قضايا وآراء » الدور الإقليمي لحزب الله: القيود والحدود

حسام مطر
كل ممارسة للقوة لها حدودها الخاصة، كل محاولة توسع في النفوذ والسيطرة تعني حتماً الاصصدام بمصالح الآخرين ونفوذهم. وقبل ذلك، كل محاولة لممارسة القوة تصطدم أولاً بحدود قوتك الذاتية لا سيما ندرة الموارد وتعقيدات البنية الداخلية وشرعية تلك الممارسة. لا تشذ محاولات &laqascii117o;حزب الله" لممارسة نفوذ وأدوار إقليمية عن هذه الضوابط التي يمكن إيجازها ضمن: حجم موارد الحزب، ضغوط البيئة الحاضنة، مقتضيات الواقع المحلي اللبناني، طبيعة ميزان القوى الإقليمي- الدولي، حقائق الظروف الداخلية لساحة التدخل، وتهديد التوترات المذهبية.
على صعيد موارد &laqascii117o;حزب الله"، فهي القيد الأول لإنها تحدد الى حدٍ بعيد إمكانية التأثير وحدوده في أي ملف إقليمي. برغم ما يمتلكه &laqascii117o;حزب الله" من قوة ـ مادية وبشرية - إلا أنه يجب النظر إلى المقدار الذي يمكن توظيفه خارج الحدود من دون أن يستنزف حضوره في الجبهة الجنوبية. برغم حالة الهدوء الظاهري لتلك الجبهة، إلا أن الطرفين يواصلان العمل الدؤوب لمراكمة أسباب القوة للحفاظ على حالة توازن ردع وقوة تضمن عدم التعرض لهزيمة مستقبلية. لكن بمرور الوقت، ونتيجة تحصيل الحزب رصيداً مُعتبراً من القدرة، بلحاظ الوضع المحلي، أصبح أكثر قدرةً على توظيف موارد متزايدة وبفعالية أكبر في الوضع الإقليمي، وبالتالي ارتفعت نسبة مشاركته في القوة النسبية لمحور المقاومة.
على صعيد البيئة الحاضنة، بالتحديد الشيعية، لا بد أن يكون تدخل الحزب مقنعاً ومتسقاً مع برنامج الحزب وخطابه العقائدي والسياسي. تتعرض بيئة &laqascii117o;حزب الله" لضغوط مستمرة لا سيما اقتصادياً (طرد المغتربين ـ ملاحقة حسابات مالية) وعسكرياً (عقيدة الضاحية الإسرائيلية، وهجمات التكفيريين الأخيرة) في محاولة لعزلها عن خيارات الحزب، ضمن ما يمكن توصيفه بإستراتيجية &laqascii117o;تجفيف المستنقع". حفّزت هذه الإستراتيجية حساسية الحزب تجاه أي خطوط تَفَسُّخٍ قد تظهر بينه وبين حاضنته الشعبية، وهذا ما يبرز من خلال جهوده المتقدمة والكثيفة في الاتصال والتواصل الدائم مع هذه البيئة. هنا تنبغي الإشارة الى أن الرأي العام لا يقود &laqascii117o;حزب الله" ولا يدفعه نحو القيام بعمل ما، بل بالأغلب قد يكون عاملاً مانعاً لتدخل ما أو مقيداً لحدوده.
ثالثاً، الظروف الداخلية لساحة التدخل أي الحساسيات المحلية، مستوى التناقضات، مدى شرعية الحكومة المركزية، مستوى الاستقرار الأمني، التركيبة الاجتماعية ـ الثقافية، موقعها الجيو ـ إستراتيجي، وتوازنات القوى المحلية؛ كل هذه العوامل قد تشكل حدوداً أو تقدم فرصاً للتدخل. التدخل على جانب الحكومة أو بالتوافق معها أو برضاها الضمني أسهل من العمل مع خصومها، مثل دور &laqascii117o;حزب الله" في سوريا أو دعم بعض التنظيمات العراقية بمواجهة &laqascii117o;داعش" بالخبرة والتخطيط والتدريب، فيما عانى &laqascii117o;حزب الله" من موقف الحكومة المصرية في محاولته التواصل مع المقاومة الفلسطينية في غزة. موقف السكان المحليين من دور الحزب وطبيعة انقساماتهم أيضاً أساسية، مثلا برغم اعتقال أحد كوادر الحزب في مصر بسبب نقله السلاح لغزة، إلا أن موقف الشعب المصري الإيجابي في أغلبه تجاه هكذا خطوة وضع الحزب في موقف أفضل.
