ملاك حمود
قُتِل ما لا يقل عن 69 صحافياً، منذ بدء الحرب في سوريا العام 2011. وثّقت &laqascii117o;لجنة حماية الصحافيين" أسماء أولئك الذين قتلوا أثناء تأديتهم لواجبهم المهنيّ، آخرهم الصحافي الأميركي جيمس فولي الذي أعدم على يد تنظيم &laqascii117o;الدولة الإسلامية". ذَبْحُ فولي، الموثّق بالفيديو، طرح معادلة جديدة لجهة التعامل مع ذلك النوع من القتل في الولايات المتحدة. استنفرت كل أجهزة الدولة، ووسائل الإعلام في صورة بدت أقرب إلى التعاطي مع الكوارث الكبرى، وذلك ما لم نشهده خلال سنوات الحرب في سوريا، أو عند سقوط آلاف القتلى في فلسطين والعراق وأفغانستان...
خدش &laqascii117o;داعش" الحياء الأميركي بقتل مواطن ومصور صحافي أتى من البلاد البعيدة، لتغطية الحرب في سوريا. إعلامياً، منعت أجهزة الدولة مشاركة الشريط المصور الذي يظهر إعدام فولي ذبحاً، واتهمت كل من يروّج له أو ينشره، بأنّه شريك في الجريمة. بدورها، اتخذت كل من شركتي &laqascii117o;تويتر" و&laqascii117o;يوتيوب" إجراءات صارمة، هي الأولى من نوعها، عن طريق إزالة الفيديو والصور. وهدّدت &laqascii117o;تويتر" بإلغاء حسابات مستخدمي موقعها الذين يخالفون ذلك القرار.
رسالة إلى الولايات المتحدة
آخر مرة شوهد فيها جيمس فولي، كانت في حلب، قبل أن يختفي أثره في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2012 حين كان يغطي الحرب في سوريا. وظلّ مكان فولي مجهولاً، إلى أن تمّ إبلاغ عائلته في أيار العام 2013، أنّ ابنها اقتيد إلى أحد سجون النظام السوري. وتبين أنّ الخبر عار من الصحة، بعدما نشرت &laqascii117o;مؤسسة الفرقان الإعلامية"، التابعة لتنظيم &laqascii117o;داعش"، يوم الثلاثاء الماضي، فيديو بعنوان: &laqascii117o;رسالة إلى الولايات المتحدة"، ينتهي بذبح فولي، والتهديد بذبح صحافي أميركي آخر هو ستيفن سوتلوف، ما لم توقف الطائرات الحربيّة الأميركيّة غاراتها الجوية ضدّ أهداف تابعة للتنظيم في العراق.
لا يبيّن شريط الفيديو، المنطقة التي جرت فيها عملية الإعدام، إذ يمكن أن تكون في أي صحراء بين سوريا والعراق. كما أن تلك لم تكن المرة الأولى التي يتعرض فيها فولي للخطف، إذ سبق أن اختطف أثناء تغطيته للأحداث في ليبيا العام 2011، وتمّ إطلاق سراحه في ما بعد.
&laqascii117o;تويتر" يستنفر
بعد نشر الفيديو وقرار السلطات الأميركيّة والبريطانيّة تجريم مشاركته، دخل موقع &laqascii117o;تويتر" كشريك في محاولة حلّ &laqascii117o;الورطة". حُذفت كل الصور ومقاطع الفيديو المتعلّقة بمقتل الصحافي الأميركي. لكن الشركة لم تكتف بإجراء الحذف، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، عبر إغلاق حسابات عشرات المستخدمين الذين نشروا بعض اللقطات من الفيديو. وتبع ذلك الإجراء تغريدة للرئيس التنفيذي لـ&laqascii117o;تويتر" ديك كوستولو، يقول فيها إن &laqascii117o;الشركة ستتخذ إجراءات ضدّ أولئك المستخدمين".
وبالرغم من أنه يصعب إيجاد مبرّر لمشاركة ذلك النوع من الصور أو اللقطات الوحشية، إلا أن النهج الاستباقي الذي اعتمدته &laqascii117o;تويتر" هذه المرّة، يأتي في سياق سجال طويل حول عدم تدخّل الشركة في المحتوى العنفي الذي ينشر كل دقيقة على حسابات مستخدميها. إذ إنّ &laqascii117o;تويتر" عمد منذ انطلاقته، إلى تثبيت أوراق اعتماد &laqascii117o;حرية التعبير"، ولم يبادر إلى حذف أيّ محتوى عنيف. وكان المستشار العام السابق للشركة وصف &laqascii117o;تويتر" بـ&laqascii117o;جناح حرية التعبير لأنصار حرية التعبير"، وهو بحسب تعبيره &laqascii117o;نهج يتميّز بإزالة المحتوى فقط في حالات الضرورة القصوى، وفقاً لبلاغ حكومي أو عبر قنوات مصمّمة للإبلاغ عن التحرش الجنسي". لكنّ صور فولي قلبت المعادلة، إذ حرص الموقع على إزالتها، وحجب حساب كلّ من ينشرها. وقبل تحديد ما إذا كانت خطوة &laqascii117o;تويتر" محقّة أم لا، لا بدّ من مواجهة حقيقة مفادها بأنّ الجميع بات عرضة لأبشع أنواع العنف اليومي، الذي يأتي على شكل صور ومقاطع فيديو، تنشر عبر الموقع المذكور... لكنّ الموقع لم يصنفّها تحت خانة &laqascii117o;الضرورة القصوى" التي تقتضي الحجب.
ازدواجيّة المعايير
قبل شهر، وتحديداً يوم 17 تموز/ يوليو الماضي نشرت صحيفة &laqascii117o;نيويورك تايمز" الأميركية، على صفحتها الأولى، صورة لجثة واحد من أطفال بكر الذين استشهدوا عندما استهدفتهم غارة إسرائيلية أثناء لعبهم على شاطئ غزة. يقول جيمس بال في مقال لصحيفة &laqascii117o;غارديان" البريطانية: &laqascii117o;الطفل له عائلة، وأصدقاء أيضاً، تماماً كما فولي الذي أعدمه &laqascii117o;داعش"... ففي العالم الصغير جداً، والمتصل إلى هذا الحد، لا بد أن صورة الطفل وصلت إلى أحد أفراد أسرته أو أقاربه تماماً كما صور الصحافي الأميركي".
صور الموت في غزّة لم تُحْدِثْ أيّ جدل، بل بقيت ضمن سرديّة &laqascii117o;حرية التعبير والنشر". وتحفل منصّات الإعلام البديل كلّ يوم، بصور لإعدامات جماعية ومجازر ينفذها &laqascii117o;داعش" في سوريا والعراق، لم يعترض عليها أحد. وذلك ليس إلا نموذجاً عن ازدواجيّة المعايير الأخلاقيّة والمهنيّة في التعاطي مع الموت.
المصدر: صحيفة السفير