قضايا وآراء » مثقفون أجانب يستنكرون العدوان على غزة

بونيفاس وكوفيان ودامبوري وفيرجيس وحليمي.. &laqascii117o;لا نريد أن نسكت"
إسكندر حبش
نكون واهمين حقاً، إن اعتقدنا أن الصحف والمجلات الغربية التي صدرت منذ بداية العدوان الأخير على غزة، تحمل الكثير من الردود المتضامنة مع أهل القطاع (وبالتالي مع الفلسطينيين بشكل عام) وما شهدوه من قتل مبرمج ومن تدمير، حتى لم ينج من ذلك أي شيء. بداية نخطئ في القول &laqascii117o;العدوان الأخير"، إذ ليس الأمر سوى عدوان مستمر من عقود، لكنه يعود ويشتد قصفاً وقتلاً بين كلّ فترة وأخرى.
في أي حال، جولة على هذه الصحف، لا بدّ من أن تفيد بأن غالبيتها، التي تناولت الحرب، تناولت القضية بشكل موارب، صحيح أنها تشير أحياناً إلى ما يقع، لكنها في المحصلة النهائية تبدو وكأنها تهرب من اتخاذ موقف حاسم. وإن كنّا نجد بين فترة وأخرى مقالة في صفحات الرأي وهي لا تلزم إلا صاحبها بالتأكيد. وإن كانت في العمق لا تتخذ موقفاً راديكالياً من اسرائيل. ربما هذه المواقف غير مرجوة، حين نقرأ ونسمـع ونشاهـد أن العديد من المذيعين والصحافيين الذين امتلكـوا الشجاعة في قول الحقيقة قد أعفوا من مناصبهم وتمّ الاستغناء عن عملهم. آخرون تعرضوا للتهديد، ولعل أبرز مثال على ذلك الباحث الفرنسي باسكال بونيفاس، الذي لم يتوقف عن التنديد بالمجازر التي ترتكبها إسرائيل. هذا التهديد الذي تعرض له جعله يقدم شكوى إلى مركز من مراكز الشرطة في العاصمة الفرنسية، إذ اعتبر في بلاغه أن رجلا (تمكن بونيفاس من تصويره وتقديم الصورة) هدده بالقتل نظراً إلى مواقفه المؤيدة لحق الفلسطينيين في الحياة. وقد أتى هذا الحادث بعد اتهامه بالمعاداة للسامية. (ولا ضرورة بالطبع للتذكير أن أي موقف تجاه سياسة إسرائيل لا بدّ من أن يُتهم صاحبه بأنه معاد للسامية).
مواقف بونيفاس، لم يكتبـها في مجـلة ورقيـة، بل جاءت غالبيتها في الموقع الالكتروني (IRIS) الذي يديره والذي يعنى بالشؤون العالمية الإستراتيجية، كما على صفحته الفايسبوكـية. ربـما من هـنا علـينا أن نبحـث في هذه المواقع (كما على صفحات الفايسبوك والتويتر) كي نتمكن من التعرف على بعض الآراء التي تنـدد بالمجازر.
لكن قبل ذلك، لنمر على مقولة المعاداة للسامية عبر &laqascii117o;حادث صغير"، إذ لعلّ ما قاله كاتب &laqascii117o;المارتينيك" رفاييل كوفيان يختصر هذا &laqascii117o;الرعب" الذي يتعرض له الكتّاب حين يرغبون في الحديث عن القضية الفلسطينية. وفي تفاصيل القصة أن موقع (La1ere.fr) طلب من عشرات الكتّاب الذين ينتمون إلى منطقة المارتينيك والكاريبي والغوادلوب (أي ممن يعبِّرون بالفرنسية) أن يكتبوا شيئاً عن الحرب الدائرة الآن في غزة، فلم يستجب منهم سوى خمسة، حيث ردّ كوفيان على الشكل التالي: &laqascii117o;أتأسف لعدم تمكنني من الإجابة عن سؤالكم إذ إن العديد من الأوساط في فرنسا كما أوساط الإنتجلنسيا في الأنتيل لا ينتظرون مني سوى ذلك كي يتهمونني بمعاداة السامية. لكن ما يجعلني مطمئناً، أن هناك اليوم ـ في جميع أنحاء العالم، كما في البلدان الصغيرة ـ وعياً عالمياً بدأ بالتفتح وهو لن يُمحى بسرعة. هذا الوعي هو الذي سيجبر محكمة العدل الدولية أن تقبض على اللحظة التي حانت".