من هذا المنطلق، يتوجس الحزب من التدخل في الشؤون والخلافات الداخلية لدول المنطقة، ويفترض أن شعوب تلك الدول هي الأقدر على حل مشاكلها. وللـتأكيد على هذا الأمر، يشير الدكتور عبد الحليم فضل الله (رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق) الى دعوة السيد نصر الله العام 1997 القوى الإسلامية للمصالحة مع الأنظمة العربية القائمة على قاعدة المقاومة باعتبارها إشارة من الحزب إلى أنه لن يكون جزءاً من الخلافات العربية الداخلية.
وبما أن الرأي العام الإقليمي أصبح رأياً عاماً واحداً بسبب ثورة الإعلام والاتصالات، فإن الحزب يهتم ليس فقط بموقف الرأي العام للبلد المعني، بل بالرأي العام الإقليمي ككل. إلا ان الحزب يرى أن الوقائع والحقائق الموضوعية هي الأحق والأولى أن تُتبع وليس تقلبات الجماهير ولكن من دون تجاهلها. ولذا يواظب الحزب على محاولة شرح وتفسير مواقفه مراهناً على أن يُظهِر الزمن وتطور الأحداث صوابية رؤيته بالأساس.
رابعاً، النظر الى متطلبات وهواجس النسيج اللبناني واحتياجات النظام السياسي لا سيما أن الحزب هو مكون من مكونات الدولة من جهة تَحَمُّلِهِ مسؤولية المقاومة، وقد زادت هذه الضغوط بعد دخوله الى الحكومة اللبنانية العام 2005. يفاقم من هذا القيد، ضغوط الخصوم المحليين أي تحالف قوى 14 آذار المنخرط إقليمياً أيضاً. يُدرك خصوم &laqascii117o;حزب الله" المحليون أنهم عاجزون عن &laqascii117o;نزع سلاحه" كما طمحوا في الفترة الأولى 2005 - 2006 . منذ حينها انتقل دور قوى 14 آذار لمحاولة تعميق الشرخ المحلي حول المقاومة، استنزاف &laqascii117o;حزب الله" سياسياً ومعنوياً، تقييد خياراته من خلال زيادة الانقسام الداخلي حول هويته ودوره، ومحاولة عزله عن محور المقاومة من خلال حجج من قبيل، انتهاك السيادة اللبنانية، استدعاء العداء العربي والدولي تجاه لبنان، العمل وكالة عن إيران، واستدعاء الحرب الإسرائيلية وتدمير لبنان.
استخدمت هذه الحجج لتقليص التأييد الشعبي لـ&laqascii117o;حزب الله" لا سيما داخل الوسط المسيحي بما ينعكس في الانتخابات النيابية وبالتالي الرئاسية وتشكيل الحكومة. طمحت قوى 14 آذار الى إخراج &laqascii117o;حزب الله" من الحكومة لتكريس كونه ميليشيا خارجة عن شرعية الحكومة المركزية. إلا ان الحزب نجح في بناء تحالف داخلي قوي غير قابل للإقصاء برغم أنه لم يحصل على الغالبية في الانتخابات النيابية الأخيرة (2009) بفعل طبيعة قانون الانتخاب اللبناني. من هنا يبدي &laqascii117o;حزب الله" حرصاً على عدم إحراج حلفائه المحليين قدر المستطاع.
خامساً، ميزان القوى الإقليمي ـ الدولي. إن دور &laqascii117o;حزب الله" الإقليمي يجب إن يتحسب لردود الفعل الإقليمية - الدولية ونتائج تلك الردود ومداها. بالعودة الى مفهوم &laqascii117o;توازن القوى" فإن كل دور لـ&laqascii117o;حزب الله" يؤدي لتغيير في ميزان القوى الإقليمي سيدفع بالضرورة أولئك الخصوم نحو إجراءات لتعديل ذلك الميزان، إما من داخل الساحة المستهدفة وإما من خارجها من خلال توسعة إطار الصراع. وعليه، فإن الخوض في الحقل الإقليمي يجب أن يستند إلى قراءة دقيقة لميزان القوى وخيارات الخصوم الإقليميين والدوليين. وهذه الحسابات لا يمكن لأي من عناصر المحورَين (المحور المتماسك والمحور المنقسم) أن يجريها بشكل مستقل بعيداً عن مجمل التوازن الإقليمي، وهو ما يحتم درجة أعلى من التنسيق والتشاور والعمل المشترك داخل كل محور.
