محمود عزّت
حين وصل إلى مبنى قناة 'النهار' المصرية بقي محمود سعد جالساً في سيارته. لم ينزل لتقديم حلقة أمس الأوّل السبت من برنامجه 'آخر النهار'، أهم برامج القناة وأكثرها مشاهدة، بينما كان فريق الإعداد ينتظره في الداخل، استعداداً للحظات الأخيرة قبل البث ّ المباشر.
في وقت سابق من يوم السبت، كان فريق إعداد المذيع خالد صلاح قد تلقى اتصالات عاجلة تطالبهم بالحضور الفوري إلى مقر القناة. لم يفهموا السبب خلف ذلك، إذ أنّ صلاح يقدّم برنامج 'آخر النهار' يومي الاثنين والثلاثاء فقط، لكنّهم حضروا بالرغم من ذلك، وظلوا في انتظار تعليمات جديدة. ازداد التوتر مع تأخّر دخول سعد، وبقائه صامتاً في سيارته، خصوصاً مع خروج أحد ممثلي إدارة القناة، وانضمامه إليه في السيارة.
وفي تمام الساعة الثامنة إلا عشر دقائق، صدرت الأوامر بخروج خالد صلاح على الهواء مباشرة، في اللحظة نفسها التي كانت سيارة محمود سعد تنطلق مبتعدة عن المبنى.
هذه ليست المرة الأولى التي تتوتر فيها الأجواء بين محمود سعد، ورئيس شبكة قنوات 'النهار' علاء الكحكي. ففي حزيران/ يونيو 2013، وبعد فترة قصيرة من عزل مرسي عن رئاسة الجمهورية، حدثت أزمة مماثلة كان سببها هو خوف الكحكي من أن تكون القناة 'شريكاً ومحفّزاً' على الفتنة في مصر، كما أوضح عبر بيان أصدره حينه. ذلك ما دفعه إلى إعلان رغبته بإيقاف كلّ البرامج السياسية في القناة، على رأسها برنامج محمود سعد الذي تبنى خطاباً يميل إلى الإنصاف والتهدئة، في مواجهة خطاب فورة العنف والإقصاء لجميع الإسلاميين وأعضاء جماعة الإخوان وكلّ المتعاطفين معهم. وانتهت الأزمة وقتها بالصلح بين الكحكي وسعد الذي لوّح بالاستقالة ثم عاد لاستكمال برنامجه.
أصدرت القناة بياناً جديداً، تم إرساله مباشرة إلى الصحف ، كمبرر لعدم ظهور سعد في الموعد المحدّد. يعلن البيان رفض 'إدارة القناة أن يستغل أي أحد شاشتها للسخرية من القوات المسلحة أو تشبيه الحادث الإرهابي الأخير بالـ'نكسة''، كما أضاف: 'الكلام الحقّ قد تتسرب منه وجوه باطلة، وتؤكد الشبكة أنها لن تنخدع بهذه الشعارات وأنها في طريقها نحو الدقّة الإعلامية والرأي والرأي الآخر، ولن تسمح بأن تكون هذه الشعارات خنجراً في ظهر مصر، أو معول هدم لمعنويات القوات المسلحة والشرطة المصرية ورجالها البواسل'.
لم يصدر عن سعد أي تصريح بخصوص ما حدث، باستثناء ما كتب عبر صفحة محبّيه على 'فايسبوك'، إذ كتبت 'الأدمن نور الهدى': 'مُنع محمود سعد من الظهور على الشاشة، والسبب 'ما حدش عارف حاجة'، واعتمادي على وعي جمهور أستاذ محمود في إدراك المسكوت عنه'.
وكانت تتردّد منذ فترة أقاويل عن غضب دوائر السلطة العليا من أداء محمود سعد الإعلامي، إلى حدّ تعرضه مؤخراً للمضايقات والاتهامات في البرامج التلفزيونية والأماكن العامة. وقبل منع ظهوره بساعات كان رئيس مجلس إدارة نادي الزمالك مرتضى منصور، يصرخ مطالباً السيسي بإيقاف برنامج 'محمود سعد' نهائياً، في مداخلة مع 'أم بي سي مصر'.
الغريب في كل ذلك أن سعد، في أدائه العام على الشاشة مؤيدٌ لـ'30 يونيو'، ضدّ الإخوان، معتدلٌ في مطالباته السياسية والاجتماعية ويقدمها دائماً بلهجة إصلاحية محافظة وهادئة، ولا يمكن اعتباره معارضاً للسيسي بأي حال أو يمثل تهديداً حقيقياً للسلطة الحالية. ربما كان أقصى تصعيد في لهجة محمود سعد مؤخراً، هو عرضه صوراً قديمة للسيسي، أثناء شغله لمنصب مدير المخابرات الحربية بصحبة عدد من شباب 'ثورة 25 يناير'، بعد أحد لقاءاته بهم عقب تنحّي مبارك، والذين تتعدد مصائرهم الآن في عهده بين: معتقل ومطارَد ومغضوب عليه وممنوع من السفر. ووجّه سعد سؤاله للسيسي: أين هؤلاء الشباب اليوم يا سيادة الرئيس؟ وهل هؤلاء الذين جمعتك بهم الصور السعيدة بعد الثورة خونة وعملاء ومموَّلون من دول معادية؟
ليست هناك تأكيدات أن ما حدث كان بإيعاز مباشر من السلطة أو الرئيس السيسي، على نحو يذكر بإيقاف برنامج 'البرنامج' الشهير ومقدمه باسم يوسف في حزيران/ يونيو الماضي، لكنه يؤرخ لمنحنىً جديد في طريقة التعامل مع الإعلاميين في الفترة المقبلة، خصوصاً بعد تصريحات السيسي المتكررة في كل لقاءاته بالإعلاميين بأنه لا يرى دعماً كافياً من الإعلام والإعلاميين لقراراته وسياساته... وعلى الأغلب لن يصبح الصمت أو المعارضة الهادئة كافيين لتجنب الإيقاف والمنع، بل من الآن فصاعداً على الإعلاميين ومقدّمي البرامج المصرية الاختيار بين اثنين لا ثالث لهما: إما الانحياز التام للسلطة أو اللا وجود على الشاشة.
المصدر: صحيفة السفير