من الذين أجابوا من أولئك الكتّاب الذين ينتمون إلى هذه المنطقة نجد بداية جيرتي دامبوري (مسرحية وكاتبة من الغوادلوب) إذ تجد في ورقتها المعنونة &laqascii117o;إنها مجزرة غير مقبولة": &laqascii117o;يبدو أن السنين تمضي ويتراءى لنا أننا اعتدنا، في نهاية الأمر، المجازر المستعادة التي يذهب ضحيتها المدنيون في فلسطين". وبعد أن تتذكر في كلمتها كيف عاشت أجواء حرب 1967 إذ كان أهلها يتناقلون أخبار المعارك التي تدور &laqascii117o;في الأراضي المقدسة"، وكانت بالنسبة إليهم، وهم &laqascii117o;الكاثوليك المتحمسون" نهاية &laqascii117o;عالم معروف"، تضيف دامبوري: &laqascii117o;منذ أن كنت في السابعة عشرة من عمري، شاركت في العديد من التظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني، واليوم أيضاً أشدد على التفكير بأن الآلام التي عاشها يهود أوروبا خلال عقود، وبخاصة في الحرب العالمية الثانية، لا يمكن لها أن تبرر ما يرتكبه صهيونيون متعصبون من هذه الكراهية المتأصلة التي توافق عليها المؤسسات الدولية. إذ إنها (هذه الارتكابات) لا تفعل شيئاً سوى تضييق الخناق على شعب فوق أراضيه الخاصة وهي تحكم عليه بالموت تحت القنابل الأكثر تعقيداً"...
المؤرخة وعالمة السياسة فرانسواز فيرجيس (من لاريونيون) قالت في مقالتها &laqascii117o;سجن تحت الهواء الطلق.." إن رأيها لن يغير شيئاً بالنسبة إلى النساء والأطفال والرجال الذين يعيشـون في غـزة، &laqascii117o;لكـن إن قـرأنا شهادات الأطباء والعاملين في المنظمات غير الحكومية والصليب الأحمر الدولي أو حتى السكان، نجد بوضوح أن الشعب الفلسطيني يقع ضحية الهجوم الإسرائيلي. لذلك أي كلام آخر لا بدّ من أن يكون ثرثرة إضافية".
من جهة أخرى، نشرت المحامية الفرنسية والمناضلة النسوية جيزيل حليمي على صفحتها في &laqascii117o;الفايسبوك"، ورقة بعنوان &laqascii117o;لا أريد أن أسكت"! (بتاريخ 28 تموز الماضي) قالت فيها: &laqascii117o;هناك شعب بأيدٍ عارية ـ الشعب الفلسطيني ـ يتعرض للمذبحة. وهناك جيش يجعل منه رهينته. لماذا؟ وما هي القضية التي يدافع عنها هذا الشعب والتي تجعله يتعرض لما يتعرض له؟ أؤكد من ناحيتي أن هذه القضية عادلة وسيعترف بها التاريخ بأنها عادلة. ثمة صمت متواطئ يهيمن اليوم على هذه القضية، في فرنسا بلد حقوق الإنسان كما في جمـيع بلاد الـغرب التي تأمركـت. لا أريد أن أسكت. لا أريد التخلي عن ذلك. وبالرغم من هذه الصحراء الصيفية، أريد أن أصرخ بقوة لأستـنهض هذه الأصوات التي سكـتت، ومن أجل هـذه الأصوات التي لا نرغب في سماعها. سيحـكم التاريـخ على ذلـك لكنه لن يمحو النهب. نهب الحيوات، نهب شعب، نهب الأبرياء".
كلام حليمي، يشير بالتأكيد إلى الموقف الرسمي الفرنسي الذي دافع عن المجازر الإسرائيلية. ربما أيضاً علينا أن نشير إلى قرار السلطات الفرنسية التي منعت التظاهر تضامناً مع غزة في أيام الحرب الأولى قبل أن توافق على بعضها الآخر (على مضض)، بعد أن تبين لها أن ما ارتكب من أحداث شغب، في بعض التظاهرات، لم يكن بسبب &laqascii117o;العرب" أو &laqascii117o;المتضامنين" الفرنسيين، بل بسبب أعضاء &laqascii117o;رابطة الدفاع اليهودي" الذين أحدثوا بلبلة عارمة كانت الغاية منها منع التظاهرات المؤيدة. لكن هذا لا ينفي أن السلطة الفرنسية تحاول منع كل ما يمت بصلة إلى وقفة تضامنية، فعلى سبيل المثال نقرأ في موقع (Ajib.fr)، يوم السبت في 26 تموز أنه تم إلقاء القبض على عدد من الممثلين الفرنسيين (8 نساء و4 رجال) رغبوا في تقديم عرض مسرحي في الشارع بعنوان &laqascii117o;نقطة تفتيش"، ويتحدث عن كيفية منع الجنود &laqascii117o;الإسرائيليين" لمواطنين فلسطينيين من التجول والانتقال داخل فلسطين. لكن بعد دقائق من بداية العرض، وصلت الشرطة لتعتقل الفنانين الذين تمّ احتجازهم في أحد مراكز البوليس، (أطلق سراحهم بعد 24 ساعة). ويضيف الموقع أن الفنانين تناقشوا مع رجال الشرطة حول هذا &laqascii117o;القمع" وكان الرد &laqascii117o;جاء الأمر من أعلى"...
في أي حال، ليس ما تقدم سوى جزء من مواقف، وليست كلها بالطبع، وهي إن دلت على شيء فهي تدل على هذه الحرب المزدوجة التي تتعرض لها غزة، حرب الاحتلال والموت، وحرب العالم عليها، كي لا ترفع صوتها وتخبر ما يجري.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد