زينب مرعي
في الدول الديكتاتورية، يبلغ خطاب السلطة قمّة الهزل، حين يواجه بأحداث أو تظاهرات شعبيّة، تتخطّاه. لا يحدث ذلك إلا في &laqascii117o;الدول الديكتاتوريّة المتخلّفة" التي لا توفّر الشاشات الأميركية فرصةً للسخرية منها، والمناداة بحقوق الإنسان فيها. لكن ماذا سيكون موقف الشاشات الأميركية إن سارت التظاهرات في الولايات المتحدة، كما يحصل الآن في مقاطعة سانت لويس، فيرغسون؟ مهلاً، لا يمكن استخدام كلمة &laqascii117o;متظاهرين" في أيّ وسيلة إعلام أميركيّة، إذ انّها التزمت بالصفات التي تطلقها عليها، أي كلمة &laqascii117o;مخرّبين" و&laqascii117o;مجرمين"... وما أدراك أيضاً، قد يكون بينهم &laqascii117o;مندسّون" يطلقون النار على المتظاهرين، ليتّهموا الشرطة بقتلهم من بعدها!
خطاب السلطة
تماهياً مع خطاب السلطة تعنون قناة &laqascii117o;آي بي سي" الإخبارية تقاريرها حول التظاهرات بـ&laqascii117o;الفوضى في فيرغسون"، بينما يؤكد مذيع &laqascii117o;فوكس نيوز"، بوجهه الرصين، أنّ من يريدون معرفة الحقيقة حول مقتل ابن الثامنة عشرة الأسود وغير المسلّح، مايكل براون، برصاصات الشرطي دارين ويلسون الأبيض، هم الآن في منازلهم وفي أسرّتهم.. أي انّهم لا يتظاهرون في الشارع.
تعطينا تقارير الشاشات الأميركية المرتبكة حول أحداث فيرغسون، جرعات كبيرة من الضحك هذه الأيام. مثال على ذلك أحد التقارير على &laqascii117o;سي أن أن". المراسلة، السوداء، تحاول أن تعدّ تقريراً، تريده أن يكون غاية في الموضوعية. تسأل إحدى المتظاهرات عمّا يحدث، فتخبرها المتظاهرة بأنّهم يتظاهرون يومياً بشكل سلمي، ثم حين تقرّر الشرطة أنّه حان وقت ذهابهم إلى منازلهم، يبدأ العنف. إذ تخرج العناصر التي تلبس الخوذات والسترات الواقية وتبدأ بملاحقتهم، تقول المتظاهرة. تذهب بعدها المراسلة، لتؤدي دورها بمهنيّة عالية، إلى الكابتن رون جونسون، المسؤول عن إعادة الأمن إلى المنطقة، لتسأله عن مظاهر &laqascii117o;عسكرة" الشرطة. وها هو الكابتن جونسون، الأسود هو الآخر، يطلع المراسلة على السبب الحقيقي خلف الموضوع من دون أي خجل. يقول جونسون: &laqascii117o;سيدتي، عدت أمس إلى منزلي في الثالثة والنصف صباحاً، لأجد أنّ الأضواء لا تزال مضاءة فيه. دخلت وإذا بزوجتي لم تأوِ إلى الفراش بعد. كانت جالسة على الكنبة، غاضبة، تنتظر عودتي. كانت غاضبة لأنها رأتني على التلفزيون من دون اللباس الواقي الكامل. وعندما عدنا إلى العمل اليوم، أخبرت فريقي أنّنا لن ننزل إلى العمل بعد الآن من دون لباسنا الواقي". &laqascii117o;هذا هو ردّ الشرطة"، تقول المراسلة. وها هي الموضوعية تتجلّى بأبهى حللها. تذمّر المتظاهرة يقابله جواب الشرطة. طرفا الصراع ممثلان هنا. انتهى.
موضوعيّة أم عنصريّة؟
تجاهلت مراسلة &laqascii117o;سي أن أن" ما ورد في مقال طويل نشرته &laqascii117o;ذا واشنطن بوست"، يروي فيه الصحافي ويسلي لوري تفاصيل اعتقاله مع صحافي آخر من &laqascii117o;ذا هافيغنتون بوست"، تم إطلاق سراحهما، أثناء تغطيتهما أحداث فيرغسون. كان هناك بين عناصر الشرطة الذين اعتقلوهما، من يرتدي لباس الشرطة العادي، وآخرون محصّنون كأنّهم من أفواج التدخّل السريع (SWAT). تجاهلت أيضاً، ما قاله شريف مقاطعة ميلووكي دايفيد كلارك، ردّاً على سؤال &laqascii117o;فوكس نيوز" حول مظاهر &laqascii117o;عسكرة" الشرطة التي شغلت مواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً: &laqascii117o;الشرطة اليوم في الولايات المتحدة تدرّب وتجهّز تماماً كما يجهّز الجيش. وهذا بالنتيجة يقودهم للأسف للتصرف كجيش وليس كشرطة". تتابع المراسلة ذاتها إضحاكنا حين تقرّ بأنّها رأت بأمّ عينها شرطياً يرفع سلاحاً &laqascii117o;حقيقياً"، في وجه المتظاهرين لكن ما لبث أن سأله زميله باستهجان كبير &laqascii117o;ماذا تفعل؟!"، حينها عاد الشرطي إلى رشده، ووضع سلاحه جانباً. كل ذلك حدث أمام المراسلة مباشرة، لكنها لا تخبر المشاهدين أنّ المصابين السبعة منذ بدء الأحداث هم جميعهم في صفوف المتظاهرين، وبعضهم وضعه حرج.
