مأمون الحاجتعرض &laqascii117o;الميادين" ضمن نشراتها الإخباريّة، وبشكلّ متكرّر، &laqascii117o;برومو" عن غزّة، غنيّ بالبكاء. تتحدّث مراسلة القناة بنفس متقطّع: &laqascii117o;نحن لم نرد إلا نشر الحقيقية، فلماذا يقصفوننا"؟ وفي مواكبتها مجزرة الشجاعية، تبكي المراسلة على الهواء مباشرةً، ثمّ تعلن أنها لم تعد قادرة على متابعة التغطية. على ضفّة موازية، تصنع &laqascii117o;الجزيرة" القطرية، مشهداً مشابهاً، من النواح والعويل، حيث يكرّر المراسلون توجيه الدعوة لما يسمى &laqascii117o;المجتمع الدولي"، لكي يأخذ دوره في وقف المجزرة المستمرّة.
خلال العامين الماضيين، وقفت &laqascii117o;الجزيرة" و&laqascii117o;الميادين" على طرفي نقيض، من الاستقطاب الإعلامي الحادّ الذي أفرزته الأزمة السوريّة. لكنّ مواكبة الحدث الفلسطيني خلال الشهر الماضي، أظهرت ما يشبه &laqascii117o;اتفاقاً ضمنياً" بين الفضائيتين، على رسم طريقة موحّدة للتعاطي مع غزّة، وتدعيمها بالكثير من البكائيّات. يمكن فهم ذلك التوافق، بالعودة إلى المدرسة الإعلاميّة الأصل المشتركة بين المؤسستين، ونقصد بذلك مدرسة &laqascii117o;بي بي سي" التي خرّجت الكوادر الأساسية في كلتا القناتين. وفي تلك المدرسة، يجري تصوير الحروب من وجهة النظر المتعاطفة مع المدنيين، ضحايا الصراعات المختلفة. ومن هذا المنطلق، تأخذ الوسيلة الإعلامية موقع &laqascii117o;نصير المستضعفين"، وتستغلّ ذلك بما يمكّنها من تشويه صورة الواقع، وإعادة تركيبه وفقاً لما يخدم أجندتها السياسيّة. يسهّل ذلك تحويل قضية غزّة إلى بازار سياسي، ربما تستفيد منه جهات إقليميّة مختلفة، عوضاً عن التركيز على صمود الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال، كمعطىً أساسي لهذه الحرب.
اختارت &laqascii117o;الجزيرة" و&laqascii117o;الميادين"، الوقوف بجانب المقاومة، في عمليّة &laqascii117o;العصف المأكول"، واختارت كلّ منهما مسافتها. إلا أنهما بالتركيز المستمر على أسلوب التفجّع، تنتقصان من فاعليّة المقاومة، وقدرتها على إيلام العدو. فالتركيز على الواقع الإنساني وحده، وهو شقّ من الخبر لا يجوز إغفاله بطبيعة الحال، يأتي على حساب مواكبة الأبعاد السياسية للمعركة. فغزّة تنتصر سياسياً وعسكرياً ومعنوياً، رغم كل الآلام والمآسي. لذلك فإنّ التركيز على تصويرها كضحيّة فقط، يحمل في جانبٍ منه تحويراً للوقائع.
تشترك الفضائيتان أيضاً، وإلى حدّ بعيد، في طريقة تعاطيهما مع فصائل المقاومة. &laqascii117o;الجزيرة" لا ترى إلا &laqascii117o;حماس"، أمّا &laqascii117o;الميادين" فترى إلى جانب &laqascii117o;حماس"، &laqascii117o;الجهاد الاسلامي"، ولكن خلفها بخطوات عدّة. وخلف الجهاد، ولكن بمسافات طويلة أخرى، تظهر &laqascii117o;الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، بخجل شديد. تتقاطع أجندتا القناتين في لحظة خاصة، بشكل يتحوّل &laqascii117o;البحث عن الحقيقة" إلى بحث عن المصلحة السياسية. يستتبع ذلك تغييب المعادلة الأهمّ التي أثبتها الشعب الفلسطيني عبر أكثر من ستين عاماً، والقائلة بأنّ الفصيل الفلسطيني الأقوى، هو ذاك الذي يطلق النار باتجاه العدو الصهيوني، بغض النظر عن الأيديولوجية. أيّ أنّ تقديم الاعتبارات الأيديولوجية/ السياسية لكلي القناتين، يحلّ مكان الاعتبار المقاوم الذي يراه الفلسطينيون، اعتباراً أول.
وبالرغم من أن &laqascii117o;الميادين"، تميل أحياناً باتجاه عرض القوة الفلسطينية وقدرتها على النصر، إلا أنّها بالمجمل، إذا ما قورنت بـ&laqascii117o;المنار" مثلاً، فهي تميل في المحصلة نحو التفجع والندب، في مقابل انضباط &laqascii117o;المنار" العالي ونفسها الانتصاري. تخرج عن السياق المتفجّع على شاشة &laqascii117o;الميادين"، وعلى رأسها برنامج &laqascii117o;فلسطين تقاوم" الذي يعيد قراءة ما يجري من وجهة نظر المعركة الإعلامية، ويرصد قدرات المقاومة الإعلامية النوعية، وتحولات الإعلام العالمي والرأي العام الغربي تجاه القضية الفلسطينية.
بالمجمل فإنّ الحرب على فلسطين اليوم، تضع وسائل الإعلام العربية المختلفة أمام امتحان لجديّتها، بعيداً عن اللجوء السهل إلى الندب، والبكاء، واستعراض العضلات الإنشائية.
المصدر: صحيفة السفير