: إسرائيل وحماس تتبادلان إطلاق النار". وبعد نهاية العرض تعلّق: &laqascii117o;على أي حال لم أكن أتوقع غير هذا من أجهزة إعلام هي أساساً أبواق لحكومة الولايات المتحدة". وبعد استعراض لجوانب أخرى في تغطية الإعلام الأميركي المرئي للعدوان على غزّة، تنتهي آبي مارتن إلى القول: &laqascii117o;من المهم عدم تصوير ما يحدث على أنّه دورة من العنف المتبادل بين طرفين متكافئين، فأحد الطرفين هو محتلّ غاصب، والآخر هو شعب تحت الاحتلال وردّ الفعل الغزّاوي الذي نراه هو المقاومة". في حلقة من برنامج cross talk على القناة نفسها، تحت عنوان &laqascii117o;غزة تحت الحصار" يقدم المذيع لحلقته بالقول: &laqascii117o;ماذا ستجني إسرائيل من عدوانها على غزة، وماذا عن حق الفلسطينيين المشروع بمقاومة الاحتلال؟".
rt_300_01إنّ المصطلحات التي تستخدمها &laqascii117o;روسيا اليوم" في توصيف المشهد الفلسطيني، تقع في مكان وسط بين الخطاب الرسمي الروسي وبين الخطاب الفلسطيني، فلا تزال مصطلحات &laqascii117o;إسرائيل"، و&laqascii117o;الجيش الإسرائيلي" و&laqascii117o;وزير الدفاع الإسرائيلي"، وإلخ... مستخدمة في القناة، وهي جزء من الخطاب الرسمي الروسي. ولكن إضافة مفاهيم من نوع &laqascii117o;المقاومة"، و&laqascii117o;شعب تحت الاحتلال"، و&laqascii117o;العدوان على غزة" هي بالذات ما يكسب خطاب القناة مضمونه الجديد والنوعي. ومن المعروف أن اختيار كلمات من هذا النوع لا يأتي مصادفةً، وإنما يكون مدروساً بدقّة.. كما يظهر المقدّمون تعاطفاً واضحاً مع الشعب الفلسطيني، ويعكسون ذلك في نبرة صوتهم وحركتهم، وهو ما يندرج أيضاً ضمن الفعل المخطط والمدروس الذي تقوم به القناة.
توضح الأمثلة السابقة وغيرها طريقة تعاطٍ محدد ومدروس من جانب قناة &laqascii117o;روسيا اليوم" الإنكليزية (يموّلها &laqascii117o;الكريملين") مع العدوان الصهيوني على غزّة. فرغم أنّ الخطاب الرسمي الروسي لم يسجل تطوراً جدياً عن طريقة التعامل مع الحروب الإسرائيليّة السابقة على غزة، إلا أنّ الدخول القوي والمميز للإعلام الرسمي الروسي على خط الحدث الفلسطيني من موقع المناصر لقضية الشعب الفلسطيني، يشير بوضوح إلى تجهيز روسي نحو خطوة جديدة ضمن السياسة الروسية تجاه المنطقة. وهي ضمناً رسالة واضحة في سياق الصراع الدولي الجاري بين روسيا وأميركا.
يستطيع المراقب أن يلمس تطوراً معرفياً وتقنياً عالياً تتمتع به &laqascii117o;روسيا اليوم" الإنكليزية، في طريقة تقديم الخبر وفي شكل تأطيره، وبرنامج Breaking The Set الذي أشرنا له، والذي يقوم بتعرية الإعلام الغربي والأميركي، يقدم نموذجاً متميزاً يتجاوز بجدارة &laqascii117o;نشرة النشرات" على &laqascii117o;فرانس 24" مثلاً، وما يشابهها من برامج. وكذلك الأمر مع مجمل الأخبار التي تقدمها القناة، وخصوصاً في الشأن الأوكراني حيث يحتدم الصراع الدولي ويصل إلى ذروته. بالعودة إلى غزة، فإنّ الطريقة التي تعاطت فيها القناة مع الموضوع، تصلح نموذجاً تدريسياً للقنوات الرسمية العربية التي لم تخرج حتَّى الآن من محاولة التوظيف السياسي الضيّق للحدث وفقاً لمصالح أنظمتها، وبعيداً عن المصلحة العميقة للشعب الفلسطيني. المثال الأهم هو أنّ &laqascii117o;روسيا اليوم" تجاوزت الطريقة السطحية في عرض الموضوع باعتباره صراعاً بين &laqascii117o;حماس" و&laqascii117o;إسرائيل"، وحتى إن كان الأمر كذلك تقول آبي مارتن: &laqascii117o;تذكروا أنّ &laqascii117o;حماس" هي السلطة الموجودة في قطاع غزّة واستهدافها يعني استهداف مقارّ عامة، ويعني استهداف المدنيين ضمن مساحة ضيقة لا يزيد عدد سكانها عن المليون"!
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد