رنا داود
قد يتضمّن الخبر الساخر أسماء حقيقيّة، وتفاصيل تتشابه إلى حدّ كبير مع الواقع، لكنّه يبقى مجرّد دعابة. المشكلة أنّ بعض وسائل الإعلام العربيّة، ترى في ذلك مادّة إخباريّة، فتعتمدها حقيقةً قاطعة، من دون التحقّق من المصادر. تنقل مجموعة من الصحف والمجلّات أخباراً عن مواقع وحسابات ساخرة، على أنّها وقائع حقيقيّة، فتصير حديث مواقع التواصل.
أحد أبرز &laqascii117o;مصادر" ذلك اللغط الإعلامي عربياً، هو موقع The Pan-Arabia Enqascii117irer، ومركزه دبي. منذ إعادة انطلاقه في العام 2012، يسخر الموقع الناطق بالإنكليزيّة من الشخصيّات المعروفة والفنّانين، والسياسيّين، وشركات الأعمال. وينشر أخباراً بأسلوب تهكّميّ محورها الدول العربيّة، إضافة إلى &laqascii117o;إسرائيل" وإيران. حقّقت مواد نشرها الموقع انتشاراً واسعاً، وإن كان تمّ تحليلها تحليلاً خاطئاً غالباً، على أنّها وقائع لا سيناريوهات متخيّلة. من تلك المواد على سبيل المثال، أخبار الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، وإعلان شركة طيران الإمارات عن تقديم &laqascii117o;الشيشة" على متن خطوطها الجويّة، وفتاوى خياليّة لرجال دين سعوديّين، والاستثمارات القطريّة في العالم وغيرها الكثير. ومن أبرز أخبار الموقع التهكميّة التي تمّ تداولها لبنانيّاً، خبر عن تخلّي جورج كلوني عن الترويج لقهوة &laqascii117o;نيسبريسّو" بعد ارتباطه بالمحامية أمل علم الدين، واستعداده لإنجاز إعلان لمنتجات &laqascii117o;بن نجّار".
حاز &laqascii117o;ذا بان آرابيا إنكورير" اهتمام وسائل الإعلام الأجنبيّة، منها &laqascii117o;سي أن أن" التي وصفته بالنظير العربي لمجلّة &laqascii117o;ذا أونين" (The Onion) الأميركيّة الشهيرة؟ إلا أنّ المواقف الطريفة التي زُجّ فيها اسم الموقع تكاد لا تحصى. آخر تلك المواقف، انتشار خبر عن العارضة البريطانيّة كايتي برايس المعروفة باسم &laqascii117o;جوردن" (أي الأردن بالإنكليزيّة) التي تنوي مقاضاة المملكة الأردنيّة والمطالبة بتعويض مالي، لأنّ اسم &laqascii117o;الأردن" هو علامتها التجاريّة الخاصّة. جريدة &laqascii117o;رأي اليوم" نشرت &laqascii117o;الخبر" بتاريخ 22 حزيران/ يونيو الماضي، بالرغم من أنّ تاريخه الأصلي يعود إلى عامين تقريباً، وتوالى نشره على مواقع أخرى من دون التحقّق من صحّته، ليتحوّل إلى قضيّة تفاعلت على مواقع التواصل، مع توجيه مستخدمين عرب انتقادات لاذعة للعارضة البريطانيّة.
وفي حادثة مشابهة، نشرت جريدة &laqascii117o;المدى" العراقيّة مقالة بعنوان &laqascii117o;الخليفة إبراهيم في غرفة طبيب نفسي" في 9 تمّوز/يوليو الماضي. وتكشف المقالة &laqascii117o;عن الجانب الخفيّ والمعقّد لزعيم السلفيّة الجهاديّة الذي أعلن نفسه الخليفة إبراهيم"، من خلال حوار يدور بين البغدادي وطبيبه النفسيّ، حول هواجس &laqascii117o;الخليفة" إزاء ردود الفعل على إعلانه قيام الخلافة الإسلاميّة. الحوار المترجم من الإنكليزيّة الذي نسبته الجريدة إلى مدوّنة &laqascii117o;كارل-ري-ماركس"، ما هو إلا تدوينة ساخرة من تأليف صاحب المدوّنة، اللبنانيّ المقيم في بريطانيا كارل شرّو. يشير شرّو الى أنّ الصحافيّ العراقيّ كان على علم بسياق تدوينته، وعمد الى ألا يذكر ذلك في مقالته كي يختبر الجمهور.
تلك ليست المرّة الأولى التي يغفل فيها الجمهور أو الإعلام عن حقيقة تدوينات شرّو، فعلى سبيل المثال، قام سياسيّ أردنيّ معروف باستخدام رسالة ساخرة من توقيع شرّو، على أنّها كلام حقيقيّ في أحد خطاباته. ويرى شرّو أنّ هذه الحال لا تقتصر على العالم العربي، بل تنسحب أيضاً على وسائل الإعلام الغربيّة، خصوصاً في ما يتعلّق بالفتاوى الإسلاميّة وأخبار الجهاديّين. ويقول لـ&laqascii117o;السفير": &laqascii117o;يصعب تحديد سبب تراجع شعبيّة هذا النمط من الكتابات، ولكن ربّما يكون مردّه إلى أنّ الأسلوب الساخر يعزّز الشكوك حول السياسة ورجالها التي تراود الجمهور في المنطقة، بدلاً من تبسيطها أو معاملتها بسطحيّة.. كما أنّ هناك كتّاباً يجيدون هذا الأسلوب، ولكنّهم قلّة إجمالاً".
ويأسف شرّو لعدم شيوع الأسلوب الساخر كوسيلة للتعبير اليوم، بالرغم من &laqascii117o;أنّنا عرفنا أسماء اشتهرت به عبر التاريخ أمثال الجاحظ المعروف بحنكته، أو اللبناني عمر الزعني"، مشيراً إلى أنّ النمط كان في السابق أقرب إلى الهجاء منه للسخريّة. &laqascii117o;لكنّ الكتابات الساخرة تشحّ لعدم مرونة اللغة العربيّة الفصحى وتحمّلها هجاءً معاصراً، أي سخرية. الأمر ليس مستحيلاً، لكنّه يستغرق وقتاً طويلاً لتطوير نمط فصيح ساخر.. كتابات زياد الرحباني بالفصحى مثلاً لم تنجح مثل مسرحيّاته أو تسجيلاته بالعاميّة".
ويحمّل شرّو الإعلام العربي مسؤوليّة عدم تشجيع الكتابات الساخرة، ويؤمن بأنّ الحلّ هو تبنّي الإعلام لأعمال مماثلة، وتمويلها، لتحفيز الكتّاب على إنتاج أكثر إبداعاً وذكاء. ولكن ألم تصبح الأخبار اليوميّة غريبةً لدرجة باتت معها الأخبار الساخرة تحتمل التصديق؟ أم أنّنا نفقد حسّ الدعابة؟
المصدر: صحيفة السفير