إن كنّا لا ننتظر خطاباً موضوعياً من القنوات الأميركية في تغطية أزماتنا، بل نعرف أنّها لا تستطيع سوى أن تكون صدىً للسلطات الأميركية، إلا انّ أداءها في تغطية تظاهرات فيرغسون، جاء مفاجئاً، إذ انّه لا يختلف بشيء عن تعاطيها مع الأزمات الخارجيّة.
في محاولة أخيرة للموضوعية، تذكر القنوات أنّ فريق متظاهري النهار، مختلف عن فريق الليل. فمن يتظاهرون في النهار هم مواطنون &laqascii117o;محترمون" ومسالمون، لكن ما ان يحلّ الليل حتى يخرج &laqascii117o;المجرمون". لكن أين هم المسالمون؟ أين صوتهم على الشاشات؟ لا نراهم، لا نسمعهم، لا مقابلات مع أي منهم. عوضاً عن ذلك، تجهد القنوات باستقبال كل أميركي من أصل أفريقي، يمثل السلطة، ويساهم أيضاً بإخبارنا أنّه يجب إيقاف &laqascii117o;أعمال التخريب"، في فيرغسون. في السياق ذاته، تستنفر القنوات كلّ مراسليها من ذوي البشرة السوداء، لينقلوا الأحداث من فيرغسون، ما يدلّ على أنّ زمن العنصرية والتمييز العرقي في أميركا لم ينتهِ بعد.
مساحة ممكنة للحقيقة
بعيدا عن الشاشات، شكلّت مواقع التواصل الاجتماعي والصحف، مصدراً أفضل للمعلومات. أهالي سانت لويس يغرّدون بالصور، حول حقيقة ما يحصل معهم. غرّدوا الصور الأولى لمقتل مايكل براون. غرّدوا عن بقاء جثّة الشاب لساعات على الأرض من دون أن تغطّيها الشرطة، كما تجري العادة. لماذا؟ يتساءلون. لا بدّ من أن الشرطة أرادت أن تبعث برسالة إلى مجتمعه. هذا ما يعتقده الناس. الصحف تعود للبحث في أصل المشكلة. هل يحق للمتظاهرين أن يتظاهروا اليوم؟ هل يحقّ للمخرّبين حتى أن يخرّبوا ولو قليلاً بعد ما جرى مع مايكل براون؟ فقط في الصحف سنسمع أصوات المتظاهرين. &laqascii117o;لماذا أبعدوا الشرطيين البيض من الواجهة، واستبدلوهم فوراً بآخرين من العرق الأسود؟"، &laqascii117o;نعاني من التمييز العنصري منذ سنوات طويلة، قضية مايكل براون هي القشّة التي قسمت ظهر البعير"، &laqascii117o;في السنوات الأخيرة الشرطة كانت عدائية جداً تجاهنا، جميعنا تمّ توقيفنا على الأقلّ في مخالفات سير لأنّه يحدث أننا نقود ونحن من العرق الأسود". وتطول الشكاوى. تذكر &laqascii117o;ذا واشنطن بوست" مثلاً أنّ مقاطعة سانت لويس هي من أكثر المقاطعات التي لا تزال تعاني من التمييز العنصري في الولايات المتحدة، وأنّه منذ عقد من الزمن وهناك شكاوى دائمة عن توتر عرقي في سانت لويس.
تعرض الكاتبة كارا براون في مقالة كتبتها في مجلة &laqascii117o;جيزيبيل" سبب غضب الناس اليوم في أميركا بعد حادثة مقتل مايكل براون، وتقول: &laqascii117o;الإجابة الصحيحة عن المآسي التي تصيب المواطنين السود ليست &laqascii117o;ولكن ماذا عن الجرائم التي يرتكبها السود؟"". نشاهد، اليوم، الإعلام الأميركي يتعاطى مع الموضوع بالطريقة ذاتها.."ولكن ماذا عن المخرّبين السود؟".
المصدر: صحيفة السفير