سادساً: تحدي صعود التوترات المذهبية. يحتل هذا الهاجس مكانة متقدمة في تقدير &laqascii117o;حزب الله" لدوره الخارجي، نظراً لتصنيف الحزب للفتنة المذهبية كأحد المخاطر الكبرى على مشروع المقاومة وبالتالي مستقبل الأمة. سعى &laqascii117o;حزب الله" محلياً وإقليمياً ومن خلال التعاون مع الجمهورية الإسلامية إلى إيجاد منصات ومنابر وآليات عديدة للحث وتمتين الوحدة بين المسلمين على أسس دينية وسياسية. إلا أن السنوات الأخيرة التي تلت اجتياح العراق والحرب في سوريا قد شهدت فورةً مذهبيةً تحرق نيرانها المشرق العربي، أو بالتحديد ما أُطلق عليه سابقاً &laqascii117o;الهلال الشيعي". تمكن جهاز الدعاية الوهابي الضخم من تعويم التصورات المذهبية لأزمات المنطقة لا سيما في لبنان وسوريا والعراق. يسهل على &laqascii117o;حزب الله" التدخل في القضايا التي يقع الصراع فيها خارج الإطار المذهبي، مثل دعم حركات المقاومة، بعكس الحال في الصراعات الداخلية ولا سيما عندما يمكن أن تحتمل صبغة مذهبية. ولذا كان موقف &laqascii117o;حزب الله" من الأحداث في البحرين والسعودية والعراق شديد الحذر والتحفظ. أحد أهم التحديات التي قد تواجه خيارات الحزب الإقليمية هي حين تبدو ـ واقعاً أو تصوراً - قيم الحزب في تعارض مع مصالحه.
بناءً عليه، يشير الدكتور فضل الله الى أن &laqascii117o;للحزب اليوم مصلحة هامة بالحفاظ والدفاع عن التنوع داخل المنطقة، فالقضاء على هذا التنوع هو تحد جديد يشكل خطراً على &laqascii117o;حزب الله" وبيئته وعلى لبنان ومشروع المقاومة والحضور الإسلامي في المنطقة والعالم." وإنطلاقاً من هذه المقولة، يصبح من الممكن أن نفهم سعي &laqascii117o;حزب الله" اليوم للدفاع عن هذا التنوع داخل المنطقة، والذي من دونه ستخسر البيئة الحاضنة خيار المقاومة جزءاً من اتساعها واستقرارها. من هذا المنطلق، للحزب أيضاً مصلحة واضحة في ترميم العلاقات الإسلامية ـ الإسلامية، كجزء أساسي من سياسته الإقليمية التي ينبغي أن تنعكس بدرجة أولى تبريداً في الداخل اللبناني.
أثبتت تجربة &laqascii117o;حزب الله" أنه حزب &laqascii117o;عقلاني" بمعنى أنه يحتسب أعباء وعوائد كل البدائل الممكنة لتحديد الأفضل بينها. هنا يشير الدكتور فضل الله، الى أن الحزب يحتسب الأعباء والعوائد على أساسَين: آني /تكتيكي وإستراتيجي/ بعيد الأمد، ولذا قد يرتضي أحياناً تحمل خسائر آنية لتحصيل مكاسب لاحقة ستظهر في الأمد البعيد وتنعكس إيجاباً في مشروعه المقاوم. بالتأكيد لا يوجد لاعب سياسي بعقلانية تامة بسبب النقص في المعلومات، الانفعالات العاطفية، التنافس وموازين القوى الداخلية، غياب التجارب السابقة، والضغوطات الإيديولوجية.
عقلانية &laqascii117o;حزب الله" ليست معزولة عن عقائديته، بل إن قواعد الفقه السياسي الإسلامي تتيح له هامشا من المناورة تحت عناوين الضرورات، درء المفاسد، التزاحم بين الأولويات، حفظ مصلحة الإسلام وسواها. ليس القصد هنا أن عقلانية الحزب خاضعة لموازين مادية فقط، بل تتدخل المبادئ العقائدية في فهم وتفسير الأحداث والمصالح المادية وتحديد وزنها وترتيبها وتصنيفها، وأيضاً تجعل من الحزب متقبلاً لبعض الأعباء المفترضة أكثر من سواها. أدرك دارسو &laqascii117o;القوة" أن وزنها &laqascii117o;يتحدد بناء على المحتوى الذي تعمل فيه"، فالدبابة في الصحراء عنصر قوة، ولكن في الغابة تنقلب عبئا. اختبر &laqascii117o;حزب الله" هذه القاعدة وتكيف معها، بعكس الجبابرة المغترين، وكم من جبار أهلكته حفرة حين أطال بنظره نحو السحاب.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد