فادي الطويل
قبل عام من الآن، في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2013، كتب غلن غرينوالد مقالته الأخيرة في &laqascii117o;ذا غارديان"، منهياً علاقته بالصحيفة البريطانيّة التي تعاون معها لكشف تسريبات إدوارد سنودن. علّل الصحافي الأميركي مغادرته بانضمامه إلى &laqascii117o;مغامرة جديدة"، أو &laqascii117o;فرصة العمر" بحسب التعبير الذي شاع حينها. آنذاك، أيضاً، كانت أخبار استحواذ مؤسس &laqascii117o;أمازون"، جيف بيزوس، على صحيفة &laqascii117o;ذا واشنطن بوست" حاضرة بقوة. ولكن سرعان ما تبدَّدت التكهنات حول انضمام غرينوالد إلى مشروع مفترض لبيزوس، بظهور رجل أعمال بارز آخر على الساحة، هو الإيراني الأميركي بيار أوميديار الذي حوّل اهتمامه، بدوره، نحو المشاريع الإعلامية.
يومها، أعلن أوميديار، وهو مؤسس موقع 'إي باي'، عن إطلاق 'فيرست لوك ميديا'، وهو مشروع إعلامي طموح، استقطب عدداً من أهم الصحافيين المؤمنين بصحافة تقوم على التملّص من القيود والضوابط. وكان من المتوقّع أن تنبثق عن مؤسسة &laqascii117o;فيرست لوك"، مجلّات ومواقع متخصّصة عدّة، لم يصدر منها حتى الآن إلا مجلة &laqascii117o;ذا انترسبت" المتخصِّصة بالكشف عن فضائح &laqascii117o;وكالة الأمن القومي الأميركيّة"، بفريق عمل تألف من غرينوالد ورفاقه مثل لورا بويتراس وجيريمي سكاهل. وكان منتظراً أن تصدر عن &laqascii117o;فيرست لوك" مجلة أخرى هي &laqascii117o;راكيت"، متخصصة بالشؤون الاقتصادية وفضح الفساد، بإشراف مات تايبي، أحد الصحافيين اللامعين في مجلّة &laqascii117o;رولنغ ستون"، والذي استطاع أوميديار إغراءه بالانتقال إلى مشروعه الطموح.
اليوم، باتت فكرة &laqascii117o;فيرست لوك" بأكملها عرضةً للانهيار، بعد إعلان مات تايبي استقالته من المؤسسة قبل يومين، وعودته إلى &laqascii117o;رولنغ ستون". إذ كشفت استقالته عن مشاكل أعمق داخل المشروع الإعلامي الناشئ، تجلّت بخيبة أمل متعدّدة الأوجه يعيشها الصحافيون المنضموّن اليه. ويعود السبب في ذلك، إلى نزاع بين مدراء يحملون عقليّة استثماريّة يريدون فرضها على فريق التحرير، في حين يرفض الصحافيون تدخلات الإدارة وتفضيلها الأهداف الاستثمارية على حرية الصحافة ذاتها.
هنا، تسقط مقولات أوميديار ووعوده التي أغرى بها غرينوالد وتايبي وغيرهما. لم يعلّق مات تايبي على استقالته بشكل مباشر، وكان دبلوماسياً واكتفى بالتعبير عن أسفه لأنّ مشروع 'راكيت' لن يبصر النور. كما تجاهل ما أشيع حول سلوكه العنيف مع فريق العمل، وتغيّبه المستمر في الشهر الأخير، وذلك ما نفاه صحافيو 'ذا انترسبت' في مقال أشادوا فيه بزميلهم السابق ومهنيته. ذلك ما فعله أيضاً أليكس باريين، المعدّ الذي عمل تحت إشراف تايبي، إذ أشاد بمهنية هذا الأخير وطموحه، مع إشارته في الوقت ذاته إلى أنّ بيار أوميديار ما زال مؤمناً بصحافة جريئة وحرة، إلا أن المشكلة في أسلوب إدارته.
رحيل تايبي عن &laqascii117o;فيرست لوك" كان مناسبة أيضاً ليكشف العاملون فيها عن مشاكل في التمويل، إذ تراجع أوميديار عن تخصيصه مبلغ 250 مليوناً للمؤسسة الناشئة، ليعلن قبل فترة أنّه سيكتفي بـ 50 مليون دولار فقط. إلى جانب ذلك، فرضت الإدارة شروطاً قيّدت عمل الصحافيين، ليدركوا أن شيئاً لم يتغيّر، وأنّ المشروع الطليعي المفترض، سيحمل عيوب المؤسسات الإعلاميّة الأخرى التي هربوا منها. بذلك، وجدوا أنفسهم أمام واقع مختلف كلياً عما كانوا يبحثون عنه لدى انضمامهم إلى &laqascii117o;فيرست لوك ميديا"، إذ فوجئوا بمجموعة من القوانين والضوابط التي تحكّمت بسياسات التحرير ومعالجة المواضيع، وصولاً إلى تحديد البرامج التي يجب أن يتواصل الصحافيون عبرها داخلياً.
حظيت الأزمة المستجدّة باهتمام كبير في وسائل الإعلام، إذ عنون موقع &laqascii117o;ماشابل": &laqascii117o;فيرست لوك ميديا: فوضى عارمة"، وكتب موقع &laqascii117o;بوليتيكو": &laqascii117o;فيرست لوك ميديا تنشر غسيلها". والخلاصة أنّ هناك &laqascii117o;صراع قوى"، كما ورد في &laqascii117o;ذا انترسبت"، بين مدراء يأتون بمعظمهم من سيليكون فالي، وبين صحافيين لديهم تطلعات لا تقبل المساومة. ومع ما ورد في المقالة حول &laqascii117o;صبر" فريق عمل المجلّة على تدخلات الإدارة، وإصراره على تمرير مواقف عدّة في الصيف المنقضي، من المتوقّع ألا يكون مات تايبي أوّل وآخر المستقيلين من مؤسسة بدأت بوعود كبيرة، لتنصاع بسرعة كبيرة إلى واقع &laqascii117o;السوق". ذلك ما خلق شرخاً كبيراً بين أوميديار والصحافيين المنضمّين إلى مشروعه... شرخٌ يبدو غير قابل للإصلاح.
المصدر: صحيفة السفير