فادي الطويلمع مرور شهر على بداية العدوان على غزّة، تعيش وسائل الإعلام مأزق محاربتها المفضوحة لنشر الرأي الآخر، أكثر من عنايتها بنشر أخبار الجانب الذي تؤيّده. تنشط لا لتكشف، بل لتوجّه مشاهدين لما فيه مصلحة الرواية الإسرائيلية التي تدافع عن نفسها أمام 'الإرهاب' الفلسطيني. ذلك ما أوقع تلك المؤسَّسات في أخطاء ومطبّات مهنيّة كثيرة.
حرب 2014 مختلفة عما سبقها، لأن التغطية الإعلامية الأميركية ــ الغربية (والعربية أحياناً)، لم تعد قادرةً على احتكار الخبر، مع صعود الإعلام الاجتماعي الجديد الذي أخذ يفنّد وينشر ويخلق رأياً عاما في مواجهة الرواية المُعلنة. وأياً تكن الفوارق بين القوّتين، فإن ما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي يؤرِّخ ويوثّق لحالة العدوان هذه، ويصرخ بمواجهة ميديا مكرّسة برؤوس أموال ضخمة، تتداخل فيها مصالح سياسيّة وغير سياسيّة. ذلك ما جعل مؤسسات إعلامية كبرى تعيد حساباتها في التعامل مع العدوان، والمنطق الإسرائيلي المفضوح أصلاً، من خلال سحب بعض مراسليها من القطاع، سواء بشكل مؤقّت أو دائم. ولا يكاد يمرّ يوم من دون ظهور موقف متعاطف مع غزّة، على لسان إعلاميين ومشاهير لا يتبنّون بالضرورة مواقف سياسيّة مؤيّدة للمقاومة الفلسطينيّة، بقدر ما يعلنون رفضهم جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال في غزّة.
في الثاني والعشرين من تموز/ يوليو الماضي، كتب محرّر شؤون الشرق الأوسط في 'بي بي سي' جيريمي بوين في سلسلة تقاريره من غزة إنه 'لم يرَ أيّ دليل على استخدام مقاتلين من حماس لمدنيين فلسطينيين كدروع بشرية'، وهو بهذا أسقط ذريعة من الذرائع التي يتنطّح للتصريح بها عديد الباحثين الغربيين (والعرب) لتبرير جرائم إسرائيل المستمرة منذ أربعة أسابيع. وبحسب ما أُشيع أمس على 'تويتر'، فقد تم الطلب من جيريمي بوين العودة من غزة بسبب تصريحه الذي مضى عليه عدّة أيام. ردّ بويب عبر 'تويتر'، مؤكّداً أنّه لم يعفَ من مهامه، بل أنّه 'في إجازة'، بانتظار معرفة حقيقة الموقف في حال عاد إلى فلسطين أم لا.
أما جون سنو، مقدم الأخبار الشهير في 'تشانل 4' البريطانية فقد نشر مقطع فيديو (من ثلاث دقائق ونصف) على 'يوتيوب' يوم السبت الماضي، قامت القناة ببثه في اليوم التالي على موقعها الالكتروني (وليس ببثه تلفزيونياً). تحدث فيه الإعلامي المخضرم عما رآه في غزة، عن أطفال غزة بالتحديد، مما لا يزال 'محفوراً في ذهني'، حسب قوله. حيث قام بالتعرض لحالات إنسانية لم يستطع إخفاء تفاعله معها، وتعاطفه تجاهها. ما دفع طفلة بريطانية في الثامنة، بعدما شاهدت الفيديو، إلى كتابة رسالة وجهتها لوزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، قالت فيها: '....هذا خطأنا. إننا نقتل الناس في غزة عبر تزويد إسرائيل بالأسلحة. نحن بحاجة للمشاركة في إيقاف إعطاء الأسلحة لإسرائيل، وإلا فمن يدري إلى متى سيستمرّ هذا. وسأقدّر لك موقفك إن تحدثّت مع أي من أفراد الحكومة الإسرائيليّة لمحاولة إيقاف هذه المأساة'.
جاء هذا الفيديو الذي نشره سنو مباشرة بعد عودته من غزة إلى لندن. وهو كان يقصد بالتحديد مشاهد الأطفال الجرحى الذين رآهم قبل عودته بيوم واحد في مستشفى الشفاء. يقول سنو: 'يجب أن نعرف أننا، بطريقة ما، نتشارك مسؤولية هذا الموت. لا نستطيع تركه يستمرّ.. يمكننا، مع بعضنا، أن نصنع الفرق'. تعرض سنو إثر ذلك التقرير، لحملة من أنصار 'إسرائيل' في الأوساط الإعلاميّة ممن انتقدوا 'انحيازه' ضدّها. حقق الفيديو أكثر من مليون مشاهدة عبر المنصات الاجتماعية المختلفة، منها نحو 700 ألف مشاهدة عبر قناة 'تشانل 4' على 'يوتيوب'. فيما لم يتم بثه ضمن نشرة الأخبار العادية في التلفزيون تجنباً لانتهاك بعض بنود 'قانون النزاهة الإعلاميّة'!
الرابط: https://www.yoascii117tascii117be.com/watch?v=ACgwr2Nj_GQ
المصدر: صحيفة السفير